20 - 08 - 2024, 01:26 PM | رقم المشاركة : ( 170941 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أبنى الغالى .. بنتي الغالية أتحنن عليكم وانجدنكم وأترأف بكم وأفك قيود الشر وأطهر قلوبكم وضمائركم وافكاركم وامسح دموعكم وامحو كل ماضيكم حتى يكون حاضركم ومستقبلكم لي هفرح المتضعين والمتضرعين إلي فتعالوا إلي الآن |
||||
20 - 08 - 2024, 01:28 PM | رقم المشاركة : ( 170942 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أتحنن عليكم وانجدنكم وأترأف بكم وأفك قيود الشر |
||||
20 - 08 - 2024, 01:33 PM | رقم المشاركة : ( 170943 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لا تقف بعيداً ولا محايداً بل إقترب من الرب وسلمه كل حياتك ودعهُ يلمس قلبك ويغيرك ويمحو ماضيك الذي عشتهُ في عهد الخطيئة ، وابتدأ عهد جديد مع الرب مملوء بالنعمة والمحبة والقداسة والطهارة ، لا تؤجل توبتك ولا تعش ولو للحظة بعيداً عن الرب وخارج إطار تعاليمه ووصاياه ، إنهض صلي ورنم واشكر وسبح ، وشارك إيمانك وتجربتك مع الرب مع كل من هم حولك ، وانثر عطر محبته وبشر به وبخلاصه المجاني لكل الناس |
||||
20 - 08 - 2024, 01:35 PM | رقم المشاركة : ( 170944 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هنيئا لكل من يتقي الرب من خلال تصرفاته واقواله وافعاله وفي طريقة تعامله مع الناس ، هنيئا لمن يسللك في طريق الرب وقدماه لا تحيد عن دربه ويعيش حياته وهو يعمل بوصاياه وينفذ مشيئته هنيئا لمن يعيش كل كلمة من كلمات الكتاب المقدس ويجعله دستور لحياته ، إتقوا الرب واطيعوه وأجعلوه هو المقياس لكل شيئ في حياتكم ، ولا تتنازلوا عن مبادئكم المسيحية التي سلمكم إياها واستمروا بالسير في طريقه بثبات وعزيمة وقوة وايمان حتى النهاية .. |
||||
20 - 08 - 2024, 03:34 PM | رقم المشاركة : ( 170945 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الراهبه القديسة مارينا الناسكة |
||||
20 - 08 - 2024, 03:39 PM | رقم المشاركة : ( 170946 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سيبارك متقي الله من الأقل شأنا إلى الأعظم شأنا (مز 115: 13) |
||||
20 - 08 - 2024, 03:42 PM | رقم المشاركة : ( 170947 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يسوع طهر قلوبنا وضمائرنا وافكارنا وامسح دموعنا |
||||
20 - 08 - 2024, 04:08 PM | رقم المشاركة : ( 170948 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بذلت ظهْري للضَاربين في الأصحاح السابق رأينا صورة رائعة لعمل الله الخلاصي، فقد أعلن أنه أعظم حبًا من عاطفة الأم نحو رضيعها، لن ينسى شعبه بل نقشه على كفه وأقامه عروسًا مقدسة وملكة متّوجة تشاركه أمجاده السماوية. أمام هذا الحب الإلهي وقفت الأمة اليهودية متذمرة عليه وجاحدة الإيمان به، لذا صار يُعاتبها على جحودها، طالبًا قبول عمل الصليب في حياتها. 1. كتاب الطلاق: 1 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «أَيْنَ كِتَابُ طَلاَقِ أُمِّكُمُ الَّتِي طَلَّقْتُهَا، أَوْ مَنْ هُوَ مِنْ غُرَمَائِي الَّذِي بِعْتُهُ إِيَّاكُمْ؟ هُوَذَا مِنْ أَجْلِ آثَامِكُمْ قَدْ بُعْتُمْ، وَمِنْ أَجْلِ ذُنُوبِكُمْ طُلِّقَتْ أُمُّكُمْ. 2 لِمَاذَا جِئْتُ وَلَيْسَ إِنْسَانٌ، نَادَيْتُ وَلَيْسَ مُجِيبٌ؟ هَلْ قَصَرَتْ يَدِي عَنِ الْفِدَاءِ؟ وَهَلْ لَيْسَ فِيَّ قُدْرَةٌ لِلإِنْقَاذِ؟ هُوَذَا بِزَجْرَتِي أُنَشِّفُ الْبَحْرَ. أَجْعَلُ الأَنْهَارَ قَفْرًا. يُنْتِنُ سَمَكُهَا مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ، وَيَمُوتُ بِالْعَطَشِ. 3 أُلْبِسُ السَّمَاوَاتِ ظَلاَمًا، وَأَجْعَلُ الْمِسْحَ غِطَاءَهَا». كان اليهودي إذا ما طلق امرأته ولو بدون سبب مقبول يعطيها كتاب طلاق ويطردها من بيته، كما كان يمكنه أن يبيعها أمة لدائنيه (تث 24: 1-3)، وكان يجوز له أن يبيع أولاده لدائنيه، أما الله فلم يفعل بهم هكذا. أنه يسأل الأمة اليهودية التي جحدته ورفضت الإيمان به عن كتاب طلاقها مؤكدًا لها أنه لم يرد أن يُطَلقها ولا أن يطردها إنما هي طلقت نفسها بنفسها، وطردت نفسها من بيت الله عريسها خلال زناها ورجاساتها فكسرت الزواج المقدس. "هكذا قال الرب: أين كتاب طلاق أمكم التي طلقتها؟! أو من هو من غرمائي الذي بعته إياكم؟! هوذا من أجل آثامكم قد بُعتُم، ومن أجل ذنوبكم طُلِقت أمكم" [1]. لقد جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله (يو 1: 11)؛ لهذا ففي عتاب أبوي يسأل رافضي الإيمان أن يظهروا كتاب طلاق أو اسم الدائن الذي إياه سلمه أولاده؛ كأنه يقول لهم إني لا أود طلاق أمكم ولا أن أبيعكم لأحد. هي اختارت إبليس عدوي عريسًا لها وأنتم بعتم أنفسكم بملذات الخطية وشهواته، وكما قال السيد المسيح لمقاوميه "أنتم من أب هو إبليس" (يو 8: 44). يقول الأب إبراهيم في مناظرات كاسيان [ذات الملذات التي نتنعم بها (في الخطية) تصير عقوبة لنا، فتتحول المباهج والتنعمات إلى أشبه بعذابات لمتابعها]. ويرى العلامة أوريجانوس أن المجمع اليهودي ارتكب الزنا ضد العريس وقتله (يو 19: 6، 15؛ لو 23: 18) [إنها (كعروس) ثارت ضد رجلها أكثر من ثورته ضدها، هذا الذي طردها ونبذها موبخًا إياها بسبب ابتعادها عنه]. إن كان قد طردها إنما لأنها تركته وطردت نفسها بنفسها، فأعطاها سؤل قلبها الشرير. لقد جاء السيد المسيح كما إلى بيته فلم يجد أحدًا، فقد تركته ومعها الأولاد [2]. دعاها لعلها تَرِقّ لرجلها وترجع إليه فلم تُجب [2]؛ لم ترحِّب به ولا استجابت لندائه بل حرمته من كل حقوقه الزوجية والأبوية. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ينطق بهذه الأمور ليُظهِر أننا نحن الذين بدأنا بالهجر، وهذا يسبب هلاكنا. لا يشاء الله أن يتركنا أو يُعاقبنا بل وأن عاقب يفعل ذلك (كما) لا إراديًا، إذ يقول: "لا أشاء موت الخاطئ مثل أن يرجع ويحيا" (حز 18: 32 الترجمة السبعينية). يبكي يسوع على هلاك أورشليم كما نفعل نحن على أصدقائنا]. الله لا يُريد هلاكنا بل يطلب أن نكون دائمًا ملتهبين بالروح كعروس متهللة بعريسها لا أن يكونوا كزوجة متمردة تترك بيتها. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [تعمق بالأكثر ذاكرًا مثالًا يخترق أعمق الأمور، قائلًا: "كفرح العريس بالعروس هكذا يفرح بك الرب" (إش 62: 5). فالحب يكون في أوَجِه عند البداية (بين العروسين). وقد استخدم هذا الأسلوب لا ليحمل شيئًا بشريًا إنما لكي نلمس شدة التهاب محبته الحقيقية...]. من جانبها تركته رفضت أن تعيش في فرح العرس السماوي الدائم، أما من جانبه فأنه يعمل لحسابهم كمخلص يفديهم بحياته، قدير لا يعجز عن العمل من أجلهم، إذ يقول: "هل قصرت يدي عن الفداء؟! وهل ليس فيَّ قدرة للإنقاذ؟! هوذا بزجرتي أُنشِّف البحر، أجعل الأنهار قفرًا، ينتن سمكها من عدم الماء ويموت بالعطش. أُلبس السموات ظلامًا وأجعل المِسْحَ غطاءها" [2-3]. لقد جاء السيد بنفسه كما إلى بيته ليخلص بعدما ناداها خلال الناموس والأنبياء، جاء ليخلص ومع هذا ففي سخرية قالت أمتَّه وخاصته: "خلَّص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها؛ إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به" (مت 27: 42). هكذا سخرت به أمتَّه، مع أنه هو الذي أقام لها طريقًا وسط بحر سوف ونهر الأردي، وعند صلبه ثارت الطبيعة فانكسفت الشمس وانخسف القمر، وحلّ الظلام على وجه الأرض. 2. طاعة الصليب: 4 أَعْطَانِي السَّيِّدُ الرَّبُّ لِسَانَ الْمُتَعَلِّمِينَ لأَعْرِفَ أَنْ أُغِيثَ الْمُعْيِيَ بِكَلِمَةٍ. يُوقِظُ كُلَّ صَبَاحٍ. يُوقِظُ لِي أُذُنًا، لأَسْمَعَ كَالْمُتَعَلِّمِينَ. 5 السَّيِّدُ الرَّبُّ فَتَحَ لِي أُذُنًا وَأَنَا لَمْ أُعَانِدْ. إِلَى الْوَرَاءِ لَمْ أَرْتَدَّ. 6 بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ، وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ. وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ الْعَارِ وَالْبَصْقِ. 7 وَالسَّيِّدُ الرَّبُّ يُعِينُنِي، لِذلِكَ لاَ أَخْجَلُ. لِذلِكَ جَعَلْتُ وَجْهِي كَالصَّوَّانِ وَعَرَفْتُ أَنِّي لاَ أَخْزَى. 8 قَرِيبٌ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُنِي. مَنْ يُخَاصِمُنِي؟ لِنَتَوَاقَفْ! مَنْ هُوَ صَاحِبُ دَعْوَى مَعِي؟ لِيَتَقَدَّمْ إِلَيَّ! 9 هُوَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ يُعِينُنِي. مَنْ هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ عَلَيَّ؟ هُوَذَا كُلُّهُمْ كَالثَّوْبِ يَبْلَوْنَ. يَأْكُلُهُمُ الْعُثُّ. يرى بعض الدارسين والآباء أن المتحدث هنا إشعياء النبي الذي أعلن أن الله وهبه لسان المتعلمين لكي يغيث النفوس الخائرة بكلمة الرب الحيّة؛ هذه الكلمة ليس لها زمن معين أنما تعمل فيه كل صباح، فتهبه أذنًا روحية قادرة على الاستماع للصوت الإلهي [4]. * "يوقظ (يضيف) ليّ أذنًا لأسمع" [4]. يعني إضافة (الأذن) التي من الروح... فإنه بعدما وهبه الروح قلب الأنبياء لم يعد له قلب بشري بل صار له قلب روحي، وكما قال الرسول: "لنا فكر المسيح" (1 كو 2: 16). وكأنه يقول: لقد قبلت بركة الروح وتعلمت الأمور التي لا ينطق بها إنسان ولم يكن أحد منا ولا من الأنبياء يدركها بذهنه الذاتي. القديس يوحنا الذهبي الفم القديس يوحنا الذهبي الفم إن كان السيد المسيح قد جاء معلمًا للبشرية لكنه جاء فريدًا في ذلك من جهة الآتي: أ. وهو كلمة الله واهب الحكمة والعلم والمعرفة قَبِل ناسوتنا فصار ابن الإنسان الذي يخضع ويطيع. نه العبد العبراني الذي بإرادته تقدم إلى سيده في اليوبيل ليثقب أذنه من أجل غيرته على بيت أبيه (حز 21: 6). لهذا يقول: "السيد الرب فتح ليّ أذنا وأنا لم أعاند، إلى الوراء لم أرتد" [5]. قدم نفسه بإرادته لا لثقب أذنيه فحسب وإنما لبذل حياته، فأطاع حتى الموت موت الصليب. في طاعته الباذلة والمملوءة حبًا قدم ليس فقط أذنيه للثقب، وإنما أيضًا ظهره للضرب، وخديه للناتفين ووجهه للعار والبصق... قدم كل حياته محتملًا الآلام لنُحسَب نحن العصاة مطيعين فيه، ونجد نحن المتألمون فيه راحة. * ربنا ومخلصنا يسوع المسيح مثال لنا كيف نتألم... فبإرادته سمح لهم أن يقودوه حتى الموت، فنرى فيه صورة لكل صلاح وخلود. بذلك هو مثال لنا، نتبعه فنستطيع أن ندوس على الحيات والعقارب وكل قوة العدو. البابا أثناسيوس الرسولي القديس يوحنا الذهبي الفم القديس أغسطينوس في نبوة صريحة واضحة تحدث إشعياء النبي عن أحداث الصليب فقال على لسان المخلص: "بذلت ظهري للضاربين، وخدي للناتفين، وجهي لم أستر عن العار والبصق" [6]. * أظهرت ليّ تدبير تعطفك. احتملت ظلم الأشرار، بذلت ظهرك للسياط، وخديك أهملتهما للّطم. لأجلي يا سيدي لم ترد وجهك عن خزي البصاق. أتيت إلى الذبح مثل حمل حتى إلى الصليب... القداسالاغريغوري كيف تجاسرت أيها اللسان أن تنضح بالبصاق...؟! كيف احتملِت أيتها الأرض هزء الابن...؟! منظر مخوف، مملوء دهشة، أن يرى الإنسان الشمع قائمًا يتفل في وجه اللهيب... وهذه أيضًا من أجل آدم حدثت، لأنه كان مستحقًا البصاق، لأنه زل! وعوض العبد قام السيد يقبل هذا كله! قدم وجهه ليستقبل البصاق، لأنه وعد في إشعياء أنه لا يرد وجهه عن احتمال خزي البصاق...! مار يعقوب السروجي * أما قوله "لإظهار بره" فماذا يعني...؟ ليس فقط من جهة كونه بارًا، وإنما يجعل أولئك المملوءين بقروح الخطية النتنة أبرارًا... إذًا لا تشك... لا ترفض برّ الله الذي هو ليس بأعمال (الناموس) إنما بالإيمان (الحيّ) وهو سهل ومفتوح للجميع. القديس يوحنا الذهبي الفم 10 مَنْ مِنْكُمْ خَائِفُ الرَّبِّ، سَامِعٌ لِصَوْتِ عَبْدِهِ؟ مَنِ الَّذِي يَسْلُكُ فِي الظُّلُمَاتِ وَلاَ نُورَ لَهُ؟ فَلْيَتَّكِلْ عَلَى اسْمِ الرَّبِّ وَيَسْتَنِدْ إِلَى إِلهِهِ. 11 يَا هؤُلاَءِ جَمِيعُكُمُ، الْقَادِحِينَ نَارًا، الْمُتَنَطِّقِينَ بِشَرَارٍ، اسْلُكُوا بِنُورِ نَارِكُمْ وَبِالشَّرَارِ الَّذِي أَوْقَدْتُمُوهُ. مِنْ يَدِي صَارَ لَكُمْ هذَا. فِي الْوَجَعِ تَضْطَجِعُونَ. أطاع الرب لكي يدعونا إلى الطاعة، فصار مثالًا لنا، كما صار عونًا فيه نختفي فنسلك طريق الطاعة... إذ يقول: "من منكم خائف الرب سامع لصوت عبده، من الذي يسلك في الظلمات ولا نور له، فليتكل على اسم الرب ويستند إلى إلهه" [10]. كأن من يريد التمتع بنور الطاعة والاستماع لصوت الرب ومسيحه فليتكل عليه لينقذه من ظلمات العصيان. يُشبه العصاة بالقادحين نارًا من عندياتهم [11] ليبخروا للرب بخورًا غريبًا، ليس بخور الطاعة الممتزجة بالحب، إنما بخور الأنانية والاتكال على الذات... لذا يليق بنا ألا نشعل نار بِرّنا الذاتي وحكمتنا البشرية إنما نتقبل نار روح الله القدوس واهب البر والطاعة للوصية. * ليتنا لا نسير على ضوء نارنا [11] واللهيب الذي أشعلناه نحن، فإنني أعرف نارًا مطهرة أرسلها المسيح على الأرض (لو 12: 49)، وهو نفسه بطريقة رمزية بدا نارًا تبدد ما هو مادي في العادات الرديئة. هذه النار يريد أن يلهبها بسرعة، إذ يشتاق أن يسرع بنا إلى صنع الصلاح. القديس غريغوريوس النزينزي في الأصحاح السابق ظهر السيد المسيح كمخلص أطاع الآب حتى الموت، لكي بطاعته يفدينا ويخلصنا من روح العصيان، واهبًا إيانا روح الطاعة به وفيه. الآن نجده في هذا الأصحاح يدعو شعبه للتمتع بالفداء كحياة إنجيلية مفرحة، حياة مقامة فيه، خلالها نتمتع بخروج مستمر تحت قيادته بروح الغلبة على قوات الظلمة... هذا هو سر كل تعزية. 1. دعوة للتمتع بعمل الفداء: 1 «اِسْمَعُوا لِي أَيُّهَا التَّابِعُونَ الْبِرَّ الطَّالِبُونَ الرَّبَّ: انْظُرُوا إِلَى الصَّخْرِ الَّذِي مِنْهُ قُطِعْتُمْ، وَإِلَى نُقْرَةِ الْجُبِّ الَّتِي مِنْهَا حُفِرْتُمُ. 2 انْظُرُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَبِيكُمْ، وَإِلَى سَارَةَ الَّتِي وَلَدَتْكُمْ. لأَنِّي دَعَوْتُهُ وَهُوَ وَاحِدٌ وَبَارَكْتُهُ وَأَكْثَرْتُهُ. 3 فَإِنَّ الرَّبَّ قَدْ عَزَّى صِهْيَوْنَ. عَزَّى كُلَّ خِرَبِهَا، وَيَجْعَلُ بَرِّيَّتَهَا كَعَدْنٍ، وَبَادِيَتَهَا كَجَنَّةِ الرَّبِّ. الْفَرَحُ وَالابْتِهَاجُ يُوجَدَانِ فِيهَا. الْحَمْدُ وَصَوْتُ التَّرَنُّمِ. 4 «اُنْصُتُوا إِلَيَّ يَا شَعْبِي، وَيَا أُمَّتِي اصْغِي إِلَيَّ: لأَنَّ شَرِيعَةً مِنْ عِنْدِي تَخْرُجُ، وَحَقِّي أُثَبِّتُهُ نُورًا لِلشُّعُوبِ. 5 قَرِيبٌ بِرِّي. قَدْ بَرَزَ خَلاَصِي، وَذِرَاعَايَ يَقْضِيَانِ لِلشُّعُوبِ. إِيَّايَ تَرْجُو الْجَزَائِرُ وَتَنْتَظِرُ ذِرَاعِي. 6 «اِرْفَعُوا إِلَى السَّمَاوَاتِ عُيُونَكُمْ، وَانْظُرُوا إِلَى الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ. فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ كَالدُّخَانِ تَضْمَحِلُّ، وَالأَرْضَ كَالثَّوْبِ تَبْلَى، وَسُكَّانَهَا كَالْبَعُوضِ يَمُوتُونَ. أَمَّا خَلاَصِي فَإِلَى الأَبَدِ يَكُونُ وَبِرِّي لاَ يُنْقَضُ. 7 اِسْمَعُوا لِي يَا عَارِفِي الْبِرِّ، الشَّعْبَ الَّذِي شَرِيعَتِي فِي قَلْبِهِ: لاَ تَخَافُوا مِنْ تَعْيِيرِ النَّاسِ، وَمِنْ شَتَائِمِهِمْ لاَ تَرْتَاعُوا، 8 لأَنَّهُ كَالثَّوْبِ يَأْكُلُهُمُ الْعُثُّ، وَكَالصُّوفِ يَأْكُلُهُمُ السُّوسُ. أَمَّا بِرِّي فَإِلَى الأَبَدِ يَكُونُ، وَخَلاَصِي إِلَى دَوْرِ الأَدْوَارِ». 9 اِسْتَيْقِظِي، اسْتَيْقِظِي! الْبَسِي قُوَّةً يَا ذِرَاعَ الرَّبِّ! اسْتَيْقِظِي كَمَا فِي أَيَّامِ الْقِدَمِ، كَمَا فِي الأَدْوَارِ الْقَدِيمَةِ. أَلَسْتِ أَنْتِ الْقَاطِعَةَ رَهَبَ، الطَّاعِنَةَ التِّنِّينَ؟ 10 أَلَسْتِ أَنْتِ هِيَ الْمُنَشِّفَةَ الْبَحْرَ، مِيَاهَ الْغَمْرِ الْعَظِيمِ، الْجَاعِلَةَ أَعْمَاقَ الْبَحْرِ طَرِيقًا لِعُبُورِ الْمَفْدِيِّينَ؟ 11 وَمَفْدِيُّو الرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِالتَّرَنُّمِ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ فَرَحٌ أَبَدِيٌّ. ابْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ. يَهْرُبُ الْحُزْنُ وَالتَّنَهُّدُ. 12 «أَنَا أَنَا هُوَ مُعَزِّيكُمْ. مَنْ أَنْتِ حَتَّى تَخَافِي مِنْ إِنْسَانٍ يَمُوتُ، وَمِنِ ابْنِ الإِنْسَانِ الَّذِي يُجْعَلُ كَالْعُشْبِ؟ 13 وَتَنْسَى الرَّبَّ صَانِعَكَ، بَاسِطَ السَّمَاوَاتِ وَمُؤَسِّسَ الأَرْضِ، وَتَفْزَعُ دَائِمًا كُلَّ يَوْمٍ مِنْ غَضَبِ الْمُضَايِقِ عِنْدَمَا هَيَّأَ لِلإِهْلاَكِ. وَأَيْنَ غَضَبُ الْمُضَايِقِ؟ 14 سَرِيعًا يُطْلَقُ الْمُنْحَنِي، وَلاَ يَمُوتُ فِي الْجُبِّ وَلاَ يُعْدَمُ خُبْزُهُ. 15 وَأَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ مُزْعِجُ الْبَحْرِ فَتَعِجُّ لُجَجُهُ. رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ. 16 وَقَدْ جَعَلْتُ أَقْوَالِي فِي فَمِكَ، وَبِظِلِّ يَدِي سَتَرْتُكَ لِغَرْسِ السَّمَاوَاتِ وَتَأْسِيسِ الأَرْضِ، وَلِتَقُولَ لِصِهْيَوْنَ: أَنْتِ شَعْبِي». في هذه الدعوة تكررت كلمة "اسمعوا" أو "أنصتوا" ثلاث مرات [1، 4، 7]. فإن كان "كلمة الله" قد سمع وأطاع وهو الخالق والديان والمشرع فبالأولى أن يتسم شعبه بروح الطاعة... وكأنه لا يمكن لنا الدخول إلى الحياة الإنجيلية والتمتع بالخلاص المجاني ما لم نسمع وننصت ليعمل الرب فينا. ما هو مضمون الدعوة؟ أ. تكرار كلمة "اسمعوا" تعني أن الدعوة في صميمها حث على الطاعة، طاعة الإيمان المملوءة ثقة في الله وحبًا. * [الطاعة تقيم أصدقاء الله]. أنه يقول: "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي" (يو 14: 15)، لم يقل "اصنعوا معجزات" إنما ماذا قال؟ "احفظوا وصاياي". مرة أخرى: "أنتم أصدقائي" (يو 15: 14) ليس عندما تخرجون شياطين بل "إن فعلتم ما أوصيتكم به" ... لنُجاهد أن نصير أصدقاء الله لا أن نبقى أعداء له. القديس يوحنا الذهبي الفم ج. الاقتداء بإيمان إبراهيم؛ "انظروا إلى الصخر الذي منه قُطعتم وإلى نقرة الجب التي منها حُفرتم، انظروا إلى إبراهيم أبيكم وإلى سارة التي ولدتكم، لأني دعوته وهو واحد وباركته واكثرته" [1-2]. كأنه يقول لهم إن كنتم تستصعبون الدعوة، قائلين كيف نسمع صوت الرب ونتبع بره ونطلبه في حياتنا؟ انظروا إلى أبيكم إبراهيم وسارة التي ولدتكم. لقد جاء إبراهيم من عائلة وثنية، بل كان العالم كله في ذلك الوقت قد انحرف عن معرفة الله، فجاء إبراهيم كما من صخر قاس ومن طين في نقرة جب، لم يسمع من والديه كلمة تعزية؛ ولا تسلم شريعة إلهية، ولا سنده كاهن أو نبي، ومع هذا إذ دعوته استجاب، كان واحدًا وحيدًا في إيمانه فباركته وأكثرته... وصار شعبي من نسله! حقًا إن كنا نسلم بأن آدم مخلوق من التراب، ونحن قد جُبلنا من الصخر ليس لنا إحساس روحي، بل تمرغنا كما في وحل الجب فلا نيأس، لأن أبانا إبراهيم هو أيضًا من نسل آدم وقبل الدعوة وأطاع ونال المواعيد الإلهية في نسله. كان إبراهيم شيخًا وسارة زوجته عاقرًا، كان رحمها كصخر بلا حياة، عاجز عن الإنجاب، لكن الله أقام من الحجارة أولادًا لإبراهيم. * يمكن لله أن يخرج من الحجارة أناسًا... فإن الطفل الذي يُحبل به في رحم متحجر يكون كمن وُلد من حجارة... الآن في هذه النبوة [1-2] ترون أنه يُظهر لهم بأنه أقام منذ البداية أبًا بطريقة معجزية كما من حجارة، وما حدث قبلًا يمكن أن يتحقق الآن (مت 3: 5). القديس يوحنا الذهبي الفم * يستطيع الله أن يجعل من الحجارة أولادًا لإبراهيم (مت 3: 9). يُشير هنا إلى الأمم، إذ هم حجارة بسبب قسوة قلوبهم. لنقرأ: "وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم" (حز 36: 26). فالحجر صورة القسوة، واللحم رمز اللطف. لقد أراد أن يظهر قوة الله القادر أن يخلق من الحجارة الجامدة شعبًا مؤمنًا. القديس جيروم كثيرًا ما تحدث سفر إشعياء عن عمل الله الخلاصي كإقامة لملكوت الله المثمر، وتحويل البرية بستانًا روحيًا (إش 32: 5)، يسكنها الحق (إش 32: 6)، تفرح وتتهلل بالله ساكنها (إش 35: 1) إلخ... الذي يُقيم منها فردوسًا وسماءً. تطلع القديس يوحنا الذهبي الفم إلى الكنيسة خاصة عند ممارستها ليتورجيا الأفخارستيا (القداس الإلهي) كسماء، قائلًا: [هي أعلى من السماء وأكثر اتساعًا من المسكونة. يتحدث على لسان السيد المسيح، فيقول: "لقد غرستك في الفردوس، والشيطان طردك! انظري، ها أنا اغرسك فيّ! إني أسندك فلا يعود يقوى الشيطان على الاقتراب منك. لا أرفعك إلى السماء، بل إلى هنا حيث رب السماء. أحملك في داخلي أنا رب السماء!"]. يقول القديس اكليمندس الاسكندري: [إن الكنيسة الأرضية هي أيقونة الكنيسة السماوية، لهذا نُصلي كي تتحقق إرادة الله على الأرض كما في السماء. كما يقول: [إن سجلت نفسك كأحد أعضاء شعب الله تصير السماء مدينتك والله هو مشرعك]. ه. دعوة للفرح والبهجة؛ "الفرح والابتهاج يوجدان فيها؛ الحمد وصوت الترنم" [3]. هذا الخط واضح في السفر كله بكونه سفر الخلاص، يعلن عن قيام ملكوت الفرح الداخلي والترنم والتسبيح بلا انقطاع. عندما زار القديس يوحنا كاسيان مصر، هاله أن يجد صحاريها وقُراها من الإسكندرية حتى أسوان قد امتلأت بالرهبان، لا يُسمع منهم إلاَّ صوت التسبيح غير المنقطع، حتى حسب نفسه أنه في السماء، متساءلًا: ألعل هؤلاء ملائكة أرضيون أم هم بشر سمائيون؟! هذه هي سمة الكنيسة الحقيقية: فرح داخلي لا ينقطع! ينعكس هذا الفرح على كل حياة الكنيسة، وقد لاحظت مدام بوتشر أنه لم توجد أيقونة واحدة في كنائس مصر القديمة الفقيرة تحمل صورة شهيد يتعذب أو في ألم، ولا صورة للجحيم والعذابات، إنما كل الأيقونات يشع فيها روح الفرح والرجاء، حتى الشهداء تراهم فرحين يتطلعون نحو السماء، ناظرين إلى إكليل مجدهم. انعكس الفرح على العبادة ففي كل يوم تقريبًا تحتفل الكنيسة بعيد سيدي أو عيد أحد الأنبياء أو الرسل أو السمائيين أو الشهداء إلخ... وكأن الكنيسة تخلق جوًا من الفرح الروحي وسط متاعب هذه الحياة، فيختبر أولادها تعزيات الروح القدس وفرحه السماوي؛ فيعيش المؤمن يشارك السمائيين ليتورجياتهم وتهليلاتهم الهادئة المبهجة بغير انقطاع. إحدى علامات الفرح البارزة في الكنيسة أن الكتاب المقدس -خاصة الأناجيل- أثناء الليتورجيات لا يُقرأ وإنما يُسبح به بنغم يملأ النفس تعزية. وقد شهد مستر ليدر الكاتب الإنجليزي المعروف في بداية القرن التاسع عشر عند زيارته مصر أن مجرد سماع الإنجيل أثناء القداس الإلهي في الكنيسة القبطية له أثر على النفس. و. دعوة للكرازة، فإن من ينعم بفرح الخلاص لا يقدر أن يصمت عن الشهادة للحياة الإنجيلية، إنما يحمل شريعة الرب وإنجيله "نورًا للشعوب" [4]، مؤكدًا للكل أن الحياة في المسيح ليست ببعيدة ولا مستحيلة، فإن برّ المسيح قريب إلى كل قلب [5]، وذراعيه مبسوطتان بالحب على الصليب للشعوب، بكونه رجاء الكل [5]. الكرازة أو الشهادة لعمل المسيح الخلاصي من صميم حياة كل مسيحي، وليست من عمل الكاهن وحده لهذا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ليس شيء تافه مثل مسيحي لا يهتم بخلاص الآخرين. لا تقل إني فقير، فإن فلسي الأرملة يخجلانك. وبطرس أيضًا قال: "ليس ليّ فضة ولا ذهب"، وبولس كان فقيرًا حتى أنه كثيرًا ما عانى من الجوع. لا تحتج بظروفك القاسية، فإنهم هم أيضًا كانوا في ظروف قاسية. لا تحتج بجهلك، فقد كانوا غير متعلمين. ربما تكون عبدًا هاربًا، أنسيموس أيضًا كان هذا! قد تكون مريضًا، تيموثاوس كان كذلك! كل أحد يقدر أن يُعين أخاه حتى ولو بالإرادة الصالحة، إن لم تكن لديه القدرة أن يفعل شيئًا... لا تقل أنك لا تستطيع أن تؤثر على الآخرين، فإنك ما دمت مسيحيًا يستحيل إلاَّ أن تكون ذا تأثير... فإن هذا هو جوهر المسيحي. إن قلت أنك مسيحي ولا تقدر أن تفعل شيئًا للآخرين يكون في قولك هذا تناقض، وذلك كالقول بأن الشمس لا تقدر أن تضيء]. ز. دعوة لخلاص أبدي يتعدى السموات والأرض؛ "ارفعوا إلى السموات عيونكم، وانظروا إلى الأرض من تحت، فإن السموات كالدخان تضمحل والأرض كالثوب تُبلى، وسكانها كالبعوض يموتون، أما خلاصي فإلى الأبد يكون وبري لا يُنقض" [6]. نقض السموات والأرض مع بقاء الخلاص إلى الأبد، إنما يُشير إلى صلب الإنسان القديم للتمتع بالإنسان الجديد الذي على صورة خالقه. يلزم أن تزول السموات القديمة والأرض القديمة فينا لنتمتع بالسموات الجديدة والأرض الجديدة التي سكانها ليس كالبعوض يموتون وإنما يسكنها برّ الرب الأبدي. إن كانت السموات تُشير إلى النفس والأرض إلى الجسد، فإن اضمحلال السموات وبلاء الأرض يعنيان تحطيم أعمال الإنسان القديم بالنسبة للنفس كما للجسد، لتقديس نفوسنا وأجسادنا بكوننا الخلقة الجديدة المتجددة كل يوم بعمل روح الله القدوس. أما قوله "وسكانها كالبعوض يموتون" [6] فيُشير إلى ضعف أعمال الإنسان القديمة، إنها كالبعوض تموت! أما أعمال الإنسان الجديد فهي برّ المسيح الذي لا ينقض، أو هي الحب الذي لا يسقط أبدًا. ح. دعوة جادة وشجاعة لا تضطرب أمام مقاومة الناس؛ "لا تخافوا من تعيير الناس، ومن شتائمهم لا ترتاعوا، لأنه كالثوب يأكلهم العث، وكالصوف يأكلهم السوس، أما برّي فإلى الأبد يكون، وخلاصي إلى دور الأدوار" [7-8]. من يرفع نظره إلى المخلص الأبدي لا يخشى تصرفات الناس ومقاومتهم فإنها تبطل وتنتهي أما خلاصنا فيبقى أبديًا. الإنسان الروحي الحيّ يتطلع إلى إنسانه القديم الذي خلعه في مياه المعمودية كثوب قد بلى، وكبعوض قد مات في ضعف، أما تعييرات الناس وشتائمهم فكثوب يأكله العث وكصوف يأكله السوس! إنها أمور زمنية بالية لن تبقى كثيرًا، نحتملها بلا اضطراب، فإننا بهذا نُشارك مخلصنا الذي احتمل التعييرات والإهانات بسرور من أجلنا. قابل الشر بالحب، محتملًا ضعفات الأشرار. * لا تطفئ النار بنار أخرى وإنما بالماء. * ليس ما يصد صانعي الشر عن شرهم مثل مقابلة المضرور ما يصيبه من ضرر برقة. القديس يوحنا الذهبي الفم الكنيسة هي "ذراع الرب" التي تلبس قوة قيامته فتستيقظ كما من نوم الموت. لتقم الكنيسة كلها سواء الذين جاءوا من أصل يهودي أو أممي، لذا يُكرر كلمة "استيقظي" مرتين. الله واهب النصرة أعطاها قديمًا قوة فغلبت مصر (الاسم الشعري رهب كما سبق فرأينا) حينما أنقذها من يد فرعون الذي غرق في مياه بحر سوف كتنين مطعون عاجز عن الحياة. الرب نفسه هو الذي يهب كنيسته في العهد الجديد قوة قيامته لا لتغلب فرعون بل قوات الظلمة، ولا لتجد لها طريقًا في وسط البحر وإنما لتعبر إلى السموات عينها. * الآن إذ بطل الموت (بقيامة السيد المسيح)، وانهدمت مملكة الشيطان امتلأ الكل فرحًا وسعادة. البابا أثناسيوس الرسولي خلال تمتعنا بتعزيات الله يلزمنا ألا نخاف الإنسان لأنه زائل، ومضايقاته أيضًا زائلة، إن اضطربنا منه نعيش في فزع كل يوم [14] مع أنه لا يوجد ما يستحق ذلك. لقد حل اليأس بالمأسورين وظنوا أنهم يموتون في السبي، لكن الله أكد لهم: "سريعًا يُطلق المنحنى (المأسورين) ولا يموت في الجب (في السبي) ولا يعدم خبزه" [14]. يليق بهم أن ينتظروا وعد الله ولا ييأسوا قط. إن كانت مملكة بابل قد أغرقتهم كالبحر فإن المخلص رب الجنود قادر أن يزعج بابل: "وأنا الرب إلهك مزعج البحر فتعج لججه، رب الجنود اسمه" (إش 49: 15). 2. سرّ سقوط أورشليم: 17 اِنْهَضِي، انْهَضِي! قُومِي يَا أُورُشَلِيمُ الَّتِي شَرِبْتِ مِنْ يَدِ الرَّبِّ كَأْسَ غَضَبِهِ، ثُفْلَ كَأْسِ التَّرَنُّحِ شَرِبْتِ. مَصَصْتِ. 18 لَيْسَ لَهَا مَنْ يَقُودُهَا مِنْ جَمِيعِ الْبَنِينَ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ، وَلَيْسَ مَنْ يُمْسِكُ بِيَدِهَا مِنْ جَمِيعِ الْبَنِينَ الَّذِينَ رَبَّتْهُمْ. 19 اِثْنَانِ هُمَا مُلاَقِيَاكِ. مَنْ يَرْثِي لَكِ؟ الْخَرَابُ وَالانْسِحَاقُ وَالْجُوعُ وَالسَّيْفُ. بِمَنْ أُعَزِّيكِ؟ 20 بَنُوكِ قَدْ أَعْيَوْا. اضْطَجَعُوا فِي رَأْسِ كُلِّ زُقَاق كَالْوَعْلِ فِي شَبَكَةٍ. الْمَلآنُونَ مِنْ غَضَبِ الرَّبِّ، مِنْ زَجْرَةِ إِلهِكِ. بعد أن قدم هذه الدعوة المفرحة للتمتع بالحياة الجديدة في الرب، أراد توضيح سرّ سَبي أورشليم حتى تدرك ضعفاتها وتقوم من سقطاتها. لذا بدأ بالقول: "انهضي انهضي قومي يا أورشليم" [17]. فما يكشفه من ضعفات أصابتها لا يعني به التشهير إنما هو كشف عن الجراحات لمعالجتها، وتوضيح لسرّ السقوط كي تنهض وتقوم. أما ضعفاتها فتتلخص في شُربها "من يد الرب كأس غضبه ثقل كأس الترنح شربتِ" [17]. كانت العادة أن يقدم للمحكوم عليهم بالإعدام كأس من خمر شديد حتى يترنحوا قبل تنفيذ الحكم؛ هكذا شربت أورشليم من يد الرب كأس غضبه على خطاياها لتدرك أنها سقطت تحت العقوبة لا بأسرها لبابل وإنما بأسرها تحت حكم الموت لأن خطاياها قد سبتها وأفقدتها وعيها. لقد شربت بإرادتها من كأس العصيان فترنحت، ولم تجد من بينها من يمسك بيدها، صارت كأم يحتقرها أولادها دون أن يخجلوا. صار الذين يرثون لحالها هم "الخراب والانسحاق والجوع والسيف" [19]. 