17 - 07 - 2024, 12:03 PM | رقم المشاركة : ( 166631 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المسيا والعصر المسياني لم يكن ممكنًا لإشعياء النبي أن ينحصر في الأحداث المعاصرة له ولا الخاصة بالمستقبل القريب بالنسبة له وإنما اتجه نحو الخلاص الأبدي، ليرى عمل الله العجيب لا بسقوط آشور ولا بعودة القلة الأمينة إلى يهوذا، وإنما بسقوط عدو الخير إبليس واجتماع المؤمنين من اليهود والأمم كأعضاء في جسد واحد يتمتعون بالملكوت المسياني العجيب. 1. ظهور ابن يسى: 1 وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ، في الأصحاح التاسع تحدث عن المخلص بكونه المولود العجيب: "لأنه يولد لنا ولد... ويدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا" (إش 9: 6)، أما هنا فيؤكد ناسوته بكونه الملك ابن يسى: "ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله" [1]. لم يقل ابن داود مع أنه شرعًا هو ابن داود، لكنه أراد تقديمه بصورة متواضعة جدًا، كقضيب وغصن من يسى الذي عاش ومات قليل الشأن. والعجيب أن نسل داود الملك ضعف جدًا حتى جاء يوسف والقديسة مريم فقراء للغاية. بينما يتحدث الوحي في الأصحاح السابق عن آشور -يمثل عدو الكنيسة- كأغصان مرتفعة وقوية (إش 10: 33) يظهر المسيا كقضيب أو غصن متواضع. أراد أن يسحق الكبرياء محطم البشرية باتضاعه. وكما تقول عنه الكنيسة في جمعة الصلبوت: "أظهر بالضعف (الصليب) ما هو أعظم من القوة". * هذا هو المسيح، فقد حُبل به بقوة الله بواسطة العذراء من نسل يعقوب، أب يهوذا، وأب اليهود، من نسل يسى... الشهيد يوستين "وَيَحُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ." [2]. إذ جاء السيد المسيح ممثلًا للبشرية حلّ عليه الروح القدس الذي ليس بغريب عنه، لأنه روحه. حلول الروح القدس على المسيح يختلف عن حلوله علينا؛ بالنسبة له حلول أقنومي، واحد معه في ذات الجوهر مع الآب، حلول بلا حدود. أما بالنسبة لنا فهي عطية مجانية ونعمة تُمنح لنا في المسيح يسوع قدر ما تحتمل طبيعتنا ليعمل على تجديدها المستمر. لذا قيل عن السيد المسيح "فيه سُرّ أن يحل كل الملء" (كو 1: 19، 2: 9)، ومن ملئه الذي يملأ الكل ينال جميع المؤمنين نعمة فوق نعمة (يو 1: 16). كلمة الله هو الحكمة عينها والفهم والقوة... فحلول الروح القدس ليس حلولًا زمنيًا بل هو اتحاد أزلي بين الأقانيم الثلاثة. بالتجسد الإلهي قَبِل ربنا يسوع ظهور الروح القدس حاّلا عليه لكي يهبنا نحن فيه، كأعضاء جسده، عطية الروح القدس واهب الحكمة والفهم والمشورة والقوة والمعرفة ومخافة الرب. ربما يسأل البعض: لماذا حلّ الروح القدس على السيد المسيح عند عماده؟ نُجيب: الروح القدس هو الذي شكّل ناسوت السيد المسيح منذ لحظة البشارة بالتجسد الإلهي. ولما كان لاهوت السيد لم يفارق ناسوته، لهذا لم يكن الناسوت قط في معزل عن الروح القدس، ولا في حاجة إلى تجديد الروح له، لأنه لم يسقط قط في خطية ولا كان للإنسان القديم موضع فيه، إنما طلب السيد أن يعتمد "لكي يكمل كل بر"، أي يقدم لنا برًا جديدًا نحمله فينا خلال جسده المقدس. حلول الروح عليه في الحقيقة كان لأجل الإنسانية التي تتقدس فيه، فتقبل روحه القدوس. في هذا يقول القديس غريغوريوس النيسي: [اليوم اعتمد (يسوع) من يوحنا لكي يظهر الذي تدنس، ولكي يجعل الروح ينحدر من فوق فيرفع الإنسان إلى السماء، ويقيم الساقط الذي انحدر وصار في عار. لقد أصلح المسيح كل الشرور، فأخذ البشرية الكاملة لكي يخلص البشرية، ولكي يصبح مثالًا لكل واحدٍ منا. لذلك فهو يقدس باكورة وثمار كل عمل يقوم به لكي يترك لعبيده غيرة حسنة بلا شك في اقتفاء أثره]. يتحدث القديس غريغوريوس النزينزيعن عمل الروح القدس في حياتنا كينبوع صلاحنا، قائلًا: [يُدعى روح الله وروح المسيح... وهو نفسه الرب. روح النبوة والحق والحرية، روح الحكمة والفهم والمشورة والقدرة والمعرفة والصلاح ومخافة الله. إنه صانع كل هذه الأمور، يملأ الكل بجوهره ويحوي كل الأشياء، يملأ العالم في جوهره ومع هذا فلا يمكن للعالم أن يدرك قوته. صالح ومستقيم، ملوكي بطبيعته وليس بالتبني. يُقدس ولا يتقدس، يقيس ولا يُقاس، يهب شركة ولا يحتاج إلى شركة، يملأ ولا يُملأ، يحوي ولا يُحوَى، يورث ويمجد... مع الآب والابن. هو إصبع الله، نار كالله (الآب)... الروح الخالق الذي يخلق من جديد بالمعمودية والقيامة. هو روح العالم بكل شيء، يهب حيث يشاء، يرشد ويتكلم ويرسل ويفرز ويحزن، يعلن وينير ويحييّ، أو بالحري هو ذات النور والحياة. يخلق هياكل ويؤله (يعطي شركة مع الله)، يهب كمالًا حتى قبل العماد [كما في حادث كرنيليوس (أع 10: 9)]، تطلبه بعد العماد كعطية... يفعل فينا العمل الإلهي، ينقسم في ألسنة ناريِّة مُقسِّمًا المواهب، يقيم الرسل والأنبياء والإنجيليين والرعاة والمعلمين. يُفهم بطرق متعددة، واضح، وينخس القلوب...]. 3. أعمال المخلص: "وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ، فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ، وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ، بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ، وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ." [3-4]. أ. يُقدم لنا السيد المسيح صورة حيّة عن التعامل مع الآخرين، وهي ألا تقوم على المظاهر الخارجية المجردة، وألا تكون حواسّنا هي الحكم خاصة الشم والنظر والسمع. يقول "لذته His breath تكون في مخافة الرب" [3]. حاسة الشم هي أسرع حاسة في حياة الإنسان، يلزم أن تمتص مع بقية الحواس بالمخافة الإلهية. هنا يجب أن نميز بين ثلاثة أنواع من الخوف: خوف العبيد، خوف الأجراء، وخوف البنين. فالعبيد يخافون سادتهم لئلا يقتلوهم، والأجراء يخافون العاملين لديهم لئلا يحرموهم الأجر أو المكافأة، أما الأبناء فيخافون لئلا تجرح مشاعر آبائهم. هذا الخوف السامي الذي يهبه روح الرب لنا حتى نهاب الله ليس خشية العقوبة ولا الحرمان من المكافأة وإنما لأننا أبناء لا نريد أن نجرح مشاعر محبته. ب. "لا يقضي بحسب نظر عينيه" [3]، إنما حسب الأعمال الداخلية بكونه فاحص القلوب والعارف بالأفكار والنيات. يأخذ السيد المسيح موقفًا مضادًا لما حدث في أيام إشعياء إذ كان القضاة يحكمون حسب الوجوه. هذه الضربة "المحاباة" كثيرًا ما تُصيب الملتزمين بمسئوليات قيادية، وقد وقف الرب حازمًا ضد هذا الوباء، فكان يوبخ القيادات الدينية التي أُصيبت بالمحاباة والرياء مثل الفريسيين والصدوقيين والكتبة، بينما كان يدعو الأطفال إليه بلطف ويترفق بالخطاة والعشارين. ج. رفض الوشايات البشرية: "لا يحكم بحسب سمع أذنيه" [3]. د. اهتمامه بالمساكين والبائسين والمظلومين [4]. ه. "ويضرب الأرض بقضيب فمه" [4]. جاء رب المجد يضرب بكلمته (قضيب فمه) أو بسيف فمه (رؤ 2: 16؛ 19: 6)، سيف الكلمة ذي الحدين (عب 4: 3) كل من التصق بمحبة الأرضيات فصار أرضًا. غايته أن يُحطم فينا محبة الزمنيات ليرفع كل طاقاتنا نحو السمويات. جاء لكي يُميت الرياء والنفاق بروحه القدوس (نفخة شفتيه)، فيعيش المؤمنون بالروح القدس العامل في داخلهم دون أن ينشغلوا بالمظاهر الخادعة. و. "ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه" [5]. كان الأغنياء في الشرق يلبسون منطقة مزركشة بالخيوط الذهبية كزينة علامة العظمة والبهاء ولكيما ترفع الثوب الفضفاض. أما الفقراء خاصة العبيد فيلبسون منطقة زهيدة تساعد الإنسان على سرعة الحركة في خدمته لسيده وضيوفه، كما تستخدم المنطقة أثناء السفر لرفع الثياب، ويستخدمها الجند... على أي الأحوال جاء ربنا يسوع المسيح إلى العالم ملكًا روحيًا يتمنطق بالبر والأمانة علامة غناه وجماله بكونه القدوس واهب الحياة القدسية، وجاء كخادم يتمنطق لكي يغسل الأقدام البشرية حتى يُطهر كل من يقبل إليه. كثيرًا ما يُشبّه البر بالثوب أو المنطقة، إذ ببر المسيح نستتر ونتحرك للعمل والجهاد (أي 29: 14؛ مز 109: 18، 19، أف 6: 13- 17؛ رؤ 19: 8). 