![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 165751 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() قد نتفاجأ لقرائتنا لنصي النبي حزقيال (17: 22-24) بالعهد الأوّل وللنص المرقس (4: 26-34) بالعهد الثاني حيث أن النمط الإلهي لا يتناسب مع النمط والفكر البشريّ. على سبيل المثال من الطبعي أنّ نتسأل كيف للهشّ بأنّ يصير قويًا وكيف للصغير أن يصير كبيراً؟ في مقالنا هذا سيدهشنا السلوك الإلهي الّذي يكشف عن أصغريته ككنز مخفي وليس ببعيد عنا بل بداخلنا. مما يدعونا لنجتهد لرعايته ولنموه متى عَلِّمنا إننا بضعفنا نحمل الملكوت العظيم هنا والآن. ففي قرائتنا الأوّلى للنص النبوي (17: 22–24) حيث يتحدث النبي حزقيال عن مستقبل إسرائيل بدءًا من شيء الغصن الصغير والضعيف ولكن الي الإلهيّة هي الّتي ستهتم بزراعته مما يفاجئنا فيصير شجرة كبيرة. وهنا يتجلى أسلوب إلهي قدير حيث بقوة كلمته يتغير مصير شعبه كما سنرى بعناصر المقال لاحقًا. وفي مرحلة تاليّة على ضوء الآيات النبويّة سنقرأ المقطع الإنجيلي والمأخوذ من تعاليم يسوع بالأمثال بحسب إنجيل مرقس (4: 26– 34). حيث اتخذ المثل الأوّل من هذا التعلّيم بصورتي الزارع وحبّة الخردل، ليفتتح حواره كاشفًا عن سرّه الإلهي بالحديث عن ملكوت الله من خلال صورة الحبّة الملقاة على الأرض. وهنا يستعين مرقس بالكثير من الصور ليُقرب من فهمنا عظمة سرّ ملكوت الله. نهدف من خلال مقالنا هذا التعرف على نوعيّة الأرض الّتي تحملها قلوبنا وأيضًا مدى قبولنا للبذور الإلهيّة الّتي تُلقى بيّد الله فيها. النبت الإلهي (حز 17: 22-24) كثيراً ما تأتي تأتي الصّور الزراعيّة في الرسائل النبويّة، منذ العهد الأوّل، لتوضيح حقيقة العلاقة بين الرّبُّ وشعبه. لذا تأتي بنورها رسالة حزقيال النبي، كاشفًا عن مخطط إلهي، مُفتتحا هذه الآيات بالصيغة النبويّة الّتي تؤكد التفويض والسلطة الإلهييّن بقوله:«هكذا قالَ السَّيِّدُ الرَّبّ» (حز 17: 22أ). وهنا يشير النبي إنه مجرد حامل رسالة من الشخص الإلهي ليّ ولك بعالمنا اليّوم. ثمّ يستمر النبي موضحًا صيغة المتكلم على لسان الرّبّ وقراره الّذي ينكشف في كلمته قائلاً: «إِنِّي سآخُذُ مِن ناصِيَةِ الأَرزِ العالي لأَغرِسَها. أَقتَطِع مِن أعالي أَغْصانِه غُصنًا غَضًّا وأَغرِسُه أَنا على جَبَلٍ شامِخٍ شاهِق. في جَبَلِ إِسْرائيل العالي أَغرِسُه فيُنشِئُ أَفْنانًا ويثمِرُ ثَمَرًا ويَصيرُ أَرزًا جَليلاً، فيَأوي تَحتَه كُلُّ طائِر، كُلُّ ذي جَناحٍ يَأوي في ظِلِّ أَغْصانِه. فتَعلَمُ جَميعُ أَشْجارِ الحُقولِ أَنِّي أَنا الرَّبَّ وَضَعتُ الشَّجَرَ الـمُرتَفِعَ ورَفَعتُ الشَّجَرَ الوَضيع، وأَيْبَستُ الشَّجَرَ الرَّطبَ وأَنبَتُّ الشَّجَرَ اليابِس. أَنا الرَّبَّ قُلتُ وفَعَلتُ» (حز 17: 22-24). تحمل، هذه الرسالة النبويّة، فكر لّاهوتي جديد عن الوجه الإلهي. إذّ أنّ الأفعال المستخدمة بهذه الآيات القليلة أفعال بصيغة المتكلم. وهنا الرّبّ الإله هو الّذي يبادرو يتكلم مع النبي ليحمل كلماته للشعب الّذي هو بمثابة الأرض الّتي سيغرس وسينبت الرّبّ ما يريده، لأنّه هو الخالق وسيّد الكلّ. وتشير الأفعال المتناقضة، على لسان الله، إلى قدرته الإلهيّة فكل ما هو هشّ وضغيف وصغير يتحول إلى كبير وشاهق وعظيم ليُتمم مخططه متى بدأ الإنسان في التجاوب بقبول النبت الهشّ الّذي يلقيّه الإله من فضل سخائه في حياة الشعب والّتي ترمز للأرض. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 165752 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() صورتيّ مثل يسوع (مر 4: 26-34) على ضوء النبت الّذي سيتحول مصيره من صغير لكبير ومن هشّ لعظيم هكذا يستعين يسوع بصورتين من الحياة الزراعيّة الّتي تتناسب مع عصره. فأغلب اليهود في زمن يسوع كانوا من أصحاب الحرف البسيطة مثل الصيادين والمزارعين والرعاة ... إلخ. فالرمزين الّذين يستخدمهما يسوع، في شكل مثل، وهو أسلوب يسوع التعليميّ، من الوجهة الكتابيّة، شهير بالعهد الثاني ليُفسر أسرار إلهيّة غامضة ومعقدة. في هذين المثليّن الّذين نعرفهما عن ظهر قلب، يكشف يسوع في حديثه عن الملكوت الإلهيّ بصورتيّن بليغتيّن للغاية. الأولى وهي صورة الزارع الّذي يلقي بالبذر في باطن الأرض والثانيّة هي صورة حبّة الخردل. من خلال هاتيّن الصورتين يساعدنا يسوع في تغيير طريقة تفكيرنا حول ملكوت الله، ويدعونا إلى تحويل نظرتنا إلى باطن حياتنا وإلى تاريخنا البشريّ. يسلك يسوع مسيرة بسيطة من حياة البذور في الطبيعة ليحملنا بشكل تدريجي، في هذيّن المثليّن، ليكشف عن سرّ إلهي مشيراً إلى إختلاف ملكوت الله عن الـمُلك البشريّ. إذّ أن طريقة عمل الله في التاريخ تختلف تمامًا عن أي مشروع بشري آخر. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 165753 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() صورة الزارع (مر 4: 26- 29) يأتي الصوت الإلهي ليعلمنا في شكل مثل إذ أنّ الزارع وعلاقته بالبذر هي ما يشبه ملكوت الله وهنا الله بدروه كزارع إذ يلقيّ البذور في أرض حياتنا بشكل باطنيّ ومتخفيّ. يسلّط النص الضوء من خلال صورة الزارع على شيئين حول ما يتم حقيقة في حياتنا اليوميّة. ففي الجانب الأوّل يتضح من قوله بأنّ: «مَثَلُ مَلَكوتِ اللهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ يُلْقي البَذْرَ في الأَرض. فسَواءٌ نامَ أو قامَ لَيلَ نَهار، فالبَذْرُ يَنبُتُ ويَنمي، وهو لا يَدري كيفَ يَكونُ ذلك» (مر 4: 26- 27). يُؤكد الإنجيلي على لسان يسوع، بأنّ الزارع لا يعرف ما يحدث تحت الأرض، وكيف يمكن أنّ تنبت البذور حتى تحمل الثمرة المرغوبة. فالزارع، بحسب منطقنا البشري، لا يستطيع أنّ يفعل شيئًا ليُحدد بذاته نمو النبات، سوى أنّ يضمن أفضل الظروف مثل إهتمامه بالري، وإزالة الأعشاب الضّارة، وحماية أرضه من الحيوانات الّتي قد تتلف النباتات أثناء نموه. أمّا بالنسبة لعملية النمو، فلا يمكنه سوى التّرويّ بالإنتظار في صبر إتمام نمو البذور الّتي أُلقيت في الأرض لتعطي ثمارها. إنتظار الله الزارع علينا لأنه لا زال يثق في أنّ نُثمر ونقبل بذور ملكوته فينا. أمّا بالنسبة للجانب الثاني الّذي تم التأكيد عليه يرتكز على دور الأرض: «فَالأَرضُ مِن نَفسِها تُخرِجُ العُشبَ أَوَّلاً، ثُمَّ السُّنُبل، ثُمَّ القَمحَ الَّذي يَملأُ السُّنبُل. فما إِن يُدرِكُ الثَّمَرُ حتَّى يُعمَلَ فيه المِنجَل، لِأَنَّ الحَصادَ قد حان» (مر 4: 28- 29). هاتين الآيتيّن يتعلقن بالجانب الأول، حيث أنّ البذور المختبئة في أعماق الأرض تؤتي ثمارها بشكل عفويّ. في واقع الأمر، إنّ الأرض هي رمز للذات، وليست البذور الملقاة فيها. عندما تُلقى البذور فيّ الأرض تلقائيًا وعفويًا، تجعلها تنبت وتنمو وتؤتي ثمارها. وهنا يؤكد يسوع في هذا المثل أنّ الثمار لا تعتمد على عمل الزارع الّذي يرمز للدور الإلهي، بل يعتمد على الأرض الّتي ترمز لكلّاً منا وتجاوبنا في الإهتمام بالبذور بباطننا والحفاظ على نموها يومًا بعد آخر. هذا الأمر لا يمكن التعرف عليه بشكل مُسبق ولا يمكن كبحه أو تأخيره. لأن يد الله دائما ما تلقي فينا بذور تليق به وبالخير الّذي يرجو أن يتحقق بالتعاون مع عمله. علينا التحقق بإنّ ندرك أنّ ملكوت الله لا يعتمد علينا فقط فهو عمل الله قبل كلّ شيء، وهذا الملكوت الإلهي ينمو تلقائيًا وعفويًا من خفايا باطننا ويعطي ثمارًا. مدعويّن أنّ نجتهد لنجعل من باطننا أرضًا تتناسب لقبول البذور الإلهيّة الّتي تُلقى بيد الله يوميًا في حياتنا وبشكل مجاني. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 165754 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() صورة حبّة الخردل (مر 4: 30-32) صورة حبة الخردل. إنها دائمًا البذرة الهشّة بل أصغر البذور الّتي تُزرع في الأرض. ولكن يؤّد الإنجيلي التأكيد عليه هنا هو صِغّر هذه البذرة فيقول يسوع ثانيّة مُتسائلاً: «بِماذا نُشَبِّهُ مَلَكوتَ الله، أَو بِأَيِّ مَثَلٍ نُمَثِّلُه؟ إِنَّه مِثلُ حَبَّةِ خَردَل: فهِيَ، حينَ تُزرَعُ في الأَرض، أَصغَرُ سائرِ البُذورِ الَّتي في الأَرض. فإِذا زُرِعَت، اِرتَفَعَت وصارَت أَكبَرَ البُقولِ كُلِّها، وأَرسَلَت أَغْصاناً كَبيرة، حتَّى إِنَّ طُيورَ السَّماءِ تَستَطيعُ أَن تُعَشِّشَ في ظِلِّها» (مر 4: 30- 34). نعم بالرغم من التناقض الّذي يشير إليه الإنجيليّ: أصغر ثمّ أكبر، مع ذلك، عندما تُزرع هذه البذرة الهشّة والصغيرة جدًا في الأرض إلّا إنها تحمل قوة حياتيّة لا توصف إذ تنمو وتصير أكبر البقول. هذه البذرة الصغيرة جدًا بوقت زرعنها بقلب الأرض، مدعوة لتصير شجرة كبيرة حتّى تسكنها طيور السماء. لذلك تمّ التأكيد على مرحلة الصِغّر الأوليّ إلّا أنّ عظمتها الحقّة والنهائية تكشف حقيقتها. هذا كشف طبيعي وصغير جدًا لا يمكن لأحد أنّ يتخيله، يمكن للبذرة الّتي لا تُري بالعين المجردة أنّ تصبح شجرة. بباطن هذه الحبّة قوة هائلة، وفي داخلها إمكانات لا توصف، يصعب تصورها. كما رأينا بالعهد الأول، فالشجرة الكبيرة مستقبلها هي أنّ تصير ساميّة وتكون ملجأ لطيور السماء هي صورة متكررة للإشارة إلى الملكوت الإلهي الّذي يمكنه أنّ يمنح الأمن والسلام لكل ساكنيه من البشر. متى قبلنا البذرة الإلهيّة بباطننا، بالرغم من صغرها ستنبت وتصير شجرة يكفي أن نهتم بنموها دون أن تختنق من باطن مظلم بالخطيئة، ومُنهك من الشّك، ومتألم من ماضي خاطئ. فالحياة الّتي تحملها هذه الحبّة الهشّة لازالت بباطن كلّاً منا وتتطلب رعاية منا. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 165755 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() بذور الملكوت (حز 17: 22-24؛ مر 4: 26-34) أنا وأنت بمثابة الأرض الّتي قد تقبل أو ترفض هذه البذور الّتي تحمل الملكوت الإلهي في عالمنا البشري. متى قبلنا هذه البذور وسعينا لننميها، نحيا الملكوت هنا والآن. البذور لن تُلقى على سطح الأرض بل في باطنها حيث الظلام والرطوبة والخفاء، بالرغم من إنه قد تظهر لنا بناء على كلمات حزقيال ومرقس إنها معوقات إلّا أن الأرض الّتي تعيّ بقدرة اليّد الإلهيّة هي الّتي تنفتح وتعيّ بأنّ الملكوت هو رسالة حب الله لكلّاً منا. فلنقرر بقبول هذه البذور الّـتي تجعلنا نحمل الملكوت في حياتنا الأرضية ولا تعتمد على فضائلنا بل على كرّم وسخاء الرّبّ حبًا بنا. صورة النبت الهشّ الّذي يدعونا إلى التدريب على تغيير نظرتنا والتفهم بعمق عن ماهيّة وجوهر الملكوت الإلهيّ. هذا الملكوت هو الّذي حقيقة إلهيّة لا تعتمد علينا البتّة كالبذرة الّتي تُلقى في الأرض. ولا يسعنا إلّا أنّ نُهيئ الظروف الملائمة لها لكي تنبت في حياتنا وتنمو وتؤتي ثمارها. مدعويّن لنعيّ بأنّ ملكوت الله في يد الله، واقع عفويّ سينمو وسيؤتي بثماره. ومع ذلك، فإن هذا النمو لا يحدث وفقًا لمعاييرنا الخاصة بالحجم والقوة. الرغبة المتقدة لكاتبيّ نبؤة حزقيال والإنجيلي المرقسيّ بهذا المقال يحملان لنا نور إلهي جديد، كتلاميذ للرّبّ لكي نتعلم ونحيا بذات النمط الإلهيّ، والسبب هو أنّ المنطق البشري غالبًا ما يقودنا إلى إفتراض معايير وأنماط حياة مختلفة تمامًا عن تلك الحياة الخاصة بالله وهي حياة الملكوت، مدعوين للبدء في حياة تُشابه حياة الله باتباع أسلوبه الخفي والّذي قد نعتقد بإنّه هشّ ولا صوت له، إلّا إننا سنتفاجئ بأن حياة الله بسيطة وملكوته بداخلنا، من خلال هذا النبت الصغير والضعيف في شكل البذرة وحبّة الخردل. ويمكننا أنّ نتأمل لنفتح المجال لمعايشة هذا النص من خلال الحوار مع الذات حول طريقتنا في رعايّة البذور الّتي يلقيا الرّبّ يوميًا بحياتنا. يبدأ الملكوت من واقع صغير جدًا، يكاد يكون غير مرئي، ولكنه حاضر، مدعوين للتخلى عن أفكارنا الّتي قد تعرقل الأمور ومعتقداتنا الـمُسبقّة ومدعوين بألّا نتوقع أنّ نجد الملكوت الإلهي في الأمور الكبيرة، بل هو حاضر في الحقائق الهشّة والخفية، الّتي تُظهر بباطنها قوة الله وعلينا أنّ نستعد بقبولها كالأرض جيدة، حتى نتمكن بعد ذلك من الاحتماء، مثل الطيور في المثل، في ظلّ الرّبّ الإله، فهو ملكوتنا الأبديّ. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 165756 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() "النشّوةُ الإلهيّة" بين كاتبّي سفر التكوين والإنجيل الثاني مُقدّمة في قرائتنا الكتابيّة فيما بين العهدين بهذا المقال سنقرأ من العهد الأوّل مقطع بسفر التكوين (3 : 9-15) حيث نبحث عن إجابة للتساؤل الإلهي والقائل: «أين أنت؟». ترتكز روايّة الزلة الأوّلى بالكامل على هويّة المؤمن أمام الله، يتم إختيار هذا النص للتعمق في كلمة الله الموجهة للحيّة مِن قِبل الله والّتي تشير إلى الصراع الدائم بين الإنسان والشرّ. بينما في النص الآخر بالعهد الثاني سيدهشنا اللّاهوت المرقسيّ الّذي يكشف عن هويّة يسوع المرتبطة بهويّة التلميذ (مر 