17 - 07 - 2024, 10:04 AM | رقم المشاركة : ( 166611 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المزمور المئة والتاسع عشر كلمة الله "طوبى للكاملين طريقًا السالكين في شريعة الرب" (ع1) مقدمة: 1. كاتبه: هذا المزمور بدون عنوان فهو من المزامير اليتيمة، ولكن يميل معظم الآباء وشيوخ اليهود لنسبته إلى داود. 2. متى كُتِب؟ أ - كتبه داود بعد مسحه ملكًا بيد صموئيل، وقبل اعتلائه العرش، أي في الفترة التي كان هاربًا من وجه شاول، وكان في أول العشرينات من عمره وقتذاك. ب- يرى بعض الآباء أن داود كتبه على مدى حياته كمذكرات خاصة له عن عشرته لله، وتمتعه بكلمته. وجمعها في أواخر حياته، فصارت هذا المزمور. 3. غرض هذا المزمور هو التحدث عن عظمة كلمة الله وقوتها، وفعلها في حياة المؤمنين. فالصلاة بهذا المزمور تدفع من يصليه إلى محبة كلمة الله، والاهتمام بها، بل وتطبيقها في حياته. 4. هذا المزمور يتكون من اثنين وعشرين قطعة كل قطعة تبدأ بأحد الحروف الهجائية العبرية والتي عددها اثنين وعشرين حرفًا. وكل قطعة من هذا المزمور مكونة من ثماني آيات، كل آية فيها تبدأ بنفس الحرف باللغة العبرية. 5. تذكر كلمة الله، أو مرادفاتها في كل آيات هذا المزمور البالغ عددها 176 آية، ما عدا آيتين فقط هما (ع122، 132). 6. كلمة الله ومرادفاتها المذكورة في هذا المزمور عشرة وهي: أ - كلمات ب - وصايا جـ- ناموس (قانون) د - شهادات هـ- حقوق و– طرق ز - فرائض ح - عجائب ط - أقوال ى - أحكام 7. كلمات هذا المزمور تظهر أن كاتبها إنسان روحانى محب لكلمة الله والصلاة، ويحيا بكلمة الله في حياته، وهو شاب تعود أن يردد كلمة الله ويتأمل فيها. وهذا ما كان يصنعه داود أثناء رعى الغنم، وبعد أن مسح ملكًا ظل يردد كلمة الله ويلهج بها، وحتى في ضيقاته، عندما هرب من شاول الذي كان يطارده من مكان إلى مكان لقتله، ظل متمسكًا بكلمة الله. 8. يوجد تشابه بين هذا المزمور وبين سفر التثنية، فغرض كليهما هو كلمة الله ووصاياه وشريعته. 9. يرى كثير من الآباء أن سفر المزامير هو قلب العهد القديم، وقلب سفر المزامير هو هذا المزمور. 10. يناسب هذا المزمور المصلى في جميع ظروف حياته؛ سواء في الضيقة، أو السعة في الشباب وفى الشيخوخة. وهو يناسب كل ساعات اليوم؛ سواء في الصباح الباكر؛ أو طوال اليوم، أو في الليل، أو في نصف الليل، أو أوقات الأسحار. فهو مزمور كل ساعات اليوم، وكل أيام الحياة. 11. يساعد هذا المزمور كل من يريد تعلم اللهج، أو الهذيد، أي ترديد كلمة الله للتمتع بعشرته، حيث أنه بترديد كلمة الله يقترب من الله نفسه، فيحبه ويحيا له، ويختبر أعماق جديدة من عمل الله في حياته. 12. يعتبر هذا المزمور من المزامير المسيانية؛ لأن المسيا المنتظر هو كلمة الله المسيح إلهنا (يو1: 1). بالإضافة إلى أن عدد 8 الذي يتكون منه كل جزء من أجزاء المزمور يرمز للأبدية، أي المسيح كلمة الله الذي يملك في الأبدية مع أولاده المؤمنين به؛ ليسبحوه على الدوام. يشمل هذا المزمور معاني وجوانب كثيرة لكلمة الله أهمها: أ - مصدر للتعزيات الروحية وسط الآلام. ب - تشجع على التسبيح والشكر. جـ- تشبع النفس وتغنيها. د - ترشد وتوجه الإنسان في حياته على الأرض، خاصة في الضيقات. هـ- تعطى استنارة روحية لمن يتأمل فيها. و - تعطى حياة وإحساس بالله. ز - تساند الإنسان في جهاده الروحي طوال حياته. ح - تبين مكافأة الله للمتمسكين بوصاياه، فتشجعهم على المثابرة في الجهاد. ط - تغذى الصلاة القلبية، وتحرك الإنسان للصلاة الدائمة. ى - هي المسيح الله غير المحدود؛ لأن الوصية واسعة جدًا فوق كل تخيل. يوجد هذا المزمور في الأجبية بصلاة نصف الليل بالخدمة الأولى؛ لتجعل المصلى يحيا بكلمة الله ثم تعدنا لحياة التوبة في الخدمة الثانية، وبعد هذا تعطينا الاستعداد للأبدية في الخدمة الثالثة. |
||||
17 - 07 - 2024, 10:15 AM | رقم المشاركة : ( 166612 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بركات حفظ الوصية (ع1-8): الهدف: يطوب المزمور من يحفظ الوصية بكل قلبه؛ لأنه ينال بركة الابتعاد عن الخطية، وكذا يحصل على الغفران إن أخطأ. ويشكر الله على عطاياه، فيفرح؛ حتى يصل إلى غايته التي هي الأبدية السعيدة. ع1، 2: طُوبَى لِلْكَامِلِينَ طَرِيقًا، السَّالِكِينَ فِي شَرِيعَةِ الرَّبِّ. طُوبَى لِحَافِظِي شَهَادَاتِهِ. مِنْ كُلِّ قُلُوبِهِمْ يَطْلُبُونَهُ. كما بدأ المسيح عظته على الجبل بالتطويبات، يبدأ داود هذا المزمور بتطويب الكاملين، أي يالسعادتهم السالكين في طريق الكمال، فيهبهم الله أن يكونوا بلا عيب خارجي، وإن كانت لهم ضعفاتهم الداخلية. والسلوك في طريق الكمال هو السلوك بشريعة الله، بل وحفظها، ليس فقط في الذهن، بل تطبيقها في الحياة. من يحفظ وصايا الله في ذهنه، ويرددها بلسانه، تدخل إلى مشاعره، فيطلبها في الصلاة من كل قلبه. الذي يتنقى بالتأمل في الوصية يستطيع أن يعاين الله، لأن الطلب من كل القلب معناه تعلق القلب بالله، وبالتالي ينال نعمة معاينة الله، لأن القلب لا يعرج بين الفرقتين؛ أي الله والعالم، بل اختار الله وحده ليحيا به وسط العالم، ولا يتأثر أو يخضع لشهواته. ع3: أَيْضًا لاَ يَرْتَكِبُونَ إِثْمًا. فِي طُرُقِهِ يَسْلُكُونَ. الذى يحب كلمة الله، ويسلك في طريق الكمال يحيا في النور، ولا يحب الظلمة، فيتباعد عن الخطايا، ولا يسقط فيها على الأقل بالأفعال، أو بالكلام؛ حتى لو كان معرضًا للسقوط فيها بالفكر، أو القلب. يهتم من يسلك بالبر أن يكون في طريق الله، أي متمسكًا بوصاياه، ولا يريد أن يسلك في طرقه، أي طرق العالم، وهي الشهوات المختلفة. فطريق الله واحد وهو المسيح، أما