07 - 08 - 2024, 05:32 PM | رقم المشاركة : ( 169451 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المسيح واهب السَلام يعتبر هذا الأصحاح ختامًا جميلًا للحديث عن الصراع الذي قام بين أورشليم وآشور، فبعدما كرر التحذير من الالتجاء إلى فرعون والاتكال على الذراع البشري، يُقدم لنا السيد المسيح كملك روحي يهب السلام والعدل. 1. بركات مملكة المسيح: 1 هُوَذَا بِالْعَدْلِ يَمْلِكُ مَلِكٌ، وَرُؤَسَاءُ بِالْحَقِّ يَتَرَأَّسُونَ. 2 وَيَكُونُ إِنْسَانٌ كَمَخْبَأٍ مِنَ الرِّيحِ وَسِتَارَةٍ مِنَ السَّيْلِ، كَسَوَاقِي مَاءٍ فِي مَكَانٍ يَابِسٍ، كَظِلِّ صَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ فِي أَرْضٍ مُعْيِيَةٍ. 3 وَلاَ تَحْسِرُ عُيُونُ النَّاظِرِينَ، وَآذَانُ السَّامِعِينَ تَصْغَى، 4 وَقُلُوبُ الْمُتَسَرِّعِينَ تَفْهَمُ عِلْمًا، وَأَلْسِنَةُ الْعَيِيِّينَ تُبَادِرُ إِلَى التَّكَلُّمِ فَصِيحًا. 5 وَلاَ يُدْعَى اللَّئِيمُ بَعْدُ كَرِيمًا، وَلاَ الْمَاكِرُ يُقَالُ لَهُ نَبِيلٌ. 6 لأَنَّ اللَّئِيمَ يَتَكَلَّمُ بِاللُّؤْمِ، وَقَلْبُهُ يَعْمَلُ إِثْمًا لِيَصْنَعَ نِفَاقًا، وَيَتَكَلَّمَ عَلَى الرَّبِّ بِافْتِرَاءٍ، وَيُفْرِغَ نَفْسَ الْجَائِعِ وَيَقْطَعَ شِرْبَ الْعَطْشَانِ. 7 وَالْمَاكِرُ آلاَتُهُ رَدِيئَةٌ. هُوَ يَتَآمَرُ بِالْخَبَائِثِ لِيُهْلِكَ الْبَائِسِينَ بِأَقْوَالِ الْكَذِبِ، حَتَّى فِي تَكَلُّمِ الْمِسْكِينِ بِالْحَقِّ. 8 وَأَمَّا الْكَرِيمُ فَبِالْكَرَائِمِ يَتَآمَرُ، وَهُوَ بِالْكَرَائِمِ يَقُومُ. الحديث هنا خاص بمملكة مزدهرة، يرى بعض الدارسين أنها مملكة حزقيا التي بدأت بالإصلاح الروحي والاجتماعي وإن كان كثيرون لم يصلحوا إلاَّ الشكل الخارجي؛ ويرون آخرون أن الحديث هنا عن السيد المسيح لأن البركات المذكورة هنا لم تتحقق في أيام حزقيا؛ غير أن فريقًا ثالث يرى أنه حديث عن الملك حزقيا أو غيره من الملوك كظل للسيد المسيح. ماذا يُقدم لنا المسيح الملك؟ أ. دستور العدل والحق: "هوذا العدل يملك ملك، ورؤساء بالحق يترأسون" [1]. إن كان الرب قد ملك على خشبة أي خلال الصليب، وقد دفع ثمن خطايانا تحقيقًا للعدالة، فأنه يقيم تلاميذه ومؤمنيه كرؤساء نمارس سلطاننا الروحي لا على الآخرين وإنما على نفوسنا وأحاسيسنا ومشاعرنا وطاقاتنا لا بكبتها أو تحطيمها وإنما "بالحق"، أي بتقديسها بالمسيح الحق. ب. عوض المتاعب والضيقات يصير هذا الملك "كمخبأ من الريح"، يحمي المؤمنين من رياح التجارب والضغطات المُرّة؛ "وستارة من السيل" أي كمظلة أو غطاء تحميهم من المياه الجارفة، "وكسواقي (أنهار) ماء في مكان يابس"، أي يروى النفوس العطشى في البرية القاحلة، "كظل صخرة عظيمة في أرض معيبة" يختفون في المسيح الصخرة فلا يصيبهم ضررًا. هكذا يُقدم أربعة تشبيهات لعمل السيد المسيح في حياة مؤمنيه: مخبأ، غطاء، أنهار مياه، صخرة عظيمة. خلال هذه التشبيهات يرانا النبي أشبه بإنسان مسافر يجد في السيد المسيح كل احتياجاته، متى هبت عليه العواصف العنيفة وجد فيه الملجأ الأمين، وإن لحقته سيول جارفة يجده غطاءً واقيًا، وإن عانى من الظمأ يصير له الرب أنهار مياه حية، وإن هاج العالم كله يستظل فيه كصخرة صلدة قادرة أن تخفيه وتحميه حتى من الموت. بمعنى الله المخلص يُقدم ذاته كل شيء لمؤمنيه حتى لا يعوزهم شيئًا. لقد قدم ذاته خلال أسماء كثيرة لكي ندرك أنه سّر شبعنا الحقيقي وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لماذا دُعي الطريق؟ لكي نفهم أننا بواسطته نلتقي بالآب لماذا دُعي الصخرة؟ لكي نفهم أنه حافظ الإيمان ومثبته. لماذا دُعي الينبوع؟ لكي نفهم أنه مصدر كل شيء. لماذا دُعي الأصل؟ لكي نفهم أن فيه قوة النمو. لماذا دُعي الراعي؟ لأنه يرعانا. لماذا دُعي الحمل؟ لأنه قُدم فدية عنا وصار تقدمة. لماذا دُعي الحياة؟ لأنه أقامنا ونحن أموات. لماذا دُعي النور؟ لأنه أنقذنا من الظلمة. لماذا دُعي الذراع؟ لأنه مع الآب جوهر واحد. لماذا دُعي الكلمة؟ لأنه مولود من الآب، فكما أن كلمتي هي مولودة مني، هكذا أيضًا الابن مولود من الآب. لماذا دُعي ثوبنا؟ لأنني التحفت به عندما اعتمدت. لماذا دُعي المائدة؟ لأنني اغْتَذَى عليه عندما اشترك في الأسرار. لماذا دُعي المنزل؟ لأنني أقطن فيه. لماذا دُعي العريس؟ لأنه قبلني كعروس له. لماذا دُعي بلا دنس؟ لأنه أخذني كعذراء. لماذا دُعي السيد؟ لأنني عبد له. إن سمعت هذه الأمور أرجو إلاَّ تفهمها بمعنى مادي، بل حلق بفكرك عاليًا، لأنها لا تؤخذ بمعنى جسدي]. * طوبى للذي نسى حديث العالم بحديثه معك، لأن منك تكتمل كل حاجاته. أنت هو أكله وشربه! أنت هو بيته ومسكن راحته، إليك يدخل في كل وقت ليستتر! أنت هو شمسه ونهاره، بنورك يرى الخفيات. أنت هو الآب والده! أنت أعطيته روح ابنك في قلبه! الشيخ الروحاني ج. يُقدم السيد المسيح لمؤمنيه البصيرة الروحية لترى الأمور غير المنظورة ولا تظلم عيناه الداخليتين: "لا تحسر (تعتم) عيون الناظرين" [3]. كما يهبنا القدرة على الاستماع لوصيته والإنصات إلى كلماته بفرح: "وآذان السامعين تصغي" [3]. يُقدم حكمة مع فهم وعلم: "وقلوب المتسرعين تفهم علمًا" [4]. يهب اللسان الكلام اللائق الفعّال: "وألسنة العييّن (المتلعثمين) تُبادر إلى التكلم فصيحًا". وأخيرًا يعطينا نعمة التمييز فلا نحسب اللئيم كريمًا ولا الماكر نبيلًا [5].في اختصار يهب: البصيرة الداخلية، الاستماع مع الطاعة، الحكمة مع فهم وعلم، القدرة على الكلام البنّاء، نعمة التمييز. هذا كله يتحقق بالمخلص الذي ينتزع الخطية المسببة للعمى والعصيان والغباوة والعجز عن النطق بالحق وعدم التمييز. * إلهي... أنت نوري! افتح عينيّ فتُعاينا بهاءك الإلهي، لأستطيع أن أسير في طريقي بغير تعثر في فخاخ العدو... أنت هو النور لأولاد النور! نهارك لا يعرف الغروب! نهارك يُضيء لأولادك حتى لا يتعثروا! أما الذين هم خارج عنك، فإنهم يسلكون في الظلام ويعيشون فيه...! نعم خارج ضيائك تهرب الحقيقة منيّ، ويقترب الخطأ إليّ، يملأني الزهو، وتهرب الحقيقة مني! أصير في ارتباك بدلًا من التمييز، يصير ليّ الجهل عوض المعرفة، العمى عوض التبصر، لا يعود ليّ طريق موصل إلى الحياة... القديس أغسطينوس د. يميز الله بين اللئيم والكريم، إذ هو فاحص القلوب، ومدرك للخفيات [6-8].2. اضطراب خارج المسيح: 9 أَيَّتُهَا النِّسَاءُ الْمُطْمَئِنَّاتُ، قُمْنَ اسْمَعْنَ صَوْتِي. أَيَّتُهَا الْبَنَاتُ الْوَاثِقَاتُ، اصْغَيْنَ لِقَوْلِي. 10 أَيَّامًا عَلَى سَنَةٍ تَرْتَعِدْنَ أَيَّتُهَا الْوَاثِقَاتُ، لأَنَّهُ قَدْ مَضَى الْقِطَافُ. الاجْتِنَاءُ لاَ يَأْتِي. 11 اِرْتَجِفْنَ أَيَّتُهَا الْمُطْمَئِنَّاتُ. ارْتَعِدْنَ أَيَّتُهَا الْوَاثِقَاتُ. تَجَرَّدْنَ وَتَعَرَّيْنَ وَتَنَطَّقْنَ عَلَى الأَحْقَاءِ 12 لاَطِمَاتٍ عَلَى الثُّدِيِّ مِنْ أَجْلِ الْحُقُولِ الْمُشْتَهَاةِ، وَمِنْ أَجْلِ الْكَرْمَةِ الْمُثْمِرَةِ. 13 عَلَى أَرْضِ شَعْبِي يَطْلَعُ شَوْكٌ وَحَسَكٌ حَتَّى فِي كُلِّ بُيُوتِ الْفَرَحِ مِنَ الْمَدِينَةِ الْمُبْتَهِجَةِ. 14 لأَنَّ الْقَصْرَ قَدْ هُدِمَ. جُمْهُورُ الْمَدِينَةِ قَدْ تُرِكَ. الأَكَمَةُ وَالْبُرْجُ صَارَا مَغَايِرَ إِلَى الأَبَدِ، مَرَحًا لِحَمِيرِ الْوَحْشِ، مَرْعًى لِلْقُطْعَانِ. بعدما تحدث عن بركات مملكة المسيح والتي من بينها التمييز بين اللئيم والكريم، يعرف الله كيف يُدين الأول ويكرم الثاني، صار يحدثنا عن دينونة اللئيم في صورة حديث مع النساء المدللات المُترفات اللواتي يخرجن بعد الحصاد ليقضين فترات من اللهو معًا في فرح زمني وبطريقة جسدانية غير لائقة. لا يعود بعد يوجد عيد للحصاد، لأن العدو يستولي على كل المحصولات. هؤلاء النسوة يمثلن الرافضين الإيمان بالسيد المسيح، السالكين خارج ملكوته الروحي، يُصبن بالآتي: أ. عوض الطمأنينة والسلام يرتعدن [11]... * لتكن أنت كل سعادتي، يا كُلَّي الصلاح... بك أقوم وبدونك أهلك..! بك امتلئ فرحًا، وبدونك أهلك حزنًا... آه! أسرع واجعل من نفسي مسكنًا لك، ومن قلبي مستقرًا... رائحتك تُعيد ليّ قوتي، وذكراك يُخفف آلامي، ظهورك شبع ليّ (مز 17: 10)! يا حياة نفسي... قلبي يجري وراءك، ويذوب عند تذكر خيراتك، متى يحين وقت رحيلي إلى ملكوتك؟! متى أحظى بمعاينة جمالك، أيها الحياة سعادة قلبي! لماذا تحجب وجهك عني، يا سعادة نفسي الوحيد؟! أين تختفي يا رب الجمال، يا نهاية كل طموحي... اجذب قلبي، فأنت هو فرحي! القديس أغسطينوس ب. عوض ارتداء الثياب الثمينة يتجردن ويتعرين ويتنطق على الأحقاء [11]، علامة تخلي النعمة وفقدان الستر الروحي.