11 - 07 - 2024, 06:52 PM | رقم المشاركة : ( 166141 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
التأديبات الإلهية يُولد الإنسان في عدم معرفة، ويحتاج لتربية وتأديب من والديه، وكلما اهتم به ذويه، كلما نما في المعرفة وفي الحكمة وفي الفضيلة، كما قيل عن موسى النبي: "فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ، وَكَانَ مُقْتَدِرًا فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ" (أع 7: 22). ولكن ما ناله النبي على يد المصريين من حكمة وأدبٍ سَامٍ لم يكن كافيًا، فقد أراد النبي أن يخلص شعبه من عبودية فرعون، بالاتكال على ذراعه، فأخطأ ووقع في خطية قتل، ولما انكشف أمره هرب إلى أرض مديان. لقد أحاط الله موسى النبي (كابن له) بالرعاية، وهَذَّبهُ في البرية مدة أربعين عامًا أخرى في عيشة شاقة، أهلته لقيادة شعب الله في البرية. إن الله كأب حنون يتعهد الإنسان، فيؤدبه بطرق كثيرة، ويسمح له بالتعرض لبعض الضيقات والشدائد بسبب أخطائه. يتذمر البعض من تلك التأديبات، ولكن الله كأب حنون يهمه خلاص أولاده، فهو يود أن يصقل شخصيتهم، ليسلكوا في الطريق المستقيم، كقوله: "لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ. إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ التَّأْدِيبَ يُعَامِلُكُمُ اللهُ كَالْبَنِينَ. فَأَيُّ ابْنٍ لاَ يُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ؟... وَلكِنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي الْحَاضِرِ لاَ يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ بَلْ لِلْحَزَنِ. وَأَمَّا أَخِيرًا فَيُعْطِي الَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرّ لِلسَّلاَمِ" (عب ظ،ظ¢: ظ¦، ظ§، ظ،ظ،). |
||||
11 - 07 - 2024, 06:53 PM | رقم المشاركة : ( 166142 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مَن لا أمل في خلاصه لا يُؤَدَب إن إهمال وترك الإنسان بدون تأديب أمر صعب، لأن هذا يعني هلاكه! وهذا لا يحدث إلا في حالة العناد والإصرار على الخطية (حالة التجديف على الروح القدس). لقد أوضح الله أن من لا رجاء فيه مطلقًا لا يؤدب، ويترك لعناد قلبه فيهلك! كقوله عن بنات إسرائيل المُصرات على اقتراف الشر: "يَذْبَحُونَ عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ، وَيُبَخِّرُونَ عَلَى التِّلاَلِ تَحْتَ الْبَلُّوطِ وَاللُّبْنَى وَالْبُطْمِ لأَنَّ ظِلَّهَا حَسَنٌ! لِذلِكَ تَزْنِي بَنَاتُكُمْ وَتَفْسِقُ كَنَّاتُكُمْ. لاَ أُعَاقِبُ بَنَاتِكُمْ لأَنَّهُنَّ يَزْنِينَ، وَلاَ كَنَّاتِكُمْ لأَنَّهُنَّ يَفْسِقْنَ. لأَنَّهُمْ يَعْتَزِلُونَ مَعَ الزَّانِيَاتِ وَيَذْبَحُونَ مَعَ النَّاذِرَاتِ الزِّنَى. وَشَعْبٌ لاَ يَعْقِلُ يُصْرَعُ" (هوظ¤: ظ،ظ£، ظ،ظ¤) . |
||||
11 - 07 - 2024, 06:54 PM | رقم المشاركة : ( 166143 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أهداف العقوبة الأرضية لقد حدد المرنم خطة الله في التعامل مع الخاطئ، موضحًا أنه يتأنى في العقاب، ليقود الخاطئ إلى التوبة والرجوع، فإن لم يرجع عن شره يعاقبه، لعله يفيق من شروره، كقوله: "اَللهُ قَاضٍ عَادِلٌ، وَإِلهٌ يَسْخَطُ فِي كُلِّ يَوْمٍ. إِنْ لَمْ يَرْجعْ يُحَدِّدْ سَيْفَهُ. مَدَّ قَوْسَهُ وَهَيَّأَهَا" (مز ظ§: ظ،ظ،، ظ،ظ¢). إن الله يتأنى كثيرًا على الخاطئ لعله يرجع، ولا يعاقب الإنسان كحسب شروره، لكنه يؤدبه لما فيه منفعته. فيما يلي نبين مقاصد وأهداف الله من العقوبة والتأديب... مقاصد الله صالحة من نحو البشر. أوضح الوحي الإلهي في سفر أيوب أن الله يتأنى في العقاب، وأن هدف العقوبة الإلهية هو الخلاص من الهلاك الأبدي، قائلًا: "لكِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ مَرَّةً، وَبِاثْنَتَيْنِ لاَ يُلاَحِظُ الإِنْسَانُ. فِي حُلْمٍ فِي رُؤْيَا اللَّيْلِ، عِنْدَ سُقُوطِ سَبَاتٍ عَلَى النَّاسِ، فِي النُّعَاسِ عَلَى الْمَضْجَعِ. حِينَئِذٍ يَكْشِفُ آذَانَ النَّاسِ وَيَخْتِمُ عَلَى تَأْدِيبِهِمْ، لِيُحَوِّلَ الإِنْسَانَ عَنْ عَمَلِهِ، وَيَكْتُمَ الْكِبْرِيَاءَ عَنِ الرَّجُلِ، لِيَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنِ الْحُفْرَةِ وَحَيَاتَهُ مِنَ الزَّوَالِ بِحَرْبَةِ الْمَوْتِ. أَيْضًا يُؤَدَّبُ بِالْوَجَعِ عَلَى مَضْجَعِهِ، وَمُخَاصَمَةُ عِظَامِهِ دَائِمَةٌ" (أيظ£ظ£: ظ،ظ¤-ظ،ظ©). العِبرَة قد يعاقب الله الأشرار، الذين لا رجاء فيهم بضربات قاسية تُنهِي حياتهم، لكي يكونوا عِبرَة لغيرهم، ممن لم يفجروا بعد، وليبين أيضًا شدة غضبه، وعدم تهاونه مع الشر، أو عدم رضاه على الأشرار، كقوله: "وَإِذْ رَمَّدَ مَدِينَتَيْ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، حَكَمَ عَلَيْهِمَا بِالانْقِلاَبِ، وَاضِعًا عِبْرَةً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يَفْجُرُوا" (ظ¢بط ظ¢: ظ¦). |
||||
11 - 07 - 2024, 06:55 PM | رقم المشاركة : ( 166144 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
التوبة إن التوبة تجلب على الإنسان المراحم والخيرات، كوعد الله للتائبين عن خطاياهم، فإذا افترضنا ضرورة وقوع العقاب الأرضي على كل خطأ يقترفه الإنسان، فهذا سيجعل التائب في قلق وخوف نفسي شديد. إن الوحي الإلهي يعد التائب بخيرات وبركات كثيرة، كقوله: "وَأُعَوِّضُ لَكُمْ عَنِ السِّنِينَ الَّتِي أَكَلَهَا الْجَرَادُ، الْغَوْغَاءُ وَالطَّيَّارُ وَالْقَمَصُ، جَيْشِي الْعَظِيمُ الَّذِي أَرْسَلْتُهُ عَلَيْكُمْ" (يوئ ظ¢: ظ¢ظ¥). فكيف يتفق ذلك مع توقعه الضربات الآتية عليه بسبب أخطائه، التي تاب عنها. بركات التوبة تتعارض مع مبدأ العقاب الأرضي على كل خطية. يطالب الله البشر بالتوبة، ويعد التائب بالغفران إذا رجع عن ضلال طريقه، ولكن إن عاقبه الله على الفور، فلن يمهله فرصة للتوبة، وبذلك يكون حديث الأسفار الإلهية عن التوبة كلام لا معنى له، وغير قابل للتنفيذ، ولن تتم المصالحة مع الله، الذي أرسل ابنه الوحيد يسوع المسيح، ليبرر الخطاة والفجار، كقوله: "أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ" (2كو 5: 19). الله يعود ويرحم يعود الله ويرحم التائب، ويباركه بالحياة الأبدية، كقوله: "أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ" (تثظ£ظ*: ظ،ظ©). إن الله يتنازل أيضًا عن حقه في الدينونة في حياة الدهر الآتي، وينعم على التائب بالحياة الأبدية، كقوله: "إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ" (رو ظ¨: ظ،).. فإن كان الله يتنازل عن الأمور الأبدية، فهل يصر الله على إتمام العقوبة الأرضية، لمن تاب عن خطيئته؟!   |
||||
11 - 07 - 2024, 06:56 PM | رقم المشاركة : ( 166145 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الواقع العملي يشهد أولاد الله لم يفعلوا هذا لم يطلب يوسف الصديق مجازاة إخوته بسبب آذيتهم له، بل سامحهم، وأكرمهم، واعتنى بهم وبأولادهم، كقوله: "وَأَتَى إِخْوَتُهُ أَيْضًا وَوَقَعُوا أَمَامَهُ وَقَالُوا: «هَا نَحْنُ عَبِيدُكَ». فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: «لاَ تَخَافُوا. لأَنَّهُ هَلْ أَنَا مَكَانَ اللهِ؟ أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا، لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا الْيَوْمَ، لِيُحْيِيَ شَعْبًا كَثِيرًا. فَالآنَ لاَ تَخَافُوا. أَنَا أَعُولُكُمْ وَأَوْلاَدَكُمْ» فَعَزَّاهُمْ وَطَيَّبَ قُلُوبَهُمْ" (تك ظ¥ظ*: ظ،ظ¨-ظ¢ظ،). وبالطبع الله الذي عَلَّمَ يوسف التسامح والغفران، لا يصر على مجازاة مَن يتوب، بل يشجعه ويسنده! أوامر الله في أسفار العهد القديم تشجع على الغفران. أوصى الوحي الإلهي في سفر الجامعة بعدم تصيد البشر أخطاء غيرهم، وأيضًا بالتساهل في محاسبة المخطئين، لأن ذلك أمر إلهي يتفق مع الرحمة والرأفة، التي هي طبيعة الله، كقوله: "أَيْضًا لاَ تَضَعْ قَلْبَكَ عَلَى كُلِّ الْكَلاَمِ الَّذِي يُقَالُ، لِئَلاَّ تَسْمَعَ عَبْدَكَ يَسِبُّكَ. لأَنَّ قَلْبَكَ أَيْضًا يَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ كَذلِكَ مِرَارًا كَثِيرَةً سَبَبْتَ آخَرِينَ" (جاظ§: ظ¢ظ،، ظ¢ظ¢). صاحب السلطان له حق الرحمة. الله صاحب سلطان، وله كامل الحرية في الغفران، أو التنازل عن حقه في محاسبة المخطئ. لقد أعطى الوحي الإلهي مثالاً عن داود النبي، الذي تنازل عن قتل ابن وحيد لأمه، كان قد قتل أخيه، ولكن أمه طلبت من الملك عدم معاقبة الابن الحي القاتل بقتله، لئلا تفقد ابنها الباقي، كما فقدت المقتول، فتكون قد فقدت الجميع، لقد أجابها الملك لطلبها، عندما قالت له: "اذْكُرْ أَيُّهَا الْمَلِكُ الرَّبَّ إِلهَكَ حَتَّى لاَ يُكَثِّرَ وَلِيُّ الدَّمِ الْقَتْلَ، لِئَلاَّ يُهْلِكُوا ابْنِي. فَقَالَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، إِنَّهُ لاَ تَسْقُطُ شَعْرَةٌ مِنْ شَعْرِ ابْنِكِ إِلَى الأَرْضِ»" (2صم ظ،ظ¤: ظ،ظ،). مَن يأخذ بالسيف بالسيف يهلك. إن قول الرب يسوع لبطرس الرسول: "... رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ!" (مت ظ¢ظ¦: ظ¥ظ¢) هو شريعة إلهية سماوية، وردت في سفر الخروج، كقوله: "وَإِذَا بَغَى إِنْسَانٌ عَلَى صَاحِبِهِ لِيَقْتُلَهُ بِغَدْرٍ فَمِنْ عِنْدِ مَذْبَحِي تَأْخُذُهُ لِلْمَوْتِ" (خر21: 14). لقد قصد ربُّ المجدِ أن يُذَّكر معلمنا بطرس الرسول بالشريعة، التي يجب أن لا يتعدى عليها، بل يحفظها، لأن أحكام شريعة الله كانت تأمر بمعاقبة القاتل، ولا يمكن للقضاء مخالفتها، أما الله فهو واضع الشريعة فمن حقه القصاص أو الغفران، حسب مراحمه وعدله. الاستنتاج العقاب الأرضي عن كل خطية أمر يتنافى مع حب الله ولطفه، ولكن الله قد يستخدمه، أو يسمح به لحكمةٍ ما أحيانًا من أجل خير الإنسان. |
||||