4. سمات العصر المسياني: 5 وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَةَ مَتْنَيْهِ، وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ. 6 فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا. 7 وَالْبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعًا، وَالأَسَدُ كَالْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْنًا. 8 وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ الصِّلِّ، وَيَمُدُّ الْفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ الأُفْعُوَانِ. 9 لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ. بعد أن تحدث عن عمل السيد المسيح استطرد ليتحدث عن العصر المسياني، مقدمًا لنا صورة حيَّة عنه أبرزها اتسام البشرية المؤمنة بالاتحاد معًا في جسد واحد، يحملون طبيعة الحب والسلام، فتختفي من حياتهم كل ثورة أو عنف أو حب لسفك الدماء والقتل أو التخريب والتدمير. يصوّر هذا العصر قائلًا: "فيسكن الذئب مع الخروف" [6]؛ لا يوجد تضاد أعظم من هذا، يسكن سافك الدم مع الحمل الوديع العاجز عن الدفاع عن نفسه. يعيش صاحب القلب الذئبي المحب للافتراس مع الإنسان الوديع كالحمل، يحملان طبيعة جديدة دستورها الحب والوفاق. لم يعد من كان ذئبًا يهدد الحمل، ولا الحمل يخشى من كان قبلًا من فئة الذئاب، إذ صار الكل قطيعًا واحدًا يحمل الخليقة الجديدة التي في المسيح يسوع. "ويربض النمر مع الجدي" [6]. الأول حيوان يترقب الفريسة ليُهاجمها غدرًا والثاني يلهو بلا اكتراث فهو مثير للنمر كي ينقض عليه... لكن طبيعة العنف والافتراس قد نُزعت عن النمر ليربض مع الجدي. "والعجل والشبل والمسمن معًا وصبي صغير يسوقها" [7]. قطيع عجيب غير متجانس، تحت قيادة عجيبة. من يتخيل صبيًا صغيرًا يقود عجلًا في رفقته شبلًا ومسمنًا! هذا الصبي الصغير يُشير إلى القيادات الروحية الكنسية التي تستطيع بروح البساطة أن تخلق بروح الرب من المؤمنين القادمين من أمم وشعوب مختلفة والذين يحملون مواهب متعددة قطيعًا وديعًا يخضع بروح الإنجيل كما لصبي صغير. حقًا إن القيادات الوديعة- كالصبي- التي لا تعرف حب السيطرة تعرف أن تحول الأشبال إلى قطعان وذلك بعمل روح الرب. "والبقرة والدبة ترعيان" [7]. يرى القديس إكليمندس الاسكندري أن البقرة تُشير إلى اليهود لأنها من الحيوانات التي تحت النير وهي طاهرة حسب الشريعة بينما الدبة تُشير إلى الأمم والشعوب الوثنية إذ هي مفترسة (عنيفة) وبحسب الناموس غير طاهرة. وكأنه من سمات العصر المسياني أن يجتمع أعضاء من أصل يهودي مع آخرين من أصل أممي في "رعية" واحدة، تحت قيادة الراعي الواحد الصالح. لما كانت الدبة مع اتسامها بالافتراس إلاَّ أنها بطيئة الحركة لذا فإن البقرة الحلوب تُحسب فريسة ثمينة وسهلة تقدر على افتراسها دون أن تفلت منها، على عكس الثور الصغير. مع هذا الإغراء نجد مصالحة عجيبة بينهما وصداقة بينهما كما بين صغارهما، إذ قيل: "تربض أولادهما معًا" [7]. هذا ما حدث فعلًا إذ جاءت الأجيال التالية في كنيسة العهد الجديد لا تحمل تمييزًا بين من هم من أصل يهودي أو أممي. "والأسد كالبقر يأكل تبنًا" [7]، إذ فقد طبعه الوحشي وتغيرت طبيعته فصار كالحيوان المستأنس لا يطلب لحمًا بل تبنًا. "ويلعب الرضيع على سرب الصل" [8]؛ لا يعود الرضيع ينزعج لأنه قد بطل سم الصلِّ. "ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان" [8]. يمد الفطيم يده إلى فم الأفعوان ولا يُصاب بشيء. في اختصار عمل السيد المسيح هو تغيير الطبيعة البشرية الشرسة خلال خدامه المتسمين بروح الوداعة، فتحمل الكنيسة كلها - خدامًا ومخدومين - روح الحب والوحدة. بهذا لا يُصيب الكنيسة -جبل قدس الرب- فساد "لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب" [9]، لا معرفة فلسفية عقلانية بحتة، إنما معرفة التلاقي والاتحاد والخبرة العملية للحياة الجديدة في الرب. هذه المعرفة الروحية تملأ حياة المؤمنين كأمر طبيعي تتحقق بتجسد كلمة الرب الذي جاء يُعرفنا الحق، وبعمل روحه القدوس، فصارت المعرفة تملأ الأرض "كما تُغطي المياه البحر" [9]. يقول رب المجد نفسه: "إنه مكتوب في الأنبياء: ويكون الجميع متعلمين من الله" (يو 6: 45؛ إش 54: 13؛ إر 31: 34؛ مي 4: 2؛ عب 8: 10؛ 10: 16). يحدثنا القديس مقاريوس الكبير عن هذه المعرفة الروحية العملية، قائلًا: [إذ تتحد (النفس) مع الروح المُعزي بألفة لا توصف، وتختلط بالروح تمامًا تُحسب أهلًا أن تصير هي نفسها روحًا، باختلاطها معه حينئذ تصير كلها نورًا وكلها عينًا وكلها روحًا وكلها فرحًا وكلها راحة وكلها بهجة وكلها محبة وكلها أحشاء وكلها صلاحًا ورأفات]. 5. سلام بين الشعوب: 10 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ أَصْلَ يَسَّى الْقَائِمَ رَايَةً لِلشُّعُوبِ، إِيَّاهُ تَطْلُبُ الأُمَمُ، وَيَكُونُ مَحَلُّهُ مَجْدًا. 11 وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أَنَّ السَّيِّدَ يُعِيدُ يَدَهُ ثَانِيَةً لِيَقْتَنِيَ بَقِيَّةَ شَعْبِهِ، الَّتِي بَقِيَتْ، مِنْ أَشُّورَ، وَمِنْ مِصْرَ، وَمِنْ فَتْرُوسَ، وَمِنْ كُوشَ، وَمِنْ عِيلاَمَ، وَمِنْ شِنْعَارَ، وَمِنْ حَمَاةَ، وَمِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ. 12 وَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ، وَيَجْمَعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ، وَيَضُمُّ مُشَتَّتِي يَهُوذَا مِنْ أَرْبَعَةِ أَطْرَافِ الأَرْضِ. 13 فَيَزُولُ حَسَدُ أَفْرَايِمَ، وَيَنْقَرِضُ الْمُضَايِقُونَ مِنْ يَهُوذَا. أَفْرَايِمُ لاَ يَحْسِدُ يَهُوذَا، وَيَهُوذَا لاَ يُضَايِقُ أَفْرَايِمَ. 14 وَيَنْقَضَّانِ عَلَى أَكْتَافِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ غَرْبًا، وَيَنْهَبُونَ بَنِي الْمَشْرِقِ مَعًا. يَكُونُ عَلَى أَدُومَ وَمُوآبَ امْتِدَادُ يَدِهِمَا، وَبَنُو عَمُّونَ فِي طَاعَتِهِمَا. 15 وَيُبِيدُ الرَّبُّ لِسَانَ بَحْرِ مِصْرَ، وَيَهُزُّ يَدَهُ عَلَى النَّهْرِ بِقُوَّةِ رِيحِهِ، وَيَضْرِبُهُ إِلَى سَبْعِ سَوَاق، وَيُجِيزُ فِيهَا بِالأَحْذِيَةِ. 