27 - 06 - 2024, 10:37 AM | رقم المشاركة : ( 164891 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القدّيس أفرام السِّريانيّ كان أعضاء الجماعة المسيحيَّة الأولى حقا يعيشون في فرَح ودعة وسَلامةِ قَلْب (أعمال 2: 46)، لان "مَلَكوتَ اللهِ بِرٌّ وسَلامٌ وفَرَحٌ في الرُّوحِ القُدُس" (رومة 14: 17). " لِمَ لا ندخل نحن أيضًا في نهر هذا الفرَح؟" لنفرَح به كما فرَح هو بنا". |
||||
27 - 06 - 2024, 10:38 AM | رقم المشاركة : ( 164892 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القديس أنسيلموس "ربّي وإلهي، يا رجائي وفرَح قلبي، لقد وجدت بالفعل فرَحا تامًّا، لأنّ قلبي، ونفسي وروحي، وكلّ كياني مليء من فرَحك الّذي يفيض دون مقياس". |
||||
27 - 06 - 2024, 10:39 AM | رقم المشاركة : ( 164893 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
صلاة يسوع من أجل حفظ التَّلاميذ من الشِّرير لم يصلِّ يسوع من أجل وحدة التلاميذ وفرحهم بل صلّى أيضا من اجل أن يَحفظهم الآب السَّماوي من الشِّرير. لم يصلِّ يسوع كي يأخذ الآب التَّلاميذ من العَالَم، لان ذلك يعطِّل الغرض الإلهي، ولكن لكي يَحفظهم من الشَّيطان "لا أَسأَلُكَ أَن تُخرِجَهُم مِنَ العَالَم بل أَن تَحفَظَهم مِنَ الشِّرِّير" (يوحنا 17: 15). كان على المسيح أن يذهب إلى الآب، بينما هم يجب أن يبقوا في العَالَم ليتمِّموا مهمة الآب "كَمَا أَرسَلَتني إلى العَالَم فكَذلِكَ أَنا أَرسَلتُهم إلى العَالَم" (يوحنا 17: 18). وصلَّي كي يقدِّسهم الآب في حياة الحق المُجسّدة في شخصه، وهي حياة الطَّهارة والقداسة "كَرِّسْهُم بالحَقّ إِنَّ كلِمَتَكَ حَقّ" (يوحنا 17: 17). لم يهمل المجمع الفاتيكاني دور التلاميذ الهام " إن كهنة العهد الجديد بموجب دعوتهم وسيامتهم، أصبحوا مفروزين بنوع ما وسط شعب الله، ولكن لا ليكونوا في عزلة عنه أو عن أي إنسان، وإنما ليكونوا مكرّسين كليًا للعمل الذي من أجله اختارهم الرَّب (أعمال الرُّسل 13: 2). وإنهم لا يستطيعون أن يكونوا خدّامًا للمسيح، إن لم يكونوا شهودًا ومُوزَّعين لحياة غير هذه الحياة الأرضيَّة، ولكنهم لن يستطيعوا أن يخدموا النَّاس، إذا ظلوا غرباء عن حياتهم وظروفهم وأحوالهم" (مجمع الفاتيكاني، في حياة الكهنة وخدمتهم الرَّاعويَّة، 3). |
||||
27 - 06 - 2024, 10:43 AM | رقم المشاركة : ( 164894 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لم يطلب يسوع حفظ تلاميذه بإزالة التَّجارب والضيقات من طريقهم، وإنما تنعُّمهم بالنَّصرة في صراعهم ضد الشَّر وحفظهم من الفَساد الذي حلَّ بالعَالَم، وذلك من خلال هبة روح القوِّة والنَّصرة على شر العَالَم فلا يقترب إليهم الشِّرير. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "يحفظهم من الشَّر الأخلاقي، من الرَّذيلة، وضعف القلب". ولا يقف عمل الله فيهم عند حفظهم من الشَّر والشِّرير، وإنما يمتد إلى العمل السُّلوك بالقداسة والصَّلاح وعمل البِرّ، وتقديسهم أيضًا بمعنى النُّمو المستمر في الإيمان والاضطرام الدائم للقلب بروح الله. أمَّا وسيلة التَّقديس فهي "في حقك"، "كَرِّسْهُم بالحَقّ إِنَّ كلِمَتَكَ حَقّ " (يوحنا 17: 17)، أي خلال كلمة الله. بالكلمة والصَّلاة. |
||||
27 - 06 - 2024, 10:48 AM | رقم المشاركة : ( 164895 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القديس يوحنا الذهبي الفم "الله يحفظهم من الشَّر الأخلاقي، من الرَّذيلة، وضعف القلب". |
||||
27 - 06 - 2024, 10:49 AM | رقم المشاركة : ( 164896 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
جاء يسوع إلى العَالَم لانتزاع البشر من خلال موته من عبودية الشَّيطان ورميه خارجًا (يوحنا 12: 31)، لذلك سأل يسوع من الآب السَّماوي طلبين لتلاميذه. الطلب الأول: أحفظ التَّلاميذ (يوحنا 17: 11-16) حيث يصلي يسوع أن يحفظهم في الوَحْدَة “لِيَكونوا واحِدًا كما نَحنُ واحِد" (يوحنا 17 :11)، ويحفظهم في الفرَح: أَمَّا الآنَ فإِنِّي ذاهِبٌ إِلَيكَ. ولكِنِّي أَقولُ هذه الأَشياءَ وأَنا في العَالَم لِيَكونَ فيهِم فَرَحي التَّامّ (يوحنا 17: 13) ويحفظهم من الشِّرير " لا أَسأَلُكَ أَن تُخرِجَهُم مِنَ العَالَم بل أَن تَحفَظَهم مِنَ الشِّرِّير (يوحنا 17: 16). |
||||
27 - 06 - 2024, 10:50 AM | رقم المشاركة : ( 164897 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يطلب يسوع لتلاميذه من آبيه نعمة التَّكريس أو التَّقديس للرِّسالة التي ستكمّل رسالته بعد أن يغادر هذه الأرض. "كَمَا أَرسَلَتني إلى العَالَم فكَذلِكَ أَنا أَرسَلتُهم إلى العَالَم" (يوحنا 17 :18). انه يريدهم لله بكُليتهم، مُكرسين لعمله في الحق. والحق ليس الأمانة للعهد والشَّريعة فحسب، إنَّما أيضًا الأمانة لكلمة الله، "حقيقة الإنجيل" (غلاطية 2: 5) أي ملء الوحي الذي يجد مركزه في المسيح الذي قال:" أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة" (يوحنا 14 :6). إنّ معرفتنا بالرَّبّ يسوع الّذي قد صلّى من أجلنا نحن تلاميذه لا بُدّ أن تُعطينا الثِّقة ونحن نعمل من أجل ملكوته. |
||||
27 - 06 - 2024, 10:53 AM | رقم المشاركة : ( 164898 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أيها الآب السَّماوي، نسألك باسم يسوع ابنك الذي صعد إلى السَّماء أن يتشفع فينا، وأن تحفظنا باسمك وتحمينا من الشِّرير وتهبنا الوَحْدَة لنعيش في شركة مَحَبَّة والفرح، فنسير على وفق دعوتنا المسيحيّة، فنكون شهودًا للحق أمام العَالَم فنَصِلَ بِأَجمَعِنا إلى وَحْدَة الإِيمانِ بِابنِ اللهِ ومَعرِفَتِه ونَصيرَ الإِنسان الرَّاشِد ونَبلُغَ القامةَ الَّتي تُوافِقُ كَمالَ المسيح" (أفسس 4: 13). يا رب، لا أسألك أن تعفيني من التَّعب، بل أن تمنحني القوِّة على عمل ما عليَّ؛ ولا أسألك الخلو من التَّجارب، بل النِّعمة لأقوى عليها، ولا أسألك عدم حلول المصائب، بل التَّعزية والفرَح الثَّبات في مَحَبَّة الله ولا أسألك أن تُخرجني من العَالَم، بل أن أفيد العَالَم مدة بقائي فيه. |
||||
27 - 06 - 2024, 10:55 AM | رقم المشاركة : ( 164899 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
قصة وعبرة: في الوَحْدَة القوِّة من لا يعرِفها قصّة الملك، الّذي كان له أولادٌ كثيرون وكان لا يُريد تقسيم مملكته إلى ولاياتٍ صغيرة، لكلِّ واحدٍ حُصَّتُه الصَّغيرة ل أرادها أن تبقى مملكة مُوَحْدَة مُتكاملة لهم جميعًا وليس ولايات صغيرة مُستقلَّة، بحدود فاصِلَة مُتعادية. فجمعَهم حول فراش موته وقدّم لهم حُزْمَةَ عصيٍ مربوطة وطلب من أولاده واحدًا واحدًا أن يحاول كسرها، فلم ينجحوا. لذا حلَّ الرّباط عن العصي وأعطى كلَّ واحدٍ منهم عصا واحِدة، طالبًا منهم مُحاولةَ كَسْرِها. فنجح كلُّ واحدٍ بكسر عصاه بسهولة. لا لحاجة لشرح مغزى هذه القصّة مُطوَّلًا. الوَحْدَة والاتحاد هما قُوّةٌ يصْعُب خَرْقُها. في الاتحاد قوِّة. |
||||
27 - 06 - 2024, 11:52 AM | رقم المشاركة : ( 164900 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المزمور المئة والرابع الله الخالق الممجد "باركى يا نفسي الرب. يارب إلهي قد عظمت جدًا .." ع1 مقدمة: كاتبه: هذا المزمور ليس له عنوان، أي أنه من المزامير اليتيمة، ولكن الترجمة السبعينية تنسبه إلى داود. يوجد تشابه بين هذا المزمور والمزمور السابق له، فكلاهما يسبح الله، ولكن المزمور السابق يسبحه على رحمته مع شعبه، أما هذا المزمور فيظهر رعاية الله للطبيعة كلها. يتشابه هذا المزمور أيضًا مع الإصحاحين الأول والثانى من سفر التكوين، ولكن يلاحظ أن سفر التكوين يركز على الخليقة التي خلقها الله، أما هذا المزمور فيركز على عظمة الخالق الذي يرعى الخليقة كلها. هذا المزمور ليتورجى كان اليهود يرددونه في صباح يوم الكفارة العظيم، حيث يسمح الله لرئيس الكهنة بدخول قدس الأقداس؛ لأن هذا اليوم يرمز لتجديد الخليقة كما يذكر المزمور (ع30)، فهو يرمز ليوم الجمعة العظيمة التي فيها تقدم رئيس كهنتنا المسيح إلهنا وفدانا على الصليب؛ لذا نعلن أنه هو خالق وراعى الخليقة كلها، ونمجده. يوجد تشابه بين هذا المزمور والمزمور (مز19) لأن كليهما يظهر الله الخالق العظيم الذي يرعى خليقته ويتمجد فيها. لا