11 - 07 - 2024, 06:56 PM | رقم المشاركة : ( 166146 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هل إذا رجع الشرير عن شره يعفيه الله من العقاب الأرضي على خطاياه السابقة؟ أم لا بد أن يعاقب؟ كقول الرب يسوع المسيح لبطرس الرسول: "كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ!؟" (مت26: 52). أولًا: صِدق مبدأ حصاد الإنسان ما يزرعه. الخطية هي زراعة للشر، وثمرتها مؤذية لصاحبها، قبل أن تؤذي غيره. فالكَذَّاب يخسر ثقة الناس فيه، والغضوب يثير عليه مَن يكرهه، ويتسبب في أذية نفسه، والحاقد يمتلئ قلبه بالأحقاد والأتعاب النفسية، وهكذا يحصد الشرير نتيجة شره، الذي يزرعه، لأن الشر يؤثر على داخله أولًا، قبل أن يمتد الضرر ليضر بمن حوله. نتائج الشر. مَن يزرع للجسد فمن الجسد يحصد، كقول الكتاب"لاَ تَضِلُّوا! اَللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا. لأَنَّ مَنْ يَزْرَعُ لِجَسَدِهِ فَمِنَ الْجَسَدِ يَحْصُدُ فَسَادًا، وَمَنْ يَزْرَعُ لِلرُّوحِ فَمِنَ الرُّوحِ يَحْصُدُ حَيَاةً أَبَدِيَّةً. فَلاَ نَفْشَلْ فِي عَمَلِ الْخَيْرِ لأَنَّنَا سَنَحْصُدُ فِي وَقْتِهِ إِنْ كُنَّا لاَ نَكِلُّ" (غل ظ¦: ظ§-ظ©). يوجد أمثلة كثيرة في أسفار الكتاب المقدس تشهد بصدق هذه الحقيقة، ولكن أبونا آدم سيظل أعظم مثال، لما تسببه الخطية من ضرر على حياة الإنسان. لقد تعرض أبونا آدم لنتائج سيئة بسبب خطيئته، يمكن تلخيصها في انفصاله عن الله، وإحساسه بالخزي والعار، وما سببته له الخطية من أحزان وآلام نفسية وندم، وأوجاع لضميره وخوف وقلق. وقد شهد الكتاب المقدس بذلك على لسانه، بقوله: "سَمِعْتُ صَوْتَكَ فِي الْجَنَّةِ فَخَشِيتُ، لأَنِّي عُرْيَانٌ فَاخْتَبَأْتُ" (تك ظ£: ظ،ظ*). ثانيًا: الله العادل أرض المظالم. إن الأرض تمتلئ بالمظالم، لأن العدل لا يمكن أن يكتمل ما دام الشر موجود في العالم، ولكن الكتاب يُطَمئِنّ البشر، بقوله: "إِنْ رَأَيْتَ ظُلْمَ الْفَقِيرِ وَنَزْعَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ فِي الْبِلاَدِ، فَلاَ تَرْتَعْ مِنَ الأَمْرِ، لأَنَّ فَوْقَ الْعَالِي عَالِيًا يُلاَحِظُ، وَالأَعْلَى فَوْقَهُمَا" (جا 5: 8). أما السماء فهي أرض الاستقامة والعدالة، لأن فيها سيُحاسب الله كل إنسان كنحو أعماله، كقوله: "لأَنَّهُ لاَبُدَّ أَنَّنَا جَمِيعًا نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ الْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِالْجَسَدِ بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْرًا كَانَ أَمْ شَرًّا" (2كو 5: 10). إن الله لا يعاقب البشر في الأرض على سبيل إقامة العدالة الإلهية، ولكنه عندما يعاقب الأشرار على الأرض، فذلك على سبيل التأديب، ولكن دينونة الأشرار العادلة ستأتي عليهم في اليوم الأخير لا محالة. العقوبة الأرضية ليست هي القاعدة السائدة. الواقع العملي والكتابي يشهد أنه ليس من الضروري أن يُعَاقبُ الأشرار على الأرض (مع أن شرهم حتمًا يؤذيهم)، كقول الكتاب: "لأَنِّي غِرْتُ مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ، إِذْ رَأَيْتُ سَلاَمَةَ الأَشْرَارِ. لأَنَّهُ لَيْسَتْ فِي مَوْتِهِمْ شَدَائِدُ، وَجِسْمُهُمْ سَمِينٌ" (مز ظ§ظ£: ظ£، ظ¤). إن عقاب الله كل إنسان بعقوبة أرضية على كل خطية يقترفها أمر غير منطقي، لأن ضعف البشر عظيم، وخطاياهم كثيرة جدًا، وهذا الافتراض سيجعلهم في كرب شديد، ويُحِيلُ حياتهم إلى جحيم، وقد يتسبب في هلاكهم جميعًا، كقوله: "إِنْ كُنْتَ تُرَاقِبُ الآثَامَ يَا رَبُّ، يَا سَيِّدُ، فَمَنْ يَقِفُ؟ لأَنَّ عِنْدَكَ الْمَغْفِرَةَ. لِكَيْ يُخَافَ مِنْكَ" (مز ظ،ظ£ظ*: ظ£، ظ¤). عقوبة أم تأديب إن العقوبة الأرضية في أحيان كثيرة تدفع الإنسان للتوبة، وهي أيضًا تعطي الآخرين عبرة بسبب هلاك الشرير، لعل غيره من الأشرار يتعظون، وخير مثال على ذلك أن نبوخذنصر، بعدما عاقبه الله رجع عن شره، وأعطى المجد لله، قائلًا: "وَعِنْدَ انْتِهَاءِ الأَيَّامِ، أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ، رَفَعْتُ عَيْنَيَّ إِلَى السَّمَاءِ، فَرَجَعَ إِلَيَّ عَقْلِي، وَبَارَكْتُ الْعَلِيَّ وَسَبَّحْتُ وَحَمَدْتُ الْحَيَّ إِلَى الأَبَدِ، الَّذِي سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ، وَمَلَكُوتُهُ إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ" (دا 4: 34). العدالة في أتمِّ صورها. العقوبة الأرضية على الخطية ليست هي القصاص العادل للخطية، لأن قصاص الله العادل لن يكون كاملًا إلا في السماء، وذلك بالهلاك الأبدي للأشرار، لأن أجرة الخطية ليست موت جسدي فقط، لكنها موت، وهلاك أبدي، كقول الكتاب: "الَّذِينَ سَيُعَاقَبُونَ بِهَلاَكٍ أَبَدِيٍّ مِنْ وَجْهِ الرَّبِّ وَمِنْ مَجْدِ قُوَّتِهِ" (2تس 1: 9). وقد وصف الوحي الإلهي شدة الانتقام الأبدي في السماء، بأنه انتقام سبعة أضعاف، لأن رقم 7 يشير إلى كمال الأمر، كقوله: "... لِذلِكَ كُلُّ مَنْ قَتَلَ قَايِينَ فَسَبْعَةَ أَضْعَافٍ يُنْتَقَمُ مِنْهُ. وَجَعَلَ الرَّبُّ لِقَايِينَ عَلاَمَةً لِكَيْ لاَ يَقْتُلَهُ كُلُّ مَنْ وَجَدَهُ" (تك ظ¤: ظ،ظ¥). ثالثًا: الله الصالح الله يرفق، ويتأنى لأنه صالح. يتعامل الله مع البشر بحسب صلاحه وغناه وكرمه، ولا يعطي الناس حسب استحقاقهم، فهو مستعد لغفران خطايا التائب منهم، وهو يتأنى عليهم، فلا يحرم الخطاة من عطاياه، كقوله: "لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ" (مت ظ¥: ظ¤ظ¥). وقوله عن اهتمامه بيونان النبي، رغم تذمره على الله: "فَأَعَدَّ الرَّبُّ الإِلهُ يَقْطِينَةً فَارْتَفَعَتْ فَوْقَ يُونَانَ لِتَكُونَ ظِلاُ عَلَى رَأْسِهِ، لِكَيْ يُخَلِّصَهُ مِنْ غَمِّهِ. فَفَرِحَ يُونَانُ مِنْ أَجْلِ الْيَقْطِينَةِ فَرَحًا عَظِيمًا" (يون ظ¤: ظ¦). إن وقوع العقوبة الأرضية على الإنسان عند كل خطية أمر يتنافي مع لطف الله وحنانه، وغفرانه، كقوله: "أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ، غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟ وَلكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ، تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَبًا فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ" (رو ظ¢: ظ¤، ظ¥). أمر غير منطقي ليس من المنطقي أن يحيل الله حياة الإنسان جحيم، بعدم إعطائه فرصة للتوبة عن خطاياه، لأن مكافأة التوبة هي المسامحة والغفران. فهل يجازي الله في الأرض عن كل خطية؟! ولا يسامح أبدًا؟! فيحرم الإنسان من المسامحة والغفران؟! ولكن في تلك الحالة يجوز لمعترض أن يقول لماذا إذًا خلق الله الإنسان الضعيف هل ليهلكه؟! لأن الله يعلم مسبقًا بضعفه، ولكن حاشا لله أن يفعل ذلك، لأنه رقيق القلب وحنون، كقوله: "لأَنَّهُ لاَ يُذِلُّ مِنْ قَلْبِهِ، وَلاَ يُحْزِنُ بَنِي الإِنْسَانِ" (مرا ظ£: ظ£ظ£). الله لا يوافقه مبدأ العصا المرفوعة. مبدأ العقاب الإلهي على كل خطية يلغي مبدأ الرحمة، ويجعل الناس في خوف دائم، وفي انتظار حلول المصائب من عند الله، وبذلك لن يكون الله صانع خيرات، وكيف يستطيع الإنسان أن يحب الله في تلك الحالة؟! والله يأمرهُ بأن يحبه، بقوله: "وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ. هذِهِ هِيَ الْوَصِيَّةُ الأُولَى" (مر12: 30). وهل يمكن للإنسان أن يحب مَن يهدده على الدوام بالعقاب والمصائب؟! الله القدوة والمثال. طالب معلمنا بولس الرسول شعب كورنثوس بالتمثل بالرب يسوع المسيح، قائلًا: "كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ" (ظ،كوظ،ظ،: ظ،) ولهذا نحن نحب الآخرين، ونغفر لهم، ونطيل أناتنا عليهم، ونرحمهم، فمن يدعي أن الله يعاقب، ولا يتأنى، ولا يرحم، يناقض ما جاء في الكتاب المقدس عن ضرورة التمثل بالله الكثير الرأفات.. وكيف نفسر هذه الآيات الكثيرة التي تتحدث عن حب الله، وكثرة مراحمه، كقوله: "نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلًا" (ظ،يو ظ¤: ظ،ظ©). نخلص مما سبق أن العقوبة الأرضية لا تتم عن كل خطية، لكن الله قد يعقاب أحيانًا في الأرض، ولكن ذلك على سبيل التأديب، أو لأي غرض آخر حسب حكمة الله العالية، كما سنشرح فيما يلي: رابعًا: التأديبات الإلهية يُولد الإنسان في عدم معرفة، ويحتاج لتربية وتأديب من والديه، وكلما اهتم به ذويه، كلما نما في المعرفة وفي الحكمة وفي الفضيلة، كما قيل عن موسى النبي: "فَتَهَذَّبَ مُوسَى بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ، وَكَانَ مُقْتَدِرًا فِي الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ" (أع 7: 22). ولكن ما ناله النبي على يد المصريين من حكمة وأدبٍ سَامٍ لم يكن كافيًا، فقد أراد النبي أن يخلص شعبه من عبودية فرعون، بالاتكال على ذراعه، فأخطأ ووقع في خطية قتل، ولما انكشف أمره هرب إلى أرض مديان. لقد أحاط الله موسى النبي (كابن له) بالرعاية، وهَذَّبهُ في البرية مدة أربعين عامًا أخرى في عيشة شاقة، أهلته لقيادة شعب الله في البرية. إن الله كأب حنون يتعهد الإنسان، فيؤدبه بطرق كثيرة، ويسمح له بالتعرض لبعض الضيقات والشدائد بسبب أخطائه. يتذمر البعض من تلك التأديبات، ولكن الله كأب حنون يهمه خلاص أولاده، فهو يود أن يصقل شخصيتهم، ليسلكوا في الطريق المستقيم، كقوله: "لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَيَجْلِدُ كُلَّ ابْنٍ يَقْبَلُهُ. إِنْ كُنْتُمْ تَحْتَمِلُونَ التَّأْدِيبَ يُعَامِلُكُمُ اللهُ كَالْبَنِينَ. فَأَيُّ ابْنٍ لاَ يُؤَدِّبُهُ أَبُوهُ؟... وَلكِنَّ كُلَّ تَأْدِيبٍ فِي الْحَاضِرِ لاَ يُرَى أَنَّهُ لِلْفَرَحِ بَلْ لِلْحَزَنِ. وَأَمَّا أَخِيرًا فَيُعْطِي الَّذِينَ يَتَدَرَّبُونَ بِهِ ثَمَرَ بِرّ لِلسَّلاَمِ" (عب ظ،ظ¢: ظ¦، ظ§، ظ،ظ،). مَن لا أمل في خلاصه لا يُؤَدَب إن إهمال وترك الإنسان بدون تأديب أمر صعب، لأن هذا يعني هلاكه! وهذا لا يحدث إلا في حالة العناد والإصرار على الخطية (حالة التجديف على الروح القدس). لقد أوضح الله أن من لا رجاء فيه مطلقًا لا يؤدب، ويترك لعناد قلبه فيهلك! كقوله عن بنات إسرائيل المُصرات على اقتراف الشر: "يَذْبَحُونَ عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ، وَيُبَخِّرُونَ عَلَى التِّلاَلِ تَحْتَ الْبَلُّوطِ وَاللُّبْنَى وَالْبُطْمِ لأَنَّ ظِلَّهَا حَسَنٌ! لِذلِكَ تَزْنِي بَنَاتُكُمْ وَتَفْسِقُ كَنَّاتُكُمْ. لاَ أُعَاقِبُ بَنَاتِكُمْ لأَنَّهُنَّ يَزْنِينَ، وَلاَ كَنَّاتِكُمْ لأَنَّهُنَّ يَفْسِقْنَ. لأَنَّهُمْ يَعْتَزِلُونَ مَعَ الزَّانِيَاتِ وَيَذْبَحُونَ مَعَ النَّاذِرَاتِ الزِّنَى. وَشَعْبٌ لاَ يَعْقِلُ يُصْرَعُ" (هوظ¤: ظ،ظ£، ظ،ظ¤) . خامسًا: أهداف العقوبة الأرضية لقد حدد المرنم خطة الله في التعامل مع الخاطئ، موضحًا أنه يتأنى في العقاب، ليقود الخاطئ إلى التوبة والرجوع، فإن لم يرجع عن شره يعاقبه، لعله يفيق من شروره، كقوله: "اَللهُ قَاضٍ عَادِلٌ، وَإِلهٌ يَسْخَطُ فِي كُلِّ يَوْمٍ. إِنْ لَمْ يَرْجعْ يُحَدِّدْ سَيْفَهُ. مَدَّ قَوْسَهُ وَهَيَّأَهَا" (مز ظ§: ظ،ظ،، ظ،ظ¢). إن الله يتأنى كثيرًا على الخاطئ لعله يرجع، ولا يعاقب الإنسان كحسب شروره، لكنه يؤدبه لما فيه منفعته. فيما يلي نبين مقاصد وأهداف الله من العقوبة والتأديب... مقاصد الله صالحة من نحو البشر. أوضح الوحي الإلهي في سفر أيوب أن الله يتأنى في العقاب، وأن هدف العقوبة الإلهية هو الخلاص من الهلاك الأبدي، قائلًا: "لكِنَّ اللهَ يَتَكَلَّمُ مَرَّةً، وَبِاثْنَتَيْنِ لاَ يُلاَحِظُ الإِنْسَانُ. فِي حُلْمٍ فِي رُؤْيَا اللَّيْلِ، عِنْدَ سُقُوطِ سَبَاتٍ عَلَى النَّاسِ، فِي النُّعَاسِ عَلَى الْمَضْجَعِ. حِينَئِذٍ يَكْشِفُ آذَانَ النَّاسِ وَيَخْتِمُ عَلَى تَأْدِيبِهِمْ، لِيُحَوِّلَ الإِنْسَانَ عَنْ عَمَلِهِ، وَيَكْتُمَ الْكِبْرِيَاءَ عَنِ الرَّجُلِ، لِيَمْنَعَ نَفْسَهُ عَنِ الْحُفْرَةِ وَحَيَاتَهُ مِنَ الزَّوَالِ بِحَرْبَةِ الْمَوْتِ. أَيْضًا يُؤَدَّبُ بِالْوَجَعِ عَلَى مَضْجَعِهِ، وَمُخَاصَمَةُ عِظَامِهِ دَائِمَةٌ" (أيظ£ظ£: ظ،ظ¤-ظ،ظ©). العِبرَة قد يعاقب الله الأشرار، الذين لا رجاء فيهم بضربات قاسية تُنهِي حياتهم، لكي يكونوا عِبرَة لغيرهم، ممن لم يفجروا بعد، وليبين أيضًا شدة غضبه، وعدم تهاونه مع