"إلهنا الّذي نجهله" بين كاتبّي سفر أَيّوبْ والإنجيلُ الثّاني
مُقدّمة
قرائتنا لمقال هذا الأسبوع سيمنحنا بصيرة جديدة حول موضوع "إلهنا الّذي نجهله". سنتناول بحسب العهد الأوّل، النص الكتابي من سفر أيّوب (38: 8-11) هو مقطع مختصر من خطاب الله مع أيّوب، حيث يكشف الرّبّ هويته المـُعلنة في قوى الطبيعة والخليقة. مدعوين للتنبه إلى قوة الله وسرّه وسيادته على التاريخ والخليقة. وعلى ضوء هذا النص سنعمق في مرحلة تاليّة للنص المأخوذ من العهد الثاني والّذي سنتوقف فيه أمام حدث شهير وهو حدث تهدئة العاصفة بحسب الإنجيل المرقسيّ. بينما نتابع، بحسب المنهجيّة المرقسيّة، حوار يسوع المباشر من خلال الأمثال، إذ يفتحنا على حدث مُعاش للتلاميذ مع يسوع (مر 4: 35-41)، ففي هذا النص سيكتشف التلاميذ الجديد عن يسوع المعلم وعن سرّه الإلهي. تأتي كلمات مرقس مُفتتحة النص بهذا التعبير: «قالَ [يسوع] لَهم [التلاميذ] في ذلكَ اليومِ نفسِه» (مر 4: 35). إذن هو نص كتابيّ يعلن فيه الإنجيليّ كشف مباشر من يسوع لنا، نحن تلاميذه اليّوم، من خلال الجهل أثناء إشتداد العاصفة وهم بالسفينة لإكتشاف الجديد عن هويّة يسوع وعلاقتنا به. نهدف من خلال هذا المقال التحرر من جهلنا البشري والتعرّف على حقيقة الله الّذي نعبده والحاضر بشكل سرّي في حياتنا بالرغم من موته أو العواصف الّتي نعبر بها.
1. عاصفة جهل الإنسان (أي 38: 8-11)
ينتمي سفر أيّوب إلى الكتب الحكميّة سواء بالكتب المقدسة العبريّة أم المسيحيّة، وهنا يقدم الكاتب الحكميّ عدة خطابات على لسان الرّبّ الإله ليؤكد الجهل البشريّ. فقد كان أيّوب إنسان بشريّ ككلّ إنسان، وما يشير إليه أليهو الشاب في أقواله لأيّوب وأصدقائه الثلاثة لجهلهم عن حقيقية الله والّذي بدأ في هذا التوبيخ من الإصحاح الثاني والثلاثون حينما بدأ الشاب أليهو إعلان رأيّه صراحة فيما يسمعه من أيّوب 32: 1 وحتى 37: 24 يفتتح الكاتب خُطب أليهو الشاب مقارنة بأيّوب وأصدقائه الثلاث، فهو أصغرهم: «... فغَضِبَ أَليهو بنُ بركْئيلَ البوزِيّ، مِن عشيرةِ أَيَّام. غَضِبَ غَضَبًا شَديدًا على أيّوبَ، لِزَعمِه أَنه أَبَرُّ مِنَ الله. وأَجابَ أَليهو بنُ بَرَكْئيلَ البوزيّ وقال: "إِنِّي صَغيرٌ في الأَيَّام وأَنتُم شُيوخ. [...] لِذلِك قُلتُ: اسمَعوا لي فأُبدِيَ أَنا أَيضًا عِلْمي» (32: 1- 10). مما يعني أنّ ما نقرأه قبلاً على لسان أليهو صديق أيّوب الّذي بدأ حواره مع أيّوب قائلاً: «ثُمَّ واصَلَ أَليهو كَلامَه وقال: ...» (أي 36: 1). وهذا يكشف حقيقة إله بني إسرائيل من جانب وحقيقة جهلنا البشريّ بهويّة الإله الّذي يعبده بني إسرائيل دّون أنّ يعرفه من جانب آخر داعيًا إلى الثقة بالرّبّ الإله أكثر من الثقة بالذات. لذا تفتتح الآيات القليلة هذا النص بتساؤل بلاغي ولّاهوتي هام حيث يتواصل كاتب سفر أيّوب الحكمي في إعلان أوّل الخطابات الإلهيّة حيث نقرأ على لسان الرّبّ الخطاب مُطّول من الآيات يحويّ 38: 1- 40: 5. يكشف تساؤل الكاتب بأوّل الخطاب بقوله: «فأَجابَ الرَّبُّ أَيُّوبَ مِنَ العاصفَةِ وقال: ...» (أي 38: 1).
من خلال قراءتنا لما تمّ سرده، من تحذيرات أليهو الشاب لأيّوب، أيّوب هو الّذي يُمثلنا اليّوم، وقبل التعمق في النص المختار، حيث بدأ أيّوب بالخروج من ذاته وإكتشاف لا ثقته بالرّبّ وجهله أمام حقيقة الإله الّذي كان يعتقد إنه يعبده. من هنا نسمع الصوت الإلهي من قلب العاصفة قائلاً: «مَن حَجَزَ البَحرَ بِمِصراعَين حينَ اندَفَع خارِجًا مِنَ الرَّحِم إِذ جَعَلت الغَمامَ لِباسًا لَه والغَيمَ المُظلِمَ قِماطًا وفَرَضتُ عليه حُكْمي وجَعَلتُ لَه مَغاليقَ ومِصراعَين وقُلتُ: إِلى هُنا تأتي ولا تَتَعَدَّىوهُنا يَقِفُ طُغْيانُ أَمواجِكَ؟» (أي 38: 8-11). من خلال هذه الكلمات يكشف الكاتب عن صوت الّربّ الإله الّذي يقترب من الإنسان بذاته يعلن عن ذاته كخالق، يثق بالإنسان ويمدّه بقوته الإلهيّة مشيراً إلى قدرته وسلطانه ليس للدفاع عن ذاته بالطبع ولكن ليُعرفنا نحن خلائقه ويكشف لنا عن جوهره. وأنا وأنت هل نعرف الإله الّذي نعبده أم نعتقد إننا نعرفه؟ يأتي صوت الرّبّ في قلب عاصفة أيّوب ليحرره، أالازال يأتي ونسمعه في عواصف أيّامنا؟
2. المساء الكتابيّ (مر 4: 35-41)
بناء على ما قرأناه بسفر أيّوب تأتي روايّة مرقس بالإصحاح الرابع، والّذي يوجهها لنا كتلاميذ الرّبّ الّذين نخطو بخطوات بسيطة وراء يسوع المعلّم، في وقت محدد. فنحن لازلنا في مساء اليّوم ذاته الّذي علّمنا يسوع المعلّم مع الجمع من خلال الأمثال، وهن هو الآب من خلال حدث مُعاش يكشف لنا جوهر تعليمه السابق. نعلم أنّ الأمثال بالعهد الثاني هي الوسيلة الّتي إتخذها يسوع ليُسهل الكثير في الكشف عن أسرار إلهيّة يصعب علينا فهمها كبشريين. رغبة المعلّم في أنّ يعلّمنا الجديد ويخبرنا، من خلال الأمثال، عن العلاقة بين ملكوت الله الّذي يتحدث عنه يسوع لنا كتلاميذه له وما سيحدث لاحقًا. في الروايّة المرقسيّة هناك أيضًا إشارة زمنية أخرى لا يمكننا تجاهلها الواضحة في قوله: «وقالَ [يسوع] لَهم [التلاميذ] في ذلكَ اليومِ نفسِه عندَ المساء» (مر 4: 35أ). ها نحن اليّوم، مدعوين لتتبع الأمر الإلهي بالتحرك نحو ظلام الليل، هذه السّاعة في الكتاب المقدس تشير لسّاعة الخوف والألم. حتّى في روايّة آلام يسوع بحسب الإنجيليين الأربعة (راج مر 14: 17 – 18)، نجد أن المساء وهو بدء لليل الـمُظلم سيكون أعظم إختبار وأصعب عاصفة، حيث سيتوجب على التلاميذ المعاصرين ليسوع التغلب عليها. نعم، بحسب هذا الحدث الـمُعاش،كل شيء يبدأ في المساء.