16 وَتَكُونُ سِكَّةٌ لِبَقِيَّةِ شَعْبِهِ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ أَشُّورَ، كَمَا كَانَ لإِسْرَائِيلَ يَوْمَ صُعُودِهِ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. أ. جاء السيد المسيح ليُقيم ملكوته من كل الأمم والشعوب، واهبًا سلامًا للمؤمنين الحقيقيين "ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسَّى القائم راية للشعوب إياه تطلب الأمم ويكون محله مجدًا" [10]. اقتبس الرسول بولس هذه النبوة عندما تحدث عن تمجيد الأمم لله من أجل رحمته عليهم (رو 15: 6، 12) مبينًا أن قوله "في ذلك اليوم" تحقق بمجيء المسيا الذي ضم الأمم في ملكوته. لقد صار رب المجد يسوع "راية" تجمع حولها أبناء الله المتفرقين إلى واحد (يو 11: 52)، فصاروا رعية واحدة لراعٍ واحد. صار السيد راية تعلن الحب الإلهي في أعمق صوره برفعه على الصليب باسطًا يديه ليضم العالم كله في أحضانه (يو 12: 32)، كارزًا بفرح إنجيل الخلاص الذي ردّ للإنسان كرامته الأولى وغلبته على قوات الظلمة، فاتحًا لهم أبواب الفردوس. يقول "إياه تطلب الأمم"؛ إنه مشتهى الشعوب، بحث عنه اليونانيون (يو 12: 20-21)؛ وأرسل قائد المئة كرينليوس الأممي إلى بطرس لكي يسمع عن السيد المسيح (أع 10). "ويكون محله مجدًا"؛ جاء في الترجمة اليسوعية "يكون مثواه مجدًا"؛ لعله يقصد أن صليبه الذي كان عارًا صار بقيامته مجدًا، إذ صار قبره الفارغ مقدسًا للمؤمنين فيه يدركون حقيقة مسيحهم واهب الحياة والقيامة. ب. ضم السيد المسيح إلى كنيسته البقية التي قبلت الخلاص، وقد جاءت من أماكن متفرقة (أع 2؛ يع 1: 1؛ 1بط 1: 1)؛ لذلك يقول النبي: "ويكون في ذلك اليوم أن السيد يُعيد يده ثانية ليقتني بقية شعبه التي بقيت من آشور ومن مصر ومن فِتْروس (مصر العليا) ومن كوش ومن عيلام (مملكة في شرق نهر دجلة وشمال شرقي الخليج الفارسي) ومن شنعار (سهل بابل) ومن حماة ومن جزائر البحر" [11]. تحققت هذه النبوة في عيد العنصرة وأيضًا خلال خدمة الرسل وعبر الأجيال، وستتحقق مرة أخرى بصورة أوسع في الأيام الأخيرة حينما يقبل اليهود الإيمان بالسيد المسيح كقول الرسول بولس (رو 11: 11-27). في ذلك اليوم ينضم قابلوا الإيمان القادمون من اليهود إلى الكنيسة التي سبق أن ضمت الأمم ويكون الكل أعضاء في جسد واحد: "ويرفع راية للأمم ويجمع منفييّ إسرائيل ويضم مُشتتي يهوذا من أربعة أطراف الأرض" [12]. يحاول بعض المفسرين أن يحسبوا ذلك مجدًا لأمة إسرائيل بطريقة حرفية، إنما هنا إعلان عن مجد الكنيسة التي تضم من الأمم واليهود معًا تجمع الكل من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها دون تمييز في الجنس... إذ يصير الكل كنيسة واحدة تحمل راية مسيحها الواحد. ج. يُقدم الاتحاد الذي تم بين إسرائيل (أفرايم) ويهوذا عند عودتهم من السبي بعد أن استحكمت النزاعات بل والعداوة بينهما قرونًا طويلة صورة للاتحاد بين الأمم واليهود [13]. في القديم كان الفلسطينيون وبنو المشرق وأدوم وعمون وموآب ومصر مقاومين للشعب لذا وهب الله شعبه إمكانية النصرة عليهم [14-16]، أما في العهد الجديد فتكون الغلبة لا بانتصارات حربية وإنما بقبول هذه الأمم للإيمان الحيّ فتصير أدوات للبناء لا للمقاومة والهدم. الله الذي سبق فحول البحر لخلاص شعبه إذ أجازهم فيه بعد أن فتح لهم فيه طريقًا للعبور هكذا يجفف كل مقاومة في قلوب الأمم لينفتح طريق الملكوت المسياني. بمعنى آخر الذي أصعد شعبه من مصر مجتازًا بهم وسط مياه البحر الأحمر، هو الذي يعبر بهم من آشور بعد السبي [16]، وهو الذي يعبر بالأمم إلى ملكوته بالرغم من كل العقبات والصعوبات التي تقف أمامهم. تسبحة المفديين اجتاز إشعياء النبي حالة الضيق التي أصابت نفسه بسبب ما بلغ إليه الشعب من فساد، الأمر الذي لأجله سمح الله بتأديبه بواسطة آشور وتلامس مع عمل الله الخلاصي لا بإعادة المسبيين إلى يهوذا وإنما ما هو أعظم: ظهور ابن يسى راية للأمم يجمع بحبه الفائق مؤمنيه من كل الشعوب ليتمتعوا بسلامه السماوي. لم يكن أمام النبي إلاَّ أن يُسجل على لسان هؤلاء المفديين بدم المخلص تسبحة مفرحة تعتبر امتدادًا للنبوة الواردة في الأصحاح السابق التي تشدو بمجد المسيح وشخصه وعمله وملكوته وشعبه. 1. مراحم الله وسط غضبه: "وَتَقُولُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: «أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ، لأَنَّهُ إِذْ غَضِبْتَ عَلَيَّ ارْتَدَّ غَضَبُكَ فَتُعَزِّينِي." [1]. تبدأ الترنيمة الجديدة التي ينطق بها كل من يتمتع بعمل السيد المسيح الخلاصي بالكلمات: "وتقول في ذلك اليوم". أي يوم هذا؟ إنه يوم الصليب أو يوم الكفارة العظيم الذي فيه نحمد الرب الذي حوّل الغضب إلى خلاص وتعزية ومجد. لقد تجسم الغضب الإلهي على الخطية التي نرتكبها بصلب السيد المسيح - كلمة الله المتجسد - ليرفعنا من الغضب إلى المجد. ظهرت تعزيات الله العجيبة إذ حررنا لا من السبي البابلي وإنما من أسر إبليس وجنوده وأعماله الشريرة ليملك البر فينا. هكذا نُقدم الحمد والشكر لله لا كالفريسي الذي وقف في الهيكل مفتخرًا على الآخرين، وإنما كاللص اليمين المطرود خارج المحلة من أجل خطاياه فيجد في صحبته المسيح الرب مصلوبًا لأجله، يفتح له أبواب الفردوس. هكذا يرتد غضب الله علينا إلى تعزيات سماوية إلهية فائقة. في ذلك اليوم صار هو نفسه سلامنا (أف 2: 14)، وفيه صالح الله العالم لنفسه (2 كو 5: 19). 2. يهوه سرّ خلاصنا وقوتنا وفرحنا: "هُوَذَا اللهُ خَلاَصِي فَأَطْمَئِنُّ وَلاَ أَرْتَعِبُ، لأَنَّ يَاهَ يَهْوَهَ قُوَّتِي وَتَرْنِيمَتِي وَقَدْ صَارَ لِي خَلاَصًا». فَتَسْتَقُونَ مِيَاهًا بِفَرَحٍ مِنْ يَنَابِيعِ الْخَلاَصِ." [2-3]. اقتبست الكنيسة القبطية جزءًا من هذه التسبحة لتنشدها للرب المصلوب في يومي خميس العهد وجمعة الصلبوت، وهو: "قوتي وتسبحتي (ترنيمتي) هو الرب، وقد صار لي خلاصًا. الله هو سر قوتنا وتسبيحنا وخلاصنا! في وسط مشاركة الكنيسة عريسها آلامه تسبح وتنشد؛ أما تسبحتها أو أنشودتها فهو المسيح نفسه، هو كل شيء بالنسبة لها. بالمسيح المصلوب عرفنا الهتاف (مز 89: 15)؛ هتاف الغلبة على إبليس وأعماله الشريرة! هتاف الخلاص الذي به ننتقل من الشمال إلى اليمين ننعم بشركة الملكوت السماوي المفرح. بالصليب تفجَّر ينبوع دم وماء من الجنب المطعون لنتقدس ونتطهر، ولكن نشرب ونفرح، إذ وجدنا ينبوع خلاصنا الأبدي. هنا يدعو الله "ياه يهوه"؛ "ياه" هي اختصار للاسم "يهوه"، وكأن التسبحة تكرر هذا اللقب الإلهي "يهوه" لتأكيد أنه الله السمردي غير المتغير، يتكئ عليه المؤمن فيجد فيه قوته وفرحه وخلاصه إلى الأبد، فيطمئن على الدوام دون تخّوف. وكما يقول القديس أغسطينوس: [إن شئت أن يكون فرحك ثابتًا باقيًا، التصق بالله السرمدي، ذاك الذي لا يعتريه تغيير، بل يستمر ثابتًا على حال واحد إلى الأبد]. 3. الشهادة لأعمال الله: 4 وَتَقُولُونَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: «احْمَدُوا الرَّبَّ. ادْعُوا بِاسْمِهِ. عَرِّفُوا بَيْنَ الشُّعُوبِ بِأَفْعَالِهِ. ذَكِّرُوا بِأَنَّ اسْمَهُ قَدْ تَعَالَى. 5 رَنِّمُوا لِلرَّبِّ لأَنَّهُ قَدْ صَنَعَ مُفْتَخَرًا. لِيَكُنْ هذَا مَعْرُوفًا فِي كُلِّ الأَرْضِ. 6 صَوِّتِي وَاهْتِفِي يَا سَاكِنَةَ صِهْيَوْنَ، لأَنَّ قُدُّوسَ إِسْرَائِيلَ عَظِيمٌ فِي وَسَطِكِ». يرى البعض أن العبارات السابقة [1-3] تمثل تسبحة مستقلة عن العبارات التالية [4-6] التي تمثل تسبحة ثانية. على أي الأحوال إن كانت الأولى تعلن انبعاث الحمد والتسبيح في النفس خلال التمتع بخلاص الرب، فإن الثانية مكملة لها تعلن الالتزام بالشهادة لله المخلص أمام الأمم. فما نختبره خلال اتحادنا مع الله مخلصنا يثير فينا شوقًا نحو تمتع الغير بذات الخلاص. "وتقولون في ذلك اليوم: احمدوا الرب، ادعوا باسمه، عرِّفوا بين الشعوب بأفعاله، ذكّروا بأن اسمه قد تعالى. رنموا للرب لأنه قد صنع مفتخرًا، ليكن هذا معروفًا في كل الأرض. صوِّتي واهتفي يا ساكنة صهيون، لأن قدوس إسرائيل عظيم في وسطك" [4-6]. كيف نكرز بالرب؟ أ. بالتبشير: "عرفوا بين الشعوب بأفعاله"، وكما يقول الرب لتلاميذه: "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مر 16: 5). كل مؤمن يلتزم بالشهادة لمخلصه، إذ نرى المرتل داود وهو يعلن توبته في المزمور الخمسين يقول: "امنحني بهجة خلاصك فأعلم الخطاة طرقك". ب. بالفرح المقدس: "رنموا للرب لأنه قد صنع مفتخرًا، ليكن هذا معروفًا في كل الأرض". ليست شهادة للمخلص أعظم من تلامس الغير مع فرحنا الداخلي بالرب الذي يجتاز كل الأحداث والمتاعب. يقول المرتل: "حينئذ امتلأت أفواهنا فرحًا وألسنتنا ترنمًا، حينئذ قالوا بين الأمم: إن الرب قد عظم الصنيع معنا" (مز 26: 2). صوت التهليل الداخلي يشهد لسكني القدوس فينا! الفرح المقدس يعلن عن ملكوت الله المفرح في داخلنا. جاء في سيرة القديس أبوللو الكاهن بطيبة على حدود هرموبوليس (أشمونين)، أن وجهه كان دائم البشاشة، مجتذبًا بذلك كثيرين إلى الحياة النسكية كحياة مفرحة في الداخل، ومشبعة للقلب بالرب نفسه. كثيرًا ما كان يُردد القول: [لماذا نُجاهد ووجوهنا عابسة؟! ألسنا ورثة الحياة الأبدية؟ اتركوا العبوس والوجوم للوثنيين والعويل للخطاة (الأشرار)، أما الأبرار والقديسون فحري بهم أن يمرحوا ويبتسموا لأنهم يستمتعون بالروحيات]. وحيّ من جهة بابل إذ تحدث النبي عن السيد المسيح وأمجاد عصره خشى أن يفهم البعض أن هذا الأمر يتم في عهده أو في المستقبل القريب لذلك تنبأ عن بابل وما سيحل بالشعب خلال السبي البابلي ثم العودة من السبي. قبل مجيء السيد المسيح تظهر مملكة بابل بكل عنفوانها لتتحطم، ويأتي المسيا ليملك ولا يكون لملكه نهاية. يتكرر الأمر بالنسبة لمجيئه الأخير حيث تظهر مملكة الدجال كمملكة بابل تُقاوم الكنيسة وتسود العالم لكنها تنهار ليأتي رب المجد على السحاب. بابل وغيرها من الأمم العنيفة إنما تُمثل المقاومة لله ولكنيسته... وقد جاء الوحي هنا يعلن أن كل القوى المُعادية لله ومسيحه وشعبه لن تدوم بل تنهار. 1. وحي من جهة بابل: "وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ بَابِلَ رَآهُ إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ:" [1]. أراد النبي تأكيد أنه هو كاتب النبوة، تمتع بها من جهة بابل. أما تأكيده أنه هو الذي رآها فذلك لسببين: أ. إن كان إشعياء قد تنبأ بخصوص يهوذا وأورشليم لكنه يتحدث هنا عن مصير الأمم المجاورة مؤكدًا أن الله إله القديسين هو بعينه إله جميع الأمم. ب. لم يكن لبابل حسبان في ذلك الوقت، فكان يصعب على السامع أو القارئ أن يُصدق ما يقال عنها من هذه النبوات. جاءت كلمة "وحي" بالعبرية massâh وقد تُرجمت في الترجوم والفولجاتا والنسخة السريانية بمعنى "حمل" أو "ثقل burden"، ربما لأن النبي نفسه بسبب رقته كان يشعر بثقل شديد مرارة من جهة ما سيحل بهذه الأمم من متاعب وتأديبات إلهيه. فإن كانت هذه التأديبات عن استحقاق وستؤول في النهاية للخير لكن النبي كرجل الله لا يقف شامتًا بل متألمًا. بهذا الروح عاشت الكنيسة الأولى تؤدب لكن في حب وترفق لا تغلق باب التوبة أمام الخطاة حتى بالنسبة لمنكري الإيمان. وقد حسبت أمثال نوفاتيوس هراطقة من أجل قسوتهم على الخطاة. وكما يقول القديس أمبروسيوسفي رده عليه: [بهذا حكموا على فساد تعليمهم، إذ بإنكارهم سلطان الحل أنكروا سلطانهم للربط أيضًا... ماذا أقول أيضًا عن عجرفتهم المتزايدة؟ فإن إرادتهم تُناقض إرادة روح الرب الذي يميل إلى الرحمة لا إلى القسوة... إنهم يفعلون ما لا يريده. لأنه هو الديان ومن حقه أن يعاقب، نجده برحمته يعفو...! يجب أن نعرف أن الله إله رحمة، يميل إلى العفو لا إلى القسوة. لذلك قيل: "أُريد رحمة لا ذبيحة" (هو 6: 6)، فكيف يقبل الله تقدماتكم يا من تنكرون الرحمة، وقد قيل عن الله إنه لا يشاء موت الخاطئ مثل أن يرجع (حز 18: 32)؟]. يظن بعض الدارسين أن ما ورد عن بابل في الأصحاحين (13، 14) ليس من وضع إشعياء النبي، وحجتهم في ذلك: أ. أن بابل كانت مرتبطة بصداقة مع يهوذا (إش 39)، فكيف يعلن عن نبوة قاسية ضدها؟! ب. كانت بابل خاضعة لآشور في ضعف. ج. يبدو من الحديث أن إسرائيل كان مسبيًا لبابل أثناء إعلان النبوة. يُرد على ذلك بأن النبي كان يتحدث عن المستقبل بروح النبوة، فيُشير إلى تأديب إسرائيل بواسطة آشور ثم موقف بابل فيما بعد عندما تحطم آشور وتصير مملكة عظمى، وسبي الشعب ثم عودته، وأخيرًا مجيء المخلص عمانوئيل في ملء الزمان. يتكلم النبي عن المستقبل كحاضر يعيشه، وهذا أمر طبيعي اعتاده الأنبياء لتأكيد أن ما يعلنون عنه يتم تحقيقه بدقة. هذا ولا نتجاهل أن النبي الذي قدم تفاصيل دقيقة عن شخص السيد المسيح وحياته وعمله الخلاصي وسِمات عصره يستطيع أن يتنبأ عن قيام دولة بابل وسبي الشعب بواسطتها الأمر الذي تم بعد حوالي 100 عام من إعلان النبوة. وقد ردد إرميا النبي فيما بعد -أثناء العصر البابلي- ذات صرخات إشعياء . أخيرًا فإن حديث النبي عن الرجوع من السبي (إش 11) وتهديده بالسبي البابلي (إش 39) يدل على أن موضوع السبي البابلي لم يكن بعيدًا عن ذهن إشعياء النبي. 2. دعوة الأمم لمقاتلة بابل: 2 أَقِيمُوا رَايَةً عَلَى جَبَل أَقْرَعَ. ارْفَعُوا صَوْتًا إِلَيْهِمْ. أَشِيرُوا بِالْيَدِ لِيَدْخُلُوا أَبْوَابَ الْعُتَاةِ. 3 أَنَا أَوْصَيْتُ مُقَدَّسِيَّ، وَدَعَوْتُ أَبْطَالِي لأَجْلِ غَضَبِي، مُفْتَخِرِي عَظَمَتِي. 4 صَوْتُ جُمْهُورٍ عَلَى الْجِبَالِ شِبْهَ قَوْمٍ كَثِيرِينَ. صَوْتُ ضَجِيجِ مَمَالِكِ أُمَمٍ مُجْتَمِعَةٍ. رَبُّ الْجُنُودِ يَعْرُضُ جَيْشَ الْحَرْبِ. 5 يَأْتُونَ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، مِنْ أَقْصَى السَّمَاوَاتِ، الرَّبُّ وَأَدَوَاتُ سَخَطِهِ لِيُخْرِبَ كُلَّ الأَرْضِ. لم تكن بابل قد ظهرت عظمتها بعد، لكن النبي يراها قادمة، عاصمتها مدينة عتاة، لهذا يبدأ نبوته عنها بتحريض الرب للأمم كي تتجمهر ضد بابل وتقتحم أبوابها وتذل كبرياءها، قائلًا: "أقيموا راية على جبل أقرع" [2]. هكذا يصدر الله أمرًا بمحاربة بابل فيدعو الأمم أن تقيم راية الحرب على جبل خالٍ من كل شجر أو نباتات حتى يمكن لكل الجيش أن يراها. كانت العادة في القديم أن يجمع بعض الجنود حطبًا ويوقدونه ليلًا على الجبل علامة بدء الحرب؛ لذا فإن وجودهم على جبل خالٍ من الأشجار يُساعد سرعة انتباه الجيش لبدء الحرب. "ارفعوا صوتًا إليهم" [2]، أي اضربوا بالأبواق لأجل تحميس الجيوش. "أشيروا باليد ليدخلوا أبواب العتاة (الأشراف)" [2]، أي يلوحون بالأيدي لتشجيع الهمم من أجل اقتحام مدينة الأحرار الأشراف في شجاعة وإقدام. ما هي بابل إلاَّ النفس المتعجرفة التي يلزمنا أن نقتحمها لا برايات الحرب ولا بأصوات الأبواق ولا بالتلويح بأيادٍ بشرية وإنما برفع راية الحب التي لمسيحنا المصلوب لتقول: "علمه فوقي محبة" (نش 2: 4). لنضرب ببوق الإنجيل المفرح للنفوس، ولنمد يد الحب العملي لنسند النفس الضعيفة التي أذلها الكبرياء... هكذا نقتحم النفس بروح الرب العامل فينا فنجتذبها لحساب ملكوته السماوي خلال الحرب الروحية الفعّالة بالنعمة الإلهية وليس بالعمل البشري. الحديث هنا أعظم من أن يكون خاصًا بدعوة فارس ومادي لاقتحام الإمبراطورية العظيمة بابل، إنما هو دعوة تمس خلاص النفس الأبدي. لهذا يكمل قائلًا: "أنا أوصيت مقدسي ودعوت أبطالي لأجل غضبي مفتخري عظمتي، صوت جمهور على الجبال شبه قوم كثيرين، صوت ضجيج ممالك أمم مجتمعة. رب الجنود يعرضُ جيش الحرب. يأتون من أرض بعيدة من أقصى السموات الرب وأدوات سخطه ليُخرب الأرض" [3-5]. يلاحظ في هذا النص: أولًا: من هم هؤلاء المقدسين والأبطال المنتسبون لله الذين يُستخدمون في هذه المعركة؟ يرى البعض أنهم القيادات العسكرية لفارس ومادي، فقد دعيت لمعركة مقدسة، ليسوا لأنهم في حياتهم أو إيمانهم قديسون وإنما لأن الله دعاهم دون أن يدروا لتحقيق أهدافه المقدسة، ووهبهم قوة للعمل واستخدمهم لتحقيق أمور ليست في أفكارهم. لقد حُسبوا أبطال الله بالرغم من عدم إيمانهم به، كما دُعِيَ كورش الوثني مسيح الرب الذي أمسك الله بيمينه ليدوس أمامه أممًا إلخ... (إش 45: 1). هكذا هو صلاح الله العجيب، إذ يحّول طاقات وأعمال حتى الأشرار لحساب نمو ملكوته وبنيان النفوس. إن كان الله قد دعا مقتحمي بابل الوثنيين مقدسيه وأبطاله، فماذا يكون حال أولاده "الجنود الروحيين" الذين بحق هي قديسوا الرب إذ هم مفرزون للعمل الروحي القدسي، الذين يُحاربون ضد إبليس وكل أعماله الشريرة من أجل تقديس أعماقهم وتقديس الغير بكسبهم بالحب الإلهي؛ كما يدعوهم "أبطاله" لأنهم يحملون قوته ويعملون بروحه القدوس؛ وأيضًا يحسبهم "مفتخري عظمته" إذ يحققون مجد اسم الله العظيم. يرى الآباء القديسون أن المعمودية هي دخول إلى الجندية الروحية حيث يُختم طالب العماد بختم الروح ويُحسب جنديًا روحيًا لحساب مملكة الرب. * يأتي كل واحد منكم ويقدم نفسه أمام الله في حضرة جيوش الملائكة غير المحصية، فيضع الروح القدس علامة على نفوسكم. بهذا تُسجل أنفسكم في جيش الملك العظيم. القديس كيرلس الأورشليمي القديس يوحنا الذهبي الفم القديس غريغوريوس النيصي * كم من كثيرين هاجموا الكنيسة فهلك الذين هاجموها، أما هي فحلقت في السماء. * الكنيسة هي رجاؤك، خلاصك، وملجأك. إنها أعلى من السماء وأوسع من المسكونة. القديس يوحنا الذهبي الفم هذا من الجانب الرمزي، أما من الجانب الحرفي فقد دعا الله الأمم من فارس ومادي وغيرهما ليستخدمهم لتخريب كل أرض بابل العظيمة. 3. يوم خراب بابل: 6 وَلْوِلُوا لأَنَّ يَوْمَ الرَّبِّ قَرِيبٌ، قَادِمٌ كَخَرَابٍ مِنَ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. 7 لِذلِكَ تَرْتَخِي كُلُّ الأَيَادِي، وَيَذُوبُ كُلُّ قَلْبِ إِنْسَانٍ. 8 فَيَرْتَاعُونَ. تَأْخُذُهُمْ أَوْجَاعٌ وَمَخَاضٌ. يَتَلَوَّوْنَ كَوَالِدَةٍ. يَبْهَتُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ. وُجُوهُهُمْ وُجُوهُ لَهِيبٍ. 9 هُوَذَا يَوْمُ الرَّبِّ قَادِمٌ، قَاسِيًا بِسَخَطٍ وَحُمُوِّ غَضَبٍ، لِيَجْعَلَ الأَرْضَ خَرَابًا وَيُبِيدَ مِنْهَا خُطَاتَهَا. 10 فَإِنَّ نُجُومَ السَّمَاوَاتِ وَجَبَابِرَتَهَا لاَ تُبْرِزُ نُورَهَا. تُظْلِمُ الشَّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا، وَالْقَمَرُ لاَ يَلْمَعُ بِضَوْئِهِ. 11 وَأُعَاقِبُ الْمَسْكُونَةَ عَلَى شَرِّهَا، وَالْمُنَافِقِينَ عَلَى إِثْمِهِمْ، وَأُبَطِّلُ تَعَظُّمَ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَضَعُ تَجَبُّرَ الْعُتَاةِ. 12 وَأَجْعَلُ الرَّجُلَ أَعَزَّ مِنَ الذَّهَبِ الإِبْرِيزِ، وَالإِنْسَانَ أَعَزَّ مِنْ ذَهَبِ أُوفِيرَ. 13 لِذلِكَ أُزَلْزِلُ السَّمَاوَاتِ وَتَتَزَعْزَعُ الأَرْضُ مِنْ مَكَانِهَا فِي سَخَطِ رَبِّ الْجُنُودِ وَفِي يَوْمِ حُمُوِّ غَضَبِهِ. 14 وَيَكُونُونَ كَظَبْيٍ طَرِيدٍ، وَكَغَنَمٍ بِلاَ مَنْ يَجْمَعُهَا. يَلْتَفِتُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى شَعْبِهِ، وَيَهْرُبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى أَرْضِهِ. 15 كُلُّ مَنْ وُجِدَ يُطْعَنُ، وَكُلُّ مَنِ انْحَاشَ يَسْقُطُ بِالسَّيْفِ. 16 وَتُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ، وَتُنْهَبُ بُيُوتُهُمْ وَتُفْضَحُ نِسَاؤُهُمْ. 17 هأَنَذَا أُهَيِّجُ عَلَيْهِمِ الْمَادِيِّينَ الَّذِينَ لاَ يَعْتَدُّونَ بِالْفِضَّةِ، وَلاَ يُسَرُّونَ بِالذَّهَبِ، 18 فَتُحَطِّمُ الْقِسِيُّ الْفِتْيَانَ، ولاَ يَرْحَمُونَ ثَمَرَةَ الْبَطْنِ. لاَ تُشْفِقُ عُيُونُهُمْ عَلَى الأَوْلاَدِ. 19 وَتَصِيرُ بَابِلُ، بَهَاءُ الْمَمَالِكِ وَزِينَةُ فَخْرِ الْكِلْدَانِيِّينَ، كَتَقْلِيبِ اللهِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ. 20 لاَ تُعْمَرُ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ تُسْكَنُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ، وَلاَ يُخَيِّمُ هُنَاكَ أَعْرَابِيٌّ، وَلاَ يُرْبِضُ هُنَاكَ رُعَاةٌ، 21 بَلْ تَرْبُضُ هُنَاكَ وُحُوشُ الْقَفْرِ، وَيَمْلأُ الْبُومُ بُيُوتَهُمْ، وَتَسْكُنُ هُنَاكَ بَنَاتُ النَّعَامِ، وَتَرْقُصُ هُنَاكَ مَعْزُ الْوَحْشِ، 22 وَتَصِيحُ بَنَاتُ آوَى فِي قُصُورِهِمْ، وَالذِّئَابُ فِي هَيَاكِلِ التَّنَعُّمِ، وَوَقْتُهَا قَرِيبُ الْمَجِيءِ وَأَيَّامُهَا لاَ تَطُولُ. يصور لنا النبي يوم خراب بابل المرهب على أيدي فارس ومادي بكونه يوم الرب الذي فيه يعلن غضبه على بابل المقاومة له ولأولاده. لقد تحقق ذلك على يديّ كورش الذي لم يكن قاسيًا لكن جيشه كان عنيفًا متوحشًا همجيًا؛ لذلك خرب الجند بابل ليس من أجل سلبها كنوزها قدر ما كان ذلك رغبة في سفك الدماء. يرى البعض أن ما ورد هنا تحقق فعلًا في أيام كورش ولكن بصورة جزئية، غير أنه سيتحقق بصورة أشمل في الأيام الأخيرة كما جاء في سفر الرؤيا (رؤ 17) عن دينونة الزانية العظيمة الجالسة على مياه كثيرة، بابل العظيمة أم الزواني. أقول إن هذه النبوة تعلن عما يتم بالنسبة لمملكة إبليس ليس فقط في الأيام الأخيرة وإنما في قلب كل إنسان يقبل الإيمان بالسيد المسيح كملك يُقيم أورشليمًا جديدة فيه عوض بابل الزانية، أي يُقيم مدينته المقدسة عوض مملكة إبليس. أ. يقول النبي: "ولولوا لأن يوم الرب قادم كخراب من القادر على كل شيء، لذلك ترتخي كل الأيادي" [6]، فلا يقووا على حمل السلاح. لقد صارت مملكة بابل سيدة العالم كله؛ قد أطال الله أناته عليها عشرات السنوات، والبابليون يتمادون في كبرياء قلوبهم وعجرفتهم ضد الرب نفسه، لذلك إذ يسقطون تحت غضبه ترتخي أياديهم العنيفة الحاملة للسلاح، فيصيرون في ضعف شديد وموضع سخرية. هذه هي صورة عدو الخير كما كشفها القديس يوحنا الذهبي الفمفي رسالته إلى صديقه ثيؤدور الساقط، موضحًا له أن إبليس يظهر عنيفًا للغاية وذا قوة وجبروت لكننا إذ نحمل مسيحنا يضعف وينهار. وفي مقال عن: "سلطان الإنسان على مقاومة الشيطان يقول: [الشيطان شرير، وأنا أسلّم بذلك، لكنه شرير بالنسبة لذاته وليس بالنسبة لنا مادمنا حذرين، لأن هكذا هي طبيعة الشر، إنها مهلكة بالنسبة للذين يتمسكون به وحدهم"]. ب. "ويذوب قلب كل إنسان، فيرتاعون" [7-8]. هكذا