ما هي هذه الثياب الثمينة التي ترتديها النفس البشرية إلاَّ شخص السيد المسيح الذي يخفينا فيه ويستر علينا بدمه ويهبنا جماله. وكما القديس بولس: "لأنكم كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غلا 3: 27). في مياه المعمودية نلبس السيد المسيح، فنحمل بره ومجده وبهاءه فينا. وكما يقول ماريعقوب السروجي: [المعمودية هي حلة المجد المعطاة لآدم، تلك التي سرقتها منه الحية بين الشجر... تعاليّ (أيتها النفس) والبسي الجلالة، واقتني النور بالمياه الطاهرة. تعاليّ، انزلي، والبسي الثياب التي نسجها اللاهوت، واصعدي وأرينا جمالك الخالد، لنفرح معكِ... لبسْتي الملون كعظيم الأحبار في بيت التطهير. النار والروح ينسجان لكِ ثوب الذي كله نور. يا ابنة الشعوب المخطوبة للنور في داخل المياه]. ج. عوض الفرح يلطمن على الثدي نائحات كمن لهن ميت [12]؛ فإنهن بانفصالهن عن الله مصدر الحياة فقدت نفوسهن الحياة. * كم أنا بائس؟ إلهي... متى تُفارقني هذه الطبيعة الفاسدة، وتعمل فيَّ قوتك الكاملة...؟! إني جِبْلَتك، وها أنا أموت! إنيّ من صُنع يديك، وها أنا أنحدر نحو العدم...! أأمر الميت حتى يخرج من القبر...! آه! يا إلهي! أنني سأستغيث قبلما أهلك أو على الأقل استغيث لئلا أهلك، حتى استحق السكنى فيك... عضدني أيها المجد الأبدي، يا فرحي، اكشف ليّ ذاتك يا إلهي حتى أحبها! القديس أغسطينوس د. عوض الفرح بالحصاد، تُنبت لهن الأرض شوكًا وحسكًا (إش 3: 13)، علامة حلول اللعنة مع الجفاف الروحي.ه. تهدم قصورهن وتهجر المدن وتتحول بيوت الفرح والمدينة المبتهجة إلى قفر به أشواك وحسك [13-14]. و. تتحول الأكمة والبرج إلى مغاير دائمة ترعى فيها حمير الوحش (رمز للشياطين الشرسة) والقطعان (الأفكار الحيوانية). هذه هي سمات النفس خارج المسيح: رعدة وحزن وجفاف وخراب ودمار يحل بها، فتصير مسكنًا للأرواح الشريرة الوحشية والأفكار والشهوات الحيوانية. 3. الروح القدس والسلام: 15 إِلَى أَنْ يُسْكَبَ عَلَيْنَا رُوحٌ مِنَ الْعَلاَءِ، فَتَصِيرَ الْبَرِّيَّةُ بُسْتَانًا، وَيُحْسَبَ الْبُسْتَانُ وَعْرًا. 16 فَيَسْكُنُ فِي الْبَرِّيَّةِ الْحَقُّ، وَالْعَدْلُ فِي الْبُسْتَانِ يُقِيمُ. 17 وَيَكُونُ صُنْعُ الْعَدْلِ سَلاَمًا، وَعَمَلُ الْعَدْلِ سُكُونًا وَطُمَأْنِينَةً إِلَى الأَبَدِ. 18 وَيَسْكُنُ شَعْبِي فِي مَسْكَنِ السَّلاَمِ، وَفِي مَسَاكِنَ مُطْمَئِنَّةٍ وَفِي مَحَلاَّتٍ أَمِينَةٍ. 19 وَيَنْزِلُ بَرَدٌ بِهُبُوطِ الْوَعْرِ، وَإِلَى الْحَضِيضِ تُوضَعُ الْمَدِينَةُ. 20 طُوبَاكُمْ أَيُّهَا الزَّارِعُونَ عَلَى كُلِّ الْمِيَاهِ، الْمُسَرِّحُونَ أَرْجُلَ الثَّوْرِ وَالْحِمَارِ. الله -في محبته- يطلب أولاده له لكي ينزع عنهم الرعدة والمرارة والجفاف والدمار، فيسكب روحه القدوس علينا كي لا يجد عدو الخير وأفكار الجسد وشهواته موضعًا فينا، إذ قيل: "إلى أن يسكب علينا روح من العلاء فتصير البرية بستانًا ويُحسب البستان وعرًا" [15]. يرى كثير من الشراح أن ما ورد هنا يُشير إلى حلول الروح القدس في عيد البنطقستي حيث تتحول برية النفس القاحلة إلى بستان يحمل ثمار الروح القدس المفرحة لله والناس، بينما يفقد الجاحدون حتى الثمر الطبيعي فيصير بستانهم الضعيف وعرًا. يصور لنا النبي هذا العمل البنطقستي في حياة الكنيسة، قائلًا: "فيسكن في البرية الحق والعدل في البستان يقيم" [16]، بمعنى أن الروح القدس يحول بريتنا بستانًا أو فردوسًا يُقيم فيه السيد المسيح الذي هو الحق والعدل. إن كان مسيحنا قد وعد بعطية الروح فإن عمل الروح في المؤمن هو تهيئته لسكنى المسيح فيه، وإقامة ملكوته داخلنا. "ويسكن شعبي في مسكن السلام" [18]، بسكنى رب المجد في وسط شعبه يحل السلام في وسط الشعب؛ يتجلى مسيحنا فينا ونسكن نحن فيه، إذ هو سلامنا الأبدي. يملك سلامه في قلوبنا (كو 3: 15) فنعيش في مصالحة مع الله والناس أيضًا، ونحسب كمن هم في السماء عينها. أخيرًا يطوّب النبي الذين ينعمون بعطية الروح خلال مياه المعمودية: "طوباكم أيها الزارعون على كل المياه المسرحون أرجل الثور والحمار" [20]. وكأن من يزرع على مجاري مياه الروح القدس يحمل حصادًا كثيرًا فلا تنقطع الثيران والحمير عن حملها دورًا بعد دور، فتمر أرجل هذه الحيوانات بحرية وتكرار... * مبارك هو من يزرع بجانب المياه، فأن هذه النفس تُحرث وتُسقى ويَطأها الثور والحمار بعدما كانت جافة بلا مطر [20] وذليلة بلا سبب. مبارك هو ذاك الذي كان "وادي (السنط)" (يو 3: 18) يُسقى من بيت الرب فيصير بكرًا وينتج طعامًا للإنسان عوض الجفاف وعدم الإثمار... لهذا يليق بنا أن نحرص ألا نفقد النعمة. القديس غريغوريوس النزينزي الغزو الآشوري والعصر المسيانيبينما يتطلع النبي إلى العصر المسياني كعصر مثمر، فيه يغرس الرب كرمه (الكنيسة) كما على مجاري مياه روحه القدوس، محولًا البرية إلى بستان، إذا به يتطلع إلى الأحداث الجارية في عصره كظلال لهذا العصر. حقًا يرى في الغزو الآشوري على يهوذا وأورشليم هلاكًا للكثيرين لكنه تبقى قلة أمينة مخلصة تنعم بعمل الله وتتمتع ببركاته. ما حلّ من خراب يُشير إلى النفوس الجاحدة للسيد المسيح، الرافضة مملكته غير المتمتعة بعمل روحه القدوس بينما تُشير القلة إلى كنيسته أو إلى ملكوته المفرح المملوء سلامًا وثمرًا روحيًا متزايدًا. 1. ويل للمخرب: "وَيْلٌ لَكَ أَيُّهَا الْمُخْرِبُ وَأَنْتَ لَمْ تُخْرَبْ، وَأَيُّهَا النَّاهِبُ وَلَمْ يَنْهَبُوكَ. حِينَ تَنْتَهِي مِنَ التَّخْرِيبِ تُخْرَبُ، وَحِينَ تَفْرَغُ مِنَ النَّهْبِ يَنْهَبُونَكَ." [1]. الويل هنا موجه ضد آشور وأيضًا ضد بابل كما ضد كل عدو متشامخ على الله وعلى شعبه. إن كانت خطته للتخريب والنهب تتحقق بلا عائق، دون أن يمسه أذى، لكن هذا العمل يسقط تحت الويل. يستخدم الله هذا المخرب كعصا تأديب لشعبه إلى حين ليعود فيدينه؛ يتركه يُحقق ما في قلبه من رغبة في التدمير، لكن كما فعل يُفعل به، فيحل به الخراب ويُنهب في الوقت المناسب. هنا يليق بنا أن ندرك أن كل يد تمتد للتخريب إنما يحل عملها على رأسها، وتشرب من ذات الكأس الذي تملأه للغير. أما شرها فيتحول للخير بالنسبة لأولاد الله، حتى الشيطان نفسه لا يقدر أن يُحطمهم، إنما تصير مقاومته لهم علة نصرتهم وإكليلهم. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [يتزكى الصالحون بالأكثر عندما يكونون في وسط أولئك الذين يريدون أن يصدوهم عن حياة البر، ويجذبونهم نحو الشر، وبالرغم من هذا يتمسكون بالفضيلة. يقول (الرسول) "لأنه لا بُد أن يكون بينكم بدع أيضًا، ليكون المزكون ظاهرين بينكم" (1 كو 11: 19). لهذا ترك الله الأشرار في العالم حتى يزداد بهاء الصالحين. هل رأيتم عظم الربح؟ لكن هذا الربح مصدره شجاعة الصالحين لا الأشرار... لنُطبق هذا البرهان أيضًا على الشيطان، فإن الله تركه هنا لكي نعود إلى حالٍ أقوى، لكي يجعل المصارع واضحًا والنزاع عظيمًا. فعندما يسألك أحد: لماذا ترك الله الشيطان هنا؟ أجبه بهذه الكلمات: أنه ليس فقط لا يؤذي الشيطان إنسانًا يقظًا وحذرًا، بل ويفيد أيضًا، لا بقصد الشيطان (الشرير) وإنما بسبب شجاعة ذاك الذي يستغل شر الشيطان حسنًا... لتكن نيتك حسنة، فلن يؤذيِك أحد قط بل تنال ربحًا عظيمًا، لا من الصالحين فقط بل ومن الأشرار أيضًا]. هذا وقد أدرك المسيحيون إن الشيطان قد انهار تمامًا بعد الصليب، فناله الخراب بعدما كان مخربًا للنفوس. 2. الالتجاء إلى الله: 2 يَا رَبُّ، تَرَاءَفْ عَلَيْنَا. إِيَّاكَ انْتَظَرْنَا. كُنْ عَضُدَهُمْ فِي الْغَدَوَاتِ. خَلاَصَنَا أَيْضًا فِي وَقْتِ الشِّدَّةِ. 3 مِنْ صَوْتِ الضَّجِيجِ هَرَبَتِ الشُّعُوبُ. مِنِ ارْتِفَاعِكَ تَبَدَّدَتِ الأُمَمُ. 4 وَيُجْنَى سَلَبُكُمْ جَنَى الْجَرَادِ. كَتَرَاكُضِ الْجُنْدُبِ يُتَرَاكَضُ عَلَيْهِ. 5 تَعَالَى الرَّبُّ لأَنَّهُ سَاكِنٌ فِي الْعَلاَءِ. مَلأَ صِهْيَوْنَ حَقًّا وَعَدْلًا. 6 فَيَكُونُ أَمَانُ أَوْقَاتِكَ وَفْرَةَ خَلاَصٍ وَحِكْمَةٍ وَمَعْرِفَةٍ. مَخَافَةُ الرَّبِّ هِيَ كَنْزُهُ. 7 هُوَذَا أَبْطَالُهُمْ قَدْ صَرَخُوا خَارِجًا. رُسُلُ السَّلاَمِ يَبْكُونَ بِمَرَارَةٍ. 8 خَلَتِ السِّكَكُ. بَادَ عَابِرُ السَّبِيلِ. نَكَثَ الْعَهْدَ. رَذَلَ الْمُدُنَ. لَمْ يَعْتَدَّ بِإِنْسَانٍ. 