19 - 07 - 2024, 05:01 PM | رقم المشاركة : ( 166961 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أدرك داود أن رحمة الله ملأت الأرض كلها، أي غطت كل البشر. فإحسانات الله لكل الناس في الشمس التي تضيء، والهواء الذي يستنشقونه، والأرض التي ثبتها لهم ... ولذا تجاوبًا مع رحمة الله يطلب من الله أن يعلمه عبادته ليصل إليه ويشكره من كل قلبه. رحمة الله ملأت الأرض كلها من خلال الصليب الذي قدم فداءً للبشرية كلها لكل من يؤمن به، حتى تخرج من شرورها، وتحيا له في عبادة مقدسة في كنيسته. عندما يتعلم الإنسان فرائض إلهه يصير مثل الله رحيمًا على كل من حوله، وليس فقط الأبرار، فيكون نورًا للعالم، ويرون فيه نور المسيح. |
||||
19 - 07 - 2024, 05:02 PM | رقم المشاركة : ( 166962 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
† ليت قلبك ينفتح بالحب لكل الناس؛ لتعطيهم مما أعطاه الله لك، فتساندهم وتشجعهم، وتخدمهم بكل وسيلة. |
||||
19 - 07 - 2024, 05:16 PM | رقم المشاركة : ( 166963 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كوش تقدم هدية الله يعتبر هذا الأصحاح من أكثر الأصحاحات غموضًا في الكتاب المقدس. يرى قلة من الدارسين أن الحديث هنا يخص آشور أما الغالبية فترى أن الحديث أما الغالبية فترى أن الحديث إما يخص مصر أو أثيوبيا. وقد رفض البعض نسبته إلى مصر بحجة أن الوحي الخاص بمصر جاء في الأصحاح التالي مبتدئًا بالقول "وحي من جهة مصر" (إش 19: 1). يُقصد بكوش جنوب مصر، حاليًا النوبة والسودان وأثيوبيا، وكان ملكها القدير ترهاقة (2 مل 19: 9) قد ملك على كوش ومصر؛ هذا بعث برسل على سفن صغيرة مصنوعة من حلف البردي إلى يهوذا طالبًا التحالف معه ضد سنحاريب ملك آشور. لقد أراد النبي أن يؤكد أن كان كوش يطلب تحالفًا ضد قوى آشور المتزايدة، فإن كوش ومعها مصر ستأتي إلى أورشليم مع بقية الأمم لتتعبد خاضعة لرب الجنود. بمعنى آخر الله لا يحتاج إلى تحالفات بشرية ضد قوى الشر إنما هو حصن منيع لكل الأمم التي تترجاه وتتعبد له. 1. إرسالية من كوش: 1 يَا أَرْضَ حَفِيفِ الأَجْنِحَةِ الَّتِي فِي عَبْرِ أَنْهَارِ كُوشَ، 2 الْمُرْسِلَةَ رُسُلًا فِي الْبَحْرِ وَفِي قَوَارِبَ مِنَ الْبَرْدِيِّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ. اذْهَبُوا أَيُّهَا الرُّسُلُ السَّرِيعُونَ إِلَى أُمَّةٍ طَوِيلَةٍ وَجَرْدَاءَ، إِلَى شَعْبٍ مَخُوفٍ مُنْذُ كَانَ فَصَاعِدًا، أُمَّةِ قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ وَدَوْسٍ، قَدْ خَرَقَتِ الأَنْهَارُ أَرْضَهَا. 3 يَا جَمِيعَ سُكَّانِ الْمَسْكُونَةِ وَقَاطِنِي الأَرْضِ، عِنْدَمَا تَرْتَفِعُ الرَّايَةُ عَلَى الْجِبَالِ تَنْظُرُونَ، وَعِنْدَمَا يُضْرَبُ بِالْبُوقِ تَسْمَعُونَ. 4 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ لِيَ الرَّبُّ: «إِنِّي أَهْدَأُ وَأَنْظُرُ فِي مَسْكَنِي كَالْحَرِّ الصَّافِي عَلَى الْبَقْلِ، كَغَيْمِ النَّدَى فِي حَرِّ الْحَصَادِ». 5 فَإِنَّهُ قَبْلَ الْحَصَادِ، عِنْدَ تَمَامِ الزَّهْرِ، وَعِنْدَمَا يَصِيرُ الزَّهْرُ حِصْرِمًا نَضِيجًا، يَقْطَعُ الْقُضْبَانَ بِالْمَنَاجِلِ، وَيَنْزِعُ الأَفْنَانَ وَيَطْرَحُهَا. 6 تُتْرَكُ مَعًا لِجَوَارِحِ الْجِبَالِ وَلِوُحُوشِ الأَرْضِ، فَتُصَيِّفُ عَلَيْهَا الْجَوَارِحُ، وَتُشَتِّي عَلَيْهَا جَمِيعُ وُحُوشِ الأَرْضِ. يوجه النبي حديثه إلى كوش قائلًا: "يا أرض حفيف الأجنحة التي في عبر أنهار كوش" [1]. ماذا يقصد بأرض حفيف الأجنحة؟ أ. يرى البعض أنها إشارة إلى السلطان الإمبراطوري الذي كان يبسط جناحيه على كل أرض كوش وما حولها. وقد استخدم الكتاب المقدس هذا التشبيه مرارًا كثيرة، فقيل عن ملك آشور "يكون بسط جناحيه ملء عرض بلادك يا عمانوئيل" (إش 8: 8). كما شبه ملك آشور بنسر عظيم ذي منكبين (حز 17). ب. يرى بعض الدارسين أن حفيف الأجنحة يُشير إلى سلطان مصر وعظمتها، وآخرون يروا إنها بريطانيا العظمى التي حملت أمجادًا عظيمة عبر البحار وآخرون حسبوها الولايات المتحدة الأمريكية التي تتخذ النسر شعارًا لها(231). ج. يُشير حفيف الأجنحة إلى الحشرات، لذا فهي ترمز إلى كوش كبلاد تشتهر بحشراتها الطائرة؛ خاصة وأن الكلمة العبرية هنا silsal استخدمت في (تث 28: 42) عن الحشرات (الصرصر)(232). د. كلمة sel تعني "ظلًا"، لذا فهي تُشير إلى بلاد قريبة من خط الاستواء حيث يكون الظل مضاعفًا (أو ذات أهمية لشدة الحر)(233). ه. اعتمد البعض في تفسيرهم على ما جاء في الترجمة السبعينية والترجوم أن حفيف الأجنحة يُشير إلى السفن؛ وكأن النبي يقول بأن سفن أثيوبيا تبحر باسطة شراعاتها كأجنحة الحشرات. اعتاد البحارة أن يدعو الشراع جناحًا. على أي الأحوال بعث ملك أثيوبيا رسلًا خلال سفنه المصنوعة من البردي، وكان على عجلة، لأن العدو على الأبواب ويمثل خطرًا على العالم كله في ذلك الحين. لقد عُرف الأثيوبيون بقدرتهم على التجسس على مواقع الأعداء وتحركاتهم بواسطة سفنهم الصغيرة السريعة، لهذا لم يتوان الملك في التحرك ليدعو يهوذا إلى التحالف ضد خطر آشور المتزايد. كانت إرسالية الملك هي للتحالف، لكنها ليست إرسالية سلام، وإنما إرسالية دعوة للحرب ضد آشور وثورة ضد سنحاريب، الأمر الذي تترقبه كل الشعوب، إذ قيل: "يا جميع سكان المسكونة وقاطني الأرض عندما ترتفع الراية (راية الحرب) على الجبال تنظرون، وعندما يُضرب بالبوق تسمعون" [3]. ليت رسل الإنجيل يحملون ذات الغيرة التي لملك أثيوبيا ورسله، فقد دعوا للانطلاق كي يتحالف الكل معًا لا ضد آشور وإنما ضد عدو الخير حين ترتفع راية الصليب ويُضرب بوق كلمة الله، فتدور المعركة الروحية تحت قيادة الكلمة الإلهية المتجسد المصلوب، يحملنا فيه ويخفينا في جنبه المطعون واهبًا إيانا روح الغلبة والنصرة. لقد دخل المعركة خلال تجربته على الجبل وانتصر باسمنا ولحسابنا، وبقى يُجاهد من أجلنا حتى أكمل جهاده بالصليب. * أعطانا الرب بمثاله كيف نستطيع أن ننتصر حين جُرب هو. الأب سرابيون القديس أغسطينوس يرى البعض أن الوصف هناك ينطبق على الأثيوبيين أو الآشورين أو الماديين... لكن الإرسالية كانت موجهة إلى شعب الله الذي دُعي "شعب مخوف"، لأن إلهه إله مخوف (خر 23: 27؛ 34: 10، تث 28: 58؛ يش 2: 9؛ مز 139: 14). إنه شعب مخوف منذ كان، أي منذ بداية نشأته، إذ خرج من مصر بيد قوية وذراع رفيعة. أما قوله "قد خرقت الأنهار أرضها" [2] فيُشير إلى خطورة موقفها، لأن العدو مزمع أن يُهاجمها فيكون كنهر جارف، ووصفها "أمة طويلة (ممدودة) وجرداء (حادة)" [2]، جاء في الترجمة السبعينية "أمة مسحوقة وممزقة"... إذ يسحب العدو الشعب كالغنم ويجرونهم إلى السبي فيصيروا مسحولين. إن كان النبي يطلب من الشعب ألا يقبل إرسالية ملك كوش للتحالف معًا، فما هو موقف الله من هجمات آشور على شعبه؟ "لأنه هكذا قال لي الرب: "إني أهدأ وأنظر في مسكني كالحر الصافي على البقل، كغيم الندى في حرّ الحصاد" [4]. يبدو كأن الله هادئًا ساكنًا لا يعبأ بأمورنا، وقد يترك الله ملك آشور المتجبر يدمر ويهلك ويُحطم مدنًا حتى يبلغ إلى أبواب أورشليم عندئذ يعلن الله عن دوره الخفي ويرد ملك آشور خائبًا محطمًا كبرياءه وجيشه. الله ضابط الكل يهتم بكل صغيرة وكبيرة، لكن في طول أناته نظنه قد نسينا أو لا يعبأ بحالنا، فنقول مع المرتل: "لا تتركنا إلى الغاية (كثيرًا)"، فإنه حتى فيما يبدو كأنه تركنا إنما هو يدير الأمر لخلاصنا وبنياننا. يُشبه القديس يوحنا الذهبي الفمالله بمربية تضع يديها في يديْ الطفل الصغير لكي تُدربه على المشي؛ وفجأة تنزع يديها عنه فيسقط ليرفع عينيه نحوها يُعاتبها بدموعه، أما هي فتعود تمسك بيديه... بهذا يتدرب على المشي. إنها تتركه من يديها لكنها لن تتركه عن فكرها أو قلبها. ما ندعوه تركًا هو رعاية، فإن الله ينظر إلينا وسط ضيقتنا فيحول المّر إلى حرّ يعطي نضوجًا للبقول، أو كغيم في حرّ الحصاد يُعطي رطوبة وظلًا... من الظاهر آلام ومن الداخل بنيان وراحة! يرى أيضًا في الضيقات نوعًا من "تقليم الشجر" أي نزع الفروع الزائدة حتى تأتي الشجرة بثمر متكاثر [5]. أخيرًا بعد أن سمح لسنحاريب بالنصرة على كثير من مدن يهوذا حطمه وحطم جيشه قبل دخوله أورشليم، فصارت جثثهم مأكلًا للوحوش والطيور الجارحة [6]، إذ مات في يوم واحد 185 ألفًا من جيش سنحاريب. 