ينتاب الكل حالة من الرعدة والخوف، من رجال ونساء وشباب وشيوخ وأطفال؛ يصير الكل منهارًا ليس من يسند أخاه بل كل واحد يُحطم نفسه كما يُحطم من هم حوله! سر رعدتهم حرمانهم من مخافة الله، فمن يخاف الله لا يخاف إنسانًا ولا أحداثًا بل يمتلئ فرحًا وسلامًا، لذا قيل: "رأس الحكمة مخافة الله". يقول القديس مار أفرام السرياني: [لتكن خشية الله في قلبك أيها الحبيب مثل السلاح بيد الجندي]. ج. "يتلوُّون من الألم كالوالدة وهي في حالة طلق" [8]، فقد حملوا في داخلهم ثمر شر يلدونه مرارة المُرّ. والعجيب أن الكتاب المقدس يشبه آلام الأشرار بآلام الطلق وأيضا آلام المؤمنين (يو 16: 20)، الأولون يئنون في يأس وبرعدة لأنهم يلدون ريحًا (إش 26: 18)، أما الآخرون فيفرحون وسط الحزن الخارجي لأنهم ينجبون إنسانًا في العالم (يو 16: 20). د. تصير "وجوهكم وجوه لهيب" [8]، محمرة خجلًا بسبب انكسارهم الشديد وجنبهم، كما تبهت أحيانًا وجوههم [8]، إذ تصفر بسبب الخوف. ه. "تصير أرضهم خرابًا ليس من يمشي عليها" [9]، كرمز لما يحل بالجسد (الأرض) من فقدان لكل حيوية حقيقية. من يُقاوم الرب من أجل شهوات الجسد يفقد حتى جسده وتخرب نفسه الداخلية، إذ قيل: "لذلك أُزلزل السموات (النفس) وتُتزعزع الأرض (الجسد) من مكانها في سخط" [13]. ربما يُشير هنا أيضًا إلى ثورة الطبيعة ضد من يعصى خالقها. وكأن من يعصَى الرب تعصاه الطبيعة ذاتها! و. يحل بهم الظلام "فإن نجوم السموات وجبابرتها لا تبرز نورها، تظلم الشمس عند طلوعها، والقمر لا يلمع بضوءه" [10]. هذا يُشير إلى ظلمة الجهل التي تحل بالإنسان المقاوم لله، فإنه لا يرى نور الكواكب جميعها بما فيها الشمس والقمر. لا يرى شمس البر، أي الإيمان بالمسيح القادر أن يهبه حكمة ومعرفة، ولا يرى نور القمر أي الحياة الكنسية المستنيرة بالرب بكونها القمر الحامل انعكاسات نور الشمس، ولا يتمتع بنور الكواكب الأخرى أو الشركة مع القديسين الذين يضيئون ككواكب منيرة. ز. يموت الرجال في الحرب، وإذ اعتادت النساء في بابل على الحياة الخليعة لذا يطلبن رجلًا لتحقيق شهواتهن الرديئة فيصعب عليهم وجوده: "وأجعل الرجل أعز من الذهب الإبريز والإنسان أعز من ذهب أوفير (ربما مقاطعة في الجنوب الشرقي من العربية أو مكان في الساحل الغربي للهند)" [12]. أيضًا يُشير ذلك إلى قلة الأيدي العاملة بسبب الحرب مع عودة المسبيين وتحرر الأمم من السلطان البابلي. ح. فقدان القيادة والرعاية: "ويكونون كظبي طريد وكغنم بلا من يجمعها، يلتفتون كل واحد إلى شعبه، ويهربون كل واحد إلى أرضه" [14]. يقصد هنا أنه يوم انكسار بابل يفقد الجيش القيادة فيهرب الجنود المأجورون أو المسخرون من الأمم كل إلى بلده. هذه هي حال النفس البعيدة عن الله فإنها تفقد قيادتها الداخلية، ليعيش الإنسان كطريد أو كغنم بلا راع يجمعها... يحمل في داخله صراعات مُرّة وتشتيت فكر مع تحطيم للطاقات الداخلية. ط. بطش بالكل دون تمييز بين عسكري أو مدني، رجل أو امرأة أو طفل [15]. هنا يصّور ما يفعله مادي ضد بابل، فإن الماديين لا يحطمونها لاقتناء غنى [17] وإنما لتحطيم كل طاقات بابل، فلا يبالون بفتى صغير ولا بجنين في بطن أمه [18]، إنهم يخربون كل مواردها فتصير كسدوم وعمورة اللتين احترقتا بنار من السماء. ى. تصير بابل قفرًا أبديًا، لا يسكنها إعرابي يرعى غنمه ولا يربض فيها رعاة خوفًا من الحيوانات المفترسة التي تسكنها (إش 30: 20-21). تصير خرابًا يسكن البوم ما تبقى من المنازل، ويوجد بها بنات النعام ومعز الوحش وبنات آوي والذئاب. يقول الأب سيرينوس: [يجب ألا نأخذ كل هذه الأسماء بطريقة عشوائية، إنما تُشير إلى شراسة (الشياطين) وجنونهم تحت رمز الوحوش المفترسة، بكونها ضارة وخطيرة... وأكثر منها شرًا]. إنها صورة للنفس التي تستسلم لعدو الخير فيستخدمها لحساب ملكوت الظلمة، يملأها شرًا ويحولها إلى معمل للفساد: "تربض هناك وحوش القفر" [21]... يسكنها العنف والشراسة ومحبة سفك الدماء البريئة بلا سبب. "يملأ البوم بيوتهم" [21]، حيث يتشاءم غالبية الشرقيين من أصواتها... وكأنه لا تُسمع في داخل الإنسان الشرير سوى أصوات اليأس والتشاؤم الذي يكشف عن فراغ داخلي. "تسكن هناك بنات النعام" [21]، أي مملوءة نجاسة (لا 11: 16؛ تث 14: 15)، صوتها كالنحيب (مي 1: 8) لا يدخل إليها الفرح السماوي، طبعها جاف لا تحب بيضها (مرا 4: 3)؛ تدفن رأسها في الرمال متى رأت صيادًا يقترب إليها، وكان يُظن أنها تفعل ذلك لأنها تحسب أنه بذلك لا يراها الصياد لكن ظهر حديثًا أنها تفعل ذلك لأنها أجبن من أن ترى نفسها تقع ضحية للصيادين. "ترقص هناك معز الوحش" [21]. ربما يعني الوعل، لا يوجد إلاَّ في الأماكن المقفرة. هكذا ترقص وتلهو الشياطين في النفس الشريرة إذ تجد فيها موضعًا لها. "وتصيح بنات آوي (حيوان أكبر من الثعلب وأصغر من الذئب) في قصورهم والذئاب في هياكل التنعم" [22]... أي تتحول القصور والهياكل من أماكن للتنعم إلى مأوي للحيوانات الشرسة. هذا كله حل ببابل "بهاء الممالك وزينة فخر الكلدانيين" [19]، المدينة الذهبية (إش 14: 4)، الغنية في كنوزها (إر 51: 13)، فخر كل الأرض (إر 51: 41)، شُبهت بالرأس الذهبي في التمثال المذكور في سفر دانيال. تحققت فيها النبوات كما وردت بطريقة حرفية، إذ يذكر التاريخ أن كورش هدم جزءًا كبيرًا من أسوار بابل وأبنيتها، وبعد 20 عامًا قام داريوس بهدم بقية الأسوار ونزع أبوابها النحاسية مع صلب ثلاثة ألاف من عظمائها. يُقال إن طول سور بابل كان 60 ميلًا، 15 ميلًا من كل جانب، ارتفاعه 300 قدم وسمكه 80 قدمًا، يمكن لست مركبات أن تسير بجوار بعضها على السور(199).عمقه في الأرض 35 قدمًا حتى لا يحفر العدو طريقًا لنفسه تحته، ومُقام على السور 250 برجًا للمراقبة والحراسة، وبه 100 بوابة نحاسية ضخمة لامعة. بالفعل تحولت بابل إلى خراب، وقد حاول اسكندر الأكبر أن يعيد مجدها لكنه مات قبل تنفيذ مشروعاته. استخدمت حجارتها في بناء بغداد وإصلاح الترع وإقامة الكثير من المرافق العامة. أخيرًا فقد أكد النبي أن ما يقوله يتحقق سريعًا: "ووقتها قريب المجيء وأيامها لا تطول" [22]. فقد بدأ نجم بابل يتألق عام 606 ق.م.، وسقطت في يد فارس ومادي عام 536 ق.م.، بينما جاءت النبوة في القرن الثامن ق.م. لقد بقيت بابل رمزًا لكل نفس متكبرة عاصية كما جاء في سفر الرؤيا، وقد قيل: "إنه في ساعة واحدة جاءت دينونتك" (رؤ 18: 10). |
||||
17 - 07 - 2024, 12:04 PM | رقم المشاركة : ( 166632 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المخلص بكونه المولود العجيب: "لأنه يولد لنا ولد... ويدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا" (إش 9: 6)، أما هنا فيؤكد ناسوته بكونه الملك ابن يسى: "ويخرج قضيب من جذع يسى وينبت غصن من أصوله" [1]. لم يقل ابن داود مع أنه شرعًا هو ابن داود، لكنه أراد تقديمه بصورة متواضعة جدًا، كقضيب وغصن من يسى الذي عاش ومات قليل الشأن. والعجيب أن نسل داود الملك ضعف جدًا حتى جاء يوسف والقديسة مريم فقراء للغاية. بينما يتحدث الوحي في الأصحاح السابق عن آشور -يمثل عدو الكنيسة- كأغصان مرتفعة وقوية (إش 10: 33) يظهر المسيا كقضيب أو غصن متواضع. أراد أن يسحق الكبرياء محطم البشرية باتضاعه. وكما تقول عنه الكنيسة في جمعة الصلبوت: "أظهر بالضعف (الصليب) ما هو أعظم من القوة". |