9 نَاحَتْ، ذَبُلَتِ الأَرْضُ. خَجِلَ لُبْنَانُ وَتَلِفَ. صَارَ شَارُونُ كَالْبَادِيَةِ. نُثِرَ بَاشَانُ وَكَرْمَلُ. إذ يرى النبي الخراب الذي يحلّ بشعب الله المستحق التأديب، ونهب الأعداء لهم يرفع صلاة من أجل البقية المقدسة معلنا باسمهم انتظارهم للرب، جاء فيها: أ. طلب مراحم الله وخلاصه: "يا رب تراءف علينا، إياك انتظرنا كن عضدهم في الغدوات، خلاصنا أيضًا في وقت الشدة" [2]. باسم الشعب التّقي رفع النبي صلاة من أجل القيادات العسكرية التي صارت في شدة وضيق بسبب سنحاريب وجيشه. "كن عضدهم في الغدوات"؛ الترجمة الحرفية "كن ذراعهم كل صباح"، وهو تعبير رائع يكشف عن دور الله الخلاصي في حياة الناس. إنه لا يتجاهل أذرعتهم، وإن كانت كلا شيء وعاجزة تمامًا عن العمل؛ لكنه يعمل بها كأنها ذراعه هو، يأخذها كما لنفسه ويقدسها بروحه القدوس ويعضدها بقوة سماوية ليُخلص. هو العامل في حياة مؤمنيه لكن دون تجاهلهم أو تحطيم طاقاتهم بل خلال تقديسهم. * الله يريد أن يظهر العبد وكأنه قد ساهم في شيء حتى لا يسقط في الخجل. * النعمة دائمًا مستعدة! إنها تطلب الذين يقبلونها بكل ترحيب. هكذا إذ يرى سيدنا نفسًا ساهرة وملتهبة حبًا، يسكب عليها غناه بفيض وغزارة تفوق كل طلبته. * يطلب الله منا علة صغيرة لكي يقوم هو بكل عمل. القديس يوحنا الذهبي الفم ب. طلب التدخل الإلهي، فأنه يكفي أن يتكلم الله فلا يحتمل الآشوريون أو غيرهم الصوت الإلهي فيهربوا. "صوت ضجيج (زئير) هربت الشعوب، من ارتفاعك تبددت الأمم" [3]. مجرد النطق بكلمة إلهية يرتعب الأشرار ويهربون؛ مجرد ظهور الله في المعركة بدد الأمم المعادية. ما أحوجنا أن تُعلن كلمة الله في القلب فيهرب الشر وتتبدد قوات الظلمة، وأن يتجلى المصلوب داخلنا فتهرب الخطايا وكل الأرواح الشريرة، ليملك الرب وحده في أعماقنا. أمام ظهور الرب في الساحة ونطقه بكلمة صار الغزاة أشبه باليسروع (يرقات الفراشة) والجراد، يهربون في خزي وعار ويقوم شعب الله بجمعهم [4]. ربما عنِيَ باليسروع الموتى والجرحى من الجيش الآشوري يجمعهم الشعب حتى لا يسببوا وباءً، وبالجراد الهاربين فيركضون وراءهم لاصطيادهم بلا حاجة إلى أسلحة. إنه خزي وعار للعدو الذي خرّب ونهب في قسوة وتجبر! ج. تقديس المدينة لتصير مدينة الله البارة أو مدينة البر، يسكنها الله نفسه بكونه "حقًا وعدلًا" [5]. تمتلئ سلامًا وأمانًا وخلاصًا مع الحكمة ومعرفه. كنزها الحقيقي هو "مخافة الرب" [6]. هذا الخوف النابع عن الحب، خوف جرح مشاعر الأب وليس خوف العبد من سيده ولا الأجير من صاحب البيت أو العمل. الآن بعدما طلب النبي باسم الشعب من الله أن يتدخل لتحطيم العدو وخلاص الشعب، يستعرض - أمام الله - ما حلَّ بالمدينة، ربما لكي يستدر عطفه الإلهي [7-9]. أ. لم يكن أمام أبطال الحرب أن يتحركوا، إنما توقفوا عند الصراخ في عجز وخوف [7]. ب. بكى رسل السلام بمرارة [7] إذ نكث سنحاريب العهد. فقد دفع حزقيال مبلغًا كبيرًا ليترك الأرض ومع ذلك أرسل جيشه لاقتحامها (2 مل 18: 4، 17). ج. خلت السكك [8] إذ خشى الكل أن يلتقي بهم العدو في الطريق، فقد جاءت تقارير الرسل تعلن خطورة الموقف، وأحاط العدو بكل المدن. د. دخلوا في مذلة فصارت المدن مرذولة [8]. ه. حدوث جدب حتى في أكثر المناطق خصوبة وبهجة لتصير مثل الصحراء... عدم الإثمار والعقم يعتبران عارًا، علامة على غضب الله. من هذه المناطق شارون وباشان والكرمل. إذ التجأ النبي باسم الأتقياء إلى الله رافعًا الصلاة من أجل تدخله الإلهي، معترفًا بما حلّ بالبلد من خراب ودمار تدخل الله لإدانة العدو آشور. وكأن الله مشتاق أن يسندنا ضد العدو إبليس وقادر على خلاصنا لكنه ينتظر منا أن نلجأ إليه ونطلب عمله معنا، فأنه لا يُلزمنا حتى بخلاصنا. أنه يقدس حرية إرادتنا مشتاقًا أن نطلب باختيارنا. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لا يغصبنا الله ولا تُلزم نعمة الروح إرادتنا، لكن الله يُنادينا وينتظر أن نتقدم إليه بكامل حريتنا، فإذا اقتربنا يهبنا كل عونه]. 3. إدانة آشور: 10 «اَلآنَ أَقُومُ، يَقُولُ الرَّبُّ. الآنَ أَصْعَدُ. الآنَ أَرْتَفِعُ. 11 تَحْبَلُونَ بِحَشِيشٍ، تَلِدُونَ قَشِيشًا. نَفَسُكُمْ نَارٌ تَأْكُلُكمْ. 12 وَتَصِيرُ الشُّعُوبُ وَقُودَ كِلْسٍ، أَشْوَاكًا مَقْطُوعَةً تُحْرَقُ بِالنَّارِ». 13 اِسْمَعُوا أَيُّهَا الْبَعِيدُون مَا صَنَعْتُ، وَاعْرِفُوا أَيُّهَا الْقَرِيبُونَ بَطْشِي. 14 ارْتَعَبَ فِي صِهْيَوْنَ الْخُطَاةُ. أَخَذَتِ الرِّعْدَةُ الْمُنَافِقِينَ: «مَنْ مِنَّا يَسْكُنُ فِي نَارٍ آكِلَةٍ؟ مَنْ مِنَّا يَسْكُنُ فِي وَقَائِدَ أَبَدِيَّةٍ؟» إن كان الله يتمهل على الأشرار، لكنه إذ يمتلئ الكيل يدينهم: أ. الله نفسه يقود المعركة: "الآن أقوم يقول الرب، الآن أصعد، الآن ارتفع" [10]. ما يعجز الإنسان عن فعله يقوم به الرب نفسه من أجل غيرته على الضعفاء والمظلومين، حاسبًا أعداءهم أعداء له، إذ قيل "يقوم الله، يتبدد أعداؤه، ويهرب مبغضوه من أمام وجهه، كما يذرى الدخان تذريهم... والصديقون يفرحون يبتهجون أما الله ويطفرون فرحًا" (مز 68: 1-3). ب. ما يحل بهم من إدانة هو ثمر طبيعي لأعمالهم، فإذ يحبلون قشًا لا يلدون حنطة بل قشيشًا [11] يُقدم للنار الآكلة. وإذ يتنسمون عنفًا كالنار يحرقون أنفسهم [11]. أعمالهم قش وشوك لا تصلح لشيء وتهديداتكم نار متقدة، لذا يحملون في داخلهم القش والشوك مع النار ليصيروا أتونًا متقدًا لا للآخرين بل لأنفسهم! إن كانت شرورهم -خاصة النفاق- نارًا آكلة [1] فهم بهذا يمارسون بإرادتهم عربون الوقائد (النيران) الأبدية [1]. كما أن البر يحمل مكافأته في داخله فيدخل بالنفس البشرية إلى عربون المجد الأبدي، هكذا الشر يحمل مكافأته فيه فيدخل بها إلى عربون نار جهنم الأبدية. يرى كثير من آباء الكنيسة أن الفضيلة لا تحتاج إلى مكافأة لأنها تحمل مكافأتها في داخلها، وكما يقول الشهيد يوستين: [أما تقود الفضيلة إلى كمال السعادة؟] ويقول القديس غريغوريوس النزينزي: [لكي تكون الفضيلة فضيلة لا تكون لها مكافأة]. لعل سر هذا إن الآباء تطلعوا إلى الفضيلة بكونها تمتع بالوحدة مع المسيح وكما يقول العلامة أوريجانوس: [إن الفضيلة هي أن نكون واحدًا مع المسيح، أنه هو الفضائل التي تملأه]، هو العدل والحكمة والحق، فمن يمارس الفضيلة إنما يشترك في الطبيعة الإلهية، وهذا هو كمال المكافأة. الرذيلة هي تشبيه بعدو الخير واشتراك معه في سماته مع حرمان من التمتع بالمخلص والتشبه به... وهذا فيه ثمر الخطية وجزاؤها. 4. الملك ومملكته: 15 السَّالِكُ بِالْحَقِّ وَالْمُتَكَلِّمُ بِالاسْتِقَامَةِ، الرَّاذِلُ مَكْسَبَ الْمَظَالِمِ، النَّافِضُ يَدَيْهِ مِنْ قَبْضِ الرَّشْوَةِ، الَّذِي يَسُدُّ أُذُنَيْهِ عَنْ سَمْعِ الدِّمَاءِ، وَيُغَمِّضُ عَيْنَيْهِ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الشَّرِّ 16 هُوَ فِي الأَعَالِي يَسْكُنُ. حُصُونُ الصُّخُورِ مَلْجَأُهُ. يُعْطَى خُبْزَهُ، وَمِيَاهُهُ مَأْمُونَةٌ. 17 اَلْمَلِكَ بِبَهَائِهِ تَنْظُرُ عَيْنَاكَ. تَرَيَانِ أَرْضًا بَعِيدَةً. 18 قَلْبُكَ يَتَذَكَّرُ الرُّعْبَ: « أَيْنَ الْكَاتِبُ؟ أَيْنَ الْجَابِي؟ أَيْنَ الَّذِي عَدَّ الأَبْرَاجَ؟» 19 الشَّعْبَ الشَّرِسَ لاَ تَرَى. الشَّعْبَ الْغَامِضَ اللُّغَةِ عَنِ الإِدْرَاكِ، الْعَيِيَّ بِلِسَانٍ لاَ يُفْهَمُ. 20 اُنْظُرْ صِهْيَوْنَ مَدِينَةَ أَعْيَادِنَا. عَيْنَاكَ تَرَيَانِ أُورُشَلِيمَ مَسْكِنًا مُطْمَئِنًّا، خَيْمَةً لاَ تَنْتَقِلُ، لاَ تُقْلَعُ أَوْتَادُهَا إِلَى الأَبَدِ، وَشَيْءٌ مِنْ أَطْنَابِهَا لاَ يَنْقَطِعُ. 21 بَلْ هُنَاكَ الرَّبُّ الْعَزِيزُ لَنَا مَكَانُ أَنْهَارٍ وَتُرَعٍ وَاسِعَةِ الشَّوَاطِئِ. لاَ يَسِيرُ فِيهَا قَارِبٌ بِمِقْذَافٍ، وَسَفِينَةٌ عَظِيمَةٌ لاَ تَجْتَازُ فِيهَا. 22 فَإِنَّ الرَّبَّ قَاضِينَا. الرَّبُّ شَارِعُنَا. الرَّبُّ مَلِكُنَا هُوَ يُخَلِّصُنَا. 23 ارْتَخَتْ حِبَالُكِ. لاَ يُشَدِّدُونَ قَاعِدَةَ سَارِيَتِهِمْ. لاَ يَنْشُرُونَ قِلْعًا. حِينَئِذٍ قُسِمَ سَلَبُ غَنِيمَةٍ كَثِيرَةٍ. الْعُرْجُ نَهَبُوا نَهْبًا. 24 وَلاَ يَقُولُ سَاكِنٌ: «أَنَا مَرِضْتُ». الشَّعْبُ السَّاكِنُ فِيهَا مَغْفُورُ الإِثْمِ. إن كان الله في عدله نارًا آكلة تلتهم الشر الحامل الفساد في داخله وتمجد المؤمنين الحاملين برّ المسيح فيهم، فإنه يُدين الأشرار المصرّين على شرهم ويحمي أبراره من أيديهم. يُقدم لنا النبي سمات الإنسان البار وهي: أ. يسلك بالحق والبر، أي يسلك في المسيح يسوع الطريق والحق، وهو برّنا. ب. يتحدث بالاستقامة [15]، كلماته تعلن عن إنجيله المخفي في قلبه. ج. يحتقر مكسب المظالم. د. باستخفاف ينفض يديه عن قبول الرشوة. ه. يسد أذنيه عن الاستماع للخطط الدافعة إلى سفك الدماء. و. يغمض عينيه عن التطلع إلى الشر. ز. يرتفع بقلبه إلى الأعالي ليسكن مع مخلصه في السمويات [16]. ح. يلجأ دومًا إلى مسيحه كحصون صخور تحميه من الشر. ط. سخي في العطاء حتى من أعوازه: الخبز والماء. مثل هذا الإنسان الذي يتقدس بالسيد المسيح ليعيش بكل أحاسيسه طاهرًا، ويرتفع بأعماقه إلى الأعالي، ويمارس حياة الشركة مع الله والعطاء المستمر، يستحق التمتع برؤية السيد المسيح في أمجاده، إذ قيل: "الملك ببهائه تنظر عيناك" [17]. هذه هي أعظم هبة للبار أن يُعاين المسيا في بهائه! يظن البعض أن الحديث هنا عن الملك حزقيا الذي تمتع ببهاء خاص عندما تهلل في قلبه عند رؤيته هلاك جيش سنحاريب، لكن النص واضح هنا أنه يتحدث بالأكثر عن السيد المسيح الذي تمجد على الصليب جاذبًا إليه الأمم، واهبًا إياهم طبيعة جديدة، عوض العداوة حملوا حبًا وصداقة، وعوض الشراسة صاروا ودعاء، وعوض لغة الشر الغريبة صاروا ينطقون بلهجة سماوية، إذ قيل: صاروا ودعاء، وعوض لغة الشر الغريبة صاروا ينطقون بلهجة سماوية، إذ قيل: "أين الكاتب؟ أين الجابي؟ أين الذي عدّ الأبراج؟" [18]. أين الكاتب الذي يعدّ الجيش ويسجل أسماء الجند؟ وأين الجابي الذي يُحدد الجزية التي تُدفع للعدو؟ أين الذي يُعد الأبراج لكي يُقيم حراسًا عليها ورقباء يلاحظون العدو وينبهون إلى المعركة؟ لقد تحولت كل هذه الطاقات من العمل للحرب والمقاومة إلى طاقات هادئة مسالمة للعمل لحساب ملكوت الله، خلال قبولهم الإيمان بالسيد المسيح. " الشعب الشرس لا ترى" [19]، إذ نُزعت أعمال الإنسان القديم العنيف لنحمل سمات خالقنا بتمتعنا بالإنسان الجديد الذي يتجدد كل يوم. "الشعب الغامض اللغة عن الإدراك، الغبي بلسان لا يفهم" [19]؛ نالوا لسانًا جديدًا هو لغة الروح، لسان الحب والوحدة مع الفهم والحكمة. والآن ما هو عمل الملك المسيا في حياة الأمم القادمة إليه بالإيمان به؟ أ. "انظر صهيون مدينة أعيادنا" [20]. عوض الرعب القديم من الكاتب مسجل الجيش والجابي تصير صهيون مدينة أعياد مفرحة، يجتمع فيها الشعب ببهجة دائمة للعبادة الجماعية والالتقاء مع الله نفسه عيدنا غير المنقطع. ب. "خيمة لا تنتقل لا تُقلع أوتادها إلى الأبد وشيء من أطنابها لا ينقطع" [20]، أي ثابتة وراسخة لا يحطمها حتى الموت إذ تبقى أبدية. ج. محاطة بالأنهار والترع من كل اتجاه [21] مما يجعلها مثمرة بالروح. د. لا يمكن الاقتراب إليها أو محاربتها؛ إذ لا تسير في المياه المحيطة بها سفن صغيرة للتجسس عليها ولا سفن عظيمة حربية [21]. ه. المسيح الرب نفسه هو القاضي والمشرع والملك والمخلص [22]، قدم دستور الإنجيل وملك على الصليب وخلصنا ولا يزال يشفع فينا كفاريًا بدمه الثمين. و. يصير عدوها كسفينة منكسرة وسط المياه لا يقدر أن يرفع العدو ساريتها ولا ينشر قلعها [23]. ز. يهزمون العدو بقوة حتى أن العرج يستطيعون نهبه نهبًا [23]. ح. ليس فيها مريض [24]. ط. ينال سكانها غفران الخطايا [24]. هذه هي صورة النفس التي ترتبط بالسيد المسيح: تصير صهيون مدينة الله المفرحة، مملوءة بهجة وسلامًا، ثابتة في الرب، يحوط بها روح الله القدوس ليحولها إلى فردوس مثمر، لا يقدر الشيطان أن يهزمها ولا عدو الخير أن يُحطمها، يعلن السيد المسيح مملكته فيها بكونه ملكها والقاضي والمشرع ومخلصها، تغلب عدو الخير وتُحطمه، لا يمكن لمرض روحي أن يصيبها وأخيرًا فإنها تتمتع بغفران الخطايا خلال التوبة الدائمة. إدانة الأعداء مقاومي الحق الأصحاحان 34، 35 يمثلان نبوة واحدة، الأول يمثل الجانب السلبي حيث يدعو الله الأمم مجتمعة معًا ليروا دينونة جماعية لمقاومي الحق ولمضطهدي شعب الله الممثلين في أدوم بصفة خاصة. لقد شمت الأدوميون لما حلّ بالشعب بواسطة آشور، بل وقاموا بالسلب والنهب، وكانوا يساعدون الأعداء ضدهم، وإن فلت أحد أمسكوه وباعوه للعدو، وأخيرًا جاءوا بأغنامهم لترعى في مدن يهوذا وحقولها بعدما صارت خرابًا، لذلك استحقوا حلول غضب الله عليهم. أما الأصحاح التالي فيحمل الجانب الإيجابي الخاص بإقامة الشعب وتمتعه بمراحم الله . الأصحاح الأول (34) يكشف عما يحل بعدو الكنيسة الحقة من غضب إلهي، وبالتالي عما يحل بالكنيسة نفسها من بركات. 1. دعوة جماعية: 1 اِقْتَرِبُوا أَيُّهَا الأُمَمُ لِتَسْمَعُوا، وَأَيُّهَا الشُّعُوبُ اصْغَوْا. لِتَسْمَعِ الأَرْضُ وَمِلْؤُهَا. الْمَسْكُونَةُ وَكُلُّ نَتَائِجِهَا. 2 لأَنَّ لِلرَّبِّ سَخَطًا عَلَى كُلِّ الأُمَمِ، وَحُمُوًّا عَلَى كُلِّ جَيْشِهِمْ. قَدْ حَرَّمَهُمْ، دَفَعَهُمْ إِلَى الذَّبْحِ. 3 فَقَتْلاَهُمْ تُطْرَحُ، وَجِيَفُهُمْ تَصْعَدُ نَتَانَتُهَا، وَتَسِيلُ الْجِبَالُ بِدِمَائِهِمْ. 4 وَيَفْنَى كُلُّ جُنْدِ السَّمَاوَاتِ، وَتَلْتَفُّ السَّمَاوَاتُ كَدَرْجٍ، وَكُلُّ جُنْدِهَا يَنْتَثِرُ كَانْتِثَارِ الْوَرَقِ مِنَ الْكَرْمَةِ وَالسُّقَاطِ مِنَ التِّينَةِ. يقدم النبي دعوة عامة إلى جميع الأمم لكي ينصت العالم ويرى ويصمت لأن الرب تكلم، إنه يعلن دينونة الله للأمم المتمسكة بالشر لعلها تعود فتُراعي أحكامه بعدما أطال الله أناته عليها زمانًا. إنها أشبه بدعوة موجهة ضد العالم كله يدخل فيها الرب نفسه طرفًا في المعركة، معلنًا سخطه وحمو غضبه على كل جيوشهم [2]، فقد تعرضت بسبب الشر إلى القتل وطرح الجثث حتى تنتن؛ تجري الدماء على الجبال كمياه. يعود النبي فيؤكد أن الله لا يعني بني البشر، إنما المعركة قائمة بين الله وملائكته وإبليس وملائكته. لذلك يقول: "ويفني كل جند السموات" (جنود الشر في السموات أف 6: 12، رؤ 12: 7-9؛ 20: 1-8). ماذا يعني بقوله: "ويفني كل جند السموات وتلتف السموات كدرج وكل جندها ينتثر كانتثار الورق من الكرمة والسقاط من التينة" [3]. أ. يحاول بعض المفسرين الألفيين أن يروا في ذلك إشارة إلى زوال السماء القديمة لكي يتحقق في الحكم الألفي قيام أرض جديدة وسماء جديدة. ب. يرى القديس أغسطينوس أن السموات التي تلتف هنا كدرج (كتاب) هي الكتاب المقدس، إذ يقول: [أسفار العهدين تُدعى "السموات"... إنني أدرك وأفهم الكتب المقدسة التي كتبها خدامك بعمل الروح القدس]. وكأن أحد تأديبات الله للأشرار المصرّين على شرهم هو فقدانهم إمكانية التمتع بجند السموات أي بقوة الكتاب المقدس، فيصير بالنسبة لهم كتابًا مغلقًا لا يدركون أسراره في حياتهم، أو يكون بالنسبة لهم كأوراق كرمةٍ قد سقطت وانتثرت وكسقاط من تينة. أما بالنسبة لأولاد الله فيفتح الروح القدس عقولهم وقلوبهم وكل طاقاتهم ليدركوا قوة الكلمة عاملة في أعماقهم كما في سلوكهم. يقول العلامة أوريجانوس: [كُتبت الكتب المقدسة بواسطة روح الله؛ وهي لها معانٍ ليس كما تظهر لأول وهلة بل معانٍ أخرى لا يدركها كثيرون. فإن هذه (الكلمات) المكتوبة هي أشكال لأسرار معينة وصور للاهوتيات. لذلك يوجد رأي واحد في كل الكنيسة أن القضية بأكملها روحية حقًا وأن المعنى الروحي الذي يحويه الناموس لا يعرفه الكل وإنما يعرفه الذين وهبت لهم نعمة الروح القدس في كلمة الحكمة والمعرفة وحدهم]. ج. يمكننا القول بأن الأرض والسماء يرمزان إلى جسد الإنسان ونفسه. فالأشرار يخسرون قدسية وسلامة أجسادهم كما نفوسهم. تصير أجسادهم كجبال جبارة لكن الدماء تسيل منها [3]، لهم منظر القوة الجسدية وربما الجمال الجسدي والبهاء الخارجي لكنها كأجساد ملطخة بالدماء تحمل رائحة موت ونتانة. وتصير نفوسهم كسموات فقدت كل طاقاتها (جندها) مغلقة ككتاب مختوم... لهم مظهر الشجاعة وربما الشهامة وقوة الشخصية لكنك إذ تحتكّ بهم عن قرب تجدهم نفوسًا ضيّقة حطمها اليأس وأفسدها الغم الداخلي مع الإحساس بالعزلة والحرمان. هذه هي صورة الشرير، له مظهر قوي من الخارج لكنه يحمل كل ضعف في أعماقه. وكما يقول المرتل: "لا تغر من الأشرار ولا تحسد عمال الإثم، فأنهم مثل الحشيش سريعًا يُقطعون ومثل العشب الأخضر يَذبلون" (مز 37: 1-2). 2. دمار آدوم: 5 لأَنَّهُ قَدْ رَوِيَ فِي السَّمَاوَاتِ سَيْفِي. هُوَذَا عَلَى أَدُومَ يَنْزِلُ، وَعَلَى شَعْبٍ حَرَّمْتُهُ لِلدَّيْنُونَةِ. 6 لِلرَّبِّ سَيْفٌ قَدِ امْتَلأَ دَمًا، اطَّلَى بِشَحْمٍ، بِدَمِ خِرَافٍ وَتُيُوسٍ، بِشَحْمِ كُلَى كِبَاشٍ. لأَنَّ لِلرَّبِّ ذَبِيحَةً فِي بُصْرَةَ وَذَبْحًا عَظِيمًا فِي أَرْضِ أَدُومَ. 7 وَيَسْقُطُ الْبَقَرُ الْوَحْشِيُّ مَعَهَا وَالْعُجُولُ مَعَ الثِّيرَانِ، وَتَرْوَى أَرْضُهُمْ مِنَ الدَّمِ، وَتُرَابُهُمْ مِنَ الشَّحْمِ يُسَمَّنُ. 8 لأَنَّ لِلرَّبِّ يَوْمَ انْتِقَامٍ، سَنَةَ جَزَاءٍ مِنْ أَجْلِ دَعْوَى صِهْيَوْنَ. 