العالم فطرقه الشريرة كثيرة. ع4: أَنْتَ أَوْصَيْتَ بِوَصَايَاكَ أَنْ تُحْفَظَ تَمَامًا. الله يطلب من أولاده أن يحفظوا وصاياه تمامًا، أي بكل دقة، فلا يتركوا جزءًا منها، أو يهملوا إحدى وصاياه، ويسعوا لتنفيذها بكل قلوبهم، وهو يعينهم ليتمتعوا بأعماق لذيذة فيها، فيكونوا في فرح دائم. ع5: لَيْتَ طُرُقِي تُثَبَّتُ فِي حِفْظِ فَرَائِضِكَ. إذ آمن داود بأهمية حفظ الوصايا إلى التمام، طلب معونة الله ليثبت في حفظ الوصايا، فلا يقصر في تنفيذها، لأنه لو قصر سيتعرض لحروب الشيطان، فيسقط في خطايا متنوعة. وهنا تظهر أهمية عمل النعمة مع الجهاد الروحي، فلا يستغنى المجاهد عن عمل النعمة، والنعمة تعمل فيمن يحبون وصايا الله ويجاهدون في تنفيذها. ع6: حِينَئِذٍ لاَ أَخْزَى إِذَا نَظَرْتُ إِلَى كُلِّ وَصَايَاكَ. إذا اتحد عمل النعمة مع الجهاد الروحي يتشجع الإنسان للدخول إلى وصايا الله، أي كلمته، فيتعمق في معرفة الله، واكتشاف جمال وصاياه، أي يرى المسيح كلمة الله، ويتمتع بعشرته. وهذا يعطيه رجاء أنه في يوم الدينونة لا يخزى إذا نظر إلى المسيح الديان، ويجد له مكانًا في ملكوته. فالخزى يصاحب الخطية، كما حدث عند سقوط آدم وحواء، أما حفظ الوصية فيبعد الإنسان عن الخزى، ويمتعه بالوجود مع الله. ع7: أَحْمَدُكَ بِاسْتِقَامَةِ قَلْبٍ عِنْدَ تَعَلُّمِي أَحْكَامَ عَدْلِكَ. عندما أتعلم أحكامك، أي وصاياك وكلامك أفهم واعرف الهدف الكامن فيها. وهذا يجعلنى مستقيمًا في مشاعرى وفى أفكارى، ويظهر في تصرفاتى وكلامى، ولا أعود أنزعج من الأخطاء المنتشرة في العالم، وأفكاره الغريبة، لأنى متمسك ومحصن بكلمة الله العادلة. حينئذ إذ اكتشف العدل والحق من خلال أحكامك، أشكرك وأحمدك على نعمتك علىّ، بل أشعر بضعفى وعدم استحقاقى لكل هذه النعم، فيزداد حمدى لك. وأحمد الله أيضًا الذي أنار عينى الداخلية، وأرانى شخصه، وعظمة الحياة الأبدية، فلا أنزعج من خطايا العالم، وتقلباته، وأشكره من كل قلبى، باستقامة وعدم تلوث بأى فكر شرير. ع8: وَصَايَاكَ أَحْفَظُ. لاَ تَتْرُكْنِي إِلَى الْغَايَةِ. يعلن داود في نهاية هذا الجزء نية قلبه واستعداده الكامل أن يحفظ وصايا الله بفكره وقلبه وفى سلوكه أيضًا. يترجى الله أنه مهما جاهد في التمسك بالوصية لكنه ضعيف، ومعرض للتقصير والخطأ، لدرجة تجعل الله يتخلى عنه؛ ليؤدبه وينبهه، فيعود بالتوبة إليه. ولكن يطلب من الله ألا يتركه تمامًا ويرفضه، بل إن تخلى عنه جزئيًا يعود فيرحمه، ويساعده على حفظ الوصايا؛ لأنه مشتاق أن يحيا بها. † إحفظ كل يوم آية، وهي التي يتأثر بها قلبك عندما تقرأ في الكتاب المقدس. وهي رسالة من الله لك؛ لتحيا بها. رددها طوال اليوم، وحاول أن تطبقها، فيسندك الله، بل يكشف لك عن اختبارات جديدة من محبته، ورعايته لك. كيف يحيا الشاب (ع9-16): الهدف: بعد أن أظهر بركات حفظ الوصية، ركز على الشاب المملوء حيوية ليهتم بالوصية فيقتنيها ويتأمل فيها، فيسبح الله، ثم يعلنها لمن حوله، فيفرح بها ويرددها كل حين ويحيا في تمتع بعشرة الله. ع9: بِمَ يُزَكِّي الشَّابُّ طَرِيقَهُ؟ بِحِفْظِهِ إِيَّاهُ حَسَبَ كَلاَمِكَ. يزكى: يقوم أو يجعل طريقه صحيحًا وسليمًا. إياه: نفسه. الشاب مملوء حيوية، ولكنه معرض للسقوط في الشهوات، والاندفاع في تصرفات غير سليمة، فكيف يذكى طريقه. أي يسير في طريق صحيح مستقيم يرضى الله؟ لا يستطيع هذا إلا بالاستناد على كلام الله، وتطبيقه في حياته. الشاب أيضا يرمز للأمم التي دخلت حديثًا في الإيمان، فحتى تستطيع أن تزكى طريقها تحتاج للتمسك القوى بكلام الله. ع10: بِكُلِّ قَلْبِي طَلَبْتُكَ. لاَ تُضِلَّنِي عَنْ وَصَايَاكَ. الشاب مملوء حيوية، فيطلب الله من كل قلبه، أي بكل كيانه ومشاعره، وأفكاره، وليس فقط مجرد إندفاع خارجي. فهو ينفذ ما قاله المسيح، وورد في سفر التثنية "تحب الرب إلهك من كل قلبك ..." (تث 6: 5 ). إن كان الإنسان يطلب الله من كل قلبه، فلن يتخلى عنه الله، بل على العكس يسرع إليه، ويسنده، فهو غير معرض للضلال، أو الابتعاد عن وصايا الله، بل على العكس يثبته الله في وصاياه، وينميه في معرفتها. ع11: خَبَأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ. الشاب أخفى كلام الله في قلبه لماذا؟ أ - يشعر أن كلام الله ثمين جدًا لذا يحتفظ به في أعماقه. ب - حتى يكون فكره ومشاعره مشبعة بكلام الله، وبالتالي نقية. جـ- ليتأمل كلام الله دائمًا، ويلهج به، أي يكرره ليزداد فهمه. د - إذ يشبع بكلام الله داخله يخرج هذا الكلام تلقائيًا في كلامه وأفعاله. هـ- روح الخفاء مهمة جدًا، لأن الشاب الروحي لا يطلب مجد الناس، بل يحيا في اتضاع دائمًا. لا يكفى أن يعرف الشاب كلام الله في داخله، ولكن لابد أن يظهر في كلامه وفى أعماله، فيكون نورًا للعالم، وملحًا للأرض؛ ولأنه من فضلة القلب يتكلم اللسان (مت 12: 34). ع12: مُبَارَكٌ أَنْتَ يَا رَبُّ. عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ. إذ شبع الشاب بكلام الله وعاش به في داخله وخارجه فرح جدًا وشكر الله وباركه. فمباركة الله تعبر عن فرح وشبع الشاب بكلام الله. يتشجع الشاب ويطلب من الله أن يعلمه كيف يتقرب إليه، وكيف يسلك أمامه في عبادة مقدسة، فيعلمه الطقوس وروحانية العبادة، ليزداد فهمه ونموه في معرفة الله. ع13: بِشَفَتَيَّ حَسَبْتُ كُلَّ أَحْكَامِ فَمِكَ. حسبت: أخبرت وأظهرت. إذ امتلأ الشاب بكلام الله صار من الطبيعي أن يظهر في كلامه تعاليم روحية ناتجة من وصايا الله. فحتى لو كانت كلمات الشاب ومعاملاته تبدو عادية، ولكنها تحوى فكر الله، وأحكامه، وتعاليمه، فتنير الطريق لمن حوله، وتعلن الله للجميع، وهذا ما فعلته