منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08 - 07 - 2024, 04:57 PM   رقم المشاركة : ( 165761 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,257,538

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




نشوة الله (تك 3: 9- 15؛ مر 3: 20-35)



توقفنا أمام كلّا النصييّن بالعهد الأوّل حيث أن نشوة الله كُشفت للإنسان منذ القِدم في حبه ومسيرة بحثه عنه بينما هو ينحرف عاصيًا للرّبّ، من خلال الزلة الأوّلى. إلا أنّ هذا البحث لازال يستمر حتى يّومنا، ويدهشنا إذ لازالت النشوة الإلهيّة تبحث عن مكان في قلب كلّ إنسان وهو مَن يرغب في أنّ يتبع إرادة الله ويطيعه. وبناء على هذا رأينا كيف جاء يسوع الّذي يكشف عن هذه النشّوة الإلهيّة، تاركًا ذاته موضعًا لنشوة الآب وداعيًا إيانا لنشاركه هذه الحياة الإلهيّة فنصير معه داخل البيت لنتمتع بالنشّوة الدائمة لله. لازال الله يبحث عني وعنك قائلاً: أين أنت؟ بل يأتي يسوع ليحررنا من كل ما يعيق حياتنا من تجديفات وعوائق ضد مسيحيتنا لئلا نصير فقط مسيحييّن بالإسم بل بالإيمان وبالفعل معًا.



بدأنا بالتوقف من الناحيّة اللّاهوتيّة بحسب العهد الأوّل (تك 3: 9-15)، بالتساؤل الّذي طرحه الخالق على الإنسان الأوّل "أين أنت؟". هذا السؤال الّذي يتردد بالمقطع الإنجيلي الـمُوجه إلى يسوع وتلاميذه بحسب مرقس (3: 20-35). ورأينا من خلال تدرجنا بين كاتبي سفر التكوين والإنجيل المرقسي أنّ يسوع وهو موضع النشّوة الإلهيّة يعطينا الإجابة وهي "إرادة الله". تتجسد إرادة الله، حينما نتحرر من مخاوفنا ونقرر الخروج من قوقعتنا الّتي نختبأ فيها في كل مرة نسمع الخطى الإلهيّة لنختار بارادتنا أنّ ننضم إلى يسوع لنعيش بحسب مشيئة الله ونكون موضع النشّوة الإلهيّة إينما وجدنا ومع كلّ آخر.
 
قديم 08 - 07 - 2024, 05:01 PM   رقم المشاركة : ( 165762 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,257,538

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



﴿إِنَّهُم يَعثُرونَ لِأنَّهُم لا يُؤمِنونَ بِكَلِمَةِ الله﴾

(1 بطرس 8:2)



﴿وَكَانَ لَهُم حَجَرَ عَثرَة﴾ (لوقا 3:6). آَيَةٌ تُثيرُ الاندِهَاش! ونَحنُ نُؤمِنُ أَنَّ الْمَسيحَ لَم يَأتي لِكَي يُعَثِّرَنَا، إنَّمَا أَتَى لِكَي يُخَلِّصَنَا ويُنْهِضَنَا، فَكَيفَ نَسمَعُ الإنجِيلِيَّ لُوقَا يَصِفُهُ بِأنَّهُ كَانَ لِأُولَئِكَ النَّاسِ "حَجَرَ عَثرَة"، أَي سَبَبَ دَينُونَة؟! أَينَ هِيَ الْمُشكِلَة؟ أَفِي الحَجَرِ نَفسِهِ، أَمْ في النَّاسِ الَّذين اصْطَدَمُوا بالحَجَرِ، فَعَثَروا وسَقَطُوا؟!



لِلإِجَابَةِ عَلَى هَذَا السُؤَال، لا بُدَّ لَنَا مِنَ الانتِقَالِ إلى الفَصلِ الأَوّلِ مِنْ بِشَارَةِ الإنجِيليّ يُوحَنَّا، حِينَ يَقول: ﴿جَاءَ إِلى بَيتِه فَمَا قَبِلَهُ أَهْلُ بَيتِه. أَمَّا الَّذينَ قَبِلُوه، وهُمُ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِاسمِه، فَقَدْ مَكَّنَهم أَنْ يَصيرُوا أَبْناءَ الله﴾ (11:1-12). فَأَمَامَ الْمَسيحِ ومَا يَعرِضُهُ عَلَينَا مِنْ تَعَالِيم، هُنَاكَ خَيَارانِ لا وَسَطَ بَينَهُمَا: إِمَّا القُبولُ والإيمان، وإِمَّا الرَّفضُ والجُحود. وعِندَهَا، وبِنَاءً عَلَى مَا تَختَار، إِمَّا أَنْ يَكونَ الْمَسيحُ لَكَ سُلَّمَ نَجَاةٍ ودِرعَ سَلامَة، وإِمَّا أَن يَكونَ لَكَ حَجَرَ صَدْمٍ وسَبَبَ عِثَار. وَهَذا مَا يُفَسِّرُ قَولَ الرّبّ: ﴿وطُوبَى لِمَنْ لا أَكونُ لَهُ حَجرَ عَثرَة﴾ (لوقا 23:7). فَالعَثرَةُ يَا أَحِبَّة لا تَكمُنُ في الْمَسيح، بَلْ في مَوقِفِ العَدَاوَةِ الَّذي يَتَّخِذُهُ كَثيروُنَ إِزَاءَ الْمَسيح، مُفَضِّلينَ الجُحُودَ عَلَى الإيمان، والعُقوقَ عَلَى البِرِّ والامْتِثَال!



إنَّ الْمَسيحَ يَسوع هو: ﴿الحَجَرُ الَّذي رَذَلَهُ البَنَّاؤون، قَدْ صَارَ رَأسَ الزَّاوِيَة﴾ (مز 22:118). رَفَضُوُه وازْدَرُوهُ، فَصَارَ لَهُم حَجَرَ عَثرَةٍ، لانْعِدَامِ إيمانِهِم! كَمَا قَالَ القِدّيسُ بُطرسُ في رِسَالَتِهِ الأولَى: ﴿إِنَّهُم يَعثُرونَ لِأنَّهُم لا يُؤمِنونَ بِكَلِمَةِ الله﴾ (8:2). ولَكِنَّ الْمَسيحَ، وإنْ رَذَلُوهُ، يَبقَى رَأسَ الزّاوية، أَي أَنَّهُ تَمامُ كُلِّ شَيءٍ، والْمُلتَقَى الّذي إِلَيهِ يَصبُو الوُجودُ كُلُّهُ، فَهوُ الْمَبدَأُ والأَسَاس، وهو الغَايَةُ والْمُنتَهَى! وفي هَذَا الشَّأنِ يَكتُبُ القِدّيسُ بُولُسُ في رِسَالَتِه إلى أَهلِ أَفَسُس: ﴿بُنِيتُم عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ والأَنبِياء، وحَجَرُ الزَّاوِيَةِ هوَ الْمسيحُ يَسوعُ نَفْسُه. فِيهِ يُحكَمُ البِنَاءُ كُلُّه، وبِهِ أَنتُم أَيضًا تُبنَونَ، لِتَصُيروا مَسكِنًا للهِ في الرُّوح﴾ (20:2-22).



فَلِلمُؤمِنِ الصَّادِقِ الْمَسيحُ لَيسَ حَجَرَ عَثرَة، إِنَّمَا هو صَخرَةُ أَسَاسٍ مَكينَة، عَليهِ يُبنَى بَيتًا ثَابِتًا لا يَنهَار. وحَجَرُ زَاوِيةٍ مِنهُ نَستمِدُّ القُوَّةَ والْمَتَانَةَ والانتِصَار. وأَمَّا لِعَديمي الإيَمَان أَو لِأشبَاهِ الْمُؤمنين، يَظلُّ الْمَسيحُ حَجَرَ عَثرَةٍ، وفِيهِم يَتَحَقَّقُ وَعِيدُ السَّيد: ﴿كُلُّ مَن وَقَعَ عَلَى ذَلِكَ الحَجَرِ تَهَشَّم، ومَنْ وَقَعَ عَلَيهِ هَذَا الحَجَرُ تَحطَّم﴾ (لوقا 18:20).



يَقُولُ الإنجيليُّ مَرقُس أَنَّ الْمَسيحَ: ﴿كَانَ يَتَعَجَّبُ مِنْ عَدَمِ إيمانِهم﴾ (6:6). التّعرُّضُ لِلرَّفضِ يَا أَحِبَّة كَانَ جُزءًا جَوهَريًّا مِنْ رِسالَةِ الْمَسيحِ وحَيَاتِه، ومَع ذلِكَ لَمْ يَنْكَسِرْ أَبَدًا. بَدَأَ حَيَاتَهُ طِفلًا مُهَدَّدًا مُطَارَدًا، حُكِمَ عَليهِ بالْمَوتِ مِنَ الطَّاغِيَةِ هيرودس (راجع متّى 16:2-18). ومَا إِنْ حَمَلَهُ سِمعانُ الشَّيخُ عَلَى ذِرَاعَيِه، حَتّى شَعَرَ بالخَطَرِ والأَلَمِ الّذي يَنتَظِرُ هَذَا الطِّفلَ ومَنْ يَرتَبِطُ بِهِ، فَتَنبَّأَ قَائِلًا: ﴿هَا إِنَّهُ جُعِلَ آيةً مُعرَّضَةً للرّفض، وأَنتِ سيَنفَذُ سَيفٌ في نَفسِكِ﴾ (لوقا 34:2).



وفي أَثنَاءِ حَيَاتِهِ العَلَنِيَّة، حِينَ كَانَ يُبَشِّرُ ويُعلِّمُ ويَصنَعُ الخَيرَ، تَرَبَّصَتْ بِهِ زُمرَةٌ مِنَ الِّلئَامِ الحَاقِدين، تَرقُبُهُ بِنَظَراتِ الشَّرّ، ومُرَادُهم أَنْ: ﴿يَصْطَادُوهُ بِكَلِمَة﴾ (متّى 15:22)، لِيُوقِعُوهُ في شِرَاكِهِم، ويَقضُوا عَليِه! إلَى أن تَمكَّنُوا مِنهُ وحَاكَمُوهُ جَورًا وزُورًا، أَمَامَ الوَثنيِّ بِيلاطُس وقَدْ: ﴿كَانَ يَعلَمُ أَنَّهُم مِنْ حَسَدِهِم أَسلَمُوُه﴾ (متّى 18:27)، وقَتَلُوُهُ بأَبشَعِ مِيتَةٍ!



