22 - 07 - 2024, 04:53 PM | رقم المشاركة : ( 167421 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الخير من خلال التأديب (ع 56-72): الهدف: اختبر داود أن يكون نصيبه هو الرب، ولذا فقد قبل كل شيء من يده، حتى التأديب، وشعر أنه خير له من يد الله الصالح، ولم ينزعج من مؤامرة الأشرار، أو تعاظمهم عليه، بل تمسك بكلام الله. ع65، 66: خَيْرًا صَنَعْتَ مَعَ عَبْدِكَ يَا رَبُّ حَسَبَ كَلاَمِكَ. ذَوْقًا صَالِحًا وَمَعْرِفَةً عَلِّمْنِي، لأَنِّي بِوَصَايَاكَ آمَنْتُ. ذوقًا صالحًا: حكمًا سليمًا وتميزًا صحيحًا. أدبًا: مبادئ سليمة وأخلاق جيدة. يشعر داود أن أعمال الله معه كلها للخير، سواء كانت بركات مادية، أوروحية، أو ضيقات تعلمه مبادئ وأخلاق سليمة حسب وعد الله له، فيستطيع أن يميز الحق من الباطل، وتكون له معرفة ومبادئ مستقاه من كلام الله. لأن داود آمن بوصايا الله وأحبها شعر أن كلها خير له، فسلك فيها بفرح، وطلب التلمذة عليها وتعلمها طوال حياته، خاصة وأن كلمة " خيرًا " أصلها اليوناني يعني "عذوبة"، أي أن داود تلذذ بأعمال الله والسلوك بوصاياه. ع67: قَبْلَ أَنْ أُذَلَّلَ أَنَا ضَلَلْتُ، أَمَّا الآنَ فَحَفِظْتُ قَوْلَكَ. يعلن داود في شجاعة أنه في بعض الأحيان نسى وانشغل عن كلام الله، فضل عن طريق الحق، وسقط في ذل شديد، ثم أفاق من خلاله، وأسرع إلى العلاج وهو حفظ وصايا الله. فهو إنسان قوي يراجع نفسه، ويتعلم من خطاياه، وهو إيجابي يسرع إلى الحل، وهو حفظ وصايا الله. ع68، 69: صَالِحٌ أَنْتَ وَمُحْسِنٌ. عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ. الْمُتَكَبِّرُونَ قَدْ لَفَّقُوا عَلَيَّ كَذِبًا، أَمَّا أَنَا فَبِكُلِّ قَلْبِي أَحْفَظُ وَصَايَاكَ. قام الأشرار على داود ولفقوا له تهمًا كاذبة، وسمح الله بهذا؛ لينتبه داود إلى شروره الداخلية؛ ليتوب عنها، وكما حدث هذا أيضًا مع أيوب، ولكن الجميل في داود وأيوب أنهما اتجها إلى وصايا الله. وشعر داود بصلاح الله وإحسانه، فأقبل على عبادة الله باشتياق وحفظ وصاياه من كل القلب. وهذا المثل جيد لأبناء الله الذين يقودهم التأديب إلى ارتباط أكبر بالله وطلب وصاياه، وليس الغضب، أو التذمر، إذ أنهم يشعرون أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله (رو 8: 28) ويستمر أولاد الله يتمتعون بعذوبة وحلاوة كلامه التي تخرجهم من الضيقة، وهم في قوة روحية. ع70: سَمِنَ مِثْلَ الشَّحْمِ قَلْبُهُمْ، أَمَّا أَنَا فَبِشَرِيعَتِكَ أَتَلَذَّذُ. تمادى الأشرار في شرهم وفى محاربة الأبرار، وظنوا أنه بكثرة خيراتهم المادية -اتي يعبر عنها بالشحم الكثير- في قوة وسلطان، فتمادوا في شرهم. ويقول قد سمن ليس فقط جسدهم، بل قلبهم، أي صار قلبهم غليظًا لا يشعر بالله، ولا بالضعفاء، وصار قاسيًا شريرًا، يؤذي الآخرين. على الجانب الآخر نجد الأبرار -الذين يمثلهم داود- قد اتجهوا إلى شريعة الله وأحبوها، بل تلذذوا بها، فصارت هي حياتهم، ولم ينزعجوا من مضايقات الأشرار؛ لأن الله أعطاهم سلامًا، بل وفرحًا بكلامه. ع71، 72: خَيْرٌ لِي أَنِّي تَذَلَّلْتُ لِكَيْ أَتَعَلَّمَ فَرَائِضَكَ. شَرِيعَةُ فَمِكَ خَيْرٌ لِي مِنْ أُلُوفِ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ. إذ تأكد داود أن تأديب الله كان خيرًا عظيمًا له، فضل في النهاية أن يحيا بشريعة الله والتي هي حديث شخصي من فم الله إلى قلبه. وكلام الله قادر أن يغنيه أفضل من كل غنى العالم، الذي يمثله الذهب والفضة، وشبع لنفسه أفضل من كل الشهوات المادية البراقة. † علمني يا رب أن أقبل الضيقة ما دمت أنت قد سمحت بها، وأثق أنها لخيري. ولكن أطلب فقط أن تسندني خلالها، وتكشف عن عيني لأراك وسط الضيقة، فأتعزى بك عن كل ما احتمله، وأفرح أني معك. عزاء للمتكلين (ع 73-80): الهدف: إذا رأى البار خيرات الله من خلال تأديبه خضع له باتكال وتسليم، فازدادت تعزيات الله له، واستمر في توبته، بل وصار قدوة للأبرار، وسار في طريق الكمال. ع73: يَدَاكَ صَنَعَتَانِي وَأَنْشَأَتَانِي. فَهِّمْنِي فَأَتَعَلَّمَ وَصَايَاكَ. الله صنعني وأنشأني على صورته ومثاله، ولكن الخطية تشوه صورتي، لذا فأنا محتاج دائمًا أن أتعلم وصاياه لتعيدنى إلى صورتي الأولى، وحتى أتعلم وصايا الله أنا محتاج أن أفهم؛ لأن الله خلق لي عقلًا، وعندما أفهم يسهل علي أن أتعلم وصايا الله. هذا الفهم لأعماق الوصية هو من نعمة الروح القدس. يداك ترمزان إلى الابن والروح القدس فالخلقة والصنع قد اشترك فيها الثالوث القدوس، والصنع أيضًا يرمز للخلقة في شخص آدم، والإنشاء يرمز لولادتي الطبيعية من بطن أمي. واليدان ترمزان لقوة الله، فخلقتي كانت عملًا عظيمًا يفوق جميع الخلائق، وتم بقوة الله. والصنع أيضًا يرمز لولادتي الجسدية، والإنشاء يرمز لولادتي الثانية في سر المعمودية. والصنع أيضًا يرمز لخلق الإنسان من التراب، والإنشاء يرمز إلى نفخة الحياة التي نفخها الله في آدم. ع74: مُتَّقُوكَ يَرَوْنَنِي فَيَفْرَحُونَ، لأَنِّي انْتَظَرْتُ كَلاَمَكَ. الذين يخافون الله عندما يرون داود يحتمل الآلام والضيقات، وينتظر بإيمان خلاص الرب يفرحون لثباته ويثبتون هم أيضًا في الإيمان، ويتعلمون من داود الثبات، وتسليم حياتهم لله، بل يرون أعمال الله معه، وسلامه الداخلي، فيزداد فرحهم، وتعلمهم منه لأن أعمال داود وهو في الضيقة وينتظر الرب- إذ تتم في هدوء ودون اضطراب وفي اتكال على الله- تكون نورًا لمن حوله. تظهر هنا شركة المؤمنين مع داود لأن الكل أعضاء في جسد واحد، الكل يحب الله ويخافه، لذا يشعرون بداود المتألم المنتظر الرب. ومحبة هؤلاء المؤمنين الذين يخافون الله تساند داود، وتشجعه. ع75: قَدْ عَلِمْتُ يَا رَبُّ أَنَّ أَحْكَامَكَ عَدْلٌ، وَبِالْحَقِّ أَذْلَلْتَنِي. إذ خضع داود للضيقة والتأديب، وانتظر خلاص الله، كشف الله له عن عينيه، ووهبه نعمة العلم بمقاصد الله، ففهم أن الله عادل وليس قاسيًا في تأديبه له، وأنه يستحق هذا الذل