2. كوش تقدم هدية لله: 7 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تُقَدَّمُ هَدِيَّةٌ لِرَبِّ الْجُنُودِ مِنْ شَعْبٍ طَوِيل وَأَجْرَدَ، وَمِنْ شَعْبٍ مَخُوفٍ مُنْذُ كَانَ فَصَاعِدًا، مِنْ أُمَّةٍ ذَاتِ قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ وَدَوْسٍ، قَدْ خَرَقَتِ الأَنْهَارُ أَرْضَهَا، إِلَى مَوْضِعِ اسْمِ رَبِّ الْجُنُودِ، جَبَلِ صِهْيَوْنَ. إن كانت كوش أو مصر أو غيرها من الأمم يحسبون أنهم قادرون على حماية شعب الله من آشور فستكتشف الأمم جميعًا أنها في حاجة إلى الخارج من سبط يهوذا لكي يحميهم من إبليس وكل أعماله الشريرة؛ فتأتي الأمم التي كانت مضروبة بالتشامخ في خضوع لتقدم هدية لرب الجنود [7] في جبل صهيون، أي في كنيسته. رأى إشعياء النبي أعدادًا بلا حصر من الملوك والرؤساء والعظماء يأتون إلى أورشليم يسجدون للملك الحقيقي الذي لم يحمل على رأسه إكليلًا زمنيًا بل إكليل شوك. رأى المؤمنين كملوك روحيين يخضعون لملك الملوك رب المجد يسوع الخارج من سبط يهوذا. مبارك شعبي مصر في الأصحاح السابق حث النبي ملك كوش ومصر على تقديم هدية لرب الجنود في جبل صهيون عوض أن يبعث برسله طالبًا التحالف مع شعب الله ضد آشور. أما في هذا الأصحاح فيقدم وحيًا من جهة مصر بكونها تمثل بفرعونها عنف العالم وقسوته، وبخصوبة أرضها إغراءات العالم وترفه، وبأوثانها وهياكلها الاتكال على الحكمة البشرية والقدرات الإنسانية... لقد رأى النبي الرب نفسه قادمًا إلى مصر محمولًا على يديْ القديسة مريم، السحابة البيضاء الخفيفة السريعة ، يأتي في طفولته ليُحطم ببساطته أوثانها وحكماءها وسحرتها، وليقيم مذبحًا له في وسطها، وعمودًا عند تخومها. نبوة صريحة عما حدث بخصوص العائلة المقدسة وأيضًا عن إقامة الكنيسة المسيحية الحية في مصر كشعب مبارك للرب. 1. هروب العائلة المقدسة: 1 وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ: هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ، وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا. لا نجد بلدًا يتحدث عنه الكتاب المقدس مثل مصر وذلك بعد كنعان، والسبب في هذا أن إسرائيل كأمة وكشعب أقامَت في مصر، وعاش اليهود هناك حوالي 400 سنة، وأخيرًا خرجوا بِذِرَاع رَفِيعَة(*). بخروجهم خلال دم الحملان صاروا رمزًا للعالم كله المتحرر من عبودية إبليس خلال دم المسيح الذبيح الفريد. صارت مصر تمثل قوة العالم بصفة عامة وبيت العبودية الذي يخلص شعبه منه. افتتح إشعياء نبوته عن مصر بصورة مفرحة تخص مصر، قائلًا: "هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها" [1]. يرى القديس كيرلس الكبيرأن السحابة الخفيفة السريعة (الترجمة السبعينية) هي القديسة مريم التي قدسها روح الرب فصارت خفيفة ومرتفعة تحمل رب المجد يسوع لتهرب به إلى مصر من وجه هيرودس (مت 2: 13- 15)... بدخوله ارتجفت الأوثان واهتزت العبادة الوثنية، وذاب قلب المصريين حبًا ليقبلوه ساكنًا فيهم؛ إذ يقول: [السحابة المتألقة التي حملت الرب يسوع إلى مصر هي أمه العذراء مريم التي فاقت السحاب نقاء وطهرًا. أما المذبح الذي أٌقيم للرب في وسط أرض مصر فهي الكنيسة المسيحية التي قامت على أنقاض الهياكل الوثنية على أثر تزلزل أوثانها وانهيار برابيها أمام وجه الرب يسوع]. لهذا تسبح الكنيسة في عيد دخول السيد المسيح مصر، قائلة: [افرحي وتهللي يا مصر مع بنيها وكل تخومها، لأنه قد أتى إليك محب البشر، الكائن قبل كل الدهور]. إن كانت مصر بفرعونها وعبادتها الوثنية مثلت العالم الوثني القديم في عنفه ورجاساته لكنها أيضًا كانت ملجأ للكثيرين خاصة في فترات الجوع، فجاء إليها أبونا إبراهيم (تك 12: 10)، واستقبلت يوسف المُضطهد من إخوته ليصير الرجل الثاني بعد فرعون يقدم من مخازنها لكل البلاد المحيطة بها، وإليها جاء أبونا يعقوب وبنوه حيث بدأت نواة شعب الله القديم والأسباط الاثني عشر في داخلها؛ وظهر أول قائد لهم هو موسى العظيم في الأنبياء يسنده أول رئيس كهنة. ومن بين الأنبياء الذين جاءوا إلى مصر إرميا النبي الذي حث الشعب ألا يهربوا إلى مصر فأرغموه على مرافقتهم في رحلتهم إليها (إر 41: 1؛ 43: 7) وقد نطق بنبواته الأخيرة في تحفنيس في مصر (إر 43: 8-44). أما مجيء السيد المسيح السماوي إلى أرضنا فقد أقام كنيسته فيها تصطبغ بروح البركة الربانية، فجاءت عبادتها وطقوسها وألحانها تحمل نغم الحياة السماوية. مصر، التي امتلأت بالعبادة الوثنية حيث أقامت عجل أبيس والقطط والتماسيح والضفادع... آلهة، استقبلت رب المجد فيها فأقام من قلوب المصريين مقدسًا له. تحولت مصر من كونها أكبر معقل للوثنية إلى أعظم مركز للفكر المسيحي والعبادة الروحية والحياة الإنجيلية في فترة وجيزة. تلألأ نجم كنيسة مصر بمدرسة الإسكندرية معلمة اللاهوت وتفسير الكتاب المقدس للعالم المسيحي الأول، وقائدة حركة الدفاع عن الإيمان المستقيم على مستوى مسكوني. ومن مصر انطلقت حركة الرهبنة المسيحية بكل صورها لتسحب قلب الكنيسة إلى البرية، فتمارس الحياة الداخلية الملائكية في نفس الوقت الذي فيه انفتحت أبواب البلاط الإمبراطوري لرجال الدين، وكان الخطر يلاحق الكنيسة حيث يختلط العمل الروحي الكنسي بالسلطة الزمنية والسياسية. حملت كنيسة مصر صليب عريسها عبر الأجيال وقدمت أعدادًا بلا حصر من الشهداء والمعترفين، فاستشهدت أحيانًا مدن بأسرها وتسابق الكثيرون على نوال أكاليل الاستشهاد بفرح وبهجة قلب... 2. تأديب مصر: 2 وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ، فَيُحَارِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ: مَدِينَةٌ مَدِينَةً، وَمَمْلَكَةٌ مَمْلَكَةً. 3 وَتُهْرَاقُ رُوحُ مِصْرَ دَاخِلَهَا، وَأُفْنِي مَشُورَتَهَا، فَيَسْأَلُونَ الأَوْثَانَ وَالْعَازِفِينَ وَأَصْحَابَ التَّوَابعِ وَالْعَرَّافِينَ. 4 وَأُغْلِقُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ فِي يَدِ مَوْلًى قَاسٍ، فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ مَلِكٌ عَزِيزٌ، يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ. 5 وَتُنَشَّفُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرِ، وَيَجِفُّ النَّهْرُ وَيَيْبَسُ. 6 وَتُنْتِنُ الأَنْهَارُ، وَتَضْعُفُ وَتَجِفُّ سَوَاقِي مِصْرَ، وَيَتْلَفُ الْقَصَبُ وَالأَسَلُ. 7 وَالرِّيَاضُ عَلَى النِّيلِ عَلَى حَافَةِ النِّيلِ، وَكُلُّ مَزْرَعَةٍ عَلَى النِّيلِ تَيْبَسُ وَتَتَبَدَّدُ وَلاَ تَكُونُ. 8 وَالصَّيَّادُونَ يَئِنُّونَ، وَكُلُّ الَّذِينَ يُلْقُونَ شِصًّا فِي النِّيلِ يَنُوحُونَ. وَالَّذِينَ يَبْسُطُونَ شَبَكَةً عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ يَحْزَنُونَ، 9 وَيَخْزَى الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الْكَتَّانَ الْمُمَشَّطَ، وَالَّذِينَ يَحِيكُونَ الأَنْسِجَةَ الْبَيْضَاءَ. 10 وَتَكُونُ عُمُدُهَا مَسْحُوقَةً، وَكُلُّ الْعَامِلِينَ بِالأُجْرَةِ مُكْتَئِبِي النَّفْسِ. 11 إِنَّ رُؤَسَاءَ صُوعَنَ أَغْبِيَاءُ! حُكَمَاءُ مُشِيرِي فِرْعَوْنَ مَشُورَتُهُمْ بَهِيمِيَّةٌ! كَيْفَ تَقُولُونَ لِفِرْعَوْنَ: «أَنَا ابْنُ حُكَمَاءَ، ابْنُ مُلُوكٍ قُدَمَاءَ»؟ 12 فَأَيْنَ هُمْ حُكَمَاؤُكَ؟ فَلْيُخْبِرُوكَ. لِيَعْرِفُوا مَاذَا قَضَى بِهِ رَبُّ الْجُنُودِ عَلَى مِصْرَ. 13 رُؤَسَاءُ صُوعَنَ صَارُوا أَغْبِيَاءَ. رُؤَسَاءُ نُوفَ انْخَدَعُوا. وَأَضَلَّ مِصْرَ وُجُوهُ أَسْبَاطِهَا. 14 مَزَجَ الرَّبُّ فِي وَسَطِهَا رُوحَ غَيٍّ، فَأَضَلُّوا مِصْرَ فِي كُلِّ عَمَلِهَا، كَتَرَنُّحِ السَّكْرَانِ فِي قَيْئِهِ. 15 فَلاَ يَكُونُ لِمِصْرَ عَمَلٌ يَعْمَلُهُ رَأْسٌ أَوْ ذَنَبٌ، نَخْلَةٌ أَوْ أَسَلَةٌ. 16 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ مِصْرُ كَالنِّسَاءِ، فَتَرْتَعِدُ وَتَرْجُفُ مِنْ هَزَّةِ يَدِ رَبِّ الْجُنُودِ الَّتِي يَهُزُّهَا عَلَيْهَا. 17 وَتَكُونُ أَرْضُ يَهُوذَا رُعْبًا لِمِصْرَ. كُلُّ مَنْ تَذَكَّرَهَا يَرْتَعِبُ مِنْ أَمَامِ قَضَاءِ رَبِّ الْجُنُودِ الَّذِي يَقْضِي بِهِ عَلَيْهَا. هروب العائلة المقدسة إلى مصر وإقامة مذبح للرب هناك لا يعني التغطية على شرورها، وإنما على العكس كشف الرب عن ضعفاتها وجراحاتها الروحية حتى ينزع عنها كل ضعف (مملكة الشر) ويقيم ما هو جديد (ملكوت الله). مجيء الرب إليها يعني هدم أوثانها وإزالة رجاساتها لأجل تقديس شعبها. لقد أبرز ثمار الرجاسات القديمة، ألا وهي: أولًا: قيام حروب أهلية، "وأهيج مصريين على مصريين فيحاربون كل واحد أخاه وكل واحد صاحبه مدينة مدينة ومملكة مملكة، وتهراق روح مصر" [2-3]. هذه ثمرة طبيعية لاعتزالها الله واهب السلام الداخلي والحب والوحدة، إذ تحدث حروب على مستوى الأشخاص حتى بين الأصدقاء وعلى مستوى المدن والممالك [إذ وجدت مملكة في مصر العليا وأخرى في مصر السفلى]. الشر يُحطم النفس الداخلية ويدخل بها إلى حالة يأس وإحباط. اعتزالنا الله يفقدنا انسجامنا الداخلي، فتتحول حياتنا الداخلية إلى أرض معركة، فيصارع الجسد ضد الروح، ولا تنسجم الطاقات الداخلية معًا... فيصير القلب جحيمًا لا يُطاق. وعلى العكس عندما يتسلم روح الله القيادة يخضع الإنسان بكليته له فيعيش في انسجام وتناغم، يسند الجسد النفس في تعبدها، وتتقدس الحواس والعواطف لتعمل معًا مع الفكر النقي بإرادة مقدسة صالحة في الرب. ثانيًا: فقدان الحكمة الحقيقية، فقد عرف المصريون كشعب ذكي جدًا، ويشهد الكتاب المقدس أن موسى قد تهذب بكل حكمة المصريين (أع 7: 20)، لكن اعتزالهم الله أفقدهم كل شيء فلم تسعفهم حكمتهم ولا علمهم وحضارتهم فلجأوا إلى الأوثان يطلبون المشورة: "وأفني مشورتها، فيسألون الأوثان والعازفين وأصحاب التوابع والعرافين" [3]. ثالثًا: المعاناة من حكام عتاة [4] يميلون إلى التسلط والسيطرة لا إلى خدمة