السامرية عندما آمنت، وتمتعت برؤية المسيح، ذهبت وأخبرت أهلها بالبشرى المقدسة (يو4: 29). ع14: بِطَرِيقِ شَهَادَاتِكَ فَرِحْتُ كَمَا عَلَى كُلِّ الْغِنَى. على كل الغنى : أكثر وأعلى من كل غنى في العالم. كلام الله وشهاداته إذ تشبع القلب، ويحيا بها الإنسان تفرحه فرحًا حقيقيًا كاملًا، فينطلق في رجاء لا ينقطع؛ ليحيا مع الله. هذا الفرح يعلو عن كل أفراح العالم، وعن كل الغنى المادي؛ لأنه فرح داخلي عميق يسعد الإنسان، ويدوم فيه على عكس أفراح العالم المؤقتة الزائلة. ولذا فضل داود كلام الله والوجود معه أفضل من كل غناه، فسخر كل ممتلكاته لإعداد مواد بناء هيكل الله، الذي سيبنيه ابنه سليمان؛ لأن شهادات الله أفضل من كل غنى العالم ومادياته. ع15، 16: بِوَصَايَاكَ أَلْهَجُ، وَأُلاَحِظُ سُبُلَكَ. بِفَرَائِضِكَ أَتَلَذَّذُ. لاَ أَنْسَى كَلاَمَكَ. ألهج: أكرر وأردد. في النهاية يحب الشاب كلمة الله، فيلهج فيها كل حين، ويلاحظ طرق أولاد الله القديسين؛ ليتعلم منهم كيف يحيا بكلام الله. وعندما يقدم عبادة لله يشعر بفرح الوجود بين يديه، فيعطيه سلامًا وفرحًا، وتصبح العبادة لذيذة، فيتمسك أكثر بكلام الله في فكره وكلامه، وكل حياته. هكذا نرى النصيحة المقدمة للشاب من داود النبي عن كلمة الله وهي: أ - اقتناء كلمة الله (ع9). ب - الاشتياق إلى كلمة الله وطلبها من كل القلب (ع10). جـ- اخفاء كلمة الله للتأمل فيها فتحميه من الخطية (ع11). د - كلمة الله تعلم الشاب التسبيح والشكر (ع12). هـ- الشهادة والتحدث بكلمة الله (ع13). و - الفرح بكلمة الله (ع14). ز - ترديد كلمة الله كل حين (ع15). ح - التمتع والتلذذ بعبادة الله (ع16). † ليتك تردد الآية التي اخترتها كل يوم، فتشغل فكرك بها، ويتأثر قلبك ومشاعرك، حتى تتحول إلى حياة عملية في سلوكك، بل تتلذذ وتتمتع بها، فتحيا فيك، وتحيا بها. عزاء في غربة العالم (ع17-24) الهدف: بعد أن أوصى الشاب بحفظ وصية الله يذكره بأنه غريب في الأرض. وهذا يزيد ارتباطه بكلمة الله، فيحتاج أن يتذكر إحسانات الله، ويطلب منه أن يكشف له أعماق كلامه، فيزداد اشتياقه إليه. ويطلب من الله أن يبعد عنه العار والخزى ويحفظه من أعدائه، فيفرح ويناجى الله الذي يرشده في حياته. ع17: أَحْسِنْ إِلَى عَبْدِكَ، فَأَحْيَا وَأَحْفَظَ أَمْرَكَ. أحسن الله إلى داود وكافأه بمسحه ملكًا مع كونه راعى غنم، وأعطاه قوة لقتل الأسد والدب، ثم جليات، وأنقذه من يد شاول، وأبشالوم. كل هذه الإحسانات الإلهية جعلته يحيا، ويجلس على العرش، ويدير المملكة، وينتصر على أعدائه. يطلب أيضًا داود إحسانًا إلهيًا روحيًا وهو الحياة الروحية، وذلك بأن يساعده الله على حفظ وصاياه، وأوامره، فيتمتع بعشرته. شكر داود الله على إحسانه، وأحسن إلى شاول الذي سقط مرتين تحت يده، ولم يؤذه. ويطلب من الله أن يكافئه بمراحمه الكثيرة. إحسانات الله تعطى قوة وحياة لداود، وكل من يؤمن بالله، فيساعده هذا على التمسك بأوامر الله، وحفظها حية في حياته، كتجاوب مع الحب الإلهي. ع18: اكْشِفْ عَنْ عَيْنَيَّ فَأَرَى عَجَائِبَ مِنْ شَرِيعَتِكَ. يطلب داود من الله أن يكشف عن عينيه، أي يهبه الاستنارة الروحية، وهذا يبين اتضاع داود الذي يعترف بأنه بضعفه يعانى من ظلمة الخطية، ويحتاج أن يكشف الله عن عينه. الكشف عن العينين يعنى أن ينال الإنسان النظرة البسيطة، أي يرى كل شيء بمنظار الله، أو كما يراه الله. فيرى الأشياء الصالحة ويشكر الله عليها، ويرى أيضًا الخطايا، فيصلى ليرفعها الله. عندما ينال الإنسان الاستنارة الروحية يستطيع أن يفهم شريعة الله، ويكتشف أعماقًا جديدة فيها كلما قرأها. وفوق كل هذا يرى القارئ في العهد القديم وأيضًا العهد الجديد المسيح المختفى وراء الكلمات، الذي تنبأ عنه الأنبياء، وكرز به الرسل. ولذا رتبت الكنيسة أن يصلى الكاهن أوشية الإنجيل- قبل أن نسمع الإنجيل- التي يطلب فيها الكاهن من الله أن يعطى شعبه فهمًا لكلمات الإنجيل، وكذلك يصلى الكاهن صلوات سرية أثناء قراءة باقي القراءات، وهي البولس، والكاثوليكون والإبركسيس لنفس الغرض، وهو فهم كلمة الله. ع19: غَرِيبٌ أَنَا فِي الأَرْضِ. لاَ تُخْفِ عَنِّي وَصَايَاكَ. يشعر داود أنه غريب على الأرض رغم أنه ملك، وذلك لإيمانه بأن وطنه الحقيقي هو السماء. وهذا كان شعور الآباء الكبار إبراهيم، واسحق ويعقوب، لذلك عاشوا في خيام. ورتب الله لشعبه عبدًا عظيمًا في العهد القديم اسمه عيد المظال؛ ليتذكر غربته في العالم. وفى العهد الجديد أيضًا يقول بولس الرسول أننا غرباء ونزلاء.." (عب11: 13) بل يقول أيضًا إن نقض بيت خيمتنا الأرضى (2 كو5: 1). الغريب يحتاج إلى علامات على الطريق حتى لا يتوه. وعلامات الطريق الروحي إلى الملكوت هي وصايا الله، لذا يطلب داود ألا يخفيها الله عنه، بل يظهرها واضحة؛ لأجل ضعفه إذ هو غريب. الغريب يريد أن يعرف أكبر كمية من المعلومات عن الوطن الذي يريد أن يصل إليه؛ وفى حالتنا هنا، الوطن هو السماء، لأننا مولودون من الله في المعمودية، وأكبر معلومات نجدها في وصايا الله، التي ترفعنا إلى السماء، فنتخلص من شهوات الأرض، بل ونستطيع بتخفيف حمولتنا أن نسرع إلى السماء، مثل الطائر الخفيف الذي يرتفع بأجنحته إلى العلاء بعد أن ترك أثقال الأرض. ع20: انْسَحَقَتْ نَفْسِي شَوْقًا إِلَى أَحْكَامِكَ فِي كُلِّ حِينٍ. انسحقت: أي تم سحقها وطحنها، ففقدت شكلها الخارجي؛ لأنها صارت مضغوطة جدًا. إن داود يتمنى معرفة أحكام الله ووصاياه، التي تعبر عن الله، فهو مشتاق إلى الله لدرجة أنه انسحق، فلم تعد فيه قوة، واتضع تمامًا، طالبًا من الله أن يعرفه أحكامه. وهذا يبين شوقه الشديد إلى كلام الله، وأنه مشتاق بكل قلبه. إن داود مشتاق إلى أحكام الله لأنه يحبها جدًا، وتعلق قلبه بها، ويحتاجها في كل حين، إذ لا يتخيل حياته بدونها، لأن الله حياته، وأحكامه هي التي توصله إلى السماء، أي الحياة مع الله إلى الأبد. وبهذا الاشتياق تستنير روحه، ويبتعد عن كل شيء. ع21: انْتَهَرْتَ الْمُتَكَبِّرِينَ الْمَلاَعِينَ الضَّالِّينَ عَنْ وَصَايَاكَ. 