لأجل خطاياه وتقصيراته. فالله عادل، بل هو الحق ولا يمكن أن يخطئ، وشعر أنه محتاج لهذا الذل حتى يتخلص من ضعفاته، ويزداد تمسكه بالله. وهنا يظهر مدى خضوع داود واتكاله وتسليمه وقبوله تأديب الله، ولذا استنارت عيناه وفهم الحق. ع76، 77: فَلْتَصِرْ رَحْمَتُكَ لِتَعْزِيَتِي، حَسَبَ قَوْلِكَ لِعَبْدِكَ. لِتَأْتِنِي مَرَاحِمُكَ فَأَحْيَا، لأَنَّ شَرِيعَتَكَ هِيَ لَذَّتِي. بعد أن خضع داود لعدل الله وتأديبه وذله يطلب بدالة البنين رحمة الله، فهي المعزي والمساند الوحيد له، بل هي سر حياته حتى يستطيع أن يجتاز الآلام والتجارب. ولذا يتمسك بوصايا الله، فتسنده، بل تصير لذة له. وهكذا برحمة الله تتحول الضيقة إلى لذة وفرح. هذه المراحم التي يطلبها داود يستند فيها على وعود الله وأقواله له، بل هو ينتظر بركات من أقوال الله ووعوده، بركات تفوق العقل في الأبدية. تكمل رحمة الله المعزية في تجسد المسيح وفدائه، ويعطي مراحمه في كنيسته بالروح القدس. ع(78-80): لِيَخْزَ الْمُتَكَبِّرُونَ لأَنَّهُمْ زُورًا افْتَرَوْا عَلَيَّ. أَمَّا أَنَا فَأُنَاجِي بِوَصَايَاكَ. لِيَرْجعْ إِلَيَّ مُتَّقُوكَ وَعَارِفُو شَهَادَاتِكَ. لِيَكُنْ قَلْبِي كَامِلًا فِي فَرَائِضِكَ لِكَيْلاَ أَخْزَى. قام المتكبرون وهم الشياطين وكل من يتبعهم من الأشرار، وأساءوا إلى داود البار باتهامات باطلة، وشهادات زور. أما هو فلم ينزعج من إساءاتهم، بل ظل ثابتًا في إيمانه، وأكثر من هذا انشغل بمناجاة الله وتسبيحه، مستخدمًا في مناجاته وصايا الله وكلماته. فانشغاله بالله أعطاه سلامًا، أما الأشرار فكانوا في اضطراب لأجل صنعهم الشر، وبالتالي إذ رأوا فرحة ومساندة الله له صاروا في خزي، لعلهم يتوبون، فالخزي ينبههم وينخسهم، فيشعرون ببطلان شرهم أمام قوة الله، ويرجعون إليه. يطلب داود من أجل الأتقياء الأبرار الذين ابتعدوا عنه عندما سقط في الزنا والقتل، ولكن إذ رأوه ثابتًا في إيمانه أثناء تأديب الله له، يرجعون إليه ويتشددون معه ويشجعونه، ويتشجعون في طريق الله؛ لأنهم رأوا عمل الله العجيب ومساندته لداود الخاضع للضيقة. يطلب أمرًا ثالثًا بعد أن طلب من أجل أعدائه والذين يتقون الله، فطلب لنفسه أن يصير كاملًا، أي يتنقى من كل خطية باستمراره في التوبة، ويزداد تمسكه بفرائض الله، أي عبادته. هكذا يكون في فخر وقوة بعيدًا عن كل خزي، فيواصل نموه الروحي. † قدر ما تقبل الضيقات يكشف لك الله عن أسراره، ويساندك، ويعمل فيك بقوة، فتختبر الله أكثر من أي وقت آخر، وتصير دون أن تشعر نورًا لكل من يراك. انتظار الخلاص (ع 81-88): الهدف: بعد اختبار تعزية الله لأولاده المتكلين عليه، ثبتوا في الإيمان، وبالتالي أصبح من الطبيعي أن ينتظر أولاد الله خلاصه، حتى لو احتملوا ضيقات كثيرة من الأشرار، فالله يسندهم بشهاداته. ع81، 82: تَاقَتْ نَفْسِي إِلَى خَلاَصِكَ. كَلاَمَكَ انْتَظَرْتُ. كَلَّتْ عَيْنَايَ مِنَ النَّظَرِ إِلَى قَوْلِكَ، فَأَقُولُ: "مَتَى تُعَزِّينِي؟" كلَّت: تعبت. يشعر داود أنه في ضيقة ومتألم جدًا، ولكن رجاءه وإيمانه الثابت في انتظار خلاص الله. ويظهر من هذه الآية ثبات داود في انتظار الرب؛ حتى أن عينيه قد كلتا، ولم يتزعزع عن انتظار الرب، بالإضافة إلى ثقته في خلاص الهه وأنه قادر أن يعزيه ويريحه، فأشواقه شديدة وثباته عظيم. لعل هذه الآيات هي مشاعر الأنبياء والأتقياء، ورجال الله في العهد القديم في انتظارهم المسيا المنتظر. وهو أيضًا شعور أولاد الله في العهد الجديد الذين ينتظرون مجئ المسيح الثاني، مثل بولس الرسول (في 1 : 23). وهي صرخة كل إنسان يمر بضيقة. ع83: لأَنِّي قَدْ صِرْتُ كَزِقّ فِي الدُّخَانِ، أَمَّا فَرَائِضُكَ فَلَمْ أَنْسَهَا. زق: وعاء من الجلد "قربة" يحفظ فيه الماء أو اللبن، أو الخمر، أو أي سائل. كانوا قديمًا يعلقون الزق في أعلى الخيمة وداخلها السائل المحفوظ، وكانوا يوقدون الحطب والنار داخل الخيمة، فتمتلئ دخانًا ويحيط بالزق، فيجعل لونه أسودًا، والحرارة تعرض الجلد للتلف. فداود يشبه نفسه بزق في دخان، أي يكاد يتلف وينشق وتنساب منه السوائل التي بداخله، ولكنه مع هذا ما زال ثابتًا متمسكًا بوصايا الله، منتظرًا خلاصه. يفهم من هذا أن داود له مدة طويلة منتظرًا خلاص الله، وحياته تعرضت للتلف؛ حتى كاد ييأس، لكنه لم يفقد رجاءه، وظل منتظرًا خلاص الرب. ع84: كَمْ هِيَ أَيَّامُ عَبْدِكَ؟ مَتَى تُجْرِي حُكْمًا عَلَى مُضْطَهِدِيَّ؟ من شدة ضيق داود يسأل الله كم هي أيام عبدك، أي أنت تعرف أن عمري محدود، وسينتهي، ألن ترفع الضيقة عني قبل انقضاء عمري؟ وأنت تعرف أن ضيقي هذا ناتج من حروب الشياطين، والأشرار الذين يتبعونهم، فمتى تخلصني من شرورهم؟ متى تحكم ببراءتي، وتعطيني راحة وخلاصًا، وتعلن أن البر هو الحق الذي تطلبه، وأنك ترفض الشر. هذا هو شعور كل المتضايقين في العهدين القديم والجديد، وهو أيضًا شعور النفوس التي تحت المذبح في سفر الرؤيا التي تطالب الله بالانتقام من الأعداء الشياطين وإعلان برهم (رؤ 6: 9). ع85: الْمُتَكَبِّرُونَ قَدْ كَرَوْا لِي حَفَائِرَ. ذلِكَ لَيْسَ حَسَبَ شَرِيعَتِكَ. كروا لي حفائر: حفروا لي حفر المتكبرون هم الشياطين، وكل الأشرار الذين يتبعونهم. هؤلاء يقومون على الأبرار مثل داود، ويدبرون لهم مكايد؛ ليسقطوهم في فخاخهم، كما يحفر الصياد حفر لاصطياد وحوش، أي أن الشياطين تدبر حيل خبيثة لخداع أولاد الله. وهذا الشرط بالطبع ضد شريعة الله. هذه المكايد وضعها اليهود للمسيح، فحاولوا اصطياده بكلمة مرات كثيرة، بل حاولوا قتله عدة مرات. كل هذا أظهر أنهم أبناء إبليس، ويسلكون ضد وصايا الله. ع86، 87: كُلُّ وَصَايَاكَ أَمَانَةٌ. زُورًا يَضْطَهِدُونَنِي. أَعِنِّي. لَوْلاَ قَلِيلٌ لأَفْنَوْنِي مِنَ الأَرْضِ. أَمَّا أَنَا فَلَمْ أَتْرُكْ وَصَايَاكَ. زورًا يضطهدونني: اتهامات ظالمة باطلة على الجانب الآخر نجد الأبرار يسلكون بوصايا الله بكل أمانة، ولا يتأثرون بشر الأشرار، واتهاماتهم