خِبرَةُ الْمسيحِ مَعِ الرَّفض، هي أَيضًا خِبرَةُ كَثيرٍ مِنَ الأَبرارِ والصَّالِحين، مَنْ يَتَّقُونَ الله، ويَصنَعونَ الخَير، ويُجانِبُونَ الشَّر. ومَع ذَلِكَ، تَراهُم لا يَأمَنُونَ حِقدَ النَّاسِ ومَكرَهُم، ولا يَسلَمونَ مِنْ مَكَائِدِهُم ونَمائِمِهم، خِفيَةً وعَلَنًا! لا تَنْدَهِشْ ولا تَستَغرِب، فَهَذِهِ أيضًا كَانَتْ خِبرةُ إرمِيَا نَبيِّ اللهِ البَار، الَّذي شَكَى أَمْرَهُ لِربِّهِ، وقَدْ ذَاقَ الوَيلَ مِنَ النَّاس، قَائِلًا: ﴿أَصْغِ أَنتَ يا رَبُّ إِلَيَّ. أَيُجازى الخَيرُ بِالشَّرّ؟ فَإِنَّهم حَفَروُا حُفرَةً لِنَفْسي. أُذْكُرْ أَنِّي وَقَفتُ أَمَامَكَ، لِأَتَكَلَّمَ مِنْ أَجلِهم بِالخَير﴾ (19:18-20). ثُمَّ أَردَفَ بِنَبرَةِ الْمَقهورِ، طَالِبًا العَدلَ الإلهيَّ فَقَال: ﴿وأَنتَ يا رَبِّ عَلِمتَ كُلَّ مُؤَامَرَتِهم علَيَّ. فَلا تَغْفِرْ إِثمَهم، وَلا تَمْحُ خَطيئَتَهم، ولْيَعثُروا أَمامَكَ، وعَامِلْهُم في أَوانِ غَضَبِكَ﴾ (22:18-23).



سَوَاءً اتَّفَقنَا مَع دُعَاءِ إرمِيا أَمْ لَم نَتَّفِق، إلَّا أَنَّني أَتَسَاءَل: أَلا يَخشَى فَاعِلُو السُّوءِ، ومُضْمِرُو النَّوايا الخَبيثَة، ومُنَاهِضُو الخَير، ومُقَاوِمُو الحَقِّ، ومُنَاصِرو الكَذبِ، عَدلَ اللهِ وحُكمَهُ؟! أَلا يَخشونَ سَاعةَ الدَّينونَة؟! أَلا يَخافُونَ الله، فَيَكُفُّونَ عَنِ الحَسَدِ والحِقدِ، والقِيلِ والقَال، ويَنْشَغِلونَ بِأَمرِ خَلاصِهِم؟! لِمَاذَا لا يَجعَلُونَ الْمَسيحَ لَهُم دَربَ سَلامَةٍ وخَلاص، ويُفَضِّلونَ جَعلَهُ حَجَرَ عَثرَةٍ ورَبَّ دَينونَة؟!



يا أَحِبَّة، إنْ كَانَ الْمَسيحُ حَجَرَ عَثرَة، فَكثيرونُ هُمْ حِجَارَةٌ صَمَّاء، قُسَاةُ قُلُوب، مُنْعَدِمو الضَّمَائِر، عَدِيمُو الإيمان، لا يَرتَدِعونَ ولا يَتُوبُون، وَسَيَبقَى شَرُّهُم مُلازِمًا لَهُم، يَفوحُ مِنهُم كَريهًا قَبِيحًا، مَهمَا تَعَطَّرُوا بِعِطرِ الرِّياءِ والنِّفَاق، إلى أَنْ يَزولَ ويَتَبَّد يومَ يَنزِلُ شَرُّهُ مَعَهُ إلى قَبرِه، ويُغلَقَ عَليِهِ في صَندوقِهِ الخَشَبي، لِينالَ وَحَدَهُ جَزاءَ أَعمَالِهِ وسُوءِ نَوَايَاه.
 
قديم 08 - 07 - 2024, 05:26 PM   رقم المشاركة : ( 165763 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,257,538

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


جبل بيت الرب



في الأصحاحات (2-4) ركز إشعياء أنظاره على أورشليم -جبل بيت الرب- مع أنه لم يفارقها لكن حنينه إليها وشوقه إلى تقديسها لا يقل عن ذات حنين أنبياء السبي الذين عاشوا بالجسد في بابل أما قلوبهم فتعلقت بمدينة الله التي أصابها الخراب.



1. مقدمة:

"اَلأُمُورُ الَّتِي رَآهَا إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ مِنْ جِهَةِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ:" [1].

كان قلب إشعياء مشغولًا بشعب الله (يهوذا) وبالمدينة المقدسة (أورشليم)، فقد امتلأ حزنًا على ما بلغ إليه الحال، رأى شعبًا ضربه الفساد، ومدينة تهدم هيكلها الروحي فأنتّ أحشاءه عليها.
أمام هذا الحب الخالص وهبه الله بصيرة وقدم له رؤى ونبوات لتعزيته وتعزية كل نفس جريحة من أجل البشرية، قدم له الله كلمته المحيية.
* جاء (الكلمة) إلى (هوشع وإشعياء وإرميا) فأنار الأنبياء بنور المعرفة، وجعلهم يرون أمورًا لم يفهموها في ذلك الحين.
العلامة أوريجين


2. جبل بيت الرب:

2 وَيَكُونُ فِي آخِرِ الأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ الرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتًا فِي رَأْسِ الْجِبَالِ، وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ التِّلاَلِ، وَتَجْرِي إِلَيْهِ كُلُّ الأُمَمِ. 3 وَتَسِيرُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَيَقُولُونَ: «هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ، إِلَى بَيْتِ إِلهِ يَعْقُوبَ، فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ». لأَنَّهُ مِنْ صِهْيَوْنَ تَخْرُجُ الشَّرِيعَةُ، وَمِنْ أُورُشَلِيمَ كَلِمَةُ الرَّبِّ. 4 فَيَقْضِي بَيْنَ الأُمَمِ وَيُنْصِفُ لِشُعُوبٍ كَثِيرِينَ، فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكًا وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفًا، وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ. 5 يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، هَلُمَّ فَنَسْلُكُ فِي نُورِ الرَّبِّ.

ماذا قدم الله لإشعياء الجريح النفس؟ حمله بالروح إلى ملء الزمان ليرى يهوذا الجديد -السيد المسيح- وأورشليم الجديدة حيث يُبنى هيكل الرب ويُقام ملكوت الله في القلب... يرى الجماعة المقدسة قادمة من كل الأمم والشعوب لتعبد الرب بالروح والحق في المسيح يسوع مخلص العالم، لذا قال: "يكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتًا في رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجري إليه كل الأمم" [2].
يرى البعض أن هذه النبوة اقتبسها إشعياء عن ميخا النبي (مي 4: 1-5)، أو ربما اقتبسها الاثنان عن مصدر سابق. لكن ما الذي يمنع الروح القدس من أن يهب ذات العطية -النبوة- للنبيين ولغيرهما إذ يجد فيهم القلب المخلص والملتهب نحو خلاص الإنسان وبنيانه، فيقدمها لإشعياء في أيام آحاز ولميخا في أيام حزقيا لتأكيد أن ما ينطق به الوحي لن يسقط.
سحب الرب قلب إشعياء إلى ملء الزمان ليرى السيد المسيح الذي يُقيم كنيسته عليه شخصيًا بكونه صخر الدهور، الجبل الذي رآه دانيال النبي المقطوع بغير أيدي الذي يملأ الأرض (دا 2: 34، 45)، الصخرة الحقيقية التي تفيض مياه الروح على شعبه (1 كو 10: 4) والتي لا تستطيع الحية أن تزحف عليه لتقترب إلى شعبه.
يقول القديس أغسطينوس: [الجبل كما تعلمنا الشهادة النبوية هي الرب نفسه].
* توجد أيضًا جبال غير معروفه لأنها قائمة في مواضع معينة في الأرض... أما هذا الجبل فغير ذلك إذ ملأ كل وجه الأرض، عنه قيل "يكون ثابتًا في رأس الجبال" إنه جبل قائم فوق قمم كل الجبال، "تجري إليه كل الأمم".
من يعجز عن إدراك ما هو هذا الجبل؟!
من هو هذا الذي يُحطم رأسه بمقاومة هذا الجبل؟!
من يجهل المدينة القائمة على الجبل؟!
لا تتعجبوا إن كانت هذه المدينة مجهولة بالنسبة للذين يكرهون الإخوة، إذ يسلكون في الظلمة ولا يعرفون إلى أين يذهبون، لأن الظلمة أعمت أعينهم. إنهم لا يرون الجبل.
أُريدكم ألا تتعجبوا، فإنهم بلا أعين؛ كيف؟ لأن الظلمة أعمتهم. برهن على ذلك؟ لأنهم يبغضون الإخوة!
القديس أغسطينوس