1. الذي يعطل الإنسان عن وصايا الله هو: أ - الكبرياء، فيرفض الله وكلامه، ويبرر خطاياه. ب - الجهل والضلال، وعدم الاشتياق إلى معرفة كلام الله. هذا يجعل الإنسان مستحقًا للعنة الله، أي يتخلى عنه الله، ويحرم من الوجود معه. 2. يذكر الكبرياء كسبب رئيسى للعنة الله، لأنها أول الخطايا التي أسقطت الشيطان، وكذا الإنسان الأول آدم وحواء. ولأجل هذا أكد المسيح علينا أن نتعلم منه الاتضاع (مت11: 29). ع22: دَحْرِجْ عَنِّي الْعَارَ وَالإِهَانَةَ، لأَنِّي حَفِظْتُ شَهَادَاتِكَ. الذى يحفظ شهادات الرب، ويحيا بالبر يستهزئ به الأشرار أهل العالم، ويصير في نظرهم في عار وخزى. فيطلب هذا البار من الله أن يبعد عنه هذا العار والخزى؛ حتى يفهم الأشرار خطيتهم، ويرجعوا عن ضلالهم، ويؤمنوا بالله، ومن ناحية أخرى يثبت الأبرار في حياة البر. واستخدام داود لكلمة "دحرج" تذكرنا بعمل الله ونعمته، فهو بقوته أولًا دحرج الحجر عن قبر المسيح ليبطل عار الموت وخزيه، وهو الذي بذراعه الممدودة دحرج خزى شعب بني إسرائيل في مصر، وأخرجهم من المذلة. وهكذا رفع الخزي عن كل خاطئ تائب وألبسه الحلة الأولى.تشدد وتشجع أيها الحبيب ليدحرج عنك المسيح عار الخطية. ع23، 24: جَلَسَ أَيْضًا رُؤَسَاءُ، تَقَاوَلُوا عَلَيَّ. أَمَّا عَبْدُكَ فَيُنَاجِي بِفَرَائِضِكَ. أَيْضًا شَهَادَاتُكَ هِيَ لَذَّتِي، أَهْلُ مَشُورَتِي. 1. الرؤساء الذين تشاوروا ضد داود، وقالوا كلامًا سيئًا وشرًا عليه هم شاول ومعاونوه. وهو بهذا رمز للمسيح الذي جلس رؤساء الكهنة والكهنة والكتبة والفريسيون وتشاوروا لكيما يصطادوه بكلمة، ثم أيضًا ليقتلوه. وكل رجال الله تعرضوا لهذا، مثل رؤساء مملكة فارس، الذين تشاوروا على دانيال وألقوه في الجب، ورؤساء يهوذا الذين تشاوروا على إرميا وألقوه في السجن والجب. 2. داود والمسيح وكل أبرار العهد القديم والجديد أخذوا اتجاهًا إيجابيًا وهو: أ- المناجاة بفرائض الله، أي عبادته، وذلك من خلال الصلاة وقراءة كلمة الله. ب- التأمل والتلذذ بشهادات الله، أي وصاياه وكلامه. ج- الاستناد على كلام الله ليكون مصدر المشورة والإرشاد في الحياة. † كن حريصًا على الإيجابية في حياتك مهما أحاط بك الأشرار، أو هددوك فلا تخف، وتمسك بصلواتك وقراءة كلام الله، فيرشدك، بل يدخلك في التلذذ بعشرة الله ؛ حتى وسط الضيقات. الحياة المقامة (ع25-32): الهدف: بعد أن ساند الشاب في غربته وسط العالم، يعلن له هنا كلمة الله القادرة أن تقيمه من أتعابه وأحزانه وتحييه. فيشتهى أن يعرف وصايا الله وعبادته، ويتأمل في أعماله، ويبتعد عن الشر، ويسير في طريق الحق، فيتسع قلبه بالحب للجميع. ع25: لَصِقَتْ بِالتُّرَابِ نَفْسِي، فَأَحْيِنِي حَسَبَ كَلِمَتِكَ. يعبر داود عن مدى الألم النفسي الذي وصل إليه بالتصاق نفسه، وليس جسده فقط بالتراب، أي أنه في ضيق شديد، وذلك من قسوة تهديدات الأعداء ومضايقاتهم له، أو من الضيق الناتج عن سقوطه في الخطية، والندم عليها. إن كانت الحية تزحف على الأرض، فالخطية تلصق الإنسان بالتراب وهو لا يشعر بانشغاله بلذتها. ولكن التائب يعبر عن توبته بالميطانيات عندما يلتصق جسده بتراب الأرض، وتلتصق نفسه أيضًا بالتراب ندمًا على خطيته فينال مراحم الله؛ لأنه يشبه الميت الذي يلتصق جسده بتراب الأرض، لكنه يقوم بالتوبة من الأرض، ويقف شاكرًا المسيح القائم من الأموات الذي أقامه، ولذا تصلي هذه الآية في تجنيز الكهنة. رغم التصاق نفس داود بالتراب، لكنه لم يفقد رجاءه في قوة الله التي تحييه. بحسب وعده، وكذلك بكلامه المحيي. وبهذا صار رمزًا للمسيح الذي التصق جسده بالتراب في القبر، ثم قام حيًا في اليوم الثالث. وكما أعطى الله الحياة لأهل نينوى عندما تابوا، وكذلك الابن الضال، ودانيال الذي أخرجه من الجب، والثلاث فتية من آتون النار. يشعر بهذه الآية كل من يصلي من أجل الآخرين، فتلتصق نفسه بالتراب تذللًا أمام الله، ليرجع البعيدين، وينقذهم من مشاكلهم، ويعطيهم حياة جديدة مفرحة. ع26، 27: قَدْ صَرَّحْتُ بِطُرُقِي فَاسْتَجَبْتَ لِي. عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ. طَرِيقَ وَصَايَاكَ فَهِّمْنِي، فَأُنَاجِيَ بِعَجَائِبِكَ. التصريح بطرقي معناه الاعتراف بخطاياي، وكذا تقديم كل مشاكلي واحتياجاتي لله، وهو بأبوة يستجيب لي، فيغفر خطاياي، ويحل مشاكلي. طرقي يمكن أن تكون مبادئى الروحية، وكل ما علمني الله. فعندما أصرح أي أحيا بها، يستجيب لكل طلباتي واحتياجاتي. إذ تعودت فتح كل حياتي لله، واختبرت استجابته لطلباتي؛ لذا أطلب منه أن يعلمني فرائضه، أي عبادته، إذ لا أريد أن ابتعد عنه أبدًا، بل أيضًا أطلب منه أن يفهمني وصاياه لأحيا بها، وحينئذ اختبر حلاوتها، فأناجيه بها، وأشكره على أعماله العجيبة معي. ع28: قَطَرَتْ نَفْسِي مِنَ الْحُزْنِ. أَقِمْنِي حَسَبَ كَلاَمِكَ. يشبه داود نفسه بشمعة تذوب قطرة قطرة، أي أنه في حزن شديد على خطاياه، أو لأجل كل ما يعانيه. وهذا الحزن رغم شدته، لكن له رجاء في الله، فهو حزن مقدس. يظهر رجاء داود في الله عندما يطلب منه أن يقيمه من أحزانه بحسب وصاياه، أي يقوم ليحيا بكلام الله. فمصدر قيامه هو كلمة الله التي سيحيا بها، ويشكر الله على نعمته. ع29: طَرِيقَ الْكَذِبِ أَبْعِدْ عَنِّي، وَبِشَرِيعَتِكَ ارْحَمْنِي. أحب داود الله؛ لذا رفض خطية الكذب، ولو بالفكر، وطلب من الله أن يبعد عنه أفكار الكذب؛ حتى لا يفعله. ويقصد بالكذب أيضًا كل خطية أخرى. فهو يريد أن يحيا بنقاوة ليكون له مكان في السماء مع الله. يعلن داود لله أنه إن كنت قد سقطت في خطية كذب، أو أية خطية أخرى فسامحني وارحمني بشهاداتك. وأعطني أن أقرأ وأتأمل في كلامك، فأحيا في النقاوة. ع30: اخْتَرْتُ طَرِيقَ الْحَقِّ. جَعَلْتُ أَحْكَامَكَ قُدَّامِي. تظهر هنا إيجابية داود في اختياره طريق الحق، وليس فقط اختيار طريق الحق الذي هو طريق الله، بل أيضًا وضع أمامه أحكام الله، أي كلامه كهدف ليحيا به ولا يحيد عنه. وبهذا ثبت في الطريق المستقيم، وتباعد عن الشر الذي أشار إليه في الآية الماضية. ع31: لَصِقْتُ بِشَهَادَاتِكَ. يَا رَبُّ، لاَ تُخْزِنِي. لم يكتف داود باختيار طريق الحق ووضع أحكام الله أمامه، بل أيضًا التصق بشهاداته، فصارت كلمة الله قريبة جدًا منه، وأحبها من كل قلبه. رغم كل هذا الحب لكلمة الله، ولكن ما زال داود كإنسان معرض للسقوط في الخطية، ولذا يطلب غفران ومساندة الله؛ حتى لا يخزي بالسقوط بالخطية وينال الغفران. ع32: فِي طَرِيقِ وَصَايَاكَ أَجْرِي، لأَنَّكَ تُرَحِّبُ قَلْبِي. ترحب: توسع. في ختام هذا الجزء شعر داود بأهمية كلمة الله وتعلقه بها؛ حتى أنه أخذ يجري في طريقها؛ ليشبع بها؛ حتى لو كان طريق حفظ الوصايا وتنفيذها يحتاج لجهاد، وتقابله عقبات في التنفيذ، ولكنه يتمسك بالباب الضيق والطريق الكرب؛ لأجل حبه لله. الذي شجع داود على الجري في طريق الله، مهما كانت صعوبة الجهاد، أن الله أعطاه إيمانًا وسلامًا في قلبه، بل رحب قلبه؛ ليحب الله وكل البشر فتمتع بالفرح، بل على قدر صعوبة الجهاد وهبته نعمة الله قلبًا متسعًا بالحب للكل وفرحًا دائمًا. † إن الحياة مخبأة لك في كلمة الله، فعلى قدر انشغالك في قراءتها والتأمل فيها تتذوق السلام، وتحيا بمشاعر روحية وحماس، وتتمتع بالوجود مع الله. قائد الحياة (ع 33-40): الهدف: إذا اختبر الإنسان الروحي عمل كلمة الله فيه التي تقيمه من أحزانه وأتعابه، أحب كلمة الله فصارت قائدة له في طريق الحياة، وطلب أن يتعلم ويفهم ويتدرب على حفظ كلام الله، فابتعد عن أباطيل العالم وعاش في مخافة الله وتوبة حقيقية، فالتهب قلبه باشتهاء أحكام الله. ع33: عَلِّمْنِي يَا رَبُّ طَرِيقَ فَرَائِضِكَ، فَأَحْفَظَهَا إِلَى النِّهَايَةِ. يظهر داود حاجته للتعلم والتلمذة، فهذا يؤدى لاتضاعه، وميله لمعرفة الله والحياة معه. وهو يريد أن يتعلم طريق فرائض الله، فالتعلم مستمر طوال الحياة: ليعرف كيف يعبد الله، ويسلك بشريعته. لعل داود اشتاق بروح النبوة أي يتعلم أيضًا طريق العبادة المسيحية، التي بالروح والحق. هذا التعلم يحتاج لجهاد روحي؛ لأنه سيستمر طوال الحياة، بل على أساسه تكون العبادة في السماء، أي يكتسب روح محبة الله، وكيف يوجد في حضرته بالصلوات والتسابيح والتأمل في الله. ع34: فَهِّمْنِي فَأُلاَحِظَ شَرِيعَتَكَ، وَأَحْفَظَهَا بِكُلِّ قَلْبِي. يطلب داود ليس فقط تعلم عبادة الله، بل أيضًا أن يفهم شريعته؛ حتى يستطيع أن يعبده بلسانه وذهنه. وذلك عن طريق ملاحظة شريعته المطبقة في حياة أولاده الصالحين، بالإضافة على ملاحظة الشريعة، أي التأمل في معانيها؛ لينعم عليه الله بفهمها. بعدما يفهم داود شريعة الله يحتاج أن يحفظها ليس فقط بذهنه، بل عمليًا في حياته، يشعر بها في قلبه، ويطبقها في سلوكه، فتصبح جزءًا حيًا من حياته، بل هي حياته. ع35: دَرِّبْنِي فِي سَبِيلِ وَصَايَاكَ، لأَنِّي بِهِ سُرِرْتُ. أحب داود وصايا الله فعرفها وفهمها بإرشاد الله له، ولكنه يريد أن يحيا بها، وهذا ليس أمرًا سهلًا، بل يحتاج إلى تدريب مدى الأيام. والله هو المدرب، كما أنه هو الذي يعرف أولاده، ويفهمهم وصاياه، ويتعهدهم أيضًا، ويساندهم بالتداريب الروحية لتطبيق الوصية، ويساعدهم أيضًا في الجهاد الروحي لمحبتهم وسرورهم بوصاياه. من يفهم وصايا الله يُقبل عليها ليحفظها، بل ويقبل على التدرب عليها، ويكشف له الله أعماقًا جديدة فيها أثناء هذا التدريب. من كل هذا نفهم أن داود بحريته يطلب أن يعرف ويفهم ويتدرب؛ لذا تعمل فيه نعمة الله وتعطيه كل ما يحتاجه. فالنعمة تعمل مع من يريد ويطلب. والله يساعد من يطلب ويجاهد، ليس فقط في التدرب على الوصية، بل يزيد رغبته في التعلم (في 2: 13). ع36، 37: أَمِلْ قَلْبِي إِلَى شَهَادَاتِكَ، لاَ إِلَى الْمَكْسَبِ. حَوِّلْ عَيْنَيَّ عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْبَاطِلِ. فِي طَرِيقِكَ أَحْيِنِي. يتجرأ داود إذ تذوق حلاوة كلام الله، فيطلب منه أن يميل مشاعره إلى شهاداته، وتصير هدفًا وحيدًا لحياته، وبالتالي لا تنشغل نفسه بالمكاسب المادية كهدف، ولا ينحرف إلى ظلم الناس للحصول على هذه المكاسب. إذ وضع داود وصايا الله هدفًا له تحولت عيناه عن أباطيل العالم، وشعر أن كل مكاسب الأرض باطلة، فأصبح طريق الله مفتوحًا له ليحيا بوصاياه دائمًا. هذا ما حدث مع كل القديسين في العهدين، أما عكس هذا، أي الإنشغال بأباطيل العالم، هو سلوك الأشرار، مثل أيام نوح، وعندما أحب شمشون شهوة النساء، وكذا عندما سقط داود في الزنا، أو يهوذا الاسخريوطي في محبة المال. ع38: أَقِمْ لِعَبْدِكَ قَوْلَكَ الَّذِي لِمُتَّقِيكَ. إذا ذاق داود نعمة الله التي حولت عينيه عن الشر، وعاش مشاعر التوبة، تجرأ بدالة الابن الذي يخاف أباه، ويوقره، فطلب منه أن يقيم ويحقق وعوده له، ولكل أولاده التي نطق بها في وصاياه، فيهبه الحياة معه على الأرض وإلى الأبد. ع39: أَزِلْ عَارِي الَّذِي