الزور، ولكن يطلبون فقط معونة الله لتساندهم وتكشف حيل إبليس، وتنصرهم على الشياطين. هذا ما فعله المسيح إذ خدم بكل أمانة، وعلم الجموع، وشفى المرضى، وعندما صلبوه احتمل العذابات ومات، ولكن قام من الأموات بقوة لاهوته. عددا (85، 86) تبين حروب إبليس التي تقابل كل مؤمن في حياته الروحية، ولكن عندما يسلك بأمانة في وصايا الله يسنده، ويعينه، فينتصر على كل الشر. ع88: حَسَبَ رَحْمَتِكَ أَحْيِنِي، فَأَحْفَظَ شَهَادَاتِ فَمِكَ. يختم داود هذا الجزء بكلمات معزية، إذ يطلب مراحم الله الكثيرة الغير محدودة، التي هي رجاءه في الحياة، وبها يستطيع أن يحيا وسط التجارب والضيقات، بل يتمتع بعشرة الله ويفرح. بالإضافة إلى هذا، إذ يحيا مع الله يشفق على الأشرار، ويعلم أن الخطية ضعف، فلا يتضايق منهم، بل يصلي لأجلهم. إذ يختبر داود مراحم الله وعنايته، ليس فقط يحب الله، بل أيضًا يحفظ شهادات فمه التي هي وصاياه، وشريعته. وهي أيضًا تعاليم المسيح المذكورة في الكتاب المقدس. فالمسيح بتجسده هو فم الله، وأكثر من هذا هي كل كلمات الكتاب المقدس. وفم الله أيضًا هو كرازة الرسل والكهنة وكل الخدام. † لا تنزعج من إساءات من حولك، بل على العكس اطلب معونة الله، وتمسك بوصاياه، وأسرار الكنيسة، فتتقوى، ويمتلئ قلبك سلامًا، بل تستطيع أن تحب من يسئ إليك، وتصلي لأجله. كلمة الله ثابتة سماوية لا نهائية (ع 89-96): الهدف: بعد انتظار خلاص الله واحتمال مكايد الأشرار، يتمتع المؤمن بوصايا الله السماوية، والتي تصلح لكل جيل، ويطلبها ويرددها، ويفهمها، ويختبر اتساعها. ع89: إِلَى الأَبَدِ يَا رَبُّ كَلِمَتُكَ مُثَبَّتَةٌ فِي السَّمَاوَاتِ. إذ رأى داود مكايد الأشرار واضطرابهم ورفضهم كلام الله، نظر إلى السماء حيث الثبات. فالله ثابت، ومخلوقاته مثل السماء ثابتة، وكلامه أيضًا ثابت، يتمسك به كل الخلائق السماوية، أي الملائكة. وعلى قدر ما يتمسك الإنسان بوصايا الله يحتفظ بسلامه، وثباته، ويصير سماويًا، ومهيًا لسكنى الملكوت. وعلى العكس، فبرفض الأشرار كلام الله يكونون مضطربين، ويتباعدون عن الله ويسرعون، إلى نهايتهم المحتومة، وهي العذاب الأبدي. المسيح هو كلمة الله الثابت في السموات منذ الأزل وإلى الأبد، وتجسد في ملء الزمان ليفدينا، ولكنه أعد لنا مكانًا سماويًا، وينتظرنا لنرتفع إليه بعد حياتنا على الأرض، ونثبت فيه إلى الأبد. كلام الله ووعوده وإن كان يبدو بعيدًا كبعد السموات عن الأرض، ولكنه ثابت لا يمكن أن يتغير كما أعلن المسيح (مر 13: 31)، ولابد أن يتحقق ولو بعد حين. وانتظار وعود الله يرفع قلب الإنسان إلى السماء، فيسمو عن كل الشهوات الأرضية، ويحيا سماويًا نقيًا أمام الله. ع90، 91: إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ أَمَانَتُكَ. أَسَّسْتَ الأَرْضَ فَثَبَتَتْ. عَلَى أَحْكَامِكَ ثَبَتَتِ الْيَوْمَ، لأَنَّ الْكُلَّ عَبِيدُكَ. الله الثابت ثبت أيضًا خلائقه، ليس فقط السموات، بل الأرض أيضًا بكل ظروفها من نهار وليل والفصول الأربعة. فكل الخلائق؛ سواء الشمس، أو الهواء، أو الأرض كلها عبيد لله، أي خاضعة له. وبالتالي يكون كلام الله ووعوده ثابتة. إن كانت أمانة الله ثابتة من دور إلى دور، فيقصد ثباته في عنايته ووصاياه لشعب اليهود قديمًا، ثم الدور الثاني، أو الجيل الثاني و هو كنيسة العهد الجديد، فوعوده ووصاياه للكنيسة ثابتة، وتظل أحكامه وكلامه ثابتة إلى الأبد في الأبدية. ع92، 93: لَوْ لَمْ تَكُنْ شَرِيعَتُكَ لَذَّتِي، لَهَلَكْتُ حِينَئِذٍ فِي مَذَلَّتِي. إِلَى الدَّهْرِ لاَ أَنْسَى وَصَايَاكَ، لأَنَّكَ بِهَا أَحْيَيْتَنِي. يتذكر داود النبي أنه كان ساقطًا في الخطية التي سببت له الذل، ولكن عندما رجع إلى الله وأخذ يتلو كلامه تلذذ به؛ لأنه غفر له خطاياه، بل ومتعه بعشرته. فلهذا فهو يعد الله ألا ينسى كلامه إلى الدهر، أي طوال عمره؛ لأن كلام الله هو سر حياته. إن كان الشيطان يريد إسقاط المؤمن في الخطية، فالحماية من حروبه في تكرار وصايا الله وترديدها، والتلذذ بها، بهذا يحيا مع الله، ويكون محصنًا فيه، وبالتالي لا يترك وصايا الله طوال العمر؛ حتى أيضًا في الآبدية يظل يتمتع أيضًا بكلام الله، بل هناك تتجلى حلاوة كلام الله أكثر فأكثر. ع94، 95: لَكَ أَنَا فَخَلِّصْنِي، لأَنِّي طَلَبْتُ وَصَايَاكَ. إِيَّايَ انْتَظَرَ الأَشْرَارُ لِيُهْلِكُونِي. بِشَهَادَاتِكَ أَفْطُنُ. أفطن: افهم. إذ تلذذ داود بكلام الله، وأخذ يتلو فيه دائمًا سلم حياته لله، فقال له" لك أنا فخلصني" لأني طلبت وصاياك، وأظل أطلبها طوال حياتي. ولهذا تعمل النعمة الإلهية فيه بقوة، وتحفظه وتحميه، مهما أحاط به الأشرار، وحاولوا إهلاكه، ولكنه تمسك بفهم وترديد شهادات الله ووصاياه. ع96: لِكُلِّ كَمَال رَأَيْتُ حَدًّا، أَمَّا وَصِيَّتُكَ فَوَاسِعَةٌ جِدًّا. كل شيء يبدو قويًا أو كاملًا في العالم له نهاية، فداود رأى جليات الجبار الذي لا يستطيع أحد أن يقف أمامه يسقط بحصى من مقلاع، وأبشالوم قائد الجيش العظيم يموت معلقًا بشعره في شجرة. أما وصايا الله فليس لها نهاية، بل هي كنز كلما يقرأه يجد فيه معاني وأفكار جديدة، وليس هذا فقط أيام داود، بل حتى اليوم، فالإمبراطوريات تسقط، وكل قوة في العالم تنهار، أما كلام الله فغنى، ولا يستطيع أحد أن يدرك كل أعماقه. وكل كمالات العالم، أي الماديات التي يراها داود تامة وكاملة فهي أيضًا محدودة، أما كلمة الله فواسعة وليس لها حدود، لأنها مرتبطة بشخصه الإلهي غير المحدود. إن كلمة الله ومعرفته، وعقله هو الابن المتجسد في ملء الزمان، المسيح إلهنا، وهو غير محدود، أما كل كلام العالم، وكل شيء عظيم له حدود، والمسيح إلهنا فوق كل قوة في العالم، ويدوم إلى الأبد. † عندما تقرأ الكتاب المقدس كل يوم اطلب من الله أن يكشف لك عن أسراره فتفهم معاني جديدة مشبعة لنفسك؛ لتحيا بها، وهكذا تسمع صوت الله كرسالة شخصية لك كل يوم. وليتك تحفظ الآية التي أعجبتك لترددها دائمًا. حلاوة كلمة