الشعب وبنيان البلد. فإذ تتقسى قلوب الشعب ببعدهم عن الله واهب اللطف والصلاح يسمح لهم بقيادات عنيفة، حتى كما يفعلون يُفعل بهم. عندما يتقسى قلبنا الداخلي نحو الغير لا نتوقع إلاَّ أن يُكال لنا من ذات الكيل الذي به نكيل للغير، لذا يسمح لنا أن نسقط تحت قيادات عنيفة. هذا ما يحدث حتى في حياتنا اليومية في العمل والأسرية وحياتنا الشخصية... فإن من يقسو على والديه نجد جسده عنيفًا في حربه الشهوانية ضد النفس. ما نزرعه للغير إنما نحصده في حياتنا الشخصية. رابعًا:المعاناة من حالة جفاف، "وتنشف المياه من البحر ويجف النهر وييبس، وتنتن الأنهار وتضعف وتجف سواقي مصر ويتلف القصب والأسل... والصيادون يئنون وكل الذين يلقون شصًا في النيل ينوحون... ويخزى الذين يعملون الكتان المُمشط والذين يحيكون الأنسجة البيضاء، وتكون عمدها مسحوقة وكل العاملين بالأجرة مكتئبي النفس" [5-10]. كأن الشر يحمل ثمرة المرّ حتى في حياة الإنسان اليومية واحتياجاته الضرورية، إذ يجف نهر النيل [لا يزال يُدعى في كثير من بلدان الصعيد "البحر"] فلا يجد الناس ماءً للشرب وأيضًا للزراعة كما يفقد صيادو السمك عملهم لينوحوا بلا جدوى؛ ويؤثر ذلك على الصناعة والتجارة... فينسحق العظماء الذين هم عُمد مصر وتكتئب نفوس العبيد العاملين لدى الأغنياء. خلال الشر يدب الخراب والفساد في الموارد الطبيعية (المياه) والطاقات البشرية من كل الطبقات! يفقد الإنسان الماء الذي يروي نفسه، والسمك الذي يشبعه داخليًا، وثياب الكتان التي تستر أعماقه، وسلامه الداخلي؛ وهكذا يُعاني من العطش والجوع والعري والخزي! خامسًا: فقدان الحكماء والمشيرين، فلا يُعاني الإنسان فقط من حالة حرمان مادي وإنما من معينين حكماء يسندونه وسط ضيقه. لذا قيل: "إن رؤساء صُوعن أغبياء، حكماء مشيري فرعون مشورتهم بهيمية. كيف تقولون لفرعون أنا ابن حكماء ابن ملوك قدماء، فأين هم حكماؤك فليخبروك ليعرفوا ماذا قضى به رب الجنود على مصر" [11-12]. عوض الحكمة التي عرفت بها مصر حلت الغباوة حتى في صُوعن، عاصمة شمال مصر القديمة. لقد قيل: "وفاقت حكمة سليمان حكمة جميع بني المشرق وكل حكمة مصر" (1 مل 4: 30)... لكن هذه الحكمة تزول باعتزال الإنسان إلهه مصدر الحكمة، لذا يقدم الحكماء مشيرو فرعون مشورة بهيمية، أي أفكارًا جسدانية (1 كو 2). أما علامة حرمانهم من الحكمة، فهي عجز الحكماء عن إدراك خطة الله رب الجنود من جهة مصر (إش 18: 12)؛ فكيف يثق شعب الله إذن في مشورة فرعون الخاصة بالتحالف معًا ضد آشور؟! "رؤساء نوف انخدعوا وأضل مصر وجوه أسباطها" [13]. هذه كارثة مصر أنها قبلت الضلالة على أنها حكمة، فقد أنخدع رؤساء عاصمة مصر العليا (جنوبي مصر) منوف (ممفيس) بواسطة الحكماء الشرفاء، الذين يقابلون الأنبياء الكذبة المنافقين الذين كثيرًا ما تحدث عنهم إرميا النبي. سادسًا: فقدان الوعي والدخول في حالة سُكْر؛ "مَزَجَ الرَّبُّ فِي وَسَطِهَا رُوحَ غَيٍّ، فَأَضَلُّوا مِصْرَ فِي كُلِّ عَمَلِهَا، كَتَرَنُّحِ السَّكْرَانِ فِي قَيْئِهِ" [14]. لما كانت الخطية مُسكرة تُفقد الإنسان وعيه وهدفه في الحياة لهذا متى شرب كأسها يسمح الله أن يحل به روح الضلال ليترنح كالسكران بلا هدف. لا يكون له عمل جاد لبنائه وبناء الغير، سواء كان عظيمًا أو محتقرًا، نخلة أو أسلة (حلفاء). وهذا هو أخطر ما يصل إليه الإنسان، إذ يفقد بذلك كيانه الإنساني ليعيش أشبه بميت، لا طعم للحياة عنده. سابعًا: الارتباك بحالة من الخوف، "في ذلك اليوم تكون مصر كالنساء فترتعد وترجف من هزة يد رب الجنود الذي يقضي به عليها" [16]. فرعون الذي يُحسب نفسه منقذًا لإسرائيل ويهوذا من يد آشور في عجرفة وكبرياء يرتعب هو ورجاله ويصيرون كالنساء أمام رب الجنود وأمام يهوذا [17]. كأن الرب يشجع يهوذا ألا يرتعب من كلمات فرعون ولا يدخل معه في تحالف كما في إسرائيل وآرام، فإن فرعون نفسه يرتعب لا أمام آشور بل أمام يهوذا نفسه. 3. إقامة مذبح للرب: 18 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ فِي أَرْضِ مِصْرَ خَمْسُ مُدُنٍ تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ كَنْعَانَ وَتَحْلِفُ لِرَبِّ الْجُنُودِ، يُقَالُ لإِحْدَاهَا «مَدِينَةُ الشَّمْسِ». 19 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ، وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخْمِهَا. 20 فَيَكُونُ عَلاَمَةً وَشَهَادَةً لِرَبِّ الْجُنُودِ فِي أَرْضِ مِصْرَ. لأَنَّهُمْ يَصْرُخُونَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمُضَايِقِينَ، فَيُرْسِلُ لَهُمْ مُخَلِّصًا وَمُحَامِيًا وَيُنْقِذُهُمْ. 21 فَيُعْرَفُ الرَّبُّ فِي مِصْرَ، وَيَعْرِفُ الْمِصْرِيُّونَ الرَّبَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً، وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْرًا وَيُوفُونَ بِهِ. 22 وَيَضْرِبُ الرَّبُّ مِصْرَ ضَارِبًا فَشَافِيًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى الرَّبِّ فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ وَيَشْفِيهِمْ. 23 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ سِكَّةٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَشُّورَ، فَيَجِيءُ الأَشُّورِيُّونَ إِلَى مِصْرَ وَالْمِصْرِيُّونَ إِلَى أَشُّورَ، وَيَعْبُدُ الْمِصْرِيُّونَ مَعَ الأَشُّورِيِّينَ. 24 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلُثًا لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ، بَرَكَةً فِي الأَرْضِ، 25 بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلًا: «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ، وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ، وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ». بعد أن كشف الله عن جراحات مصر وما فعلته الخطية بها من فقدان للوحدة الداخلية والحكمة الحقة مع معاناة من قسوة الحاكم وقسوة الطبيعة (الجفاف) وارتباك في اقتصادياتها (الزراعة والصناعة) وعجز في الطاقات البشرية القيادية بل ودخول في حالة من اللاوعي والسكر مع الخوف والارتباك حتى أمام يهوذا المملكة الصغيرة، فإن الله يتدخل ليشفي جراحاتها ويخلصها، مقدمًا لها البركات التالية: أ. لغة جديدة: "في ذلك اليوم يكون في أرض مصر خمس مدن تتكلم بلغة كنعان وتحلف لرب الجنود يقال لإحداها مدينة الشمس" [18]. ما هذه المدن الخمسة إلاَّ حواس المؤمن؛ فإذ يُقبل الأمم على الإيمان بالسيد المسيح يسلمون الحواس الخمس في يديه لتقديسها لتتكلم بلغة الروح عوض لغة الجسد، فيقال لها كما قيل لبطرس الرسول: "لغتك تظهرك" (مت 26: 73؛ مر 14: 70). يرتفع قلب المؤمن إلى كنعان السماوية ليس فقط أثناء اشتراكه في سر الأفخارستيا وكل الليتورجيات الكنسية الحّية، وإنما أيضًا أثناء عبادته الخاصة، بل وفي خلال حياته اليومية حتى في لحظات أكله وشربه ونومه. هذا هو عمل روح الله القدوس في حياتنا يحملنا إلى السماء لنختبرها في أعماقنا وتصير لغتنا كنعانية أي سماوية، لغة الحب والفرح الداخلي. نشارك السمائيين ليتروجياتهم وفرحهم الدائم، ولا نكون شعبًا "غامض اللغة" (حز 3: 5). ب. القسم باسم رب الجنود؛ ماذا يعني: "تحلف لرب الجنود" [18]؟ كان القسم دليل الثقة والإيمان بمن يقسم الإنسان باسمه؛ فعوض القسم بالآلهة الوثنية يقبل الأمم -وعلى رأسهم مصر- الإيمان برب الجنود ويتمسك المصريون باسمه، حاسبين ذلك سرّ قوتهم. ج. دعوة إحدى المدن "مدينة شمس" [8]، يقصد بها "هليوبوليس" التي كانت مركزًا لعبادة الشمس، فقد تحولت عن العبادة للشمس المادية إلى العبادة لشمس البر الذي يشرق على الجالسين في الظلمة. جاءت في الترجمة السبعينية "المدينة البارة" إذ تحمل برّ المسيح فينا. د. إقامة مذبح للرب: "في ذلك الوقت يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر وعمود للرب عند تخمها" [19]. يقصد بهذا مذبح كنيسة العهد الجديد، إذ كان مذبح العهد القديم في أورشليم ولا يجوز تقديم ذبائح للرب خارجها. لقد عبرت العائلة المقدسة إلى صعيد مصر واختفت حوالي ستة شهور في الموضع الذي أقيم عليه الآن دير العذراء الشهير بالمحرق، وهو يعتبر في وسط مصر، فيه أُقيمت كنيسة للرب وتقدم عليه ذبيحة الأفخارستيا، التي هي تمتع بذبيحة الصليب عينها. أما العمود الذي في تخمها فهو القديس مارمرقس الرسول الذي جاء إلى الإسكندرية (على تخم مصر) يكرز بالإنجيل، ويُقيم مذبح كنيسة العهد الجديد، لكي يتمتع المصريون بالخلاص من عدو الخير مضايقهم، ويكون الرب نفسه محاميًا وشفيعًا ومنقذًا لهم [20]. ه. المعرفة الروحية: "فيُعرف الرب في مصر، ويعرف المصريون الرب في ذلك اليوم" [21]. اهتم المصريون بالمعرفة الروحية، وأقيمت مدرسة الإسكندرية لهذه الغاية، نشر معرفة الرب لا خلال أفكار عقلانية مجردة، وإنما خلال حياة تعبدية نسكية وخبرة شركة مع الله الآب في ابنه يسوع المسيح بروحه القدوس. امتزجت المعرفة بالعبادة، إذ يكمل النبي: "ويقدمون ذبيحة وتقدمة وينذرون للرب نذرًا ويوفون به " [21]. لعل أروع من كتب عن ارتباط