يوجد هذا المزمور في صلوات الأجبية. (1) الله خالق السماء والأرض (ع1-9): ع1: بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ. يَا رَبُّ إِلهِي، قَدْ عَظُمْتَ جِدًّا. مَجْدًا وَجَلاَلًا لَبِسْتَ. يبدأ المزمور بتسبيح الله عندما ينادى كاتب المزمور نفسه لتبارك الله، ويتكلم كاتب المزمور بفخر عن الله، فيقول إلهى، أي أن هناك علاقة خاصة بينه وبين الله، ويقول له لقد عظمت جدًا ليس بمعنى أنه قد إزداد عظمة؛ لأنه كامل في ذاته منذ الأزل، لكنه صار عظيمًا في عينى كاتب المزمور، عندما أدرك رعايته، وقوته التي خلقت العالم وترعاه لتدبره. وكل من يؤمن بالله، ويتنقى بالتوبة يستطيع إدراك عظمة الله. يشبه كاتب المزمور الله بإنسان عظيم قد لبس الجلال والمجد، ويقصد عظمة الله الظاهر أمام الناس في خلقته، ورعايته للعالم. فالمجد والجلال ملتصقان به، كما تلتصق الثياب بالإنسان. ع2: اللاَّبِسُ النُّورَ كَثَوْبٍ، الْبَاسِطُ السَّمَاوَاتِ كَشُقَّةٍ. شقة: قطعة من القماش، أو الجلد يسهل بسطها مثل الخيمة، أو الستارة. الله نور ومصدر كل نور، لذا يعبر كاتب المزمور عن ذلك بقوله اللابس النور، أي أن النور ملتصق به، وهو خالق النور. وأيضًا خلق السموات بكلمته بسهولة، كما يبسط الإنسان شقة الخيمة، أي قماش الخيمة بسهولة. ومن يؤمن بالله العظيم كما في (ع1) يتمتع بنوره، ثم كلمته التي تعمل فيه بسهولة. إن الله اللابس النور يشير إلى تجسد المسيح بجسده الطاهر، أي النورانى. أما نحن المؤمنون فنلبس النور، أي المسيح إن سلكنا بوصاياه. والنور يكشف كل شيء، فالله اللابس النور يفحص القلوب والكلى، وليس شيئًا مخفيًا عنه. وقد بسط السماء بعد أن خلق النور في اليوم الأول؛ ليعلن أنه إن كانت السماء مسكنه، فنحن البشر الذين نحيا على الأرض لا يمكننا أن نرى نوره، ولكن نرى شيئًا من نوره قدر ما نستطيع أن نحتمل. الآن نراه كما في مرآة، ولكن هناك في السماء نراه وجهًا لوجه (1 كو13: 12) أي يكشف الله لنا بعضًا من نوره. وقدر ما نحيا معه يكشف لنا عن أسرار نوره، فنتمتع بعشرته. والله اللابس النور أنار العالم عندما خلق النور، وبالتالي يمكن أن توجد بعد ذلك حياة للإنسان وكل الخلائق، والله أيضًا ينير قلوبنا بمعرفته، فنمتلئ فرحًا. ع3: الْمُسَقِّفُ عَلاَلِيَهُ بِالْمِيَاهِ. الْجَاعِلُ السَّحَابَ مَرْكَبَتَهُ الْمَاشِي عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ. علاليه: جمع علية وهي الحجرة العلوية في البيت، والمقصود بها السماء. يظهر كاتب المزمور عظمة الله في خلقته للسماء، وهي عبارة عن ماء في شكل بخار، وجعلها سقفًا للأرض، وكل ما فوقها من إنسان، وحيوان، وطيور. وتتجلى قوة الله في ضبطه لهذا الماء، الذي هو السحاب، فلا يستطيع أن يتكثف وينزل في شكل أمطار إلا بأمره، وبالمقدار الذي يريده لمنفعة الإنسان. ويعبر أيوب عن السحاب، فيشبهه بصره مملوءة بالماء، يمسكها الله بيده؛ حتى لا تغرق الأرض كلها (أى26: 8). الله يركب عل السحاب ويمشى على الريح، الذي يشبهه الكاتب هنا بأجنحة، مثل أجنحة طائر. فالله هو خالق كل هذه، وضابطها، ويركب فوقها، أو يمشى عليها. ولأجل عظمة السحاب والضباب فهو يمثل حضرة الله لعلوه عن الأرض، وبهائه، كما كان الضباب يغطى خيمة الاجتماع، أو هيكل سليمان عند حضور الله (خر20: 21؛ 1 مل8: 12)، وعندما حل الله على الجبل، وأعطى موسى الوصايا والناموس (تث5: 22). السحب، أي الضباب يمثل الغموض، فيرمز لأسرار الكنيسة، والمياه هي مياه المعمودية، والرياح تشير للروح القدس العامل في الكنيسة والأسرار والمؤمنين. والخلاصة أن الله، الذي يعلو بفكره عن الجميع، يعمل في أولاده في الكنيسة؛ ليملأهم بقوته، ويعطيهم كل احتياجاتهم، فيجعل أولاده الأرضيين ملائكة يعيشون في السماء وهم على الأرض. ع4: الصَّانِعُ مَلاَئِكَتَهُ رِيَاحًا، وَخُدَّامَهُ نَارًا مُلْتَهِبَةً. الله هو خالق الملائكة، وخلقهم رياحًا؛ أي أرواحًا لها قدرات كبيرة في الإدراك، والحركة. وهم أرواح تدرك محبة الله وعظمته، فتسبحه دائمًا، وتطيعه، وتخدمه، وتعتنى بالبشر بحسب أوامره. وهم أرواح لا يراهم الإنسان، ولكن يشعر بعملهم. الله أيضًا خلق الملائكة نارًا ملتهبة، وذلك بروحه القدوس النارى، وهم ملتهبون بمحبة الله، ويرفضون الشر؛ لأن النار تأكل الشوائب، والأشواك التي ترمز للخطية، ويعملون أوامر الله بسرعة مثل لهب النار. ع5: الْمُؤَسِّسُ الأَرْضَ عَلَى قَوَاعِدِهَا فَلاَ تَتَزَعْزَعُ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ. تظهر أيضًا عظمة الله في تثبيت الأرض كأنها على قواعد، كما كان يعتقد الأقدمون. ويقصد الله هنا بالقواعد ثبات الأرض، رغم أن الأرض تدور حول نفسها كل يوم، ولكن بحكمة الله لا نشعر بهذا، فنحيا مطمئنين. الأرض تحمل البشر، والمؤمنين إن ثبتوا في المسيح حجر الزاوية فلا يتزعزون. ع6: كَسَوْتَهَا الْغَمْرَ كَثَوْبٍ. فَوْقَ الْجِبَالِ تَقِفُ الْمِيَاهُ. كانت المياه تغطى كل شيء في بدء الخليقة، وقال الله لتظهر اليابسة، وتجتمع المياه في مكان، وسماها بحارًا، وسمى اليابسة أرضًا (تك1: 9)، أي أن الارض بجبالها كانت مغطاة بالمياه، ثم ظهرت بأمر الله. ولم تغمر المياه الأرض مرة أخرى إلا في الطوفان أيام نوح، ولن تغمرها ثانية كما وعد الله (تك8: 21). الجبال ترمز للقديسين، والرسل، والخدام. والمياه التي فوقها هي عمل الروح القدس فيهم، وبركته على رؤوسهم. 7- مِنِ انْتِهَارِكَ تَهْرُبُ، مِنْ صَوْتِ رَعْدِكَ تَفِرُّ 8- تَصْعَدُ إِلَى الْجِبَالِ. تَنْزِلُ إِلَى الْبِقَاعِ، إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَسَّسْتَهُ لَهَا. 9- وَضَعْتَ لَهَا تَخْمًا لاَ تَتَعَدَّاهُ. لاَ تَرْجعُ لِتُغَطِّيَ الأَرْضَ. رعدك: رعد الله، أي صوته وكلمته وأمره. تخمًا: حدودًا. البقاع: الأراضي. الله أمر المياه، فتحركت بسرعة لتغمر الأرض بالطوفان أيام نوح فغطت الجبال والوديان، ولكن بعد هذا أمرها الله أن تنسحب، فعادت الأرض للظهور، ونزل نوح، ومن معه من الفلك. والله أيضًا طمأن الإنسان بأن وضع حدودًا للبحر لا يتعداه؛ حتى لا يغمر الأرض، بل أعطاه علامة في السماء هي قوس قزح، عندما تهطل الأمطار بشدة، فتظهر في السماء ألوان الطيف السبعة؛ ليعرف أن الله لن يغمر الأرض بطوفان مرة أخرى. كل هذا يؤكد عظمة الله وسلطانه، وفى نفس الوقت يبين غضب الله على الشر، ومحبته، ورعايته لأولاده المؤمنين. الله يسمح بالتجارب أن تغطى الكنيسة ليؤدبها فتتوب، ثم يعود فيرفعها، ويبارك أولاده عندما يتوبون، ويفرحون بعطايا الله. الآيات من (ع5-9) تحدثنا عن خلقة الله للأرض في اليوم الثالث (تك1: 9، 10). † الله خلق السماء والأرض لأجلك، بل كل ما على الأرض لمنفعتك، ولا شيء يحدث إلا بأمره، فاطمئن لأنه ضابط الكل، وهو أبوك الذي يحبك، ويرعاك، فتمسك بوصاياه، وأثبت في كنيسته، فتتمتع بعشرته. (2) الله يعول الإنسان والحيوان (ع10-18): 10- اَلْمُفَجِّرُ عُيُونًا فِي الأَوْدِيَةِ. بَيْنَ الْجِبَالِ تَجْرِي 11- تَسْقِي كُلَّ حَيَوَانِ الْبَرِّ. تَكْسِرُ الْفِرَاءُ ظَمْأَهَا 12- فَوْقَهَا طُيُورُ السَّمَاءِ تَسْكُنُ. مِنْ بَيْنِ الأَغْصَانِ تُسَمِّعُ صَوْتًا. الفراء: الحمار الوحشي. ظمأها: عطشها. يحدثنا كاتب المزمور في هذه الآيات التالية عن الله المعتنى بخليقته، فلا يكتفى بإعداد مياه البحار والأنهار للخليقة، بل يفجر أيضًا ينابيع ماء من المياه الجوفية التي في الأرض، فتجرى في كل مكان حتى بين الجبال؛ لتسقى ليس فقط الإنسان، بل أيضًا الحيوانات والنباتات، والطيور التي تطير فوق الأشجار وعلى الجبال. وهو يسقى الحيوانات الأليفة، والحيوانات الوحشية. وعندما تشرب الحيوانات المياه ترعى بحرية، أما الطيور فتغرد على الأغصان مسبحة الله الذي يرعاها. إن الله يهتم ليس فقط بالإنسان، بل بالحيوانات أيضًا والطيور؛ حتى تتحرك قلوب البشر لتشفق على الحيوانات، والطيور، والنباتات، والأشجار. ومن ناحية أخرى إن كان الله يشفق على الحيوانات والنباتات، فهو بالطبع يشفق على قائد الخليقة، أي الإنسان. ع13: السَّاقِي الْجِبَالَ مِنْ عَلاَلِيهِ. مِنْ ثَمَرِ أَعْمَالِكَ تَشْبَعُ الأَرْضُ. الله يسقى الأرض كلها حتى أعلى ما فيها وهي الجبال، فإن كانت الأنهار والينابيع تسقى