الله (ع 97-104): الهدف: عندما أدرك داود ثبات كلمة الله وسموها،واتساعها أحبها جدًا وتعلمها وتمسك بها؛ حتى أنه أبغض كل شر وكذب. ع97: كَمْ أَحْبَبْتُ شَرِيعَتَكَ! الْيَوْمَ كُلَّهُ هِيَ لَهَجِي. تذوق داود حلاوة كلمة الله فأحبها جدًا؛ حتى صار يرددها طوال اليوم، بل طوال عمره فزاد حبه لها، وحفظها، أي طبقها في حياته، فاختبر أعماق جديدة فيها، وتمتع تمتعًا لا يعبر عنه. ع98: وَصِيَّتُكَ جَعَلَتْنِي أَحْكَمَ مِنْ أَعْدَائِي، لأَنَّهَا إِلَى الدَّهْرِ هِيَ لِي. إذ تمسك داود بكلمة الله، اقتنى فهمًا ومعرفة أكثر من أعدائه الشياطين، فاستطاع أن يكتشف حيلهم، ويبتعد عنها، فزاد تمسكه بكلمة الله، وشعر أنها له، أي حياته، بل هو أيضًا ملك لها، فعاش بها وزاد تأثيرها عليه. هذه الآية نبوة عن المسيحيين، فيستطيع كل مؤمن في العهد الجديد أن يفهم ويعرف الله أكثر من اليهود الذين صلبوا المسيح، واضطهدوا الرسل والمسيحيين، لأن المؤمن في العهد الجديد ينال فهمًا بالروح القدس للوصية أكثر عمقًا وكمالًا من اليهود. ع99، 100: أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ مُعَلِّمِيَّ تَعَقَّلْتُ، لأَنَّ شَهَادَاتِكَ هِيَ لَهَجِي. أَكْثَرَ مِنَ الشُّيُوخِ فَطِنْتُ، لأَنِّي حَفِظْتُ وَصَايَاكَ. فطنت: فهمت تعلم داود على يد معلمين، واستفاد من الشيوخ، ولكن في نفس الوقت ارتبط بكلام الله، وحفظه، وحاول أن يحيا به، وكان يردده ويتمتع بالتأمل فيه، فأعطاه الله فهمًا وحكمة إضافية؛ حتى صار يفهم أكثر ممن تعلم منهم ومن الشيوخ، أي وهبه الله وهو صغير حكمة الشيوخ؛ لأنه تعلق بكلام الله. قابل داود معلمين وشيوخ يعرفون معلومات كثيرة من العالم، وليسوا معلمين للشريعة وكلام الله، فاستفاد منهم، ولكن تعلم أكثر، ونال حكمة عظيمة من حفظ ودراسة وتأمل كلام الله. تنطبق هاتان الآيتان على المسيح الذي فهم أكثر من المعلمين وشيوخ اليهود؛ لأنه هو كلمة الله، وهو مصدر الحكمة منذ الأزل، وهي لهجه، ويحفظها بالطبع لأنه هو نفسه كلمة الله، وقد ظهرت حكمة المسيح عندما جلس في الهيكل بين المعلمين واندهش كل سامعيه من حكمته (لو 2: 46، 47). المؤمنون في العهد الجديد عندما عرفوا المسيح كلمة الله، وحفظوا كلامه، لهجوا بها فنالوا حكمة أكثر من كل معلمي اليهود وشيوخهم الذين تعلموا منهم. فتعاليم المسيح بالطبع هي التعاليم الكاملة، أما تعاليم المعلمين وشيوخ اليهود فكانت عن الناموس الذي يرمز ويؤدي للمسيح. فالرسل كانوا أكثر حداثة من شيوخ اليهود في معرفة الله، ولكن وهبهم الروح القدس حكمة وفهم لكلام الله أكثر من شيوخ اليهود. ع101، 102: مِنْ كُلِّ طَرِيقِ شَرّ مَنَعْتُ رِجْلَيَّ، لِكَيْ أَحْفَظَ كَلاَمَكَ. عَنْ أَحْكَامِكَ لَمْ أَمِلْ، لأَنَّكَ أَنْتَ عَلَّمْتَنِي. ارتباط داود بكلام الله ساعده أن يبتعد عن الشر، بل وأحب كلام الله لدرجة أنه اهتم أن يحفظه، ليس فقط بذهنه، بل يحيا به. ومهما كانت محاولات الشيطان أن يبعده عن وصايا الله، لم يتركها أو يبتعد عنها؛ لأن الله علمه من خلال الوصية أنها هي الحياة، ولا حياة بدونها. يظهر في هاتين الآيتين أهمية الجهاد الروحي في منع داود رجليه عن السلوك في الشر، وعدم الحيدان عن طريق وصايا الله، فوهبته النعمة هذا الميل الروحي، بل وعلمته أن يحيا بها. ع103: مَا أَحْلَى قَوْلَكَ لِحَنَكِي! أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ لِفَمِي. بعد أن ابتعد داود عن طرق الشر، وانشغل بكلمة الله اكتشف حلاوتها في فمه، أحلى من كل حلاوة في العالم، والتي عبر عنها بالعسل، أي أنه تذوق أعماق جديدة من حلاوة كلام الله، فزاد تمسكه به. وهكذا يظهر داود أن كلام الله هو طعام روحي يشبع النفس كما أن الطعام الجسدي يشبع الجسد. ع104: مِنْ وَصَايَاكَ أَتَفَطَّنُ، لِذلِكَ أَبْغَضْتُ كُلَّ طَرِيقِ كَذِبٍ. باستمرار تذوق داود لحلاوة كلام الله اكتسب حكمة " تفطن " جعلته يبتعد عن كل شيء، أي أن التعمق في فهم كلمة الله، يبعد الإنسان تلقائيًا عن طرق الشر، والعكس صحيح؛ من يتهاون في حفظ كلام الله يسقط بسهولة في الشر. فالحكمة التي ينالها الإنسان من حفظ كلام الله تفوق كل معرفة، أو خبرة أو ذكاء في العالم. † لا تكتف بقراءة الكتاب المقدس كل يوم، بل ليتك تتأمل في كلام الله، وتصلى حتى يكشف لك الله عن حلاوة كلامه، فتشبع به، بل يتحول كلام الله إلى حياة جديدة تشعر بحلاوتها وسموها عن أعمال العالم. الاستنارة الروحية (ع 105-112): الهدف: بعد التمتع بحلاوة كلمة الله اختبر داود الاستنارة الروحية من خلال كلام الله، فتمسك بها، وتعهد أن يحيا بها، فصارت بهجة قلبه وأنقذته من فخاخ الأشرار. ع105: سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي. أحب داود كلام الله، وتذوق حلاوته، فانفتح قلبه له، وحينئذ أنار له الله بكلمته طريق الحياة المملوء بفخاخ الشياطين وظلمة الخطية، فسار فيه بخطى واسعة وسلام، مميزًا الخير، ورافضًا الشر. المسيح كلمة الله هو نور العالم الذي ينير لنا الطريق، بل هو الطريق الذي نسلك فيه مطمئنين، متمسكين بوصاياه، وفرحين بعشرته، فلا نضل أبدًا. ع106: حَلَفْتُ فَأَبِرُّهُ، أَنْ أَحْفَظَ أَحْكَامَ بِرِّكَ. أبره: أوفى ما تعهدت به كان القسم باسم الله في العهد القديم مسموحًا به؛ حتى يثبت المؤمنون في الله، ولا يحلفوا بالآلهة الغريبة، ولذا حلف داود هنا وتعهد أن يحفظ كلام الله ليحيا به، فيسير في طريق البر؛ لأنه لا سبيل للبر والصلاح إلا بحفظ كلام الله. وجيد لداود ولكل مؤمن في العهد الجديد أن يجدد عهوده كل يوم لله ليحفظ كلامه، ويسلك بالبر من خلال كلمات الكتاب المقدس، ولو يردد آية واحدة طوال اليوم. ع107: تَذَلَّلْتُ إِلَى الْغَايَةِ. يَا رَبُّ، أَحْيِنِي حَسَبَ كَلاَمِكَ. يعبر داود عن الضيقات التي مرَّ بها فدفعته أن يتذلل باتضاع، طالبًا معونة الله القادر أن يخرجه من الضيقة - التي تكاد تقتله - بالحياة التي يهبها له من خلال كلامه. تذلل داود يعبر