3. قيام بعد سقوط: 21 لِذلِكَ اسْمَعِي هذَا أَيَّتُهَا الْبَائِسَةُ وَالسَّكْرَى وَلَيْسَ بِالْخَمْرِ. 22 هكَذَا قَالَ سَيِّدُكِ الرَّبُّ، وَإِلهُكِ الَّذِي يُحَاكِمُ لِشَعْبِهِ: «هأَنَذَا قَدْ أَخَذْتُ مِنْ يَدِكِ كَأْسَ التَّرَنُّحِ، ثُفْلَ كَأْسِ غَضَبِي. لاَ تَعُودِينَ تَشْرَبِينَهَا فِي مَا بَعْدُ. 23 وَأَضَعُهَا فِي يَدِ مُعَذِّبِيكِ الَّذِينَ قَالُوا لِنَفْسِكِ: انْحَنِي لِنَعْبُرَ. فَوَضَعْتِ كَالأَرْضِ ظَهْرَكِ وَكَالزُّقَاقِ لِلْعَابِرِينَ».مع كل كشف للضعف أو للشر يفتح الرب باب الرجاء للخلاص. لهذا بعدما كشف لها عن سرّ سقوطها لا في السبي البابلي بل في سبي الخطية وشربها من كأس غضب الله لتترنح، عاد يؤكد لها أنه يعفو عنها، ليُسلم الكأس لمضايقيها الذين قالوا لنفسها "انحني لنعبر، فوضعت كالأرض ظهرها وكالزقاق للعابرين". كانت العادة أن يمر الغالبون بأقدامهم على أعناق المهزومين. لهذا أمرها الغالبون أن تلقى بنفسها على الأرض ليسير العدو على ظهرها كزقاق ضيق يعبرون فيه. لقد عاشت في مذلة لأنها تركت الله وعصته... الآن يغفر لها ويُحررها! بهجَة الخلاص 1. البسي ثياب جمالك: "اِسْتَيْقِظِي، اسْتَيْقِظِي! الْبَسِي عِزَّكِ يَا صِهْيَوْنُ! الْبَسِي ثِيَابَ جَمَالِكِ يَا أُورُشَلِيمُ، الْمَدِينَةُ الْمُقَدَّسَةُ، لأَنَّهُ لاَ يَعُودُ يَدْخُلُكِ فِي مَا بَعْدُ أَغْلَفُ وَلاَ نَجِسٌ. اِنْتَفِضِي مِنَ التُّرَابِ. قُومِي اجْلِسِي يَا أُورُشَلِيمُ. انْحَلِّي مِنْ رُبُطِ عُنُقِكِ أَيَّتُهَا الْمَسْبِيَّةُ ابْنَةُ صِهْيَوْنَ." [1-2]. بينما يؤكد النبي عودة الشعب من السبي بكرامة لم يكن يتوقعها إذ به يتحدث عن عودة البشرية إلى مكانها الأول، رجوعها إلى مدينة الله الروحية وتمتعها ببهائه الفائق لتعيش حرة من كل نجاسة كما أراد الله لها... الله يحب الإنسان ويشتاق أن يدخل به إلى الأمجاد ليعيش في حياة قدسية مكرمة ومجيدة، لهذا جاءت الدعوة هنا للتمتع بالبركات الإلهية التالية: أ. الحياة المقامة المجيدة: "استيقظي استيقظي"، فقد انحدرت كما إلى القبر لتضطجع وسط الظلمة ويحل بها الفساد. هذا هو حال إسرائيل في بابل حيث فقدوا كل رجاء في العودة إلى بلادهم وتمتعهم بالحرية، فحسبوا أنفسهم كأموات. هذا هو حال كل إنسان أسرته الخطية فانهارت حياته الداخلية وفقد الإرادة الصالحة والقدرة على التمتع بالحياة القدسية ليصير أشبه بميت يحل به الفساد. أنه محتاج إلى من يوقظه من موت الخطية، ويهبه الحياة الجديدة المقامة. يقول الرسول: "لذلك يقول: استيقظ أيها النائم وقم من الأموات فيضيء لك المسيح" (أف 5: 14). "وأقامنا معه وأجلسنا معه في السمويات في المسيح يسوع" (أف 2: 6). الآن قد جاء المخلص إلى كل نفس ساقطة ومهانة ليُناجيها قائلًا: "مررت بك ورأيتك وإذا زمنك زمن الحب، فبسطت ذيلي عليك" (حز 16: 8)... ماذا يعني بسط ذيله عليها إلاَّ قبولها عروسًا له تتحد معه وتتمتع بحياته المقامة؟! جاءها كعريس لتجد فيه "القيامة" فتستيقظ كما من الموت الأبدي. هذا ما عناه الرسول بولس بقوله: "لأنه إن كان بخطية الواحد قد ملك الموت بالواحد فبالأولى كثيرًا الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح" (رو 5: 17). هكذا تتحد النفس بالعريس واهب الحياة فتخلع عنها الأكفان وترتدي ثوب العرس: "البسي عزك يا صهيون، البسي ثياب جمالك يا أورشليم المدينة المقدسة" [1]. يقول لها: "ألبستك مطرزه ونعلتك بالتخس وأزرتك بالكتان وكسوتك بزًا، وحليتك بالحلي... وجَملتِ جدًا جدًا فصلحت لمملكة، وخرج لكِ اسم في الأمم لجمالك لأنه كان كاملًا ببهائي الذي جعلته عليكِ يقول السيد الرب" (حز 16: 10-14). ما هو هذا اللباس الذي سكب عليها بهاء الرب فجمُلت جدًا جدًا وصلحت أن تكون ملكة إلاَّ شخص المسيح نفسه الذي نختفي فيه كقول الرسول: "قد لبستم المسيح" (غل 1: 27). * يليق بالكنيسة كلها أن تتهلل مسبحة السيد المسيح على مثال النسوة القديسات حينما تحققن قيامة الرب، هذا الذي أيقظ البشرية من النوم، إذ أعطاها الحياة وملأها بنور الإيمان. القديس إيرونيموس * اليوم هو "عيد القيامة"، وإنه ليّ لبداية جديدة.* لقد مسحني السرّ الإلهي... الذي يحضرني إلى هذا اليوم العظيم المشرق، واهبًا عونًا لضعفي، فيعطيني ذاك الذي قام من الأموات -في مثل هذا اليوم- حياة لنفسي أيضًا، ويلبسني الإنسان الجديد (إف 4: 23-24)، ويجعلني من الخليقة الجديدة من هؤلاء الذين وُلدوا من الله... فأكون مستعدًا أن أموت معه وأقوم أيضًا معه... بالأمس (الجمعة العظيمة) ذُبح الحمل ورُشت القوائم بدمه... وعبر الملاك المهلك بسيفه المهلك مرتعبًا وخائفًا... لأننا محفوظون بالدم الثمين. بالأمس قد صُلبت مع المسيح، واليوم أنا ممجد فيه! بالأمس مُت معه، واليوم وُهبت حياة معه! بالأمس دُفنت معه، واليوم أقوم معه...! من استطاع أن يتفهم هذا السرّ العظيم في المسيح وما صنعه لأجلنا ولم يُعطِ المسيح نفسه فهو لم يعطه شيئًا! القديس غريغوريوس النزينزي ب. تصير مدينة مقدسة لا يعود يدخلها أغلف ولا نجس، أي لا يدوسها بعد الغرباء. كمدينة الله تتقدس من كل نجاسة لتحمل طبيعة الحياة السماوية اللائقة بالملك السماوي.* الآن يا أحبائي... قد ذُبح الشيطان، ذاك الطاغية الذي هو ضد العالم كله، فنحن لا نقترب من عيد زمني بل من عيد دائم سماوي... الآن بطل الموت، وانهدمت مملكة الشيطان، لذلك امتلأ كل شيء بالفرح والسعادة... يلزمنا أن نقترب إلى العيد هكذا لا بثوب مدنس، بل أن تلتحف نفوسنا بأثواب طاهرة. يلزمنا أن نلبس ربنا يسوع (رو 13: 4)، حتى نستطيع أن نحتفل بالعيد معه. الآن نحن نلبسه عندما نحب الفضيلة ونبغض الشر؛ عندما نُدرب أنفسنا على العفة ونُميت شهواتنا؛ عندما نحب البرّ لا الإثم؛ عندما نُكرم القناعة، ويكون لنا العقل الراسخ؛ عندما لا ننسى الفقير بل نفتح أبوابنا لجميع البشر؛ عندما نعين الضعفاء وننبذ الكبرياء. البابا أثناسيوس الرسولي ج. تنتفض من التراب، إذ لا تعود تتعلق النفس بالزمنيات وإنما تطلب ملكوت الله وبره أولًا وهذه كلها تُزاد لها. تحيا منطلقة نحو الأبدية متحررة من رباطات العالم.د. تقوم كملكة لتجلس على كرسي المُلك [2]، بعدما كانت أَمَة وعبدة أسيرة تجلس في التراب تخدم سادتها في مذلة وهوان، تقوم إلى يمين الملك السماوي. وكما يقول المرتل: "جعلت الملكة عن يمينك بذهب أوفير" (مز 45: 9). ه. التمتع بالحرية: "انحلي من ربط عنقك أيتها المسبية ابنة صهيون" [2]. بعدما كانت مربوطة من عنقها لتُسحب كإحدى الحيوانات في السبي انحلت هذه الربط وعادت إليها كرامة الحرية لتعيش سيدة نفسها، صاحبة سلطان داخلي. إن كانت الخطية تذل الإنسان لتسحبه كما تشاء، تلهو به كألعوبة في يدي عدو الخير، ففي المسيح يسوع يعيش الإنسان ملكًا (رؤ 1: 6)، يحمل سلطانًا على قلبه وفكره وأحاسيسه وجسده. في اختصار يقوم الإنسان من موت الخطية، يخلع أكفانه ويلبس السيد المسيح نفسه ثوبًا أبديًا، يرفض كل نجاسة ليحمل برّ المسيح فيه، ينتفض من تراب محبة الأرضيات لتحلق نفسه في السمويات، يقوم من المذلة ليجلس عن يمين الله ليتمتع بشركة الأمجاد. تُفك قيوده الداخلية لينعم بحرية مجد أولاد الله. 2. خلاص مجاني: 3 فَإِنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «مَجَّانًا بُعْتُمْ، وَبِلاَ فِضَّةٍ تُفَكُّونَ». 4 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: «إِلَى مِصْرَ نَزَلَ شَعْبِي أَوَّلًا لِيَتَغَرَّبَ هُنَاكَ. ثُمَّ ظَلَمَهُ أَشُّورُ بِلاَ سَبَبٍ. 5 فَالآنَ مَاذَا لِي هُنَا، يَقُولُ الرَّبُّ، حَتَّى أُخِذَ شَعْبِي مَجَّانًا؟ الْمُتَسَلِّطُونَ عَلَيْهِ يَصِيحُونَ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَدَائِمًا كُلَّ يَوْمٍ اسْمِي يُهَانُ. 6 لِذلِكَ يَعْرِفُ شَعْبِيَ اسْمِي. لِذلِكَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ الْمُتَكَلِّمُ. هأَنَذَا». "فإنه هكذا قال الرب: مجانًا بُعْتُم وبلا فضة تُفكون" [3]. لم يبع الله شعبه لبابل، إنما هم الذين باعوا أنفسهم بأنفسهم خلال تركهم الله وعصيانهم له، فسلمهم لهم. لم ينالوا شيئًا مقابل ذلك ولا نال الله شيئًا، لأن بابل لم تشكر الله الذي سلمهم هذا الشعب كأسرى بل جدفوا عليه. كأن الله لا يود تسليمهم لبابل لكنهم ألزموه ببيعهم أنفسهم للخطية والرجاسات الوثنية. لقد سبق فنزل شعب الله إلى مصر وتغرب هناك وأذله فرعون؛ ومع ذلك لم يتعلم فباع نفسه لآشور الذي ظلمه بلا سبب أو بلا إثارة من جهة الشعب ضد آشور... لهذا يتدخل الله ليُخلص شعبه ويتمجد اسمه القدوس. نحن أيضًا سلمنا أنفسنا لسلطان الخطية واستعبدنا أنفسنا لعدو الخير بلا ثمن... الآن تقدم المخلص ليفكنا مجانًا، لا بذهب أو فضة وإنما بدمه الثمين (رؤ 5: 9). 3. بشارة مفرحة: 7 مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ، الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِ بِالْخَيْرِ، الْمُخْبِرِ بِالْخَلاَصِ، الْقَائِلِ لِصِهْيَوْنَ: «قَدْ مَلَكَ إِلهُكِ!». 