الأودية، فالله يسقى الجبال من علاليه، أي السحب بالأمطار. والجبال ترمز للقديسين الذين يسقيهم الله من السماء بروحه القدوس، فيمتلئون على الدوام من نعمته. أعمال الله؛ أي المياه التي تسقى النباتات والأشجار تعطى ثمارًا تشبع بها كل من على الأرض من إنسان وحيوان. وهذا يرمز لعمل الروح القدس في الرسل والكهنة والخدام، فيعطيهم ثماره الروحية التي تفيض على كل من يحتاج لسماع كلمة الله وتشبعه. ع14: الْمُنْبِتُ عُشْبًا لِلْبَهَائِمِ، وَخُضْرَةً لِخِدْمَةِ الإِنْسَانِ، لإِخْرَاجِ خُبْزٍ مِنَ الأَرْضِ، يهتم الله بطعام الحيوانات، فيعطيها عشبًا لتأكل، وهي النباتات السريعة النمو. أما الإنسان الذي يهتم بالزراعة، فيعطيه الخضرة، وهي الخضراوات، وكذلك الفاكهة، وأيضًا المحاصيل التي تعطى الخبز، مثل القمح والذرة والشعير. فالله يهتم بإشباع كل خلائقه. ويوجد معنى هذه الآية في (مز147: 8). الخبز هو كلمة الله التي تشبع أرواحنا، وهو المسيح المتجسد في ملء الزمان؛ ليفدينا ويشبعنا. ع15: وَخَمْرٍ تُفَرِّحُ قَلْبَ الإِنْسَانِ، لإِلْمَاعِ وَجْهِهِ أَكْثَرَ مِنَ الزَّيْتِ، وَخُبْزٍ يُسْنِدُ قَلْبَ الإِنْسَانِ. الله يهتم بالإنسان فوق كل الخلائق، فيعطيه الخبز ليسنده جسديًا، والخمر أيضًا - أي عصير العنب المختمر، والذي كانت تنتشر أشجاره في بلاد اليهود - تعطيه صحة وحيوية تظهر في لمعان وجهه. وإن كان بعض الناس يشربون الخمر المركزة التي تسكرهم، فهذا انحراف ليس له علاقة بالآية، وينهى عنه الكتاب المقدس. من الواضح أن الخمر والخبز يرمزان لجسد ودم المسيح اللذين يشبعان الإنسان روحيًا، فيفرح ويلمع وجهه، ويبتهج قلبه، ويستند عليهما في كل حياته. ع16: تَشْبَعُ أَشْجَارُ الرَّبِّ، أَرْزُ لُبْنَانَ الَّذِي نَصَبَهُ. إن الأشجار بما فيها أرز لبنان العالى المستديم الخضرة، الذي خلقه ونصبه الله، تشبع هذه كلها من مياه الله ودسم الأرض، فتنمو وتمتد إلى علو كبير، وتشكر الله الذي يهبها الحياة. أرز لبنان أشجار عالية ترمز للمؤمنين القديسين المرتفعين إلى السماء بصلواتهم الكثيرة. وكما أن الأشجار مستديمة الخضرة، هكذا القديسين ممتلئون حياة روحية، والله أقامهم ليكونوا نورًا للعالم. وهم يشبعون من فيض الروح القدس عليهم. ع17: حَيْثُ تُعَشِّشُ هُنَاكَ الْعَصَافِيرُ. أَمَّا اللَّقْلَقُ فَالسَّرْوُ بَيْتُهُ. اللقلق: طائر طويل المنقار والأرجل، يطير إلى ارتفاعات عالية، ويصارع النسر ويغلبه. وهو صديق الإنسان، ويأكل الحشرات والضفادع والفئران من الحقول. ويصنع أعشاشه في أعلى الأشجار وعلى أسلاك الكهرباء. السرو: أشجار مرتفعة تنمو في لبنان، ودائم ومستديم الخضرة، وينافس الأرز في ارتفاعه. الأشجار العالية تلتجئ إليها الطيور الصغيرة، مثل العصافير، أو الكبيرة مثل اللقلق، فتصنع فيها مسكنًا لها، وتستقر فيها، وتسبح الله الذي يقوتها، ويدبر لها مساكنها واستقرارها. الأشجار العالية مثل الأرز والسرو ترمز للقديسين الذين يلتجئ إليهم المبتدئون في الحياة الروحية؛ ليتعلموا منهم، ويلتصقوا بهم، ولكن لابد أن يرتفعوا نحو السماء بصلواتهم، ليتعلموا الحياة الروحية، كما تطير العصافير واللقلق إلى أعالى الأشجار. السرو شجرة طيبة الرائحة، ومستديمة الخضرة ومرتفعة إلى السماء، ولا يأكلها السوس، فترمز للمسيح المتجسد مصدر الحياة، وهو النازل من السماء وأيضًا بلا خطية، فلا يقترب إليه الشر (السوس). ع18: الْجِبَالُ الْعَالِيَةُ لِلْوُعُولِ، الصُّخُورُ مَلْجَأٌ لِلْوِبَارِ. الوعول: جمع وعل وهو تيس الجبال، الذي يتميز بالنشاط وسرعة الحركة. الوبار: حيوان صغير يشبه الأرنب. الوعول تستطيع أن تهاجم الثعابين وتأكلها، ولذا فهي تسكن في الجبال، ولا تخاف من شيء، فأعطاها الله قوة ونشاط لتسكن الجبال. أما الوبار فهو حيوان ضعيف، لا يستطيع أن يحفر له مسكنًا، فلذا يحتمى في الصخر. وهو حيوان نجس في شريعة اليهود، مثل اللقلق، ومع هذا فالله أعطاهم أن يسكنوا في الصخور والسرو، كما يقبل المسيح الخطاة التائبين. † ما أعظم تدابيرك يا الله، فتعطى حياة لكل خلائقك بما يناسب كل نوع، فكم بالأحرى تهتم بالإنسان صورتك ومثالك، لذلك تسبحك نفسى في كل حين، وتفرح عندما تراك في خليقتك وأعمالك؛ حتى يتعلق قلبى بك على الدوام. (3) الله خالق الشمس والقمر (ع19-23): ع19: صَنَعَ الْقَمَرَ لِلْمَوَاقِيتِ. الشَّمْسُ تَعْرِفُ مَغْرِبَهَا. تتحدث هذه الآية عما خلقه الله في اليوم الرابع، أى النورين العظيمين؛ الشمس والقمر، وكيف أن بهما رتب الله المواقيت، أي الزمن بوجود ليل ونهار بدوران الأرض حول نفسها مرة كل يوم، وفصول السنة بدوران الأرض حول الشمس مرة كل سنة. فالشمس تعرف متى ستغرب كل يوم، والقمر يعرف متى يظهر في كل ليل. وبهذا ينظم الله حياة الإنسان، فيعمل في النهار وينام في الليل. إن الشمس ترمز لشمس البر ربنا يسوع المسيح، والقمر للكنيسة التي تعكس نور المسيح شمس البر، فتضئ للمسكونة. ومن ناحية أخرى القمر يرمز أيضًا إلى اليهود والناموس، الذي مهد الطريق للمسيح الذي أتى في ملء الزمان، ويعرف متى سيغرب، أي يموت ويفدى البشرية. ولذا فيلزم أن يعرف الإنسان الروحي مصدر حياته، وهو المسيح فيلتصق به، ويستعد لنهايته والحياة الأبدية كل يوم. ع20: تَجْعَلُ ظُلْمَةً فَيَصِيرُ لَيْلٌ. فِيهِ يَدِبُّ كُلُّ حَيَوَان الْوَعْرِ. الوعر: الأماكن الغير مأهولة بالسكان، مثل الجبال والقفار وكل الأماكن المهجورة. عندما تبتعد الشمس ونورها، يأتي الليل على الأرض، فالله يسمح بالليل حتى يهدأ الإنسان وينام، ومن ناحية أخرى يترك أعمال العالم، وينشغل بالصلاة والتسبيح. تستغل الحيوانات المتوحشة الليل لتخرج وتدب، وتبحث عن الفريسة وهي ترمز للشيطان الذي يغافل الإنسان ليسقطه في الخطية، التي ترمز إليها الظلمة، ولكن الله يحمى أولاده الساهرين روحيًا، ويعطيهم يقظة روحية، وفهمًا، وقوة، فلا يستطيع إبليس أن ينتصر عليهم. أما الذين ينسون الله، يكونون في ظلمة روحية ويسهل على إبليس أن يفترسهم. ع21، 22: الأَشْبَالُ تُزَمْجِرُ لِتَخْطَفَ، وَلِتَلْتَمِسَ مِنَ اللهِ طَعَامَهَا. تُشْرِقُ الشَّمْسُ فَتَجْتَمِعُ، وَفِي مَآوِيهَا تَرْبِضُ. مآويها: عرينها، أي مسكنها أو جحورها. تربض: ترقد وتستريح. الأشبال التي هي صغار الأسود التي تتحرك ليلًا وتعطى أصواتها العالية لتخيف من تهاجمه، وتفترسه. وهي بهذا تلتمس طعامها من الله، فلا تستطيع أن تفترس إلا بإذنه، كما نرى دانيال عندما ألقى في الجب منع الله الأسود من افتراسه (دا6: 22). ولكن عندما تشرق الشمس تختبئ هذه الأشبال في جحورها. إن الشياطين تعمل في الظلمة، أي في غفلة الإنسان، أو عند ابتعاده عن الله، لكن عندما تشرق شمس البر، أي ينير الله لأولاده الملتجئين إليه تخاف الشياطين وتهرب بعيدًا عنهم. ع23: الإِنْسَانُ يَخْرُجُ إِلَى عَمَلِهِ، وَإِلَى شُغْلِهِ إِلَى الْمَسَاءِ. في النهار، أي في نور الشمس يخرج الإنسان، ويعمل كل أعماله حتى المساء، أي في نهاية اليوم، كما قال المسيح "سيروا ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام" (يو12: 35). النهار حتى المساء يرمز للعمر كله، فينبغى أن يستغل الإنسان فرصة الحياة ليحيا مع الله ويستعد للأبدية، ولا يخشى إن كان قد سقط في الليل، والمقصود ظلمة الخطية وليس الليل المادي فقط، بل يقوم سريعًا ويتوب، فيقبله الله، ويعاود جهاده برجاء ثابت. إن وُجدت عوائق في الخدمة، فلا ينزعج الكهنة والخدام، بل يواصلون الكرازة والخدمة، واثقين من قوة الله التي تهزم معطلات الشياطين، ويفرحون قلب الله بالنفوس التي ترجع إليه. † تذكر قيامة المسيح مع بداية كل يوم لتجدد نشاطك، ووعودك لله، وتبدأ بنشاط حياة جديدة معه، فتصلى صلاة باكر، وتنطلق في حياتك الروحية وأعمالك وتمجد الله. (4) الله خالق الحيوانات البحرية (ع24-30): ع24: مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! كُلَّهَا بِحِكْمَةٍ صَنَعْتَ. مَلآنةٌ الأَرْضُ مِنْ غِنَاكَ. أعمال الله عظيمة في كل خلائقه، لأنها كلها دبرها الله بحكمة، فكل حيوان، أو كائن، أو جماد، دقيق في صنعه، ويسير في نظام دقيق؛ ليتناغم مع باقي الخلائق، كل هذا عمله الله بحكمة لخدمة الإنسان؛ ليتمتع بها، وتساعده على الوصول إلى الله. الله ملأ الأرض من خلائقه