عن توبته أمام الله عن خطاياه، طالبًا الغفران والحياة الجديدة التي ينالها بحسب وعود الله وكلامه المحيي. ع108: ارْتَضِ بِمَنْدُوبَاتِ فَمِي يَا رَبُّ، وَأَحْكَامَكَ عَلِّمْنِي. مندوبات: هي ما يتعهد به الإنسان بإيفائه لله، مثل النذور، أو الصلوات. بعد أن شبع داود بكلام الله، وتعلق قلبه به، يترجى الله أن يتنازل ويرضى، ويقبل تعهدات فمه، أي وعوده له التي يقدمها كمحبة له، بالإضافة إلى ما تأمره به وصايا الله. فقد أحب الله لدرجة أنه يريد التعبير بكل وسيلة له عن محبته، سواء بالصلوات، أو بالسهر، أو بالعطاء. شعر داود أن كل الحب الذي تحرك داخله هو من حفظه كلام الله، لذا يطلب باشتياق من الله أن يعلمه أحكامه، أي يعلمه أمورًا جديدة من أحكامه ووصاياه؛ ليدخل إلى العمق، ويتمتع أكثر، وأكثر. ع109: نَفْسِي دَائِمًا فِي كَفِّي، أَمَّا شَرِيعَتُكَ فَلَمْ أَنْسَهَا. تعرض داود للموت عدة مرات على يد شاول وأبشالوم، فكان متوقعًا الموت في أية لحظة، ولذا سلم حياته لله، وقال "نفسي دائمًا في كفي". ولم يحاربه اليأس، بل على العكس عاش لله، وتعلق بوصاياه ولم ينسها أبدًا، فهو مثال رائع للإيجابية وسط الضيقات، أي أن الضيقات دفعته للتعلق بالله ووصاياه، وتسليم حياته كلها له، فاختبر قوة الله والاتكال عليه. ع110: الأَشْرَارُ وَضَعُوا لِي فَخًّا، أَمَّا وَصَايَاكَ فَلَمْ أَضِلَّ عَنْهَا. الشياطين وكل من يتبعهم من أشرار يحاولون إسقاط الأبرار في مكايد وفخاخ، ولكن طالما الأبرار متمسكون بوصايا الله، فهي تنير لهم الطريق؛ حتى لا يسقطوا في هذه الفخاخ وترشدهم في كل شيء، فيزداد تمسكهم بالوصية ولا يضلوا عنها. ع111، 112: وَرِثْتُ شَهَادَاتِكَ إِلَى الدَّهْرِ، لأَنَّهَا هِيَ بَهْجَةُ قَلْبِي. عَطَفْتُ قَلْبِي لأَصْنَعَ فَرَائِضَكَ إِلَى الدَّهْرِ إِلَى النِّهَايَةِ. عطفت قلبي: وجهت وجعلت قلبي يميل. إن كان اليهود تمسكوا بميراث أرض كنعان؛ لأنها من الله، فداود شعر بالأولى أن ميراثه الحقيقي هو شهادات الله ووصاياه، فهي التي يحيا بها طوال حياته، بل يظل يتأمل فيها إلى الأبد، خاصة وأنها تعطيه فرح يدوم معه إلى الأبد. من أجل هذا تعلق بالوصية، وجذبت قلبه إليها، فمال إلى تنفيذها طوال حياته، وكانت عيناه على الملكوت، كما تقول الترجمة السبعينية " من أجل المكافأة ". واهتم بفرائض الله، أي عبادته طوال العمر. † عندما تسقط في خطية، أو تحتار في أمر ما، فأسرع إلى قراءة الكتاب المقدس لينير لك الطريق، ويقودك للتوبة، وفعل البر، بل يحدد لك ويرشدك في كل خطواتك. مساندة الله (ع 113-120): الهدف: بعد أن اختبر داود الاستنارة الروحية من خلال وصايا الله، طلب مساندته؛ ليبتعد عن الأشرار، ويتمسك بعبادته، ويعيش في مخافته. ع113: الْمُتَقَلِّبِينَ أَبْغَضْتُ، وَشَرِيعَتَكَ أَحْبَبْتُ. تضايق داود ممن يتقلبون بين الخير والشر، وأبغض شرورهم، وزادت محبته لوصايا الله. وكلما أحب وصايا الله تضايق وتباعد عن الشر، وكل من يصنعونه؛ حتى لا يشترك معهم في أفعالهم، وتباعد عن الاضطراب الذي يحيون فيه؛ لأنه تذوق الاستقرار والسلام الذي يناله من خلال حفظ وصايا الله. ع114، 115: سِتْرِي وَمِجَنِّي أَنْتَ. كَلاَمَكَ انْتَظَرْتُ. انْصَرِفُوا عَنِّي أَيُّهَا الأَشْرَارُ، فَأَحْفَظَ وَصَايَا إِلهِي. مجني: المجن هو الترس الكبير. والترس هو آلة دفاعية عبارة عن قطعة خشبية لها عروة من الخلف يدخل فيها الجندي يده ويحركها أمام وجهه وجسده؛ ليحمي نفسه من سهام الأعداء يشعر داود أمام الأشرار المتقلبين حوله أن سلوكهم وأفكارهم تعطله عن الله، فيهرب منهم بالصلاة، حيث يستتر بالله، ويحتمي به، وفي صلاته ينتظر كلام الله الذي يشبعه ويحيمه، ويستر عليه. وعندما يبتعد عنه الأشرار تكون له فرصة هادئة لحفظ وصايا الله، والتأمل فيها، والتمتع بترديدها. يطلب من الله أن يبعد عنه الأشرار؛ أي أفكاره الشريرة، ويستتر ويحتمي بترديد كلام الله، والتلذذ بالتأمل فيه ع116، 117: اعْضُدْنِي حَسَبَ قَوْلِكَ فَأَحْيَا، وَلاَ تُخْزِنِي مِنْ رَجَائِي. أَسْنِدْنِي فَأَخْلُصَ، وَأُرَاعِيَ فَرَائِضَكَ دَائِمًا. أعضدني: أعني وساعدني. يشعر داود أن أفكار الشر، وتصرفات الأشرار تكاد تميته، ولكن رجاءه هو في معونة الله بحسب وعده له، فيحيا. وبمساندة الله له ينال الخلاص، ويعبر عن محبته للبر في تمسكه بالعبادة المقدسة. يظهر هنا عمل النعمة المساند للجهاد، فداود يعتمد على نعمة الله التي تدفعه في جهاده الروحي، ويشجعه أيضًا نظره للأبدية، أي الحياة الجديدة، حيث ينال الخلاص الكامل. ع118، 119: احْتَقَرْتَ كُلَّ الضَّالِّينَ عَنْ فَرَائِضِكَ، لأَنَّ مَكْرَهُمْ بَاطِلٌ. كَزَغَل عَزَلْتَ كُلَّ أَشْرَارِ الأَرْضِ، لِذلِكَ أَحْبَبْتُ شَهَادَاتِكَ. الزغل: هو الشوائب التي يفصلها الصانع عن المعادن. لكيما يحيا داود مع الله احتقر أفكار وسلوك الضالين عن الله، الذين ضلوا بسبب تمسكهم بأفكار شريرة باطلة، وظنوا أنها تعطي سعادة، مع أنها كلها ماديات زائلة. فهو لا يحتقر الضالين في حد ذاتهم، ولكن يحتقر الضلال والفكر الشرير، ويعتبر سلوك الأشرار كزغل، أي شوائب بلا قيمة، فيتباعد عنهم، ويلتصق بكلام الله. وهكذا يبتعد عن المعاشرات الردية ؛ حتى لا تفسد حياته (1 كو 15: 33) ع120: قَدِ اقْشَعَرَّ لَحْمِي مِنْ رُعْبِكَ، وَمِنْ أَحْكَامِكَ جَزِعْتُ. جزعت: خفت. إذ رأي داود الأشرار والشرور المحيطة به، تذكر دينونة الله، فصار جسده في قشعريرة، وارتعب، وتذكر أن الله سيدينه بكلامه إن اختلط بالأشرار، وبالتالي هرب من كل شر، وتمسك بأحكام الله التي تعطيه سلامًا وطمأنينة. † حاسب نفسك في نهاية كل يوم، وتذكر أعمال الله ورعايته طوال يومك لتشكره. ومن ناحية أخرى تذكر خطاياك التي فعلتها أمام الله المهوب العادل لتتوب عنها، وتطلب مراحمه، وتعده أن تحيا حياة نقية بمعونته. الثبات وحفظ الوصية (ع 121-128): الهدف: بعد اختبار البار لمساندة الله يطلب منه أن يحميه من