المعرفة بالعبادة كما بالسلوك الإنجيلي في الحياة اليومية هو القديس إكليمندس الإسكندري، إذ جاء هذا الفكر خطًا ذهبيًا في كل كتاباته. فمن كلماته عن المعرفة (الغنوسية): [هذه هي العلامات التي تميز غنوسيتنا: أولًا التأمل، ثم تنفيذ الوصايا، وأخيرًا تعليم الصالحين. متى وُجدت هذه السمات في إنسان ما يُحسب غنوسيًا كاملًا. إذ فقد الإنسان إحدى هذه السمات تعطلت غنوسيته]. و. شفاء داخلي: "ويضرب الرب مصر ضاربًا فشافيًا فيرجعون إلى الرب فيستجيب لهم ويشفيهم" [22]. يسمح الله بضربها أي بتأديبها عن الضعف الذي فيها لكي تكتشف ذاتها وتدرك حاجتها إلى المخلص، فترجع إليه لتجده الطبيب القادر وحده أن يشفي جراحات النفس ويرد لها سلامها... جاء مسيحنا طبيبًا ودواءً في نفس الوقت: * مبارك هو "الطبيب" الذي نزل وبتر بغير ألم، شفى جراحاتنا بداء غير مرير، فقد أظهر ابنه "دواء" يشفي الخطاة! القديس مار أفرام السرياني جاء الرب إلى مصر وضرب أوثانها ليجد المصريون فيه وحدة سر شفائهم. ز. إذ كان الصراع العالمي في ذلك الحين قائم بين آشور ومصر، وكانت الدول الأخرى من بينها إسرائيل ضحية هذا الصراع، فإن مجيء رب المجد يسوع يُعطي للكل سلامًا، ويشعر الكل - في المسيح يسوع - أن الأرض للرب ولمسيحه، وليست مركزًا للنزاع، ويشترك الكل معًا في العبادة. في تصوير رائع لهذا السلام يقول النبي: "في ذلك اليوم تكون سكة من مصر إلى آشور فيجيء الآشوريون إلى مصر والمصريون إلى آشور، ويعبد المصريون مع الآشوريون. في ذلك اليوم يكون إسرائيل ثلثا لمصر ولآشور بركة في الأرض، بها يبارك رب الجنود قائلًا: مبارك شعبي مصر وعمل يدي آشور وميراثي إسرائيل" [24]. ماذا يعني "في ذلك اليوم" التي تكررت حوالي خمس مرات في الأعداد [18-25]، إلاَّ ملء الزمان الذي فيه جاء السيد المسيح ليحقق لنا هذه البركات، جاء بكونه "الطريق" الذي فيه تجتمع الأمم لتتمتع بروح الوحدة الروحية وفيض البركة. ماذا يعني اجتماع مصر وآشور وإسرائيل معًا في التمتع بالبركة الإلهية والميراث الأبدي؟ أنها صورة رمزية للكنيسة الجامعة التي ضمت الأعداء معًا بروح الحب والوحدة. لقد كانت إسرائيل في ذلك الحين في صراع بين التحالف مع مصر أو آشور القوتين العالميتين المتضادتين في ذلك الحين. لكن مجيء السيد المسيح عالج المشكلة إذ صار الكل أعضاء في كنيسة واحدة تتمتع بالعمل الإلهي، فَدَعَى المصريون شعب الله، وآشور عمل يديه، وإسرائيل ميراثه. خضوع مصر لآشور في الوقت الذي فيه يعلن الله عن خطته من جهة مصر بل ومن جهة كل الأمم ممثلة في مصر أنه يُقيم مملكته الروحية في وسطها ويهبها بركته يعود فيؤكد لبني يهوذا أنه يجب ألا يتكلوا على مصر لحمايتهم من آشور فإن مصر نفسه (وكوش) يسبيها آشور، حتى لا يثقوا في الأذرع البشرية. 1. سبي مصر وكوش: 1 فِي سَنَةِ مَجِيءِ تَرْتَانَ إِلَى أَشْدُودَ، حِينَ أَرْسَلَهُ سَرْجُونُ مَلِكُ أَشُّورَ فَحَارَبَ أَشْدُودَ وَأَخَذَهَا، 2 فِي ذلِكَ الْوَقْتِ تَكَلَّمَ الرَّبُّ عَنْ يَدِ إِشَعْيَاءَ بْنِ آمُوصَ قَائِلًا: «اِذْهَبْ وَحُلَّ الْمِسْحَ عَنْ حَقْوَيْكَ وَاخْلَعْ حِذَاءَكَ عَنْ رِجْلَيْكَ». فَفَعَلَ هكَذَا وَمَشَى مُعَرًّى وَحَافِيًا. 3 فَقَالَ الرَّبُّ: «كَمَا مَشَى عَبْدِي إِشَعْيَاءُ مُعَرًّى وَحَافِيًا ثَلاَثَ سِنِينٍ، آيَةً وَأُعْجُوبَةً عَلَى مِصْرَ وَعَلَى كُوشَ، 4 هكَذَا يَسُوقُ مَلِكُ أَشُّورَ سَبْيَ مِصْرَ وَجَلاَءَ كُوشَ، الْفِتْيَانَ وَالشُّيُوخَ، عُرَاةً وَحُفَاةً وَمَكْشُوفِي الأَسْتَاهِ خِزْيًا لِمِصْرَ. كان بعض النقاد يظنون أن سرجون Sargon ملك آشور الذي أرسل ترتان إلى أشدود هو شلمناصَّر أو سنحاريب. بينما أنكر البعض وجود ملك بهذا الاسم في آشور، لكن كما يقول Bultema إن الله جعل الحجارة تنطق ليخجل غير المؤمنين، فقد عُرف اليوم أن سرجون من أقوى ملوك آشور، وأنه هو أب سنحاريب، اغتصب العرش من شلمناصَّر الخامس وخلفه. كلمة "سرجون" تعني "معَّين بواسطة الله" أو "الملك البار"؛ استخدم هذا الاسم للتغطية على اغتصابه العرش. "ترتان" ليس اسم شخص وإنما في الغالب كان لقبًا خاصًا بقيادة الجيش. أرسل سرجون رئيس جيشه إلى أشدود قاصدًا سوا ملك مصر (2 مل 17: 4)، إذ تعتبر أشدود التي على حدود الفلسطينيين مفتاحًا للدخول إلى مصر. كشفت الدراسات الحديثة أن سوا Sua ليس اسمًا لفرعون، وإنما هو اختصار لاسم قائد كتيبة في الدلتا يُدعى Siba، أو هو اختصار لاسم مدينة في غرب الدلتا تُسمى Sais استخدمها تافنخت Tefnakhte لاقامته. إذ هزم آشور آرام وآفرايم حان الوقت لضرب فرعون، لذا أرسل الملك قائده إلى أشدود فافتتحها، وهو نفس القائد الذي استخدمه سنحاريب في حصار أورشليم. أراد الله أن يحرك مشاعر شعبه ويغير قلوبهم ويؤنبهم على اتكالهم على مصر وكوش لذا طلب من نبيَّه أن يمشي أمام الشعب عريانًا حافي القدمين لمدة ثلاث سنوات ليكون هو نفسه نبوة عما سيحل بمصر وكوش حين يسبيهما آشور ويقود عُظمائهما للسبي عبيدًا عراة حفاة الأقدام ومكشوفي الأستاه.. صار إشعياء نفسه آية وأعجوبة [3] يستهزئ به كل ناظريه من أجل ما حلّ به، وذلك لأجل خلاص شعبه ومنعهم من الاتكال على فرعون مصر. كان إشعياء في آلامه وعريه يحمل ظلًا لآلام السيد المسيح الذي احتمل العُري لكي يسترنا ببره، حمل جراحات شعبه في جسده لكي يشفينا. سار إشعياء كعبد لا يرتدي الثوب الخارجي ولا ينتعل حذاءً صورة لسيده الذي صار كعبد (في 2: 7) لكي يُحررنا من نير العبودية. 2. انهيار يهوذا: 5 فَيَرْتَاعُونَ وَيَخْجَلُونَ مِنْ أَجْلِ كُوشَ رَجَائِهِمْ، وَمِنْ أَجْلِ مِصْرَ فَخْرِهِمْ. 6 وَيَقُولُ سَاكِنُ هذَا السَّاحِلِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: هُوَذَا هكَذَا مَلْجَأُنَا الَّذِي هَرَبْنَا إِلَيْهِ لِلْمَعُونَةِ لِنَنْجُو مِنْ مَلِكِ أَشُّورَ، فَكَيْفَ نَسْلَمُ نَحْنُ؟» إذ يخضع فرعون مصر لآشور يرتعب بنو يهوذا، ويتحطم رجاؤهم وتذل مصر فخرهم، قائلين: "هوذا هكذا ملجأنا الذي هربنا إليه للمعونة لننجو من ملك آشور فكيف نسلم نحن؟! [6]. هذه هي نهاية كل مَن يتكل على ذراع بشري! انهيار بابل أمام فارس ومادي إن كان الله من أجل محبته لشعبه سمح بسبي المصريين بواسطة آشور حتى يرتجف بنو يهوذا المتكلين على فرعون وجيشه؛ فأنه من أجل محبته أيضًا يسمح بتأديب بابل التي تسبي شعبه، بواسطة فارس (ركاب حمير) ومادي (ركاب جمال) حتى تنهار بابل دون أن تتحرك أوثانها لإنقاذها. وهكذا يعمل الله وسط الأمم كما في البيدر لفرز الحنطة (المؤمنين) عن التبن، حارسًا أولاده من الأشرار. 1. انهيار بابل: 1 وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بَرِّيَّةِ الْبَحْرِ: كَزَوَابعَ فِي الْجَنُوبِ عَاصِفَةٍ، يَأْتِي مِنَ الْبَرِّيَّةِ مِنْ أَرْضٍ مَخُوفَةٍ. 2 قَدْ أُعْلِنَتْ لِي رُؤْيَا قَاسِيَةٌ: النَّاهِبُ نَاهِبًا وَالْمُخْرِبُ مُخْرِبًا. اِصْعَدِي يَا عِيلاَمُ. حَاصِرِي يَا مَادِي. قَدْ أَبْطَلْتُ كُلَّ أَنِينِهَا. 3 لِذلِكَ امْتَلأَتْ حَقْوَايَ وَجَعًا، وَأَخَذَنِي مَخَاضٌ كَمَخَاضِ الْوَالِدَةِ. تَلَوَّيْتُ حَتَّى لاَ أَسْمَعُ. اَنْدَهَشْتُ حَتَّى لاَ أَنْظُرُ. 4 تَاهَ قَلْبِي. بَغَتَنِي رُعْبٌ. لَيْلَةُ لَذَّتِي جَعَلَهَا لِي رِعْدَةً. 5 يُرَتِّبُونَ الْمَائِدَةَ، يَحْرُسُونَ الْحِرَاسَةَ، يَأْكُلُونَ. يَشْرَبُونَ - قُومُوا أَيُّهَا الرُّؤَسَاءُ امْسَحُوا الْمِجَنَّ! 6 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ لِي السَّيِّدُ: «اذْهَبْ أَقِمِ الْحَارِسَ. لِيُخْبِرْ بِمَا يَرَى». 7 فَرَأَى رُكَّابًا أَزْوَاجَ فُرْسَانٍ. رُكَّابَ حَمِيرٍ. رُكَّابَ جِمَال. فَأَصْغَى إِصْغَاءً شَدِيدًا، 8 ثُمَّ صَرَخَ كَأَسَدٍ: «أَيُّهَا السَّيِّدُ، أَنَا قَائِمٌ عَلَى الْمَرْصَدِ دَائِمًا فِي النَّهَارِ، وَأَنَا وَاقِفٌ عَلَى الْمَحْرَسِ كُلَّ اللَّيَالِي. 9 وَهُوَذَا رُكَّابٌ مِنَ الرِّجَالِ. أَزْوَاجٌ مِنَ الْفُرْسَانِ». فَأَجَابَ وَقَالَ: «سَقَطَتْ، سَقَطَتْ بَابِلُ، وَجَمِيعُ تَمَاثِيلِ آلِهَتِهَا الْمَنْحُوتَةِ كَسَّرَهَا إِلَى الأَرْضِ». 