سواء الأجرام السماوية، أو النباتات والحيوانات التي على الأرض، والطيور التي في السماء، والحيوانات التي تعيش في الماء؛ سواء في البحار، أو الأنهار. فالله غنى في تنوع خلائقه وكثرة أعماله، مما يبهر الإنسان، ويطمئنه، فيستند على الله، ويتمتع بعشرته. هذَا الْبَحْرُ الْكَبِيرُ الْوَاسِعُ الأَطْرَافِ. هُنَاكَ دَبَّابَاتٌ بِلاَ عَدَدٍ. صِغَارُ حَيَوَانٍ مَعَ كِبَارٍ. هُنَاكَ تَجْرِي السُّفُنُ. لِوِيَاثَانُ هذَا خَلَقْتَهُ لِيَلْعَبَ فِيهِ. دبابات: كل ما يدب على الأرض، أو في قاع البحر، أو على الشاطئ. لوياثان: حيوان بحرى كبير، سواء من الحيوانات التي انقرضت، أو التي تحيا الآن، مثل الحوت والتمساح. خلق الله البحر الواسع، وخلق فيه حيوانات بحرية كثيرة كبيرة الحجم، وصغيرة، وكلها تحيا في الماء، وتموت إن خرجت منه. وبعضها يحيا في الماء وعلى البر وهي الحيوانات البرمائية. فالله متنوع في خليقته، مبدع في صنعه، إذا تأملها الإنسان يرى عظمة الله. هذا البحر العظيم المخيف الذي يغرق فيه الإنسان ويموت إن غطس فيه ولم يخرج، ولكن في نفس الوقت تستطيع السفن أن تسير فيه بحرية وبسرعة. والسفن ترمز للكنيسة التي تحيا وسط العالم، ولكن لا يدخل العالم بفكره داخلها. والسفن أيضًا ترمز للصليب الذي قهر الشيطان، وقيده؛ لأن لوياثان يرمز للشيطان الذي يلعب في العالم (البحر) ويحارب أولاد الله، ولكنه لا يستطيع أن يهاجم السفن إلا بإذن الله، كما لا يستطيع الشيطان أن يقهر الكنيسة، بل على العكس بقوة الصليب يدوس المؤمنون بالمسيح قوة العدو والشيطان. 27- كُلُّهَا إِيَّاكَ تَتَرَجَّى لِتَرْزُقَهَا قُوتَهَا فِي حِينِهِ 28- تُعْطِيهَا فَتَلْتَقِطُ. تَفْتَحُ يَدَكَ فَتَشْبَعُ خَيْرًا 29- تَحْجُبُ وَجْهَكَ فَتَرْتَاعُ. تَنْزِعُ أَرْوَاحَهَا فَتَمُوتُ، وَإِلَى تُرَابِهَا تَعُودُ. إن كل الحيوانات التي تحيا في البحر، أو المياه يقوتها الله، وتلتقط طعامها من يده، ولكن عندما يريد الله ينهى حياتها، فتموت كبيرة كانت أم صغيرة، وتلتصق بالأرض وترابها. إن الله هو مصدر الحياة لكل أولاده، فيعطيهم طعامهم الروحي والجسدي، بشرط أن يطلبوه، ويمدوا أيديهم فيعطيهم، وعلى قدر ما يصلون يتمتعون بعشرته. ولكن إن ابتعدوا عنه، وسلكوا في الخطية يحجب وجهه عنهم، ويموتون في خطاياهم، إذ صاروا شهوانيين أرضيين. وإن استمروا هكذا يبيدون ويموتون بعيدًا عن الله. ع30: تُرْسِلُ رُوحَكَ فَتُخْلَقُ، وَتُجَدِّدُ وَجْهَ الأَرْضِ. الله الذي خلق العالم قديمًا هو يجدد الحياة، ويخلق كل يوم مخلوقات جديدة؛ لأنه هو واهب الحياة، سواء يخلق إنسانًا، أم حيوانًا، أم نباتًا، فكلها صنائعه، وبالتالي يلزم أن يجددها، وعلى رأسها الإنسان. الإنسان ضعيف، ومعرض للسقوط في الخطايا، ولكن إن تاب يجدد الله فيه الحياة في المعمودية، وسر الإعتراف، وبالتناول من الجسد والدم، وبعمل الروح القدس فيه يسلك في الحياة الجديدة، ويستعيد طريقه نحو الحياة الأبدية. † لا تضطرب من كثرة خطاياك، أو شناعتها؛ لأن إلهك قادر أن يغفرها لك، ويجدد حياتك، فقم سريعًا لتعوض ما فاتك بقوة الله، وتكمل جهادك، واثقًا من مساندة الله لك؛ حتى تنال إكليلك السماوى. (5) تمجيد الله (ع31-35): ع31: يَكُونُ مَجْدُ الرَّبِّ إِلَى الدَّهْرِ. يَفْرَحُ الرَّبُّ بِأَعْمَالِهِ. أولاد الله، وكل خلائقه يمجدونه طوال حياتهم على الأرض، ثم يرفع الله الإنسان إلى الملكوت؛ ليمجده إلى الأبد، أي أن تمجيد الله دائم من الآن وإلى الدهر، أي إلى الأبد. إن تمجيد الله يفرح قلب الإنسان، ويفرح الله أيضًا بأولاده المسبحين؛ ليس لأنه محتاج إلى تسبيحهم، بل لأنه يحب أولاده، ويفرح بخلاصهم، وفرحهم. الله فرح عندما خلق العالم وقال عنه أنه حسن، وحسن جدًا، واستراح في اليوم السابع. وفرح أيضًا بإتمام فداء البشرية على الصليب. ويفرح بتوبة وخلاص أولاده "السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب ..." (لو15: 7). ويفرح بتسبيح أولاده وخضوع الخليقة كلها له في خدمتها للإنسان. ع32: النَّاظِرُ إِلَى الأَرْضِ فَتَرْتَعِدُ. يَمَسُّ الْجِبَالَ فَتُدَخِّنُ. عندما يخطئ البشر الذين على الأرض، وينظر إليهم الله بغضبه يخافون جدًا، وتصير هذه الأرض العظيمة كورقة ترتجف أمام الريح، كما تزلزت الأرض عندما صلب المسيح، وعندما قام من الأموات (مت27: 51). ولكن بالتوبة ينال البشر غفران الله، وبالفداء ينالون حياتهم الجديدة فيه. الجبال العظيمة التي ليس مثلها في القوة والارتفاع عن الأرض تدخن إن لمسها الرب، كما حدث عندما ظهر الرب لموسى وشعبه على الجبل عند تسلم موسى الوصايا والشريعة (خر20: 18). ومهما تعاظم الإنسان في المركز، أو القوة، أو حتى في الحياة الروحية، ولكن سقط في الكبرياء، فيدخن، ويرتعد إن لمسه الله بغضبه، وسمح له بتجربة. لذا ينبغى أن يحيا أولاد الله في مخافته باتضاع، ويسلكون بالروح، فيتمتعون بحبه ورعايته. ع33: أُغَنِّي لِلرَّبِّ فِي حَيَاتِي. أُرَنِّمُ لإِلهِي مَا دُمْتُ مَوْجُودًا. إن فرصة الحياة هي للتوبة، والرجوع إلى الله بكل القلب وهذه هي أحلى أغنية. وحينئذ ينفتح القلب بالحب، ويشكر الله الغافر، والمعطى؛ لأن الله يشبع القلب بمحبته، فيسبحه، ويمجده طوال العمر؛ حتى ينطلق إلى الملكوت ليواصل تسبيحه. ع34: فَيَلَذُّ لَهُ نَشِيدِي، وَأَنَا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. الله يفرح بتوبة أولاده، وصلواتهم، وشكرهم، ويتلذذ بأصواتهم كما قال "لذاتى مع بنى آدم" (أم8: 31). وعندما يفرح الله يبهج قلب الإنسان أيضًا، فيزداد فرحه بالوجود مع الله، ويزداد تسبيحًا، ويهبه عطايا روحية لا يعبر عنها؛ يذوق شيئًا منها على الأرض قدر احتماله، ثم أمور عجيبة في السموات. ع35: لِتُبَدِ الْخُطَاةُ مِنَ الأَرْضِ وَالأَشْرَارُ لاَ يَكُونُوا بَعْدُ. بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ. هَلِّلُويَا. إن كان أولاد الله ينطلقون في حياة توبة وصلاة، وتمتع بعشرة الله، فالأشرار ينغمسون في خطاياهم، ويرفضون الله، فلا ينتظرهم حينئذ إلا العذاب الأبدي، ولا يكون لهم مكان مع الله. أمام كل أعمال الله التي يذكرها هذا المزمور يختم كاتب المزمور كلماته بمناداة نفسه أن تبارك الله، وتسبحه على الدوام، وتفرح مع كل المؤمنين حتى تصل إلى أفراح الأبدية. † ما أحلى تسبيح الله؛ إذ يملأ النفس سلامًا، وفرحًا، ويعتقها، ويحررها من قيود العالم، فتبتعد عن الخطايا، وتنطلق لتتذوق حلاوة الوجود مع الله، وتتنسم عبير الأبدية وهي ما زالت في الجسد. المزمور المئة والخامس رعاية الله لشعبه "احمدوا الرب ادعوا باسمه .." ع1 مقدمة: كاتبه: هذا المزمور من المزامير اليتيمة التي ليس لها عنوان، ولا يذكر فيها اسم الكاتب، ولكن يميل معظم الآباء إلى أن كاتبه داود. إذ أن له نفس أسلوب داود في الكتابة، ولا توجد آية واحدة تظهر عكس ذلك. متى كتب؟ كتبه داود بعد إرجاعه تابوت عهد الله إلى أورشليم (1 أى16: 1، 7). يعتبر هذا المزمور ضمن أربعة مزامير تظهر وعود الله وأمانته مع شعبه على مدى تاريخه، وهي مزامير 78، 106، 136 بالإضافة إلى هذا المزمور. هذا المزمور ليتورجى، إذ كان يرنم في رؤوس الشهور، وعيد التجديد، والأعياد الثلاثة الكبرى؛ الفصح والخمسين، والمظال، كما يظهر من (1 أى16: 8-22) بل إن هذا الإصحاح توجد به عدد من الآيات المذكورة في هذا المزمور. فكان يستخدم هذا المزمور في العبادة. هذا المزمور يدعو كل إنسان مؤمن بالله ليتأمل في أعماله العجيبة، فيشكره ويسبحه. لا يوجد هذا المزمور في صلوات الأجبية. (1) دعوة المؤمنين للتسبيح (ع1-7): 1- اِحْمَدُوا الرَّبَّ. ادْعُوا بِاسْمِهِ. عَرِّفُوا بَيْنَ الأُمَمِ بِأَعْمَالِهِ 2- غَنُّوا لَهُ. رَنِّمُوا لَهُ. أَنْشِدُوا بِكُلِّ عَجَائِبِهِ 3- افْتَخِرُوا بِاسْمِهِ الْقُدُّوسِ. لِتَفْرَحْ قُلُوبُ الَّذِينَ يَلْتَمِسُونَ الرَّبَّ. يدعو كاتب المزمور المؤمنين بالله أن يحمدوه، ويشكروه، ويرددوا اسمه العظيم؛ أي يتذكروا شخصه الكريم، فيزداد إيمانهم، ثم يكلفهم بمسئولية أن يعرفوا الأمم الوثنية عظمة الله ليؤمنوا به. هذه الآية نبوة عن عمل الرسل والكهنة، والخدام في العهد الجديد. ويحدد لهم عملية أساسية: أ - الصلاة والتسبيح. ب- الكرازة لغير المؤمنين ليعرفوا