الأشرار، ويرحمه، ويعرفه كلامه، فيحبه ويحيا به في الطريق المستقيم. ع121: أَجْرَيْتُ حُكْمًا وَعَدْلًا. لاَ تُسْلِمْنِي إِلَى ظَالِمِيَّ. سار داود الملك في طريق الله، وثبت العدل في مملكته وفي أحكامه، من أجل مخافته لله، كما انتهت القطعة السابقة. ويتضرع إلى الله هنا أن يحيمه، ولا يترك الأشرار الظالمين يسيئون إليه، ويظلمونه، بل يعامله الله بالعدل لأن الله عادل ورحيم. داود هنا لا يتكبر عندما يقول قد أجريت العدل، بل يتوسل إلى الله العادل الذي يفهمه ليحميه من الظالمين، خاصة وأنه حاول تطبيق وصايا الله وعدله، فيطلب مراحم الله. ع122: كُنْ ضَامِنَ عَبْدِكَ لِلْخَيْرِ، لِكَيْلاَ يَظْلِمَنِي الْمُسْتَكْبِرُونَ. يطلب داود من الله باتضاع أن يشمله برعايته، فيضمن له الخير برحمته، حتى لا يظلمه الشياطين وتابعيهم الأشرار الظالمين. فهو يشعر بضعفه أمام قوة الأشرار ولا ضمان له إلا حماية الله. هذه الآية نبوة عن المسيح الفادي الذي يقدم لنا الخلاص ويضمن لنا الخير، ويخلصنا من أيدي الشياطين المتكبرين. ع123: كَلَّتْ عَيْنَايَ اشْتِيَاقًا إِلَى خَلاَصِكَ وَإِلَى كَلِمَةِ بِرِّكَ. كلَّت: تعبت. داود ينتظر خلاص الله، ويرفع صلوات مستمرة، بل وتنسكب عيناه في دموع كثيرة؛ حتى كلت عيناه، ولكنه لم ييأس، وظل منتظرًا كلام الله الذي يساعده على حياة البر، فهو مشتاق إلى الله، ولا يستطيع أن يحيا بدون كلامه. رفع داود عينيه بروح النبوة، منتظرًا الخلاص الذي يتممه المسيح في ملء الزمان على الصليب، ويرى الكلمة البار القدوس يفدي البشرية، فيفرح قلوب كل من انتظروه في العهد القديم، وكذلك المؤمنين به في العهد الجديد. ع124، 125: اصْنَعْ مَعَ عَبْدِكَ حَسَبَ رَحْمَتِكَ، وَفَرَائِضَكَ عَلِّمْنِي. عَبْدُكَ أَنَا. فَهِّمْنِي فَأَعْرِفَ شَهَادَاتِكَ. باتضاع يطلب داود عناية الله ورعايته له بحسب رحمة الله، وليس حسب استحقاقه؛ إذ يشعر أنه لا يستحق شيئًا لأجل كثرة خطاياه. وهو مشتاق أن ينال فهمًا روحيًا؛ ليتمسك بعبادة الله التي هي فرائضه، وكذا شهاداته التي هي كلامه. على قدر ما يطلب الإنسان من الله أن يعطيه فهمًا تنسكب عليه مراحم الله وحكمته. فالله يعطي لأولاده بحسب إحساسهم بالاحتياج إليه، وإيمانهم به، ومحبتهم له الظاهرة في صلوات كثيرة. ع126: إِنَّهُ وَقْتُ عَمَل لِلرَّبِّ. قَدْ نَقَضُوا شَرِيعَتَكَ. شعر داود بابتعاد الناس عن شريعة الله وناموسه، إذ انغمسوا في خطايا كثيرة. فغار غيرة الله، وشعر أنه ينبغي أن يُعمل بكل سرعة وقوة لإعلان اسم الله وإعادة النفوس إليه، أي ضرورة الخدمة والتبشير باسم الله؛ لإعادة أولاده إليه. يقول داود هذه الآية بروح النبوة عن المسيح، أي أن المسيح يقول في ملء الزمان أنه وقت يُعمل فيه للرب، أي يقدم نفسه على الصليب بعد أن كرز، وعمل معجزات كثيرة؛ لجذب النفوس البعيدة التي تركت شريعة الله. ع127، 128: لأَجْلِ ذلِكَ أَحْبَبْتُ وَصَايَاكَ أَكْثَرَ مِنَ الذَّهَبِ وَالإِبْرِيزِ. لأَجْلِ ذلِكَ حَسِبْتُ كُلَّ وَصَايَاكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ مُسْتَقِيمَةً. كُلَّ طَرِيقِ كَذِبٍ أَبْغَضْتُ. الإبريز: الذهب الخالص أحب داود وصايا الله، فعمل بها، وجعلت حياته مستقيمة، وأبعدته عن طرق الكذب والشر. فأبغض الطرق الشريرة المنحرفة، وازداد كل يوم تمسكًا بوصايا الله لأنها مستقيمة، وتقوم وتصحح حياته كلما عاش بها. عندما أحب داود وصايا الله ساعده هذا على تطبيقها، خاصة وأنه أحبها أكثر من الذهب الذي تعمل منه أثمن الأصنام. فعبادة الله فوق جميع العبادات والآلهة. وأيضًا وصايا الله أفضل من كل شهوات العالم و مادياته حتى الثمين منها، مثل الذهب. † اليوم يوم مقبول والساعة ساعة خلاص، فليتك تقوم؛ لتحيا في وصايا الله، فتختبرها، وتتمتع بها، فتستطيع حينئذ أن تعلمها لمن حولك لأنهم ابتعدوا عن الله وكلامه وانغمسوا في شهوات العالم، وفي حاجة شديدة أن يروا صورة حية لأولاد الله الذين يعيشون بكلامه. آثار عجيبة (ع 129-136): الهدف: الثبات في كلمة الله دفع البار للدخول في أعماق الوصية، فاكتشف أثارها المتنوعة في الاستنارة، والابتعاد عن الخطية، وحفظ الوصية، والحزن على الخطاة. ع129: عَجِيبَةٌ هِيَ شَهَادَاتُكَ، لِذلِكَ حَفِظَتْهَا نَفْسِي. يشعر داود أن كلمات الله عجيبة؛ لأنها تدور حول فكرة واحدة رغم اختلاف زمن كتابتها، وهذه الفكرة هي المسيح المخلص العجيب في أعماله، كما ذكر أشعياء (أش 9: 6). وكلما قرأناها وتأملنا فيها نجد أعماقًا جديدة: لأن الله غير محدود وأعماق كلامه لا نهاية له. شهادات الله هي أيضًا أعماله في الخليقة كلها التي تحدث بمجده، والتأمل فيها يظهر لنا عظمة الله ومحبته. ولذا حفظها داود، ليس في فكره فقط، بل في نفسه، أي بفكره ومشاعره، فعاشت في داخله وأثرت على أعماله وكل حياته. ع130: فَتْحُ كَلاَمِكَ يُنِيرُ، يُعَقِّلُ الْجُهَّالَ. شعر داود أنه مبتدئ في معرفته لكلام الله. وأنه فتح ذهنه ليفهم كلام الله، فاستنار به. ورأى بروح النبوة أن المسيح سيأتي في ملء الزمان، وهو كلمة الله، ويعطي الخلاص للبشرية، فيظهر أعماقًا جديدة لكلمة الله، بل وتزداد الإعلانات الإلهية عن كلمة الله في الأبدية. وكلما قرأ الإنسان كلام الله يعطيه بركة وفهمًا جديدًا بحسب احتياجه واشتياقه لمعرفة الله. الذي يستنير هم الجهال، أو البسطاء، أو الأطفال، أي الذين يشعرون بجهلهم وضعفهم، فيهبهم الله معرفته، أما المتكبرون فلا يعرفون شيئًا، ويعيشون في سطحية وفلسفة لا تجدي، إذ لا يدخلون في أعماق كلمة الله ولا حتى يفهمونها، بل هم أسرى لعقولهم، وغير خاضعين لله؛ حتى يعطيهم فهمًا. ع131: فَغَرْتُ فَمِي وَلَهَثْتُ، لأَنِّي إِلَى وَصَايَاكَ اشْتَقْتُ. فغرت: فتحت. لهثت: أخرجت لساني من شدة العطش والتعب. باتضاع شديد يعلن داود عطشه لماء الحياة الذي هو كلمة الله، فيقول إني فتحت فمي، وأظهرت عطشي لكلمة الله، واحتياجي للهواء الذي أتنفسه الذي هو روح الله؛ أي أن كلام الله