10 يَا دِيَاسَتِي وَبَنِي بَيْدَرِي. مَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَبِّ الْجُنُودِ إِلهِ إِسْرَائِيلَ أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ. يشير إشعياء النبي إلى بابل باسم رمزي غريب: "وحي من جهة برية البحر" [1]. لقد دَعَى بابل المدينة الذهبية فخر الأمم برية من أجل شرها الذي حولها إلى حالة من القفر؛ كما دُعيت "برية البحر" من أجل موقعها على نهر الفرات، أو لكونها عاصمة أعظم من أمة بين الأمم، فالمياه تُشير إلى الشعوب الكثيرة، فصارت هي برية جافة وسط الشعوب. يعتقد اليهود أن الشياطين تسكن ثلاثة مناطق من العالم: البراري القاحلة، المياه، الهواء؛ لذا حارب السيد المسيح إبليس خلال تجربته على الجبل في البرية وغلب، وحاربه في مياه الأردن كما في عرينه وغلب، وأيضًا حاربه في الهواء حين ارتفع على الصليب وانتصر. أما بابل فُدعيت "برية البحر" لتأكيد أنها صارت موضع الشيطان الساكن في البرية وأيضًا في البحر. رآها القديس يوحنا اللاهوتي امرأة زانية جالسة على مياه كثيرة (رؤ 17: 1). رأى إشعياء النبي جيش كورش القادم لتحقيق خطة الله من جهة بابل أشبه بزوابع في الجنوب، كعاصفة قادمة من البرية من أرض مخوفة [1]. الزوابع أو الرياح العنيفة التي في الجنوب تعني أنها ساخنة، بعكس القادمة من الشمال فهي باردة؛ وكأن جيش كورش يشبه رياح ساخنة عنيفة تصاحبها عاصفة من البرية مشحونة بالرمال تردم الحقول وتفسد المحاصيل وتضر البيوت والطرق وتسبب أمراضًا خاصة للعيون. بمعنى آخر تُحطم إمكانيات الإنسان ومسكنه وبصيرته. هذا على عكس الرياح الجنوبية الساخنة والهادئة فأنها تسبب نضوجًا للمحاصيل، لهذا تقول العروس: "استيقظي يا ريح الشمال، وتعالي يا ريح الجنوب، هبّي على جنتي فتقطر أطيابها؛ ليأتِ حبيبي إلى جنته ويأكل ثمره النفيس" (نش 4: 16). لم يحتمل النبي في رقته العجيبة حتى بالنسبة للأعداء أن يرى ما يحل بابل من خراب ونهب [2]، فيقول: "لذلك امتلأت حقواي وجعًا واخذني مخاض كمخاض الوالدة، تلويت حتى لا أسمع، اندهشت حتى لا أنظر، تاه قلبي، بغتني رعب، ليلة لذتي جعلها لي رعدة" [3-4]. يبدو أنه رأى هذه الرؤيا في الليل [4]، إذ تحولت ليلة لذته بالصلاة إلى رعدة... وربما يتحدث هنا باسم البابليين الذين تحولت ليلة الوليمة والفرح إلى رعدة بسبب اقتحام كورش العاصمة؛ فقد رأى المائدة الملوكية معدة والحراس يلهون في الأكل والشرب مع أنه كان يليق بالرؤساء أن يمسحوا المجن بالدهن لكي يقاتلوا كورش. لم يحتمل النبي أن يرى بابل برجالها العظماء تلهو في غير اكتراث ليقتحم العدو الأبواب التي صارت بلا حراسة فتاه قلب النبي وامتلأ رعبًا ووجعًا. أقول كيف لا نئن نحن أيضًا من أجل الخدام الذين ينشغلون عن الجهاد الروحي بالشكليات والرسميات والولائم ليتركوا كنيسة الله ورعيته كما بغير حراسة يقظة. تبقى كلمات القديس يوحنا الذهبي الفمبخصوص الرعاية خالدة. [إني أب مملوء حنوًا. اسمعوا ما يطلبه بولس: "يا أولادي الصغار الذين أتمخض بهم" (غلا 4: 19). كل أم تصرخ وهي تتمخض في ساعة الولادة، هكذا أفعل أنا أيضًا]. [ليتكم تستطيعون معاينة النيران الملتهبة في قلبي لتعرفوا إني احترق أكثر من سيدة شابة تئن بسبب ترملها المبكر، فإني لست أظنها تحزن على زوجها ولا يحزن أب على ابنه، كحزني أنا على هذا الجمهور الحاضر هنا]... جاءت الدعوة الإلهية للنبي: "اذهب أقم الحارس، ليخبر بما رأى" [6]، فقد دُعِيَ النبي في القديم "حارسًا" أو "رقيبًا" كما دُعِيَ "رائيًا". عمل النبي أن يُراقب من البرج المرتفع ويحرس النفوس بكلمة الله كما أن يرى بالبصيرة الروحية ليعلن إرادة الله وخطته الخلاصية. وقف حبقوق النبي رقيبًا، إذ يقول: "على مرصدي أقف، وعلى الحصن انتصب، وأُراقب لأرى ماذا يقول لي" (حب 2: 1)؛ كما دُعِيَ حزقيال النبي رقيبًا في أكثر من موضع (حز 3: 17؛ 33: 2، 6، 7). رأى إشعياء فارس (ركاب حمير) ومادي (ركاب جمال) قادمين ليغتصبوا بابل؛ رأى وسمع بإصغاء شديد [7] فإن الأمر جاد وخطير يمس حياة شعبه. لم يقف عند الرؤية والاستماع وإنما صار يزأر كالأسد [8] ليعلن خطة الله نحو سقوط بابل وخلاص شعب الله. "سقطت سقطت بابل، وجميع تماثيل آلهتها المنحوتة كسرها إلى الأرض. يا دياستي وبني بيدري. ما سمعته من رب الجنود إله إسرائيل أخبرتكم به" [9-10]. تكرار التعبير مرتين مثل" سقطت سقطت بابل" هو إحدى سمات هذا السفر (أش 21: 9؛ 24: 4، 16؛ 28: 13، 29: 1؛ 40: 1، 9؛ 43: 11 إلخ...)، ربما لأن الحديث في هذا السفر الخلاصي موجه إلى الأمم كما إلى اليهود، دعوة الخلاص جماعية لقبول إله الكل والتغلب على الشر. فانه يليق هنا بكل إنسان - سواء من أصل أممي أو يهودي. أن يطمئن أن بابل التي أسرت قلبه بالشهوات وأكسبته عنفًا، تنهار أمام خلاص الله لتقوم أورشليم السماوية في قلبه. لتنهار كل أوثان بابل ليقوم الرب في القلب ويعلن ملكوته. هذا والتكرار أيضًا يعني نوعًا من التأكيد. وبجانب ذلك فإن التكرار مرتين يحمل رمزًا للحب الذي يجعل من الاثنين واحدًا كما يقول القديس أغسطينوس. بالحب تسقط بابل الداخلية وتنهار مملكة إبليس الذي لا يحتمل الحب، وبه نتمتع بالحياة الإنجيلية كوصية الرب: "بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي إن كان لكم حب بعض لبعض" (يو 13: 35). يرى النبي العالم أشبه بالبيدر فيه تُداس المحصولات ثم تُذرَّى لفصل الحنطة المخفية وسط التبن... إنها حنطة الرب نفسه التي لا تهلك بل تُفرز عن التبن. يتحدث القديس أغسطينوسعن السبي البابلي والخلاص منه، قائلًا: [يقول الرسول: "فهذه الأمور جميعها أصابتهم مثالًا، وكُتبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور" (1 كو 10: 1). يلزمنا أن نعرف سبينا وعندئذ خلاصنا؛ يليق بنا أن نعرف بابل التي أُسرنا فيها، وأورشليم التي تئن للرجوع إليها. فإن هاتين المدينتين -من جهة الحرف- هما مدينتان واقعيتان. "بابل" معناها "ارتباك" (بلية)؛ وأورشليم "رؤية سلام"...! هاتان المدينتان قد بنيتا في وقت معين لتكونا رمزًا لمدينتين تبقيان إلى نهاية العالم... عندما يجلس البعض على اليمين والآخر على اليسار، أورشليم تكون على اليمين وبابل على اليسار... نوعان من الحب يُوجدان هاتين المدينتين: حب الله يُوجد أورشليم، وحب العالم يُوجد بابل. لهذا يسأل كل واحد نفسه: ما الذي يحبه؟ وعندئذ يعرف أية مدينة هي وطنه. إن وجد بابل وطنه فليقتلع عنه الطمع وليزرع المحبة، أما إن وجد أورشليم وطنه ليحتمل السبي مترجيًا الحرية... الآن، ليتنا أيها الأخوة نسمع عن هذه المدينة التي نحن مواطنون فيها؛ لنسمع عنها ونتغني بها ونشتاق إليها]. هكذا يتطلع القديس أغسطينوسإلى أولاد الله الذين ارتبطوا بالحب الإلهي كمواطنين لأورشليم العليا، مدينة الحب الأبدي؛ يعيشون هنا في جهاد ضد بابل التي لا تتوقف عن بذل كل طاقاتها لسبي أولاد الله وحرمانهم من وطنهم السماوي، إذ سلموا أنفسهم بأنفسهم للسبي حين قبلوا الخطية؛ وقد جاء المخلص يفتح باب الرجاء لهم ليهبهم حرية مجد أولاد الله. في نظرة مملوءة رجاء يعلق القديس أغسطينوسعلى قول النبي: "إذا ما ردّ الرب سبي صهيون صرنا مثل المتعزين" (مز 126: 1)، قائلًا: [كان الإنسان مواطنًا في أورشليم، لكنه بيع تحت الخطية فصار سائحًا (بلا مدينة)... " بابل" معناها "ارتباك"... فان أمور هذه الحياة الحاضرة البشرية كلها ارتباك بكونها لا تنتمي لله. في وسط هذا الارتباك، في هذه الأرض البابلية أُسرت صهيون، ولكن "ردّ الرب سبي صهيون" فصرنا "مثل المتعزين"، أي فرحنا لأننا تقبلنا تعزية... أننا نحزن على ما نحن عليه الآن، لكننا متعزون في رجاء. سيعبر الحاضر الذي لحزننا ويأتي الفرح الأبدي، فلا تكون هناك حاجة إلى تعزية حيث لا نُصاب بضيقة ما]. "وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ دُومَةَ: صَرَخَ إِلَيَّ صَارِخٌ مِنْ سَعِيرَ: «يَا حَارِسُ، مَا مِنَ اللَّيْلِ؟ يَا حَارِسُ، مَا مِنَ اللَّيْلِ؟» قَالَ الْحَارِسُ: «أَتَى صَبَاحٌ وَأَيْضًا لَيْلٌ. إِنْ كُنْتُمْ تَطْلُبُونَ فَاطْلُبُوا. ارْجِعُوا، تَعَالَوْا»" [11-12]. يدعو النبي آدم باسم نبوي سري "دومة" Dumah وهو اختصار ل Idumea. إن كان اسم "أدوم" معناه "دموي" أو "ترابي"، بكون أدوم يمثل الأشرار محبي سفك الدماء، المرتبطين بمحبة الزمنيات الأرضيات والجسديات، فإن اسم "دومة" معناه "صمت" أو "سكوت الموت"... وقف النبي على المُحْرَس كل الليالي [8]، إذ ساد العالم نوعًا من الظلمة الداخلية، يترقب مجيء شمس البر لينتزع ظلمة الليل ويحل الصباح. الآن يسمع صوتًا ربما من السماء أو من بقية الأنبياء ورجال الله: "يا حارس ما من ليل "... لقد جاء ملء الزمان وأشرق نور الصباح؛ لتصمت الأمم ولتمت عن إنسانها القديم لتتمتع بنور الحياة؛ لتطلب الآن فتجد نورها خلال إيمانها بالسيد المسيح، لترجع إلى الله مخلصها وتأتي إليه فتجده باسطًا يديه بالحب العملي ليحتضنها. يُكرر "يا حارس ما من ليل" مرتين لأن الحديث مع النبي خاص باليهود كما بالأمم، وأيضًا خاص بمؤمني العهدين القديم والجديد كي يتمتع الكل بالخلاص وهم في سكون يتأملون عمل الله معهم. 3. نبوة عن بلاد العرب: 13 وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بِلاَدِ الْعَرَبِ: فِي الْوَعْرِ فِي بِلاَدِ الْعَرَبِ تَبِيتِينَ، يَا قَوَافِلَ الدَّدَانِيِّينَ. 14 هَاتُوا مَاءً لِمُلاَقَاةِ الْعَطْشَانِ، يَا سُكَّانَ أَرْضِ تَيْمَاءَ. وَافُوا الْهَارِبَ بِخُبْزِهِ. 15 فَإِنَّهُمْ مِنْ أَمَامِ السُّيُوفِ قَدْ هَرَبُوا. مِنْ أَمَامِ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ، وَمِنْ أَمَامِ الْقَوْسِ الْمَشْدُودَةِ، وَمِنْ أَمَامِ شِدَّةِ الْحَرْبِ. 