8 صَوْتُ مُرَاقِبِيكِ. يَرْفَعُونَ صَوْتَهُمْ. يَتَرَنَّمُونَ مَعًا، لأَنَّهُمْ يُبْصِرُونَ عَيْنًا لِعَيْنٍ عِنْدَ رُجُوعِ الرَّبِّ إِلَى صِهْيَوْنَ. 9 أَشِيدِي تَرَنَّمِي مَعًا يَا خِرَبَ أُورُشَلِيمَ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ عَزَّى شَعْبَهُ. فَدَى أُورُشَلِيمَ. 10 قَدْ شَمَّرَ الرَّبُّ عَنْ ذِرَاعِ قُدْسِهِ أَمَامَ عُيُونِ كُلِّ الأُمَمِ، فَتَرَى كُلُّ أَطْرَافِ الأَرْضِ خَلاَصَ إِلهِنَا. جاءت البشارة برد الشعب عن السبي من قبل الرب نفسه الذي ملك على شعبه [7]، فارتفعت أصوات التسبيح والترنم، لا من أجل رجوعهم إلى بلادهم وإنما من أجل "رجوع الرب إلى صهيون" [8]. جاء بنفسه ليُعزي شعبه، ويشمر ذراع قدسه للعمل لإصلاح ما حلّ بشعبه ومدينته من خراب، ليعلن علانية "أمام عيون كل الأمم" [10] لتمجده كل أطراف الأرض. جاء الحديث بالأكثر عن البشارة المفرحة الخاصة بإنجيل الخلاص: "ما أجمل على الجبال قدمي المبشر المخبر بالسلام، المبشر بالخير، المخبر بالخلاص، القائل لصهيون: قد ملك إلهك" [7]. ما هما هاتان القدمان الجميلتان إلاَّ كنيسة العهد الجديد التي تنطق خلال كلمة الله (الجبال) لتُبشر بالإنجيل وتعلن أن ربنا يسوع قد ملك على خشبة وأنه أقامنا معه؟! * يرى (إشعياء) أنه ما أجمل وما أليق كرازة الرسل السالكين في (الرب) القائل "أنا هو الطريق"، ممتدحًا أقدام السالكين في الطريق العقلي الذي ليسوع المسيح، فأنه خلال هذا الباب يدخلون إلى الله (الآب). إنهم يبشرون بالأخبار السارة، هؤلاء الذين أقدامهم جميلة إذ صار لهم يسوع (طريقًا لأقدامهم وسرًا لجمالهم). العلامة أوريجانوس *عندما يكرزون لنا بإنجيل هذا السلام الذي سبق فتنبأ عنه: "ما أجمل أقدام المبشرين بالسلام، المبشرين بالخير" [7]، يبدأ كل واحد منا أن يكون ابنًا للسلام بطاعته وإيمانه بهذا الإنجيل، فإنه يتبرر بالإيمان ينال سلامًا مع الله.* ما هما قدما الرب؟ أنهما الإنجيليون القديسون! * خلال أقدام البشر الجميلة المخبرة بالصالحات صارت قلوب البشرية طريقًا مفتوحًا للرب. القديس أغسطينوس 4. اعتزال الشر: 11 اِعْتَزِلُوا، اعْتَزِلُوا. اخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ. لاَ تَمَسُّوا نَجِسًا. اخْرُجُوا مِنْ وَسَطِهَا. تَطَهَّرُوا يَا حَامِلِي آنِيَةِ الرَّبِّ. 12 لأَنَّكُمْ لاَ تَخْرُجُونَ بِالْعَجَلَةِ، وَلاَ تَذْهَبُونَ هَارِبِينَ. لأَنَّ الرَّبَّ سَائِرٌ أَمَامَكُمْ، وَإِلهَ إِسْرَائِيلَ يَجْمَعُ سَاقَتَكُمْ. بروح النبوة رأى إشعياء الكهنة حاملي آنية الرب التي أخذها نبوخذ نصَّر والتي استعملها بيلشاصَّر في الوليمة باستخفاف (عز 1: 7-11)، في موكب مهيب استغرق حوالي أربعة شهور. كشف النبي عن سرّ مهابة هذا الموكب ألا وهو: أ. من الجانب السلبي: اعتزال الشر والخروج المستمر من أسر الخطية؛ "اعتزلوا اعتزلوا، اخرجوا من هناك، لا تمسوا نجسًا؛ اخرجوا من وسطها، تطهروا يا حاملي آنية الرب" [11]. دعوة للخروج المستمر كقول الرسول: "لذلك أخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب، ولا تمسوا نجسًا فأقبلكم، وأكون لكم أبًا وأنتم تكونون ليّ بنين وبنات" (2 كو 6: 17-18). * ينصح بولس قائلًا: "اعزلوا الخبيث من بينكم"، "حتى يُرفع من وسطكم الذي فعل هذا الفعل" (1 كو 5: 13، 2). إنه أمر مرعب، ومرعب حقًا، هو مجمع الأشرار، فإن وباءهم ينتقل بسرعة ويؤثر على من يتعاملون معهم كَمَنْ هم مرضى... "فإن المعاشرات الرديئة تُفسد الأخلاق الجيدة" (1 كو 15: 33)... ليته لا يكون لأحد صديق شرير. القديس يوحنا الذهبي الفم ب. من الجانب الإيجابي: قبول الله نفسه قائدًا للموكب، لهذا نخرج في هدوء وطمأنينة واثقين من قدرة قائدنا وحمايته لنا كل الطريق؛ "لأنكم لا تخرجون بالعجلة، ولا تذهبون هاربين؛ لأن الرب سائر أمامكم وإله إسرائيل يجمع ساقتكم" [12].5. مجد عبد الرب: 13 هُوَذَا عَبْدِي يَعْقِلُ، يَتَعَالَى وَيَرْتَقِي وَيَتَسَامَى جِدًّا. 14 كَمَا انْدَهَشَ مِنْكَ كَثِيرُونَ. كَانَ مَنْظَرُهُ كَذَا مُفْسَدًا أَكْثَرَ مِنَ الرَّجُلِ، وَصُورَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ. 15 هكَذَا يَنْضِحُ أُمَمًا كَثِيرِينَ. مِنْ أَجْلِهِ يَسُدُّ مُلُوكٌ أَفْوَاهَهُمْ، لأَنَّهُمْ قَدْ أَبْصَرُوا مَا لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ، وَمَا لَمْ يَسْمَعُوهُ فَهِمُوهُ. إذ أوصى أن يقود الرب المخلص الموكب، قدم لنا صورة عن مجد المخلص الذي صار عبدًا ليتمجد لحسابنا وباسمنا، وقد فسر اليهود القدامى هذا النص على أنه خاص بالمسيا. أ. "هوذا عبدي": صار الكلمة جسدًا، وحُسب عبدًا للآب كنائب عن البشرية، العبد الذي يطيع فنُحسب فيه مطيعين لله. ب. "يعقل يتعالى ويرتقي ويتسامى جدًا" [13]، هو حكمة الله، من أجلنا قبل روح الحكمة والفهم يستقر عليه (إش 11: 2) مع كونه هو روحه القدوس الغير منفصل عنه. ج. منظره على الصليب أثار دهشة السمائيين والأرضيين: "كما اندهش منك كثيرون. كان منظره كذا مُفْسدًا أكثر من الرجل وصورته أكثر من بني آدم" [14]. هذا ما سيعلنه بأكثر وضوح في الأصحاح التالي: "لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه..." (إش 53: 2-3). د. خلال هذا المنظر المؤلم كذبيحة مرفوعة على الصليب نضح بدمه على الأمم فقدّسهم له، وسد أفواه ملوك (ربما يعني قوات الظلمة) إذ أبصروا خلاصًا لم يكونوا يدركونه من قبل. المسيح المصلوب يعتبر هذا الأصحاح من أروع الأصحاحات المحببة لدى المؤمنين لأنه يكشف عن سر الصليب وقوته، حيث بسط الرب يديه بالحب العملي ليخلص البشرية، كما سبق فقال: "وأخلصكم بذراع ممدودة" (خر 6: 6). تحدث عن منظر المخلص أنه "كذا مُفْسَدًا أكثر من الرجل" (إش52: 14)، لكن خلال هذا المنظر المؤلم نضح بحبه ودمه على أمم كثيرين ففداهم (إش 52: 15). هذا ما يعلنه هذا الأصحاح بكل وضوح. وكما يقول القديس أكليمندس الروماني: [المسيح هو مسيح المتواضعين لا المتعجرفين على قطيعه. فإن صولجان عظمة الله، ربنا يسوع المسيح لم يأتِ في موكب الكبرياء والزهو، مع أنه كان قادرًا أن يفعل هذا، لكنه جاء في اتضاع كما أعلن عنه الروح القدس]. 1. الصليب سرّ فائق: 1 مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟ يفتتح النبي حديثه عن الصليب قائلًا: "من صدق خبرنا؟! ولمن استعلنت ذراع الرب؟!" [1]. إن كان معاصرو إشعياء النبي لم يستطيعوا قبول النبوات الخاصة بظهور كورش لرد الشعب من السبي البابلي فكيف يقدرون أن يصدقوا أمر الصليب؟! حقًا إنه سرّ عجيب يقف أمامه السمائيون والأرضيون في دهشة إذ يرون ذراع الرب قد استعلنت خلال التجسد لكي يبسط الرب يديه على الصليب ليحتضن الأمم، واهبًا إياهم قوة قيامته وبهجتها خلال شركتهم آلامه وصلبه. * أن الله، ابن الله، ذراع الرب يحتمل آلامًا كهذه! القديس كيرلس الأورشليمي * بأي كلمات نبارك الله، وأي شكر يمكننا أن نقدمه له...؟! لقد أحبنا، حتى أنه وهو الكائن الأزلي، الأقدم من كل المسكونة ذاتها صار في السن أصغر من كثير من خدامه في العالم! كطفل كان يصيح في طفولة غير متكلمة وهو "الكلمة" الذي بدونه تعجز كل فصاحة البشر عن الكلام! أنظر يا إنسان ماذا صار الله من أجلك...؟! مع كونك إنسانًا أردت أن تكون إلهًا فضللت! وهو مع كونه الله أراد أن يكون إنسانًا لكي يرد ذاك الذي ضل! الكبرياء الإنسانية هبطت بك أسفل، لكي ما بالاتضاع الإلهي وحده ترتفع إلى فوق! القديس أغسطينوس الحب جذبك لتأتي إلى بلدنا من أجلنا... صرت معنا ومنا وأنت ربنا! هوذا عمانوئيل معنا بجوارنا، ومن أجل هذا تكلمت الألسن غير المستأهلة لك... القديس يعقوب السروجي بقوله "ولمن استعلنت ذراع الرب؟!" [1] يعني ظهور السيد المسيح ليس فقط خلال التاريخ، الأمر الذي يُذهل الخليقة كلها، وإنما ظهوره في حياتنا الشخصية أو تجليه المستمر في القلب كمصدر شبع داخلي. * ذراع الرب هو المسيح، فلا تنسه! لا تجعل (الأعداء الروحيين) يفرحون قائلين: إنما يوجد المسيحيون إلى حين!. * "ولمن استعلنت ذراع الرب؟!" بإعطائك مسيحه يهبك ذراعه، وبإعطائك ذراعه يهبك مسيحه. إنه يقود (الإنسان) إلى الطريق بقيادته إلى مسيحه. ويقوده إلى مسيحه بقيادته إلى الطريق، والمسيح هو الحق. * "تفتح يدك فتشبع خيرًا" (مز 104: 28). ماذا يعني فتح يدك يا رب؟ المسيح هو يدك. "لمن استعلنت ذراع الرب؟!" إنها تفتح عندما تُستعلن، فإن الإعلان هو انفتاح. "تفتح يدك فتشبع خيرًا"؛ عندما تعلن عن مسيحك تشبع خيرًا. القديس أغسطينوس 2. الصليب عار وخزي: 2 نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْق مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ. 