أسس الرب كنيسته حين ارتفع على جبل التجربة (مت 4: 8) ليهبها روح الغلبة والنصرة على قوات الظلمة؛ ذهب بنفسه إلى الجبل
وكما يقول القديس جيروم: [لم يصعد كمن هو مُلزم أو من هو أسير، إنما أُقتيد باشتياق إلى المعركة]
وأيضًا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ذهب الشيطان إلى الإنسان (آدم) ليجربه، لكن إذ لا يستطيع الشيطان أن يُهاجم المسيح ذهب المسيح إليه].
أسس أيضًا كنيسته على جبل التعليم (مت 5: 1) حيث قدم لشعبه وصيته سرّ حياة. وأيضًا على جبل تابور حيث أعلن بهاءه ودخل بكنيسته إلى السموات عينها (لو 9: 41)، وأخيرًا على جبل الجلجثة حيث تنعم بعريسها الذبيح مخلص البشرية بدمه الثمين. على هذا الجبل بسط الرب يديه على الصليب ليجتذب إليه الكل (يو 12: 32)، لهذا يكمل النبي قائلًا: "وتجري إليه كل الأمم وتسير شعوب كثيرة ويقولون: هلم نصعد إلى جبل الرب إلى بيت إله يعقوب فيعلمنا من طرقه ونسلك في سبله، لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب" [2-3].
معروف أن الشريعة صدرت من جبل سيناء للشعب اليهودي، لذا فهو يتحدث عن شريعة جديدة تصدر من أورشليم موجهة إلى المسكونة كلها.
* هذه الشريعة ليست ملكًا لأمة واحدة بل لكل الأمم، فإن شريعة الرب وكلمته لا تبقيان في صهيون وأورشليم بل تنتشران في كل المسكونة. لذلك يقول الشفيع نفسه لتلاميذه الخائفين: "هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لا بُد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير..." (لو 24: 44-47). هذا هو الطريق المسكوني لخلاص النفس الذي سبق أن أعلنه الملائكة والأنبياء القديسين...
* هناك (في أورشليم) أخبر التلاميذ: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 28: 19).
* يتعين أن يُعْطَى (الروح القدس) بعد قيامة المسيح في ذات المدينة التي تبدأ فيها الشريعة الجديدة -أي العهد الجديد- فإن الشريعة الأولى، التي تدعى العهد القديم أُعطيت على جبل سيناء خلال موسى، أما هذه فأعطيت بالمسيح كما سبق التنبؤ عنها "من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب".
القديس أغسطينوس
ويلاحظ في هذه الكنيسة المؤسسة على جبل الجلجثة والمُنطلقة من أورشليم تحمل قوة الروح القدس الآتي:
أ. كنيسة ثابتة، تقوم على جبل بيت الرب الثابت [2]، يدعوها الرسول بولس "جبل صهيون" قائلًا: "قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحيّ أورشليم السماوية وإلى ربوات هم محفل ملائكة وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات" (عب 12: 22-23). سرّ قوتها وثباتها هو الرب نفسه الذي يقدسها له ويرفعها إلى سمواته فتحمل سماته.
ب. عالية في رأس الجبال [2]؛ لقد صارت نور العالم، تجاهر بالحق علانية دون خوف (أع 16: 26). أعضاؤها قائمون بالجسد على الأرض أما قلوبهم وأفكارهم فمرتفعة كما فوق الجبال العالية تسبح في جو السماء.
وكما يقول العلامة أوريجانوس: [يكفي أنك لا تبقى على الأرض ولا تسكن الوديان ولا تبطئ في الأماكن المطمورة].
ج. جذابة للأمم والشعوب [2-3]: أبوابها مفتوحة للجميع، تحمل أمومة حب نحو كل البشرية مستمدة من حب عريسها الجامع لكل البشر.
د. عملها المستمر أن تصعد بالبشر [3]. بالحب تنزل إليهم دون أن تفقد قدسيتها أو طبيعتها السماوية لكي ترفع الكل بروح الله القدوس إلى أورشليم العليا فيمارسوا الحياة الجديدة السماوية في المسيح يسوع.
ه. رسالتها إعلان طريق الرب [3]، تحمل كلمته إلى كل نفس وتقدم وصيته ليعيشها كل مؤمن، فينعم بشريعة الحرية (غل 4: 26).
و. تعلن أحكام المسيح العادلة، حيث يخضع المؤمنون من كل الأمم لملكوته وسيادته، كسيادة روحية فريدة في نوعها.
ز. تهب سلامًا بين النفوس المقدسة له، إذ لا يرون لهم أعداء بشريين على كل وجه الخليقة. لهذا يقول: "فيطبعون سيوفهم سككًا ورماحهم مناحل؛ لا ترفع أمة على أمة سيفًا، ولا يتعلمون الحرب في ما بعد" [4]. المسيحي يمتلئ قلبه سلامًا حتى تجاه مقاوميه، فتتحول طاقاته الداخلية من الصراع إلى العمل البنَّاء، من أدوات حرب إلى أدوات إنتاج للرخاء.
كلمة الله تُحوّل الأرض سماءً، فيحل السلام السمائي في حياة البشر، وتُقام مملكة السلام أو ملكوت الله المفرح في داخلهم التي لا تستطيع عداوة الناس ولا قسوة الأحداث أن تهزها.
* خرج من أورشليم إلى العالم رجال هم اثنا عشر بالعدد؛ كانوا أميين ليس لهم قدرة على الكلام، لكنهم بقوة الله أعلنوا لكل جنس البشر أنهم مرسلون من المسيح ليعلموا الجميع حكمة الله. ونحن الذين كنا قبلا نُقاتل بعضنا البعض ليس فقط امتنعنا عن الحرب ضد أعدائنا بل وصرنا لا نكذب ولا نخدع الذين يفحصوننا (للمحاكمة) ونموت بإرادتنا معترفين بالمسيح.
الشهيد يوستين


ح. التمتع بالمسيح "نور الرب"، إذ سمع إشعياء النبي: "يا بيت يعقوب هلم نسلك في نور الرب" [5]. السيد المسيح الحاّل في كنيسته هو بهاء مجد الآب ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته (عب 1: 3)، هو شمس البر والشفاء في أجنحتها (ملا 4: 2). يشرق على كنيسته فتصير هي ذاتها نورًا للعالم، تقدم النور للجالسين في ظلمة الخطية، تُقدم مسيحها لكل أحد.
هذه الدعوة الموجهة لبيت يعقوب للسلوك في نور الرب هي دعوة لرفع برقع الحرف عن الناموس لكي يكتشف بيت يعقوب "المسيا" المختفي وراء الكلمات، تتمتع بكلمة الله لا كوصايا حرفية وإنما كشركة مع المسيح النور الحقيقي.
من هم بيت يعقوب؟ يُجيب الشهيد يوستين: [يليق بنا هنا أن نلاحظ وجود نسلين ليهوذا، يوجد نسلان، كما يوجد بيتان ليعقوب؛ واحد مولود من لحم ودم والآخر من الإيمان والروح].
3. علة رفض الله شعبه:

6 فَإِنَّكَ رَفَضْتَ شَعْبَكَ بَيْتَ يَعْقُوبَ لأَنَّهُمُ امْتَلأُوا مِنَ الْمَشْرِقِ، وَهُمْ عَائِفُونَ كَالْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَيُصَافِحُونَ أَوْلاَدَ الأَجَانِبِ. 7 وَامْتَلأَتْ أَرْضُهُمْ فِضَّةً وَذَهَبًا وَلاَ نِهَايَةَ لِكُنُوزِهِمْ، وَامْتَلأَتْ أَرْضُهُمْ خَيْلًا وَلاَ نِهَايَةَ لِمَرْكَبَاتِهِمْ. 8 وَامْتَلأَتْ أَرْضُهُمْ أَوْثَانًا. يَسْجُدُونَ لِعَمَلِ أَيْدِيهِمْ لِمَا صَنَعَتْهُ أَصَابِعُهُمْ. 9 وَيَنْخَفِضُ الإِنْسَانُ، وَيَنْطَرِحُ الرَّجُلُ، فَلاَ تَغْفِرْ لَهُمْ.

يُقارن النبي بين تصرفات شعبه المعاصرين له وتصرفات الأمم في المستقبل حيث يقبلون الإيمان بالله المخلص ويدخلون ملكوت السلام وينعمون ببركات فائقة بسكناهم في جبل بيت الرب.
رفض بيت يعقوب الله عمليًا بالرغم من اهتمامه الشديد بحرفية العبادة لذا رفضه الله، وكان ذلك رمزًا لرفض اليهود لشخص السيد المسيح تحت ستار دفاعهم عن الحق وغيرتهم على شريعة موسى.
قدم الله أربعة أسباب لرفض الشعب، وهي: التشبه بالغرباء، حبهم لغنى العالم، اتكالهم على إمكانياتهم العسكرية، قبولهم العبادة الوثنية.
أ. التشبه بالغرباء: "امتلأوا من المشرق" [6].
لقد أفرزهم الله لنفسه ليمتلئوا من روحه ويحملوا حكمته السماوية ويكونوا شهود حق وخميرة مقدسة للعالم، لكنهم فتحوا أبوابهم للغرباء خاصة بني المشرق، يتعلمون منهم السحر والعبادة الوثنية والرجاسات عوض الشهادة أمامهم بعمل الله فيهم. من أجل المكسب المادي والانغماس في الرجاسات شجعوا الوثنيين على الإقامة في وسطهم، واختلطوا بهم (هو 7: 8)، وخانوا العهد الإلهي.
يقول أيضًا: "وهم عائفون كالفلسطينيين" [6]. عوض الرجوع إلى الله في كل أمورهم تشبهوا بالفلسطينيين في ذلك الوقت مُلتجئين إلى العيافة والعرافة، مخالفين الوصية الإلهية (لا 19: 26).
ب. انشغالهم بغنى العالم والماديات:
"امتلأت أرضهم فضة وذهبًا ولا نهاية لكنوزهم". امتلأت قلوبهم بمحبة المال، فحسبوه قادرًا على إشباعهم، واحتل موضع الله في فكرهم وأحاسيسهم.
ج. اتكالهم على إمكانياتهم العسكرية:
"امتلأت أرضهم خيلًا ولا نهاية لمركباتهم" [7]. اتكلوا على الخيل والمركبات عوض الإيمان والرجوع إلى الله.
د. قبولهم العبادة الوثنية [8].
هذه هي الأسباب التي من أجلها رفض الله شعبه، أما ثمرة ذلك فهو الانحدار المستمر عوض النمو والصعود [9]. انهيار في كل جوانب الحياة عوض التقديس بالتمام بالرب الصاعد إلى السموات.