الشر، أو عدم رضاه على الأشرار، كقوله: "وَإِذْ رَمَّدَ مَدِينَتَيْ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، حَكَمَ عَلَيْهِمَا بِالانْقِلاَبِ، وَاضِعًا عِبْرَةً لِلْعَتِيدِينَ أَنْ يَفْجُرُوا" (ظ¢بط ظ¢: ظ¦). سادسًا: التوبة إن التوبة تجلب على الإنسان المراحم والخيرات، كوعد الله للتائبين عن خطاياهم، فإذا افترضنا ضرورة وقوع العقاب الأرضي على كل خطأ يقترفه الإنسان، فهذا سيجعل التائب في قلق وخوف نفسي شديد. إن الوحي الإلهي يعد التائب بخيرات وبركات كثيرة، كقوله: "وَأُعَوِّضُ لَكُمْ عَنِ السِّنِينَ الَّتِي أَكَلَهَا الْجَرَادُ، الْغَوْغَاءُ وَالطَّيَّارُ وَالْقَمَصُ، جَيْشِي الْعَظِيمُ الَّذِي أَرْسَلْتُهُ عَلَيْكُمْ" (يوئ ظ¢: ظ¢ظ¥). فكيف يتفق ذلك مع توقعه الضربات الآتية عليه بسبب أخطائه، التي تاب عنها. بركات التوبة تتعارض مع مبدأ العقاب الأرضي على كل خطية. يطالب الله البشر بالتوبة، ويعد التائب بالغفران إذا رجع عن ضلال طريقه، ولكن إن عاقبه الله على الفور، فلن يمهله فرصة للتوبة، وبذلك يكون حديث الأسفار الإلهية عن التوبة كلام لا معنى له، وغير قابل للتنفيذ، ولن تتم المصالحة مع الله، الذي أرسل ابنه الوحيد يسوع المسيح، ليبرر الخطاة والفجار، كقوله: "أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ" (2كو 5: 19). الله يعود ويرحم يعود الله ويرحم التائب، ويباركه بالحياة الأبدية، كقوله: "أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ" (تثظ£ظ*: ظ،ظ©). إن الله يتنازل أيضًا عن حقه في الدينونة في حياة الدهر الآتي، وينعم على التائب بالحياة الأبدية، كقوله: "إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ" (رو ظ¨: ظ،).. فإن كان الله يتنازل عن الأمور الأبدية، فهل يصر الله على إتمام العقوبة الأرضية، لمن تاب عن خطيئته؟!   سابعًا: الواقع العملي يشهد أولاد الله لم يفعلوا هذا لم يطلب يوسف الصديق مجازاة إخوته بسبب آذيتهم له، بل سامحهم، وأكرمهم، واعتنى بهم وبأولادهم، كقوله: "وَأَتَى إِخْوَتُهُ أَيْضًا وَوَقَعُوا أَمَامَهُ وَقَالُوا: «هَا نَحْنُ عَبِيدُكَ». فَقَالَ لَهُمْ يُوسُفُ: «لاَ تَخَافُوا. لأَنَّهُ هَلْ أَنَا مَكَانَ اللهِ؟ أَنْتُمْ قَصَدْتُمْ لِي شَرًّا، أَمَّا اللهُ فَقَصَدَ بِهِ خَيْرًا، لِكَيْ يَفْعَلَ كَمَا الْيَوْمَ، لِيُحْيِيَ شَعْبًا كَثِيرًا. فَالآنَ لاَ تَخَافُوا. أَنَا أَعُولُكُمْ وَأَوْلاَدَكُمْ» فَعَزَّاهُمْ وَطَيَّبَ قُلُوبَهُمْ" (تك ظ¥ظ*: ظ،ظ¨-ظ¢ظ،). وبالطبع الله الذي عَلَّمَ يوسف التسامح والغفران، لا يصر على مجازاة مَن يتوب، بل يشجعه ويسنده! أوامر الله في أسفار العهد القديم تشجع على الغفران. أوصى الوحي الإلهي في سفر الجامعة بعدم تصيد البشر أخطاء غيرهم، وأيضًا بالتساهل في محاسبة المخطئين، لأن ذلك أمر إلهي يتفق مع الرحمة والرأفة، التي هي طبيعة الله، كقوله: "أَيْضًا لاَ تَضَعْ قَلْبَكَ عَلَى كُلِّ الْكَلاَمِ الَّذِي يُقَالُ، لِئَلاَّ تَسْمَعَ عَبْدَكَ يَسِبُّكَ. لأَنَّ قَلْبَكَ أَيْضًا يَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ كَذلِكَ مِرَارًا كَثِيرَةً سَبَبْتَ آخَرِينَ" (جاظ§: ظ¢ظ،، ظ¢ظ¢). صاحب السلطان له حق الرحمة. الله صاحب سلطان، وله كامل الحرية في الغفران، أو التنازل عن حقه في محاسبة المخطئ. لقد أعطى الوحي الإلهي مثالاً عن داود النبي، الذي تنازل عن قتل ابن وحيد لأمه، كان قد قتل أخيه، ولكن أمه طلبت من الملك عدم معاقبة الابن الحي القاتل بقتله، لئلا تفقد ابنها الباقي، كما فقدت المقتول، فتكون قد فقدت الجميع، لقد أجابها الملك لطلبها، عندما قالت له: "اذْكُرْ أَيُّهَا الْمَلِكُ الرَّبَّ إِلهَكَ حَتَّى لاَ يُكَثِّرَ وَلِيُّ الدَّمِ الْقَتْلَ، لِئَلاَّ يُهْلِكُوا ابْنِي. فَقَالَ: «حَيٌّ هُوَ الرَّبُّ، إِنَّهُ لاَ تَسْقُطُ شَعْرَةٌ مِنْ شَعْرِ ابْنِكِ إِلَى الأَرْضِ»" (2صم ظ،ظ¤: ظ،ظ،). ثامنًا: مَن يأخذ بالسيف بالسيف يهلك. إن قول الرب يسوع لبطرس الرسول: "... رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ!" (مت ظ¢ظ¦: ظ¥ظ¢) هو شريعة إلهية سماوية، وردت في سفر الخروج، كقوله: "وَإِذَا بَغَى إِنْسَانٌ عَلَى صَاحِبِهِ لِيَقْتُلَهُ بِغَدْرٍ فَمِنْ عِنْدِ مَذْبَحِي تَأْخُذُهُ لِلْمَوْتِ" (خر21: 14). لقد قصد ربُّ المجدِ أن يُذَّكر معلمنا بطرس الرسول بالشريعة، التي يجب أن لا يتعدى عليها، بل يحفظها، لأن أحكام شريعة الله كانت تأمر بمعاقبة القاتل، ولا يمكن للقضاء مخالفتها، أما الله فهو واضع الشريعة فمن حقه القصاص أو الغفران، حسب مراحمه وعدله. الاستنتاج العقاب الأرضي عن كل خطية أمر يتنافى مع حب الله ولطفه، ولكن الله قد يستخدمه، أو يسمح به لحكمةٍ ما أحيانًا من أجل خير الإنسان. |
||||
11 - 07 - 2024, 07:22 PM | رقم المشاركة : ( 166147 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
غصن الرب هو العلاج في الأصحاحات السابقة قدم لنا الوحي الإلهي صورة مؤلمة لما بلغه الإنسان من فساد وانحلال بسبب الخطية حيث فقد الإنسان جماله وكرامته وأكله وشربه وزينته حتى حياته ذاتها، وصار العلاج الوحيد هو مجيء السيد المسيح "غصن الرب" يرد للإنسان جمال طبيعته وبشبعه لا بتقديم خيرات معينة بل بتقديم "نفسه" سرّ حياة وفرح وشبع. 1. الحاجة إلى المخلص: "فَتُمْسِكُ سَبْعُ نِسَاءٍ بِرَجُل وَاحِدٍ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَائِلاَتٍ: «نَأْكُلُ خُبْزَنَا وَنَلْبَسُ ثِيَابَنَا. لِيُدْعَ فَقَطِ اسْمُكَ عَلَيْنَا. انْزِعْ عَارَنَا»." [1].هؤلاء النساء السبع هم جميع الأمم من بينهم اليهود، فقد شعر الكل بفراغ شديد يجتاح الأعماق بسبب فساد الطبيعة البشرية. تجتمع هذه الأمم كعروس تطلب عريسها، تُريد اسمه لينزع عار فسادها، حينئذ تأكل خبزها وتلبس ثيابها. مسيحها أهم من كل احتياجاتها، فيه تجد كل الشبع والستر من العُري والحماية من كل عار. هذا من الجانب الرمزي الروحي، أما من الجانب الحرفي فقد تنبأ إشعياء النبي عما كان سيحل بيهوذا حيث يتعرض لحروب طاحنة خلالها يُقتل عدد كبير من الرجال، فتشتاق كل امرأة أن تجد لها رجلًا تحتمي تحت اسمه مهما كلفها الأمر. فهي مستعدة أن تُشاركها فيه ست نساء أخريات وهذا أمر لا تطيقه السيدة بطبيعتها؛ بل وتطلب من رجلها ألا يستلزم بشيء إنما تأكل وتشرب من تعبها هي الأمر الذي يُخالف الطبيعة نفسها... هذا كله لأنها تُريد أن تنجب منه فينزع عنها عارها (تك 30: 23، 1 صم 1: 11). 2. غصن الرب: 2 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ غُصْنُ الرَّبِّ بَهَاءً وَمَجْدًا، وَثَمَرُ الأَرْضِ فَخْرًا وَزِينَةً لِلنَّاجِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ. الآن، إن كانت البشرية بكل شعوبها (سبع نساء) اكتشفت حاجتها إلى المخلص، فها هو النبي يبشرها بمجيئه قائلًا: "في ذلك اليوم يكون غصن الرب بهاءً ومجدًا وثمر الأرض فخرًا وزينة للناجيّن من إسرائيل" [2]. يُقصد ب "ذلك اليوم" ملء الزمان (غل 4: 4) الذي فيه تجسد ابن الله الوحيد الجنس، الذي دُعِيَ "غصن الرب"، أو "الغصن" (إر 23: 5، 33: 15 ؛ زك 3: 8؛ 6: 12). هو غصن الرب وغصن برّ لداود، إذ هو المولود قبل كل الدهور أزليًا من ذات جوهر الآب وبتجسده وُلد من نسل داود. بدخوله إلى العالم أعلن البهاء الإلهي والمجد الفائق على المؤمنين الغرباء البسطاء كما على المخلصين من اليهود. وكما قال سمعان الشيخ "نور إعلان للأمم ومجدًا لشعبك إسرائيل". نبت هذا الغصن بتجسده، فحلّ في وسطنا ليعكس البهاء الإلهي على طبيعتنا، فيقول لكنيسته: "خرج لكِ اسم في الأمم لجمالك، لأنه كان كاملًا ببهائي الذي جعلته عليكِ بقول السيد الرب" (حز 16: 14). كلمة "غصن" تُعادل أيضًا "ناصرة "، لذا يقول الإنجيلي: "لكي يتم ما قيل بالأنبياء أنه يُدعى ناصريًا" (مت 2: 23). 3 وَيَكُونُ أَنَّ الَّذِي يَبْقَى فِي صِهْيَوْنَ وَالَّذِي يُتْرَكُ فِي أُورُشَلِيمَ، يُسَمَّى قُدُّوسًا. كُلُّ مَنْ كُتِبَ لِلْحَيَاةِ فِي أُورُشَلِيمَ. 4 إِذَا غَسَلَ السَّيِّدُ قَذَرَ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَنَقَّى دَمَ أُورُشَلِيمَ مِنْ وَسَطِهَا بِرُوحِ الْقَضَاءِ وَبِرُوحِ الإِحْرَاقِ، مَنْ الذي يتمتع بغصن الرب؟ "الذي يبقى في صهيون والذي يُترك في أورشليم" [3]. هؤلاء هم القلة التي قبلت الإيمان بالسيد المسيح من جماعة اليهود، بقوا في صهيون الروحية، في الكنيسة أورشليم الجديدة. من الجانب الحرفي تُشير إلى البقية الباقية من السبي، أما من الجانب الروحي فهي القلة المقدسة، القطيع الصغير الذي لا يغادر قلبه صهيون ولا تفارق روحه أورشليم العليا. هذه البقية تحدث عنها كثير من الأنبياء (زك 13: 9)، وجُدت في كل عصر، ففي أيام إيليا النبي أعلن الرب أن له سبعة آلاف رجل لم يحنو ركبة لبعل بعد، وفي أثناء السبي وُجد دانيال ومعه الثلاثة فتية ضمن القلة المقدسة، وأيضًا أستير ومردخاي، وبعد السبي نسمع أيضًا عن هذه القلة المقدسة (ملا 3: 6؛ 4: 2)، والسيد المسيح نفسه يتحدث عن القطيع الصغير الذي سّر الآب أن يعطيه الملكوت (لو 12). في اختصار، كل نفس مخلصة ترفع قلبها إلى أورشليم العليا ترى الكنيسة المقدسة في الرب فتفرح وتسر من أجلها. ارتبط قلب إشعياء بأورشليم عاصمة بلده ومدينة الله التي تضم هيكله المقدس، وقد دخل في مرارة من أجل ما حلّ بها من فساد. الآن إذ يعلن عن مجيء "غصن الرب" يرى أورشليم جديدة يسكنها قديسون في الرب القدوس، وينعمون بالحياة الأبدية. يقول: "يُسمى قدوسًا كل من كتب للحياة في أورشليم" [3]. الكنيسة - أيقونة السماء - هي عربون أورشليم العليا التي لا يدخلها شيء دنس أو نجس ولا كل من يصنع كذبًا، إنما يدخلها من غسل ثيابه وبيّضها في دم الحمل (رؤ 7: 14). كأعضاء في الكنيسة المقدسة -أورشليم الجديدة- تمتعنا بمسحة روح الله القدوس، لنُتمم الوصية الإنجيلية: "نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم قديسين في كل سيرة" (1 بط 1: 15). مَنْ الذي يُقدس حياتنا؟ الرب نفسه إذ يقول النبي: "إذ غسل الرب قذر بنت صهيون ونقى دم أورشليم من وسطها بروح القضاء وروح الإحراق" [4]. إنه غسل أدناسنا في مياه المعمودية في استحقاقات دمه، ولا يزال يغسل كل ضعفاتنا بدمه الذي جرى من جنبه المَطْعُون ممتزجًا بماء. إن كانت أيدينا قد تلطخت بالدم خلال خطايانا فانه يُقدم دمه كفارة عنا ليُقيمنا كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن بل مقدسة في كل شيء. هذا الغسل أو التطهير يتحقق "بروح القضاء وروح الإحراق"؛ أما روح القضاء فتحقق برفعه على الصليب حاملًا ثمن خطايانا في جسده، متممًا العدل الإلهي من جهتنا فيه. وأما روح الإحراق، فيعني ما سبق فأعلنته الشريعة في سفر اللاويين عن "المحرقة" حيث تُحرق الذبيحة تمامًا إشارة إلى الحب الكامل... فذبيحة المسيح التي باسمنا هي "المحرقة" التي قُدمت علامة حبنا الكامل فيه نحو الآب. وربما قصد بروح الإحراق أيضًا الروح القدس الناري الذي حلَّ على الكنيسة لتقديسها وغسل كل عضو فيها. * في آخر الأيام عندما جاء ملء زمان الحرية قام الكلمة بغسل قذر بنت صهيون بنفسه، إذ غسل بيديه أقدام التلاميذ (يو 13: 5). القديس إيريناؤس القديس إكليمنضس السكندري 4. حلول المسيح وسط كنيسته: 5 يَخْلُقُ الرَّبُّ عَلَى كُلِّ مَكَانٍ مِنْ جَبَلِ صِهْيَوْنَ وَعَلَى مَحْفَلِهَا سَحَابَةً نَهَارًا، وَدُخَانًا وَلَمَعَانَ نَارٍ مُلْتَهِبَةٍ لَيْلًا، لأَنَّ عَلَى كُلِّ مَجْدٍ غِطَاءً. تغتسل الكنيسة بروح القضاء وروح الإحراق أي خلال ذبيحة المحرقة الفريدة التي قدمها السيد المسيح وبعمل روح القدوس في مياه المعمودية فتطلب حلول عريسها الذبيح في وسطها، يستر عليها نهارًا كسحابة تظللهم ويقودها ليلًا كعمود دخان وعمود نار يضيء لها الطريق. هكذا تعود الكنيسة بذاكرتها إلى خيمة الاجتماع في وسط البرية حيث كان الله يجتمع فيها مع شعبه، لكنها خيمة جديدة على مستوى مُغاير لخيمة العهد القديم، وذلك من جهة: أ. "على كل مكان" [5]، لم تعد الحضرة الإلهية أو الحلول الإلهي قاصرًا على خيمة أو على هيكل إنما يحل في كنيسته الممتدة في كل مكان، في المشارق والمغارب؛ يسكن في قلوب الكهنة والشعب، أبوابه مفتوحة لكل الشعوب والأمم أينما وُجدوا. ب. "وعلى محفلها": يُشير هذا التعبير على عمل الله في الكنيسة كمحفل واحد، أو جماعة واحدة، يتمتع كل عضو فيها بعطية الحلول الإلهي لا كفرد منعزل وإنما كعضو حيَّ في الجماعة يرتبط مع بقية الأعضاء خلال المسيح رأس؛ له علاقته الشخصية مع الله التي تزيده اتحادًا مع إخوته. ج. "يخلق... سحابة ودخانًا ولمعان نار ملتهبة"؛ يكون السيد المسيح هو سرّ حماية كنيسته واستنارتها. د. بقوله: "لأن على كل مجد غطاء" يعني أن مجد ابنة الملك من داخل (مز 45)، مخفي فيها. من الخارج تُشارك مسيحها آلامه وصلبه وموته وقبره فيُقال عنها ما قيل عن عريسها: "لا صورة له ولا جمال فنظر إليه، ولا منظر فنشتهيه" (إش 53: 2)؛ وفي الداخل تُشاركه مجد قيامته. النفس التي تدرك قيمة مجد مسيحها الداخلي وبهجة ملكوته فيها تغطيه لأنه ثمين... فقد اعتدنا أن نخفي ما هو ثمين ونحافظ عليه أما ما هو بلا قيمة فلا يحتاج إلى غطاء أو حفظ. الكنيسة في انشغالها بمسيحها الممجد تقول: "بين ثدييَّ يبيت" (نش 1: 13)... تُريده في أعماقها، مخفي في قلبها! 5. كنيسة المسيح مظلة وملجأ: 6 وَتَكُونُ مِظَلَّةٌ لِلْفَيْءِ نَهَارًا مِنَ الْحَرِّ، وَلِمَلْجَأٍ وَلِمَخْبَأٍ مِنَ السَّيْلِ وَمِنَ الْمَطَرِ.يَحِل الرب في كنيسته فيُقيم منها مظلة تقي النفوس المتألمة الجريحة من حر النهار، وتضمها من السيول والأمطار (إش 4: 6). يرى القديس يوحنا الذهبي الفمأن هذه المظلة هي سحابة القديسين العظيمة (عب 12: 1) قائلًا: [بأن تذكار القديسين يُقيم النفس التي تثقلت بالويلات ويردها، فيكون كسحابة تحفظها من أشعة (الشمس) الساخنة جدًا والمحرقة]. نشيد الكرمة في الأصحاح السابق تلامس إشعياء النبي مع محبة الله الفائقة نحو شعبه والمعلنة خلال التجسد الإلهي من أجل تقديس البشرية بروح القضاء وروح الإحراق... بهذا انفتحت بصيرة النبي على حب الله لعروسه أو لكرمه فصار يتغنى بنشيد الكرمة، أو نشيد الحبيب للكرمة المشتهاة. 1. رعاية الله لكرمه: "لأُنْشِدَنَّ عَنْ حَبِيبِي نَشِيدَ مُحِبِّي لِكَرْمِهِ: كَانَ لِحَبِيبِي كَرْمٌ عَلَى أَكَمَةٍ خَصِبَةٍ، فَنَقَبَهُ وَنَقَّى حِجَارَتَهُ وَغَرَسَهُ كَرْمَ سَوْرَقَ، وَبَنَى بُرْجًا فِي وَسَطِهِ، وَنَقَرَ فِيهِ أَيْضًا مِعْصَرَةً، فَانْتَظَرَ أَنْ يَصْنَعَ عِنَبًا فَصَنَعَ عِنَبًا رَدِيئًا (بريًا)" [1-2]. يعلن هذا النشيد قصة الحب الإلهي، حيث أحب الله الإنسان ولا يزال يحبه ويرعاه، ويبقى الله مستمرًا في حبه بينما يًقابل الإنسان الحب بالجفاف. تحققت هذه القصة مع أبوينا الأولين آدم وحواء، وتحققت أيضًا مع شعب الله في بداية نشأته، إذ يقول موسى النبي: "إن قِسْمَ الرب هو شعبه، يعقوب حبل نصيبه؛ وجده في أرض قفر وفي خلاء مستوحش خَرِب؛ أحاط به ولاحظه وصانه كحدقة عينه" (تث 32: 9-10). أخرج الله شعبه من العبودية لا ليهبه الأرض التي تفيض عسلًا ولبنًا فحسب وإنما ليقيم كنيسة العهد الجديد التي تملأ الأرض كلها، تنعم بملكوت الله الداخلي، وكما يقول المرتل: "كرمةَ من مصر نقلتَ، طردت أممًا وغرستها، هيأت قدامها فأصَّلتْ أصولها، فملأت الأرض" (مز 80: 8-9). واضح أن "الكرمة" هنا تُشير إلى الشعب كله: مملكة إسرائيل ويهوذا؛ فماذا قدم الرب لشعبه المحبوب لديه؟ أ. أقامهم على "أكمة خصبة" [1]، إذ دخل بهم إلى كنعان التي تفيض لبنًا وعسلًا، فما يحل من جفاف وما يحدث من مجاعات لا يرجع إلى طبيعة الأرض أو ظروف المنطقة إنما هو ثمر لخطايا الشعب. أقام الله كنيسة العهد الجديد على أكمة خصبة، فقد رفع قلبها كما إلى السماء لكي يتمتع أبناؤها بدسم الحياة السماوية، فيشبعون ولا يعتازون إلى شيء. ب. "نقبه (سيَّجَ حوله)" [2]، هذا السياج هو الناموس الذي أحاط به الرب شعبه قديمًا حتى لا يختلط بالأمم الوثنية المحيطة به فينقل عنهم الرجاسات. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [الشريعة هي سياج، صُنعت من أجل الأمان (إش 8: 20)]. يرى القديس أمبروسيوس أن السور هو "العناية الإلهية بحفظ الكرم من هجوم الوحش الروحي". ويرى القديس جيروم أنه حراسة الملائكة. ج. "ونقَّى حجارته" [2]: تُشير الحجارة إلى العبادة الوثنية حيث كانت الأصنام الحجرية، هذه التي أنتزعها الرب من وسط شعبه أو انتزع شعبه منها ليعيش الكل في حياة تقوية لائقة. كما تُشير الحجارة أيضًا إلى طبيعة القسوة والعنف التي يريد ربنا يسوع أن ينتزعها من كل قلب بعمل روحه القدوس. جاء على لسان حزقيال النبي "انزع قلب الحجر من لحمهم وأعطيهم قلب لحم" (حز 11: 9). هذا القلب الجديد والروح الجديد (حز 36: 26) إنما يتحقق بنوالنا الميلاد الروحي الجديد في مياه المعمودية المقدسة. يقول القديس كبريانوس: [إنها المعمودية التي فيها يموت الإنسان القديم ويولد الإنسان الجديد كما يعلن الرسول مؤكدًا أنه خلصنا بغسل التجديد (تي 3: 5)]. د. "غرسه كرم سورق (كرمًا مختارًا)" [2]، أي غرسه كرمًا من أفضل أنواع الكروم، كشعب مختار نال عهدًا مع الله، لكي يحمل "الحق" فيه، كقول الرب: "وأنا قد غرستك كرمة سورق زرع حق كلها، فكيف تحولت لي سروغ جفنة غريبة؟!" (إر 2: 21). أما بالنسبة لكنيسة العهد الجديد فقد جاء "الحق" نفسه، كلمة الله المتجسد ليُقدم نفسه كرم يحملنا فيه أغصانًا حية تأتي بثمر كثير (يو 15: 5). ه. "وبنى برجًا في وسطه" [2]، يسكن فيه صاحب الكرم أو الرقيب لحراسة الكرم من هجمات اللصوص والحيوانات المفترسة. يرى بعض الدارسين أن البرج هو جماعة الأنبياء والكهنة وكل القيادات الروحية والمدنية التي كان يجب أن تسهر على الرعية وتحفظها من الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم. في العهد الجديد البرج هو مذبح الرب الذي يُقام داخل النفس، عليه يقدم المؤمن صلواته وأصوامه وعطاياه وكل حياته ذبيحة محرقة للرب، خلال اتحاده بالمسيح الذبيح. خلال هذا البرج الروحي تُحفظ كنيسة المسيح في كل قلب قوية وفعّالة، حيث يتمتع المؤمنون بشركة واتحاد مع الرب نفسه. و. "ونقر فيه معصرة" [2]، لعصر العنب وعمل خمر الحب الذي يقدم للفرح الروحي. ما هذه المعصرة إلاَّ صليب ربنا يسوع المسيح الذي اجتاز المعصرة وحده ولم يكن معه أحد من الأمم (إش 63: 3). قدم دمه المبذول خمر حب يفرح كل قلب مؤمن. يقول القديس أمبروسيوس: [حفر معصرة، لأن أسرار آلام المسيح تبدو كالخمر الجديد... وقد ظن الجمع أن التلاميذ سكارى حين نالوا الروح القدس (أع 2: 13). حفر حوض معصرة لكي يُسكب فيه الثمر الداخلي]. يقول القديس ايريناؤس: [غرس الله كرم الجنس البشري عندما خلق آدم أولًا واختار الآباء، ثم أودعه في أيدي الكرامين عندما أقام التدبير الموسوي، وسيَّج حوله بتقديم تعاليم خاصة بعبادتهم له، وبنى برجًا باختياره أورشليم، وحفر معصرة إذ أعدَ وعاء للروح النبوي. وهكذا أرسل أنبياء قبل سبي بابل ثم أنبياء أكثر (أثناء السبي وبعده) يطلب الثمار...]. ماذا قدم الكرم لصاحبه؟ "فانتظر أن يصنع عنبًا فصنع عنبًا رديًا (بريًا)" [2]. أنتظر الرب أن يجتني حُبًا مقابل الحب، وتربة وندامة مقابل غفران خطاياه، لكنه وجد قلوبًا متحجرة لا تصنع ثمارًا تليق بالتوبة. الكل زاغوا وفسدوا وأعوزهم مجد الله، لذا كان يليق بكلمة الله أن ينزل إلينا ككرم جديد، هو وحده يغرسنا فيه فنأتي بثمر كثير (يو 15: 5). * عندما يقول: "أنا هو الكرمة الحقيقية" (يو 15: 1) يميز نفسه دون شك عن تلك التي وجه إليها الكلمات: "كيف تحولت لي سروغ جفنة غريبة؟" (إر 2: 21)، إذ كيف يمكن لكرمة حقيقية يُنتظر أن تصنع عنبًا فصنعت شوكًا؟!. * انتظرت أن تصنع ثمرًا فوجدت خطية. القديس أغسطينوس * اشتقت أن تعطي (الكرمة) خمرًا فأخرجت شوكًا. ها أنتم ترون الإكليل الذي أتزين به. القديس كيرلس الأورشليمي 2. محاكمة بين الله وشعبه: 3 «وَالآنَ يَا سُكَّانَ أُورُشَلِيمَ وَرِجَالَ يَهُوذَا، احْكُمُوا بَيْنِي وَبَيْنَ كَرْمِي. 4 مَاذَا يُصْنَعُ أَيْضًا لِكَرْمِي وَأَنَا لَمْ أَصْنَعْهُ لَهُ؟ لِمَاذَا إِذِ انْتَظَرْتُ أَنْ يَصْنَعَ عِنَبًا، صَنَعَ عِنَبًا رَدِيئًا؟ 5 فَالآنَ أُعَرِّفُكُمْ مَاذَا أَصْنَعُ بِكَرْمِي: أَنْزِعُ سِيَاجَهُ فَيَصِيرُ لِلرَّعْيِ. أَهْدِمُ جُدْرَانَهُ فَيَصِيرُ لِلدَّوْسِ. 6 وَأَجْعَلُهُ خَرَابًا لاَ يُقْضَبُ وَلاَ يُنْقَبُ، فَيَطْلَعُ شَوْكٌ وَحَسَكٌ. وَأُوصِي الْغَيْمَ أَنْ لاَ يُمْطِرَ عَلَيْهِ مَطَرًا». 7 إِنَّ كَرْمَ رَبِّ الْجُنُودِ هُوَ بَيْتُ إِسْرَائِيلَ، وَغَرْسَ لَذَّتِهِ رِجَالُ يَهُوذَا. فَانْتَظَرَ حَقًّا فَإِذَا سَفْكُ دَمٍ، وَعَدْلًا فَإِذَا صُرَاخٌ. ليس أصعب من أن يدخل كائن ما في محاكمة مع ابن محبوب لديه، لكن أمام قساوة قلب الإنسان وجحوده طلب أن يقف أمام شعبه للحوار، متسائلًا: "ماذا يُصنع أيضًا لكرمي وأنا لم أصنعه؟!" [4]. والعجيب أنه ترك الحكم للطرف الآخر، لمقاوميه، حتى يحكموا بأنفسهم على أنفسهم. هذا هو أسلوب الله في تعامله معنا، يفضح أمامنا نفوسنا، ويكشف أمام أعيننا ضعفاتنا، ويترك لنا أن نحكم على أنفسنا بأنفسنا، ليس لأنه يُريد أن يغلب أو يعاقب وإنما لأنه يطلب رجوعنا إليه ودخولنا في علاقات حب وود معه. ماذا كان يمكن أن يصنع الله معنا أكثر مما فعل؟! لقد خلقنا من العدم، وأقامنا على صورته ومثاله، وسلمنا الأرض بما عليها وما تحتها وما فوقها، وقدم الكواكب لحسابنا، وعندما فسدت طبيعتنا أرسل لنا ناموسه وأنبياءه وأخيرًا جاء بنفسه يكتب نشيد حبه بالدم في جسده على الصليب! إذ لم يجد الكرم ما يُجيب به على الكرام العجيب في حبه، بدأ الكرام يعلن تأديباته حتى يتحرك الكرم، ألا وهي: أ. "أنزع سياجه فيصير للرعي" [5]. أن كان ملاك الرب حال حول خائفيه (مز 34: 7)، بل والرب نفسه يكون سور نار حول شعبه (زك 2: 5)، فإن الله في محبته يتخلى عن المقاومين وينزع عنهم الحراسة السماوية ليدركوا ضعفهم، ويشعروا أنهم بلا سياج ولا سور، تدخل إليهم الحيوانات المفترسة لترعى كما في قفر أو في برية جرداء، لعلهم يرجعوا إلى الله ويطلبونه ملجأ لهم. إن نُزعت نعمة الله عن الإنسان يصير بلا سياج، وتنفتح نفسه على محبة العالم، لتدخل قطعان خنازيره الدنسة وتخرج بلا عائق، ويصير قلبه مدوسًا بالشهوات النجسة وأفكاره هائمة في الرجاسات، وتنحدر حواسه إلى الشهوة الرديئة. وكما يقول القديس إكليمنضس السكندري: [إن هذه الأمور (نزع السياج والسماح للأعداء بالدخول) يتحقق بسماح إلهي ليحولها للخير والبنيان. فإن [العناية الإلهية هي فن تأديبي]. ب. "اجعله خرابًا لا يُقضب ولا ينقب" [6]. إذ يفارق الرب كرمه أي النفس البشرية تصير في فراغ وتُحسب خرابًا. يبكيها الرب كما بكى على أورشليم، قائلًا: "هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا" ( مت 23: 38). حين يثمر الكرم يقوم الكرام بالقَضْب والنقب لكي يأتي بثمر أعظم، أما إذا أثمر عنبًا رديًا فلا يمد يده إليه. فان كان القضب والنقب يشيران إلى تأديبات الرب الحانية نحو أولاده، فإننا إذ نسلك معه في الطريق يمد يده إلينا كأولاد له يهتم بنا ويرعانا وأيضًا يؤدبنا حتى نزداد في ثمر الروح. فعدم القضب والنقب يشيران إلى عدم التأديب، وهذا هو أقسى أنواع العقوبة... التجاهل التام وعدم الاستحقاق حتى للتأديب. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إنه حينما يتوقف الطبيب عن تقديم الدواء المُرّ أو استخدام المشرط هذا يعني أن حالة المريض ميئوس منها تمامًا. ج. "فيطلع شوك وحسك" [6]. هذا ثمر اعتزال الإنسان الله وانفصاله عنه، إذ ينبت من عندياته شوكًا وحسكًا. يقول الرسول: "وكما لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق" ( رو 2: 28). ما هو هذا الشوك إلاَّ فقدان الإنسان سلامه ليحمل في داخله متاعب وهموم لا يقدر أن يُجابهها بنفسه وحده؟! د. "وأوصى الغيم أن لا يمطر عليه مطرًا" [6]. يُشير المطر في العهد القديم إلى عطية الروح القدس(117)، فإن الإنسان الجاحد للرب الذي يطلب الانفصال عنه يخسر سكنى الروح فيه، فيتحول قلبه إلى قفر، لا يحمل ثمر الروح. لهذا عوض أن يثمر "الحق" إذا به يثمر "سفك دم"، وعوض "العدل" يثمر "صراخًا" [7]. يطلب الرب أن يجد فينا جنته المثمرة بالروح، حيث تُناجيه النفس قائلة: "ليأت حبيبي إلى جنته ويأكل ثمره النفيس" [16]. لكن حرمان النفس من المطر الروحي يحول الجنة المبهجة إلى موضع مرعب ليس فيه سوى سفك دم وصراخ مستمر! يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن المطر في الكتاب المقدس يُشير إلى التعليم(118). هكذا إذ يجحد الإنسان الله يحرم نفسه من التمتع بتعليم الرب في أعماقه؛ يقرأ كلمة الله وربما يدرسها لكنه لا ينعم بفاعليتها وعذوبتها في أعماقه. هذا ما أعلنه القديس أغسطينوس في أول وعظة له على الإنجيل بحسب معلمنا متى البشير قائلًا: [إنه كان كعصفور صغير في عش، في كبرياء قلبه أراد الطيران بنفسه، دارسًا الكتاب المقدس بروح النقد، فسقط على الأرض وكاد المارة أن يسحقوه تحت أقدامهم لولا نعمة الله التي انتشلته وردته إلى عش الإيمان حتى صار له جناحان يقدر بهما على الطيران. يرى القديس أغسطينوس أن المطر هنا يُشير إلى الكرازة التي انتقلت من الكرم (الشعب اليهودي) إلى الأمم. يقول: "إن كرم رب الجنود هو بيت إسرائيل وغرس لذته رجال يهوذا. فانتظر حقًا فإذا سفك دم وعدلًا فإذا صرخ" [7]. لقد قدم الله كل الإمكانيات لكل الجماعة: للكهنة واللاويين كما للشعب، للغني كما الفقير، للمتعلم كما للأمي لكي يثمر هذا الكرم "حقًا" و"عدلًا"، وقد جاء "الحق" متجسدًا من سبط يهوذا لكنهم سفكوا دمه وعوض العدل كان الصراخ: "أصلبه، أصلبه". 3. عرض تفصيلي لخطايا إسرائيل: 8 وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَصِلُونَ بَيْتًا بِبَيْتٍ، وَيَقْرِنُونَ حَقْلًا بِحَقْل، حَتَّى لَمْ يَبْقَ مَوْضِعٌ. فَصِرْتُمْ تَسْكُنُونَ وَحْدَكُمْ فِي وَسَطِ الأَرْضِ. 9 فِي أُذُنَيَّ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: «أَلاَ إِنَّ بُيُوتًا كَثِيرَةً تَصِيرُ خَرَابًا. بُيُوتًا كَبِيرَةً وَحَسَنَةً بِلاَ سَاكِنٍ. 10 لأَنَّ عَشْرَةَ فَدَادِينِ كَرْمٍ تَصْنَعُ بَثًّا وَاحِدًا، وَحُومَرَ بِذَارٍ يَصْنَعُ إِيفَةً». 11 وَيْلٌ لِلْمُبَكِّرِينَ صَبَاحًا يَتْبَعُونَ الْمُسْكِرَ، لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْعَتَمَةِ تُلْهِبُهُمُ الْخَمْرُ. 12 وَصَارَ الْعُودُ وَالرَّبَابُ وَالدُّفُّ وَالنَّايُ وَالْخَمْرُ وَلاَئِمَهُمْ، وَإِلَى فَعْلِ الرَّبِّ لاَ يَنْظُرُونَ، وَعَمَلَ يَدَيْهِ لاَ يَرَوْنَ. 13 لِذلِكَ سُبِيَ شَعْبِي لِعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ، وَتَصِيرُ شُرَفَاؤُهُ رِجَالَ جُوعٍ، وَعَامَّتُهُ يَابِسِينَ مِنَ الْعَطَشِ. 14 لِذلِكَ وَسَّعَتِ الْهَاوِيَةُ نَفْسَهَا، وَفَغَرَتْ فَاهَا بِلاَ حَدٍّ، فَيَنْزِلُ بَهَاؤُهَا وَجُمْهُورُهَا وَضَجِيجُهَا وَالْمُبْتَهِجُ فِيهَا! 15 وَيُذَلُّ الإِنْسَانُ وَيُحَطُّ الرَّجُلُ، وَعُيُونُ الْمُسْتَعْلِينَ تُوضَعُ. 16 وَيَتَعَالَى رَبُّ الْجُنُودِ بِالْعَدْلِ، وَيَتَقَدَّسُ الإِلهُ الْقُدُّوسُ بِالْبِرِّ. 17 وَتَرْعَى الْخِرْفَانُ حَيْثُمَا تُسَاقُ، وَخِرَبُ السِّمَانِ تَأْكُلُهَا الْغُرَبَاءُ. 18 وَيْلٌ لِلْجَاذِبِينَ الإِثْمَ بِحِبَالِ الْبُطْلِ، وَالْخَطِيَّةَ كَأَنَّهُ بِرُبُطِ الْعَجَلَةِ، 19 الْقَائِلِينَ: «لِيُسْرِعْ، لِيُعَجِّلْ عَمَلَهُ لِكَيْ نَرَى، وَلْيَقْرُبْ وَيَأْتِ مَقْصَدُ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ لِنَعْلَمَ». 20 وَيْلٌ لِلْقَائِلِينَ لِلشَّرِّ خَيْرًا وَلِلْخَيْرِ شَرًّا، الْجَاعِلِينَ الظَّلاَمَ نُورًا وَالنُّورَ ظَلاَمًا، الْجَاعِلِينَ الْمُرَّ حُلْوًا وَالْحُلْوَ مُرًّا. 21 وَيْلٌ لِلْحُكَمَاءِ فِي أَعْيُنِ أَنْفُسِهِمْ، وَالْفُهَمَاءِ عِنْدَ ذَوَاتِهِمْ. 22 وَيْلٌ لِلأَبْطَالِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، وَلِذَوِي الْقُدْرَةِ عَلَى مَزْجِ الْمُسْكِرِ. 23 الَّذِينَ يُبَرِّرُونَ الشِّرِّيرَ مِنْ أَجْلِ الرُّشْوَةِ، وَأَمَّا حَقُّ الصِّدِّيقِينَ فَيَنْزِعُونَهُ مِنْهُمْ. بعدما كشف الرب عن حبه لكرمه ورعايته الفائقة له، وكيف حرم الكرم نفسه من الثمر الحلو الروحي أو من الخمر المفرح فصنع أشواكًا ضفرت إكليلًا على رأس السيد المسيح، بدأ يستعرض أهم خطايا الشعب وثمرهم الرديء الذي جلب ويلات مُرّة عوض التمتع ببركات الرب وشركة أمجاده. أ. "ويل للذين يَصِلون بيتًا ببيت، ويقرنون حقلًا بحقل، حتى لم يبق موضع، فصرتم تسكنون وحدكم في وسط الأرض" [8]. يعني بهذا أنهم انهمكوا في شراء البيوت والحقول بكل الطرق، في أنانية حتى لم يترك الواحد موضعًا لأخيه، خاصة الفقير والمحتاج. لقد ملكت قلة قليلة الأرض الزراعية والبيوت لتستغل عامة الشعب، وذلك على خلاف الناموس الذي طالب أن تبقى الأراضي موزعة بالتساوي (عد 33: 54) وأنه في سنة اليوبيل يعود للكل ملكيته (لا 25). الأرض في كنعان هي عطية مجانية قُدمت للشعب كله ليعيش الجميع في رخاء يتمتع بما تفيضه من لبن وعسل، كأنها ملك للرب الذي يقدمها لهم. لكنهم بتصرفاتهم هذه ارتكبوا خطية الجشع وأيضًا الكبرياء مع العصيان وكسر الناموس. لذا انتزعت البركة وحلت اللعنة، فتصير البيوت خرابًا بسبب الموت أو السبي، ففي لحظة مات 185 ألفًا في الحرب. هذا ولا تثمر الحقول كالعادة، فعشرة فدادين كرم تنتج بثاَ (حوالي 27,5 كيلو جرام) عوض حوالي 500 بثًا؛ وحومر (283,5 كيلو جرام) البذار يصنع إيفه [عشر حومر (حز 45: 11)]، أي يبلغ المحصول عُشر البذار التي أُلقيت في الأرض. ب. "وَيْلٌ لِلْمُبَكِّرِينَ صَبَاحًا يَتْبَعُونَ الْمُسْكِرَ، لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْعَتَمَةِ تُلْهِبُهُمُ الْخَمْرُ" [11]. إن كان الويل الأول منصبًا عليهم بسبب الطمع والظلم فالثاني بسبب اللهو الزائد. صاروا يسكرون في الصباح المبكر عوض قيامهم للعمل وأيضًا يبقون حتى ساعة متأخرة بالليل، أي يسكرون نهارًا وليلًا. هكذا يكسرون الوصايا الإلهية: "الإنسان يخرج إلى عمله وإلى شغله إلى المساء" (مز 104: 23). تحولت حياتهم عن الفرح الروحي الممتزج بجدية الحياة والعبادة إلى اللهو الممتزج برخاوة يستخدمون كل آلات الطرب [12] مع الانشغال بإقامة ولائم لإثارة مشاعرهم وأحاسيسهم للشر، متجاهلين الحياة التقوية في الرب. وكما يقول عاموس النبي: "الهاذِرون مع صوت الرباب المخترعون لأنفسهم آلات الغناء كداود، الشاربون من كؤوس الخمر والذين يدَّهنون بأفضل الأدهان ولا يغتمون على انسحاق يوسف؛ لذلك الآن يسبون في أول المسبيين ويزول صياح المتمددين" (عا 6: 6-7). * أنظر كيف يلوم الله الترف أيضًا؛ فإنه لا يدينهم هنا على طمع اقترفوه وإنما لمجرد التبذير. ها أنت تأكل بتخمة والمسيح ليس له ما هو ضروري. أنت تأكل كعكًا متنوعًا والمسيح ليس له الخبز الجاف. أنت تشرب خمرًا من Thasian ولا تمنح المسيح كأس ماء بارد خلال من هو ظمآن. أنت ترقد على فراش ناعم مطرز وهو يهلك بردًا. القديس يوحنا الذهبي الفم أما عمل اللهو فهو سبي الإنسان الداخلي عن معرفة الحق، ليعيش أسيرًا للجهالة، يجوع ويعطش داخليًا، ولا يوجد ما يشبعه أو يرويه. يقول النبي: "لِذلِكَ سُبِيَ شَعْبِي لِعَدَمِ الْمَعْرِفَةِ، وَتَصِيرُ شُرَفَاؤُهُ رِجَالَ جُوعٍ، وَعَامَّتُهُ يَابِسِينَ مِنَ الْعَطَشِ" [13]. يقول الحكيم: "لأن السكير والمسرف يفتقران والنوم يكسو الخرق" (أم 13: 21). خلال اللهو يفقد الإنسان وعيه الداخلي لينحدر الهاوية، التي تفتح أبوابها على مصراعيها لتبتلع بغير حدود. بهذا يفقد الإنسان بهاءه وبهجته [14]، ويسقط في مذلة [15]. هذا هو الثمر المُرّ الذي يجتنيه السالكون في الباب الواسع، باب اللهو الدائم لإشباع الشهوات الزمنية. أما ما هو أخطر فهو هلاكهم الأبدي إذ يقول: "لذلك وسعت الهاوية نفسها وفغرت فاهها بلا حد فينزل بهاؤها وجمهورها وضجيجها والمبتهج فيها" [14]. يصور الهاوية Sheol أشبه بانفتاح الأرض لابتلاع الأشرار كما حدث مع قورح جماعته... تنفتح لتطلب المزيد، تبتلعهم إلى الأعماق ليبقوا في الظلمة إلى الأبد. هذا ما يحدث بالنسبة للمنشغلين بحياة الترف واللهو، أما بالنسبة لله رب الجنود فإنه يتمجد ويتقدس بإدانته للخطية بالعدل والبر [16]. ربما يتساءل البعض: ما هو حال البقية القليلة الأمينة للرب؟ يُجيب النبي: "ويرعى الخراف حيثما تُساق وخرب السمان تأكلها الغرباء" [17]. . ترعى الخراف -القطيع الصغير- حيثما يقودها الراعي الصالح، يسوع المسيح، إذ يحفظها من الظلم والاضطهاد. هؤلاء يأكلون في هدوء وأمان دون أن يزعجهم أحد (خر 34: 14). عندما تخرب كنيسة العهد القديم برفض اليهود الإيمان بالسيد المسيح ترث الأمم (الغرباء) المواعيد والعهود والشريعة والنبوات إلخ... ج. "ويل للجاذبين الإثم بحبال البطل، والخطية كأنه بربط العجلة" [18]. هذا الويل الثالث يحل بطالبي الخطية برغبة شديدة واجتهاد، يسعون إليها بمحض اختيارهم ويدفعون أنفسهم إليها دفعًا أو يسحبونها بقوة نحوهم. هؤلاء يحل بهم الخطر إذ يسقطون في حبال الباطل ويرتبطون بعجلة الخطية ليصيروا ملاصقين لها. إنهم يجتذبون الخطية كما بحبل، وإذ هي ثقيلة للغاية تنهار على رؤوسهم فتُحطمهم. يرى بعض الآباء أن الأشرار ينحدرون من خطية إلى خطية وكأنهم يصنعون حبلًا طويلًا يسحبهم نحو الشر في عبودية... كل سقوط يؤدي إلى سقوط آخر وكل انحدار يُسبب انحدارًا أكثر، فعوض أن يفكر الشرير في الصعود ينهار أكثر فأكثر. * حقًا، كل إنسان يضفر لنفسه حبلًا بخطاياه: "ويل للجاذبين الإثم بحبل طويل" [18 LXX]. من الذي يصنع حبلًا طويلًا؟ ذاك الذي يُضيف خطية إلى خطية. كيف تُضاف خطية على أخرى؟ حينما نُغطي على خطية ارتكبت بخطية أخرى. * عندما يُهدد (الأشرار) بقتل الأبرار، إنما يربطون أنفسهم بقيود، بحبل قوي خشن هو من عندياتهم. * طوبى للذين بالعمل والأخلاق يرنمون تسابيح المصاعد (الدرجات)، وويل للذين يسحبون الخطية كحبل طويل (فينحدرون معها). القديس أغسطينوس بجانب ما للخطية من خطورة أنها تسحب الإنسان إلى سلسلة من الخطايا، فتجعله أشبه بكُرَة تلهو بها الخطايا فإن الخطر الثاني هو أنها تبعث روح الاستخفاف والسخرية عوض رغبة الإنسان في التحرر منها، فيردد الأشرار: "ليسرع ليعجل عمله لكي نرى، وليقرب ويأتي مقصد قدوس إسرائيل لنعلم" [19]. إنهم يشكون في إمكانية قضاء الله، فيحسبون أنهم قادرون على مواجهته ببراهين وحجج. في استخفاف يرددون "قدوس إسرائيل" اللقب الذي استخدمه الأنبياء بالنسبة لرجائهم في مجيء المسيا المخلص... وكأنهم يضربون بهذا الرجاء عرض الحائط. في كل عصر يوجد أشرار يستهينون بطول أناة الله ويسخرون بمواعيده ومحبته كما بتأديباته ظانين أنها مجرد كلمات أو أوهام لن تتحقق: "ها هم يقولون لي: أين هي كلمة الرب؛ لتأتِ" (إر 17: 15). " قد طالت الأيام وخابت كل رؤيا" (حز 12: 22). "سيأتي في آخر الأيام قوم مستهزئون سالكين بحسب شهوات أنفسهم وقائلين: أين هو موعد مجيئه لأنه من حين رقد الآباء كل شيء باقٍ هكذا من بدء الخليقة" (2 بط 3: 4). د. "ويل للقائلين للشر خيرًا وللخير شرًا، الجاعلين الظلام نورًا والنور ظلامًا، الجاعلين المُرّ حلوًا والحلو مرًا" [20]. يسقط الويل الرابع على الذين يخلطون بين الحق والباطل، الخير والشر، النور والظلمة، الحلاوة والمرارة، المعرفة والجهل. هؤلاء يعطون الخطية مسحة الفضيلة كأن يبرروا الغضب بالدفاع عن الحق أو إدانة الآخرين تحت ستار الرغبة في الإصلاح إلخ.. يرى القديس إكليمنضس السكندري أن هذا الويل هو تهديد ضد الكذابين والمتكبرين(125). الله هو الحق وإبليس هو الكذاب وأبو الكذابين، من يعرف إرادة الله يعرف الحق ويسلك في الخير، أما من يتجاهل الإرادة الإلهية فأنه يخرج من دائرة الحق ليعيش في الكذب، وبهذا يفقد قدرته على التمييز وإدراك الخير أو النور أو المعرفة الصادقة للسماويات والإلهيات. ه. ادعاء الحكمة والفهم مع الاستخفاف بآراء ومشورة الغير: "ويل للحكماء في أعين أنفسهم والفهماء عند ذواتهم" [21]. * من ينشغل بذاتيته ولا يطلب مشورة الغير، إنما يحمل علامة الغباوة. قيل: "أرأيت رجلًا حكيمًا في عيني نفسه؟ الرجاء بالجاهل أكثر من الرجاء به" (أم 26: 12). القديس يوحنا الذهبي الفم و. الأبطال المفسدون لطاقاتهم: "ويل للأبطال على شرب الخمر ولذوي القدرة على مزج المسكر" [22]. حينما تنشغل القيادات بالولائم والترف والسكر تفقد دورها الحقيقي؛ هكذا كثيرًا ما نفسد طاقاتنا بأنفسنا بانحرافنا عن هدفنا الجاد وانغماسنا في ملذات هذا العالم. ز. أخذ الرشوة: "الذين يبررون الشرير من أجل الرشوة، وأما حق الصديقين فينزعونه منهم" [23]. 4. تأديب إلهي: 24 لِذلِكَ كَمَا يَأْكُلُ لَهِيبُ النَّارِ الْقَشَّ، وَيَهْبِطُ الْحَشِيشُ الْمُلْتَهِبُ، يَكُونُ أَصْلُهُمْ كَالْعُفُونَةِ، وَيَصْعَدُ زَهْرُهُمْ كَالْغُبَارِ، لأَنَّهُمْ رَذَلُوا شَرِيعَةَ رَبِّ الْجُنُودِ، وَاسْتَهَانُوا بِكَلاَمِ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ. 25 مِنْ أَجْلِ ذلِكَ حَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى شَعْبِهِ، وَمَدَّ يَدَهُ عَلَيْهِ وَضَرَبَهُ، حَتَّى ارْتَعَدَتِ الْجِبَالُ وَصَارَتْ جُثَثُهُمْ كَالزِّبْلِ فِي الأَزِقَّةِ. مَعَ كُلِّ هذَا لَمْ يَرْتَدَّ غَضَبُهُ، بَلْ يَدُهُ مَمْدُودَةٌ بَعْدُ. بسبب الخطايا التي ارتكبها الشعب حمى غضب الرب كلهيب نار يحرق القش ليجعلهم أشبه بالغبار [24]. لقد سمح بتأديبهم بحزم شديد حتى ارتعدت الجبال وصارت جثثهم ملقاة في الأزقة. هنا يعني ما حل بشعب الله خلال الغزو الآشوري العنيف. وسط هذا اللهيب يقول: "مع كل هذا لم يرتد غضبه بل يده ممدودة بعد" [25]؛ لا يزال مملوء حبًا ينتظر عودة الإنسان إليه! 5. الغزو الآشوري: 26 فَيَرْفَعُ رَايَةً لِلأُمَمِ مِنْ بَعِيدٍ، وَيَصْفِرُ لَهُمْ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ، فَإِذَا هُمْ بِالْعَجَلَةِ يَأْتُونَ سَرِيعًا. 27 لَيْسَ فِيهِمْ رَازِحٌ وَلاَ عَاثِرٌ. لاَ يَنْعَسُونَ وَلاَ يَنَامُونَ، وَلاَ تَنْحَلُّ حُزُمُ أَحْقَائِهِمْ، وَلاَ تَنْقَطِعُ سُيُورُ أَحْذِيَتِهِم. 28 الَّذِينَ سِهَامُهُمْ مَسْنُونَةٌ، وَجَمِيعُ قِسِيِّهِمْ مَمْدُودَةٌ. حَوَافِرُ خَيْلِهِمْ تُحْسَبُ كَالصَّوَّانِ، وَبَكَرَاتُهُمْ كَالزَّوْبَعَةِ. 29 لَهُمْ زَمْجَرَةٌ كَاللَّبْوَةِ، وَيُزَمْجِرُونَ كَالشِّبْلِ، وَيَهِرُّونَ وَيُمْسِكُونَ الْفَرِيسَةَ وَيَسْتَخْلِصُونَهَا وَلاَ مُنْقِذَ. 30 يَهِرُّونَ عَلَيْهِمْ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ كَهَدِيرِ الْبَحْرِ. فَإِنْ نُظِرَ إِلَى الأَرْضِ فَهُوَذَا ظَلاَمُ الضِّيقِ، وَالنُّورُ قَدْ أَظْلَمَ بِسُحُبِهَا. يقدم لنا النبي وصفًا رهيبًا لجيش أشور في غزوه شعب الله. هذا الوصف يكشف عن غزو عدو الخير للنفس البشرية، بعنف وشراسة ومثابرة، وفي نفس الوقت يوبخ المؤمنين المتراخين؛ فالأشرار من أجل غنيمة زمنية لا يكلّون حتى يحققوا هدفهم بينما أولاد الله يتراخون في نوال شركة المجد الأبدي. أ. "ليس فيهم رازح (متعب)" [27]. بالرغم من طول المسافة التي يقطعونها والصعوبات التي تواجههم لكنهم لا يشعرون بتعب من أجل رغبتهم القوية في التمتع بالغنيمة... بينما كثيرًا ما نتراخَى نحن المؤمنون في جهادنا الروحي تحت دعوى الإرهاق أو التعب. ب. "ولا عاثر" [27] بالرغم من وعورة الطريق؛ ربما لأن الله دعاهم لتأديب شعبه فسّهل لهم الطريق. كان أولى بنا نحن ألا نخاف وعورة الطريق فإننا مادمنا في يد مسيحنا "الطريق" لا نتعثر قط. ج. "لا ينعسون ولا ينامون" [27] من أجل الهدف الزمني والشرير الموضوع أمامهم. أفما يليق بنا نحن المؤمنون ألا ننعس ولا ننام بل نبقى في يقظة الروح حتى نحقق غاية رسالتنا؟! د. "ولا تنحل حزم أحقائهم ولا تنقطع سيور أحذيتهم" [27]، أي جادين ومتشددين للعمل. لقد أوصانا الرب: "لتكن أحقاؤكم ممنطقة" (لو 12: 35)، حتى نتمم خدمة الرب بقوة. ه. "سهامهم مسنونة وجميع قسيهم ممدودة، حوافر خيلهم تُحسب كالصوان وبكراتهم كالزوبعة" [28]. مستعدين بأسلحتهم وعدتهم، كي يحاربوا بقوة ولمدة طويلة وبسرعة خاطفة فيحققوا الهدف. يليق بالمؤمنين أن يستعدوا ضد معركة إبليس بأسلحة الإيمان الروحية التي تحدث عنها الرسول بولس بأكثر توسع (أف 6). و. "لهم زمجرة كاللبوة، ويزمجرون كالشبل، ويهرون ويمسكون الفريسة ويستخلصونها ولا منقذ" [29]. إنهم يحملون صورة سيدهم إبليس، الذي يجول كأسد زائر يلتمس من يبتلعه (1 بط 5: 8). كان يليق بالمؤمنين أن يصحوا ويسهروا مقاومين هذا العدو راسخين في الإيمان (1 بط 5: 8-9) القادر أن يُحطم العدو. لقد تقدم الحمل - رب المجد يسوع - كأسد خارج من سبط يهوذا (رؤ 5: 5) حتى لا يهزمنا إبليس بل نقاومه بالرب ونُحطم طاقاته. ز. "يهرون عليهم في ذلك اليوم كهدير البحر" [30]، إذ يسقط عليهم الجيش بأصوات الجند كهدير البحر الذي لا يُقاوم، يكتسح ويبتلع كل ما هو أمامه... وكأنه لا أمل لهم في النجاة من أشور. ح. أخيرًا يفقد الشعب كل رجاء فإنه "إن نظر إلى الأرض فهوذا ظلام الضيق والنور قد أظلم بسحبها" [30]. وقت الضيق يرفعون عيونهم لعلهم يجدون منفذًا للخلاص، لكن الظلام يُخيم على أفكارهم، وسحب الدخان الصاعدة من الحرائق تُحطم كل أمل عندهم. لقد رفضوا الله "النور الحقيقي" فملكت الظلمة على أعماقهم. لهذا يصرخ المرتل: "بنورك يا رب نعاين النور" (مز 36: 9). رؤيا إشعياء ودعوته يسجل لنا إشعياء النبي رؤياه الشهيرة، إذ رأى الله القدوس جالسًا على كرسي عالٍ ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل، رآه في مجده الفائق تسبحه طغمة السيرافيم، وقد عُهد إليه بخدمة النبوة المقدسة. يتساءل البعض: هل تمتع النبي بهذه الرؤيا قبل تنبؤه بما ورد في الأصحاحات السابقة أم جاءت بعدها؟ ولماذا لم يفتتح النبي السفر بها؟ 1. رؤيا النبي في الهيكل: 1 فِي سَنَةِ وَفَاةِ عُزِّيَّا الْمَلِكِ، رَأَيْتُ السَّيِّدَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِيٍّ عَالٍ وَمُرْتَفِعٍ، وَأَذْيَالُهُ تَمْلأُ الْهَيْكَلَ. 2 السَّرَافِيمُ وَاقِفُونَ فَوْقَهُ، لِكُلِّ وَاحِدٍ سِتَّةُ أَجْنِحَةٍ، بِاثْنَيْنِ يُغَطِّي وَجْهَهُ، وَبِاثْنَيْنِ يُغَطِّي رِجْلَيْهِ، وَبَاثْنَيْنِ يَطِيرُ. 3 وَهذَا نَادَى ذَاكَ وَقَالَ: «قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ، قُدُّوسٌ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُهُ مِلْءُ كُلِّ الأَرْضِ». 4 فَاهْتَزَّتْ أَسَاسَاتُ الْعَتَبِ مِنْ صَوْتِ الصَّارِخِ، وَامْتَلأَ الْبَيْتُ دُخَانًا. "في سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالسًا على كرسي عالٍ ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل" [1]. تمتع النبي بهذه الرؤيا في سنة وفاة عزيا الملك، ربما بعدما أعلن نبواته السابقة والتي حملت تهديدًا للشعب، فقابلها الشعب بنفور واستخفاف، لهذا كشف له هذه الرؤيا ليعلنها للشعب مؤكدًا أنه يحمل رسالة إلهية، يقدم كلمة الله. ولعل هذه الرؤيا قد تحققت قبل النبوات وإنما أعلنها النبي بعد ذلك ليؤكد للشعب أن ما ينطق به ليس من عندياته، وذلك كما فعل القديس بولس حين أراد تأكيد رسوليته بالحديث عن الرؤيا التي شاهدها في بداية خدمته (2 كو 12). ظهرت الرؤيا في سنة وفاة عزيا الملك الذي ملك على يهوذا وهو ابن 16 سنة لمدة 52 عامًا وعمل المستقيم في عيني الرب، وقد نجح في كل أعماله: في الحروب وبناء مدن تعميرها إلخ... لكنه إذ ارتفع اسمه جدًا سقط في الكبرياء وأراد أن يوقد للرب على مذبح البخور فضربه الرب بالبرص وهو في الهيكل، وطرده الكهنة، وكان أبرصًا إلى يوم وفاته، معزولًا في بيت بعيد عن قصر الملك. لعل إشعياء كان يتابع بفرح نجاح عزيا مع استقامة قلبه ونموه في الروح لكنه أغتم جدًا لسقوطه في أيامه الأخيرة، وموته هكذا معزولًا عن شعب الله، مطرودًا من هيكله المقدس، ممثلًا بطلان المجد الزمني. تطلع النبي إلى الشعب في سنة موت عزيا ليراه منطرحًا كغنم بلا راعي، خاصة وأن الملك كان قد اعتزل الشعب زمانًا قبل موته بسبب برصه. أدرك إشعياء أن الشعب في حاجة إلى رعاية سماوية، لأن ذراع البشر يعجز عن إشباع