هو الماء والهواء والحياة التي يشتاق إليها داود. ويعلن عجزه عن الحصول عليها بنفسه؛ لذا يفتح فمه ليعطيه الله. هذه الآية يعلنها الكاهن يوم سيامته، ويرددها بحسب الترجمة السبعينية "فتحت فمي واجتذبت لي روحًا" ويفتح فمه، فينفخ في فمه الآب البطريرك، أو الأسقف ليقبل الروح القدس، وينال نعمة خاصة لممارسة سر الكهنوت بكل مسئولياته. فالكاهن يعلن احتياجه للروح القدس وكلمة الله، التي يشتاق إليها مثل داود. ع132: الْتَفِتْ إِلَيَّ وَارْحَمْنِي، كَحَقِّ مُحِبِّي اسْمِكَ. يواصل داود إعلان ضعفه واحتياجه لله، فيطلب منه أن يلتفت إليه؛ لأن مجرد التفات الله يعطيه كل البركات. هذا الالتفات هو بحسب رحمة الله وليس حسب استحقاقه داود، وهذا يؤكد اتضاع داود. الله يرحم محبي اسمه وهم التائبين عن خطاياهم والسالكين بالبر، وداود يعلن توبته، ويحاول السلوك بالبر؛ لذا يترجى الله أن يرحمه. وعندما يقول "بحق محبي اسمك" لا يقصد أن هذا حقه، ويطالب الله به كأنه يداين الله، ولكنه يقصد التعبير عن احتياجه -كمحب لله- لغفرانه ومساندته؛ ليحيا في البر والفضيلة. ع133: ثَبِّتْ خُطُوَاتِي فِي كَلِمَتِكَ، وَلاَ يَتَسَلَّطْ عَلَيَّ إِثْمٌ. يطلب أيضًا داود من الله أن يثبته في قراءة كلامه، والتأمل فيه، وترديده، وتحويله إلى سلوك؛ لأنه بهذا الثبات لا يتسلط عليه الشر، حتى وإن حاربته خطية، أو سقط فيها، يسرع إلى التوبة ليحيا بكلام الله، أي أن كلام الله يحميه من الخطية، وكلما ثبت فيه ارتفع عن الشر. ع134: افْدِنِي مِنْ ظُلْمِ الإِنْسَانِ، فَأَحْفَظَ وَصَايَاكَ. يطلب داود من الله أن يفديه، وينقذه من ظلم الإنسان، أي من يعادونه، ويحاولون قتله، مثل شاول ورجاله؛ حتى يستطيع أن يذهب إلى هيكل الله ويقترب إليه، وهذا يساعده على حفظ وصاياه. وهو بهذا لا يتذمر على الضيقة، ولكن يطلب فرصة أوسع لحفظ وصايا الله، والله قادر داخل الضيقة أن يعطيه سلامًا، وقوة ليحفظ وصاياه ولا يتعطل بسبب الضيقة، أو يسقط في خطايا متنوعة، بل ليثبت في وصايا الله. نظر داود بروح النبوة، فرأى المسيح المخلص الفادي، القادر أن يخلصه من ظلم الأشرار الذين يستتر وراءهم إبليس، أي يخلصه من الشياطين الظالمين، فيتيح له هذا فرصة لحفظ وصايا الله. ع135: أَضِئْ بِوَجْهِكَ عَلَى عَبْدِكَ، وَعَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ. يترجى داود الله أن يضئ عليه بوجهه، أي ينظر إليه، والله هو مصدر النور، فيستنير داود، وحينئذ يتعلم من الله أحكامه. يعلن داود أنه عبد الله، أي تابع له، فهذا يؤكد اتضاعه، ومحبته لله، وأن أية استنارة ينالها داود ليست منه، بل من الله. وحينئذ يهتم ويرعى من حوله، فيعطيهم مما أعطاه له الله، أي يعطي هذه الاستنارة وتعليم كلام الله باتضاع. يشتاق داود إلى وجه الله -أي المسيح المتجسد في ملء الزمان- الذي يضئ عليه، وعلى كل المؤمنين في العهد القديم والجديد، فيتعلم الكل أحكامه. ع136: جَدَاوِلُ مِيَاهٍ جَرَتْ مِنْ عَيْنَيَّ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَحْفَظُوا شَرِيعَتَكَ. جداول مياه: جمع جدول وهو النهر الصغير. عندما استضاء داود بوجه الله تحرك إحساسه بالبعيدين عن الله، الذين لم يحفظوا وصاياه، وانغمسوا في شرورهم، فصلى لأجلهم، وبكى عليهم كثيرًا. ويعبر عن كثرة بكائه بتشبيه أنه جرت من عينيه مياه كثيرة كأنها جداول مياه. وبهذا يستدر مراحم الله على نفسه، وعلى البعيدين ليرحمهم، ويجتذبهم إليه. † انظر إلى الله بصلوات كثيرة، حينئذ ينفتح قلبك لتشعر بمعاناة البعيدين عن الله، وتصلي لأجلهم كل يوم في صلاتك، وثق أن صلاتك غالية جدًا عنده، فيتحنن على العالم كله -لأجل صلاتك- مهما كان ضعفك. العدل والحق (ع 137-144): الهدف: بعد اختبار داود أعماق كلمة الله اجتذبت قلبه أيضًا بالحق والعدل الذي فيها، خاصة وسط ظلم البشر بعضهم لبعض، فامتلأ قلبه غيرة، وأحب الوصايا مع شعوره بضعفه، وحاجته أن يتعلم حقوقه، واحتمل الضيقات، لكن ظل متمسكًا بوصايا الله. ع137، 138: بَارٌّ أَنْتَ يَا رَبُّ، وَأَحْكَامُكَ مُسْتَقِيمَةٌ. عَدْلًا أَمَرْتَ بِشَهَادَاتِكَ، وَحَقًّا إِلَى الْغَايَةِ. الله هو البار القدوس، وكلامه مستقيم وعادل وحق. فهو نور وسط ظلمة أفكار البشر وأعمالهم الردية، فالمقياس الذي نرجع إليه هو كلام الله مصدر العدل والحق والقضاء. يصف الأشرار كلام الله بأنه صعب ولا يمكن تنفيذه، بل يقولون أن أحكام الله غير عادلة؛ لأنه يسمح بالظلم المنتشر في العالم، مع أن كلام الله يحمل كل العدل والحق اللذين لا يستريح الإنسان إلا فيهما. فكل من يؤمن بالله ويتوب عن خطاياه يستنير، فيكتشف أن الله هو مصدر العدل والاستقامة. ع139: أَهْلَكَتْنِي غَيْرَتِي، لأَنَّ أَعْدَائِي نَسُوا كَلاَمَكَ. أحب داود كلام الله، وتمنى أن يحفظه كل البشر، ويتمتعوا به. ولكن تضايق جدًا لأن الأشرار أعداءه أهملوا كلام الله، وساروا في الشر. فامتلأ قلبه غيرة حسنة على هذه النفوس التي تضيع، ولا تتمتع بالصلاة في بيت الله، ومن كثرة حماسه ثقلت الغيرة الروحية عليه، حتى كادت تهلكه، أي تأثر جدًا بسبب ابتعاد الأشرار عن عبادة الله في بيته. هذه الآية كررها المسيح عندما كان في الهيكل ورأى الباعة وانشغال الناس بالبيع والشراء واهمالهم للصلاة، فطرد الباعة ووبخ الشعب (يو 2: 17). ع140: كَلِمَتُكَ مُمَحَّصَةٌ جِدًّا، وَعَبْدُكَ أَحَبَّهَا. ممحص: خالي من الشوائب، أي نقي. كلام الأشرار باطل وكذب، وهم يتهمون الله بالظلم، والحقيقة يعلنها داود أن كلام الله نقي، فهو الكلام الوحيد في العالم النقي بل ومصدر النقاوة. أحب داود كلام الله النقي الذي يحفظه فيتنقي قلبه. وعندما يكتب نقاوة القلب يستطيع أن يعاين الله، ويتمتع بعشرته. ع141: صَغِيرٌ أَنَا وَحَقِيرٌ، أَمَّا وَصَايَاكَ فَلَمْ أَنْسَهَا. داود كان الأصغر في إخوته، فهو باتضاع يشعر أنه صغير وحقير، ولذا تمسك بوصايا الله فلم ينسها، وبهذا صار أعظم ملوك إسرائيل، وقلبه مثل قلب