4. بطلان الذراع البشري:

10 اُدْخُلْ إِلَى الصَّخْرَةِ وَاخْتَبِئْ فِي التُّرَابِ مِنْ أَمَامِ هَيْبَةِ الرَّبِّ وَمِنْ بَهَاءِ عَظَمَتِهِ. 11 تُوضَعُ عَيْنَا تَشَامُخِ الإِنْسَانِ، وَتُخْفَضُ رِفْعَةُ النَّاسِ، وَيَسْمُو الرَّبُّ وَحْدَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. 12 فَإِنَّ لِرَبِّ الْجُنُودِ يَوْمًا عَلَى كُلِّ مُتَعَظِّمٍ وَعَال، وَعَلَى كُلِّ مُرْتَفِعٍ فَيُوضَعُ، 13 وَعَلَى كُلِّ أَرْزِ لُبْنَانَ الْعَالِي الْمُرْتَفِعِ، وَعَلَى كُلِّ بَلُّوطِ بَاشَانَ، 14 وَعَلَى كُلِّ الْجِبَالِ الْعَالِيَةِ، وَعَلَى كُلِّ التِّلاَلِ الْمُرْتَفِعَةِ، 15 وَعَلَى كُلِّ بُرْجٍ عَال، وَعَلَى كُلِّ سُورٍ مَنِيعٍ، 16 وَعَلَى كُلِّ سُفُنِ تَرْشِيشَ، وَعَلَى كُلِّ الأَعْلاَمِ الْبَهِجَةِ. 17 فَيُخْفَضُ تَشَامُخُ الإِنْسَانِ، وَتُوضَعُ رِفْعَةُ النَّاسِ، وَيَسْمُو الرَّبُّ وَحْدَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ. 18 وَتَزُولُ الأَوْثَانُ بِتَمَامِهَا. 19 وَيَدْخُلُونَ فِي مَغَايِرِ الصُّخُورِ، وَفِي حَفَائِرِ التُّرَابِ مِنْ أَمَامِ هَيْبَةِ الرَّبِّ، وَمِنْ بَهَاءِ عَظَمَتِهِ، عِنْدَ قِيَامِهِ لِيَرْعَبَ الأَرْضَ. 20 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَطْرَحُ الإِنْسَانُ أَوْثَانَهُ الْفِضِّيَّةَ وَأَوْثَانَهُ الذَّهَبِيَّةَ، الَّتِي عَمِلُوهَا لَهُ لِلسُّجُودِ، لِلْجُرْذَانِ وَالْخَفَافِيشِ، 21 لِيَدْخُلَ فِي نُقَرِ الصُّخُورِ وَفِي شُقُوقِ الْمَعَاقِلِ، مِنْ أَمَامِ هَيْبَةِ الرَّبِّ وَمِنْ بَهَاءِ عَظَمَتِهِ عِنْدَ قِيَامِهِ لِيَرْعَبَ الأَرْضَ. 22 كُفُّوا عَنِ الإِنْسَانِ الَّذِي فِي أَنْفِهِ نَسَمَةٌ، لأَنَّهُ مَاذَا يُحْسَبُ؟

إن كان الله قد رفض شعبه فلأن شعبه مُصرّ على رفض الله بكل وسيلة، لكن الله يبقى في حبه مترفقًا بهم وبكل البشرية معلنًا خلاصه للإنسان.
إذ تعاظم الإنسان جدًا في عيني نفسه وتضخمت الأنا، يعلن الرب بهاءه فيتصاغر الإنسان ويطلب الخلاص. يدخل كما في صخرة ويختبئ في التراب أمام هيبة الرب ومن بهاء عظمته [10]. عندما ظهر الله لإبراهيم أدرك أب الآباء أنه تراب ورماد، وعندما رأى موسى مجد الرب ارتعب وارتعد، وهكذا التصقت نفس أيوب في التراب. ليس شيء يُحطم كبرياء الإنسان مثل ملاقاته مع الله. يتحطم الكبرياء ولا تتحطم نفسه بل تُشفي وتمتلئ رجاء في الرب.
ما هي الصخرة التي نختفي فيها أمام العظمة الإلهية إلاَّ السيد المسيح، إذ فيه نجد لأنفسنا ملجأ أمام العدل الإلهي. لذلك عندما اشتهي موسى النبي أن يرى المجد الإلهي قيل له: "لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش... هوذا عندي مكان فتقف على الصخرة (المسيح صخرتنا) ويكون متى اجتاز مجدي إني أضعك في نقرة من الصخرة (الاتحاد مع المسيح) وأسترك بيدي حتى أجتاز" (خر 33: 20-21).
مادمنا نتكئ على مسيحنا الصخرة الحقيقية ونثبت فيه ونوجد كما في نقرة داخله نرى بهاء المجد الإلهي، أما إن اتكلنا على أنفسنا أو على الذراع البشري فإننا نهلك ونحرم من معاينة الله .
يُشبه النبي تشامخ الإنسان بالآتي:
أ. "أرز لبنان العالي المرتفع وكل بلوط باشان" [13] تُشير إلى الاتكال على غنى موارد الطبيعة، كما تُشير إلى الملوك والقادة المتعجرفين مثل رَبْشاقي.
ب. "الجبال والتلال الشامخة" [14]، تُشير إلى الصلابة والجمود، وربما تعني أيضًا الممالك الكبرى والممالك الصغرى التي قانونها الكبرياء مع العنف.
ج. "الأبراج العالية والأسوار المنيعة" [15]، تُشير إلى الاتكال على أعمال البر الذاتي، فالإنسان قادر أن يرتفع إلى فوق يُحصِّن ذاته ضد كل عدو؛ لعلها تُشير إلى المدن الحصينة.
د. "سفن ترشيش والزينات والأعلام المبهجة" [16]، تُشير إلى الانهماك بالتجارة والمال مع الترف والغنى على حساب الاهتمام بالنفس.


التشبيهات السابقة كلها تدور حول اعتداد الإنسان بذاته وبإمكانيات الطبيعة ومواردها مع تقدمه المستمر حاسبًا أنه قادر بنفسه على خلق جو من الشبع والفرح والسلام مع آمان واستقرار في العالم متجاهلًا الذراع الإلهي. لهذا فهو محتاج أن يتجلى الرب له ليكشف له عن زوال كل هذه الأمور خاصة في يوم الرب العظيم.
ارتبط الكبرياء بالعبادة الوثنية، لهذا يؤكد النبي أنه عندما يكتشف الإنسان عَجْز الأوثان، يلقي بها أمام الْجُرْذَانِ وَالْخَفَافِيشِ [20] مستخفًا بها، عوض أن يأخذها معه في أسفاره لمساندته. عوض تكريمها في أماكن للعبادة يلقى بها في أماكن ظلمة مهجورة تلهو بها الفئران والخفافيش.
أخيرًا يدرك الإنسان خطأ الاتكال على الذراع البشري، فيقول النبي: "كفوا عن الإنسان الذي في أنفه نسمة، لأنه ماذا يُحسب؟!" [22]. ليصمت كل إنسان مهما بلغت عظمته أو قدرته أو غناه، فإنه تخرج نسمة حياته فلا يكون بعد في العالم. تخرج روحه فيعود إلى التراب (مز 104: 29).




مجاعة مُهْلِكَة


خلق الله العالم بكل إمكانياته المدركة وغير المدركة من أجل سلام الإنسان وسعادته، حتى يفرح كل بشر بالله محبوبه، متكأ عليه، مشتاقًا أن ينعم بشركة حب أعمق. أما وقد انشغل الإنسان بالعطية لا العاطي استند على "كل سند خبز وكل سند ماء" [1]. صار الإنسان يفتخر بغناه وقدراته وكثرة خبراته وجماله عوض افتخاره بالرب واتكاله عليه. لهذا ينتزع الله العطايا ويحرم الإنسان من البركات الزمنية، لا للانتقام منه ولا لإذلاله أو حرمانه وإنما لكي يرجع بقلبه إلى الله مصدر حياته وشبعه وسلامه وفرحه ومجده فينال في هذا العالم أضعافًا وفي العالم الآتي حياة أبدية؛ ينال الله نفسه نصيبًا له وميراثًا!

هنا يُهدد النبي بحدوث مجاعة وحرمان وتحطيم للاثني عشر عمودًا التي تتكئ عليها الجماعة [للخبز والماء، الجبابرة (القادرين) ورجال الحرب، القضاة، الأنبياء، العرافين، الشيوخ، رؤساء الخمسين، المعتبرين، المُشيرين الماهرين بين الصناع، الحاذقين بالرقي]. لقد أنتزع الرب الموارد الطبيعية خلال المجاعة والطاقات البشرية خلال السبي حتى يرجعوا إليه.




1. انتزاع سند الخبز وسند الماء:

"فَإِنَّهُ هُوَذَا السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ يَنْزِعُ مِنْ أُورُشَلِيمَ وَمِنْ يَهُوذَا السَّنَدَ وَالرُّكْنَ، كُلَّ سَنَدِ خُبْزٍ، وَكُلَّ سَنَدِ مَاءٍ." [1].

حين يسمح الله لأورشليم ولبني يهوذا، شعبه العروس، أن تصير في عوز إلى الخبز والماء إنما يُحطم السند والركن لعلها تعود فتفكر في الاتكاء على حبيبها (نش 8: 5) لتجد فيه شبعها وارتواءها.
لقد انتزع الله من شعبه رائحة اللحم والكُرَّات والبصل بإخراجهم من مصر لكنه وهبهم المن السماوي في البرية وسار بهم إلى أرض تفيض عسلًا ولبنًا؛ حرمهم من مياه الترع ليُقدم لهم الصخرة التي تتبعهم تفيض ماءً، وكانت الصخرة هي المسيح (1 كو 10: 4). الله يحرمنا من السند الزمني ليصير هو سندنا وخبزنا السماوي والينبوع الحيّ الذي يروي نفوسنا بكل طاقاتها.
هنا يُهدد النبي بحدوث مجاعة كثمرة للعصيان (لا 26، تث 28)، وقد تحقق ذلك في التاريخ عند خراب السامرة وأورشليم.
ما هو أخطر، حدوث جوع لكلمة الله كما جاء في عاموس النبي: "هوذا أيام تأتي بقول السيد الرب أرسل جوعًا في الأرض لا جوعًا للخبز ولا عطشًا للماء بل لاستماع كلمات الرب" (عا 8: 11).
* (كلمة الله) طعام للنفس، وحليها، وأمانها، ففي عدم الاستماع لها مجاعة وحرمان!
القديس يوحنا الذهبي الفم


2. انتزاع القيادات الناضجة:

2 الْجَبَّارَ وَرَجُلَ الْحَرْبِ. الْقَاضِيَ وَالنَّبِيَّ وَالْعَرَّافَ وَالشَّيْخَ. 3 رَئِيسَ الْخَمْسِينَ وَالْمُعْتَبَرَ وَالْمُشِيرَ، وَالْمَاهِرَ بَيْنَ الصُّنَّاعِ، وَالْحَاذِقَ بِالرُّقْيَةِ. 4 وَأَجْعَلُ صُبْيَانًا رُؤَسَاءَ لَهُمْ، وَأَطْفَالًا تَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ. 5 وَيَظْلِمُ الشَّعْبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَالرَّجُلُ صَاحِبَهُ. يَتَمَرَّدُ الصَّبِيُّ عَلَى الشَّيْخِ، وَالدَّنِيءُ عَلَى الشَّرِيفِ. 6 إِذَا أَمْسَكَ إِنْسَانٌ بِأَخِيهِ فِي بَيْتِ أَبِيهِ قَائِلًا: «لَكَ ثَوْبٌ فَتَكُونُ لَنَا رَئِيسًا، وَهذَا الْخَرَابُ تَحْتَ يَدِكَ» 7 يَرْفَعُ صَوْتَهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قَائِلًا: «لاَ أَكُونُ عَاصِبًا وَفِي بَيْتِي لاَ خُبْزَ وَلاَ ثَوْبَ. لاَ تَجْعَلُونِي رَئِيسَ الشَّعْبِ». 8 لأَنَّ أُورُشَلِيمَ عَثَرَتْ، وَيَهُوذَا سَقَطَتْ، لأَنَّ لِسَانَهُمَا وَأَفْعَالَهُمَا ضِدَّ الرَّبِّ لإِغَاظَةِ عَيْنَيْ مَجْدِهِ. 9 نَظَرُ وُجُوهِهِمْ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ، وَهُمْ يُخْبِرُونَ بِخَطِيَّتِهِمْ كَسَدُومَ. لاَ يُخْفُونَهَا. وَيْلٌ لِنُفُوسِهِمْ لأَنَّهُمْ يَصْنَعُونَ لأَنْفُسِهِمْ شَرًّا. 10 قُولُوا لِلصِّدِّيقِ خَيْرٌ! لأَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ ثَمَرَ أَفْعَالِهِمْ. 11 وَيْلٌ لِلشِّرِّيرِ. شَرٌّ! لأَنَّ مُجَازَاةَ يَدَيْهِ تُعْمَلُ بِهِ. 12 شَعْبِي ظَالِمُوهُ أَوْلاَدٌ، وَنِسَاءٌ يَتَسَلَّطْنَ عَلَيْهِ. يَا شَعْبِي، مُرْشِدُوكَ مُضِلُّونَ، وَيَبْلَعُونَ طَرِيقَ مَسَالِكِكَ. 13 قَدِ انْتَصَبَ الرَّبُّ لِلْمُخَاصَمَةِ، وَهُوَ قَائِمٌ لِدَيْنُونَةِ الشُّعُوبِ. 14 اَلرَّبُّ يَدْخُلُ فِي الْمُحَاكَمَةِ مَعَ شُيُوخِ شَعْبِهِ وَرُؤَسَائِهِمْ: «وَأَنْتُمْ قَدْ أَكَلْتُمُ الْكَرْمَ. سَلَبُ الْبَائِسِ فِي بُيُوتِكُمْ. 15 مَا لَكُمْ تَسْحَقُونَ شَعْبِي، وَتَطْحَنُونَ وُجُوهَ الْبَائِسِينَ؟ يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ».

أقام الله لشعبه قيادات ناضجة قادرة على العمل مثل موسى العظيم في الأنبياء وداود الملك البار ودبورة النبية والقاضية إلخ... لكن الشعب انحرف مع قياداته العسكرية والقضائية والمدنية والروحية. اتكلوا على الذراع البشري بقدراته وفكره وظنوا أنهم ينجحون ويتقدمون بالرغم مما حلَّ بهم وبقياداتهم من فساد. لهذا انتزع الله منهم القيادات الناضجة الحكيمة ليتركهم يقيموا لأنفسهم قيادات ضعيفة وعاجزة، فيدركوا حاجتهم إلى العون الإلهي حتى في التمتع بقيادات حيّة وقوية.
"(ينزع) الجبار (القدير) ورجل الحرب؛ القاضي والنبي والعرّاف (المتدبر) والشيخ، رئيس الخمسين والمعتبر والمُشير والماهر بين الصناع والحاذق بالرقية (الحاذق في الخطابة)" [2-3].
ربما قصد بانتزاعهم ليس طردهم ولا موتهم وإنما تجريدهم مما وهبهم من قدرات وإمكانيات، فيضعف الجبابرة وينهار رجال الحرب أما العدو ويفقد القضاة الحكمة وتفسد بصيرة الأنبياء الكذبة إلخ... بهذا يجني الشعب ثمرة اتكاله على الذراع البشري، إذ يجد نفسه منهارًا في الداخل والخارج.
هذا ما يحل بالإنسان الرافض لعمل الله فيه؛ تُنزع النعمة الإلهية (القدير) عنه؛ ويُحرم من الشركة مع السمائيين (رجال الحرب الروحيين) ليجد نفسه بلا عون إلهي ولا سند سماوي؛ ويفقد مواهب الروح من حكمة (القاضي) وتمييز (النبي)، ولا يستطيع أن يأخذ قرارًا (انتزاع المتدبر والشيخ)؛ ويشعر بالفشل حتى في عمله الزمني (انتزاع الماهر في الصناعة)؛ ويعجز حتى عن الكلام (انتزاع الحاذق في الخطابة). بمعنى آخر يفقد الإنسان حياته وقدراته حتى الطبيعية ليعيش في فراغ داخلي وفساد وفشل بالرغم مما يحمله من مظاهر القوة والحكمة والغنى والنجاح.
والآن إذ ينتزع الله القيادات الناضجة ويفقد الإنسان نعمة الله، ماذا يحدث؟
أ. "وأجعل صبيانًا رؤساء لهم وأطفالًا تتسلط عليهم" [4]. حين ملك رحبعام بن سليمان قَبِل مشورة الأحداث المتسرِّعة العنيفة والمتطرفة ورفض مشورة الشيوخ الحكيمة المتزنة والمملوءة حبًا وترفقًا (1 مل 12)، فانقسم الشعب وحلت الحروب الداخلية بين الأسباط، وسادت العداوة عوض الحب والوحدة.
الله محب للشباب، يسندهم ويطلب نموهم المستمر، لكن ما عَنَاه هنا بالصبيان والأطفال هو عدم النضوج الروحي والفكري. لقد كان يوحنا المعمدان جنينًا ناضجًا روحيًا، شهد للسيد المسيح وهو بعد في أحشاء البتول مريم، بينما كان كثير من الكتبة والفريسيين والصدوقيين والكهنة ناضجين من جهة السن دون الروح، فكانوا يسلكون كصبيان، يطلبون قتل السيد المسيح والتخلص منه. هكذا نرى في تاريخ شعب الله منذ نشأته حتى اليوم كثير من الشباب قادة ناضجين بينما نجد رجالًا وشيوخًا سلكوا بروح الطفولة غير الناضجة. لذا يوصى الرسول جميع المؤمنين: "كونوا رجالًا" (1 كو 16: 13)، بمعنى النضوج والقوة الروحية، إذ يليق بكل المؤمنين: رجالًا ونساءً وأطفالًا وشيوخًا وشبابًا أن يكونوا من جهة الروح رجالًا ناضجين.
يُعلق العلامة أوريجانوس على إحصاء الشعب الوارد في عدد 1 إذ شمل الرجال دون الأطفال أو النساء قائلًا: [يُعلمني النص الحالي أنه إذا اجتذت سذاجة الطفولة، أي توقفتُ عن أن يكون لي أفكار الطفولة، إذ "لما صرت رجلًا أبطلت ما للطفل" (1 كو 13: 11)، أقول قد صرت شابًا قادرًا على الغلبة على الشرير (1 يو 2: 13)، فظهرت كمستحق أن أكون بين الذين قيل عنهم إنهم يسيرون في قوة... وأُحسب أهلًا للتعداد الإلهي. لكن إن كان لأحد منا أفكارًا جسدانية متأرجحة... فلا يستحق أن يُحصى أمام الله
في سفر العدد الطاهر والمقدس].