||||
17 - 07 - 2024, 12:06 PM | رقم المشاركة : ( 166633 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
* هذا هو المسيح، فقد حُبل به بقوة الله بواسطة العذراء من نسل يعقوب، أب يهوذا، وأب اليهود، من نسل يسى... الشهيد يوستين |
||||
17 - 07 - 2024, 12:08 PM | رقم المشاركة : ( 166634 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
جاء السيد المسيح ممثلًا للبشرية حلّ عليه الروح القدس الذي ليس بغريب عنه، لأنه روحه. حلول الروح القدس على المسيح يختلف عن حلوله علينا؛ بالنسبة له حلول أقنومي، واحد معه في ذات الجوهر مع الآب، حلول بلا حدود. أما بالنسبة لنا فهي عطية مجانية ونعمة تُمنح لنا في المسيح يسوع قدر ما تحتمل طبيعتنا ليعمل على تجديدها المستمر. لذا قيل عن السيد المسيح "فيه سُرّ أن يحل كل الملء" (كو 1: 19، 2: 9)، ومن ملئه الذي يملأ الكل ينال جميع المؤمنين نعمة فوق نعمة (يو 1: 16). كلمة الله هو الحكمة عينها والفهم والقوة... فحلول الروح القدس ليس حلولًا زمنيًا بل هو اتحاد أزلي بين الأقانيم الثلاثة. بالتجسد الإلهي قَبِل ربنا يسوع ظهور الروح القدس حاّلا عليه لكي يهبنا نحن فيه، كأعضاء جسده، عطية الروح القدس واهب الحكمة والفهم والمشورة والقوة والمعرفة ومخافة الرب. |
||||
17 - 07 - 2024, 12:09 PM | رقم المشاركة : ( 166635 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لماذا حلّ الروح القدس على السيد المسيح عند عماده؟ نُجيب: الروح القدس هو الذي شكّل ناسوت السيد المسيح منذ لحظة البشارة بالتجسد الإلهي. ولما كان لاهوت السيد لم يفارق ناسوته، لهذا لم يكن الناسوت قط في معزل عن الروح القدس، ولا في حاجة إلى تجديد الروح له، لأنه لم يسقط قط في خطية ولا كان للإنسان القديم موضع فيه، إنما طلب السيد أن يعتمد "لكي يكمل كل بر"، أي يقدم لنا برًا جديدًا نحمله فينا خلال جسده المقدس. حلول الروح عليه في الحقيقة كان لأجل الإنسانية التي تتقدس فيه، فتقبل روحه القدوس. في هذا يقول القديس غريغوريوس النيسي: [اليوم اعتمد (يسوع) من يوحنا لكي يظهر الذي تدنس، ولكي يجعل الروح ينحدر من فوق فيرفع الإنسان إلى السماء، ويقيم الساقط الذي انحدر وصار في عار. لقد أصلح المسيح كل الشرور، فأخذ البشرية الكاملة لكي يخلص البشرية، ولكي يصبح مثالًا لكل واحدٍ منا. لذلك فهو يقدس باكورة وثمار كل عمل يقوم به لكي يترك لعبيده غيرة حسنة بلا شك في اقتفاء أثره]. يتحدث القديس غريغوريوس النزينزيعن عمل الروح القدس في حياتنا كينبوع صلاحنا، قائلًا: [يُدعى روح الله وروح المسيح... وهو نفسه الرب. روح النبوة والحق والحرية، روح الحكمة والفهم والمشورة والقدرة والمعرفة والصلاح ومخافة الله. إنه صانع كل هذه الأمور، يملأ الكل بجوهره ويحوي كل الأشياء، يملأ العالم في جوهره ومع هذا فلا يمكن للعالم أن يدرك قوته. صالح ومستقيم، ملوكي بطبيعته وليس بالتبني. يُقدس ولا يتقدس، يقيس ولا يُقاس، يهب شركة ولا يحتاج إلى شركة، يملأ ولا يُملأ، يحوي ولا يُحوَى، يورث ويمجد... مع الآب والابن. هو إصبع الله، نار كالله (الآب)... الروح الخالق الذي يخلق من جديد بالمعمودية والقيامة. هو روح العالم بكل شيء، يهب حيث يشاء، يرشد ويتكلم ويرسل ويفرز ويحزن، يعلن وينير ويحييّ، أو بالحري هو ذات النور والحياة. يخلق هياكل ويؤله (يعطي شركة مع الله)، يهب كمالًا حتى قبل العماد [كما في حادث كرنيليوس (أع 10: 9)]، تطلبه بعد العماد كعطية... يفعل فينا العمل الإلهي، ينقسم في ألسنة ناريِّة مُقسِّمًا المواهب، يقيم الرسل والأنبياء والإنجيليين والرعاة والمعلمين. يُفهم بطرق متعددة، واضح، وينخس القلوب...]. |
||||
17 - 07 - 2024, 12:16 PM | رقم المشاركة : ( 166636 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القديس غريغوريوس النيسي [اليوم اعتمد (يسوع) من يوحنا لكي يظهر الذي تدنس، ولكي يجعل الروح ينحدر من فوق فيرفع الإنسان إلى السماء، ويقيم الساقط الذي انحدر وصار في عار. لقد أصلح المسيح كل الشرور، فأخذ البشرية الكاملة لكي يخلص البشرية، ولكي يصبح مثالًا لكل واحدٍ منا. لذلك فهو يقدس باكورة وثمار كل عمل يقوم به لكي يترك لعبيده غيرة حسنة بلا شك في اقتفاء أثره]. |
||||
17 - 07 - 2024, 12:18 PM | رقم المشاركة : ( 166637 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يتحدث القديس غريغوريوس النزينزي عن عمل الروح القدس في حياتنا كينبوع صلاحنا، قائلًا: [يُدعى روح الله وروح المسيح... وهو نفسه الرب. روح النبوة والحق والحرية، روح الحكمة والفهم والمشورة والقدرة والمعرفة والصلاح ومخافة الله. إنه صانع كل هذه الأمور، يملأ الكل بجوهره ويحوي كل الأشياء، يملأ العالم في جوهره ومع هذا فلا يمكن للعالم أن يدرك قوته. صالح ومستقيم، ملوكي بطبيعته وليس بالتبني. يُقدس ولا يتقدس، يقيس ولا يُقاس، يهب شركة ولا يحتاج إلى شركة، يملأ ولا يُملأ، يحوي ولا يُحوَى، يورث ويمجد... مع الآب والابن. هو إصبع الله، نار كالله (الآب)... الروح الخالق الذي يخلق من جديد بالمعمودية والقيامة. هو روح العالم بكل شيء، يهب حيث يشاء، يرشد ويتكلم ويرسل ويفرز ويحزن، يعلن وينير ويحييّ، أو بالحري هو ذات النور والحياة. يخلق هياكل ويؤله (يعطي شركة مع الله)، يهب كمالًا حتى قبل العماد [كما في حادث كرنيليوس (أع 10: 9)]، تطلبه بعد العماد كعطية... يفعل فينا العمل الإلهي، ينقسم في ألسنة ناريِّة مُقسِّمًا المواهب، يقيم الرسل والأنبياء والإنجيليين والرعاة والمعلمين. يُفهم بطرق متعددة، واضح، وينخس القلوب...]. |
||||
17 - 07 - 2024, 12:22 PM | رقم المشاركة : ( 166638 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أعمال المخلص: "وَلَذَّتُهُ تَكُونُ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ، فَلاَ يَقْضِي بِحَسَبِ نَظَرِ عَيْنَيْهِ، وَلاَ يَحْكُمُ بِحَسَبِ سَمْعِ أُذُنَيْهِ، بَلْ يَقْضِي بِالْعَدْلِ لِلْمَسَاكِينِ، وَيَحْكُمُ بِالإِنْصَافِ لِبَائِسِي الأَرْضِ، وَيَضْرِبُ الأَرْضَ بِقَضِيبِ فَمِهِ، وَيُمِيتُ الْمُنَافِقَ بِنَفْخَةِ شَفَتَيْهِ." [3-4]. أ. يُقدم لنا السيد المسيح صورة حيّة عن التعامل مع الآخرين، وهي ألا تقوم على المظاهر الخارجية المجردة، وألا تكون حواسّنا هي الحكم خاصة الشم والنظر والسمع. يقول "لذته His breath تكون في مخافة الرب" [3]. حاسة الشم هي أسرع حاسة في حياة الإنسان، يلزم أن تمتص مع بقية الحواس بالمخافة الإلهية. هنا يجب أن نميز بين ثلاثة أنواع من الخوف: خوف العبيد، خوف الأجراء، وخوف البنين. فالعبيد يخافون سادتهم لئلا يقتلوهم، والأجراء يخافون العاملين لديهم لئلا يحرموهم الأجر أو المكافأة، أما الأبناء فيخافون لئلا تجرح مشاعر آبائهم. هذا الخوف السامي الذي يهبه روح الرب لنا حتى نهاب الله ليس خشية العقوبة ولا الحرمان من المكافأة وإنما لأننا أبناء لا نريد أن نجرح مشاعر محبته. ب. "لا يقضي بحسب نظر عينيه" [3]، إنما حسب الأعمال الداخلية بكونه فاحص القلوب والعارف بالأفكار والنيات. يأخذ السيد المسيح موقفًا مضادًا لما حدث في أيام إشعياء إذ كان القضاة يحكمون حسب الوجوه. هذه الضربة "المحاباة" كثيرًا ما