16 فَإِنَّهُ هكَذَا قَالَ لِيَ السَّيِّدُ: «فِي مُدَّةِ سَنَةٍ كَسَنَةِ الأَجِيرِ يَفْنَى كُلُّ مَجْدِ قِيدَارَ، 17 وَبَقِيَّةُ عَدَدِ قِسِيِّ أَبْطَالِ بَنِي قِيدَارَ تَقِلُّ، لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ قَدْ تَكَلَّمَ». جاء الأصل Ereb وليس Arabia، وهو يعني "مساءً"، إذ يتحدث عن كل قاطني الظلمة. هنا يُحدِّث قبائل ديدان وقيدان، القاطنة جنوب شرقي أدوم، هؤلاء استقبلوا الهاربين من السيف، والذين سلموا أنفسهم مقابل التمتع بماء للشرب أو خبز للأكل.. إذ عاشت هذه القبائل في ظلمة الوثنية صارت عاجزة عن أن تقدم عونًا حقيقيًا للهاربين إليها، لأن أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة (مت 15: 14؛ لو 6: 39). حصار أورشليم يتنبأ إشعياء النبي عن حصار أورشليم وسبي أشرافها، وذلك لأنهم اهتموا بالتحصينات العسكرية وتدبير المؤنة خاصة المياه ولم يضعوا عنصر الله والرجوع إليه في حسبانهم. عوض التوبة الصادقة عاشوا في ترف زائد، ولسان حالهم "لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت" حتى في لحظات الحصار ذاتها. يبرز النبي تأديبات الله للأشرار المتكلين على الذراع البشري والمنشغلين بالزمنيات وفي نفس الوقت يفتح باب الرجاء على مصراعيه ليعلن ظهور المخلص الذي يسكن في أورشليم الجديدة الحرة والتي لا تقدر قوات والظلمة أن تُحاصرها. 1 وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ وَادِي الرُّؤْيَا: فَمَا لَكِ أَنَّكِ صَعِدْتِ جَمِيعًا عَلَى السُّطُوحِ، 2 يَا مَلآنَةُ مِنَ الْجَلَبَةِ، الْمَدِينَةُ الْعَجَّاجَةُ، الْقَرْيَةُ الْمُفْتَخِرَةُ؟ قَتْلاَكِ لَيْسَ هُمْ قَتْلَى السَّيْفِ وَلاَ مَوْتَى الْحَرْبِ. 3 جَمِيعُ رُؤَسَائِكِ هَرَبُوا مَعًا. أُسِرُوا بِالْقِسِيِّ. كُلُّ الْمَوْجُودِينَ بِكِ أُسِرُوا مَعًا. مِنْ بَعِيدٍ فَرُّوا. 4 لِذلِكَ قُلْتُ: «اقْتَصِرُوا عَنِّي، فَأَبْكِي بِمَرَارَةٍ. لاَ تُلِحُّوا بِتَعْزِيَتِي عَنْ خَرَابِ بِنْتِ شَعْبِي». 5 إِنَّ لِلسَّيِّدِ رَبِّ الْجُنُودِ فِي وَادِي الرُّؤْيَا يَوْمَ شَغبٍ وَدَوْسٍ وَارْتِبَاكٍ. نَقْبُ سُورٍ وَصُرَاخٌ إِلَى الْجَبَلِ. 6 فَعِيلاَمُ قَدْ حَمَلَتِ الْجَعْبَةَ بِمَرْكَبَاتِ رِجَال فُرْسَانٍ، وَقِيرُ قَدْ كَشَفَتِ الْمِجَنَّ. 7 فَتَكُونُ أَفْضَلُ أَوْدِيَتِكِ مَلآنَةً مَرْكَبَاتٍ، وَالْفُرْسَانُ تَصْطَفُّ اصْطِفَافًا نَحْوَ الْبَابِ. "وحيّ من جهة وادي الرؤيا. فما لك أنك صعدت جميعًا على السطوح" [1]. * ماذا يقصد بوادي الرؤيا؟ أ. يرى الدارسون اليهود أن هذا اللقب يليق بأورشليم لأنها المدينة التي فيها وهب الله خدامه رؤى وإعلانات. ولعل الوحي استخدم هذا اللقب لييقظ فيهم البصيرة التي انطمست. أورشليم هذه التي سمح الله بحصارها هي مدينته التي أقام فيها هيكله ليعلن ذاته ومملكته وأمجاد سمواته فيها فتكون سرّ بركة للبشرية، لكن فساد شعبها أطمس بصيرتها. ب. قيل عنها "وادي الرؤيا" مع أن أورشليم لم تُقم على وادي بل على جبال، لكن وجود جبال مرتفعة حولها يجعلها بالنسبة لهذه الجبال أشبه بوادي. على أي الأحوال لقد أراد الله أن يُقيم من مدينته جبلًا عاليًا ثابتًا لكن فساد شعبها أنزلها لتصير واديًا. يتساءل البعض: أي حصار يتحدث عنه النبي هنا؟. هل هو الحصار الذي قام به سنحاريب أم حصار آسرحدون في أيام منسى؟ أم هو حصار نبوخذنصَّر أم تيطس؟! يرى البعض أنه حصار سنحاريب، وإن كان من الجانب الروحي ينطبق على كل حصار سقطت فيه أورشليم، وبالأكثر ينطبق على الحصار الذي يحل بأورشليمنا الداخلية، القلب والفكر والنفس. * الصعود على السطوح [1]: لم يكن يتوقع الشعب أن الله الذي يحب مدينته ويعلن عن وجوده خاصة داخل قدس الأقداس حيث يترآى مجده في الشاكيناه (تابوت العهد) يسمح بحصار مدينته بواسطة الوثنين لذا صعودا على السطوح لينظروا بأنفسهم ما حلّ بالمدينة من الخارج. لعل صعودهم إلى السطح يُشير إلى اهتمامهم بالخارج دون الداخل، وبالمظاهر دون الأعماق؛ عوض الدخول إلى بيت نفوسهم الداخلية لاكتشاف سرّ ضعفهم اهتموا بما هو على السطح. لهذا يوبخهم النبي قائلًا: "يا ملآنة من الجلبة، المدينة العجاجة، القرية المفتخرة (الفرحة)" [2]. هذه سمات خارجية، إذ صارت أورشليم متمثلة بعواصم البلاد المحيطة بها تفتخر وتفرح بالمظاهر الصاخبة عوض الرجوع الخفي الصامت نحو الله سرّ فخرها وقوتها وبهجتها. * "قتلاكِ ليس هم قتلى السيفِ ولا موتى الحرب. جميع رؤسائك هربوا معًا، أسروا بالقسى، كل الموجودين بك أسروا معًا. من بعيد فروا. لذلك قلت اقتصروا عني فأبكي بمرارة. لا تلحّوا بتعزيتي عن خراب بنت شعبي" [2-4]. رأى إشعياء ما وصلت إليه مدينة إلهة المحبوبة جدًا إليه فطلب ألا يُعزيه أحد بسبب شدة مرارة نفسه. رأى جيش أورشليم خارجًا في الحقول تحت قيادة رؤساء لم يموتوا بالسيف وإنما بسبب الخوف هربوا فلحق بهم العدو وأسرهم وأذلهم. "قتلاك ليس هم قتلى السيف"... فقد طعن الشعب نفسه بنفسه بسهام الشهوات النارية، وعزلوا أنفسهم بأنفسهم عن الله مصدر حياتهم، وهكذا سقطت نفوسهم قتلى قبل أن يحل الخراب الخارجي. رأى النبي ما هو أخطر من سنحاريب وجيشه، الاستسلام للخطايا والرجاسات وجحد الإيمان عمليًا. فإن الخطية "طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء، طرق الهاوية بيتها هابطة إلى خدور الموت" (أم 7: 26-27). لم يكن أمام النبي إلاَّ أن ينسكب بدموع أمام الله؛ هذا ما يفعله كل قائد روحي حكيم يرى شعب الله ينحرف أو نفوسًا تهلك، فيقول مع إرميا النبي: "يا ليت رأسي ماء وعيني ينبوع دموع فأبكي نهارًا وليلًا على قتلى بنت شعبي" (إر 9: 1). رب الأنبياء نفسه "نظر إلى المدينة وبكى عليها" (لو 19: 41). * لست أنكر أن أورشليم الأولى قد خربت بسبب شر سكانها، لكنني أتساءل: ألا يليق بك البكاء على أورشليمك الروحية؟! إن أخطأ أحد بعد قبوله أسرار الحق، فإنه يُبكي عليه، لأنه كان من أورشليم ولم يعد بعد... ليُبك على أورشليمنا، لأنه بسبب الخطية يُحيط بها الأعداء (الأرواح الشريرة) بمترسة ويحاصرونها ولا يتركون فيها حجرًا على حجر. العلامة أوريجانوس القديس كيرلس الكبير البابا غريغوريوس (الكبير) يصف إشعياء ما حلّ بأورشليم من شغب ودوس وارتباك وصراخ [5]، فقد حلّ اليأس بالمدينة كلها، لا يعرف أحد كيف يتصرف أو إلى أين يذهب. ربما نادى البعض بتقوية الأسوار وآخرون نادوا بالهروب إلى الجبال وجماعة أخرى فضلت الاستسلام. تحولت أورشليم من وادي الرؤيا الإلهية واهب السلام إلى وادٍ مربك ومحطم للنفس... وقد دَعَى إشعياء هذا اليوم "يوم رب الجنود" [5]، إذ هو يوم تأديبه لشعبه. 2. حسابات بشرية للخلاص: 8 وَيَكْشِفُ سِتْرَ يَهُوذَا، فَتَنْظُرُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى أَسْلِحَةِ بَيْتِ الْوَعْرِ. 9 وَرَأَيْتُمْ شُقُوقَ مَدِينَةِ دَاوُدَ أَنَّهَا صَارَتْ كَثِيرَةً، وَجَمَعْتُمْ مِيَاهَ الْبِرْكَةِ السُّفْلَى. 10 وَعَدَدْتُمْ بُيُوتَ أُورُشَلِيمَ وَهَدَمْتُمُ الْبُيُوتَ لِتَحْصِينِ السُّورِ. 11 وَصَنَعْتُمْ خَنْدَقًا بَيْنَ السُّورَيْنِ لِمِيَاهِ الْبِرْكَةِ الْعَتِيقَةِ. لكِنْ لَمْ تَنْظُرُوا إِلَى صَانِعِهِ، وَلَمْ تَرَوْا مُصَوِّرَهُ مِنْ قَدِيمٍ. ما هو موقف يهوذا مما حدث لأورشليم؟ لقد تجاهلوا "ستر العلي" الذي يحميهم ويحصنهم، كقول المرتل:" الساكن في ستر العلي، يستريح في ظل إله السماء" (مز 91: 1)، "احتمي بستر جناحيك" (مز 61: 4). بهذا تخلت النعمة عنهم وانكشفوا أمام العدو في ضعف. "ويكشف ستر يهوذا فتنظر في ذلك اليوم إلى أسلحة بيت الوعر" [8]. يرى البعض أن "الستر" هنا يُشير إلى الحجاب الذي اعتادت النساء الشريفات أن يلبسنه ليخفين وجوههن. فقد تطلع النبي إلى يهوذا كعروس روحيه لله، رفضت عريسها وفقدت طهارتها وعفتها ونزعت حجابها في غير حياء، يشتهيها الغرباء، وتسلم جسدها لهم. هذه الصورة تنطبق على يهوذا عندما بدأت الأسوار تنهدم وصارت أورشليم كوجه مكشوف يطمع الغرباء فيها. حاول يهوذا إيجاد حل للمشكلة لكنه عوض الرجوع إلى الله استخدم حسابات بشرية محضة لتحقيق الخلاص؛ منها: أ. اندفاع الشعب إلى "بيت الوعر" الذي بناه سليمان الحكيم (1 مل 7: 2 إلخ.) الذي وضع فيه أسلحة ذهبية، سرقها شيشق ملك مصر فاستعاض عنها رحبعام بأسلحة نحاسية. لقد كان البيت مملوء أسلحة، لكنها لا تقدر أن تسند الشعب وتحميه ضد الأعداء. ب. الاهتمام بمياه البركة السفلى وتحويل المياه من خارج الأسوار إلى داخل المدينة حتى لا ينتفع منها الأعداء خارج الأسوار ولا يتعرض الشعب المحاصر للظمأ ونقص المياه. ج. بدأت الأسوار تتشقق ففكروا في هدم بيوتهم وتحويل الردم إلى ناحية السور لحمايته من الانهيار. لم يفكروا في الله السور الحقيقي الذي لا يقدر العدو أن يقترب منه؛ الله الذي يُقيم نعمته لحراسة أسوارنا الداخلية فلا تنهدم، إذ قيل: "بإلهي تسورت أسوارًا" (مز 18: 29)، "هوذا على كفي نقشتك. أسوارك أمامي دائمًا" (إش 49: 16). 3. تجاهل التوبة: 12 وَدَعَا السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ إِلَى الْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ وَالْقَرَعَةِ وَالتَّنَطُّقِ بِالْمِسْحِ، 13 فَهُوَذَا بَهْجَةٌ وَفَرَحٌ، ذَبْحُ بَقَرٍ وَنَحْرُ غَنَمٍ، أَكْلُ لَحْمٍ وَشُرْبُ خَمْرٍ! «لِنَأْكُلْ وَنَشْرَبْ، لأَنَّنَا غَدًا نَمُوتُ». 