3: 20-35). إلّا إننا أعطينا عنوانًا يربط كلّا النصييّن بهدف إلهي قدير وهو النشّوة الإلهيّة الّتي سنكشتفها تزداد تدريجيًا من العهد الأوّل للثاني. مدعوين للتفكير والإختيار بين نشّوتنا المستقلة عن الله والآخرى الّتي نصير فيها موضع لنشّوة الله! 1. الحيّة: بدء الإنقسام (تك 3: 1-8) من النصوص الّتي نعرفها، كمؤمنين، عن ظهر قلب هذا النص الشهير بسفر التكوين حيث يروي، زلة الإنسان الأوّلى، من خلال حوار الله مع أوّل إنسان بعد الزلة الأوّلى. ونُصادف أنّ هذا النصّ مقصوصًا مِن قِبل الليتورجييّن (الّذين يختاروا النصوص الطقسيّة) فلا يمكن أنّ يبدأ هذا الحوار الإلهي بدون سبب، بل كان هناك خلفيّة ودافع ليُبادر الرّبّ بتوجيه تساؤله للإنسان الأوّل "أين أنت؟". يشير النص السابق إلى ردود أفعال قام بها الإنسان الأوّل، بناء عليها تبدأ مسيرة الله في البحث من جديد عن الإنسان الّذي خلقه بدافع حبّه للبشريّة. في واقع الأمر، تتلخص الآيات السابقة مباشرة لهذا النص 1- 8 بالإصحاح الثالث بسفر التكوين، عن بدء إنفصال الإنسان عن الله، بوصف دور عدو الخير ودخوله للعالم، من خلال الحيّة، الّتي يصفها كاتب سفر التكوين بأنّها كانت: «أَحيَلَ جَميعِ حَيَواناتِ الحُقولِ الَّتي صنَعَها الرَّبُّ الإِله» (تك 3: 1). إتخذ عدو الله-الشيطان، الحيّة، وهي إحدى مخلوقات الرّبّ، مكانًا له ليدخل العالم البشري، فصارت تتميز بصفاته وهي المكّر والخداع الّذي يتأسس على الكذب الّذي يفصل بين الخالق والمخلوق. بعد أنّ دار الحوار الشهير بين المرأة والحيّة، نتعجب كبشر أنّ الحيّة كحيوان يتكلم ولا نندهش بأنّ الكتب المقدسة غنيّة بكلمات إلهيّة، فالله لازال يتكلم! هذا الحوار جعل المرأة تنظر إلى الشجرة الّتي بوسط الجنّة، والـمُحرم الآكل منها مِن قِبل الرّبّ، بشكل شهواني. ومن خلال هذه النظرة دخل الموت إلى العالم. حيث كلمات الحيّة حملت الزيف والخداع للعالم عن حقيقة الله. يختتم الحوار بين المرأة والحيّة بالآكل من الشجرة ومشاركة رجلها وبالتالي وقوعهما معًا في الزلة الأوّلى. هنا يبدأ الإنفصال بين الله والإنسان، يتمثل لاهوتيًا في عصّيان الأمر الإلهي الواضح في سرد الكاتب حين: «أَمَرَ الرَّبُّ الإِلهُ الإِنسانَ قائلاً: "مِن جَميعِ أشْجارِ الجَنَّةِ تأكُل، وأَمَّا شَجَرَةُ مَعرِفَةِ الخَيرِ والشَّرّ فلا تَأكُلْ مِنها، فإنَّكَ يَومَ تأكُلُ مِنها تَموتُ مَوتًا"» (تك 2: 16-17). منذ البدء كان الله واضحًا في وضح حدود للعلاقة بينه وبين المخلوق البشري، والحدّ القاطع هو تحريم الآكل من الشجرة وبعصيّان الإنسان بدأ دخول الموت إلى العالم البشري، الّذي يرتكز على الإنفصال والعصيّان أي عدم طاعة الصوت الإلهي. يدل فعل الإنسان بطاعته لصوت الحيّة إلى رفض الله. من هنا دخل الشرّ للبشريّة: الخطيئة والموت من خلال العصيان، ودخل القلب البشريّ الإنحراف والإنفصال عن الله الخالق بسبب طاعته لصوت يُنافس الصوت الإلهيّ. 2. "الله يتكلم" (تك 3: 9- 13) يخبرنا كاتب سفر التكوين بأنّ الله لا يمكث غير مهتم بالإنسان بالرغم من معرفته بكل شئ فهو خالق العالم والإنسان ويحيط بعلِمِه كلّ الأفعال البشريّة. في هذا النص بحسب منهجيّة كاتب سفر التكوين الّذي يشير إلى ردّ فعل الله من فعل الإنسان قائلاً: «فسَمِعا وَقْعَ خُطى الرَّبِّ الإِلهِ وهو يَتَمَشَّى في الجَنَّةِ عِندَ نَسيم النّهار، فاِختَبأَ الإِنسانُ وامرَأَتُه مِن وَجهِ الرَّبِّ الإِلهِ فيما بَينَ أَشْجَارِ الجَنَّة. فنادى الرَّبُّ الإِلهُ الإِنسانَ وقالَ له: "أَينَ أَنْتَ؟"» (تك 3: 8- 9). بينما يسمع الإنسان وقع خطى الرّبّ يختبأ هو وإمرأته منه. فيأتي الصوت الإلهي في حوار خاص لأوّل مرة مع أوّل زوجيّن من خلال توجيه سؤاله: "أين أنت؟" أين أنت من مخطط حبي لك، أين أنت من حلميّ الّذي وضعته فيك لكلّ البشريّة؟ أين أنت من علاقتك بيّ؟ نندهش كمؤمنين وكثيراً ما يسألونني في القِدم كانت الحيّة تتكلم؟ وللأسف لا نندهش حينما نقرأ: "قال الله". وهنا الخطر الكبير، فالله هو الآخر العظيم الّذي يتنازل ويتعلّق بنا حبّاً فينا. ومع هذا يأتي ردّ الإنسان، حينما يتحاور الشخص الإلهي معه، بالإعتراف بحقيقة فعله الحرّ الثلاثيّة قائلاً: «إِنِّي سَمِعتُ وَقْعَ خُطاكَ في الجَنَّة فخِفْتُ لأَنِّي عُرْيانٌ فاِختبأتُ» (تك 3: 10). سماع الإنسان للخطى الإلهيّة، ولّد لديّه الخوف من خالقه وجعله يختبأ! هناك فارق بين أفعال الله وأفعال الإنسان. وبقرأتنا للحوار بين الله والإنسان، نكتشف أنّ الإنسان هو الّذي يلقي يخطأه على المرأة، كعادتنا اليّوم للهروب من تحملّ المسئولية وللمرة الوحيدة نسمع صوتها تقول: «الحَيَّةُ أَغوَتْني فأَكَلتُ» (تك 3: 13). لذا يأتي القرار الإلهيّ موجهًأ كلامه للحيّة قائلاً: «لأَنَّكِ صَنَعتِ هذا فأَنتِ مَلْعونةٌ مِن بَينِ جَميعِ البَهائِم وجَميعِ وحُوشِ الحَقْل. على بَطنِكِ تَسلُكين وتُرابًا تَأكُلين طَوالَ أيامِ حَياتِكِ. وأَجعَلُ عَداوةً بَينَكِ وبَينَ المَرأَة وبَينَ نَسْلِكِ ونَسْلِها فهُوَ يَسحَق رأسَكِ وأَنتِ تُصيبينَ عَقِبَه» (تك 3: 12-13). هذا القرار الإلهيّ والّذي يحمل مغزى لّاهوتيّ لم يُفهم بالعهد الأوّل بعد سيصير مفتاحًا جوهريًا لكلّ العهد الثاني. 3. نسل المرأة: نشّوة الله (مر 3: 20-35) مًن هو هذا الّذي سيأتي ليسحق رأس الحيّة؟ يأتي مرقس بحسب لّاهوته ليُجاوب على هذا التساؤل وأيضًا على مَن هو يسوع حقًا؟ هذا السؤال محور الإنجيل الثاني بأكمله. إلّا أنّ هذا السؤال يرتبط بسؤال آخر وهو مَن نحن؟ ما هي هويتنا كمخلوقات لله وكتلاميذ ليسوع؟ في بدء هذا النص يدخل أفراد أسرة يسوع بالمشهد، وسنلتقي بهم مرة أخرى بنهاية المقطع: «جاءَ [يسوع] إِلى البَيت، فعادَ الجَمعُ إِلى الاِزدِحام، حتَّى لم يَستَطيعوا أَن يَتنَاوَلوا طَعامًا. وبَلَغَ الخَبَرُ ذَويه فَخَرَجوا لِيُمسِكوه، لِأَنَّهم كانوا يَقولون: "إِنَّه ضائِعُ الرُّشْد"» (مر 3: 20-21). هذا هو وصف الإنسان على ابن الله الّذي تحاور قبلاً مع أوّل زوجين. حينما يتحاور ابن الله معنا نحن البشر نَصّفه بالمجنون. لقد جاؤوا ليأخذوا يسوع، لقول الجمع إنّه "ضائِعُ الرُّشْد" من الواضح أنّ كلام ابن الله الآن لا يثير ولا يدهش إعجاب معاصيريه البتّة. وربما اعتبروه أيضًا عاراً بل خطراً على كلّ الأسرة. هذا هو الرأي الأوّل عن يسوع الّذي يظهره مقطع الإنجيل المرقسيّ: سيكون ضائِعُ الرُّشْد. إنّ جنون يسوع هذا يخفي شيئًا حقيقيًا، يقولون إنّه فَقَدَ عقله. بالفعل، يسوع هو حقًا "ضائِعُ الرُّشْد" حينما ينفتح علينا كاشفًا لنا عن وجه الله الآب الحقيقي الّذي نجهله. يريد أقاربه أخذه وإعادته إلى المنزل، أما ابن الله الضائِعُ الرُّشْد في نظر البشر، في جوهره هو نشوة الله للبشرية. نحن البشر يصفنا كاتب الإنجيل الرابع، بلفظ أهل بيت يسوع: «جاءَ إِلى بَيتِه. فما قَبِلَه أَهْلُ بَيتِه. أَمَّا الَّذينَ قَبِلوه وهُمُ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِاسمِه فقَد مَكَّنَهم أَنْ يَصيروا أَبْناءَ الله» (يو 1: 11-12). 4. المعرفة العقلّانيّة والتجديف (مر 3: 22- 35) الموضوع السائد بحسب النص المرقسي هو البحث عن يسوع، كما سنرى بنهاية هذا المقطع الحديث عن بحث أمّ يسوع وإخوته عنه.والهدف من هذا البحث لإعادته إلى المنزل. لكن يسوع لا يتوجب عليه الآن العودة للبيت، بل يجب أن يذهب من قرية إلى قرية ليعلن ملكوت الله. ثمّ يكشف مرقس نزاع آخر حول هوية يسوع، من خلال جدال الكتبة حول أصل قدرة يسوع على إخراج الشياطين. فالكتبة الّذين جاءوا من أورشليم، خبراء في الكتب المقدسة العبريّة، يعتقدون بقولهم: «إِنَّ فيه بَعلَ زَبول، وإِنَّه بِسَيِّدِ الشَّياطينِ يَطرُدُ الشَّياطين» (مر 3: 22). فكر الكتبة المعاصرين ليسوع بإنّه ينتمي إلى عالم مُعادٍ لله. ومن المثير للسخرية أنّ يضع مرقس هذا الرأي التجديفي، الّذي يدور حول يسوع، على أفواه علماء الكتب المقدسة، مما يكشف لنا أنّ معرفتهم العقلانيّة والسطحيّة للكتب المقدسة لا تكفي بمفردها الإيمان بيسوع. ثمّ في مرحلة تاليّة كشف يسوع في خطابه بالأمثال للكتبة عن عدم إتسّاق مُعتقداتهم عنه. حجته بسيطة للغاية وتبدأ من أعماله الخاصة. إذا كان يسوع يطرد الشّر فلا يمكن أنّ يأتي سلطانه من الشرّ. حقًا المملكة الـمُنقسمة على ذاتها لا يمكن أنّ تدوم. هذا هو معنى قوله: «الحَقَّ أَقولُ لَكم إِنَّ كُلَّ شَيءٍ يُغفَرُ لِبَني البَشَرِ مِن خَطيئةٍ وتَجْديفٍ مَهما بَلَغَ تَجْديفُهم. وأَمَّا مَن جَدَّفَ على الرُّوحِ القُدُس، فلا غُفرانَ له أبداً، بل