3 مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ. جاء الرب المخلص كغصن ينبت قدام إسرائيل وكجذر من أرض يابسة لذلك استخف به الشعب، وخاصته لم تقبله. "نبت قدامه كفرخ" [2]، إذ جاء من نسل داود كنبتة صغيرة، كغصن وهو خالق الكرمة وموجدها. جاء مختفيًا، في اتضاع، لذا رُمز إليه بالعليقة الملتهبة نارًا التي تبدو نباتًا ضعيفًا لا قوة له، لكنه بلاهوته نار متقدة! جاء "قدام" إسرائيل بكونه الراعي الذي يتقدم قطيعه! "وكعرق من أرض يابسة" [2]؛ جاء ظهوره بطريقة غير متوقعة، فقد ظن اليهود أن يروا المسيا ملكًا عظيمًا ذا سلطان، قادرًا أن يُحطم الإمبراطورية الرومانية ويقيم دولة تسود العالم؛ أما هو فجاء كجذرٍ مختفٍ في أرض جافة لا يتوقع أحد أنه ينبت ويأتي بثمر. جاء من أرض يابسة إذ ولد من القديسة مريم المخطوبة ليوسف النجار، وكان كلاهما فقيرين؛ "افتقر وهو غني لكي تستغنوا أنتم بفقره" (2 كو 8: 9). جاء السيد المسيح كعْرقٍ من أرض يابسة، إذ كان اليهود في ذلك الحين في حالة جفاف شديد، جاء وسط اليبوسة ليقيم من البرية فردوسًا. قالت عنه العروس: "كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين" (نش 2: 3). "لا صورة له ولا جمال فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه، محتقر ومخذول من الناس، رجل أوجاع ومختبر الحزن وكمستر عنه وجوهنا، محتقر فلم نعتد به" [2-3]. هنا ينتقل النبي من منظر التجسد إلى منظر الصليب؛ في التجسد رآه نبتة صغيرة من نسل داود، وجذرًا من أرض يابسة، جاء كابن للبشر حين كانت البشرية كلها بما فيها شعب الله في يبوسة تامة، وجاء من عائلة فقيرة حتى قال نثنائيل: أمن الناصرة يخرج شيء صالح؟! الآن يتطلع النبي إلى منظر الصليب، فيراه بلا صورة، بلا جمال، بلا منظر، محتقر لا يجسر أحد أن يقترب إليه، رجل أحزان، نخفي وجوهنا ونسترها عن رؤيته بسبب الحزن الشديد. * ليس له شكل ولا جمال في أعين اليهود، أما بالنسبة لداود فهو أبرع جمالًا من بني البشر (مز 45: 2). على الجبل (أثناء التجلي) كان بهيًا ومضيئًا أكثر من الشمس (مت 17: 2)، مشيرًا إلينا نحو سره المستقبل. القديس غريغوريوس النزينزي *ذاك الذي هو أبرع جمالًا من بني البشر رآه البشر على الصليب بلا شكل ولا جمال؛ كان وجهه منكسًا، ووضعه غير لائق. مع هذا فإن عدم الجمال هذا الذي لمخلصك أفاض ثمنًا لجمالك الذي في الداخل، فإن مجد ابنه الملك من داخل (مز 45: 2). القديس أغسطينوس 3. الصليب فداء وخلاص: 4 لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولًا. 5 وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. 6 كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. 7 ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. 8 مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ 9 وَجُعِلَ مَعَ الأَشْرَارِ قَبْرُهُ، وَمَعَ غَنِيٍّ عِنْدَ مَوْتِهِ. عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ ظُلْمًا، وَلَمْ يَكُنْ فِي فَمِهِ غِشٌّ. 10 أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ. إِنْ جَعَلَ نَفْسَهُ ذَبِيحَةَ إِثْمٍ يَرَى نَسْلًا تَطُولُ أَيَّامُهُ، وَمَسَرَّةُ الرَّبِّ بِيَدِهِ تَنْجَحُ. 11 مِنْ تَعَبِ نَفْسِهِ يَرَى وَيَشْبَعُ، وَعَبْدِي الْبَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. 12 لِذلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ.بعد أن تحدث عن الصليب من الخارج دخل بنا إلى الأعماق لنكتشف سره وقوته كذبيحة أثم وكفارة عن خطايانا، إذ يقول: "لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها، ونحن حسبناه مصابًا مضروبًا من الله ومذلولًا" [4]. ما حمله ليس أحزانه ولا أوجاعه إنما هي أحزاننا وهمومنا وجراحاتنا... ما يحمله إنما هو ثقل خطايانا التي انحنى بإرادته ليحملها بحبه في جسده عنا. *لقد حمل خطايانا واحتمل أمراضنا، ومع هذا لم يُعانِ من شيء يحتاج إلى علاج، فقد جُرب في كل شيء مثلنا ولم يكن فيه خطية. من يضطهد النور الذي يضيء في الظلمة لا يقدر أن يغلبه. * لقد سُحق وجُرح لكنه شَفي كل مرض وكل ضعف. القديس غريغوريوس النزنيزي القديس كيرلس الأورشليمي . لقد أخذ بطرس وابني زبدي ليروه قد ابتدأ يحزن ويكتئب، قائلًا لهم: "نفسي حزينة جدًا حتى الموت" (مت 26: 38). "الذي لم يعرف خطية صار خطية لأجلنا" (2 كو 5: 21)، إذ قدم نفسه ذبيحة إثم يحمل خطايانا وآثامنا ويكفر عنها. "وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا، تأديب سلامنا عليه [لولا احتماله التأديب عنا لما تمتعنا بالسلام] وبحبره شفينا. كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلى طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا" [5-6]. * سلم الرب جسده للموت لكي نتقدس خلال مغفرة الخطايا التي تتحقق برش دمه... يلزمنا أن نشكر الرب من الأعماق لأنه أخبرنا عن الأمور الماضية، وأعطانا حكمة بخصوص الأمور الحاضرة، ولم يتركنا بغير فهم بخصوص الأمور المستقبلة. الرسالة إلى برناباس البابا أثناسيوس الرسولي من أجلي اتضع وخضع...! صار لعنة -لا من جهة لاهوته بل من جهة ناسوته- إذ هو مكتوب "ملعون كل من عُلق على خشبة" (غلا 3: 13). بالجسد علق، ولهذا صار لعنة، ذاك الذي حمل لعنتنا! بكى حتى لا تبكي أيها الإنسان كثيرًا! يا له من علاج مجيد! أن تكون لنا تعزية المسيح. لقد احتمل هذه الأمور بصبر عجيب من أجلنا... ونحن حقًا لا نقدر أن نحتمل الصبر العادي من أجل أسمه. هوذا دموعه تغسلنا وبكاؤه يُنظفنا! القديس أمبروسيوس القديس يوحنا الذهبي الفم القديس أغسطينوس يتحدث النبي هنا في صيغة الماضي وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [هذه هي عادة الأنبياء في القديم أن يتحدثوا عن المستقبل كما عن الماضي]. * بالتأكيد تتحدث النبوة بأكثر وضوح عن الرب يسوع عندما قيل "مثل حمل سيق إلى الذبح" [7] (بكونه فصحنا). لقد مُسحت جبهتك بعلامة (دمه) وأيضًا القائمتان، إذ حمل كل المسيحيين ذات العلامة. القديس أغسطينوس * عندما دخل (بيلاطس ورجال الدين) في حوار الواحد مع الآخرين كان في سلامة، محققًا قول النبي: "لم يفتح فاه، وفي اتضاعه انتزع حكمه" [7-8] (الترجمة السبعينية). القديس يوحنا الذهبي الفم جاء لكي يُحاكَم، ذاك الذي يأتي بعد ذلك ديانًا، لهذا سيأتي بسلطان ليدين، ذاك الذي في اتضاع عظيم حُكم عليه. * لقد احتمل الشر بصبر، إذ كان يجلب البر فيما بعد. * إذ أُقتيد كذبيحة "أمام جازيه لم يفتح فاه"، وعندما صُلب ودفن كان دائمًا إله الآلهة الخفي. القديس أغسطينوس القديس إيرونيموس "وفي جيله من كان يظن أنه قُطع من أرض الأحياء، أنه ضُرب من أجل ذنب شعبي" [8]. * "في جيله من يقصه" [8]. لقد وُلد أزليًا... وُلد من الآب بلا زمن، ووُلد من البتول في ملء الأزمنة. القديس أغسطينوس "وجُعل مع الأشرار قبره ومع غنى عند موته، على أنه لم يعمل ظلمًا ولم يكن في فمه غش" [9]. * صلبوه مع لصوص، محققين النبوة لا إراديًا. ما فعلوه لإهانته حسب للحق لكي تدرك قوة النبوة العظيمة... حاول الشيطان أن يلقي بحجاب على ما حدث لكنه عجز، لأنه الثلاثة صلبوا أما يسوع فوحده تمجّد حتى نُدرك سلطانه على الكل. لقد حدثت معجزات عندما سُمر الثلاثة على الصلبان، لكن أحدًا ما لم ينسب ما حدث للاثنين الآخرين بل ليسوع وحده. هكذا أُحبطت خطة الشيطان تمامًا وارتد الكل على رأسه فقد خلص واحد من اللصين، هذا الذي لم يسيء إلى مجد الصليب بل ساهم فيه ليس بقليل. فإن تغيير لص وهو على الصليب وجذبه إلى الفردوس ليس بأقل من زلزلة الصخور. القديس يوحنا الذهبي الفم "من أجل أنه سكب للموت نفسه وأُحصى مع أثمه وهو حمل خطية كثيِريِن وشفع في المذنبين" [12]. * إن كان من أجلك ومن أجل خطاياك أُحصى مع أثمة فلتكن حافظًا للناموس لأجله. اعبد ذاك الذي عُلق من أجلك حتى وإن كنت أنت معلقًا... أشترِ خلاصك بموتك وأدخل مع يسوع إلى الفردوس لتعرف من أين سقطت (رؤ 2: 5). القديس غريغوريوس النزينزي "واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا" (مت 6: 12). القديس أغسطينوس بعدما تحدث عن آلام المسيح المخّلصة يدعو الكنيسة لحياة التسبيح والفرح، فقد وجدت عريسها السماوي الذي يهبها خصوبة روحية وثمرًا متكاثرًا عوض العقر وعدم الإثمار. رفعها من المذلة إلى مجد أولاد الله، ومن الفساد إلى بره السماوي. واهبًا إياها نصرة على كل قوات العدو. 1. تسبيح من أجل الإثمار: 1 «تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا الْعَاقِرُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ. أَشِيدِي بِالتَّرَنُّمِ أَيَّتُهَا الَّتِي لَمْ تَمْخَضْ، لأَنَّ بَنِي الْمُسْتَوْحِشَةِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي ذَاتِ الْبَعْلِ، قَالَ الرَّبُّ. 