الله، وأعماله مع شعبه. يدعو كاتب المزمور المؤمنين ليفتخروا بالله، وليس بالماديات، أو المراكز، أو القوة، كما فعل بطرس مع مقعد باب الجميل، فشفاه باسم المسيح (أع3: 6). والافتخار بالله؛ لأنه قادر على كل شيء، ويحب أولاده ويستجيب لهم. النتيجة الحتمية للتسبيح، والكرازة والافتخار بالرب أن يفرح الإنسان، ويتمتع بعشرة الله. 4- اُطْلُبُوا الرَّبَّ وَقُدْرَتَهُ. الْتَمِسُوا وَجْهَهُ دَائِمًا 5- اذْكُرُوا عَجَائِبَهُ الَّتِي صَنَعَ، آيَاتِهِ وَأَحْكَامَ فِيهِ 6- يَا ذُرِّيَّةَ إِبْراهِيمَ عَبْدِهِ، يَا بَنِي يَعْقُوبَ مُخْتَارِيهِ 7- هُوَ الرَّبُّ إِلهُنَا فِي كُلِّ الأَرْضِ أَحْكَامُهُ. شعب الله في العهد القديم، الذين هم نسل إبراهيم، ويعقوب يطلبون الرب، ويلتمسون وجهه، ويتذكرون أعماله المعجزية معهم. وبهذا التسبيح يثبت إيمانهم ويفرحون. وطلب الرب ليس فقط بالكلام، ولكن أيضًا بطاعة وصاياه، وخاصة عندما يشعر الإنسان بخطيته وضعفه، يلتمس الله ويطلبه باتضاع، واحتياج، وإيمان. وجه الرب يشير إلى تجسد رب المجد يسوع المسيح، وبالتالي فنسل إبراهيم، وشعب الله في العهد الجديد هم المسيحيون؛ لأن أحكام الرب في الأرض كلها (ع7) وليس فقط لليهود، فقد آمنت الأمم بالمسيح بالإضافة لليهود. † ليتك يا أخى في كل احتياجاتك، وضيقاتك تطلب الله أولًا، وتستند عليه قبل أن تفكر في الأشخاص، أو المال، مع مراعاة أن تعمل واجبك بكل طاقتك، وثق أن الله يسمعك، ويحرك الكون كله من أجلك، وكن مطمئنًا لأنه إلهك الذي يحبك. (2) وعد الله لإبراهيم ونسله (ع8-15): 8- ذَكَرَ إِلَى الدَّهْرِ عَهْدَهُ، كَلاَمًا أَوْصَى بِهِ إِلَى أَلْفِ دَوْرٍ 9- الَّذِي عَاهَدَ بِهِ إِبْراهِيمَ، وَقَسَمَهُ لإِسْحاقَ 10- فَثَبَّتَهُ لِيَعْقُوبَ فَرِيضَةً، وَلإِسْرَائِيلَ عَهْدًا أَبَدِيًّا 11- قَائِلًا: «لَكَ أُعْطِي أَرْضَ كَنْعَانَ حَبْلَ مِيرَاثِكُمْ. حبل ميراثكم: كانت الأرض تقاس قديمًا بالحبل، فيقصد أرض كنعان المعروف قياسها بالحبل أعطاها الله لشعبه، وطرد سكانها الأشرار منها، وأهلكم. وعد الله إبراهيم أن يعطيه أرض كنعان له، ولنسله (تك13: 14، 15). وحلف لإسحق أنه يعطيه كنعان ميراثًا (تك26: 3، 4). وكذلك ليعقوب ابن اسحق ثبت هذا الوعد (تك28: 13-15)، وخاصة بعدما غير اسم يعقوب لإسرائيل أكد الوعد (تك35: 9-15). وإن كانوا لم ينالوا هذه المواعيد في حياتهم، ولكن الله صادق في وعوده، وأعطاها لنسلهم. وعد الله للآباء كان إلى ألف دور (ع8)، ويقصد به الأبدية (ع10)، فهذه الوعود بالبركة لا يقصد بها نسل إبراهيم في العهد القديم فقط، بل بالأحرى نسل إبراهيم في العهد الجديد، أي المسيحيين، والذين يعملون أعمال إبراهيم (يو8: 39)، والذين سيعطيهم ملكوت السموات ميراثًا أبديًا، وليس مجرد أرض كنعان التي تفيض لبنًا وعسلًا. 12- إِذْ كَانُوا عَدَدًا يُحْصَى، قَلِيلِينَ وَغُرَبَاءَ فِيهَا 13- ذَهَبُوا مِنْ أُمَّةٍ إِلَى أُمَّةٍ، مِنْ مَمْلَكَةٍ إِلَى شَعْبٍ آخَرَ 14- فَلَمْ يَدَعْ إِنْسَانًا يَظْلِمُهُمْ، بَلْ وَبَّخَ مُلُوكًا مِنْ أَجْلِهِمْ 15- قَائِلًا: «لاَ تَمَسُّوا مُسَحَائِي، وَلاَ تُسِيئُوا إِلَى أَنْبِيَائِي. كان نسل إبراهيم، واسحق، ويعقوب عددًا قليلًا، وهو سبعين شخصًا (خر1: 5) انتقلوا من أرض كنعان، وذهبوا إلى مصر، ثم عادوا منها إلى أرض كنعان، بعد أن تكاثروا واصبحوا إثنين مليونًا، ولكنهم كانوا غرباء. فالآباء إبراهيم، واسحق ويعقوب عاشوا في خيام، ونسلهم الذي سكن في أرض كنعان - بعد أربع مئة سنة - ظلوا يعيدون عيد المظال الذي يذكرهم بغربة العالم. حفظ الله الآباء إبراهيم واسحق ويعقوب، ووبخ ملوكًا لأجلهم عندما وبخ فرعون من أجل إبراهيم، وحفظ امرأته فلم يظلمها فرعون (تك12: 17) وأبيمالك ملك جرار من أجل اسحق (تك20: 3). ولابان من أجل يعقوب ابن أخته، فلم يسمح له أن يؤذيه (تك32، 33). وعندما يقول لا تمسوا مسحائى يقصد الآباء، ومع أنهم لم يمسحوا بزيت كالكهنة، والأنبياء الذين أتوا من نسلهم، لكنهم ممسوحين من الروح القدس، ونالوا بركات كثيرة، مثل الذين مسحوا بالزيت. والله دعاهم أنبياء مع أنهم لم يتنبأوا، ولكنهم مثل الأنبياء، أي مسحوا بالروح القدس (تك20: 6، 7). † إذا كنت ضعيفًا، وليس لك إلا القليل، فثق أنه ببركة الله تصير كثيرًا؛ إذ يباركك الله ويحفظك، ويوبخ الشياطين التي تحاول أن نؤذيك. (3) يوسف من السجن إلى العرش (ع16-23): ع16: دَعَا بِالْجُوعِ عَلَى الأَرْضِ. كَسَرَ قِوَامَ الْخُبْزِ كُلَّهُ. قوام الخبز: عصا خشبية تحفظ فيها الخبز. سمح الله بجوع عظيم في مصر وكل البلاد المجاورة، وكسر الله كل ما يُحفظ فيه الخبز، أو ما يمكن أن يعمل منه الخبز، أي لم يعد هناك طعام في الأرض. وكان هذا الجوع فرصة ليتألق يوسف الصديق كمدبر ليس فقط لمصر، بل للأرض كلها، فيطعمهم، ويأتى نسل يعقوب إلى مصر ليتغرب هناك، ويعولهم يوسف. 17- أَرْسَلَ أَمَامَهُمْ رَجُلًا. بِيعَ يُوسُفُ عَبْدًا 18- آذَوْا بِالْقَيْدِ رِجْلَيْهِ. فِي الْحَدِيدِ دَخَلَتْ نَفْسُهُ 19- إِلَى وَقْتِ مَجِيءِ كَلِمَتِهِ. قَوْلُ الرَّبِّ امْتَحَنَهُ 20- أَرْسَلَ الْمَلِكُ فَحَلَّهُ. أَرْسَلَ سُلْطَانُ الشَّعْبِ فَأَطْلَقَهُ 21- أَقَامَهُ سَيِّدًا عَلَى بَيْتِهِ، وَمُسَلَّطًا عَلَى كُلِّ مُلْكِهِ، قام إخوة يوسف عليه، وباعوه عبدًا، وأتى إلى مصر؛ ليعمل في بيت فوطيفار، وقامت عليه إمرأة فوطيفار بشهوتها، فرفض الشر، فألقى في السجن، وقيد بالحديد. كل هذا كان بسماح من الله؛ ليعد مكانًا لشعب بنى يعقوب، وليعد يوسف روحيًا ونفسيًا، فيتشدد ويتكل على الله من خلال الآلام، وتمسكه بالطهارة. فهكذا امتحن الله يوسف ونجح نجاحًا عظيمًا، وتمتع بعشرة الله دائمًا. وعد الله يوسف قديمًا من خلال أحلامه أنه سيكون رئيسًا على إخوته، ومرت سنوات امتحنه الله فيها بضيقات كثيرة في أرض مصر، حتى أتى الأوان الذي تتم فيه كلمة الله، عندما حلم فرعون حلمه، ولم يفسره له أحد. ومع أن يوسف كان قد فسر حلمًا لساقى الملك في السجن، وطلب منه أن يذكره عند الملك ولكنه نسيه سنتين؛ حتى تذكر ساقى الملك يوسف عند الاحتياج لمفسر لحلم فرعون. فتمت كلمة الله واستدعاه فرعون وفسر الحلم، وأعطاه الحل، فجعله رئيسًا على مصر كلها. فالله يعتنى بأولاده من خلال الضيقات، ويتمم وعوده في الوقت المناسب، ويرفعهم فوق كل ما يتخيلون، كما رفع يوسف على عرش مصر. 22- لِيَأْسُرَ رُؤَسَاءَهُ حَسَبَ إِرَادَتِهِ وَيُعَلِّمَ مَشَايِخَهُ حِكْمَةً 23- فَجَاءَ إِسْرَائِيلُ إِلَى مِصْرَ، وَيَعْقُوبُ تَغَرَّبَ فِي أَرْضِ حَامٍ. يأسر رؤساءه: يخضع رؤساء مصر ليوسف. مشايخه: شيوخ مصر تعلموا من حكمة يوسف وتدبيره. أرض حام: أرض مصر. تسلط يوسف على مصر كلها، وجمع القمح إلى مخازن، وخضع له كل رؤساء مصر، بل العالم كله. وعندما حلت المجاعة، وحضر كل المصريين ليشتروا منه، بل باعوا أنفسهم عبيدًا، بعد أن اشترى يوسف كل ما كان في مصر وأخضعه لفرعون. وأتى إخوة يوسف وأبوه إلى مصر ليحيوا فيها، وأضافهم يوسف، فعاشوا. كل هذا التدبير كان من الله حتى لا يهلك شعبه جوعًا، واستخدم يوسف لإعالتهم. † الله يدبر حياتك كلها فلا تنزعج مهما أتت عليك ضيقات، فهو قادر أن يحفظك أثناءها، ويحول كل شر إلى خيرك، كما فعل مع يوسف، بل ينميك روحيًا، وتشعر بالله معك في كل شيء. (4) الضربات العشر (ع24-38): 24- جَعَلَ شَعْبَهُ مُثْمِرًا جِدًّا، وَأَعَزَّهُ عَلَى أَعْدَائِهِ 25- حَوَّلَ قُلُوبَهُمْ لِيُبْغِضُوا شَعْبَهُ، لِيَحْتَالُوا عَلَى عَبِيدِهِ. بارك الله في شعبه الذي دخل إلى أرض مصر، الذين هم نسل يعقوب، وكان عددهم سبعين شخصًا (خر1: 5) وعلى مر السنوات تكاثروا بوفرة بنعمة الله، فصاروا خلال حوالي أربع مئة سنة اثنين مليون شخصًا. هذا كان في البداية مفيدًا للمصريين، إذ استعبدوهم وسخروهم للعمل في المدن، بالإضافة إلى رعى الأغنام، ولكن تكاثرهم الكبير بعث الخوف في قلوب المصريين (خر1: 10)، وسمح الله أن يظهر الشر الذي في قلوب المصريين نحو شعبه، فحاولوا إذلالهم وتسخيرهم للعمل مجانًا؛ لعلهم من التعب يموت منهم عدد كبير، ولكن ببركة الله إزداد عددهم. فوضعوا خططًا لإضعافهم، مثل قتل الأطفال الذكور عن طريق النساء الذين يولدن النساء العبرانيات. ثم