هو مُذنِبٌ بِخَطيئةٍ لِلأَبَد» (مر 3: 28-29). إتهام الكتبة ليسوع، هو تجديف على الرّوح القدس الساكنة في يسوع حين إدعووا بأنه مسكن للشّر والشرير. في المشهد الأخير من النص، يعود أقارب يسوع إلى المشهد ببحثهم المهتم عن يسوع ليعود إلى مكانته. هنا يكشف لنا مرقس عن هويّة يسوع الثانية وهي هويّة تلاميذه. يعتمد وجه التلمذة على السبب الّذي يجعلنا نطلب يسوع. بحسب مرقس، بقاء التلاميذ بالبيّت مع يسوع يشير للتبعيّة والتلمذة الحقّة. بينما البقاء خارج البيّت يكشف عدم الإنتماء إلى تلك الدائرة الضيقة من تلاميذ يسوع. إنها فرصة لنكتشف حقيقتنا كتلاميذ: «مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ الله هو أخي وأُخْتي وأُمِّي» (مر 3: 34- 35). ما يفوق روابط الدّم في جماعة يسوع، روابط واضحة وطبيعيّة وهي الرابط الوحيد الّذي يجمعنا كأسرة يسوع هو إرادة الله أبينا. 5. نشوة الله (تك 3: 9- 15؛ مر 3: 20-35) توقفنا أمام كلّا النصييّن بالعهد الأوّل حيث أن نشوة الله كُشفت للإنسان منذ القِدم في حبه ومسيرة بحثه عنه بينما هو ينحرف عاصيًا للرّبّ، من خلال الزلة الأوّلى. إلا أنّ هذا البحث لازال يستمر حتى يّومنا، ويدهشنا إذ لازالت النشوة الإلهيّة تبحث عن مكان في قلب كلّ إنسان وهو مَن يرغب في أنّ يتبع إرادة الله ويطيعه. وبناء على هذا رأينا كيف جاء يسوع الّذي يكشف عن هذه النشّوة الإلهيّة، تاركًا ذاته موضعًا لنشوة الآب وداعيًا إيانا لنشاركه هذه الحياة الإلهيّة فنصير معه داخل البيت لنتمتع بالنشّوة الدائمة لله. لازال الله يبحث عني وعنك قائلاً: أين أنت؟ بل يأتي يسوع ليحررنا من كل ما يعيق حياتنا من تجديفات وعوائق ضد مسيحيتنا لئلا نصير فقط مسيحييّن بالإسم بل بالإيمان وبالفعل معًا. الخلّاصة بدأنا بالتوقف من الناحيّة اللّاهوتيّة بحسب العهد الأوّل (تك 3: 9-15)، بالتساؤل الّذي طرحه الخالق على الإنسان الأوّل "أين أنت؟". هذا السؤال الّذي يتردد بالمقطع الإنجيلي الـمُوجه إلى يسوع وتلاميذه بحسب مرقس (3: 20-35). ورأينا من خلال تدرجنا بين كاتبي سفر التكوين والإنجيل المرقسي أنّ يسوع وهو موضع النشّوة الإلهيّة يعطينا الإجابة وهي "إرادة الله". تتجسد إرادة الله، حينما نتحرر من مخاوفنا ونقرر الخروج من قوقعتنا الّتي نختبأ فيها في كل مرة نسمع الخطى الإلهيّة لنختار بارادتنا أنّ ننضم إلى يسوع لنعيش بحسب مشيئة الله ونكون موضع النشّوة الإلهيّة إينما وجدنا ومع كلّ آخر. دُمتم متحررين ومتمتعين بنشوة الله. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 165757 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() «أين أنت؟». ترتكز روايّة الزلة الأوّلى بالكامل على هويّة المؤمن أمام الله، يتم إختيار هذا النص للتعمق في كلمة الله الموجهة للحيّة مِن قِبل الله والّتي تشير إلى الصراع الدائم بين الإنسان والشرّ. بينما في النص الآخر بالعهد الثاني سيدهشنا اللّاهوت المرقسيّ الّذي يكشف عن هويّة يسوع المرتبطة بهويّة التلميذ (مر 3: 20-35). إلّا إننا أعطينا عنوانًا يربط كلّا النصييّن بهدف إلهي قدير وهو النشّوة الإلهيّة الّتي سنكشتفها تزداد تدريجيًا من العهد الأوّل للثاني. مدعوين للتفكير والإختيار بين نشّوتنا المستقلة عن الله والآخرى الّتي نصير فيها موضع لنشّوة الله! الحيّة: بدء الإنقسام (تك 3: 1-8) من النصوص الّتي نعرفها، كمؤمنين، عن ظهر قلب هذا النص الشهير بسفر التكوين حيث يروي، زلة الإنسان الأوّلى، من خلال حوار الله مع أوّل إنسان بعد الزلة الأوّلى. ونُصادف أنّ هذا النصّ مقصوصًا مِن قِبل الليتورجييّن (الّذين يختاروا النصوص الطقسيّة) فلا يمكن أنّ يبدأ هذا الحوار الإلهي بدون سبب، بل كان هناك خلفيّة ودافع ليُبادر الرّبّ بتوجيه تساؤله للإنسان الأوّل "أين أنت؟". يشير النص السابق إلى ردود أفعال قام بها الإنسان الأوّل، بناء عليها تبدأ مسيرة الله في البحث من جديد عن الإنسان الّذي خلقه بدافع حبّه للبشريّة. في واقع الأمر، تتلخص الآيات السابقة مباشرة لهذا النص 1- 8 بالإصحاح الثالث بسفر التكوين، عن بدء إنفصال الإنسان عن الله، بوصف دور عدو الخير ودخوله للعالم، من خلال الحيّة، الّتي يصفها كاتب سفر التكوين بأنّها كانت: «أَحيَلَ جَميعِ حَيَواناتِ الحُقولِ الَّتي صنَعَها الرَّبُّ الإِله» (تك 3: 1). إتخذ عدو الله-الشيطان، الحيّة، وهي إحدى مخلوقات الرّبّ، مكانًا له ليدخل العالم البشري، فصارت تتميز بصفاته وهي المكّر والخداع الّذي يتأسس على الكذب الّذي يفصل بين الخالق والمخلوق. بعد أنّ دار الحوار الشهير بين المرأة والحيّة، نتعجب كبشر أنّ الحيّة كحيوان يتكلم ولا نندهش بأنّ الكتب المقدسة غنيّة بكلمات إلهيّة، فالله لازال يتكلم! هذا الحوار جعل المرأة تنظر إلى الشجرة الّتي بوسط الجنّة، والـمُحرم الآكل منها مِن قِبل الرّبّ، بشكل شهواني. ومن خلال هذه النظرة دخل الموت إلى العالم. حيث كلمات الحيّة حملت الزيف والخداع للعالم عن حقيقة الله. يختتم الحوار بين المرأة والحيّة بالآكل من الشجرة ومشاركة رجلها وبالتالي وقوعهما معًا في الزلة الأوّلى. هنا يبدأ الإنفصال بين الله والإنسان، يتمثل لاهوتيًا في عصّيان الأمر الإلهي الواضح في سرد الكاتب حين: «أَمَرَ الرَّبُّ الإِلهُ الإِنسانَ قائلاً: "مِن جَميعِ أشْجارِ الجَنَّةِ تأكُل، وأَمَّا شَجَرَةُ مَعرِفَةِ الخَيرِ والشَّرّ فلا تَأكُلْ مِنها، فإنَّكَ يَومَ تأكُلُ مِنها تَموتُ مَوتًا"» (تك 2: 16-17). منذ البدء كان الله واضحًا في وضح حدود للعلاقة بينه وبين المخلوق البشري، والحدّ القاطع هو تحريم الآكل من الشجرة وبعصيّان الإنسان بدأ دخول الموت إلى العالم البشري، الّذي يرتكز على الإنفصال والعصيّان أي عدم طاعة الصوت الإلهي. يدل فعل الإنسان بطاعته لصوت الحيّة إلى رفض الله. من هنا دخل الشرّ للبشريّة: الخطيئة والموت من خلال العصيان، ودخل القلب البشريّ الإنحراف والإنفصال عن الله الخالق بسبب طاعته لصوت يُنافس الصوت الإلهيّ. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 165758 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() "الله يتكلم" (تك 3: 9- 13) يخبرنا كاتب سفر التكوين بأنّ الله لا يمكث غير مهتم بالإنسان بالرغم من معرفته بكل شئ فهو خالق العالم والإنسان ويحيط بعلِمِه كلّ الأفعال البشريّة. في هذا النص بحسب منهجيّة كاتب سفر التكوين الّذي يشير إلى ردّ فعل الله من فعل الإنسان قائلاً: «فسَمِعا وَقْعَ خُطى الرَّبِّ الإِلهِ وهو يَتَمَشَّى في الجَنَّةِ عِندَ نَسيم النّهار، فاِختَبأَ الإِنسانُ وامرَأَتُه مِن وَجهِ الرَّبِّ الإِلهِ فيما بَينَ أَشْجَارِ الجَنَّة. فنادى الرَّبُّ الإِلهُ الإِنسانَ وقالَ له: "أَينَ أَنْتَ؟"» (تك 3: 8- 9). بينما يسمع الإنسان وقع خطى الرّبّ يختبأ هو وإمرأته منه. فيأتي الصوت الإلهي في حوار خاص لأوّل مرة مع أوّل زوجيّن من خلال توجيه سؤاله: "أين أنت؟" أين أنت من مخطط حبي لك، أين أنت من حلميّ الّذي وضعته فيك لكلّ البشريّة؟ أين أنت من علاقتك بيّ؟ نندهش كمؤمنين وكثيراً ما يسألونني في القِدم كانت الحيّة تتكلم؟ وللأسف لا نندهش حينما نقرأ: "قال الله". وهنا الخطر الكبير، فالله هو الآخر العظيم الّذي يتنازل ويتعلّق بنا حبّاً فينا. ومع هذا يأتي ردّ الإنسان، حينما يتحاور الشخص الإلهي معه، بالإعتراف بحقيقة فعله الحرّ الثلاثيّة قائلاً: «إِنِّي سَمِعتُ وَقْعَ خُطاكَ في الجَنَّة فخِفْتُ لأَنِّي عُرْيانٌ فاِختبأتُ» (تك 3: 10). سماع الإنسان للخطى الإلهيّة، ولّد لديّه الخوف من خالقه وجعله يختبأ! هناك فارق بين أفعال الله وأفعال الإنسان. وبقرأتنا للحوار بين الله والإنسان، نكتشف أنّ الإنسان هو الّذي يلقي يخطأه على المرأة، كعادتنا اليّوم للهروب من تحملّ المسئولية وللمرة الوحيدة نسمع صوتها تقول: «الحَيَّةُ أَغوَتْني فأَكَلتُ» (تك 3: 13). لذا يأتي القرار الإلهيّ موجهًأ كلامه للحيّة قائلاً: «لأَنَّكِ صَنَعتِ هذا فأَنتِ مَلْعونةٌ مِن بَينِ جَميعِ البَهائِم وجَميعِ وحُوشِ الحَقْل. على بَطنِكِ تَسلُكين وتُرابًا تَأكُلين طَوالَ أيامِ حَياتِكِ. وأَجعَلُ عَداوةً بَينَكِ وبَينَ المَرأَة وبَينَ نَسْلِكِ ونَسْلِها فهُوَ يَسحَق رأسَكِ وأَنتِ تُصيبينَ عَقِبَه» (تك 3: 12-13). هذا القرار الإلهيّ والّذي يحمل مغزى لّاهوتيّ لم يُفهم بالعهد الأوّل بعد سيصير مفتاحًا جوهريًا لكلّ العهد الثاني. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 165759 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() نسل المرأة: نشّوة الله (مر 3: 20-35) مًن هو هذا الّذي سيأتي ليسحق رأس الحيّة؟ يأتي مرقس بحسب لّاهوته ليُجاوب على هذا التساؤل وأيضًا على مَن هو يسوع حقًا؟ هذا السؤال محور الإنجيل الثاني بأكمله. إلّا أنّ هذا السؤال يرتبط بسؤال آخر وهو مَن نحن؟ ما هي هويتنا كمخلوقات لله وكتلاميذ ليسوع؟ في بدء هذا النص يدخل أفراد أسرة يسوع بالمشهد، وسنلتقي بهم مرة أخرى بنهاية المقطع: «جاءَ [يسوع] إِلى البَيت، فعادَ الجَمعُ إِلى الاِزدِحام، حتَّى لم يَستَطيعوا أَن يَتنَاوَلوا طَعامًا. وبَلَغَ الخَبَرُ ذَويه فَخَرَجوا لِيُمسِكوه، لِأَنَّهم كانوا يَقولون: "إِنَّه ضائِعُ الرُّشْد"» (مر 3: 20-21). هذا هو وصف الإنسان على ابن الله الّذي تحاور قبلاً مع أوّل زوجين. حينما يتحاور ابن الله معنا نحن البشر نَصّفه بالمجنون. لقد جاؤوا ليأخذوا يسوع، لقول الجمع إنّه "ضائِعُ الرُّشْد" من الواضح أنّ كلام ابن الله الآن لا يثير ولا يدهش إعجاب معاصيريه البتّة. وربما اعتبروه أيضًا عاراً بل خطراً على كلّ الأسرة. هذا هو الرأي الأوّل عن يسوع الّذي يظهره مقطع الإنجيل المرقسيّ: سيكون ضائِعُ الرُّشْد. إنّ جنون يسوع هذا يخفي شيئًا حقيقيًا، يقولون إنّه فَقَدَ عقله. بالفعل، يسوع هو حقًا "ضائِعُ الرُّشْد" حينما ينفتح علينا كاشفًا لنا عن وجه الله الآب الحقيقي الّذي نجهله. يريد أقاربه أخذه وإعادته إلى المنزل، أما ابن الله الضائِعُ الرُّشْد في نظر البشر، في جوهره هو نشوة الله للبشرية. نحن البشر يصفنا كاتب الإنجيل الرابع، بلفظ أهل بيت يسوع: «جاءَ إِلى بَيتِه. فما قَبِلَه أَهْلُ بَيتِه. أَمَّا الَّذينَ قَبِلوه وهُمُ الَّذينَ يُؤمِنونَ بِاسمِه فقَد مَكَّنَهم أَنْ يَصيروا أَبْناءَ الله» (يو 1: 11-12). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 165760 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() المعرفة العقلّانيّة والتجديف (مر 3: 22- 35) الموضوع السائد بحسب النص المرقسي هو البحث عن يسوع، كما سنرى بنهاية هذا المقطع الحديث عن بحث أمّ يسوع وإخوته عنه.والهدف من هذا البحث لإعادته إلى المنزل. لكن يسوع لا يتوجب عليه الآن العودة للبيت، بل يجب أن يذهب من قرية إلى قرية ليعلن ملكوت الله. ثمّ يكشف مرقس نزاع آخر حول هوية يسوع، من خلال جدال الكتبة حول أصل قدرة يسوع على إخراج الشياطين. فالكتبة الّذين جاءوا من أورشليم، خبراء في الكتب المقدسة العبريّة، يعتقدون بقولهم: «إِنَّ فيه بَعلَ زَبول، وإِنَّه بِسَيِّدِ الشَّياطينِ يَطرُدُ الشَّياطين» (مر 3: 22). فكر الكتبة المعاصرين ليسوع بإنّه ينتمي إلى عالم مُعادٍ لله. ومن المثير للسخرية أنّ يضع مرقس هذا الرأي التجديفي، الّذي يدور حول يسوع، على أفواه علماء الكتب المقدسة، مما يكشف لنا أنّ معرفتهم العقلانيّة والسطحيّة للكتب المقدسة لا تكفي بمفردها الإيمان بيسوع. ثمّ في مرحلة تاليّة كشف يسوع في خطابه بالأمثال للكتبة عن عدم إتسّاق مُعتقداتهم عنه. حجته بسيطة للغاية وتبدأ من أعماله الخاصة. إذا كان يسوع يطرد الشّر فلا يمكن أنّ يأتي سلطانه من الشرّ. حقًا المملكة الـمُنقسمة على ذاتها لا يمكن أنّ تدوم. هذا هو معنى قوله: «الحَقَّ أَقولُ لَكم إِنَّ كُلَّ شَيءٍ يُغفَرُ لِبَني البَشَرِ مِن خَطيئةٍ وتَجْديفٍ مَهما بَلَغَ تَجْديفُهم. وأَمَّا مَن جَدَّفَ على الرُّوحِ القُدُس، فلا غُفرانَ له أبداً، بل هو مُذنِبٌ بِخَطيئةٍ لِلأَبَد» (مر 3: 28-29). إتهام الكتبة ليسوع، هو تجديف على الرّوح القدس الساكنة في يسوع حين إدعووا بأنه مسكن للشّر والشرير. في المشهد الأخير من النص، يعود أقارب يسوع إلى المشهد ببحثهم المهتم عن يسوع ليعود إلى مكانته. هنا يكشف لنا مرقس عن هويّة يسوع الثانية وهي هويّة تلاميذه. يعتمد وجه التلمذة على السبب الّذي يجعلنا نطلب يسوع. بحسب مرقس، بقاء التلاميذ بالبيّت مع يسوع يشير للتبعيّة والتلمذة الحقّة. بينما البقاء خارج البيّت يكشف عدم الإنتماء إلى تلك الدائرة الضيقة من تلاميذ يسوع. إنها فرصة لنكتشف حقيقتنا كتلاميذ: «مَن يَعمَلُ بِمَشيئَةِ الله هو أخي وأُخْتي وأُمِّي» (مر 3: 34- 35). ما يفوق روابط الدّم في جماعة يسوع، روابط واضحة وطبيعيّة وهي الرابط الوحيد الّذي يجمعنا كأسرة يسوع هو إرادة الله أبينا. |
||||