2 أَوْسِعِي مَكَانَ خَيْمَتِكِ، وَلْتُبْسَطْ شُقَقُ مَسَاكِنِكِ. لاَ تُمْسِكِي. أَطِيلِي أَطْنَابَكِ وَشَدِّدِي أَوْتَادَكِ، 3 لأَنَّكِ تَمْتَدِّينَ إِلَى الْيَمِينِ وَإِلَى الْيَسَارِ، وَيَرِثُ نَسْلُكِ أُمَمًا، وَيُعْمِرُ مُدُنًا خَرِبَةً. "ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد، أشيدي بالترنم أيتها التي لم تتمخض، لأن بني المستوحشة أكثر من بني ذات البعل قال الرب" [1]. يرى العلامة أوريجانوسأن البعل أو الزوج هنا هو الناموس الذي ارتبط به الشعب القديم كزوج، وكان يليق به أن يُقدم ثمرًا متكاثرًا، بينما حُرمت الأمم منه لكنها إذ اتحدت بالسيد المسيح خلال الإيمان به أنجبت أولادًا مقدسين للرب. يقارن القديس أغسطينوس بين كنيسة العهد القديم وكنيسة العهد الجديد، الأولى تزوجت بالناموس فصارت مع أولادها في عبودية لأنها كانت تطلب البركات الزمنية، أما الثانية فهي تتعبد لله من أجله هو ليكون هو الكل في الكل، خدمتها حرة تخص أولاد المرأة الحرة لا الجارية، هذه كانت قبلًا عاقرًا ولم يكن لها أولاد أما الآن فصار لها أولاد كثيرون أكثر مما كان للأولى... هذا يهبها فرحًا وترنمًا. ما نقوله عن كنيسة العهد الجديد ككل نقوله عن كل نفس ترتبط بها، فانه مهما كانت حياتنا الماضية عقيمة وجافة فإن مراحم الرب المتسعة قادرة أن تهبنا ثمارًا روحية للنفس (بنين) وللجسد (بنات)، بقبولنا الصليب وتمتعنا بالقيامة معه. * جاء الناموس يعمل ليجعل الناس أبرارًا لكنه لم يستطع، فجاء (المسيح) وفتح طريق البر بالإيمان، وبهذا حقق ما اشتهاه الناموس. ما لم يستطع الناموس أن يحققه بالحرف حققه هو بالإيمان. القديس يوحنا الذهبي الفم * تمتد الكنيسة يمينًا ويسارًا فلا تعود تذكر عار ترملها. * لقد دُعيت أورشليم، لكن أورشليم الأولى رفضت أن تسمع، فقيل لها: "هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا..." (مت 23: 38). أما تلك التي كُتب عنها: "ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد"... فلم تحتقر الذي دعاها. إنه يرسل لها مطرًا ويهبها ثمرًا... دعا الكنيسة من كل العالم بعد قيامته، فلا تعود ضعيفة على الصليب بل قوية في السماء. *تتحقق تلك النبوة التي يتحدث فيها إشعياء على لسانك إلى كنيستك، مدينتك المقدسة، العاقر التي لها أولاد وهي مستوحشة أكثر من تلك التي لها زوج. فقد قيل لها بالحق: "افرحي أيتها العاقر التي لم تلد..." أكثر من الأمة اليهودية التي لها زوج بتسلمها الناموس، وأكثر من تلك التي لها ملك منظور. فإنَّ ملكك أنتِ مخفي، ولكِ أولاد كثيرون من العريس الخفي. القديس أغسطينوس أ. "اوسعي مكان خيمتك، ولتبسط شقق مساكنك؛ لا تمسكي. أطيلي أطنابك وشددي أوتادك، لأنك تمتدين إلى اليمين وإلى اليسار ويرث نسلك أممًا ويُعْمِرُ مدنًا خربة" [2-3]. تطلع النبي إلى كنيسة العهد الجديد كخيمة اجتماع مع الرب وقد جاء إليها أعداد بلا حصر من اليمين (اليهود) ومن اليسار (الأمم) في فيض لا ينقطع حتى ضاق الموضع جدًا فطلب توسيع مكان الخيمة وبسط الشقق المصنوعة منها وإطالة اطنابها... فإنها تمتد لتصير الأرض للرب ولمسيحه؛ إنها تحول أممًا وثنية إلى مقادس للرب، وتعمر مدنًا خربة إلى مساكن مقدسة لشعب الله. هذه هي صورة النفس التي تلتقي بالصليب، تصير بالحق خيمة الرب التي يتسع قلبها يومًا فيومًا ليحمل صورة المخلص محب البشر. يفتح أعماقه للصالحين (الذين من اليمين) والطالحين (الذين من اليسار) لكي يضم بالحب كل نفس إلى حياة الشركة مع الله في ابنه بالروح القدس. كأن عمل الصليب المثمر هو سكب روح الحب فينا لنشارك المصلوب حبه؛ نبسط أذرع قلوبنا لنحتضن الكل، ليتحقق فينا قوله الإلهي: "ليعلم الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعضًا لبعض" (يو 13: 35). إن كان الصليب قد فتح أبواب الرجاء أمام كل الأمم بالحب الإلهي فإن شهادتنا للمصلوب لن تتحقق ما دامت خيمة قلوبنا ضيقة وأبوابها مغلقة وأطنابها قصيرة وأوتادها متراخية... لنَهَب قلوبنا للمصلوب فيقيمها مملكة حبه المتسع لكل البشرية الدائمة النمو! كثيرًا ما نُدين الآخرين كمدن خربة مع أنه كان يليق بنا أن نُدين أنفسنا لأننا لم نحمل حب المصلوب فينا الذي يعمر المدن الخربة! * لا يليق بالإنسان أن يهتم بنفسه فقط بل يلزمه أن يهتم بالآخرين أيضًا... فإنه أي فائدة لمصباح لا يضيء للجالسين في الظلمة؟! وأي نفع للمسيحي الذي لا يفيد غيره، ولا يرد أحدًا إلى الفضيلة؟! القديس يوحنا الذهبي الفم 4 لاَ تَخَافِي لأَنَّكِ لاَ تَخْزَيْنَ، وَلاَ تَخْجَلِي لأَنَّكِ لاَ تَسْتَحِينَ. فَإِنَّكِ تَنْسَيْنَ خِزْيَ صَبَاكِ، وَعَارُ تَرَمُّلِكِ لاَ تَذْكُرِينَهُ بَعْدُ. 5 لأَنَّ بَعْلَكِ هُوَ صَانِعُكِ، رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ، وَوَلِيُّكِ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ، إِلهَ كُلِّ الأَرْضِ يُدْعَى. 6 لأَنَّهُ كَامْرَأَةٍ مَهْجُورَةٍ وَمَحْزُونَةِ الرُّوحِ دَعَاكِ الرَّبُّ، وَكَزَوْجَةِ الصِّبَا إِذَا رُذِلَتْ، قَالَ إِلهُكِ. 7 لُحَيْظَةً تَرَكْتُكِ، وَبِمَرَاحِمَ عَظِيمَةٍ سَأَجْمَعُكِ. 8 بِفَيَضَانِ الْغَضَبِ حَجَبْتُ وَجْهِي عَنْكِ لَحْظَةً، وَبِإِحْسَانٍ أَبَدِيٍّ أَرْحَمُكِ، قَالَ وَلِيُّكِ الرَّبُّ. 9 لأَنَّهُ كَمِيَاهِ نُوحٍ هذِهِ لِي. كَمَا حَلَفْتُ أَنْ لاَ تَعْبُرَ بَعْدُ مِيَاهُ نُوحٍ عَلَى الأَرْضِ، هكَذَا حَلَفْتُ أَنْ لاَ أَغْضَبَ عَلَيْكِ وَلاَ أَزْجُرَكِ. 10 فَإِنَّ الْجِبَالَ تَزُولُ، وَالآكَامَ تَتَزَعْزَعُ، أَمَّا إِحْسَانِي فَلاَ يَزُولُ عَنْكِ، وَعَهْدُ سَلاَمِي لاَ يَتَزَعْزَعُ، قَالَ رَاحِمُكِ الرَّبُّ. إن كان الصليب عارًا، يتعثر فيه اليهود ويحسبه الأمم جهالة (1 كو 1: 23)، لكننا نحمل ثمره فندركه "قوة الله وحكمته" ولا نستحي منه (غل 6: 14). لهذا يقول النبي: "لا تخافي لأنك لا تخزين، ولا تخجلي لأنكِ لا تستحين، فانك تنسين خزي صباكِ وعار ترملك لا تذكرينه بعد" [4]. عند الصليب تلتقي النفس بعريسها واهب الحياة غالب الموت فتنسى ترملها القديم وخِزي صباها إذ عاشت زمانًا طويلًا كوحيدة متروكة ليس من يملأ فراغ قلبها. تطلعها للعريس المصلوب يشبع كل أعماقها الداخلية فلا تبالي بسخرية بنات أورشليم الرافضات الخلاص، بل في قوة الحب تقول: "أحلفكن يا بنات أورشليم بالظباء وبأيائل الحق ألاَّ تُيقظن ولا تُنّبِهن الحبيب حتى يشاء" (نش 3: 5). يقول لنا القديس يوحنا الذهبي الفمحوارًا بين العريس السماوي والنفس البشرية، جاء فيه: [عظيم هو مهري...! جاء وأخذني، وعّين لي مهر، قائلًا: أعطيكِ غناي! هل فقدتِ الفردوس؟ أرده لك... ومع ذلك لم يعطني المهر كله هنا؛ لماذا؟ لكي أهبه لكِ عندما تدخلين الموضع الملوكي. هل أنتِ جئتِ إليّ؟ لا، بل أنا الذي جئت إليكِ... لا لكي تمكثي في موضعك، وإنما لكي آخذك معي وارجع بكِ. فلا تطلبي مني المهر وأنتِ هنا في هذه الحياة، بل كوني مملوءة رجاءً وإيمانًا]. هذا هو سر فرحنا، وهذا هو موضع تسبيحنا الذي لا ينقطع. لقد حوّل الصليب ترملنا إلى عرس فريد فيه نتحد مع الرب نفسه، "لأن بعلك هو صانعك رب الجنود اسمه، ووليّك قدوس إسرائيل إله كل الأرض يُدعى، لأنك كامرأة مهجورة ومحزونة الروح دعاك الرب وكزوجة الصبا إذا رُذلك قال إلهك" [5-6]. كنا في عار كامرأة قد هجرها رجلها فانكسرت نفسها بالخزي والعار، رذلها بسبب زناها ورجاساتها، وها هي تصير عروسًا لرب الجنود لقدوس إسرائيل إله كل الأرض يسوع المسيح. إذ تلتقي بعريسها وتنعم بأمجاده تنسى فترة ترملها بكل مرارتها فتحسب الماضي كله بالنسبة لها أقل من لحظة أو طرفة عين. نعمة رب المجد وإحساناته التي تجعلنا معه وتوحّدنا مع أبيه تجعلنا ندرك بفرح كلماته لنا: "لُحيْظة تَركتُك وبمراحم عظيمة سأجمعك، بفيضان الغضب حجبتُ وجهي عنكِ لحظةَ وبإحسانٍ أبديٍّ أرحمُك قال وليُّك الرب" [7-8]. أمام مراحم الله الأبدية نحسب كل أيام ضيقنا أشبه بلحيظة عبرت لندخل الأمجاد السماوية. أما قوله "سأجمعك" فهي تعني جمع الكنيسة المقدسة معًا من كل الأمم والشعوب والألسنة كجسد واحد للرأس، أو كعروس واحدة لعريسها السماوي. أيضا فيها يجتمع المؤمنون معًا، كل رجال العهد القديم مع رجال العهد الجديد، وفيها يجتمع السمائيون مع الأرضيين، ويجتمع الكهنة مع الشعب إلخ... هذا كله لن يتحقق ما لم يجتمع الإنسان مع نفسه ككل حيث تخضع النفس مع الجسد بكل حواسه ومشاعره والعقل مع القلب والمواهب إلخ... فيصير بكُلّيته مقدسًا للرب. هذا الحب الزوجي بين المسيح والنفس البشرية أبديّ لا يزول؛ فكما قدم الله وعدًا لنوح ألا يغرق العالم بالطوفان خلال غضبه على البشرية [9] هكذا يهبنا الرب وعدًا ألا يفارقنا قط أو ينزع رحمته عنا، إذ يقول: "فإن الجبال تزول والآكام تتزعزع أما إحساني فلا يزول عنكِ وعهد سلامي لا يتزعزع قال راحمكِ الرب" [10]. في اختصار اختارنا عروسًا له نازعا عار ترملنا، مؤكدًا حبه لنا ورحمته علينا، مقدمًا لنا وعودًا أكيدة متجددة أبدية. أقامنا من بيت الزنا وغسلنا وقدسنا عروسًا له يدخل بنا إلى سمواته كملكة تجلس عن يمينه. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [الله يرغب في الزانية، فماذا يفعل؟ إنه لا يقودها إلى العلا وهي زانية، فهو لا يُريد أن يدخل بها إلى السماء وهي على هذا الحال، إنما نزل إليها. نزل إلى الأرض ما دامت تعجز هي عن الصعود إلى فوق. جاء إلى الزانية ولم يخجل من أن يمسك بها وهي في سكرها...]. 