حَذِرْتُ مِنْهُ، لأَنَّ أَحْكَامَكَ طَيِّبَةٌ. يترجى داود الله أن يزيل عنه عار الخطية الذي لصق به، والذي سبق وحذره الله منه بوصاياه، ويزيل عنه وعن كل الأبرار أيضًا تعييرات الأشرار التي ليست لها قيمة، بل من يحتملها ينال مكافأة من الله، لأن العار الحقيقي هو عار الخطية. إزالة عار الخطية يكون بأحكام الله الطيبة التي ترشده لينتبه، ويبتعد عن الخطية، ويقدم توبة، فيغفر له الله، ثم يسلك بوصايا الله الطيبة التي تشبع نفسه، فيحيا ويفرح بها. ع40: هأَنَذَا قَدِ اشْتَهَيْتُ وَصَايَاكَ. بِعَدْلِكَ أَحْيِنِي. إذ تمسك داود بوصايا الله، وهبه الله شهوة الوصية، فسار في طريقها، وتلذذ بها، واكتشف خطاياه، فرفضها، وكرهها، ونال الغفران منها بالصليب الذي رآه بروح النبوة، وعليه وفىَّ المسيح العدل الإلهي، وأعطى حياة لكل من يؤمن به. † افحص نفسك بكلام الله الذي تقرأه في الكتاب المقدس، فيقودك إلى التوبة، وينزع عنك خطاياك في سر الاعتراف والتناول، فتحيا مع الله في حياة توبة يومية. الشهادة لكلمة الله (ع 41-48): الهدف: بعدما خضع الإنسان لقيادة كلمة الله أصبح قادرًا هنا أن يشهد بكلمة الله حتى قدام الملوك، حتى صارت كلمة الله له لذة وحب ومناجاة، وأيضًا حياة عملية. ع41، 42: لِتَأْتِنِي رَحْمَتُكَ يَا رَبُّ، خَلاَصُكَ حَسَبَ قَوْلِكَ. فَأُجَاوِبَ مُعَيِّرِي كَلِمَةً، لأَنِّي اتَّكَلْتُ عَلَى كَلاَمِكَ. يطلب داود رحمة الله والتي بها ينال خلاصه، حسبما وعده الله من خلال كل نبوات العهد القديم. وطلب داود للرحمة يظهر توبته، واتضاعه، وإيمانه برحمة الله، وبخلاصه الذي سيتم على الصليب في ملء الزمان. إذ ينال داود، وكل مؤمن رحمة الله وخلاصه، يستطيع بقوة روح الله أن يجيب الشياطين، وكل الأشرار الذين يعيرونه، ويحاولون إسقاطه في اليأس، وبهذا يشهد لله الذي يسنده لأنه اتكل على وصاياه. وكلما شهد لله المخلص يزداد تمسكه بوصاياه، وتفيض عليه مراحمه، ويخلص تدريجيًا من كل شر، ويحيا لله. تعرض المسيح للتعييرات الكثيرة من اليهود، لكنه أكمل طريقه إلى الصليب، ليهب البشرية المؤمنة به الرحمة والخلاص. ع43، 44: وَلاَ تَنْزِعْ مِنْ فَمِي كَلاَمَ الْحَقِّ كُلَّ النَّزْعِ، لأَنِّي انْتَظَرْتُ أَحْكَامَكَ. فَأَحْفَظَ شَرِيعَتَكَ دَائِمًا، إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ. يظهر داود تمسكه بكلام الله الذي هو قول الحق، إذ يطلب من الله أن يثبته في قلبه وعلى لسانه. وحتى وسط الضيقات التي يمكن أن يسقط فيها الإنسان في التذمر، أو التشكك، أو عدم فهم بعض أحكام الله لا ينزع كلام الله كل النزع منه. بل إن تكلم بكلمة باطلة يعود فيشهد لله، وقلبه يظل مؤمنًا بكلام الله، ومنتظرًا خلاصه الذي سيكمل في الوقت المناسب، ويحل مشاكله على الأرض، ثم يكمل حلها عندما يصل إلى الملكوت. وهكذا تمسك أولاد الله الأنبياء بقول الحق مهما احتملوا، وحتى لو ضحوا بحياتهم، مثل أشعياء النبي الذي نشره منسي الملك، وإرميا النبي الذي رجموه في مصر، ويوحنا المعمدان الذي قطع هيرودس رأسه. يتمنى داود أن يحفظ شريعة الله دائمًا إلى الدهر، أي طوال العمر في كل ظروف الحياة، سواء اثناء القوة، أو الضعف، أو الصحة، أو المرض ... بل يظل يتمتع بالتأمل في كلمة الله إلى الأبد، أي يتمتع برؤية المسيح كلمة الله في السماء. ع45: وَأَتَمَشَّى فِي رَحْبٍ، لأَنِّي طَلَبْتُ وَصَايَاكَ. يتمنى داود أن ينال القلب المتسع؛ لأنه يطلب وصايا الله ليحيا بها، فيتسع قلبه بالحب لكل أحد، حتى لأعدائه، كما فعل مع شاول وأبشالوم اللذين حاولا قتله. القلب المتسع يعطي صاحبه الراحة والفرح والشكر، مهما قابلته مشاكل، أو ضيقات كما حدث مع بولس في مدينة كورنثوس (2 كو 6: 11 - 13). ع46: وَأَتَكَلَّمُ بِشَهَادَاتِكَ قُدَّامَ مُلُوكٍ وَلاَ أَخْزَى. إذ امتلأ قلب داود بالإيمان ومحبة الله تجرأ، وشهد لله قدام ملوك، مثل شاول، وملوك الفلسطينيين، ولم يخف من انتقامهم. وهكذا فعل أيضًا الثلاث فتية ودانيال، وفي العهد الجديد بولس أمام الملوك الذين حاكموه، ولم يخف، أو يخزي منهم. ع47، 48: وَأَتَلَذَّذُ بِوَصَايَاكَ الَّتِي أَحْبَبْتُ. وَأَرْفَعُ يَدَيَّ إِلَى وَصَايَاكَ الَّتِي وَدِدْتُ، وَأُنَاجِي بِفَرَائِضِكَ. أحب داود وصايا الله؛ حتى أنه تلذذ بقراءتها والتأمل فيها وترديدها، أي تحرك قلبه وفمه مع ذهنه في التمتع بكلمة الله، ثم رفع يديه إلى وصايا الله معلنًا تمسكه بها، واستعداده للعمل بها، فتغذى صلاته التي يرفع فيها يديه، تتحول إلى أعمال صالحة تعملها يداه؛ حتى أنه في النهاية يناجي الله متغنيًا بفرائضه وعبادته، أي يسبح الله دائمًا. † اهتم أن تشهد لكلام الله ليس فقط في حياتك التي تنطق فيها الوصية، بل أيضًا في كلمات الحب الصادرة من فمك لكل أحد مع التسبيح والشكر لله بكل طاقتك. تعزية في الضيقة (ع 49-56): الهدف: بعد أن شهد لكلام الله، احتاج أن يتذكر دائمًا كلامه؛ ليحفظه في طرقه وخاصة في الضيقات، عندما يلتف حوله المتكبرون. فاحتاج أن يرنم لله ويتمسك بعبادته، بل يذكره أيضًا في الليل ويتأمل كلامه. ع49، 50: اُذْكُرْ لِعَبْدِكَ الْقَوْلَ الَّذِي جَعَلْتَنِي أَنْتَظِرُهُ. هذِهِ هِيَ تَعْزِيَتِي فِي مَذَلَّتِي، لأَنَّ قَوْلَكَ أَحْيَانِي. عندما دخل داود في الضيقة لم يكن أمامه إلا الالتجاء لله، وتذكرته بوعوده له؛ ليخلصه من آلامه، ليس لأن الله قد نسى، ولكن ليعلن داود إيمانه، وحاجته لله. ومن أجل هذا الاتضاع والاشتياق لكلام الله، لابد أن ينقذه من مذلته. إن قول الله يسند الإنسان الذي في الضيقة، بل ويحييه، فيهبه سلامًا، ثم يخرجه من ضيقته. ع51، 52: الْمُتَكَبِّرُونَ اسْتَهْزَأُوا بِي إِلَى الْغَايَةِ. عَنْ شَرِيعَتِكَ لَمْ أَمِلْ. تَذَكَّرْتُ أَحْكَامَكَ مُنْذُ الدَّهْرِ يَا رَبُّ، فَتَعَزَّيْتُ. واجه داود استهزاء وتشكيكات من الأشرار المتكبرين، ليس به فقط، بل بإلهه ووصاياه، ولكنه ظل متمسكًا بوصايا الله، بل أخذ يذكر نفسه بأحكام الله في حفظه أولاده منذ الدهر. فتعزي قلبه، إذ تذكر كيف حفظ الله نوح البار أثناء الطوفان، وابرآم ولوط عند الحرب مع كدرلعومر، وحفظ ابرآم واسحق في مصر وفي جرار، وحفظ يعقوب من شر خاله لابان ... وهكذا لم يقاوم داود المتكبرين الأشرار، بل وجه قلبه للعمل الإيجابي وهو تذكر أحكام الله، والتمسك بوصاياه. ع53: الْحَمِيَّةُ أَخَذَتْنِي بِسَبَبِ الأَشْرَارِ تَارِكِي شَرِيعَتِكَ. الحمية: التهاب القلب حزنًا. تأثر قلب داود، وحزن على الخطاة الذين تركوا شريعة الله، لأنهم بالطبع ليس لهم سلام في قلوبهم، وينتظرهم عذاب أبدي، إذ هم تركوا شريعة الله عن عمد، وليس عن جهل، كما حزن بولس على ديماس (2 تى 4: 10 ) وكما حزن صموئيل وإيليا على شعب الله (1 صم 7: 3 - 5 ؛ امل 18: 40). فليتنا نحزن ونصلى لأجل كل من يبتعد عن طريق الله من حولنا. ع54: تَرْنِيمَاتٍ صَارَتْ لِي فَرَائِضُكَ فِي بَيْتِ غُرْبَتِي. اتجه هنا داود بشكل إيجابي إلى الله، ولم يستسلم لحزنه على الأشرار فاهتم بإتمام فرائض الله، أي طقوس العبادة، التي عبرت عن تهليل قلبه، وتسبيحه لله وسط غربة العالم، إذ شعر بكثرة المبتعدين عن الله حوله، ولكن عزاءه إحساسه بالله الذي معه. وهكذا يفرح داود ويفرح قلب الله بهذا التسبيح وهذه العبادة التي تركها الأشرار، فصار داود كشمعه وسط الظلام يعطي رجاءً للأبرار، ولعل الأشرار يرجعون إلى الله ويتوبون. ع55، 56: ذَكَرْتُ فِي اللَّيْلِ اسْمَكَ يَا رَبُّ، وَحَفِظْتُ شَرِيعَتَكَ. هذَا صَارَ لِي، لأَنِّي حَفِظْتُ وَصَايَاكَ. تعود داود النبي أن يصلي طوال اليوم قبل أن يبدأ أعماله، وأثناء العمل، وعندما يدخل لينام على فراشه، وأيضًا في الليل يتذكر اسم الله ووصاياه، ويتأمل فيها. وهدوء الليل يساعده على التأمل. ومن ناحية أخرى، فالليل يرمز للضيقات، وظلمة الخطية، فعندما يتذكر كلام الله يتكل عليه، ويبتعد عن كل شر. من أجل إنشغال داود بشريعة الله ووصاياه تلذذ بها، واختبر قوة الله في حياته، وتمتع بالسلام الداخلي. كل هذه البركات نالها لأجل حفظه وصايا الله وتكرارها والتأمل فيها. † لا تنسى أن تصلي في الليل قبل أن تنام، فيعطيك الله نومًا هادئًا، بل إن أردت تستطيع أن تطلب الله إذا استيقظت في الليل ولو دقائق قليلة، فتنال بركات أوفر. إرضاء الله نصيبي (ع 57-64): الهدف: بعد أن تعزي داود في ضيقته شعر أن الرب هو نصيبه، وحاول إرضاءه بالسلوك في وصاياه، وشكره، وتعلم عبادته. ع57: نَصِيبِي الرَّبُّ، قُلْتُ لِحِفْظِ كَلاَمِكَ. شعر داود أن نصيبه هو الرب، وليس ممتلكات العالم، أو شهواته، وتفرغ لحفظ وصايا الله وتطبيقها في حياته. فهو وإن كان يحيا في العالم، ويقوم بأعمال كثيرة، ولكن هدفه الوحيد واضح أمامه أن يحيا بكلام الله. سبط لاوي كان نصيبه هو الرب فلم يمتلك في أرض كنعان (تث 18: 1) وكذلك المكرسون في العهد الجديد من الكهنة والرهبان والخدام؛ هؤلاء جميعًا يشبعهم الله بمحبته، ولا يحتاجون للماديات، إذ جعلوا هدفهم حفظ كلام الله لحياتهم، وتوصيله للآخرين. ع58: تَرَضَّيْتُ وَجْهَكَ بِكُلِّ قَلْبِي. ارْحَمْنِي حَسَبَ قَوْلِكَ. يشعر داود أنه خاطئ، ويريد أن يرضي الله، وتظهر محبته لله في جهاده بكل قلبه، فليس فقط جهاده بأعمال جسدية، بل يصاحبها مشاعر وفكر؛ ليعلن حقًا احتياجه لله، فيتدخل الله بمراحمه حسب وعده أن يقبل أولاده المتأدبين. إن كان هنا يظهر تكامل عمل الجهاد مع النعمة، ويظهر أيضًا الاتكال على الله في طلب رحمته، ليس بشكل معين، ولكن حسب كلام الله، أي ما يراه الله مناسبًا له يعطيه إياه. وجه الله يشير إلى المسيح المتجسد، فالله لم يره أحد، ولكن الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر. فداود بروح النبوة رأى المسيح، ويحاول إرضاءه بالتوبة والصلاة. ع59، 60: تَفَكَّرْتُ فِي طُرُقِي، وَرَدَدْتُ قَدَمَيَّ إِلَى شَهَادَاتِكَ. أَسْرَعْتُ وَلَمْ أَتَوَانَ لِحِفْظِ وَصَايَاكَ. من فضائل داود أنه يراجع نفسه دائمًا، فيفكر في الطرق التي يسلكها، أي حياته، وكل انشغالاته، فإن وجد شيئًا منها قد ابتعد به عن الله، يعود بسرعة إلى وصايا الله وشهاداته، فهو لا يطيق الابتعاد عن الله. وهذا يبين: اهتمام داود بكلمة الله، فهي أساس حياته. شجاعة داود في تغيير أعماله، واتجاهاته إن انحرفت عن الله. اهتمامه بالإسراع إلى تصحيح مساره؛ لأنه إن توانى قد لا يستطيع العودة إلى الله، وقد ينسى ما اقتنع به وينجرف مع التيار وانشغالات العالم. ع61: حِبَالُ الأَشْرَارِ الْتَفَّتْ عَلَيَّ. أَمَّا شَرِيعَتُكَ فَلَمْ أَنْسَهَا. حبال الأشرار هي مقاومتهم لداود، وحيل إبليس، وكل تهديدات بالإساءة إليه. هذه الحبال يمكن أن تعطل أي إنسان عن جهاده الروحي. ولكن قوة داود اكتسبها من تمسكه بشريعة الله، فهي أقوى من كل حبال الأشرار، بل إنها لا شيء أمام قوة كلمة الله، التي اسند عليها داود، وكان يكررها ويلهج بها كل يوم، فلم تبتعد عن ذهنه، بل كانت في قلبه. ع62: فِي مُنْتَصَفِ اللَّيْلِ أَقُومُ لأَحْمَدَكَ عَلَى أَحْكَامِ بِرِّكَ. انشغل قلب داود بالصلاة طوال اليوم، وعندما نام في الليل لم يستطع أن يترك الصلاة، فقام ليحمد الله، ويشكره على عنايته به، بل لعله لم يدخل إلى فراشه سريعًا، واستمر فترة يصلي حتى وهو على فراشه، فالصلاة قد جذبت قلبه نهارًا وليلًا، والحمد