الله. فالاتضاع يجعل الإنسان متمسكًا بوصايا الله. هذه الآية نبوة عن الأمم الذين سيؤمنون بالمسيح، فيشعرون أنهم صغار ومحتقرون وقوتهم هي في التمسك بوصايا الله، فتفوقوا على اليهود الذين رفضوا الإيمان بالمسيح. ع142: عَدْلُكَ عَدْلٌ إِلَى الدَّهْرِ، وَشَرِيعَتُكَ حَقٌّ. يشهد داود أن الله عادل وكلامه مصدر العدل وهو الحق نفسه. وبالتالي فهو مرجع المؤمنين في كل أفكارهم وكلامهم وسلوكهم. المسيح هو كلمة الله، أي الحق، ومصدر العدل، وهو يظل إلى الأبد ينير بنوره للمؤمنين به، فينموا في معرفة الحق. ع143: ضِيْقٌ وَشِدَّةٌ أَصَابَانِي، أَمَّا وَصَايَاكَ فَهِيَ لَذَّاتِي. في تمسك داود بوصايا الله، قابل ضيقات وشهوات بسبب الأشرار المحيطين به، وظروف الحياة الصعبة. ولكن تمسكه بوصايا الله جعله يختبر لذة عشرة الله، فنسى آلامه، وصار في فرح، فزاد تمسكه بكلام الله. ع144: عَادِلَةٌ شَهَادَاتُكَ إِلَى الدَّهْرِ. فَهِّمْنِي فَأَحْيَا. يختم داود هذه القطعة بإعلان أن شهادات الله وكلامه عادلة، وثابتة إلى الدهر، أي إلى الأبد. فهي المصدر الدائم للعدل، لذا يترجى الله أن يعطيه فهمًا لها؛ حتى يحيا معه. فحياة الأبرار هي في معرفة وفهم كلام الله، فيحيون باستقامة ونقاوة في هذا العالم، ثم في الدهر الآتي. † ليتك تراجع حياتك على ضوء كلام الله الذي تقرأه كل يوم، فهو مصدر العدل والحق وبهذا تكتشف استقامة أعمالك وكلامك، وتصحح كل انحراف، فتنال رضا الله، بل يهبك معرفته كل يوم. |
||||
22 - 07 - 2024, 04:55 PM | رقم المشاركة : ( 167422 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الخير من خلال التأديب اختبر داود أن يكون نصيبه هو الرب، ولذا فقد قبل كل شيء من يده، حتى التأديب، وشعر أنه خير له من يد الله الصالح، ولم ينزعج من مؤامرة الأشرار، أو تعاظمهم عليه، بل تمسك بكلام الله. |
||||
22 - 07 - 2024, 04:56 PM | رقم المشاركة : ( 167423 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يشعر أن أعمال الله معه كلها للخير، سواء كانت بركات مادية، أوروحية، أو ضيقات تعلمه مبادئ وأخلاق سليمة حسب وعد الله له، فيستطيع أن يميز الحق من الباطل، وتكون له معرفة ومبادئ مستقاه من كلام الله. لأن آمن بوصايا الله وأحبها شعر أن كلها خير له، فسلك فيها بفرح، وطلب التلمذة عليها وتعلمها طوال حياته، خاصة وأن كلمة " خيرًا " أصلها اليوناني يعني "عذوبة"، أي أن داود تلذذ بأعمال الله والسلوك بوصاياه. |
||||
22 - 07 - 2024, 04:58 PM | رقم المشاركة : ( 167424 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أعلن داود في شجاعة أنه في بعض الأحيان نسى وانشغل عن كلام الله فضل عن طريق الحق، وسقط في ذل شديد، ثم أفاق من خلاله وأسرع إلى العلاج وهو حفظ وصايا الله. فهو إنسان قوي يراجع نفسه، ويتعلم من خطاياه، وهو إيجابي يسرع إلى الحل، وهو حفظ وصايا الله. |
||||
22 - 07 - 2024, 04:59 PM | رقم المشاركة : ( 167425 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
قام الأشرار على داود ولفقوا له تهمًا كاذبة، وسمح الله بهذا؛ لينتبه داود إلى شروره الداخلية؛ ليتوب عنها، وكما حدث هذا أيضًا مع أيوب، ولكن الجميل في داود وأيوب أنهما اتجها إلى وصايا الله. وشعر داود بصلاح الله وإحسانه، فأقبل على عبادة الله باشتياق وحفظ وصاياه من كل القلب. وهذا المثل جيد لأبناء الله الذين يقودهم التأديب إلى ارتباط أكبر بالله وطلب وصاياه، وليس الغضب، أو التذمر، إذ أنهم يشعرون أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله (رو 8: 28) ويستمر أولاد الله يتمتعون بعذوبة وحلاوة كلامه التي تخرجهم من الضيقة، وهم في قوة روحية. |
||||
22 - 07 - 2024, 04:59 PM | رقم المشاركة : ( 167426 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تمادى الأشرار في شرهم وفى محاربة الأبرار، وظنوا أنه بكثرة خيراتهم المادية -اتي يعبر عنها بالشحم الكثير- في قوة وسلطان، فتمادوا في شرهم. ويقول قد سمن ليس فقط جسدهم، بل قلبهم، أي صار قلبهم غليظًا لا يشعر بالله، ولا بالضعفاء، وصار قاسيًا شريرًا، يؤذي الآخرين. على الجانب الآخر نجد الأبرار -الذين يمثلهم داود- قد اتجهوا إلى شريعة الله وأحبوها، بل تلذذوا بها، فصارت هي حياتهم، ولم ينزعجوا من مضايقات الأشرار؛ لأن الله أعطاهم سلامًا، بل وفرحًا بكلامه. |
||||
22 - 07 - 2024, 05:01 PM | رقم المشاركة : ( 167427 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
إذ تأكد داود أن تأديب الله كان خيرًا عظيمًا له، فضل في النهاية أن يحيا بشريعة الله والتي هي حديث شخصي من فم الله إلى قلبه. وكلام الله قادر أن يغنيه أفضل من كل غنى العالم، الذي يمثله الذهب والفضة، وشبع لنفسه أفضل من كل الشهوات المادية البراقة. |
||||
22 - 07 - 2024, 05:02 PM | رقم المشاركة : ( 167428 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
† علمني يا رب أن أقبل الضيقة ما دمت أنت قد سمحت بها، وأثق أنها لخيري. ولكن أطلب فقط أن تسندني خلالها وتكشف عن عيني لأراك وسط الضيقة، فأتعزى بك عن كل ما احتمله، وأفرح أني معك. |
||||
22 - 07 - 2024, 05:02 PM | رقم المشاركة : ( 167429 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
† رأى البار خيرات الله من خلال تأديبه خضع له باتكال وتسليم، فازدادت تعزيات الله له، واستمر في توبته، بل وصار قدوة للأبرار، وسار في طريق الكمال. |
||||
22 - 07 - 2024, 05:03 PM | رقم المشاركة : ( 167430 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الله صنعني وأنشأني على صورته ومثاله، ولكن الخطية تشوه صورتي، لذا فأنا محتاج دائمًا أن أتعلم وصاياه لتعيدنى إلى صورتي الأولى، وحتى أتعلم وصايا الله أنا محتاج أن أفهم؛ لأن الله خلق لي عقلًا، وعندما أفهم يسهل علي أن أتعلم وصايا الله. هذا الفهم لأعماق الوصية هو من نعمة الروح القدس. |
||||