تُصيب الملتزمين بمسئوليات قيادية، وقد وقف الرب حازمًا ضد هذا الوباء، فكان يوبخ القيادات الدينية التي أُصيبت بالمحاباة والرياء مثل الفريسيين والصدوقيين والكتبة، بينما كان يدعو الأطفال إليه بلطف ويترفق بالخطاة والعشارين. ج. رفض الوشايات البشرية: "لا يحكم بحسب سمع أذنيه" [3]. د. اهتمامه بالمساكين والبائسين والمظلومين [4]. ه. "ويضرب الأرض بقضيب فمه" [4]. جاء رب المجد يضرب بكلمته (قضيب فمه) أو بسيف فمه (رؤ 2: 16؛ 19: 6)، سيف الكلمة ذي الحدين (عب 4: 3) كل من التصق بمحبة الأرضيات فصار أرضًا. غايته أن يُحطم فينا محبة الزمنيات ليرفع كل طاقاتنا نحو السمويات. جاء لكي يُميت الرياء والنفاق بروحه القدوس (نفخة شفتيه)، فيعيش المؤمنون بالروح القدس العامل في داخلهم دون أن ينشغلوا بالمظاهر الخادعة. و. "ويكون البر منطقة متنيه والأمانة منطقة حقويه" [5]. كان الأغنياء في الشرق يلبسون منطقة مزركشة بالخيوط الذهبية كزينة علامة العظمة والبهاء ولكيما ترفع الثوب الفضفاض. أما الفقراء خاصة العبيد فيلبسون منطقة زهيدة تساعد الإنسان على سرعة الحركة في خدمته لسيده وضيوفه، كما تستخدم المنطقة أثناء السفر لرفع الثياب، ويستخدمها الجند... على أي الأحوال جاء ربنا يسوع المسيح إلى العالم ملكًا روحيًا يتمنطق بالبر والأمانة علامة غناه وجماله بكونه القدوس واهب الحياة القدسية، وجاء كخادم يتمنطق لكي يغسل الأقدام البشرية حتى يُطهر كل من يقبل إليه. كثيرًا ما يُشبّه البر بالثوب أو المنطقة، إذ ببر المسيح نستتر ونتحرك للعمل والجهاد (أي 29: 14؛ مز 109: 18، 19، أف 6: 13- 17؛ رؤ 19: 8). |
||||
17 - 07 - 2024, 12:32 PM | رقم المشاركة : ( 166639 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سمات العصر المسياني: 5 وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَةَ مَتْنَيْهِ، وَالأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ. 6 فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الْخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الْجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعًا، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا. 7 وَالْبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلاَدُهُمَا مَعًا، وَالأَسَدُ كَالْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْنًا. 8 وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ الصِّلِّ، وَيَمُدُّ الْفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ الأُفْعُوَانِ. 9 لاَ يَسُوؤُونَ وَلاَ يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي الْمِيَاهُ الْبَحْرَ. بعد أن تحدث عن عمل السيد المسيح استطرد ليتحدث عن العصر المسياني، مقدمًا لنا صورة حيَّة عنه أبرزها اتسام البشرية المؤمنة بالاتحاد معًا في جسد واحد، يحملون طبيعة الحب والسلام، فتختفي من حياتهم كل ثورة أو عنف أو حب لسفك الدماء والقتل أو التخريب والتدمير. يصوّر هذا العصر قائلًا: "فيسكن الذئب مع الخروف" [6]؛ لا يوجد تضاد أعظم من هذا، يسكن سافك الدم مع الحمل الوديع العاجز عن الدفاع عن نفسه. يعيش صاحب القلب الذئبي المحب للافتراس مع الإنسان الوديع كالحمل، يحملان طبيعة جديدة دستورها الحب والوفاق. لم يعد من كان ذئبًا يهدد الحمل، ولا الحمل يخشى من كان قبلًا من فئة الذئاب، إذ صار الكل قطيعًا واحدًا يحمل الخليقة الجديدة التي في المسيح يسوع. "ويربض النمر مع الجدي" [6]. الأول حيوان يترقب الفريسة ليُهاجمها غدرًا والثاني يلهو بلا اكتراث فهو مثير للنمر كي ينقض عليه... لكن طبيعة العنف والافتراس قد نُزعت عن النمر ليربض مع الجدي. "والعجل والشبل والمسمن معًا وصبي صغير يسوقها" [7]. قطيع عجيب غير متجانس، تحت قيادة عجيبة. من يتخيل صبيًا صغيرًا يقود عجلًا في رفقته شبلًا ومسمنًا! هذا الصبي الصغير يُشير إلى القيادات الروحية الكنسية التي تستطيع بروح البساطة أن تخلق بروح الرب من المؤمنين القادمين من أمم وشعوب مختلفة والذين يحملون مواهب متعددة قطيعًا وديعًا يخضع بروح الإنجيل كما لصبي صغير. حقًا إن القيادات الوديعة- كالصبي- التي لا تعرف حب السيطرة تعرف أن تحول الأشبال إلى قطعان وذلك بعمل روح الرب. "والبقرة والدبة ترعيان" [7]. يرى القديس إكليمندس الاسكندري أن البقرة تُشير إلى اليهود لأنها من الحيوانات التي تحت النير وهي طاهرة حسب الشريعة بينما الدبة تُشير إلى الأمم والشعوب الوثنية إذ هي مفترسة (عنيفة) وبحسب الناموس غير طاهرة. وكأنه من سمات العصر المسياني أن يجتمع أعضاء من أصل يهودي مع آخرين من أصل أممي في "رعية" واحدة، تحت قيادة الراعي الواحد الصالح. لما كانت الدبة مع اتسامها بالافتراس إلاَّ أنها بطيئة الحركة لذا فإن البقرة الحلوب تُحسب فريسة ثمينة وسهلة تقدر على افتراسها دون أن تفلت منها، على عكس الثور الصغير. مع هذا الإغراء نجد مصالحة عجيبة بينهما وصداقة بينهما كما بين صغارهما، إذ قيل: "تربض أولادهما معًا" [7]. هذا ما حدث فعلًا إذ جاءت الأجيال التالية في كنيسة العهد الجديد لا تحمل تمييزًا بين من هم من أصل يهودي أو أممي. "والأسد كالبقر يأكل تبنًا" [7]، إذ فقد طبعه الوحشي وتغيرت طبيعته فصار كالحيوان المستأنس لا يطلب لحمًا بل تبنًا. "ويلعب الرضيع على سرب الصل" [8]؛ لا يعود الرضيع ينزعج لأنه قد بطل سم الصلِّ. "ويمد الفطيم يده على جحر الأفعوان" [8]. يمد الفطيم يده إلى فم الأفعوان ولا يُصاب بشيء. في اختصار عمل السيد المسيح هو تغيير الطبيعة البشرية الشرسة خلال خدامه المتسمين بروح الوداعة، فتحمل الكنيسة كلها - خدامًا ومخدومين - روح الحب والوحدة. بهذا لا يُصيب الكنيسة -جبل قدس الرب- فساد "لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب" [9]، لا معرفة فلسفية عقلانية بحتة، إنما معرفة التلاقي والاتحاد والخبرة العملية للحياة الجديدة في الرب. هذه المعرفة الروحية تملأ حياة المؤمنين كأمر طبيعي تتحقق بتجسد كلمة الرب الذي جاء يُعرفنا الحق، وبعمل روحه القدوس، فصارت المعرفة تملأ الأرض "كما تُغطي المياه البحر" [9]. يقول رب المجد نفسه: "إنه مكتوب في الأنبياء: ويكون الجميع متعلمين من الله" (يو 6: 45؛ إش 54: 13؛ إر 31: 34؛ مي 4: 2؛ عب 8: 10؛ 10: 16). يحدثنا القديس مقاريوس الكبير عن هذه المعرفة الروحية العملية، قائلًا: [إذ تتحد (النفس) مع الروح المُعزي بألفة لا توصف، وتختلط بالروح تمامًا تُحسب أهلًا أن تصير هي نفسها روحًا، باختلاطها معه حينئذ تصير كلها نورًا وكلها عينًا وكلها روحًا وكلها فرحًا وكلها راحة وكلها بهجة وكلها محبة وكلها أحشاء وكلها صلاحًا ورأفات]. |
||||
17 - 07 - 2024, 12:36 PM | رقم المشاركة : ( 166640 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"والبقرة والدبة ترعيان" . يرى القديس إكليمندس الاسكندري أن البقرة تُشير إلى اليهود لأنها من الحيوانات التي تحت النير وهي طاهرة حسب الشريعة بينما الدبة تُشير إلى الأمم والشعوب الوثنية إذ هي مفترسة (عنيفة) وبحسب الناموس غير طاهرة. وكأنه من سمات العصر المسياني أن يجتمع أعضاء من أصل يهودي مع آخرين من أصل أممي في "رعية" واحدة، تحت قيادة الراعي الواحد الصالح. |
||||