ربما يُشير إشعياء النبي إلى منسى الذي تولى الحكم وهو في سن الثانية عشرة عندما مات والده حزقيا.
ب. "ويظلم الشعب بعضهم بعضًا والرجل صاحبه، يتمرد الصبي على الشيخ والدنيء على الشريف" [5]. علامة فقدان القيادات السليمة الناضجة اختلال الموازين فيسود قانون الظلم ويحل روح الفوضى في حياة الجماعة كما في داخل الإنسان. إذ لا توجد قيادة صادقة ومخلصة يطلب كل إنسان ما لِذاته على حساب الغير، ويحسب كل واحد أنه أحكم وأفضل من غيره.
أقول حينما يفقد الإنسان قيادة الروح القدس يحل في داخله قانون الأنانية والظلم والتمرد، فيدخل في صراعات بلا حصر بين النفس والجسد وبين العقل والعاطفة والحواس، ويتمرد الجسد على النفس ليمتطى حياة الإنسان بكُلّيته ويقودها في شهوات جسدية مع خنوع وإذلال للملذات الزمنية.
ج. الدخول في حالة يأس شديد، خلالها يرفض أي إنسان استلام مسئولية، فيمسك كل إنسان بأخيه ويقول له: "لك ثوب" علامة قبوله رئيسًا، لأن تسليم الثوب للغير هو رمز لتسليم الإنسان جسده تحت قيادة الغير. لكن بسبب ما حلّ بالبلد من خراب مع عجز الجميع عن التصرف يقول كل واحد: "لا تجعلوني رئيس شعب" [7]، معللًا ذلك بقوله: "لا أكون عاصبًا (اضمد الجراحات) وفي بيتي لا خبز ولا ثوب" [7]. هكذا صار الكل في جوع وعري، فمن يقبل الرئاسة؟ من يقدر أن يضمد جراحات شعب كهذا بينما هو نفسه لا يجد طعامًا أو ملبسًا؟ هذا ثمر طبيعي لمن يطلب مخلصًا بشريًا يظن أنه قادر على إنقاذه وقيادة حياته دون الالتجاء إلى المخلص الإلهي الفريد. يقول المرتل: "لا تتكلوا على الرؤساء ولا على بني آدم حيث لا خلاص عنده" (مز 146: 3).
د. فقدان الحياء ومخافة الله، إذ صار لهم الوجه المكشوف الذي لا يخجل من ارتكاب الشر: "يُخبرون بخطيتهم كسدوم، ولا يخفونها" [9]. بلغت الخطورة أن أورشليم انحدرت في عثرات متكررة لا عن ضعف أو جهل وإنما عن عمد لإغاظة الرب [9]. ترتكب الشرور بالقول والفعل بلا خجل أو حياء. هذه هي صورة العالم في العصر الحديث إذ يشعر كثير من الشباب أن ما يمارسه من انحرافات في كل صورها هو حق طبيعي للإنسان.
يقول: "نظر وجوههم يشهد عليهم" [9]، فإن مجرد التطلع إلى وجوههم يكشف عن بصمات الخطية وحرمانهم من عمل النعمة عنهم، وكما يقول الكتاب: "أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس" (1 يو 3: 10).
إن كان الأشرار ظاهرين وقد صاروا أغلبية لكنه توجد قلة مقدسة للرب، لن يتجاهلها الله، لا تضيع ولا يصيبها ضررًا، لذا يقول النبي: "قولوا للصديق خير، لأنهم يأكلون ثمر أفعالهم" [10]. في وسط الضيق الشديد يحفظ الرب صديقيه، ويحوّل كل الأمور التي تحل بهم إلى خيرهم ومجدهم. لقد عانى يوسف الصديق الكثير، وكانت أتعابه هي بعينها طريق مجده؛ فنراه يقول لإخوته: "أنتم قصدتم لي شرًا، أما الله فقصد بي خيرًا" (تك 50: 20).
الله لا يُهلك البار مع الأثيم (تك 16: 25)، إنما يحفظ أبراره وقت التجربة، يخفيهم في مظلته في يوم الشر ويسترهم بستر خيمته (مز 27: 5)، يعرفهم إذ نقشهم على كفه (إش 49: 16).
يُعلق القديس يوستينعلى قول النبي: "ويل لنفوسهم لأنهم يصنعون لأنفسهم شرًا، قولوا للصديق خير، لأنهم يأكلون ثمر أفعالهم" [9-10]: [حقًا إن يدكم مرتفعة لارتكاب الشر لأنكم قتلتم المسيح ولا تتوبون، إنما لا تزالوا تكرهون وتقتلون من يؤمنون به في الله أب الكل قدر ما تستطيعون، وتلعنوننا دون سبب، وتفعلون هكذا مع الذين يقفون في صفنا. أما نحن فجميعنا نُصلي لأجلكم ولأجل كل البشر كما علمنا مسيحنا رب الكل عندما أمرنا أن نُصلي حتى من أجل أعدائنا وأن نحب مبغضينا ونبارك لأعنينا]
ويقول القديس كيرلس الأورشليمي: [قيدوا يسوع وجاءوا به إلى قاعة رئيس الكهنة. أتُريد أن تعرف أن هذا أيضًا قد كُتب عنه ونُطق به؟ يقول إشعياء: "ويل لنفوسهم لأنهم يصنعون لأنفسهم شرًا قائلين: لنُقيد البار فإنه مسبب متاعب لنا"].
لقد ظنوا أنهم يصنعون بالبار شرًا لكنهم كانوا يصنعون ذلك لأنفسهم فيجنون ثمر عملهم لا كعقوبة إلهية للانتقام وإنما كثمر طبيعي لتصرفاتهم وحياتهم. "ويل للشرير شر، لأن مجازاة يديه تعمل به" [11]. "ما يزرعه الإنسان إياه يحصد" (2 كو 9: 6).


ه. حب السلطة لا رعاية الحب: الرؤساء الحقيقيون أشبه بآباء يحتضنون الكل أبناء لهم، يقدمون حياتهم مبذولة من أجل الشعب، لكن متى اُنتزعت نعمة الله يتحول الرؤساء - حتى الدينيون - إلى متسلطين، لا همّ لهم سوى الدفاع عن مراكزهم وسلطانهم بتبريرات متنوعة تحت ستار الدفاع عن الحق وهيبة المراكز القيادية والقدرة على بتر الشر. هؤلاء يتحولون من آباء باذلين إلى أطفال صغار تسيطر عليهم "الأنا"، أو إلى ما هو أشبه بنساء (رمز للضعف الجسماني) يطلبون السيطرة، إذ يقول: "شعبي ظالموه أولاد، ونساء يتسلطن عليه. يا شعبي مرشدوك مضلون ويبلعون طريق مسالكك" [12].
يرى بعض الدارسين أن هذا تحقق حرفيًا إذ تسلم بعض الصبيان الملك في يهوذا وقامت بعض النساء بأدوار خطيرة في تدبير الأمور. أما من الجانب الرمزي فالمرشدون هنا خاصة الكهنة والأنبياء تسلط عليهم روح التهور وحب السيطرة، فانحرفوا عن الحب الحقيقي والرعاية الأمينة. هؤلاء في نفاقهم يقولون للشرير أنت صِدّيق (أم 24: 24). وكما يقول الحكيم: "صار موضع الحق هناك الظلم، وموضع العدل هناك الجور" (جا 3: 16).
وسط هذا الفساد خاصة من جانب القيادات يتدخل الله من أجل البسطاء في شعبه، فينتصب لمحاكمتهم بكونهم الكرامين الذين أكلوا الكرم عوض الاهتمام به، موبخًا إياهم هكذا: "ويل لرعاة إسرائيل الذين كانوا يرعون أنفسهم؛ ألا يرعى الرعاة الغنم؟! تأكلون الشحم وتلبسون الصوف وتذبحون السمين ولا ترعون الغنم" (حز 34: 2-3). يسلبون حقوق البائسين كما سلبت إيزابل حقل نابوت اليرزعيلي (1 مل 21)؛ يسحقون الشعب ويطحنون وجوه البائسين [15].
3. انتزاع إمكانيات الترف مع التشامخ:

16 وَقَالَ الرَّبُّ: «مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ يَتَشَامَخْنَ، وَيَمْشِينَ مَمْدُودَاتِ الأَعْنَاقِ، وَغَامِزَاتٍ بِعُيُونِهِنَّ، وَخَاطِرَاتٍ فِي مَشْيِهِنَّ، وَيُخَشْخِشْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ، 17 يُصْلِعُ السَّيِّدُ هَامَةَ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ، وَيُعَرِّي الرَّبُّ عَوْرَتَهُنَّ. 18 يَنْزِعُ السَّيِّدُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ زِينَةَ الْخَلاَخِيلِ وَالضَّفَائِرِ وَالأَهِلَّةِ، 19 وَالْحَلَقِ وَالأَسَاوِرِ وَالْبَرَاقِعِ 20 وَالْعَصَائِبِ وَالسَّلاَسِلِ وَالْمَنَاطِقِ وَحَنَاجِرِ الشَّمَّامَاتِ وَالأَحْرَازِ، 21 وَالْخَوَاتِمِ وَخَزَائِمِ الأَنْفِ، 22 وَالثِّيَابِ الْمُزَخْرَفَةِ وَالْعُطْفِ وَالأَرْدِيَةِ وَالأَكْيَاسِ، 23 وَالْمَرَائِي وَالْقُمْصَانِ وَالْعَمَائِمِ وَالأُزُرِ. 24 فَيَكُونُ عِوَضَ الطِّيبِ عُفُونَةٌ، وَعِوَضَ الْمِنْطَقَةِ حَبْلٌ، وَعِوَضَ الْجَدَائِلِ قَرْعَةٌ، وَعِوَضَ الدِّيبَاجِ زُنَّارُ مِسْحٍ، وَعِوَضَ الْجَمَالِ كَيٌّ! 25 رِجَالُكِ يَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ، وَأَبْطَالُكِ فِي الْحَرْبِ. 26 فَتَئِنُّ وَتَنُوحُ أَبْوَابُهَا، وَهِيَ فَارِغَةً تَجْلِسُ عَلَى الأَرْضِ.

بعد الحديث عن محاكمة القيادات الفاسدة بدأ الحديث عن بنات صهيون المتشامخات، لعلهن كن وراء فساد هذه القيادات. فقد نسيت بنات صهيون انتسابهن لصهيون وللرب وسلكن كالوثنيات في عجرفة مع ترف ولهو.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لم توجه هذه الكلمات إليهن وحدهن وإنما هي موجهة إلى كل امرأة تتشبه بهن. يقف بولس أيضًا كمتهم فيقول لتيموثاوس ألا تكون زينة النساء "بضفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثمن" (1 تي 2: 9). فإن لبس الذهب ضار في كل موضع خاصة عندما تدخل (المرأة) الكنيسة وتجتاز أمام الفقير. أتريد أن تكوني موضع اتهام؟ احملي مظهر القسوة وعدم الإنسانية].