9 وَتَتَحَوَّلُ أَنْهَارُهَا زِفْتًا، وَتُرَابُهَا كِبْرِيتًا، وَتَصِيرُ أَرْضُهَا زِفْتًا مُشْتَعِلًا. 10 لَيْلًا وَنَهَارًا لاَ تَنْطَفِئُ. إِلَى الأَبَدِ يَصْعَدُ دُخَانُهَا. مِنْ دَوْرٍ إِلَى دَوْرٍ تُخْرَبُ. إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ لاَ يَكُونُ مَنْ يَجْتَازُ فِيهَا. 11 وَيَرِثُهَا الْقُوقُ وَالْقُنْفُذُ، وَالْكَرْكِيُّ وَالْغُرَابُ يَسْكُنَانِ فِيهَا، وَيُمَدُّ عَلَيْهَا خَيْطُ الْخَرَابِ وَمِطْمَارُ الْخَلاَءِ. 12 أَشْرَافُهَا لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَدْعُونَهُ لِلْمُلْكِ، وَكُلُّ رُؤَسَائِهَا يَكُونُونَ عَدَمًا. 13 وَيَطْلَعُ فِي قُصُورِهَا الشَّوْكُ. الْقَرِيصُ وَالْعَوْسَجُ فِي حُصُونِهَا. فَتَكُونُ مَسْكِنًا لِلذِّئَابِ وَدَارًا لِبَنَاتِ النَّعَامِ. 14 وَتُلاَقِي وُحُوشُ الْقَفْرِ بَنَاتِ آوَى، وَمَعْزُ الْوَحْشِ يَدْعُو صَاحِبَهُ. هُنَاكَ يَسْتَقِرُّ اللَّيْلُ وَيَجِدُ لِنَفْسِهِ مَحَّلًا. 15 هُنَاكَ تُحْجِرُ النَّكَّازَةُ وَتَبِيضُ وَتُفْرِخُ وَتُرَبِّي تَحْتَ ظِلِّهَا. وَهُنَاكَ تَجْتَمِعُ الشَّوَاهِينُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ. كانت العادة أن تُدهن السيوف قبل المعركة بالشحوم حتى لا تحتاج إلى تنظيف بعد قتل كل شخص من الأعداء، إذ يمنع الدهن الدماء من الالتصاق بها أما سيف الرب الرمزي فيُدهن كما بالغضب السماوي: "لأنه قد رَوِىَ في السموات سيفي" [5]. حل سيف الرب على آدوم أشبه بسكين كاهنٍ تذبح القطيع العاجز عن المقاومة؛ عمل في العاصمة "بصرة" [6] كما في بقية أدوم، ليقدم ذبائح لا للمصالحة إنما ذبائح محرقة للدينونة [5]، حالة عليها اللعنة الإلهية. هذا السيف اجتاز الكل: البقر الوحشي والعجول مع الثيران... أي رجال الحرب العنفاء (البقر الوحشي) كما العامة؛ الكبير مع الصغير، إذ هي دينونة عامة، لأن الجميع اشتركوا معًا في الإثم. "تُروى أرضهم من الدم، وترابهم من الشحم يُسمَّن" [7]؛ إن كان اسم "أدوم" معناه "تراب" (آدم) وأيضًا "دم"، هكذا يختلط دمهم المسفوك بترابهم. لقد عاشوا كتراب محبين للأرضيات والزمنيات فهلكوا بدمهم. يصنع الله هذا كله من أجل صهيونه، شعبه المحبوب، الذي يكرهه آدوم. أخيرًا يؤكد أن دمار أدوم تام [9-15]. "وتتحول أنهارها زفتًا، وترابها كبريتًا، وتصير أرضها زفتًا مشتعلًا، ليلًا ونهارًا لا تنطفئ، إلى الأبد يصعد دخانها، من دور إلى دور تخرب..." [9-10] بمعنى تتحول إلى أتون نار، لا تحتاج إلى وقود من الخارج، إذ تتحول أنهارها إلى قار، وترابها إلى كبريت، فتصير أرضها نارًا متقدة لا تنطفئ نهارًا ولا ليلًا، دخانها يصعد رائحة دنسة كدخان قاتم، يبقى خرابها مستمرًا عبر الأجيال. تتحول من مسكن للبشر إلى مسكن للحيوانات والطيور الجارحة [10، 11، 13، 14]. عوض البناء يمد خيط الخراب ومطمار الخلاء [11]. تُفقد القيادات، ليس فيها أشراف ولا رؤساء. عوض الثمار تنبت شوكًا حتى في قصورها، وقريصًا وعوسجًا في حصونها [13] علامة هجر القصور وعدم استخدام الحصون زمانًا طويلًا. "هناك تُحْجِرُ النّكَّازَة وتَبيض وتُفرخ وتربِّى تحت ظلها" [15]. النّكَّازَة حيَّة من أخبث أنواع الحيات، صغيرة الحجم لكنها سامة، تعيش في مناطق بأفريقيا والعربية. غير أن ما ورد هنا يُناسب طائرًا لا حية، لهذا يرى بعض الدارسين أن ما ورد هنا هو وصف شعري يشير إلى سكنى الأرواح الشريرة القاتلة في النفوس المقاومة لله. "هناك تجتمع الشَّواهين بعضها ببعض" [15]، وهي طيور جارحة تُثير رعبًا.. آدوم إذن تُشير إلى النفس الجاحدة للإيمان والمقاومة للحق، تسقط تحت الغضب الإلهي فتصير هي نفسها أتونًا لذاتها، ليس من يطفئ لهيبها الداخلي ولا من يهبها راحة أو تعزية، تتحول إلى خراب فتفقد تفكيرها المتزن. تصير مأوى للأفكار الدنسة والعواطف المنحرفة، تلهو بها الخطايا، وتلعب بها الشياطين. تصير حياتها جافة كالشوك وعقيمة بلا ثمر، تفقد جمالها وحصانتها، كما تتحول إلى ظلمة ليل دائم بلا نهار أو نور [13] . 3. تأكيد عن تحقيق ذلك: 16 فَتِّشُوا فِي سِفْرِ الرَّبِّ وَاقْرَأُوا. وَاحِدَةٌ مِنْ هذِهِ لاَ تُفْقَدُ. لاَ يُغَادِرُ شَيْءٌ صَاحِبَهُ، لأَنَّ فَمَهُ هُوَ قَدْ أَمَرَ، وَرُوحَهُ هُوَ جَمَعَهَا. 17 وَهُوَ قَدْ أَلْقَى لَهَا قُرْعَةً، وَيَدُهُ قَسَمَتْهَا لَهَا بِالْخَيْطِ. إِلَى الأَبَدِ تَرِثُهَا. إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ تَسْكُنُ فِيهَا. "فتشوا في سفر الرب واقرأوا؛ واحدة من هذه لا تُفقد" [16]. لا يقصد هنا سفر الحياة أو سفر الدينونة (حز 32: 32؛ مز 56: 8؛ 69: 28؛ دا 7: 10؛ ملا 3: 16؛ رؤ 3: 5؛ 20: 12؛ 21: 27)، إنما يقصد النبوات التي أعلنها عن آدوم بخصوص خرابها. يلاحظ البعض أنه نادرًا ما يصدر النبي أمرًا، لكنه هنا يأمر "فتشوا... واقرأوا"، لأن الأمر كان في أيامه يبدو مستحيلًا وغير معقول. وقد تحققت هذه النبوة جزئيًا بعد خراب أورشليم بواسطة نبوخذنصَّر... ولا تزال تتحقق في كل يوم بالنسبة لمقاومي الحق، حتى تتم بالكمال في مجيء الرب الأخير حيث يهلك إبليس وكل جنوده. بركات مملكة المسيح يعتبر هذا الأصحاح تتمه للأصحاح السابق، فإن كان الله يُدين الأمم المقاومة له في حياة مؤمنيه، إنما يفعل ذلك لأجل بنيان شعبه ونموهم وتمجيدهم، الأمر الذي يتحقق بمجيء المسيا مخلص العالم، الذي بالصليب حطّم قوات الظلمة وفتح باب بركاته الإلهية أمام الراجعين إليه مهما بلغ ضعفهم. 1. تحويل البرية إلى فردوس: 1 تَفْرَحُ الْبَرِّيَّةُ وَالأَرْضُ الْيَابِسَةُ، وَيَبْتَهِجُ الْقَفْرُ وَيُزْهِرُ كَالنَّرْجِسِ. 2 يُزْهِرُ إِزْهَارًا وَيَبْتَهِجُ ابْتِهَاجًا وَيُرَنِّمُ. يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَجْدُ لُبْنَانَ. بَهَاءُ كَرْمَلَ وَشَارُونَ. هُمْ يَرَوْنَ مَجْدَ الرَّبِّ، بَهَاءَ إِلهِنَا. 3 شَدِّدُوا الأَيَادِيَ الْمُسْتَرْخِيَةَ، وَالرُّكَبَ الْمُرْتَعِشَةَ ثَبِّتُوهَا. 4 قُولُوا لِخَائِفِي الْقُلُوبِ: «تَشَدَّدُوا لاَ تَخَافُوا. هُوَذَا إِلهُكُمُ. الانْتِقَامُ يَأْتِي. جِزَاءُ اللهِ. هُوَ يَأْتِي وَيُخَلِّصُكُمْ». يرى بعض الدارسين أن ما ورد هنا إنما يخص حال بني إسرائيل بعد عودتهم من السبي البابلي، غير أن الكثيرين يرون في ذلك وصفًا لحال كنيسة العهد الجديد المتمتعة بالسيد المسيح رأسًا لها، يسكب مجده وبهاءه فيها. هذا هو رأي أغلب الدارسين من الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت وإن كان اتباع المُلك الألفي يحسبون هذا الأصحاح نبوة عنه لم تتحقق بعد. يستطيع المؤمن الحقيقي الذي يختبر الحياة الجديدة في المسيح يسوع أن يختبر مجد الكنيسة مُعلنًا في حياته الداخلية وهو: أ. تحويل البرية والأرض اليابسة إلى جنة مثمرة؛ فبدخول الرب إلى القلب وحلول الروح القدس فيه يُنتزع العقم الداخلي وتغرس جنة الرب المثمرة التي تفرح قلب الله [1-2]. * واضح أنه لا يتحدث هنا عن أماكن خارج النفس والحواس، بل يعلن عن أخبار سارة مفرحة خاصة بالنفس الظمآنة. غير المزينة خلال رمز البرية. وكما يقول داود: "صارت نفسي نحوك كأرض يابسة" (مز 143: 6 الترجمة السبعينية). نفسي عطشانة إلى القدير إذ هو الله الحيّ (مز 42: 2). القديس غريغوريوس النيسي "تفرح البرية والأرض اليابسة ويبتهج القفر ويزهر كالنرجس، يزهر أزهارًا ويبتهج ابتهاجًا ويرنم" [1-2]. فرح وبهجة وترنم! * من نظر في ذاته إلى ربنا، وامتزجت نفسه بنوره، فليغل قلبه بالفرح. الشيخ الروحاني * النفس دائمًا تتربى بهذا الفرح وتسعد به، وبه تصعد إلى السماء، فهي كالجسد لها غذاؤها الروحي. القديس أنطونيوس الكبير يتحدث القديس مقاريوس الكبيرعن هذا المجد الخفي الذي يملأ حياة المؤمن ليعلن في يوم الرب العظيم، قائلًا: [بتجديد العقل (رو 12: 3) وسلام الأفكار (في 4: 7) ومحبة الرب السماوية (أف 3: 19) تتميز خلقة المسيحيين الجديدة (2 كو 5: 17) عن باقي البشر... كل أحد بقدر ما يُحسب أهلًا لشركة الروح القدس بالإيمان والاجتهاد بقدر ذلك يتمجد جسده في ذلك اليوم، لأن كل ما خزنته النفس في داخلها في هذه الحياة الحاضرة سوف يعلن يومئذ، ويُكشف ظاهرًا في الجسد... كل ما للنفس الآن سوف يظهر في الجسد في ذلك اليوم]. يقول الرسول: "ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح" (2 كو 3: 7-18). ج. يصير الإنسان سندًا لإخوته الضعفاء؛ "شددوا الأيادي المسترخية والركب المرتعشة ثبتوها، قولوا لخائفي القلوب تشددوا لا تخافوا، هوذا إلهكم، الانتقام يأتي، جزاء الله، هو يأتي ويخلصكم" [3-4]. إن كانت الحياة مع الله تمثل علاقة شخصية خفية بين الله والمؤمن لكنها ليس في فردية منعزلة، إنما هي خلال حياة الشركة بين الله وكنيسته الواحدة؛ كل عضو يسند أخاه في الرب لكي يتشدد الكل معًا كعروس واحدة. كل مساندة من جانبك لأخيك إنما هي مساندة لك أنت شخصيًا لأنه يمثل يديك وركبك. * ليس شيء يجعل البشر منهزمين سريعًا في التجارب ومنهارين مثل العزلة. اخبرني؛ بَعْثِر فرقة في حرب، فإن العدو لا يقلق في سبيهم وأسرهم كفرادى. القديس يوحنا ذهبي الفم 5 حِينَئِذٍ تَتَفَقَّحُ عُيُونُ الْعُمْيِ، وَآذَانُ الصُّمِّ تَتَفَتَّحُ. 