3. العبور المياه اليّوميّ (مر 4: 35ب- 36)
في هذا الوقت بالتحديد، يبدأ حدث تسّكين العاصفة بأكملّه من خلال فعل الأمر الصادر من يسوع المعلّم بقوله: «لِنَعبُرْ إِلى الشَّاطِئِ الـمُقابِل» (مر 4: 35ب). من خلال مياه البحر نحن بحاجة إلى وسيلة مواصلات لأنه من خلال العبور إلى الجانب الآخر وبحسب الفكر الكتابي الرمزيّ لعنصر مياه البحر، يمكننا تفسيره بأنّه من الضروري وبشكل عاجل التبشير بالملكوت حتّى في التغلب على الصعوبات والعواصف والمحن واختبار عواصف البحر الهائجة الّتي تثير مخاوفنا سواء في الحاضر أم نحو المستقبل.
عبور مياه البحر، هو العبور يّوميّ، وله دائمًا معنى قوي في الكتب المقدسة، إذ نحن بحاجة مُلحّة إلى أنّ نحمل الملكوت بداخلنا وننشر عبيره أينما ذهبنا، تاركين وراءنا كل روابط بشريّة سواء أشخاص وأشياء وغيره، قد تستعبدنا. دعوة يسوع اليّوم بالعبور هي دعوة تُجدد خروجنا من ذواتنا ومن قوقعتنا الذاتيّة، وليس بمفردنا نحن تعبر برفقة يسوع. فالغريب من خلال الصورة الكتابيّة البلّيغة الّتي يصف بها مرقس رسالتي يسوع وتلاميذه المستقبليّة تتضح في ضرورة إعلان الملكوت إلى أقاصي الأرض. لكن للقيام بذلك، مدعويّن للعبور من مكان راحتنا والتغلّب على أمواج البحر الغادرة. يؤكد النص بأنّ التلاميذ هم الّذين ألحّوا ليأخذوا يسوع معهم في السفينة لعبور البحر: «فتَركوا الجَمعَ وساروا به وهُو في السَّفينة» (مر 4: 36). هناك بعض التفاصيل الغريبة إذ يكشف الإنجيليّ بأنّ التلاميذ بالرغم من طاعتهم للمعلّم وقبولهم بالعبور إلّا إنهم كصيادين ماهريّن لمّ يتحركوا بالسّفينة إلّا ويسوع معهم متجهين نحو الشاطيء المقابل.
4. المفاجأة (مر 4: 37)
لكن أثناء عبور التلاميذ، ومعهم يسوع، البحر الّذي يشير لقوى الشّرّ، يحدث شيء غير متوقع: «فعَصَفَتْ رِيحٌ شَديدة وأَخَذَتِ الأَمواجُ تَندَفِعُ على السَّفينة حتَّى كادَت تَمتَلِئ» (مر 4: 37). صورة توحي بالدمار الكامل، يتضح من هيجان المياه وشدّة العواصف (راج أي 31: 1ت؛ يون 1: 4- 12). الشّرّ هو صورة المياه الرمزيّة، هذا الأمر الّذي يُهدد السّفينة وبالتالي يهدد حياة ركابها. ملء السّفينة بالمياه بسبب قوة الأمواج الّتي تعترضها وتبدو بأنّها ستدمر كلّ شيء. براعة الإنجيلي الّذي نجح ببضع ضربات فرشاته الكتابيّة في أنّ يرسم إعتراض المياه الطبيعيّ وفي ذات الوقت هو أمر لا يمكن إيقافه، والّذي يشعر أمامه التلاميذ الصياديّن المهرة بالعجز والخوف، وينتابهم الإستسلام فهم تحت رحمة الأمواج دون أنّ يكونوا قادريّن على فعل أيّ شيء لمواجهة هذا الضد المعاكس لقوة عواصف البحر. هكذا نحن، حينما ننسى أنّ يسوع المعلّم بسّفينتنا الحياتيّة ينتابنا الخوف من بعض التجارب، الّـتي تُمثل الشّرّ، والّتي نسمح لها بأن تملأ حياتنا حينما نعطيها أهميّة تفوق أهميّة حضور الرّبّ بأيّام حياتنا.