احتياجات الشعب، وكما يقول المرتل: "لا تتكلوا على الرؤساء ولا على بني البشر الذين ليس عندهم خلاص، تخرج روحهم فيعودون إلى ترابهم" (مز 146: 3). وسط هذه المرارة أعلن الرب هذه الرؤيا لإشعياء من أجل تعزيته: تحققت الرؤيا في الهيكل غالبًا في وقت انفرد فيه النبي للعبادة الخاصة، يصرخ إلى الله ليتسلم رعاية شعبه. ظهر له السيد جالسًا على كرسي عالٍ، ومرتفع ليؤكد له أنه هو راعي شعبه السماوي، أفكاره تعلو عن أفكار البشر، وطرقه عن طرقهم. يجلس في الأعالي لكي يحمل كنيسته معه تشاركه أمجاده العلوية. رأى أذياله تملأ الهيكل، إذ حال في كنيسته ينتظر كل نفس تقبل إليه لتتمتع بالإتحاد معه. لقد رأى السيد المسيح في مجده (يو 12: 41) يملأ السماء والأرض بلاهوته ورعايته. يرى القديس يوحنا الذهبي الفمإن إشعياء وغيره من الأنبياء لم يروا جوهر اللاهوت كما هو إنما يظهر الله لهم خلال تنازله قدر ما يحتملون الرؤيا وذلك من أجل محبته لخليقته؛ حتى بالنسبة للسمائيين وحاملي عرشه فان كل منهم يراه قدر احتماله أما الجوهر في ذاته أي في كماله المطلق فلا يمكن إدراكه. * يصيح السيرافيم قائلين: قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت... إن القوات العلوية يأخذ منها الرعب كل مأخذ بغير انقطاع، فهي تدير وجهها وتبسط أجنحتها كحائط، يقيها من الإشعاع غير المحتمل الصادر من قبل الله، ومع ذلك فما تراه إنما هو صورة مصغرة للحقيقة... بينما لا يقوى السيرافيم حتى على مشاهدة الله الذي لا يتجلى لهم إلاَّ كتنازل منه حسب ضعفهم، نرى أناسًا تجاسرون متصورين في عقلهم الطبيعة عينها التي يعجز السيرافيم عن إدراكها. إنهم يزعمون أنهم قادرون على التطلع إليها بوضوح وبغير حدود! ارتعدي أيتها السموات واندهشي أيتها الأرض. * حقًا إن الله حتى بالنسبة لهذه الطغمات غير مُدرَك، ولا يمكن الدنو منه. لهذا فهو يتنازل ليظهر بالطريقة التي وردت في الرؤيا. الله الذي لا يحده مكان ولا يجلس على عرش... من قبيل محبته لنا يظهر جالسًا على عرش وتحيط به القوات السمائية. * هذه (رؤى الأنبياء) إعلانات، كلها أمثلة عن تنازله، وليست رؤى لجوهره بالكشف عنه. لأنهم لو نظروا جوهره ذاته لما رأوه تحت أشكال مختلفة، إذ هو بسيط، بغير شكل ولا أعضاء ولا أساليب محددة، طبيعته لا تجلس ولا تقف ولا تمشي... القديس يوحنا الذهبي الفم لعل ما يُعزى نفس الخادم هو أن يرتفع قلبه ليرى الخدمة الملائكية، فيتحقق أن كل متاعب الكنيسة وضعفاتها تنتهي يومًا ما لتشترك مع السمائيين في التسبيح أبديًا. وأن الكنيسة هنا -كأيقونة السماء- تتمتع بعربون الخدمة السمائية. ففي إحدى العظات القبطية تُعّرف الكنيسة أنها: [موضع تعزية، هي اجتماع الملائكة وموضع الشاروبيم والسيرافيم]. قيل إن القديس باخوميوس المصري كان يرى الكنيسة مملوءة بالملائكة. السيرافيم هم خدام العرش الإلهي، يحملون الرب بفرح وتهليل، يسبحونه بلا انقطاع. وكأن عمل كل خادم أو نبي في الكنيسة هو جذب كل نفس إلى الرب كعرش له يسكنه، ويقيم ملكوته داخله، فيصير أشبه بالساروف الناري السماوي. لكل ساروف 6 أجنحة، باثنين يُغطي وجهه علامة اتسامه بالمخافة الإلهية، لا يقدر أن يدرك كل البهاء الإلهي، وباثنين يُغطي رجليه علامة الحياء -إن صَحَّ هذا التعبير- وباثنين يطير مُحلقًا في السمويات. هكذا يليق بنا أن نتشبه بالساروف ننعم بالمخافة الإلهية في احتشام مع نمو دائم وارتفاع مستمر نحو السمويات. أما بالنسبة للتسبحة الساروفيمية "الثلاث تقديسات" فقد وردت في كتابات العلامة أوريجانوس؛ وربما يرجع تاريخ استخدامها بالإسكندرية إلى تاريخ سابق. جاء في التقليد الكنسي إن يوسف الرامي ونيقوديموس اللذين اهتما بجسد الرب بعد إنزاله من على الصليب سمعًا هذه التسبحة وهما يضعان الحنوط على جسد الرب قبل دفنه. يقول الساروفيم: "مجده ملء كل الأرض" [3]، لا يملأ السموات فحسب وإنما الأرض كلها. أنه حال على الأرض ليُقيم من الأرض سماء. وكما يقول القديس إكليمندس السكندريإن الأرض تصير سماءً بالنسبة للمؤمن الحقيقي. إن كان جسدنا في أصله ترابًا، فقد قبل كلمة الله طبيعتنا البشرية ليُقدسها، فصار جسدنا ممجدًا فيه، لا نعود نستخف به لأنه يشارك النفس تعبدها لله وجهادها وإكليلها. يلاحظ في هذه التسبحة الآتي: أ. أن كلمة "السيد" جاءت بالجمع Adonai وليس المفرد Adon. ربما لهذا السبب مع تكرار كلمة "قدوس" ثلاث مرات رأى القديس غريغوريوس أسقف نيصصتُعلن عن مجد الثالوث، بينما ينسبها الرسول بولس للروح القدس (أع 28: 25-26)، والقديس يوحنا للابن (يو 12: 41) بينما التقليد اليهودي قديمًا ينسبها للآب. * بواسطة (السيرافيم) أُعلن سرّ الثالوث بوضوح، عندما نطقوا بتلك الصيحة العجيبة "قدوس" بكونها تحمل جمالًا مع مهابة لكل أقنوم من الثالوث. القديس غريغوريوس النيصي ب. دُعي الله "رب الجنود"، وهو لقب الله في معركته ضد الشر أو ضد قوات الظلمة، له معنى تعليمي، لم يظهر في أسفار موسى ويشوع والقضاة وأيوب والأمثال والجامعة، إنما ظهر بصورة نادرة في صموئيل وملوك وأخبار الأيام والمزامير؛ استخدم بكثرة في أسفار الأنبياء، ففي إرميا استخدم حوالي 80 مرة وحجي 14 مرة، وزكريا 50 مرة، وملاخي أكثر من 24 مرة. أول من استخدمه حنة أم صموئيل في تسبحة النصرة التي نطقت بها إذ شعرت بأن الله هو سرّ نصرتها في معركتها الداخلية. ج. تُستخدم هذه التسبحة في القداس الإلهي علامة شركة المؤمنين مع السمائيين في العبادة على مستوى سماوي، بروح الوحدة والانسجام معًا: * ليتنا نجتمع معًا بضمائرنا في اتفاق ونصرخ إليه بغيرة كما بفم واحد، فنشترك في مواعيده العظمية المجيدة. القديس اكليمندس الروماني القديس يوحنا الذهبي الفم القديس أغسطينوس "فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلأ البيت دخانًا" [4]. اهتزت أساسات بيت الرب أمام صرخات الساروفيم التي تمجد الله القدوس وامتلأ البيت سحابًا كثيفًا علامة حلول مجد الله فيه. وعندما دخل السيد المسيح أورشليم اهتزت أيضًا المدينة (مت 21: 10). ونحن في حاجة أن يعلن الرب حلوله فينا، ليُقيم ملكوته داخلنا، نشترك مع السيرافيم تسبحتهم الأبدية فتهتز أعماق نفوسنا مع إشعياء النبي، ويُعلن مجد الرب فينا، وتتقدس أعماقنا فنحسب شهود حق لإنجيله. 2. تقديس فم إشعياء: 5 فَقُلْتُ: «وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ، وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ». 6 فَطَارَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّرَافِيمِ وَبِيَدِهِ جَمْرَةٌ قَدْ أَخَذَهَا بِمِلْقَطٍ مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ، 7 وَمَسَّ بِهَا فَمِي وَقَالَ: «إِنَّ هذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَانْتُزِعَ إِثْمُكَ، وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ». إذ نقف في حضرة الله القدوس يُعلن لنا مجده ونكتشف نحن نجاستنا، كما حدث مع إشعياء النبي. "فقلت: ويل ليّ أني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأن عينيَّ رأتا الملك رب الجنود" [5]. يعترف الرسول بولس أنه أول الخطاة (1 تي 1: 15) ليس لأنه يفكر في خطاياه ويحاول إحصاءها، وإنما جاء ذلك ثمرة استنارته بروح الله القدوس الذي يفضح أعماقنا، فنكتشف أننا كلا شيء أمام مجد الله، وأننا خطاة تمامًا أمام قداسته. لذلك عندما بدأ إبراهيم أب الآباء يتحدث مع الله قال: "إني قد شرعت أكلم المولي وأنا تراب ورماد" (تك 17: 27). لعل إشعياء أراد أن يشترك مع السيرافيم في تسابيحهم لله فأدرك أنه نجس الشفتين، وإذ تطلع إلى جماعة السيرافيم في تهليلاتهم أدرك أنه ساكن بين شعب نجس الشفتين. * بتنهدات يومية يحزن القديسون على ضعف طبيعتهم، وبينما هم يبحثون في تغيير أفكارهم وإرادتهم وأعماق ضمائرهم الداخلية يصرخون متضرعين قائلين: "لا تدخل مع عبدك في المحاكمة فإنه لن يتبرر أمامك حيَّ"... وهكذا يدركون ضعف برّ الإنسان وعدم كماله مع الاحتياج الدائم إلى مراحم الله. لذلك يقول ذاك الذي أزال الله شروره وخطاياه بِجَمْر "كلمته الحيَّ" التي على المذبح بعد رؤيته العجيبة لله وللسيرافيم العلويين وتمتعه بإعلان الأسرار الإلهية: "ويل لي إني هلكت لإني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين". الأب ثيوناس الأب ثيوناس شعوره بنجاسة شفتيه ونجاسة شفاه شعبه لم يُحطم نفسيته، إنما ملأه رجاء في الله الذي تمتع برؤيا بكونه "رب الجنود"، قادر أن يُقيم من البشرية جنودًا روحيين له. هذا تحقق له، إذ قال: "فَطَارَ إِلَيَّ وَاحِدٌ مِنَ السَّرَافِيمِ وَبِيَدِهِ جَمْرَةٌ قَدْ أَخَذَهَا بِمِلْقَطٍ مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ، وَمَسَّ بِهَا فَمِي وَقَالَ: «إِنَّ هذِهِ قَدْ مَسَّتْ شَفَتَيْكَ، فَانْتُزِعَ إِثْمُكَ، وَكُفِّرَ عَنْ خَطِيَّتِكَ»" [6-7]. جاء في قسمة القداس الكيرلسي: [وكما طهرّت شفتي عبدك إشعياء النبي إذ أخذ أحد السيرافيم جمرة بالملقط من على المذبح وطرحها في فيّه، وقال له: إن هذه لمست شفتيك ترفع آثامك وتطهر من جميع خطاياك، هكذا نحن أيضًا الضعفاء الخطاة عبيدك الطالبين رحمتك تفضل طهر أنفسنا وأجسادنا وقلوبنا واعطنا هذه الجمرة الحقيقية المعطية الحياة للنفس والجسد والروح، التي هي الجسد المقدس والدم الكريم اللذان لمسيحك]. وفي صلاة أخرى للقسمة يقول الكاهن: [لإنيّ تقدمت للمس جسدك ودمك لشوقي في محبتك، فلا تحرقني بهما يا جابلي بل أحرق كافة الأشواك الخانقة لنفسي]. لقد حملت القديسة مريم كلمة الله متجسدًا فيها، الجمر الملتهب، الذي يُقدس البشرية بدمه الثمين. 3. إرسالية إشعياء النبي: 8 ثُمَّ سَمِعْتُ صَوْتَ السَّيِّدِ قَائِلًا: «مَنْ أُرْسِلُ؟ وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟» فَقُلْتُ: «هأَنَذَا أَرْسِلْنِي». 9 فَقَالَ: «اذْهَبْ وَقُلْ لِهذَا الشَّعْبِ: اسْمَعُوا سَمْعًا وَلاَ تَفْهَمُوا، وَأَبْصِرُوا إِبْصَارًا وَلاَ تَعْرِفُوا. 10 غَلِّظْ قَلْبَ هذَا الشَّعْبِ وَثَقِّلْ أُذُنَيْهِ وَاطْمُسْ عَيْنَيْهِ، لِئَلاَّ يُبْصِرَ بِعَيْنَيْهِ وَيَسْمَعَ بِأُذُنَيْهِ وَيَفْهَمَ بِقَلْبِهِ، وَيَرْجعَ فَيُشْفَى». 11 فَقُلْتُ: «إِلَى مَتَى أَيُّهَا السَّيِّدُ؟» فَقَالَ: «إِلَى أَنْ تَصِيرَ الْمُدُنُ خَرِبَةً بِلاَ سَاكِنٍ، وَالْبُيُوتُ بِلاَ إِنْسَانٍ، وَتَخْرَبَ الأَرْضُ وَتُقْفِرَ، 12 وَيُبْعِدَ الرَّبُّ الإِنْسَانَ، وَيَكْثُرَ الْخَرَابُ فِي وَسَطِ الأَرْضِ. 13 وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا عُشْرٌ بَعْدُ، فَيَعُودُ وَيَصِيرُ لِلْخَرَابِ، وَلكِنْ كَالْبُطْمَةِ وَالْبَلُّوطَةِ، الَّتِي وَإِنْ قُطِعَتْ فَلَهَا سَاقٌ، يَكُونُ سَاقُهُ زَرْعًا مُقَدَّسًا». إذ رأى إشعياء النبي السيد جالسًا على كرسي عالٍ ومرتفع وأذياله تملأ الهيكل، والسيرافيم يسبحونه، وقد تطهرت شفتيه الجمر الإلهي، اشتاق إلى الحياة السماوية والتسبيح الملائكي، لكنه في نفس الوقت اشتاق أن يرى شعبه متمتعًا بهذه الحياة العلوية، كأنه يقول مع الرسول بولس: "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدًا، ولكن أن أبقى في الجسد ألزم من أجلكم" (في 1: 24). هذا ما يعلنه النبي أيضًا بقوله: "ثم سمعت صوت السيد قائلًا: من أُرسل ومن يذهب لأجلنا؟ فقلت: هأنذا أرسلني" [8]. هذا هو المنظر الخامس من ذات الرؤيا الذي فيه دُعِيَ للعمل النبوي، لحساب ملكوت الرب؛ هذه المناظر هي: 1. منظر السيد في مجده [1]. 2. منظر السرافيم المسبحين له [3]. 3. اهتزاز أساسات العتب وامتلاء البيت دخانًا [4]. 4. تقديس شفتي النبي [5-7]. 5. دعوة إشعياء بصوت الله نفسه [8 إلخ]. جاءت الدعوة من الله القدير نفسه، وإذ آمن إشعياء بقدرة الله الخلاصية وعمله التقديسي، تقدم للعمل مدركًا أنه حيث هو ضعيف فهو بالرب قوي. عندما ندرك أننا لا شيء فلنؤمن بالله الكل في الكل، القادر بروحه القدوس أن يعمل بنا. هنا يلزمنا التنويه أنه بينما المتكلم واحد: "من أُرسل؟" نجده يستخدم صيغة الجمع: "من يذهب لأجلنا؟" لتأكيد أنه الله الواحد الثالوث، أو المثلث الأقانيم. قّبِل الله القدوس المثلث الأقانيم عرض إشعياء، وقال له: "اذهب" [9]. لقد أراد الله ألا يُرسل إشعياء من أجل نوال كرامة أو مجد، إنما ليدخل في مرارة مع شعب رافض الحق... فالخدمة ليست مراكز كنسية ولا كرامات إنما هي جهاد روحي من أجل غسل أقدام الآخرين وحثهم على قبول الحق، وذلك خلال المذبح المقدس الذي يُقدس الشفتين الداخليتين ويهب كلمة الله الفعّالة في حياة الخادم والمخدومين. وضع الرب كلماته على فم النبي: "تسمعون سمعًا ولا تفهمون، وتبصرون أبصارًا ولا تعرفون" [9]. لقد وضع الرب في فم إشعياء نبوات كثيرة عن السيد المسيح وعمله الخلاصي؛ وقد تحققت عند مجيء السيد المسيح، لقد سمعوا ورأوا لكنهم لم يؤمنوا به، لأن بصيرتهم الداخلية قد أصابها العمى؛ وذلك على عكس التلاميذ الذين قال لهم الرب: "طوبى لأعينكم لأنها تبصر ولآذانكم لأنها تسمع" (مت 13: 11-16). يقول القديس يوحنا الذهبي الفمعن هذا الشعب: [إنهم يبصرون كيف يخرج الشياطين ويقولون: به شيطان؛ يبصرون القائمين من الأموات ولا يسجدون له، بل يفكرون في قتله]. سبق لنا دراسة هذه النبوة أثناء شرحنا للإنجيل بحسب متى البشير الأصحاح 13، لذا اكتفي هنا بتعليق القديس أغسطينوس على التساؤل: لماذا يُلام اليهود على عدم إيمانهم ما دام الله أعمى عيونهم؟ [إنهم لم يقدروا أن يؤمنوا لأن إشعياء تنبأ عن ذلك، وقد تنبأ لأن الله سبق أن أخبره عما سيكون عليه حالهم. لكن إن سألت: ما هي علة عدم قدرتهم على الإيمان أُجيب في الحال: إنهم لم يريدوا. الله رأى إرادتهم الفاسدة لذلك سبق أن أخبر النبي بذلك لأن المستقبل ليس مخفيًا عنه... الله أعماهم وأغلظهم بمجرد تركه إياهم وسحب معونته عنهم]. يُجيب القديس إيريناؤس على ذات السؤال قائلًا: [إنهم يصابون بالعمى بسبب عدم إيمانهم بالله، فإنهم يتطلعون إليه فلا يرونه، لأنه بالنسبة لهم كأنه غير موجود؛ ذلك كما أن الشمس - خليقته - تُصيب ضعاف البصر فلا ينظرون نورها. أما الذين يؤمنون به ويتبعونه فيهب أذهانهم استنارة أكمل وأعظم]. هذا هو تفسير كلمات النبي: "غَلِّظْ قَلْبَ هذَا الشَّعْبِ وَثَقِّلْ أُذُنَيْهِ وَاطْمُسْ عَيْنَيْهِ، لِئَلاَّ يُبْصِرَ بِعَيْنَيْهِ وَيَسْمَعَ بِأُذُنَيْهِ وَيَفْهَمَ بِقَلْبِهِ، وَيَرْجعَ فَيُشْفَى" [10]. يلاحظ هنا أن الله لا ينسب الشعب إليه، بل يدعوه "هذا الشعب"، وهذه عادةً ما تحدث عندما يعلن الله غضبه عليهم فيحسبهم غير أهل للانتساب إليه بسبب غلاظة قلوبهم وثقل آذانهم وعمى أعينهم، أي بسبب العنف (القسوة)، والعصيان، والجهل الروحي. هذه النبوة تُشير إلى جحد اليهود للسيد المسيح عند مجيئه، كما تُشير إلى جحد كلمات النبوة في أيام إشعياء فيسقطون تحت السبي ويحل بهم الخراب على يديّ سنحاريب الآشوري. حزن إشعياء النبي إذ أدرك ثقل المسئولية الملقاة عليه وما تنتظره من متاعب وآلام، كما حزن إذ أدرك ما سيحل بالشعب من دمار حتى تصير المدن خربة بلا ساكن والبيوت بلا إنسان وتخرب الأرض وتقفر [11]، فصرخ: "إلى متى أيها السيد الرب؟" [11]. هل كان يسأل: إلى متى يبقى هذا الشعب في القساوة؟! أما يسأل: إلى متى أُعلن نبوات مُرّة هكذا وقاسية؟! كشف له الرب عن حال الشعب بعد انكساره أمام سنحاريب، فأعلن أنه وإن بقى في البلاد العُشر [13] يعود فيقيم الشعب خلال هذه البقية ويجعل منهم زرعًا مقدسًا. بهذا يتنبأ عن السبي وما يحدث بعد السبي. وفي نفس الوقت تُعتبر نبوة عن سبي اليهود في جحودهم الإيمان بالسيد المسيح مخلص العالم، لكن في آخر الأيام تبقى بقية تعود للإيمان به. يقول الرسول بولس: "أَنَّ الْقَسَاوَةَ قَدْ حَصَلَتْ جُزْئِيًّا لإِسْرَائِيلَ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ مِلْؤُ الأُمَمِ، وَهكَذَا سَيَخْلُصُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ." (رو 11: 25-26). |
||||
11 - 07 - 2024, 07:23 PM | رقم المشاركة : ( 166148 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الحاجة إلى المخلص: "فَتُمْسِكُ سَبْعُ نِسَاءٍ بِرَجُل وَاحِدٍ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَائِلاَتٍ: «نَأْكُلُ خُبْزَنَا وَنَلْبَسُ ثِيَابَنَا. لِيُدْعَ فَقَطِ اسْمُكَ عَلَيْنَا. انْزِعْ عَارَنَا»." [1]. هؤلاء النساء السبع هم جميع الأمم من بينهم اليهود، فقد شعر الكل بفراغ شديد يجتاح الأعماق بسبب فساد الطبيعة البشرية. تجتمع هذه الأمم كعروس تطلب عريسها، تُريد اسمه لينزع عار فسادها، حينئذ تأكل خبزها وتلبس ثيابها. مسيحها أهم من كل احتياجاتها، فيه تجد كل الشبع والستر من العُري والحماية من كل عار. هذا من الجانب الرمزي الروحي، أما من الجانب الحرفي فقد تنبأ إشعياء النبي عما كان سيحل بيهوذا حيث يتعرض لحروب طاحنة خلالها يُقتل عدد كبير من الرجال، فتشتاق كل امرأة أن تجد لها رجلًا تحتمي تحت اسمه مهما كلفها الأمر. فهي مستعدة أن تُشاركها فيه ست نساء أخريات وهذا أمر لا تطيقه السيدة بطبيعتها؛ بل وتطلب من رجلها ألا يستلزم بشيء إنما تأكل وتشرب من تعبها هي الأمر الذي يُخالف الطبيعة نفسها... هذا كله لأنها تُريد أن تنجب منه فينزع عنها عارها (تك 30: 23، 1 صم 1: 11). |
||||
11 - 07 - 2024, 07:24 PM | رقم المشاركة : ( 166149 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
غصن الرب: 2 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ غُصْنُ الرَّبِّ بَهَاءً وَمَجْدًا، وَثَمَرُ الأَرْضِ فَخْرًا وَزِينَةً لِلنَّاجِينَ مِنْ إِسْرَائِيلَ. الآن، إن كانت البشرية بكل شعوبها (سبع نساء) اكتشفت حاجتها إلى المخلص، فها هو النبي يبشرها بمجيئه قائلًا: "في ذلك اليوم يكون غصن الرب بهاءً ومجدًا وثمر الأرض فخرًا وزينة للناجيّن من إسرائيل" [2]. يُقصد ب "ذلك اليوم" ملء الزمان (غل 4: 4) الذي فيه تجسد ابن الله الوحيد الجنس، الذي دُعِيَ "غصن الرب"، أو "الغصن" (إر 23: 5، 33: 15 ؛ زك 3: 8؛ 6: 12). هو غصن الرب وغصن برّ لداود، إذ هو المولود قبل كل الدهور أزليًا من ذات جوهر الآب وبتجسده وُلد من نسل داود. بدخوله إلى العالم أعلن البهاء الإلهي والمجد الفائق على المؤمنين الغرباء البسطاء كما على المخلصين من اليهود. وكما قال سمعان الشيخ "نور إعلان للأمم ومجدًا لشعبك إسرائيل". نبت هذا الغصن بتجسده، فحلّ في وسطنا ليعكس البهاء الإلهي على طبيعتنا، فيقول لكنيسته: "خرج لكِ اسم في الأمم لجمالك، لأنه كان كاملًا ببهائي الذي جعلته عليكِ بقول السيد الرب" (حز 16: 14). كلمة "غصن" تُعادل أيضًا "ناصرة "، لذا يقول الإنجيلي: "لكي يتم ما قيل بالأنبياء أنه يُدعى ناصريًا" (مت 2: 23). |
||||
11 - 07 - 2024, 07:25 PM | رقم المشاركة : ( 166150 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
البقية المقدسة: 3 وَيَكُونُ أَنَّ الَّذِي يَبْقَى فِي صِهْيَوْنَ وَالَّذِي يُتْرَكُ فِي أُورُشَلِيمَ، يُسَمَّى قُدُّوسًا. كُلُّ مَنْ كُتِبَ لِلْحَيَاةِ فِي أُورُشَلِيمَ. 4 إِذَا غَسَلَ السَّيِّدُ قَذَرَ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَنَقَّى دَمَ أُورُشَلِيمَ مِنْ وَسَطِهَا بِرُوحِ الْقَضَاءِ وَبِرُوحِ الإِحْرَاقِ، مَنْ الذي يتمتع بغصن الرب؟ "الذي يبقى في صهيون والذي يُترك في أورشليم" [3]. هؤلاء هم القلة التي قبلت الإيمان بالسيد المسيح من جماعة اليهود، بقوا في صهيون الروحية، في الكنيسة أورشليم الجديدة. من الجانب الحرفي تُشير إلى البقية الباقية من السبي، أما من الجانب الروحي فهي القلة المقدسة، القطيع الصغير الذي لا يغادر قلبه صهيون ولا تفارق روحه أورشليم العليا. هذه البقية تحدث عنها كثير من الأنبياء (زك 13: 9)، وجُدت في كل عصر، ففي أيام إيليا النبي أعلن الرب أن له سبعة آلاف رجل لم يحنو ركبة لبعل بعد، وفي أثناء السبي وُجد دانيال ومعه الثلاثة فتية ضمن القلة المقدسة، وأيضًا أستير ومردخاي، وبعد السبي نسمع أيضًا عن هذه القلة المقدسة (ملا 3: 6؛ 4: 2)، والسيد المسيح نفسه يتحدث عن القطيع الصغير الذي سّر الآب أن يعطيه الملكوت (لو 12). في اختصار، كل نفس مخلصة ترفع قلبها إلى أورشليم العليا ترى الكنيسة المقدسة في الرب فتفرح وتسر من أجلها. ارتبط قلب إشعياء بأورشليم عاصمة بلده ومدينة الله التي تضم هيكله المقدس، وقد دخل في مرارة من أجل ما حلّ بها من فساد. الآن إذ يعلن عن مجيء "غصن الرب" يرى أورشليم جديدة يسكنها قديسون في الرب القدوس، وينعمون بالحياة الأبدية. يقول: "يُسمى قدوسًا كل من كتب للحياة في أورشليم" [3]. الكنيسة - أيقونة السماء - هي عربون أورشليم العليا التي لا يدخلها شيء دنس أو نجس ولا كل من يصنع كذبًا، إنما يدخلها من غسل ثيابه وبيّضها في دم الحمل (رؤ 7: 14). كأعضاء في الكنيسة المقدسة -أورشليم الجديدة- تمتعنا بمسحة روح الله القدوس، لنُتمم الوصية الإنجيلية: "نظير القدوس الذي دعاكم كونوا أنتم قديسين في كل سيرة" (1 بط 1: 15). مَنْ الذي يُقدس حياتنا؟ الرب نفسه إذ يقول النبي: "إذ غسل الرب قذر بنت صهيون ونقى دم أورشليم من وسطها بروح القضاء وروح الإحراق" [4]. إنه غسل أدناسنا في مياه المعمودية في استحقاقات دمه، ولا يزال يغسل كل ضعفاتنا بدمه الذي جرى من جنبه المَطْعُون ممتزجًا بماء. إن كانت أيدينا قد تلطخت بالدم خلال خطايانا فانه يُقدم دمه كفارة عنا ليُقيمنا كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن بل مقدسة في كل شيء. هذا الغسل أو التطهير يتحقق "بروح القضاء وروح الإحراق"؛ أما روح القضاء فتحقق برفعه على الصليب حاملًا ثمن خطايانا في جسده، متممًا العدل الإلهي من جهتنا فيه. وأما روح الإحراق، فيعني ما سبق فأعلنته الشريعة في سفر اللاويين عن "المحرقة" حيث تُحرق الذبيحة تمامًا إشارة إلى الحب الكامل... فذبيحة المسيح التي باسمنا هي "المحرقة" التي قُدمت علامة حبنا الكامل فيه نحو الآب. وربما قصد بروح الإحراق أيضًا الروح القدس الناري الذي حلَّ على الكنيسة لتقديسها وغسل كل عضو فيها. * في آخر الأيام عندما جاء ملء زمان الحرية قام الكلمة بغسل قذر بنت صهيون بنفسه، إذ غسل بيديه أقدام التلاميذ (يو 13: 5). القديس إيريناؤس القديس إكليمنضس السكندري |
||||