6 حِينَئِذٍ يَقْفِزُ الأَعْرَجُ كَالإِيَّلِ وَيَتَرَنَّمُ لِسَانُ الأَخْرَسِ، لأَنَّهُ قَدِ انْفَجَرَتْ فِي الْبَرِّيَّةِ مِيَاهٌ، وَأَنْهَارٌ فِي الْقَفْرِ. 7 وَيَصِيرُ السَّرَابُ أَجَمًا، وَالْمَعْطَشَةُ يَنَابِيعَ مَاءٍ. فِي مَسْكِنِ الذِّئَابِ، فِي مَرْبِضِهَا دَارٌ لِلْقَصَبِ وَالْبَرْدِيِّ. 8 وَتَكُونُ هُنَاكَ سِكَّةٌ وَطَرِيقٌ يُقَالُ لَهَا: «الطَّرِيقُ الْمُقَدَّسَةُ». لاَ يَعْبُرُ فِيهَا نَجِسٌ، بَلْ هِيَ لَهُمْ. مَنْ سَلَكَ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى الْجُهَّالُ، لاَ يَضِلُّ. 9 لاَ يَكُونُ هُنَاكَ أَسَدٌ. وَحْشٌ مُفْتَرِسٌ لاَ يَصْعَدُ إِلَيْهَا. لاَ يُوجَدُ هُنَاكَ. بَلْ يَسْلُكُ الْمَفْدِيُّونَ فِيهَا. أ. إذ يقول: "هو يأتي ويخلصكم، حينئذ..." [4-5]؛ أي عندما يأتي الرب المسيح المخلص تتحقق أمور فائقة، معجزات وآيات باهرة: "حينئذ تتفتح عيون العمي، وآذان الصم تتفتح؛ حينئذ يقفز الأعرج، كالآيل، ويترنم لسان الأخرس، لأنه قد انفجرت في البرية مياه وأنهار في القفر" [5-6]. يحاول المنادون بالملك الألفي أن ينسبوا ذلك للملك الألفي، مع أن السيد المسيح نفسه استخدم هذا النص عندما أجاب تلميذي يوحنا المعمدان مؤكدًا أنه هو المسيا المنتظر (مت 11: 4-6). يعلق القديس أغسطينوسعلى ذلك قائلًا: [كأنه يقول لهما: لقد رأيتماني فلتعرفاني! لقد رأيتما أعمالي، إذن فلتعرفا صانعها...وطوبى لمن لا يعثر فيّ]. الله الذي خلق كل شيء حسنًا جاء بنفسه إلى العالم ليجدد خليقته مصلحًا ما قد فسد، ولكي يرد للإنسان سلامه وصحته وبهجته.. يفتح بصيرته الداخلية لمعاينة الأسرار الإلهية، والآذان لكي تستعذب الصوت الإلهي وتستجيب لوصاياه، ويهب الأعرج قدرة للسير في الطريق السماوي، وينطق الأخرس بتسابيح داخلية... هذا كله بفعل الروح القدس (المياه والأنهار) الذي أرسله السيد المسيح من عند الآب... * تتحقق نبوة إشعياء ليس فقط في الأمور الجسدية بل وفي الروحيات... فالذين كانوا قبلًا عرج صاروا يقفزون بقوة يسوع كالآيل. قورنوا بالآيل ليس بدون قصد، فأنه حيوان طاهر معادٍ للحيات التي لن تؤذيه بسمها. وهكذا أيضًا بالنسبة للخرس فإنهم يتكلمون... العلامة أوريجانوس كثيرًا ما يُحدثنا الأنبياء عن العصر المسياني كعصر مياه (إش 41: 17-20؛ 43: 18-20؛ 44: 3-4؛ حز 47: 1-12). يقول المرتل: "نهر سواقيه تفرح مدينة الله مقدس مساكن العلي، الله في وسطها فلن تتزعزع" (مز 46: 4-5). * ما هي نهر سواقية هذه؟ أنه فيض الروح القدس الذي قال عنه الرب: "إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب، مَنْ آمن بيّ كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حيّ" (يو 7: 37-38). هذه الأنهار فاضت من حضن بولس وبطرس ويوحنا وبقية الرسل، ومن الإنجيليين المؤمنين. وحيث أن هذه الأنهار فاضت عن نهر واحد لذلك فإن "نهر سواقيه تفرح مدينة الله".... واضح أن مجاري النهر تُفهم بمعنى الروح القدس الذي به تتقدس كل نفس تقية تؤمن بالمسيح لتصير مواطنة في مدينة الله. القديس أغسطينوس يحدثنا القديس كيرلس الأورشليمي عن إيماننا بالسيد المسيح كدرع ضد عدو الخير إبليس، قائلًا: [هل يوجد أكثر رعبًا من الشيطان؟ ومع ذلك لا نجد درعًا ضده سوى الإيمان، إذ هو ترس غير منظور ضد عدو غير منظور، يصوب أسهمًا مختلفة في وسط الليل نحو الذين هم بلا حذر. لكن إذ هو عدو غير منظور فلنا الإيمان عُدَّة قوية كقول الرسول: "حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة" (أف 16: 6). فإذ يُلقى الشيطان شرارة ملتهبة من الشهوة المنحطة، يُظهر الإيمان صورة الدينونة فيطفئ الذهن الشريرة]. 3. مملكة فرح وبهجة: 10 وَمَفْدِيُّو الرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِتَرَنُّمٍ، وَفَرَحٌ أَبَدِيٌّ عَلَى رُؤُوسِهِمِ. ابْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ. وَيَهْرُبُ الْحُزْنُ وَالتَّنَهُّدُ. تُمسح كل شعوب الأمم القادمة إليه بدهن الفرح، فتصير أمة مقدسة متوّجة بأكاليل البهجة النابعة عن النصرة. لا يستطيع الحزن والتنهد أن يجدا لهما موضعًا في قلوبهم بل من الخارج فقط. هذه هي مسحة كنيسة العهد الجديد بكونها أيقونة السماء المتهللة بالرب. لذا قيل: "ومفديو الرب يرجعون ويأتون إلى صهيون بترنم وفرح أبدي على رؤوسهم، ابتهاج وفرح يدركانهم. ويهرب الحزن والتنهد" [10]. * توجد بالحقيقة راحة حيث لا يوجد ألم أو حزن أو تنهد، حيث لا توجد ارتباكات أو متاعب أو صراعات أو خوف من ذهول النفس واضطرابها، وإنما توجد مخافة الله المملوءة بهجة. القديس يوحنا ذهبي الفم القديس يوحنا ذهبي الفم |
||||
07 - 08 - 2024, 05:33 PM | رقم المشاركة : ( 169452 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المسيح واهب السَلام يعتبر هذا الأصحاح ختامًا جميلًا للحديث عن الصراع الذي قام بين أورشليم وآشور، فبعدما كرر التحذير من الالتجاء إلى فرعون والاتكال على الذراع البشري، يُقدم لنا السيد المسيح كملك روحي يهب السلام والعدل. بركات مملكة المسيح: 1 هُوَذَا بِالْعَدْلِ يَمْلِكُ مَلِكٌ، وَرُؤَسَاءُ بِالْحَقِّ يَتَرَأَّسُونَ. 2 وَيَكُونُ إِنْسَانٌ كَمَخْبَأٍ مِنَ الرِّيحِ وَسِتَارَةٍ مِنَ السَّيْلِ، كَسَوَاقِي مَاءٍ فِي مَكَانٍ يَابِسٍ، كَظِلِّ صَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ فِي أَرْضٍ مُعْيِيَةٍ. 3 وَلاَ تَحْسِرُ عُيُونُ النَّاظِرِينَ، وَآذَانُ السَّامِعِينَ تَصْغَى، 4 وَقُلُوبُ الْمُتَسَرِّعِينَ تَفْهَمُ عِلْمًا، وَأَلْسِنَةُ الْعَيِيِّينَ تُبَادِرُ إِلَى التَّكَلُّمِ فَصِيحًا. 5 وَلاَ يُدْعَى اللَّئِيمُ بَعْدُ كَرِيمًا، وَلاَ الْمَاكِرُ يُقَالُ لَهُ نَبِيلٌ. 6 لأَنَّ اللَّئِيمَ يَتَكَلَّمُ بِاللُّؤْمِ، وَقَلْبُهُ يَعْمَلُ إِثْمًا لِيَصْنَعَ نِفَاقًا، وَيَتَكَلَّمَ عَلَى الرَّبِّ بِافْتِرَاءٍ، وَيُفْرِغَ نَفْسَ الْجَائِعِ وَيَقْطَعَ شِرْبَ الْعَطْشَانِ. 7 وَالْمَاكِرُ آلاَتُهُ رَدِيئَةٌ. هُوَ يَتَآمَرُ بِالْخَبَائِثِ لِيُهْلِكَ الْبَائِسِينَ بِأَقْوَالِ الْكَذِبِ، حَتَّى فِي تَكَلُّمِ الْمِسْكِينِ بِالْحَقِّ. 8 وَأَمَّا الْكَرِيمُ فَبِالْكَرَائِمِ يَتَآمَرُ، وَهُوَ بِالْكَرَائِمِ يَقُومُ. الحديث هنا خاص بمملكة مزدهرة، يرى بعض الدارسين أنها مملكة حزقيا التي بدأت بالإصلاح الروحي والاجتماعي وإن كان كثيرون لم يصلحوا إلاَّ الشكل الخارجي؛ ويرون آخرون أن الحديث هنا عن السيد المسيح لأن البركات المذكورة هنا لم تتحقق في أيام حزقيا؛ غير أن فريقًا ثالث يرى أنه حديث عن الملك حزقيا أو غيره من الملوك كظل للسيد المسيح. |
||||
07 - 08 - 2024, 05:35 PM | رقم المشاركة : ( 169453 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ماذا يُقدم لنا المسيح الملك؟ أ. دستور العدل والحق: "هوذا العدل يملك ملك، ورؤساء بالحق يترأسون" [1]. إن كان الرب قد ملك على خشبة أي خلال الصليب، وقد دفع ثمن خطايانا تحقيقًا للعدالة، فأنه يقيم تلاميذه ومؤمنيه كرؤساء نمارس سلطاننا الروحي لا على الآخرين وإنما على نفوسنا وأحاسيسنا ومشاعرنا وطاقاتنا لا بكبتها أو تحطيمها وإنما "بالحق"، أي بتقديسها بالمسيح الحق. ب. عوض المتاعب والضيقات يصير هذا الملك "كمخبأ من الريح"، يحمي المؤمنين من رياح التجارب والضغطات المُرّة؛ "وستارة من السيل" أي كمظلة أو غطاء تحميهم من المياه الجارفة، "وكسواقي (أنهار) ماء في مكان يابس"، أي يروى النفوس العطشى في البرية القاحلة، "كظل صخرة عظيمة في أرض معيبة" يختفون في المسيح الصخرة فلا يصيبهم ضررًا. هكذا يُقدم أربعة تشبيهات لعمل السيد المسيح في حياة مؤمنيه: مخبأ، غطاء، أنهار مياه، صخرة عظيمة. خلال هذه التشبيهات يرانا النبي أشبه بإنسان مسافر يجد في السيد المسيح كل احتياجاته، متى هبت عليه العواصف العنيفة وجد فيه الملجأ الأمين، وإن لحقته سيول جارفة يجده غطاءً واقيًا، وإن عانى من الظمأ يصير له الرب أنهار مياه حية، وإن هاج العالم كله يستظل فيه كصخرة صلدة قادرة أن تخفيه وتحميه حتى من الموت. بمعنى الله المخلص يُقدم ذاته كل شيء لمؤمنيه حتى لا يعوزهم شيئًا. لقد قدم ذاته خلال أسماء كثيرة لكي ندرك أنه سّر شبعنا الحقيقي وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لماذا دُعي الطريق؟ لكي نفهم أننا بواسطته نلتقي بالآب لماذا دُعي الصخرة؟ لكي نفهم أنه حافظ الإيمان ومثبته. لماذا دُعي الينبوع؟ لكي نفهم أنه مصدر كل شيء. لماذا دُعي الأصل؟ لكي نفهم أن فيه قوة النمو. لماذا دُعي الراعي؟ لأنه يرعانا. لماذا دُعي الحمل؟ لأنه قُدم فدية عنا وصار تقدمة. لماذا دُعي الحياة؟ لأنه أقامنا ونحن أموات. لماذا دُعي النور؟ لأنه أنقذنا من الظلمة. لماذا دُعي الذراع؟ لأنه مع الآب جوهر واحد. لماذا دُعي الكلمة؟ لأنه مولود من الآب، فكما أن كلمتي هي مولودة مني، هكذا أيضًا الابن مولود من الآب. لماذا دُعي ثوبنا؟ لأنني التحفت به عندما اعتمدت. لماذا دُعي المائدة؟ لأنني اغْتَذَى عليه عندما اشترك في الأسرار. لماذا دُعي المنزل؟ لأنني أقطن فيه. لماذا دُعي العريس؟ لأنه قبلني كعروس له. لماذا دُعي بلا دنس؟ لأنه أخذني كعذراء. لماذا دُعي السيد؟ لأنني عبد له. إن سمعت هذه الأمور أرجو إلاَّ تفهمها بمعنى مادي، بل حلق بفكرك عاليًا، لأنها لا تؤخذ بمعنى جسدي]. * طوبى للذي نسى حديث العالم بحديثه معك، لأن منك تكتمل كل حاجاته. أنت هو أكله وشربه! أنت هو بيته ومسكن راحته، إليك يدخل في كل وقت ليستتر! أنت هو شمسه ونهاره، بنورك يرى الخفيات. أنت هو الآب والده! أنت أعطيته روح ابنك في قلبه! الشيخ الروحاني ج. يُقدم السيد المسيح لمؤمنيه البصيرة الروحية لترى الأمور غير المنظورة ولا تظلم عيناه الداخليتين: "لا تحسر (تعتم) عيون الناظرين" [3]. كما يهبنا القدرة على الاستماع لوصيته والإنصات إلى كلماته بفرح: "وآذان السامعين تصغي" [3]. يُقدم حكمة مع فهم وعلم: "وقلوب المتسرعين تفهم علمًا" [4]. يهب اللسان الكلام اللائق الفعّال: "وألسنة العييّن (المتلعثمين) تُبادر إلى التكلم فصيحًا". وأخيرًا يعطينا نعمة التمييز فلا نحسب اللئيم كريمًا ولا الماكر نبيلًا [5]. في اختصار يهب: البصيرة الداخلية، الاستماع مع الطاعة، الحكمة مع فهم وعلم، القدرة على الكلام البنّاء، نعمة التمييز. هذا كله يتحقق بالمخلص الذي ينتزع الخطية المسببة للعمى والعصيان والغباوة والعجز عن النطق بالحق وعدم التمييز. * إلهي... أنت نوري! افتح عينيّ فتُعاينا بهاءك الإلهي، لأستطيع أن أسير في طريقي بغير تعثر في فخاخ العدو... أنت هو النور لأولاد النور! نهارك لا يعرف الغروب! نهارك يُضيء لأولادك حتى لا يتعثروا! أما الذين هم خارج عنك، فإنهم يسلكون في الظلام ويعيشون فيه...! نعم خارج ضيائك تهرب الحقيقة منيّ، ويقترب الخطأ إليّ، يملأني الزهو، وتهرب الحقيقة مني! أصير في ارتباك بدلًا من التمييز، يصير ليّ الجهل عوض المعرفة، العمى عوض التبصر، لا يعود ليّ طريق موصل إلى الحياة... القديس أغسطينوس د. يميز الله بين اللئيم والكريم، إذ هو فاحص القلوب، ومدرك للخفيات [6-8]. |
||||
07 - 08 - 2024, 05:38 PM | رقم المشاركة : ( 169454 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
* طوبى للذي نسى حديث العالم بحديثه معك، لأن منك تكتمل كل حاجاته. أنت هو أكله وشربه! أنت هو بيته ومسكن راحته، إليك يدخل في كل وقت ليستتر! أنت هو شمسه ونهاره، بنورك يرى الخفيات. أنت هو الآب والده! أنت أعطيته روح ابنك في قلبه! الشيخ الروحاني |
||||
07 - 08 - 2024, 05:39 PM | رقم المشاركة : ( 169455 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
* إلهي... أنت نوري! افتح عينيّ فتُعاينا بهاءك الإلهي، لأستطيع أن أسير في طريقي بغير تعثر في فخاخ العدو... أنت هو النور لأولاد النور! نهارك لا يعرف الغروب! نهارك يُضيء لأولادك حتى لا يتعثروا! أما الذين هم خارج عنك، فإنهم يسلكون في الظلام ويعيشون فيه...! نعم خارج ضيائك تهرب الحقيقة منيّ، ويقترب الخطأ إليّ، يملأني الزهو، وتهرب الحقيقة مني! أصير في ارتباك بدلًا من التمييز، يصير ليّ الجهل عوض المعرفة، العمى عوض التبصر، لا يعود ليّ طريق موصل إلى الحياة... القديس أغسطينوس |
||||
07 - 08 - 2024, 05:40 PM | رقم المشاركة : ( 169456 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
اضطراب خارج المسيح: 9 أَيَّتُهَا النِّسَاءُ الْمُطْمَئِنَّاتُ، قُمْنَ اسْمَعْنَ صَوْتِي. أَيَّتُهَا الْبَنَاتُ الْوَاثِقَاتُ، اصْغَيْنَ لِقَوْلِي. 10 أَيَّامًا عَلَى سَنَةٍ تَرْتَعِدْنَ أَيَّتُهَا الْوَاثِقَاتُ، لأَنَّهُ قَدْ مَضَى الْقِطَافُ. الاجْتِنَاءُ لاَ يَأْتِي. 11 اِرْتَجِفْنَ أَيَّتُهَا الْمُطْمَئِنَّاتُ. ارْتَعِدْنَ أَيَّتُهَا الْوَاثِقَاتُ. تَجَرَّدْنَ وَتَعَرَّيْنَ وَتَنَطَّقْنَ عَلَى الأَحْقَاءِ 12 لاَطِمَاتٍ عَلَى الثُّدِيِّ مِنْ أَجْلِ الْحُقُولِ الْمُشْتَهَاةِ، وَمِنْ أَجْلِ الْكَرْمَةِ الْمُثْمِرَةِ. 13 عَلَى أَرْضِ شَعْبِي يَطْلَعُ شَوْكٌ وَحَسَكٌ حَتَّى فِي كُلِّ بُيُوتِ الْفَرَحِ مِنَ الْمَدِينَةِ الْمُبْتَهِجَةِ. 14 لأَنَّ الْقَصْرَ قَدْ هُدِمَ. جُمْهُورُ الْمَدِينَةِ قَدْ تُرِكَ. الأَكَمَةُ وَالْبُرْجُ صَارَا مَغَايِرَ إِلَى الأَبَدِ، مَرَحًا لِحَمِيرِ الْوَحْشِ، مَرْعًى لِلْقُطْعَانِ. بعدما تحدث عن بركات مملكة المسيح والتي من بينها التمييز بين اللئيم والكريم، يعرف الله كيف يُدين الأول ويكرم الثاني، صار يحدثنا عن دينونة اللئيم في صورة حديث مع النساء المدللات المُترفات اللواتي يخرجن بعد الحصاد ليقضين فترات من اللهو معًا في فرح زمني وبطريقة جسدانية غير لائقة. لا يعود بعد يوجد عيد للحصاد، لأن العدو يستولي على كل المحصولات. هؤلاء النسوة يمثلن الرافضين الإيمان بالسيد المسيح، السالكين خارج ملكوته الروحي، يُصبن بالآتي: أ. عوض الطمأنينة والسلام يرتعدن [11]... * لتكن أنت كل سعادتي، يا كُلَّي الصلاح... بك أقوم وبدونك أهلك..! بك امتلئ فرحًا، وبدونك أهلك حزنًا... آه! أسرع واجعل من نفسي مسكنًا لك، ومن قلبي مستقرًا... رائحتك تُعيد ليّ قوتي، وذكراك يُخفف آلامي، ظهورك شبع ليّ (مز 17: 10)! يا حياة نفسي... قلبي يجري وراءك، ويذوب عند تذكر خيراتك، متى يحين وقت رحيلي إلى ملكوتك؟! متى أحظى بمعاينة جمالك، أيها الحياة سعادة قلبي! لماذا تحجب وجهك عني، يا سعادة نفسي الوحيد؟! أين تختفي يا رب الجمال، يا نهاية كل طموحي... اجذب قلبي، فأنت هو فرحي! القديس أغسطينوس ب. عوض ارتداء الثياب الثمينة يتجردن ويتعرين ويتنطق على الأحقاء [11]، علامة تخلي النعمة وفقدان الستر الروحي. ما هي هذه الثياب الثمينة التي ترتديها النفس البشرية إلاَّ شخص السيد المسيح الذي يخفينا فيه ويستر علينا بدمه ويهبنا جماله. وكما القديس بولس: "لأنكم كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غلا 3: 27). في مياه المعمودية نلبس السيد المسيح، فنحمل بره ومجده وبهاءه فينا. وكما يقول ماريعقوب السروجي: [المعمودية هي حلة المجد المعطاة لآدم، تلك التي سرقتها منه الحية بين الشجر... تعاليّ (أيتها النفس) والبسي الجلالة، واقتني النور بالمياه الطاهرة. تعاليّ، انزلي، والبسي الثياب التي نسجها اللاهوت، واصعدي وأرينا جمالك الخالد، لنفرح معكِ... لبسْتي الملون كعظيم الأحبار في بيت التطهير. النار والروح ينسجان لكِ ثوب الذي كله نور. يا ابنة الشعوب المخطوبة للنور في داخل المياه]. ج. عوض الفرح يلطمن على الثدي نائحات كمن لهن ميت [12]؛ فإنهن بانفصالهن عن الله مصدر الحياة فقدت نفوسهن الحياة. * كم أنا بائس؟ إلهي... متى تُفارقني هذه الطبيعة الفاسدة، وتعمل فيَّ قوتك الكاملة...؟! إني جِبْلَتك، وها أنا أموت! إنيّ من صُنع يديك، وها أنا أنحدر نحو العدم...! أأمر الميت حتى يخرج من القبر...! آه! يا إلهي! أنني سأستغيث قبلما أهلك أو على الأقل استغيث لئلا أهلك، حتى استحق السكنى فيك... عضدني أيها المجد الأبدي، يا فرحي، اكشف ليّ ذاتك يا إلهي حتى أحبها! القديس أغسطينوس د. عوض الفرح بالحصاد، تُنبت لهن الأرض شوكًا وحسكًا (إش 3: 13)، علامة حلول اللعنة مع الجفاف الروحي. ه. تهدم قصورهن وتهجر المدن وتتحول بيوت الفرح والمدينة المبتهجة إلى قفر به أشواك وحسك [13-14]. و. تتحول الأكمة والبرج إلى مغاير دائمة ترعى فيها حمير الوحش (رمز للشياطين الشرسة) والقطعان (الأفكار الحيوانية). هذه هي سمات النفس خارج المسيح: رعدة وحزن وجفاف وخراب ودمار يحل بها، فتصير مسكنًا للأرواح الشريرة الوحشية والأفكار والشهوات الحيوانية. |
||||