احتالوا عليهم أيضًا بأن أمر فرعون بإلقاء الأطفال الذكور في نهر النيل، ولكن بنعمة الله فشلت كل هذه المحاولات، بل على قدر ما أذلوهم نموا وكثروا (خر1: 12) فالذى يحميه الله ويحفظه لا يستطيع أحد أن يؤذيه. ع26: أَرْسَلَ مُوسَى عَبْدَهُ وَهارُونَ الَّذِي اخْتَارَهُ. اختار الله موسى الذي كان من المفروض، بحسب أوامر فرعون، أن يغرق في النهر، ولكنه تربى بتدبير الله في قصر فرعون بواسطة الأميرة ابنة فرعون التي انتشلته من النهر. ولما كبر موسى ذهب إلى البرية، وهناك ظهر له الله في العليقة ودعاه - هو وهارون أخاه - ليخرج شعبه من أرض مصر. وهكذا نجى الله موسى من الموت، وجعله قائدًا لينجى الشعب، ويخرجه من أرض مصر. ما أعجب أعمالك يا رب ! ع27: أَقَامَا بَيْنَهُمْ كَلاَمَ آيَاتِهِ، وَعَجَائِبَ فِي أَرْضِ حَامٍ. أمر الله موسى أن يقابل -هو وهارون- شيوخ إسرائيل، ويبشرهم بأن الله سيخرجهم من مصر، ويصنع أمامهم آيات؛ هي تحويل عصاه إلى حية، وتحويل يده لتكون برصاء، ثم تعود سليمة، وتحويل الماء إلى دم (خر4: 1-9) فآمن الشيوخ وفرحوا. ثم دخل موسى وهارون على فرعون وطلبا منه أن يخرج بنى إسرائيل من مصر، فلم يوافق. فضرب الله مصر بآيات عجيبة هي الضربات العشر وقصد الله تثبيت إيمان شعبه، ودعوة المصريين للإيمان بهذه الضربات. ع28: أَرْسَلَ ظُلْمَةً فَأَظْلَمَتْ، وَلَمْ يَعْصُوا كَلاَمَهُ. ضرب الله المصريين بعشر ضربات، وكان فرعون قاسى القلب، فرفض أن يطيع الله. ولكن يشير في هذه الآية إلى الضربة التاسعة، وكانت قاسية وتظهر غضب الله الشديد؛ إذ كانت ظلمة كاملة على كل أرض مصر، لم تر مصر مثلها من قبل. وفى نفس الوقت كان نور في أرض جاسان، حيث يعيش بنو إسرائيل (خر10: 21-23). والنور يرمز لوجود الله، أما الظلمة فترمز للخطية والضيقة. وبهذا ضرب الله إلههم رع، أي الشمس؛ ليشعروا بضعف آلهتهم، ويؤمنوا بالله. "لم يعصوا كلامه" هذا ينطبق على موسى وهارون في طاعتهم لله، ومواجهة فرعون. والطبيعة أيضًا لم تعص الله. أما المصريون فقد أطاعوا الله لأجل قسوة هذه التجربة، وأخرجوا بني إسرائيل بعد الضربة التالية. فالضربة التاسعة كانت تمهيدًا في قسوتها لأقسى الضربات، وهي العاشرة الخاصة بقتل الأبكار. ع29: حَوَّلَ مِيَاهَهُمْ إِلَى دَمٍ وَقَتَلَ أَسْمَاكَهُمْ. يعود كاتب المزمور إلى الضربة الأولى، وهي تحويل نهر النيل، وكل المياه التي في مصر إلى دم. وبهذا ضرب أحد آلهتهم العظيمة وهو النيل؛ حتى لا يعبدوه لضعفه. وفى نفس الوقت سبب مشكلة ضخمة لهم؛ إذ لم يجدوا ماء ليشربوا؛ فاضطروا إلى حفر آبار ماء ليشربوا (خر7: 19-25). لم يكن تحويل النهر إلى لون أحمر، بل دم حقيقي، والدليل على هذا أن السمك الذي يعيش في النيل مات، وأنتن، أي فقد النيل وكل ما فيه الحياة، وصار مصدرًا للضيق والاشمئزاز. 30- أَفَاضَتْ أَرْضُهُمْ ضَفَادِعَ حَتَّى فِي مَخَادِعِ مُلُوكِهِمْ 31- أَمَرَ فَجَاءَ الذُّبَّانُ وَالْبَعُوضُ فِي كُلِّ تُخُومِهِمْ. مخادع: غرف النوم. الضربة الثانية على مصر كانت الضفادع التي انتشرت بكثرة في كل الأرض، ودخلت البيوت والقصور والمعابد، ونجست كل شيء في مصر، فأظهرت ضعف الكهنة والآلهة. دخلت أيضًا الضفادع في قصر فرعون، وأمراء مصر، وضايقتهم، ونجست بيوتهم؛ حتى تضايقوا جدًا. وجمعوا الضفادع التي ماتت، وأنتنت فأفسدت هواء مصر (مز78: 45). كل هذا لعلهم يتوبون ويرجعون إلى الله. الضربة الثالثة كانت البعوض الذي انتشر في أرض مصر، وبلسعاته ضايق المصريين ضيقًا شديدًا. والضربة الرابعة كانت الذبان (تشبه الخنفساء) التي انتشرت بين المصريين بمنظرها الكئيب وضايقتهم. كل هذا كان في مصر ما عدا أرض جاسان التي يعيش فيها بنو إسرائيل، فلم تتعرض للضربات العشر (خر8: 22، 23). 32- جَعَلَ أَمْطَارَهُمْ بَرَدًا وَنَارًا مُلْتَهِبَةً فِي أَرْضِهِمْ 33- ضَرَبَ كُرُومَهُمْ وَتِينَهُمْ، وَكَسَّرَ كُلَّ أَشْجَارِ تُخُومِهِمْ. الضربة السابعة كانت نزول البرد وهي صفائح ثلجية تقتل من تصيبه. والغريب أن صاحبتها نيران من السماء لتهلك المصريين. فكانت ضربة عنيفة قتلت الكثير من المصريين الذين كانوا خارج بيوتهم (خر9: 18). هذه الضربة كسرت الأشجار والنباتات وأحرقتها، فأتلفت وخربت أرض مصر، لعل هذه الضيقة ترجع المصريين إلى الله القوى، الذي يفوق كل آلهتهم. 34- أَمَرَ فَجَاءَ الْجَرَادُ وَغَوْغَاءُ بِلاَ عَدَدٍ 35- فَأَكَلَ كُلَّ عُشْبٍفِي بِلاَدِهِمْ، وَأَكَلَ أَثْمَارَ أَرْضِهِمْ. غوغاء: جراد صغير لم يكتمل نموه. الضربة الثامنة كانت أسراب الجراد الذي هجم على مصر بأعداد ضخمة، بأطواره المختلفة؛ سواء الغوغاء، أو الجراد الكبير الذي أكل كل نبات أخضر في مصر، فأكمل إفساد الأرض بعد ضربة البرد، والنار. وبهذا أتلف أرض مصر تمامًا (خر10: 12-15). ع36: قَتَلَ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِهِمْ، أَوَائِلَ كُلِّ قُوَّتِهِمْ. الضربة العاشرة والأخيرة كانت أقسى الضربات؛ إذ قتلت كل أبكار مصر؛ الإنسان والحيوان حتى بكر فرعون وكانت مرعبة إذ تمت في نصف الليل، فصار صراخ وبكاء في كل مصر. فخضع أخيرًا فرعون، وأطلق بني إسرائيل ليخرجوا من أرض مصر. 37- فَأَخْرَجَهُمْ بِفِضَّةٍ وَذَهَبٍ، وَلَمْ يَكُنْ فِي أَسْبَاطِهِمْ عَاثِرٌ 38- فَرِحَتْ مِصْرُ بِخُرُوجِهِمْ، لأَنَّ رُعْبَهُمْ سَقَطَ عَلَيْهِمْ. عندما أطلق فرعون بني إسرائيل ليخرجوا من مصر، أعطاهم الله قوة، فلم يكن بينهم مريض، أو ضعيف. وطلبوا من المصريين فضة وذهب، فأعطوهم بكثرة؛ لإرضائهم وإخراجهم من بلادهم، إذ كانوا في رعب شديد منهم. رغم حزن مصر على أبكارها لكنها كانت في فرح لتخلصها من قوة إله بني إسرائيل الذي أرعبهم. وكان بنو إسرائيل في فرح لقوة إلههم وتحررهم من عبودية مصر. † ليتك تتكل على الله، وتثق به أكثر من كل قوة تعتمد عليها؛ سواء فهمك، أو مركزك، أو علمك، أو قدراتك المختلفة، فهي لا شيء أمام قوة الله. ومهما كان ضعفك فأنت أقوى من كل من حولك لعمل الله فيك وبك. (5) برية سيناء ودخول كنعان (ع39-45): ع39: بَسَطَ سَحَابًا سَجْفًا، وَنَارًا لِتُضِيءَ اللَّيْلَ. سجفًا: غطاءً. عندما أخرج الله شعبه من مصر وكان عددهم حوالي اثنين مليون شخصًا (ست مئة ألف رجل عدا النساء والأولاد) (خر12: 37) كان يظللهم بالسحاب حتى لا تحرقهم الشمس. وفى نفس الوقت يتقدمهم السحاب فيسيرون وراءه. أما في الليل فكان يظهر لهم عمود من النار يتقدمهم ليرشدهم في الطريق، وينير لهم. وهكذا يظهر الله قائدًا لشعبه، وأباه الذي يرعاه، ويرشده. يظلل الله على أولاده دائمًا ويهديهم، ويعمل بروحه القدوس في قلوبهم كالنار لتحرق خطاياهم، وتلهب قلوبهم بمحبته. 40- سَأَلُوا فَأَتَاهُمْ بِالسَّلْوَى، وَخُبْزَ السَّمَاءِ أَشْبَعَهُمْ 41- شَقَّ الصَّخْرَةَ فَانْفَجَرَتِ الْمِيَاهُ. جَرَتْ فِي الْيَابِسَةِ نَهْرًا. السلوى: نوع من الطيور المهاجرة يشبه السمان. اهتم الله بإعالة شعبه وإطعامهم، فأعطاهم خبز السماء في صباح كل يوم وهو المن، وأعطاهم أيضًا طيور السلوى، ليشبعوا من اللحم، ولا يعوزهم شيء. أما الماء فكان يخرج لهم من الصخرة عندما يضربها موسى بالعصا. فرأى شعب الله أن إلههم قوى، قادر أن يطعمهم في البرية الجرداء بالطعام، والشراب، مهما كان عددهم؛ حتى يثبت إيمانهم به. نزول المن من السماء، والسلوى مع الريح، يرفع قلوب الشعب إلى الله القادر أن يطعمهم روحيًا أيضًا. والريح ترمز للروح، فالروح القدس هو الذي يحييهم. والصخرة ترمز للمسيح الذي بموته على الصليب أعطاهم الروح القدس الذي يرمز إليه ماء الحياة والنهر الذي يجرى في برية قلوبنا اليابسة. 