14 فَأَعْلَنَ فِي أُذُنَيَّ رَبُّ الْجُنُودِ: «لاَ يُغْفَرَنَّ لَكُمْ هذَا الإِثْمُ حَتَّى تَمُوتُوا، يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ». الله في حبه لنا يدعونا إلى التوبة لنبكي وننوح على خطايانا، فننعم بسلام داخلي فائق وفرح أبدي لا ينقطع، لكن الإنسان في قصر نظره يُريد أن يتمتع باللذة المؤقتة والترف الزمني حاسبًا أنه يموت غدًا. "ودعا السيد رب الجنود في ذلك اليوم إلى البكاء والنوح والقرعة والتنطق بالمسح. فهوذا بهجة وفرح ذبح بقر ونحر غنم أكل لحوم وشرب خمر لنأكل ونشرب لأننا غدًا نموت" [12-13]. * يتجه هؤلاء الأشرار نحو قتل أنفسهم بكل أنواع الشهوات... نعم فإنهم حتى عندما يعيشون يكونون في عار، إذ يحسبون بطونهم إلهتهم، وعندما يموتون يتعذبون. البابا أثناسيوس الرسولي 15 هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ: «اذْهَبِ ادْخُلْ إِلَى هذَا جَلِيسِ الْمَلِكِ، إِلَى شِبْنَا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ: 16 مَا لَكَ ههُنَا؟ وَمَنْ لَكَ ههُنَا حَتَّى نَقَرْتَ لِنَفْسِكَ ههُنَا قَبْرًا أَيُّهَا النَّاقِرُ فِي الْعُلُوِّ قَبْرَهُ، النَّاحِتُ لِنَفْسِهِ فِي الصَّخْرِ مَسْكَنًا؟ 17 هُوَذَا الرَّبُّ يَطْرَحُكَ طَرْحًا يَا رَجُلُ، وَيُغَطِّيكَ تَغْطِيَةً. 18 يَلُفُّكَ لَفَّ لَفِيفَةٍ كَالْكُرَةِ إِلَى أَرْضٍ وَاسِعَةِ الطَّرَفَيْنِ. هُنَاكَ تَمُوتُ، وَهُنَاكَ تَكُونُ مَرْكَبَاتُ مَجْدِكَ، يَا خِزْيَ بَيْتِ سَيِّدِكَ. 19 وَأَطْرُدُكَ مِنْ مَنْصِبِكَ، وَمِنْ مَقَامِكَ يَحُطُّكَ. اختلفت الآراء من جهة مركز شبنا في قصر حزقيا الملك، هنا يبدو أنه المسئول عن خزينة الملك وفي (2 مل 18: 37) دُعى بالكاتب، ويرى البعض أنه مشيرًا للملك أو كبير حجاب القصر أو وزيرًا... على أي الأحوال كان ذا سلطان عظيم. ويبدو أنه كان غريب الجنس. أراد أن يخلد ذكراه فنحت لنفسه قبرًا عظيمًا في ذات الصخرة التي دفن فيها ملوك يهوذا. كان رجلًا شريرًا فوبخه إشعياء ودعاه "خزي بيت الملك" كما تنبأ عن عزله وإقامة الياقيم عوضًا عنه، وقد تحقق ذلك حوالي سنة 701 ق.م. أما شره فيُنصب أولًا في عدم تصديقه لكلمات إشعياء النبي للشعب بأنه سيُسبى، وأن إقامته القبر علامة عدم تصديقه أو عدم إيمانه بنبوات إشعياء. أما الجانب الآخر للشر فهو حبه للعظمة فقد أراد أن يُدفن مع الملوك، وأخيرًا أنه لم يكن مخلصًا للملك فقد أساء استخدام ثقة الملك فيه. لهذا كله صدر الحكم الإلهي بعزله وحرمانه من الدفن فيما شيدته يداه وعوض تمتعه بالمركبات الفخمة يُلِقى به في مدينة غريبة كأنه بكرة يلقيها طفل ويلهو بها بلا عائق. يرى كثيرون أن شبنا يرمز لضد المسيح الذي يظهر في آخر الأيام أو لإنسان الخطية الذي بكبريائه يود لا أن يدفن في مقبرة ملوك يهوذا نسل داود، وإنما أن يتربع في هيكل الرب ويقيم نفسه إلهًا (2 تس 2: 4). أما الياقيم فيُشير إلى السيد المسيح الذي يُحطم ضد المسيح وينتزع عنه جبروته لكي يُخلص المختارين. يلاحظ هنا أن النبي لم يقل عن شبنا أن حزقيا الملك يعزله. وإنما يقول: "هوذا الرب يطرحك طرحًا يا رجل ويُغطيك تغطية، يلفك لفَّ لفيفة (أي يقذفك بدفع قوي) كالكرة إلى أرض واسعة الطرفين... وأطردك من منصبك ومن مقامك يَحُطُّكَ" [17-19]. 5. إقامة ألياقيم عوض شبنا: 20 «وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنِّي أَدْعُو عَبْدِي أَلِيَاقِيمَ بْنَ حِلْقِيَّا 21 وَأُلْبِسُهُ ثَوْبَكَ، وَأَشُدُّهُ بِمِنْطَقَتِكَ، وَأَجْعَلُ سُلْطَانَكَ فِي يَدِهِ، فَيَكُونُ أَبًا لِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ وَلِبَيْتِ يَهُوذَا. 22 وَأَجْعَلُ مِفْتَاحَ بَيْتِ دَاوُدَ عَلَى كَتِفِهِ، فَيَفْتَحُ وَلَيْسَ مَنْ يُغْلِقُ، وَيُغْلِقُ وَلَيْسَ مَنْ يَفْتَحُ. 23 وَأُثَبِّتُهُ وَتَدًا فِي مَوْضِعٍ أَمِينٍ، وَيَكُونُ كُرْسِيَّ مَجْدٍ لِبَيْتِ أَبِيهِ. 24 وَيُعَلِّقُونَ عَلَيْهِ كُلَّ مَجْدِ بَيْتِ أَبِيهِ، الْفُرُوعَ وَالْقُضْبَانَ، كُلَّ آنِيَةٍ صَغِيرَةٍ مِنْ آنِيَةِ الطُّسُوسِ إِلَى آنِيَةِ الْقَنَّانِيِّ جَمِيعًا. 25 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ، يَزُولُ الْوَتَدُ الْمُثْبَتُ فِي مَوْضِعٍ أَمِينٍ وَيُقْطَعُ وَيَسْقُطُ. وَيُبَادُ الثِّقْلُ الَّذِي عَلَيْهِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ تَكَلَّمَ». جاء الحديث هنا [20-25] يفتح باب الرجاء أمام كل نفس يُحاول عدو الخير أن يُحطمها، إذ لا بُد لشبنا أن يزول وينتهي ويحتل الياقيم موضعه. سيحمل ضد المسيح أو النبي الكذاب أو إنسان الخطية سلطانًا وقوة لكنه حتما ينهار لتعلن مملكة المسيح إلى الأبد. جاءت النبوة هنا واضحة بأن الياقيم رمز للسيد المسيح . أ. "وَأُلْبِسُهُ ثَوْبَكَ، وَأَشُدُّهُ بِمِنْطَقَتِكَ، وَأَجْعَلُ سُلْطَانَكَ فِي يَدِهِ، فَيَكُونُ أَبًا لِسُكَّانِ أُورُشَلِيمَ وَلِبَيْتِ يَهُوذَا" [21]. كان شبنا معتزًا بالثوب والمنطقة مع السلطان، يأمر وينهى بكونه الرجل الثاني، موضع ثقة الملك، يتصرف بروح السلطة والعجرفة. لكنه إذ يحتل الياقيم موضعه يأخذ ثوبه ومنطقته لكنه يحمل روح الأبوة الحانية تجاه شعب الله. "ضد المسيح" صاحب سلطة مع عنف وقسوة، أما "المسيح" فحب وحنان وأبوة روحية فائقة. ما يميز أولاد الله عن أولاد إبليس، هو الحب المملوء حنوًا مقابل السلطة المملوءة عنفًا. قيل عن السيد المسيح: "الرب قد ملك؛ لبس الجلال، لبس الرب القدرة، ائتزر بها" (مز 93: 1). وقد رآه إشعياء النبي لابسًا ثيابًا محمرة كدائس المعصرة (إش 63: 1-3). إذ لبس كنيسته التي صبغها بدمه الثمين فتقدست وحملت بهاءه. لقد تمنطق ليغسل الأقدام ويخدم بروح الحب والاتضاع. ب. "وأجعل مفتاح بيت داود على كتفه، فيفتح وليس من يغلق، ويغلق وليس من يفتح" [22]. من الذي له المفتاح إلاَّ "القدوس الذي له مفتاح داود الذي يفتح ولا أحد يغلق، ويغلق ولا أحد يفتح" (رؤ 3: 7). أنه السيد المسيح. الذي يشجع كنيسته قائلًا لها بإنه وحده يفتح لها أبواب السماء ويغلق عليها فلا يقدر إبليس وكل قواته أن يقتربوا إليها. أما المفتاح الذي يفتح به ويغلق فهو: "سلطان الحلّ والربط" الذي وهبه الرب لعروسه خلال تلاميذه (مت 16: 19) كما يقول القديسان كيرلس الكبير وجيروم؛ والصليب الذي به يفتح ربنا يسوع فردوسه ويغلق به أبواب الجحيم عنا كقول القديس يوحنا الذهبي الفم؛ وأيضًا فهم الكتاب المقدس خاصة النبوات التي كانت مختومة قبلًا وغير مدركة كقول القديس غريغوريوس صانع العجائب. أيضًا يقول العلامة أوريجانوس: [كل عمل مكتوب يحتاج إلى اللوغوس الذي أغلق عليه لكي يفتحه، "يغلق وليس من يفتح" وعندما يفتح لا يقدر أحد أن يُشكك فيما يقدمه من شرح]. لا نعجب من القول "وأجعل مفتاح بيت داود على كتفه"، لأن هذا المفتاح هو الصليب الذي حمله ابن داود على كتفه ليحقق خلاصنا. ج. "وأثبته وتدًا في موضع أمين ويكون كرسي مجد لبيت أبيه، ويعلقون عليه كل مجد بيت أبيه الفروع والقضبان، كل آنية صغيرة من آنية الطسوس إلى آنية القناني جميعًا" [23-24]. في المناطق الريفية الفقيرة لا يجد الإنسان موضعًا في بيته لكثير من احتياجاته وممتلكاته فيقوم بتعليقها على مسامير في الحائط من ملابس وأدوات مطبخ وغسيل إلخ... الآن يرى النبي أن المسيا المخلص هو هذا المسمار أو الوتد المثبت في موضع أمين ليقوم المؤمن بتعليق كل ممتلكاته واحتياجاته عليه، وذلك في الكنيسة "بيت أبيه". هذه صورة رمزية تعني اتكال المؤمن على السيد المسيح الحال في كنيسته والحامل لكل أتعابنا. عليه يضع الملوك الأمناء أكاليل مملكتهم وعليه يضع الفقير احتياجاته البسيطة. أنه سند العظماء والفقراء بلا تمييز. كل إناء -أيًا كانت قيمته- يُعلق عليه يصير إناء للكرامة. فيقول المؤمن مع الرسول بولس: "ولكن لنا هذا الكنز في أوانٍ خزفية، ليكون فضل القوة لله لا منا" (2 كو 4: 7). هذا عن الإيمان بالسيد المسيح، الوتد الثابت في الكنيسة بيت الآب، فماذا يعني بزوال الوتد [25]؟ يرى البعض أن هذا الزوال يعني به رفض اليهود للمسيح المصلوب فيزول من وسطهم هؤلاء الذين لديهم النبوات عنه ومعهم الرموز، فيتحطمون. ويرى البعض أنه يُشير هنا إلى ما حسبه اليهود في ذلك الحين وتدًا أمينًا ثابتًا (شبنا أو غيره)، فيقارن بين الإيمان بالمسيا المخلص والاتكال على الطرق البشرية للخلاص. |
||||
19 - 07 - 2024, 05:18 PM | رقم المشاركة : ( 166964 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
* أعطانا الرب بمثاله كيف نستطيع أن ننتصر حين جُرب هو. الأب سرابيون |
||||