يرى القديس يوحنا الذهبي الفمأن حياتنا هي وقت للجهاد الروحي لا للترف في الملبس والتشامخ في المشي. يليق بنا الآن أن نجاهد كما فمعركة روحية فلا نهتم بالمظاهر الخارجية إنما بنوال النصرة والغلبة فسيأتي حتمًا وقت المجد العلني.
مرة أخرى يُطلبنا ذات القديس أن نركز أنظارنا على مسيحنا فنهتم بالزينة الداخلية اللائقة به ولا نطلب الأمور الظاهرة. [لك المسيح عريسك أيتها العذراء، فلماذا تطلبين أن تجتذبي محبوبين بشريين؟!].
يُقدم لنا النبي بعض ملامح الخلاعة التي اتسمت بها بنات صهيون:
أ. التشامخ: "وقال الرب من أجل أن بنات صهيون يتشامخن ويمشين ممدودات الأعناق..." [16]. لقد سيطر الكبرياء عليهن فصرن متشامخات، يمشين ممدودات الأعناق بعد أن نسين آباءهن وأمهاتهن الذين انحنت أعناقهن تحت نير العبودية في مصر.
"قبل الكسر الكبرياء، وقبل السقوط تشامخ الروح، تواضع الروح مع الودعاء خير من قسم الغنيمة مع المتكبرين" (أم 16: 18-19).
ب. الغمز بالعيون [6]: انشغلن باصطياد قلوب الرجال وأسرها كثمرة طبيعية لفراغ القلب الداخلي، فنصبن بعيونهن شباكًا للموت، إذ يقول الحكيم: "فوجدت أمرّ من الموت المرأة التي هي شباك وقلبها أشراك ويداها قيود، الصالح قدام الله ينجو منها" (جا 7: 26).
وجاءت كلمة "غامزات" في الأصل بمعنى يُجمّلن عيونهن بمسحوق أسود، إذ كان الشرقيون مغرمين بالعيون الواسعة المحاطة بدائرة سوداء.
ج. الخلاعة في المشي: "خاطرات في مشيهن، يخشخشن بأرجلهن" [16]، دلالة على فساد القلب الداخلي. يمشين في عجب وخيلاء ويضعن "خلاخيل" في أرجلهن أو أجراسًا في أحذيتهن للفت النظر إليهن.
ماذا يفعل الرب بهؤلاء البنات المتعجرفات السالكات في لهو وترف؟


أ. "يُصلّع الرب هامة بنات صهيون ويعري الرب عورتهن" [17]. الصلع أو القرعة بالنسبة للفتاة علامة القبح الشديد، فقد وهب الله المرأة الشعر تاج مجد لها لتعيش مكرمة ومحبوبة في الرب، يُعجب بها رجلها ويحبها ويكرمها فتشاركه الحياة الأسرية على قدم المساواة، بكونها الجسد الذي لا يستغنى عنه الرأس. لكنها إذ تخرج عن الناموس الطبيعي بروح الكبرياء واللهو تفقد حتى جمالها الطبيعي وكرامتها فتصير كمن أُصيبت بقرع.
تعرية عورتها كناية عن كشف فساد طبيعتها، أو إشارة إلى عُريها، ليس من يبسط ذيله عليها ويستر حياتها ويهبها اسمه لتحتمي فيه وترتبط به.
هذه هي حالة النفس البشرية الساقطة بالكبرياء، إذ تفقد عطايا الله لها، وينفضح فساد طبيعتها فتصير بلا جمال ولا قوة ولا كرامة، تسخر بها أتفه الخطايا ويلهو بها مجرد الخيال وأحلام اليقظة.
ب. انتزاع كل مظاهر الغِنَى والزينة من خلاخيل وضفائر وأهله وحلقان وأسوار وبراقع وعصائب وسلاسل ومناطق وحناجر الشمامات (خمارات - طُرَّح) وأحراز ومرائي (ملابس شفافة للإثارة الجسدية) وقمصان (ملابس داخلية غالية) وعمائم وأزُر.
هكذا ينزع عنها الزينة الخارجية والملابس الداخلية لتصير في عرى وقبح... لعلها ترجع إلى الله وتطلب أن يستر عليها بنفسه فيصير الرب نفسه ملبسها الساتر عليها (غل 3: 27؛ كو 3: 10).
يسمح الله بهذا التأديب لبنات صهيون لكي تجد في المخلص سرّ زينتها ومجدها.
هنا يُشير إلى ما يحل ببنات صهيون خلال السبي، إذ يقول:
"فيكون عوض الطيب عفونة" [24]؛ بعد أن كن منشغلات بالطيب والروائح الذكية، ينفقن الكثير على ذلك، سُبين بواسطة العدو وحُملن إلى أرض غريبة ينهمكن في العمل دون راحة فتصير رائحة العرق كريهة. هذا ما حدث فعلًا، أما من الجانب الروحي فإن النفس المتكبرة تفقد زينتها الخارجية المخادعة فتنكشف عفونة طبيعتها وفقرها وعريها، لعلها تشعر بالحاجة إلى من يخلصها ويشبعها. وكما قيل لملاك (أسقف) كنيسة اللاودكيين:" لأنك تقول إني أنا غنى وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء ولست تعلم أنك أنت الشقي والبائس وفقير وأعمى وعريان، أُشير عليك أن تشتري مني ذهبًا مُصفى بالنار لكي تستغني، وثيابًا بيضًا لكي تلبس فلا يظهر خزي عريتك، وكحل عينيك بكحل لكي تبصر (رؤ 3: 17-18).
يتحدث القديس غريغوريوس النزينزيعن تقديس حاسة الشم فينا حتى لا يتحول طيب الروح القدس فينا عنا فتصير لنا عفونة طبيعتنا الذاتية، قائلًا: [لنُشفى أيضًا من جهة الشم...، وبدلًا من أن يسكب علينا التراب عوض الروائح الذكية فلنشتم رائحة المسحة التي سُكبت علينا التي تقبلناها روحيًا فشَّكلتنا (من جديد) وغيرّتنا، فتخرج منا رائحة زكية].
يقول النبي "عوض المنطقة حبل" [24]، بعد أن كانت بنات صهيون يتمنطقن بمناطق ذهبية مزخرفة ومُرصّعة بحجارة كريمة رُبطن بالحبال لسحبهن إلى السبي كمذلولات. صورة مؤلمة تكشف عن ثمر الخطية!
"وعوض الجدائل قرعة"، كعلامة للإذلال يُقص شعر الشريفات ليظهرهن قبيحات.
"عوض الديباج زنار المسح، وعوض الجمال كيّ" [24]... هكذا صارت ملابسهن المسوح عوض الثياب الفاخرة وظهر الكيّ على جبائهن أو أيديهن علامة العبودية... إذ كان العبيد من الجنسين يُختمون بختم معين بالكيّ ليعرف السيد من هم له.
في اختصار عبّر عن تحطيم حياتهن تمامًا لاتكالهن على المظاهر الخارجية وعلى الذراع البشري، لذا يقول: "رجالك يسقطون بالسيف، وأبطالك في الحرب، فتئن وتنوح أبوابها وهي فارغة تجلس على الأرض" [25-26]. مات الرجال وسُبيت النساء وصارت المدينة العظيمة كما في فراغ!
 
قديم 08 - 07 - 2024, 05:26 PM   رقم المشاركة : ( 165764 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,257,538

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





ركز إشعياء أنظاره على أورشليم -جبل بيت الرب- مع أنه لم يفارقها لكن حنينه إليها وشوقه إلى تقديسها لا يقل عن ذات حنين أنبياء السبي الذين عاشوا بالجسد في بابل أما قلوبهم فتعلقت بمدينة الله التي أصابها الخراب.




"اَلأُمُورُ الَّتِي رَآهَا إِشَعْيَاءُ بْنُ آمُوصَ مِنْ جِهَةِ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ:" [1].

كان قلب إشعياء مشغولًا بشعب الله (يهوذا) وبالمدينة المقدسة (أورشليم)، فقد امتلأ حزنًا على ما بلغ إليه الحال، رأى شعبًا ضربه الفساد، ومدينة تهدم هيكلها الروحي فأنتّ أحشاءه عليها.
أمام هذا الحب الخالص وهبه الله بصيرة وقدم له رؤى ونبوات لتعزيته وتعزية كل نفس جريحة من أجل البشرية، قدم له الله كلمته المحيية.
* جاء (الكلمة) إلى (هوشع وإشعياء وإرميا) فأنار الأنبياء بنور المعرفة، وجعلهم يرون أمورًا لم يفهموها في ذلك الحين.
العلامة أوريجين
 
قديم 08 - 07 - 2024, 05:27 PM   رقم المشاركة : ( 165765 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,257,538

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

* جاء (الكلمة) إلى (هوشع وإشعياء وإرميا)
فأنار الأنبياء بنور المعرفة، وجعلهم يرون
أمورًا لم يفهموها في ذلك الحين.



العلامة أوريجين
 
قديم 08 - 07 - 2024, 05:28 PM   رقم المشاركة : ( 165766 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,257,538

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




2 وَيَكُونُ فِي آخِرِ الأَيَّامِ أَنَّ جَبَلَ بَيْتِ الرَّبِّ يَكُونُ ثَابِتًا فِي رَأْسِ الْجِبَالِ، وَيَرْتَفِعُ فَوْقَ التِّلاَلِ، وَتَجْرِي إِلَيْهِ كُلُّ الأُمَمِ. 3 وَتَسِيرُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ، وَيَقُولُونَ: «هَلُمَّ نَصْعَدْ إِلَى جَبَلِ الرَّبِّ، إِلَى بَيْتِ إِلهِ يَعْقُوبَ، فَيُعَلِّمَنَا مِنْ طُرُقِهِ وَنَسْلُكَ فِي سُبُلِهِ». لأَنَّهُ مِنْ صِهْيَوْنَ تَخْرُجُ الشَّرِيعَةُ، وَمِنْ أُورُشَلِيمَ كَلِمَةُ الرَّبِّ. 4 فَيَقْضِي بَيْنَ الأُمَمِ وَيُنْصِفُ لِشُعُوبٍ كَثِيرِينَ، فَيَطْبَعُونَ سُيُوفَهُمْ سِكَكًا وَرِمَاحَهُمْ مَنَاجِلَ. لاَ تَرْفَعُ أُمَّةٌ عَلَى أُمَّةٍ سَيْفًا، وَلاَ يَتَعَلَّمُونَ الْحَرْبَ فِي مَا بَعْدُ. 5 يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ، هَلُمَّ فَنَسْلُكُ فِي نُورِ الرَّبِّ.