42- لأَنَّهُ ذَكَرَ كَلِمَةَ قُدْسِهِ مَعَ إِبْراهِيمَ عَبْدِهِ 43- فَأَخْرَجَ شَعْبَهُ بِابْتِهَاجٍ، وَمُخْتَارِيهِ بِتَرَنُّمٍ. الله وعد إبراهيم أن يباركه هو ونسله، وإن كانت قد مرت سنوات طويلة حوالي أربع مئة سنة، ولكن الله لا ينسى وعوده، أو يرجع عنها، فذكرها، أي تممها في الوقت المناسب، وأخرج شعبه بقوة ذراعه، وشق البحر الأحمر لهم، فعبروا، وهلك فرعون وكل جيشه؛ لأجل قساوة قلبه. فبعدما أطلق شعب بني إسرائيل عاد وشعر بخسارة مصر في خروج اثنين مليون من العبيد، فقام يلاحقهم ليرجعهم، فغرق في البحر الأحمر. وعندما رأى شعب الله قوة إلههم في إنقاذهم من فرعون وغرقه، سبحوه ورنموا بقيادة مريم أخت موسى وهارون، وهذا هو الشبع الروحي بعدما شبعوا ماديًا. 44- وَأَعْطَاهُمْ أَرَاضِيَ الأُمَمِ، وَتَعَبَ الشُّعُوبِ وَرِثُوهُ 45- لِكَيْ يَحْفَظُوا فَرَائِضَهُ وَيُطِيعُوا شَرَائِعَهُ. هَلِّلُويَا. عاقب الله الشعوب الوثنية التي عاشت في أرض كنعان لكثرة خطاياهم التي أطال الله أناته كثيرًا عليهم، فطردهم أخيرًا من أرض كنعان، وأسكن شعبه المؤمن به مكانهم. بامتلاك بني إسرائيل أرض كنعان تحقق وعد الله الذي ِأعطاه للآباء إبراهيم، واسحق، ويعقوب. وتحقيق هذا الوعد يساعد شعب الله أن ينتظر الوعد بأورشليم السماوية، أي يحيون مع الله حتى يصلوا إلى ملكوت السموات. كان شرط ثبات بني إسرائيل في أرض كنعان هو حفظهم لشرائع الله، وفرائضه. فمن أجل إيمانهم يثبتون في الأرض، كما أن الله من أجل عدم إيمان الوثنيين طردهم من أرضهم. الله الذي يحفظ أولاده، ويرشدهم، ويعولهم في برية سيناء يكمل عمله، ويدخلهم ويسكنهم أرضًا تفيض لبنًا وعسلًا، أي خيرات وفيرة وهي أرض كنعان. † على قدر تمسكك بوصايا الله تنال قوته، وبركاته، وبحفظك الوصية تحفظك في كل طرقك حتى توصلك إلى النعيم الأبدي. المزمور المئة والسادس تمرد الشعب وإحسانات الله "هللويا. احمدوا الرب لأنه صالح لأن إلى الأبد رحمته. من يتكلم بجبروت الرب.." (ع1، 2) مقدمة: كاتبه: هو مزمور بلا عنوان، أي من المزامير اليتيمة التي لا يعرف كاتبها. ولكن يميل كثير من الآباء أن ينسبوه إلى داود. متى كتب؟ عند إرجاع التابوت من أورشليم من بيت عوبيد آدوم الجتى (1 أى16: 34-36) لأنه يمجد الله الكثير الإحسان. وهناك رأى آخر أن داود كتبه عندما كان هاربًا في جت لذا يقول اجمعنا من بين الأمم (ع47). يوجد تشابه بين هذا المزمور والمزمور السابق له (مز105)، فالأول يحدثنا عن رعاية الله لشعبه، أما هذا المزمور فيحدثنا عن أمانة الله مع شعبه رغم عصيانه. يوجد بعض التشابه بين هذا المزمور و(1 أى16) والذي يذكر فيه إرجاع تابوت عهد الله. يوجد تشابه بين هذا المزمور وصلوات عزرا (عز9)، ونحميا (نح9)، ودانيال (دا9)، وباروخ (با2) في كل هذه يذكر الكاتب تمرد وأخطاء شعب الله، ومن ناحية أخرى أمانة الله ومحبته وإحسانه. يظهر في هذا المزمور شناعة خطايانا أمام إحسانات الله؛ لذا نسبحه. ومعنى هذا أن سقوطى في الخطية يدعونى إلى التوبة، ولا يعطلنى عن الصلاة والتسبيح. لا يوجد هذا المزمور في صلوات الأجبية. هذا المزمور ضمن المزامير التي تبدأ وتنتهي بهللويا، وهي ثمانية مزامير هي بخلاف هذا المزمور (مز 111، 113، 135، 146، 148، 149، 150). (1) الأبرار يسبحون الله (ع1-5): ع1: هَلِّلُويَا. اِحْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ. يبدأ هذا المزمور بتسبيح الله لأنه صالح ورحوم إلى الأبد؛ لأن طبيعته هي الرحمة والصلاح. ولذا يفرح القلب بهذا فيبدأ بالتهليل؛ لأن الإنسان خاطئ ومحتاج لغفران الله ورحمته، كما سيظهر من تفاصيل هذا المزمور. وهذه الخطايا تدعو الإنسان للاتضاع، والتغنى بمراحم الله. 2- مَنْ يَتَكَلَّمُ بِجَبَرُوتِ الرَّبِّ؟ مَنْ يُخْبِرُ بِكُلِّ تَسَابِيحِهِ؟ 3- طُوبَى لِلْحَافِظِينَ الْحَقَّ وَلِلصَّانِعِ الْبِرَّ فِي كُلِّ حِينٍ. يتساءل كاتب المزمور وسط جماعة المؤمنين عمن يتكلم عن قوة الله العظيمة، ويخبر بتسابيح الله؟ ويجيب في (ع3) بأن الذي يستطيع أن يسبح الله ويخبر بقوته هو الحافظ الحق، والصانع البر دائمًا. وهو من يطيع الحق؛ أي يحفظ وصاياه. "الصانع البر كل حين" هذه نبوة واضحة عن المسيح، وينضم إليه المؤمنون به، الذين يتمتعون بعشرته؛ أي القديسون، فيستطيعوا أن يسبحوا الله من كل قلوبهم. وكل من يسعى في طريق البر، وحفظ الوصايا يتقدم في طريق التسبيح، أي أن التسبيح ليس كلمات يرددها الفم، بل حياة يحياها الإنسان، فيحدث بعظمة الله، ويمجده. 4- اذْكُرْنِي يَا رَبُّ بِرِضَا شَعْبِكَ. تَعَهَّدْنِي بِخَلاَصِكَ 5- لأَرَى خَيْرَ مُخْتَارِيكَ. لأَفْرَحَ بِفَرَحِ أُمَّتِكَ. لأَفْتَخِرَ مَعَ مِيرَاثِكَ. يشعر كاتب المزمور بضعفه؛ لأنه لا يصنع البر في كل حين؛ لذا يطلب من الله أن يذكره برضا شعبه؛ أي يرضى عليه؛ لأن الله رحيم، ويحب شعبه. ويطلب أيضًا معونة الله، فيطلب منه أن يتعهده بخلاصه، أي يهتم به، ويسانده؛ حتى يحفظ الحق، ويصنع البر. فيدخل إلى تذوق عشرة الله التي يتمتع بها المختارون؛ ليس فقط على الأرض، بل بالأحرى في السماء، وحينئذ يفرح فرحًا عظيمًا ويفتخر برحمة الله وإحساناته مع كل المؤمنين، الذين نالوا الميراث الأبدي. إن كاتب المزمور يرى بعين النبوة الرسل، ومؤمنى العهد الجديد، الذين يتمتعون برؤية المسيح، وعمل الروح القدس في الكنيسة، حيث توجد خيرات روحية كثيرة تفرح القلب، ويفتخر بها كل من ينالها. فهو يشتاق إلى تجسد المسيح، ورؤية العهد الجديد، وميلاد الكنيسة. † ليتك يا أخى تهتم بحفظ وصايا الله، وتطبيقها في حياتك، لتشبع، وينطلق لسانك بتسبيحه في الكنيسة، وفى مخدعك، بل وفى كل مكان. (2) التمرد في مصر وبرية سيناء (ع6-33): 6- أَخْطَأْنَا مَعَ آبَائِنَا. أَسَأْنَا وَأَذْنَبْنَا 7- آبَاؤُنَا فِي مِصْرَ لَمْ يَفْهَمُوا عَجَائِبَكَ. لَمْ يَذْكُرُوا كَثْرَةَ مَرَاحِمِكَ، فَتَمَرَّدُوا عِنْدَ الْبَحْرِ، عِنْدَ بَحْرِ سُوفٍ. بحر سوف: البحر الأحمر. بمشاعر التوبة والندم يعلن كاتب المزمور نيابة عن شعب الله أنهم تمردوا على الله مرات كثيرة، وأساءوا إليه من خلال تمرد الآباء. وأول تمرد كان بعد خروجهم من أرض مصر ووصولهم إلى بحر سوف، عندما رأوا فرعون بجيشه مقبلًا عليهم. فتذمروا على موسى قائلين: هل لا توجد قبور في مصر حتى أخرجتنا لنموت في البرية أمام بحر سوف؟ ألم نقل لك: اتركنا لنعيش في برية مصر أفضل من أن نموت في البرية (خر14: 11، 12). هذا التذمر من بني إسرائيل تم بعد أن رأوا عجائب الله في الضربات العشر التي ضرب بها المصريين، وفى نفس الوقت رحمته على شعبه التي حفظتهم من هذه الضربات. أنهم رأوا العجائب لكنهم لم يفهموها وهذا ما يحدث معنا حتى اليوم، فنرى أعمال الله معنا ولكننا لا نفهم، فنضطرب ونقلق ونتذمر. 8- فَخَلَّصَهُمْ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ، لِيُعَرِّفَ بِجَبَرُوتِهِ 9- وَانْتَهَرَ بَحْرَ سُوفٍ فَيَبِسَ، وَسَيَّرَهُمْ فِي اللُّجَجِ كَالْبَرِّيَّةِ 10- وَخَلَّصَهُمْ مِنْ يَدِ الْمُبْغِضِ، وَفَدَاهُمْ مِنْ يَدِ الْعَدُوِّ 11- وَغَطَّتِ الْمِيَاهُ مُضَايِقِيهِمْ. وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَبْقَ 12- فَآمَنُوا بِكَلاَمِهِ. غَنَّوْا بِتَسْبِيحِهِ. اللجج: المياه الكثيرة ويقصد بها أعماق البحر. أمام تمرد الشعب لم نر غضب الله، ولكن على العكس قوته في تخليصهم من فرعون وجيشه، إذ انتهر البحر عن طريق ضرب موسى البحر بعصاه، فانشق وانكشفت أعماق البحر، فصارت ارضًا يابسة مثل البرية، فعبر فيها شعب الله إلى البر الثاني. أما فرعون وجيشه الذين تجاسروا، وسعوا وراء بني إسرائيل، ولم يخافوا إلههم الذي ضربهم بالضربات العشر، فعندما ضرب موسى البحر مرة ثانية عاد كما كان وغرق فرعون وكل جيشه، وماتوا جميعًا، وكان أقوى جيش في العالم وقتذاك؛ لأن مصر كانت الإمبراطورية الأولى في العالم، فكانت تسيطر على من حولها. ففرح بنو إسرائيل وغنوا لله بالشكر وآمنوا به. كما خلص الله شعبه بني إسرائيل من عبودية المصريين بعبورهم البحر الأحمر وغرق فرعون وجنوده؛ هكذا أيضًا يخلص أولاده في العهد الجديد من عبودية الشيطان بعبورهم في ماء المعمودية، فينالوا الطبيعة الجديدة وحرية أولاد الله. 13- أَسْرَعُوا فَنَسُوا أَعْمَالَهُ. لَمْ يَنْتَظِرُوا مَشُورَتَهُ 14- بَلِ اشْتَهَوْا شَهْوَةً فِي الْبَرِّيَّةِ، وَجَرَّبُوا اللهَ فِي الْقَفْرِ 15- فَأَعْطَاهُمْ سُؤْلَهُمْ، وَأَرْسَلَ هُزَالًا فِي أَنْفُسِهِمْ. لم تمض ثلاثة أيام على عبورهم البحر الأحمر، وغرق فرعون، إلا وتذمروا لعطشهم عندما وصلوا منطقة إيليم، فلم يطلبوا مشورة الله بالصلاة والتضرع لأن المياه كانت مرة. ولكن موسى صلى، فأرشده الله ليلقى شجرة في الماء، فتحول إلى ماء عذب (خر15: 22-24). وتذمروا أيضًا بعد هذا طالبين لحمًا، فأعطاهم السلوى فشبعوا منها، إذ أكلوا بشراهة، ولكن ضربهم الله بالحيات وصارت أجسادهم ونفوسهم في هزال. وإذ صرخوا لله عمل موسى الحية النحاسية، وأنقذهم من الموت عندما نظروا إليه (عد11). الشجرة ترمز للصليب الذي يحول المرارة إلى حلاوة، والحية النحاسية ترمز للمسيح المصلوب الذي ينقذنا من موت الخطية والشهوة. 