والتسبيح صارا لذته. إن كان الليل يرمز إلى الضيقات، فداود أيضًا ينهض منها ليشكر الله الذي يحفظه أثناء الضيقة. وإن كان الليل يرمز للسقوط في الخطية، فداود يتوب عنها، ثم يشكر الله الذي رفعه من الخطية للتوبة. ع63: رَفِيقٌ أَنَا لِكُلِّ الَّذِينَ يَتَّقُونَكَ وَلِحَافِظِي وَصَايَاكَ. أحب داود الرب، وعاش في مخافته حتى أنه أحب كل من يخافونه، وارتبط بهم، ورافقهم ليتشجع بهم، ويشجعهم. وهؤلاء الذين يخافون الله الذي ثبتهم في مخافته هو حفظهم لوصاياه. الذي يستطيع أن يرافق جميع الذين يتقون الرب هو المسيح، الذي هو رأس الجسد، وكل الذين يخافون الله أعضاء في جسده. فهذه الآية نبوة عن المسيح يقولها داود بلسان المسيح. ع64: رَحْمَتُكَ يَا رَبُّ قَدْ مَلأَتِ الأَرْضَ. عَلِّمْنِي فَرَائِضَكَ. أدرك داود أن رحمة الله ملأت الأرض كلها، أي غطت كل البشر. فإحسانات الله لكل الناس في الشمس التي تضيء، والهواء الذي يستنشقونه، والأرض التي ثبتها لهم ... ولذا تجاوبًا مع رحمة الله يطلب من الله أن يعلمه عبادته ليصل إليه ويشكره من كل قلبه. رحمة الله ملأت الأرض كلها من خلال الصليب الذي قدم فداءً للبشرية كلها لكل من يؤمن به، حتى تخرج من شرورها، وتحيا له في عبادة مقدسة في كنيسته. عندما يتعلم الإنسان فرائض إلهه يصير مثل الله رحيمًا على كل من حوله، وليس فقط الأبرار، فيكون نورًا للعالم، ويرون فيه نور المسيح. † ليت قلبك ينفتح بالحب لكل الناس؛ لتعطيهم مما أعطاه الله لك، فتساندهم وتشجعهم، وتخدمهم بكل وسيلة. |
||||
17 - 07 - 2024, 10:28 AM | رقم المشاركة : ( 166613 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
من يحفظ الوصية بكل قلبه ينال بركة الابتعاد عن الخطية وكذا يحصل على الغفران إن أخطأ ويشكر الله على عطاياه، فيفرح حتى يصل إلى غايته التي هي الأبدية السعيدة. |
||||
17 - 07 - 2024, 10:30 AM | رقم المشاركة : ( 166614 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بدأ المسيح عظته على الجبل بالتطويبات أي يالسعادتهم السالكين في طريق الكمال، فيهبهم الله أن يكونوا بلا عيب خارجي، وإن كانت لهم ضعفاتهم الداخلية. والسلوك في طريق الكمال هو السلوك بشريعة الله، بل وحفظها، ليس فقط في الذهن، بل تطبيقها في الحياة. من يحفظ وصايا الله في ذهنه، ويرددها بلسانه، تدخل إلى مشاعره، فيطلبها في الصلاة من كل قلبه. الذي يتنقى بالتأمل في الوصية يستطيع أن يعاين الله، لأن الطلب من كل القلب معناه تعلق القلب بالله، وبالتالي ينال نعمة معاينة الله، لأن القلب لا يعرج بين الفرقتين؛ أي الله والعالم، بل اختار الله وحده ليحيا به وسط العالم، ولا يتأثر أو يخضع لشهواته. |
||||
17 - 07 - 2024, 10:31 AM | رقم المشاركة : ( 166615 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الذى يحب كلمة الله ويسلك في طريق الكمال يحيا في النور، ولا يحب الظلمة، فيتباعد عن الخطايا، ولا يسقط فيها على الأقل بالأفعال، أو بالكلام؛ حتى لو كان معرضًا للسقوط فيها بالفكر، أو القلب. يهتم من يسلك بالبر أن يكون في طريق الله، أي متمسكًا بوصاياه، ولا يريد أن يسلك في طرقه، أي طرق العالم، وهي الشهوات المختلفة. فطريق الله واحد وهو المسيح، أما العالم فطرقه الشريرة كثيرة. |
||||
17 - 07 - 2024, 10:31 AM | رقم المشاركة : ( 166616 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الله يطلب من أولاده أن يحفظوا وصاياه تمامًا، أي بكل دقة، فلا يتركوا جزءًا منها، أو يهملوا إحدى وصاياه، ويسعوا لتنفيذها بكل قلوبهم، وهو يعينهم ليتمتعوا بأعماق لذيذة فيها، فيكونوا في فرح دائم. |
||||
17 - 07 - 2024, 10:33 AM | رقم المشاركة : ( 166617 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أهمية حفظ الوصايا إلى التمام، طلب معونة الله ليثبت في حفظ الوصايا، فلا يقصر في تنفيذها، لأنه لو قصر سيتعرض لحروب الشيطان، فيسقط في خطايا متنوعة. وهنا تظهر أهمية عمل النعمة مع الجهاد الروحي، فلا يستغنى المجاهد عن عمل النعمة، والنعمة تعمل فيمن يحبون وصايا الله ويجاهدون في تنفيذها. |
||||
17 - 07 - 2024, 10:34 AM | رقم المشاركة : ( 166618 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
إذا اتحد عمل النعمة مع الجهاد الروحي يتشجع الإنسان للدخول إلى وصايا الله، أي كلمته، فيتعمق في معرفة الله، واكتشاف جمال وصاياه، أي يرى المسيح كلمة الله، ويتمتع بعشرته. وهذا يعطيه رجاء أنه في يوم الدينونة لا يخزى إذا نظر إلى المسيح الديان، ويجد له مكانًا في ملكوته. فالخزى يصاحب الخطية، كما حدث عند سقوط آدم وحواء، أما حفظ الوصية فيبعد الإنسان عن الخزى ويمتعه بالوجود مع الله. |
||||
17 - 07 - 2024, 10:37 AM | رقم المشاركة : ( 166619 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عندما أتعلم أحكامك، أي وصاياك وكلامك أفهم واعرف الهدف الكامن فيها. وهذا يجعلنى مستقيمًا في مشاعرى وفى أفكارى ويظهر في تصرفاتى وكلامى، ولا أعود أنزعج من الأخطاء المنتشرة في العالم، وأفكاره الغريبة، لأنى متمسك ومحصن بكلمة الله العادلة. حينئذ إذ اكتشف العدل والحق من خلال أحكامك |
||||
17 - 07 - 2024, 10:38 AM | رقم المشاركة : ( 166620 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أشكرك وأحمدك على نعمتك علىّ، بل أشعر بضعفى وعدم استحقاقى لكل هذه النعم، فيزداد حمدى لك. وأحمد الله أيضًا الذي أنار عينى الداخلية، وأرانى شخصه، وعظمة الحياة الأبدية، فلا أنزعج من خطايا العالم، وتقلباته، وأشكره من كل قلبى، باستقامة وعدم تلوث بأى فكر شرير. |
||||