ماذا قدم الله لإشعياء الجريح النفس؟ حمله بالروح إلى ملء الزمان ليرى يهوذا الجديد -السيد المسيح- وأورشليم الجديدة حيث يُبنى هيكل الرب ويُقام ملكوت الله في القلب... يرى الجماعة المقدسة قادمة من كل الأمم والشعوب لتعبد الرب بالروح والحق في المسيح يسوع مخلص العالم، لذا قال: "يكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يكون ثابتًا في رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجري إليه كل الأمم" [2].
يرى البعض أن هذه النبوة اقتبسها إشعياء عن ميخا النبي (مي 4: 1-5)، أو ربما اقتبسها الاثنان عن مصدر سابق. لكن ما الذي يمنع الروح القدس من أن يهب ذات العطية -النبوة- للنبيين ولغيرهما إذ يجد فيهم القلب المخلص والملتهب نحو خلاص الإنسان وبنيانه، فيقدمها لإشعياء في أيام آحاز ولميخا في أيام حزقيا لتأكيد أن ما ينطق به الوحي لن يسقط.
سحب الرب قلب إشعياء إلى ملء الزمان ليرى السيد المسيح الذي يُقيم كنيسته عليه شخصيًا بكونه صخر الدهور، الجبل الذي رآه دانيال النبي المقطوع بغير أيدي الذي يملأ الأرض (دا 2: 34، 45)، الصخرة الحقيقية التي تفيض مياه الروح على شعبه (1 كو 10: 4) والتي لا تستطيع الحية أن تزحف عليه لتقترب إلى شعبه.
يقول القديس أغسطينوس: [الجبل كما تعلمنا الشهادة النبوية هي الرب نفسه].
* توجد أيضًا جبال غير معروفه لأنها قائمة في مواضع معينة في الأرض... أما هذا الجبل فغير ذلك إذ ملأ كل وجه الأرض، عنه قيل "يكون ثابتًا في رأس الجبال" إنه جبل قائم فوق قمم كل الجبال، "تجري إليه كل الأمم".
من يعجز عن إدراك ما هو هذا الجبل؟!
من هو هذا الذي يُحطم رأسه بمقاومة هذا الجبل؟!
من يجهل المدينة القائمة على الجبل؟!
لا تتعجبوا إن كانت هذه المدينة مجهولة بالنسبة للذين يكرهون الإخوة، إذ يسلكون في الظلمة ولا يعرفون إلى أين يذهبون، لأن الظلمة أعمت أعينهم. إنهم لا يرون الجبل.
أُريدكم ألا تتعجبوا، فإنهم بلا أعين؛ كيف؟ لأن الظلمة أعمتهم. برهن على ذلك؟ لأنهم يبغضون الإخوة!
القديس أغسطينوس


أسس الرب كنيسته حين ارتفع على جبل التجربة (مت 4: 8) ليهبها روح الغلبة والنصرة على قوات الظلمة؛ ذهب بنفسه إلى الجبل
وكما يقول القديس جيروم: [لم يصعد كمن هو مُلزم أو من هو أسير، إنما أُقتيد باشتياق إلى المعركة]
وأيضًا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ذهب الشيطان إلى الإنسان (آدم) ليجربه، لكن إذ لا يستطيع الشيطان أن يُهاجم المسيح ذهب المسيح إليه].
أسس أيضًا كنيسته على جبل التعليم (مت 5: 1) حيث قدم لشعبه وصيته سرّ حياة. وأيضًا على جبل تابور حيث أعلن بهاءه ودخل بكنيسته إلى السموات عينها (لو 9: 41)، وأخيرًا على جبل الجلجثة حيث تنعم بعريسها الذبيح مخلص البشرية بدمه الثمين. على هذا الجبل بسط الرب يديه على الصليب ليجتذب إليه الكل (يو 12: 32)، لهذا يكمل النبي قائلًا: "وتجري إليه كل الأمم وتسير شعوب كثيرة ويقولون: هلم نصعد إلى جبل الرب إلى بيت إله يعقوب فيعلمنا من طرقه ونسلك في سبله، لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب" [2-3].
معروف أن الشريعة صدرت من جبل سيناء للشعب اليهودي، لذا فهو يتحدث عن شريعة جديدة تصدر من أورشليم موجهة إلى المسكونة كلها.
* هذه الشريعة ليست ملكًا لأمة واحدة بل لكل الأمم، فإن شريعة الرب وكلمته لا تبقيان في صهيون وأورشليم بل تنتشران في كل المسكونة. لذلك يقول الشفيع نفسه لتلاميذه الخائفين: "هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لا بُد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير..." (لو 24: 44-47). هذا هو الطريق المسكوني لخلاص النفس الذي سبق أن أعلنه الملائكة والأنبياء القديسين...
* هناك (في أورشليم) أخبر التلاميذ: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 28: 19).
* يتعين أن يُعْطَى (الروح القدس) بعد قيامة المسيح في ذات المدينة التي تبدأ فيها الشريعة الجديدة -أي العهد الجديد- فإن الشريعة الأولى، التي تدعى العهد القديم أُعطيت على جبل سيناء خلال موسى، أما هذه فأعطيت بالمسيح كما سبق التنبؤ عنها "من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب".
القديس أغسطينوس
 
قديم 08 - 07 - 2024, 05:29 PM   رقم المشاركة : ( 165767 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,257,538

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

* توجد أيضًا جبال غير معروفه لأنها قائمة في مواضع معينة في الأرض... أما هذا الجبل فغير ذلك إذ ملأ كل وجه الأرض، عنه قيل "يكون ثابتًا في رأس الجبال" إنه جبل قائم فوق قمم كل الجبال، "تجري إليه كل الأمم".
من يعجز عن إدراك ما هو هذا الجبل؟!
من هو هذا الذي يُحطم رأسه بمقاومة هذا الجبل؟!
من يجهل المدينة القائمة على الجبل؟!
لا تتعجبوا إن كانت هذه المدينة مجهولة بالنسبة للذين يكرهون الإخوة، إذ يسلكون في الظلمة ولا يعرفون إلى أين يذهبون، لأن الظلمة أعمت أعينهم. إنهم لا يرون الجبل.

أُريدكم ألا تتعجبوا، فإنهم بلا أعين؛ كيف؟ لأن الظلمة أعمتهم. برهن على ذلك؟ لأنهم يبغضون الإخوة!



القديس أغسطينوس
 
قديم 08 - 07 - 2024, 05:31 PM   رقم المشاركة : ( 165768 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,257,538

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس يوحنا الذهبي الفم

[ذهب الشيطان إلى الإنسان (آدم) ليجربه،
لكن إذ لا يستطيع الشيطان أن يُهاجم المسيح ذهب المسيح إليه].
 
قديم 08 - 07 - 2024, 05:33 PM   رقم المشاركة : ( 165769 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,257,538

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

"وتجري إليه كل الأمم وتسير شعوب كثيرة ويقولون: هلم نصعد إلى جبل الرب إلى بيت إله يعقوب فيعلمنا من طرقه ونسلك في سبله، لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب" [2-3]
* هذه الشريعة ليست ملكًا لأمة واحدة بل لكل الأمم، فإن شريعة الرب وكلمته لا تبقيان في صهيون وأورشليم بل تنتشران في كل المسكونة. لذلك يقول الشفيع نفسه لتلاميذه الخائفين: "هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لا بُد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير..." (لو 24: 44-47). هذا هو الطريق المسكوني لخلاص النفس الذي سبق أن أعلنه الملائكة والأنبياء القديسين...
* هناك (في أورشليم) أخبر التلاميذ: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 28: 19).
* يتعين أن يُعْطَى (الروح القدس) بعد قيامة المسيح في ذات المدينة التي تبدأ فيها الشريعة الجديدة -أي العهد الجديد- فإن الشريعة الأولى، التي تدعى العهد القديم أُعطيت على جبل سيناء خلال موسى، أما هذه فأعطيت بالمسيح كما سبق التنبؤ عنها "من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب".


القديس أغسطينوس
 
قديم 08 - 07 - 2024, 05:34 PM   رقم المشاركة : ( 165770 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,257,538

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


الكنيسة المؤسسة على جبل الجلجثة والمُنطلقة من أورشليم تحمل قوة الروح القدس الآتي:
أ. كنيسة ثابتة، تقوم على جبل بيت الرب الثابت [2]، يدعوها الرسول بولس "جبل صهيون" قائلًا: "قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحيّ أورشليم السماوية وإلى ربوات هم محفل ملائكة وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات" (عب 12: 22-23). سرّ قوتها وثباتها هو الرب نفسه الذي يقدسها له ويرفعها إلى سمواته فتحمل سماته.
ب. عالية في رأس الجبال [2]؛ لقد صارت نور العالم، تجاهر بالحق علانية دون خوف (أع 16: 26). أعضاؤها قائمون بالجسد على الأرض أما قلوبهم وأفكارهم فمرتفعة كما فوق الجبال العالية تسبح في جو السماء.
وكما يقول العلامة أوريجانوس: [يكفي أنك لا تبقى على الأرض ولا تسكن الوديان ولا تبطئ في الأماكن المطمورة].
ج. جذابة للأمم والشعوب [2-3]: أبوابها مفتوحة للجميع، تحمل أمومة حب نحو كل البشرية مستمدة من حب عريسها الجامع لكل البشر.
د. عملها المستمر أن تصعد بالبشر [3]. بالحب تنزل إليهم دون أن تفقد قدسيتها أو طبيعتها السماوية لكي ترفع الكل بروح الله القدوس إلى أورشليم العليا فيمارسوا الحياة الجديدة السماوية في المسيح يسوع.
ه. رسالتها إعلان طريق الرب [3]، تحمل كلمته إلى كل نفس وتقدم وصيته ليعيشها كل مؤمن، فينعم بشريعة الحرية (غل 4: 26).
و. تعلن أحكام المسيح العادلة، حيث يخضع المؤمنون من كل الأمم لملكوته وسيادته، كسيادة روحية فريدة في نوعها.
ز. تهب سلامًا بين النفوس المقدسة له، إذ لا يرون لهم أعداء بشريين على كل وجه الخليقة. لهذا يقول: "فيطبعون سيوفهم سككًا ورماحهم مناحل؛ لا ترفع أمة على أمة سيفًا، ولا يتعلمون الحرب في ما بعد" [4]. المسيحي يمتلئ قلبه سلامًا حتى تجاه مقاوميه، فتتحول طاقاته الداخلية من الصراع إلى العمل البنَّاء، من أدوات حرب إلى أدوات إنتاج للرخاء.
كلمة الله تُحوّل الأرض سماءً، فيحل السلام السمائي في حياة البشر، وتُقام مملكة السلام أو ملكوت الله المفرح في داخلهم التي لا تستطيع عداوة الناس ولا قسوة الأحداث أن تهزها.
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 02:26 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024