5. إلهنا الّذي نجهله (مر 4: 39)
يخبرنا مرقس بأن ردّ فعل التلاميذ هو الصراخ كتغبير عن الخوف أمام الموت والدمار بينما: «كانَ [يسوع] هُو في مُؤخَّرِها نائماً على الوِسادَة، فأَيقَظوه وقالوا له: "يا مُعَلِّم، أَما تُبالي أَنَّنا نَهلِك؟"» (مر 4: 38). ماذا يفعل يسوع المعلّم؟ أين هو؟ هو نائم! إله ينام بينما يبدو أن كل شيء ينهار، وحياة شعبه مهددة. لكن الكتاب المقدس يقول العكس تمامًا، فالرّبّ لا ينام (راج مز 121: 3-5). إنّها الأصنام الكاذبة هي الّتي تنام، كما تكشف لنا كلمات إيليا النبي السّاخرة أمام أنبياء البعل (راج 1مل 18: 27). يشير مرقس من خلال إستخدامه لصورة يسوع النائم، بعد أنّ ألحّ عليه تلاميذه ليعبر معهم. هذه الصورة الرّبّ النائم هي صورة مَن: «تُسَربِل بالقوةِ» (مز 18: 40). القوة الّتي يستحضرها التلاميذ يجب أنّ تأتي لخلاصهم، وتحريرهم من البحر ومن الموت. لكن ما هي سمات هذه القوة الّتي يستنجد بها التلاميذ؟ وما هي القوة التي يستخدمها الله للخلاص؟ إنها قوة مختلفة، في الصورة الّتي يستوحيها مرقس وهي نوم يسوع يمكننا أنّ نرى نومه في موته على الصليب وفي دفنه بالقبر. قوة الله العظيمة تكمن بالتحديد في مشهد الصليب، في صمته الظاهريّ أمام موت ابنه. حتى أمام موت يسوع على الصليب، في صمت سبت النور، إعتقد الإنسان إنّه رقد وغير قادر على الخلاص، لكنه في هذا الصمت تحديدًا يخلص. يُعدّ صراخ التلاميذ قبل نوم يسوع هنا تدخل الرّبّ.
يأتي يتدخل يسوع بقلب العاصفة بكلمتيه بحسب مرقس القول والفعل:
«فاِستَيقَظَ [يسوع] وزَجَرَ الرِّيحَ وقالَ لِلبَحْر: "اُسْكُتْ! اِخَرسْ!" فسكنَتِ الرِّيحُ وحدَثَ هُدوءٌ تَامّ. ثُمَّ قالَ لَهم "ما لَكم خائفينَ هذا الخَوف؟ أَإِلى الآنَ لا إِيمانَ لَكم؟"» (مر 4: 39- 40). أمام قول وفعل الإله الخالق، الّذي يجهله البشر، تستعيد الطبيعة صفاتها الّتي خُلقت عليها. تشيرا كلمتيّ يسوع الأوّلى موجهة للريح والبحر، والأخرى للتلاميذ الّذين يجهلون إلههم. أظهر يسوع أولاً قوته على البحر، وإنتصاراته، لكنه بعد ذلك يدعو تلاميذه إلى سؤال أنفسهم عن إيمانهم، وعن صورة الله، هل فهموا وجه ملكوت الله الّذي إنعكس في يسوع وفي تعلّيمه بالأمثال؟ هل سيفهمون وجه الله الّذي ظهر في آلام الابن؟ صراخ التلاميذ، قد يكون سمّة أو النعمة الّتي تأتينا في أوقات الخطر، هي لجوئنا كبشر للرّبّ ولكن من المخجل إنّه في أوقات الطمأنينة والنجاح نعتقد إننا نسير بشطارتنا وقدراتنا، وهذا الفكر هو من الشّرّير.