3. تسبيح من أجل تجديدها: 11 «أَيَّتُهَا الذَّلِيلَةُ الْمُضْطَرِبَةُ غَيْرُ الْمُتَعَزِّيَةِ، هأَنَذَا أَبْنِي بِالأُثْمُدِ حِجَارَتَكِ، وَبِالْيَاقُوتِ الأَزْرَقِ أُؤَسِّسُكِ، 12 وَأَجْعَلُ شُرَفَكِ يَاقُوتًا، وَأَبْوَابَكِ حِجَارَةً بَهْرَمَانِيَّةً، وَكُلَّ تُخُومِكِ حِجَارَةً كَرِيمَةً 13 وَكُلَّ بَنِيكِ تَلاَمِيذَ الرَّبِّ، وَسَلاَمَ بَنِيكِ كَثِيرًا. سرّ تسبيحنا إننا كنا كعاقر وهبنا الله كثرة من البنين، وكمستوحشة متروكة وجدت الرب نفسه عريسًا لها، وأيضًا كمدينة خربة قام الرب بتجديدها وإعادة بنائها. "أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية هأنذا أبني بالأثمد حجارتك وبالياقوت الأزرق أؤسسك، واجعل شُرفك ياقوتًا وأبوابك حجارة بهرمانية وكل تخومك حجارة كريمة" [11-12]. يا لها من صورة رائعة تكشف عما وصلت إليه البشرية من انحطاط وما حل بها من مجد فائق لا يُنطق به، كانت كمدينة خربة مهدمة، حُسبت في ذل وحل بها الاضطراب بواسطة العدو الذي سبى شعبها وافقدهم كل رجاء فصاروا بلا تعزية، الآن يقوم الرب ببنائها هكذا: أ. يبني بالأثمد حجارتها، علامة القوة والمتانة. هذه الحجارة هي النفوس التي قبلت الإيمان بالمخلص فصارت حجارة حيَّة في هيكل الرب، لا يقدر عدو الخير أن يُحطمها أو ينتزعها! ب. الأساس من الياقوت الأزرق. الأساس هو ربنا يسوع السماوي (الأزرق)، حجر الزاوية الذي يضم الكل معًا فيه. ج. الشرُف من الياقوت الشفاف إشارة إلى مجد المؤمن الداخلي القائم على بر المسيح والحياة المقدسة فيه، ينعكس على الشرفات الخارجية. د. الأبواب التي من الحجارة البهرمانية، تُشير إلى تقديس الحواس واهتمامنا بها دون تحطيمها أو الاستخفاف بها. ه. كل التخوم حجارة كريمة تُشير إلى التقديس الكامل للنفس مع الجسد. و. كل سكانها يُحسبون تلاميذ الرب وبنيها مملوئين سلامًا [13]، إذ يتتلمذ أعضاء الكنيسة المخلصين على يديْ الرب نفسه خلالها، يختفي أمامهم كل كاهن أو معلم ليروا الرب نفسه عاملًا في الجميع وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [انظر كرامة الإيمان، إنه ليس من بشر ولا من إنسان إنما بواسطة الله يتعلمون هذا...! لا تعني البنوة هنا "كل" (كل بنيكِ تلاميذ الرب) بطريقة مطلقة، إنما تعني كل من لهم الإرادة. فإن المعلم يجلس مستعدًا أن يمنح ما لديه للجميع ويسكب تعليمه للكل)]. ويقول القديس أغسطينوس عن نعمة التعلم بواسطة الله: [تُدعى هذه النعمة "تعلمًا" فإن الله يعلم من يدعوهم حسب غرضه واهبًا إياهم أن يعرفوا ما يجب أن يفعلوه، وفي نفس الوقت أن يعملوا ما يعرفوه]. وكأن التعلم بواسطة الله كعطية إلهية يحمل شقين متكاملين: المعرفة الروحية الحقة، التمتع بالعمل والممارسة لهذه المعرفة في حياتنا اليومية. يهبنا أن نعرف الحق ونحياه فيه! خلال هذه التلمذة يتمتع بنو الكنيسة بسلام فائق: "وسلام بنيكِ كثيرًا" [13]. بجلوسنا عند قدمي المخلص نسمع صوته ونتمتع بإمكانياته لنمارس الحق فيه يهبنا سلام الروح الداخلي كعطية خاصة لبنيه. وصف البابا أثناسيوس الرسولي القديس أنبا انطونيوس بعدما قضى فترة في نسكه الشديد، قائلًا: [جسده لم يتغير... أيضًا مزاج نفسه بلا عيب، إذ لم تضيق نفسه كما من الحزن، ولا انغمست في لذة، ولا تأثرت بضحك أو يأس]. * السلام هو الميراث الذي وعد به السيد تلاميذه قبل صلبه... قائلًا: "سلامًا أترك لكم، سلامي أنا أعطيكم". فمن أراد أن يكون وارثًا للسيد المسيح فليملك على سلام المسيح ويسكن فيه. القديس أغسطينوس 4. تسبيح من أجل نصرتها: 14 بِالْبِرِّ تُثَبَّتِينَ بَعِيدَةً عَنِ الظُّلْمِ فَلاَ تَخَافِينَ، وَعَنِ الارْتِعَابِ فَلاَ يَدْنُو مِنْكِ. 15 هَا إِنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ اجْتِمَاعًا لَيْسَ مِنْ عِنْدِي. مَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْكِ فَإِلَيْكِ يَسْقُطُ. 16 هأَنَذَا قَدْ خَلَقْتُ الْحَدَّادَ الَّذِي يَنْفُخُ الْفَحْمَ فِي النَّارِ وَيُخْرِجُ آلَةً لِعَمَلِهِ، وَأَنَا خَلَقْتُ الْمُهْلِكَ لِيَخْرِبَ. 17 «كُلُّ آلَةٍ صُوِّرَتْ ضِدَّكِ لاَ تَنْجَحُ، وَكُلُّ لِسَانٍ يَقُومُ عَلَيْكِ فِي الْقَضَاءِ تَحْكُمِينَ عَلَيْهِ. هذَا هُوَ مِيرَاثُ عَبِيدِ الرَّبِّ وَبِرُّهُمْ مِنْ عِنْدِي، يَقُولُ الرَّبُّ. ما يفرح قلب الكنيسة التي بناها الرب بنفسه واختارها عروسًا له وملكة سماوية، متلمذًا أولادها على يديه، واهبًا إياهم سلامه الفائق، مقدمًا لهم برّه عاملًا فيهم ليعيشوا بالبر ويرفضوا كل شر وظلم، إنها في ذات الوقت تُقاوم من قوات الظلمة مجتمعة فيهبها الرب نصرة عليهم وغلبة حتى على الموت. أ. اتحاد قوات الظلمة ضدها: "ها أنهم يجتمعون اجتماعًا ليس من عندي" [15]... يتشاورون ويعملون معًا ضد كنيسة المسيح كما اجتمعت قوى الشر قبلًا تطلب صلب عريسها فتحول ظلمهم إلى خلاص للعالم، وأخرج الله من الآكل أكلًا ومن الجافي حلاوة. ب. اتحادهم معا يسقطهم تحت قدمي الكنيسة: "من اجتمع عليكِ فإليكِ يسقط" [15]. ج. اجتماعهم هو بسماح إلهي: "وأنا خلقت المهلك ليخرب" [16]؛ لهذا لا نخشاه ولا نضطرب من شدة عنفه، فإنه في يد الخالق ممسوك به. د. تنتهي حتمًا كل مقاومة وتكلل الكنيسة لتنال ميراثًا برًا أبديًا: "كل آلة صورت ضدك لا تنجح وكل لسان يقوم عليكِ في القضاء تحكمين عليه. هذا هو ميراث عبيد الرب وبرهم من عندي يقول الرب" [17]. |
||||
20 - 08 - 2024, 04:09 PM | رقم المشاركة : ( 170949 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بذلت ظهْري للضَاربين في الأصحاح السابق رأينا صورة رائعة لعمل الله الخلاصي، فقد أعلن أنه أعظم حبًا من عاطفة الأم نحو رضيعها، لن ينسى شعبه بل نقشه على كفه وأقامه عروسًا مقدسة وملكة متّوجة تشاركه أمجاده السماوية. أمام هذا الحب الإلهي وقفت الأمة اليهودية متذمرة عليه وجاحدة الإيمان به، لذا صار يُعاتبها على جحودها، طالبًا قبول عمل الصليب في حياتها. كتاب الطلاق: 1 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «أَيْنَ كِتَابُ طَلاَقِ أُمِّكُمُ الَّتِي طَلَّقْتُهَا، أَوْ مَنْ هُوَ مِنْ غُرَمَائِي الَّذِي بِعْتُهُ إِيَّاكُمْ؟ هُوَذَا مِنْ أَجْلِ آثَامِكُمْ قَدْ بُعْتُمْ، وَمِنْ أَجْلِ ذُنُوبِكُمْ طُلِّقَتْ أُمُّكُمْ. 2 لِمَاذَا جِئْتُ وَلَيْسَ إِنْسَانٌ، نَادَيْتُ وَلَيْسَ مُجِيبٌ؟ هَلْ قَصَرَتْ يَدِي عَنِ الْفِدَاءِ؟ وَهَلْ لَيْسَ فِيَّ قُدْرَةٌ لِلإِنْقَاذِ؟ هُوَذَا بِزَجْرَتِي أُنَشِّفُ الْبَحْرَ. أَجْعَلُ الأَنْهَارَ قَفْرًا. يُنْتِنُ سَمَكُهَا مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ، وَيَمُوتُ بِالْعَطَشِ. 3 أُلْبِسُ السَّمَاوَاتِ ظَلاَمًا، وَأَجْعَلُ الْمِسْحَ غِطَاءَهَا». كان اليهودي إذا ما طلق امرأته ولو بدون سبب مقبول يعطيها كتاب طلاق ويطردها من بيته، كما كان يمكنه أن يبيعها أمة لدائنيه (تث 24: 1-3)، وكان يجوز له أن يبيع أولاده لدائنيه، أما الله فلم يفعل بهم هكذا. أنه يسأل الأمة اليهودية التي جحدته ورفضت الإيمان به عن كتاب طلاقها مؤكدًا لها أنه لم يرد أن يُطَلقها ولا أن يطردها إنما هي طلقت نفسها بنفسها، وطردت نفسها من بيت الله عريسها خلال زناها ورجاساتها فكسرت الزواج المقدس. "هكذا قال الرب: أين كتاب طلاق أمكم التي طلقتها؟! أو من هو من غرمائي الذي بعته إياكم؟! هوذا من أجل آثامكم قد بُعتُم، ومن أجل ذنوبكم طُلِقت أمكم" [1]. لقد جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله (يو 1: 11)؛ لهذا ففي عتاب أبوي يسأل رافضي الإيمان أن يظهروا كتاب طلاق أو اسم الدائن الذي إياه سلمه أولاده؛ كأنه يقول لهم إني لا أود طلاق أمكم ولا أن أبيعكم لأحد. هي اختارت إبليس عدوي عريسًا لها وأنتم بعتم أنفسكم بملذات الخطية وشهواته، وكما قال السيد المسيح لمقاوميه "أنتم من أب هو إبليس" (يو 8: 44). يقول الأب إبراهيم في مناظرات كاسيان [ذات الملذات التي نتنعم بها (في الخطية) تصير عقوبة لنا، فتتحول المباهج والتنعمات إلى أشبه بعذابات لمتابعها]. ويرى العلامة أوريجانوس أن المجمع اليهودي ارتكب الزنا ضد العريس وقتله (يو 19: 6، 15؛ لو 23: 18) [إنها (كعروس) ثارت ضد رجلها أكثر من ثورته ضدها، هذا الذي طردها ونبذها موبخًا إياها بسبب ابتعادها عنه]. إن كان قد طردها إنما لأنها تركته وطردت نفسها بنفسها، فأعطاها سؤل قلبها الشرير. لقد جاء السيد المسيح كما إلى بيته فلم يجد أحدًا، فقد تركته ومعها الأولاد [2]. دعاها لعلها تَرِقّ لرجلها وترجع إليه فلم تُجب [2]؛ لم ترحِّب به ولا استجابت لندائه بل حرمته من كل حقوقه الزوجية والأبوية. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ينطق بهذه الأمور ليُظهِر أننا نحن الذين بدأنا بالهجر، وهذا يسبب هلاكنا. لا يشاء الله أن يتركنا أو يُعاقبنا بل وأن عاقب يفعل ذلك (كما) لا إراديًا، إذ يقول: "لا أشاء موت الخاطئ مثل أن يرجع ويحيا" (حز 18: 32 الترجمة السبعينية). يبكي يسوع على هلاك أورشليم كما نفعل نحن على أصدقائنا]. الله لا يُريد هلاكنا بل يطلب أن نكون دائمًا ملتهبين بالروح كعروس متهللة بعريسها لا أن يكونوا كزوجة متمردة تترك بيتها. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [تعمق بالأكثر ذاكرًا مثالًا يخترق أعمق الأمور، قائلًا: "كفرح العريس بالعروس هكذا يفرح بك الرب" (إش 62: 5). فالحب يكون في أوَجِه عند البداية (بين العروسين). وقد استخدم هذا الأسلوب لا ليحمل شيئًا بشريًا إنما لكي نلمس شدة التهاب محبته الحقيقية...]. من جانبها تركته رفضت أن تعيش في فرح العرس السماوي الدائم، أما من جانبه فأنه يعمل لحسابهم كمخلص يفديهم بحياته، قدير لا يعجز عن العمل من أجلهم، إذ يقول: "هل قصرت يدي عن الفداء؟! وهل ليس فيَّ قدرة للإنقاذ؟! هوذا بزجرتي أُنشِّف البحر، أجعل الأنهار قفرًا، ينتن سمكها من عدم الماء ويموت بالعطش. أُلبس السموات ظلامًا وأجعل المِسْحَ غطاءها" [2-3]. لقد جاء السيد بنفسه كما إلى بيته ليخلص بعدما ناداها خلال الناموس والأنبياء، جاء ليخلص ومع هذا ففي سخرية قالت أمتَّه وخاصته: "خلَّص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها؛ إن كان هو ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب فنؤمن به" (مت 27: 42). هكذا سخرت به أمتَّه، مع أنه هو الذي أقام لها طريقًا وسط بحر سوف ونهر الأردي، وعند صلبه ثارت الطبيعة فانكسفت الشمس وانخسف القمر، وحلّ الظلام على وجه الأرض. |
||||
20 - 08 - 2024, 04:12 PM | رقم المشاركة : ( 170950 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يقول الأب إبراهيم في مناظرات كاسيان [ذات الملذات التي نتنعم بها (في الخطية) تصير عقوبة لنا، فتتحول المباهج والتنعمات إلى أشبه بعذابات لمتابعها]. |
||||