19 - 07 - 2024, 05:20 PM | رقم المشاركة : ( 166965 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كوش تقدم هدية الله يعتبر هذا الأصحاح من أكثر الأصحاحات غموضًا في الكتاب المقدس. يرى قلة من الدارسين أن الحديث هنا يخص آشور أما الغالبية فترى أن الحديث أما الغالبية فترى أن الحديث إما يخص مصر أو أثيوبيا. وقد رفض البعض نسبته إلى مصر بحجة أن الوحي الخاص بمصر جاء في الأصحاح التالي مبتدئًا بالقول "وحي من جهة مصر" (إش 19: 1). يُقصد بكوش جنوب مصر، حاليًا النوبة والسودان وأثيوبيا، وكان ملكها القدير ترهاقة (2 مل 19: 9) قد ملك على كوش ومصر؛ هذا بعث برسل على سفن صغيرة مصنوعة من حلف البردي إلى يهوذا طالبًا التحالف معه ضد سنحاريب ملك آشور. لقد أراد النبي أن يؤكد أن كان كوش يطلب تحالفًا ضد قوى آشور المتزايدة، فإن كوش ومعها مصر ستأتي إلى أورشليم مع بقية الأمم لتتعبد خاضعة لرب الجنود. بمعنى آخر الله لا يحتاج إلى تحالفات بشرية ضد قوى الشر إنما هو حصن منيع لكل الأمم التي تترجاه وتتعبد له. إرسالية من كوش: 1 يَا أَرْضَ حَفِيفِ الأَجْنِحَةِ الَّتِي فِي عَبْرِ أَنْهَارِ كُوشَ، 2 الْمُرْسِلَةَ رُسُلًا فِي الْبَحْرِ وَفِي قَوَارِبَ مِنَ الْبَرْدِيِّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ. اذْهَبُوا أَيُّهَا الرُّسُلُ السَّرِيعُونَ إِلَى أُمَّةٍ طَوِيلَةٍ وَجَرْدَاءَ، إِلَى شَعْبٍ مَخُوفٍ مُنْذُ كَانَ فَصَاعِدًا، أُمَّةِ قُوَّةٍ وَشِدَّةٍ وَدَوْسٍ، قَدْ خَرَقَتِ الأَنْهَارُ أَرْضَهَا. 3 يَا جَمِيعَ سُكَّانِ الْمَسْكُونَةِ وَقَاطِنِي الأَرْضِ، عِنْدَمَا تَرْتَفِعُ الرَّايَةُ عَلَى الْجِبَالِ تَنْظُرُونَ، وَعِنْدَمَا يُضْرَبُ بِالْبُوقِ تَسْمَعُونَ. 4 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ لِيَ الرَّبُّ: «إِنِّي أَهْدَأُ وَأَنْظُرُ فِي مَسْكَنِي كَالْحَرِّ الصَّافِي عَلَى الْبَقْلِ، كَغَيْمِ النَّدَى فِي حَرِّ الْحَصَادِ». 5 فَإِنَّهُ قَبْلَ الْحَصَادِ، عِنْدَ تَمَامِ الزَّهْرِ، وَعِنْدَمَا يَصِيرُ الزَّهْرُ حِصْرِمًا نَضِيجًا، يَقْطَعُ الْقُضْبَانَ بِالْمَنَاجِلِ، وَيَنْزِعُ الأَفْنَانَ وَيَطْرَحُهَا. 6 تُتْرَكُ مَعًا لِجَوَارِحِ الْجِبَالِ وَلِوُحُوشِ الأَرْضِ، فَتُصَيِّفُ عَلَيْهَا الْجَوَارِحُ، وَتُشَتِّي عَلَيْهَا جَمِيعُ وُحُوشِ الأَرْضِ. يوجه النبي حديثه إلى كوش قائلًا: "يا أرض حفيف الأجنحة التي في عبر أنهار كوش" [1]. ماذا يقصد بأرض حفيف الأجنحة؟ أ. يرى البعض أنها إشارة إلى السلطان الإمبراطوري الذي كان يبسط جناحيه على كل أرض كوش وما حولها. وقد استخدم الكتاب المقدس هذا التشبيه مرارًا كثيرة، فقيل عن ملك آشور "يكون بسط جناحيه ملء عرض بلادك يا عمانوئيل" (إش 8: 8). كما شبه ملك آشور بنسر عظيم ذي منكبين (حز 17). ب. يرى بعض الدارسين أن حفيف الأجنحة يُشير إلى سلطان مصر وعظمتها، وآخرون يروا إنها بريطانيا العظمى التي حملت أمجادًا عظيمة عبر البحار وآخرون حسبوها الولايات المتحدة الأمريكية التي تتخذ النسر شعارًا لها(231). ج. يُشير حفيف الأجنحة إلى الحشرات، لذا فهي ترمز إلى كوش كبلاد تشتهر بحشراتها الطائرة؛ خاصة وأن الكلمة العبرية هنا silsal استخدمت في (تث 28: 42) عن الحشرات (الصرصر)(232). د. كلمة sel تعني "ظلًا"، لذا فهي تُشير إلى بلاد قريبة من خط الاستواء حيث يكون الظل مضاعفًا (أو ذات أهمية لشدة الحر)(233). ه. اعتمد البعض في تفسيرهم على ما جاء في الترجمة السبعينية والترجوم أن حفيف الأجنحة يُشير إلى السفن؛ وكأن النبي يقول بأن سفن أثيوبيا تبحر باسطة شراعاتها كأجنحة الحشرات. اعتاد البحارة أن يدعو الشراع جناحًا. على أي الأحوال بعث ملك أثيوبيا رسلًا خلال سفنه المصنوعة من البردي، وكان على عجلة، لأن العدو على الأبواب ويمثل خطرًا على العالم كله في ذلك الحين. لقد عُرف الأثيوبيون بقدرتهم على التجسس على مواقع الأعداء وتحركاتهم بواسطة سفنهم الصغيرة السريعة، لهذا لم يتوان الملك في التحرك ليدعو يهوذا إلى التحالف ضد خطر آشور المتزايد. كانت إرسالية الملك هي للتحالف، لكنها ليست إرسالية سلام، وإنما إرسالية دعوة للحرب ضد آشور وثورة ضد سنحاريب، الأمر الذي تترقبه كل الشعوب، إذ قيل: "يا جميع سكان المسكونة وقاطني الأرض عندما ترتفع الراية (راية الحرب) على الجبال تنظرون، وعندما يُضرب بالبوق تسمعون" [3]. ليت رسل الإنجيل يحملون ذات الغيرة التي لملك أثيوبيا ورسله، فقد دعوا للانطلاق كي يتحالف الكل معًا لا ضد آشور وإنما ضد عدو الخير حين ترتفع راية الصليب ويُضرب بوق كلمة الله، فتدور المعركة الروحية تحت قيادة الكلمة الإلهية المتجسد المصلوب، يحملنا فيه ويخفينا في جنبه المطعون واهبًا إيانا روح الغلبة والنصرة. لقد دخل المعركة خلال تجربته على الجبل وانتصر باسمنا ولحسابنا، وبقى يُجاهد من أجلنا حتى أكمل جهاده بالصليب. * أعطانا الرب بمثاله كيف نستطيع أن ننتصر حين جُرب هو. الأب سرابيون القديس أغسطينوس يرى البعض أن الوصف هناك ينطبق على الأثيوبيين أو الآشورين أو الماديين... لكن الإرسالية كانت موجهة إلى شعب الله الذي دُعي "شعب مخوف"، لأن إلهه إله مخوف (خر 23: 27؛ 34: 10، تث 28: 58؛ يش 2: 9؛ مز 139: 14). إنه شعب مخوف منذ كان، أي منذ بداية نشأته، إذ خرج من مصر بيد قوية وذراع رفيعة. أما قوله "قد خرقت الأنهار أرضها" [2] فيُشير إلى خطورة موقفها، لأن العدو مزمع أن يُهاجمها فيكون كنهر جارف، ووصفها "أمة طويلة (ممدودة) وجرداء (حادة)" [2]، جاء في الترجمة السبعينية "أمة مسحوقة وممزقة"... إذ يسحب العدو الشعب كالغنم ويجرونهم إلى السبي فيصيروا مسحولين. إن كان النبي يطلب من الشعب ألا يقبل إرسالية ملك كوش للتحالف معًا، فما هو موقف الله من هجمات آشور على شعبه؟ "لأنه هكذا قال لي الرب: "إني أهدأ وأنظر في مسكني كالحر الصافي على البقل، كغيم الندى في حرّ الحصاد" [4]. يبدو كأن الله هادئًا ساكنًا لا يعبأ بأمورنا، وقد يترك الله ملك آشور المتجبر يدمر ويهلك ويُحطم مدنًا حتى يبلغ إلى أبواب أورشليم عندئذ يعلن الله عن دوره الخفي ويرد ملك آشور خائبًا محطمًا كبرياءه وجيشه. الله ضابط الكل يهتم بكل صغيرة وكبيرة، لكن في طول أناته نظنه قد نسينا أو لا يعبأ بحالنا، فنقول مع المرتل: "لا تتركنا إلى الغاية (كثيرًا)"، فإنه حتى فيما يبدو كأنه تركنا إنما هو يدير الأمر لخلاصنا وبنياننا. يُشبه القديس يوحنا الذهبي الفمالله بمربية تضع يديها في يديْ الطفل الصغير لكي تُدربه على المشي؛ وفجأة تنزع يديها عنه فيسقط ليرفع عينيه نحوها يُعاتبها بدموعه، أما هي فتعود تمسك بيديه... بهذا يتدرب على المشي. إنها تتركه من يديها لكنها لن تتركه عن فكرها أو قلبها. ما ندعوه تركًا هو رعاية، فإن الله ينظر إلينا وسط ضيقتنا فيحول المّر إلى حرّ يعطي نضوجًا للبقول، أو كغيم في حرّ الحصاد يُعطي رطوبة وظلًا... من الظاهر آلام ومن الداخل بنيان وراحة! يرى أيضًا في الضيقات نوعًا من "تقليم الشجر" أي نزع الفروع الزائدة حتى تأتي الشجرة بثمر متكاثر [5]. أخيرًا بعد أن سمح لسنحاريب بالنصرة على كثير من مدن يهوذا حطمه وحطم جيشه قبل دخوله أورشليم، فصارت جثثهم مأكلًا للوحوش والطيور الجارحة [6]، إذ مات في يوم واحد 185 ألفًا من جيش سنحاريب. |
||||
19 - 07 - 2024, 05:20 PM | رقم المشاركة : ( 166966 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
* يسوع قائدنا سمح لنفسه بالتجربة حتى يعلم أولاده كيف يحاربون. القديس أغسطينوس |
||||
19 - 07 - 2024, 05:23 PM | رقم المشاركة : ( 166967 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"لا تتركنا إلى الغاية (كثيرًا)" فإنه حتى فيما يبدو كأنه تركنا إنما هو يدير الأمر لخلاصنا وبنياننا. يُشبه القديس يوحنا الذهبي الفم الله بمربية تضع يديها في يديْ الطفل الصغير لكي تُدربه على المشي؛ وفجأة تنزع يديها عنه فيسقط ليرفع عينيه نحوها يُعاتبها بدموعه، أما هي فتعود تمسك بيديه... بهذا يتدرب على المشي. إنها تتركه من يديها لكنها لن تتركه عن فكرها أو قلبها. |
||||
20 - 07 - 2024, 07:51 AM | رقم المشاركة : ( 166968 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"هأَنَذَا قَدْ جَعَلْتُكَ الْيَوْمَ مَدِينَةً حَصِينَةً وَعَمُودَ حَدِيدٍ وَأَسْوَارَ نُحَاسٍ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ... فَيُحَارِبُونَكَ وَلاَ يَقْدِرُونَ عَلَيْكَ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ، يَقُولُ الرَّبُّ، لأُنْقِذَكَ" (إر1: 18- 19). إن كان الرب معك فلن يقف أمامك أي صعاب مهما كانت ضخامتها، لقد طمأن الله زربابل الوالي بأن المقاومين له سينحلوا ويصيروا أمامه كالأرض السهلة المنبسطة، حتى وإن كانوا كالجبل الضخم، وأنه سيضع حجر أساس الهيكل وسط هتاف الشعب، قائلًا: "مَنْ أَنْتَ أَيُّهَا الْجَبَلُ الْعَظِيمُ؟ أَمَامَ زَرُبَّابِلَ تَصِيرُ سَهْلًا! فَيُخْرِجُ حَجَرَ الزَّاوِيَةِ بَيْنَ الْهَاتِفِينَ: كَرَامَةً، كَرَامَةً لَهُ" (زك4: 7). فاحرص يا أخي على رضا الله وتقواه، لكي يكون معك، وإن كان الله معك فلا تخف من صعاب أو مقاومين أو مشاكل. امض في طريقك لتُتمم مشيئته المقدسة الصالحة، وهو سيصنع بك عجائب. |
||||
20 - 07 - 2024, 08:26 AM | رقم المشاركة : ( 166969 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يارب قُدْ خطواتنا في قداسة القلب حتى ما نعمل ما هو حق ولائق في عينيك وعيني رؤسائنا آمين |
||||
20 - 07 - 2024, 08:26 AM | رقم المشاركة : ( 166970 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أيها السيد الملك اظهر علينا وجهك، حتى ما نذوق الخيرات في سلام آمين |
||||