07 - 08 - 2024, 05:43 PM | رقم المشاركة : ( 169457 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ماريعقوب السروجي [المعمودية هي حلة المجد المعطاة لآدم، تلك التي سرقتها منه الحية بين الشجر... تعاليّ (أيتها النفس) والبسي الجلالة، واقتني النور بالمياه الطاهرة. تعاليّ، انزلي، والبسي الثياب التي نسجها اللاهوت، واصعدي وأرينا جمالك الخالد، لنفرح معكِ... لبسْتي الملون كعظيم الأحبار في بيت التطهير. النار والروح ينسجان لكِ ثوب الذي كله نور. يا ابنة الشعوب المخطوبة للنور في داخل المياه]. |
||||
07 - 08 - 2024, 05:44 PM | رقم المشاركة : ( 169458 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
* كم أنا بائس؟ إلهي... متى تُفارقني هذه الطبيعة الفاسدة، وتعمل فيَّ قوتك الكاملة...؟! إني جِبْلَتك، وها أنا أموت! إنيّ من صُنع يديك، وها أنا أنحدر نحو العدم...! أأمر الميت حتى يخرج من القبر...! آه! يا إلهي! أنني سأستغيث قبلما أهلك أو على الأقل استغيث لئلا أهلك، حتى استحق السكنى فيك... عضدني أيها المجد الأبدي، يا فرحي، اكشف ليّ ذاتك يا إلهي حتى أحبها! القديس أغسطينوس |
||||
07 - 08 - 2024, 05:55 PM | رقم المشاركة : ( 169459 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لماذا العذراء مريم بالذات اختيرت أمًا للمسيح كلمة الله؟ - إنّ الله إلهنا حقيقة رائعة، وأعماله عظمة وجلال، هذا ما تجلّى فيما صنعه الله فى مريم من عظائم، ففيها يسمو الله المنطق البشريّ ومقاييسه ويتخطـّى قوانين الطبيعة البشريّة وحدودها، فإنّ من وضع النواميس لتكوين الطبيعة البشريّة وتطويرها قد وضع لذاته نواميس جديدة أروع من الأولى، ومن العبث محاولة طرح الأسئلة حول هذه النواميس الجديدة فى حين لا تزال النواميس الأولى جيّدة وصالحة، إنّ محاولة كهذه لا ينتج منها سوى التخبّط فى لجج الضباب، وهى إلى ذلك امتهان لقدرة الله الذى خلق من العدم هذا الكون الفائق الجمال، وعلى كلّ من الأسئلة التالية: لماذا؟ من أين؟ كيف؟ ليس سوى جواب واحد: هذا هو عمل الله الذى تجلّى لنا فى شخص يسوع المسيح الذى نؤمن أنّه كلمة الله وابن الله المتجسّد. إننا إذ نجول فى فكر آباء الكنيسة شرقا وغربا نرى مدى الفهم اللاهوتى السليم المبنى على روح الكتاب المقدس والحياة الكنسية الأولى، والذى يكرم العذراء مريم من أجل انتسابها لله وولادتها لله الكلمة المتجسد من أجل خلاصنا ومن أجل إيمانها وفضائلها، نحن إذ ننظر إلى سيرتها ونطوبها ونطلب صلواتها نتذكر كيف أن السيد المسيح صنع أولى معجزاته فى عُرس «قانا الجليل» بطلبات القديسة مريم، كما أن العذراء القديسة مريم توصينا أن نعمل بما يوصينا به الرب يسوع المسيح «قالت أمه للخدام مهما قال لكم فافعلوه» (يو ظ¢ : ظ¥). ويفسر لنا القديس «أغريغوريوس» الصانع للعجائب لماذا اختارت النعمة الإلهية العذراء مريم دون سواها من النساء، إنها اتحدت بالله بالصلاة والتأمل وبرهنت على حكمتها ورزانتها (أم الله اتحدت عقليا بالله بدوام الصلاة والتأمل وفتحت طريقا نحو السماء جديدا. سمت به فوق المبادئ والظنون الذى هو الصمت العقلى وصار لها الصمت القلبى وكما يقول الكتاب المقدس {أما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به فى قلبها}، اختارت النعمة مريم العذراء دون سواها من بين كل الأجيال لأنها بالحقيقة قد برهنت على رزانتها فى كل الأمور ولم توجد مثلها امرأة أو عذراء فى كل الأجيال، جاءت الكلمة الإلهية من الأعالى، وفى أحشائها المقدسة أعيد تكوين آدم». يوضح القدّيس «إيريناوس» دور مريم العذراء فى التجسد أو هذا الخلق الجديد: «كما أنّ يد الله خلقت آدم من أرض عذراء، كذلك لمّا جمع كلمة الله الإنسان فى شخصه، ولد من مريم العذراء. وهكذا إلى جانب حوّاء، ولكن على خلافها، قامت مريم بدور فى عمل الجمع هذا الذى هو عمل خلاص الإنسان، لمّا حبلت بالمسيح. حوّاء أغواها الشرّ وعصت الله. أمّا مريم فاستسلمت لطاعة الله وصارت المحامية عن حوّاء العذراء. إنّ حوّاء، وهى بعد عذراء، كانت سبب الموت لها وللجنس البشريّ بأسره. أمّا مريم العذراء فبطاعتها صارت لها وللجنس البشريّ بأسره سبب خلاص. من مريم إلى حوّاء هناك إعادة للمسيرة عينها، إذ ما من سبيل لحلّ ما تمّ عقده إلّا بالرجوع باتّجاه معاكس لفكّ الحبال التى تمّ حبكها. لذلك يبدأ لوقا نسب المسيح ابتداءً من الربّ ويعود إلى آدم (لو ظ£/ ظ¢ظ¢-ظ£ظ¨)، مظهرًا أنّ الحركة الحقيقيّة للولادة الجديدة لا تسير من الأجداد إليه بل منه إلى الأجداد، وفق الولادة الجديدة فى إنجيل الحياة. هكذا أبطلت طاعة مريم معصية حوّاء. ما عقدته حوّاء بعدم إيمانها حلّته مريم بإيمانها. لمحو الضلال الذى لحق بالتى كانت مخطوبة العذراء حوّاء حمل الملاك البشارة الجديدة الحقّة إلى التى كانت مخطوبة. العذراء حوّاء ضلّت بكلام الملاك واختبأت من وجه الله بعد أن عصت كلمته، أمّا مريم فبعد أن سمعت من الملاك البشرى الجديدة، حملت الله فى أحشائها لأنها أطاعت كلمته. إذا كانت الأولى عصت الله، فالثانية رضيت بأن تطيعه. وهكذا صارت العذراء مريم المحامية عن العذراء حوّاء. وكما ربط الموت الجنس البشريّ بسبب امرأة، كذلك خُلّصَ الجنس البشريّ بواسطة امرأة». هكذا رأى آباءُ الكنيسة فى القرنين الأوّل والثانى أنّ لمريم دورًا أساسيًّا فى تاريخ الخلاص. وهذا الدور هو دور مزدوج: فقد حبلت بيسوع المسيح بشكل بتولى. إنّها أمّ المسيح ابن الله. ثمّ إنّها، بإيمانها وطاعتها لكلام الله، قد أبطلت معصية حوّاء الأمّ الأولى، وهكذا شاركت بملء حرّيتها فى الخلاص الذى جاءنا به ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح. إنّ طبيعة المسيح البشريّة قد تكوّنت فى أحشاء مريم العذراء بقدرة الله الخلاّقة. فالله وحده أعطى مريم أن تكون أمًّا لابنه الله الكلمة المتأنسن، إذ خلق مباشرةً الحياة فى أحشائها، من هذه الحقيقة ينتج أنّ هناك علاقة فريدة وألفة لا توصف بين أبوّة الله الخلاّقة وبتوليّة العذراء فى الجسد. لذلك دعا التقليد الكنسيّ مريم العذراء «عروس الله». لا ريب أنّ هذه العبارة قد تبدو تجديفًا على اسم الله لمن لم يدخل بالإيمان فى سرّ عمل الله على الأرض. لذلك يجب استعمالها بحذر وتحفّظ، مع التنبّه إلى أنّ هذه العبارة يجب ألّا تؤخذ بمعناها الحرفى، بل جلّ قصدها التّأكيد أنّ مريم قد حبلت بالمسيح بشكل بتوليّ، وأنّ ابنها بالجسد هو نفسه ابن الله الكائن منذ الأزل مع الآب والرّوح. فالمسيح الرب والسيد بقى فى أحشاء مريم إلهًا تامًّا، أحد الثالوث الأقدس، وإن اتّخذ طبيعة بشريّة تامّة. فمن الجهة أو الطبيعة البشريّة أى الناسوت هو ابن العذراء وحدها، إذ استمدّ منها بقدرة الله كلّ ما جعله إنسانًا، ومن الجهة أو الطبيعة الإلهيّة أو الناسوت، هو ابن الآب الأزليّ. وهكذا تحقّق فى مريم العذراء هذا الالتئام العجيب: فالطفل الذى ولدته هو منها فى طبيعته البشريّة، ومن الآب وحده فى طبيعته الإلهيّة. فالله هو أبوه فى السّماء، ومريم هى أمّه على الأرض. لذا طاب للقديس «كيرلس» وكل آباء القرنين الخامس والسادس، أن يكرروا العبارة الرائعة، «الله اللوغوس الكلمة المتجسد هو هوموسيوس أى واحد فى الطبيعة والجوهر مع الله الأب من جهة اللاهوت، وهوموسيوس مع أمه والبشرية المفدية أى واحد فى الجوهر والطبيعة البشرية من جهة الناسوت». الله حاضر إذاً فى مريم العذراء بقدرته الخلاّقة وبأبوّته الأزليّة. وابن الله حاضر فى مريم لأنّها صارت له أمًّا. والأمومة هى حضور، أى علاقة بين شخصين. إنّها ينبوع منه تتفجّر حياة تبقى مماثلة للينبوع الذى صدرت منه، ومتّصلة به اتّصالا وثيقًا. إنّ العلاقة التى تجمع بين الأمّ وابنها هى أعمق نوع من الحضور. وقد اكتسبت الأمومة فى مريم حضورًا أكثر عمقًا وأكثر شموليّة. فالعلاقة فيها هى بين الخالق وخليقته، بحيث إنّ السماء، من خلال أمومة مريم، ارتبطت بالأرض ارتباطـًا دائمًا، والأرض صارت سماء. الله اتّحد هو نفسه بخليقته، والخليقة تألّهت. ابن الله، الله الحق من الله الحق، صار واحدًا من بنى البشر وأخًا لكلّ كائن بشريّ، وجعل كلّ أبناء البشر واحدًا معه (بلغة نيقية، هوموسيوس معه)، وإخوة وأخوات حقيقيين بعضهم لبعض. وليس أدلّ على ذلك ممّا قاله الشاعر الألمانى «غوتيه» موجزًا تعليم الديانة المسيحيّة فى مريم العذراء: «المرأة هى السبيل إلى السماء». لا سبيل آخر أمام الله كى يتّحد بالبشريّة، وأمام البشر كى يرتفعوا إلى الله. |
||||
08 - 08 - 2024, 11:55 AM | رقم المشاركة : ( 169460 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
صيحوا اليها فى سماها طوباك يامريم |
||||