توجيه يسوع لتلاميذه، بسؤاله البلاغيّ الّذي نعرف الإجابة حقًا لأنّ إيماننا في الإله الّذي يرافقنا ضعيف فتأتي كلماته لاحقًا لنا كتلاميذه، اليّوم، ليفتح أمامنا العديد من سُبل التحرر من كلّ خوف يحرمنا من التمتع بالسَّلام وإستعادة الثقة ليس في ذواتنا أو مهارتنا بل في الرّبّ وفي حضور الرّبّ فقط. لقد أثار يسوع أسئلة لدى تلاميذه، لا بقدر ما أثار أجوبة: "فمن هو إذن؟" من خلال سلوك الّذي ينام أثناء العاصفة أنّ يثير التساؤلات حول "قدرة الله" وعن حضوره في التاريخ. إندهاش التلاميذ بقولهم: «فخافوا خَوفاً شَديداً وقالَ بَعضُهُم لِبَعْض: "مَن تُرى هذا حتَّى تُطيعَه الرِّيحُ والبحر؟"» (مر 4: 41)، يدلّ حقًا على جهلهم ليسوع المعلّم الّذي يطيعونه دون أن يعرفوا حقيقته، ونحن مَن نطيع؟ يسوع الإنسان أم الإله؟ ثمّ يفاجئنا الإنجيليّ بإنّ طاعتنا للأمر الإلهيّ سيتم بعبورنا لمياه البحر الهائج بالرغم من العواصف والريح وغيره، حيث سنصل مع يسوع المعلّم إلى أرض وثنية، خارج حدود إسرائيل (راج مر 4: 41ت). لابد من العبور، يتوجب علينا المجازفة والخروج من الضمانات والسبب هو ثقتنا بالرّبّ وتحملّ مسئوليتنا بإعلان الملكوت والكرازة به في الأماكن غريبة عنا. قد تسكن هذه الأماكن باطننا، فالأماكن الوثنيّة هي الّـتي تجهل ألوهيّة الرّبّ والخطر إنها بداخلنا ونحن نجهلها. مدعوين أوّلاً باعلان رسالة الملكوت لباطننا فهو الرسالة الأوّلى الّتي ستحملنا للعبور الحقيقي لإعلان الملكوت لآخرين.
الخلّاصة
على ضوء ما قرأناه بالعهد الأوّل من كلمات الرّبّ بسفر أيّوب (38: 8-11)، حيث نكتشف القدرة الإلهيّة، فالرّبّ ليس ضد الإنسان بل مع الإنسان. وبالعهد الثاني رأينا حدث تهدئة العاصفة يكشف عن إستمراريّة يسوع المعلّم الّذي في صورة النائم بحسب السرد المرقسيّ (4: 35-41) يأتي بذاته وبقوة كلمته ليُسكّن عواصف حياتنا. مدعويّن كمؤمنين اليّوم أنّ نُكافح من أجل إعلان إيماننا وثقتنا بالرّبّ بطرق تتناسب مع معرفتنا لحقيقية الله الّذي نعبده. ففي صرخة التلاميذ هذه يظهر الخوف والهروب من الخلاص أي رفض الصلّيب، أي رفض طرق النجاة الإلهيّة الّتي يجب أنّ يتعامل معها كلّ جيل من تلاميذ يسوع. أمّا بالنسبة لمرقس، فإنّ قوة الله ظهرت في نوم يسوع على السّفينة الّتي تتقاذفها الأمواج. في يسوع، أخذ الله على عاتقه كل ما يتعلق بنا من خذل، ونوم، وجهل وخوف يدفعونا إلى إغماض أعيننا حتى مستقلين نظرتنا لذواتنا. هكذا يخلص الله يأخذ على عاتقه كل ما يتعلق بنا، حتى جهلنا ولكن في هذا النّوم في مؤخرة السفينة، يعلن سرّ الملكوت، سرّ قوة الله، الّذي قد يبدو لنا أحيانًا غيابًا، لكنه في الواقع هو طريقة أخرى للحضور الحقيقي. قد يبدو الله غائبًا بالنسبة لنا، لأننا نجهل حضوره الخفي والسرّيّ في حياتنا الباطنيّة والعلائقيّة. دُمتم في حضور ومعرفة السرّ الإلهيّ الفيّاض.