16- وَحَسَدُوا مُوسَى فِي الْمَحَلَّةِ، وَهارُونَ قُدُّوسَ الرَّبِّ 17- فَتَحَتِ الأَرْضُ وَابْتَلَعَتْ دَاثَانَ، وَطَبَقَتْ عَلَى جَمَاعَةِ أَبِيرَامَ 18- وَاشْتَعَلَتْ نَارٌ فِي جَمَاعَتِهِمْ. اللَّهِيبُ أَحْرَقَ الأَشْرَارَ. حسد قورح وداثان وأبيرام ومئتان وخمسون رجلًا تبعوهم وتذمروا على موسى وهارون لانفرادهم بالكهنوت والتحدث مع الله، فغضب الله عليهم، وانشقت الأرض وابتلعتهم وأحرقتهم أيضًا النار؛ ليظهر الله عظمة أولاده وليهاب كل الشعب الكهنوت. كان موسى يرمز للمسيح كقائد لشعبه، وهارون أيضًا يرمز للمسيح رئيس كهنتنا الأعظم. وانشقاق الأرض، وابتلاع الأشرار يظهر عناية الله الذي ثبت الأرض لأجل أولاده لكنها تهتز، وتنشق وتبتلع الأشرار. والنار تظهر غضب الله لأن إلهنا نار آكلة، وترمز للنار الأبدية. 19- صَنَعُوا عِجْلًا فِي حُورِيبَ، وَسَجَدُوا لِتِمْثَال مَسْبُوكٍ 20- وَأَبْدَلُوا مَجْدَهُمْ بِمِثَالِ ثَوْرٍ آكِلِ عُشْبٍ. حوريب: جبل في سيناء. رغم أن شعب الله في سيناء طلب أن يرى الله، فظهر لهم الله على الجبل بمنظر عظيم، وخافوا جدًا، وقالوا لموسى أصعد أنت، وتكلم مع الله، وقل لنا. وبعدما صعد وغاب أربعين يومًا مع الله، ظنوا أنه مات، أو حدث له أى أمر غريب، فرجعوا عن عبادة الله، وطلبوا إلهًا آخر. فعمل لهم هارون عجلًا ذهبيًا ليعبدوه. وبدلًا من عبادة الله ساكن السماء انحطوا وصنعوا تمثالًا لحيوان يأكل الشعب؛ أي العجل. فهو تمرد وانحطاط في الفكر غريب جدًا، وشابهوا الأمم المحيطة بهم في عبادة الأوثان؛ مثل مصر. 21- نَسُوا اللهَ مُخَلِّصَهُمُ، الصَّانِعَ عَظَائِمَ فِي مِصْرَ 22- وَعَجَائِبَ فِي أَرْضِ حَامٍ، وَمَخَاوِفَ عَلَى بَحْرِ سُوفٍ 23- فَقَالَ بِإِهْلاَكِهِمْ. لَوْلاَ مُوسَى مُخْتَارُهُ وَقَفَ فِي الثَّغْرِ قُدَّامَهُ لِيَصْرِفَ غَضَبَهُ عَنْ إِتْلاَفِهِمْ. أرض حام: سكن حام ابن نوح في مصر وما حولها من بلاد في أفريقيا، والمقصود هنا أرض مصر. وقف في الثغر: تشفع وصلى. إن تمرد شعب الله في سيناء بعبادة العجل الذهبى هو نسيان لكل أعمال الله العظيمة التي عملها معهم؛ ليخرجهم من أرض مصر، سواء الضربات العشر، أو شق البحر الأحمر، وعبورهم وغرق فرعون. فهو تمرد شنيع يستحق أن يعاقبهم الله بشدة، ويهلكهم لولا أن موسى وقف يصلى ويشفع في شعبه، فسامحهم الله (تث9: 25-29) وهذا يبين إيمان موسى ودالته عند الله، إذ وقف يصلى من أجل شعب عنيد، وقف أمام الله الغاضب على شعبه. فظهرت محبة الله وطول أناته، وتقديره الشديد للشفاعة، فسامح الشعب. 24- وَرَذَلُوا الأَرْضَ الشَّهِيَّةَ. لَمْ يُؤْمِنُوا بِكَلِمَتِهِ 25- بَلْ تَمَرْمَرُوا فِي خِيَامِهِمْ. لَمْ يَسْمَعُوا لِصَوْتِ الرَّبِّ 26- فَرَفَعَ يَدَهُ عَلَيْهِمْ لِيُسْقِطَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ، تمرمروا: تذمروا وتمردوا وصرخوا. عندما خرج بنو إسرائيل من مصر أرسل موسى اثنى عشر رجلًا ليتجسسوا أرض كنعان، فأعلنوا أن الأرض خصبة وشهية، ولكن سكانها جبابرة لا يمكن التغلب عليهم، أي لم يؤمنوا بالله، فرفضوا دخول أرض كنعان الشهية. ولم يشذ عن هؤلاء الجواسيس الأشرار إلا اثنين هما يشوع بن نون، وكالب بن يفنة، فتأثر الشعب بكلام التشكيك لعدم إيمانهم بالله، ورفضوا دخول أرض كنعان. فأقسم الله (رفع يده) أن كل الذين تمردوا لن يسمح لهم بدخول وامتلاك أرض كنعان، بل لابد أن يهلكوا في برية سيناء (عد14: 21-23). وأتاههم أربعين سنة في البرية حتى مات كل الذين تمردوا، ودخل فقط أبناؤهم الذين كانوا أطفالًا وقت هذا التمرد. ع27: وَلِيُسْقِطَ نَسْلَهُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، وَلِيُبَدِّدَهُمْ فِي الأَرَاضِي. ولكن عندما تمرد هذا النسل الذي دخل أرض كنعان أمر الله أن يذهبوا للسبى الآشورى، ثم البابلي، فبددهم وشتتهم بعيدًا عن بلادهم في أنحاء المملكة الأشورية، ثم البابلية؛ حتى تابوا ثم أرجعهم إلى أرضهم. 28- وَتَعَلَّقُوا بِبَعْلِ فَغُورَ، وَأَكَلُوا ذَبَائِحَ الْمَوْتَى 29- وَأَغَاظُوهُ بِأَعْمَالِهِمْ فَاقْتَحَمَهُمُ الْوَبَأُ 30- فَوَقَفَ فِينَحَاسُ وَدَانَ، فَامْتَنَعَ الْوَبَأُ 31- فَحُسِبَ لَهُ ذلِكَ بِرًّا إِلَى دَوْرٍ فَدَوْرٍ، إِلَى الأَبَدِ. بعل: إسم إله وثني مشهور في أمم كثيرة في الشرق. فغور: جبل في موآب والمقصود ببعل فغور: البعل الموجودة عبادته في جبل فغور ويعبده الموآبيون. ذبائح الموتى: الذبائح المقدمة للأصنام الميتة. دان: أي أدان وقضى وتدخل ليعاقب الفاجرين؛ الرجل اليهودي والمرأة المديانية. حاول بالاق ملك موآب -بواسطة بلعام النبي ابن بعور- أن يلعن شعب الله فرفض الله وباركهم. فأشار بلعام على بالاق أن يلقى فتيات موآبيات إلى بني إسرائيل ليزنوا معهن، فيغضب الله عليهم، ويتخلى عنهم، فيسهل على بالاق أن ينتصر على بني إسرائيل. وحدث هذا فعلًا، فزنى بنو إسرائيل مع الموآبيات، وسجدوا لإلههن الوثني بعل فغور، وأكلوا من الذبائح المقدمة له. فضربهم الرب بالوبأ، وقتل منهم أربعة وعشرين ألفًا. وأسرع موسى وشيوخ إسرائيل إلى باب خيمة الاجتماع بالصلاة والتضرع وبكاء كثير، ولكن كان هناك بعض اليهود منغمسين في الزنا، حتى أن رجل إسرائيلى يدعى زمرى أخذ إمرأة وثنية مديانية أمام كل الشعب ودخل الخيمة ليزنى معها. فغار فينحاس الكاهن غيرة الله ضد الشر، وأخذ رمحًا وقتل به الزانيين، فهدأ غضب الله من أجل صلوات موسى ومن معه وغيرة فينحاس وأوقف الوبأ، وبارك الله فينحاس الكاهن ونسله (عد25). ويظهر من هذا بغض الله للشر وعقابه له، ومن ناحية أخرى قوة الصلاة وغيرة الأبرار وخاصة المسئولين. 32- وَأَسْخَطُوهُ عَلَى مَاءِ مَرِيبَةَ حَتَّى تَأَذَّى مُوسَى بِسَبَبِهِمْ 33- لأَنَّهُمْ أَمَرُّوا رُوحَهُ حَتَّى فَرَطَ بِشَفَتَيْهِ. مريبة: مكان يوجد به صخرة بجوار مدينة قادش برنيع التي تقع شمال خليج العقبة وجنوب البحر الميت وبئر سبع؛ أي جنوب أرض كنعان. أسخطوه: أغضبوه بشدة. فرط بشفتيه: تكلم بعدم حكمة. كان شعب بني إسرائيل كثير التذمر والتمرد؛ حتى أغضبوا موسى جدًا عندما وصلوا إلى منطقة جنوب قادش برنيع. فتضايق موسى ونطق بكلمات فيها شيء من التردد والشك إذ قال "أمن هذه الصخرة يخرج ماء". ثم ضرب الصخرة مرتين بدلًا من مرة واحدة (عد20: 10). فتضايق الله منه بمنعه - هو وهارون الذي اشترك معه في هذا الفعل - من دخول أرض كنعان، فمات الإثنان قبل دخول كنعان، ودخل يشوع بالشعب كما أمره الله. ذكر المزمور هنا مجموعة من تمردات بني إسرائيل على الله وهي: أ - تمردهم عند ملاحقة فرعون لهم قبل عبورهم البحر الأحمر (ع7). ب - تمردهم لعدم وجود لحم في برية سيناء (ع14). جـ- تمردهم على موسى وهارون لأجل اختصاصهم بالكهنوت (ع16). د - عبادة العجل الذهبى (ع19). هـ- رفضهم دخول أرض كنعان بسبب كلام الجواسيس (ع24). و - الزنا وعبادة الأوثان (بعل فغور) (ع28). ز - التذمر لعدم وجود ماء في مريبة (ع32). † لا تتسرع بالتذمر على الله إذا لم تجد ما تريد، ولكن اصبر، وثابر في صلواتك، فيعطيك الرب في الوقت المناسب احتياجاتك، بل يفيض عليك بأكثر مما تطلب، أو تفتكر. (3) التمرد في أرض كنعان (ع34-39): 34- لَمْ يَسْتَأْصِلُوا الأُمَمَ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ الرَّبُّ عَنْهُمْ 35- بَلِ اخْتَلَطُوا بِالأُمَمِ وَتَعَلَّمُوا أَعْمَالَهُمْ 36- وَعَبَدُوا أَصْنَامَهُمْ، فَصَارَتْ لَهُمْ شَرَكًا. شركًا: فخًا ومصيدة. أمر الله شعبه بعدما أدخلهم أرض كنعان أن يستاصلوا الوثنيين سكان الأرض؛ لأجل شرورهم (خر23: 32، 33). إذ أن الله أطال آناته كثيرًا عليهم ولم يرجعوا عن شرورهم. ولكن بني إسرائيل تهاونوا ولم يطيعوا الله، فحدث فيهم ما أنذرهم الله به، إذ اختلطوا بهؤلاء الوثنيين، وتعلموا أعمالهم الشريرة، أي خطاياهم، واشتركوا معهم في عبادة الأوثان. فصارت خلطتهم بهؤلاء الوثنيين فخًا لهم أبعدهم عن الله. فهم متمردون على الله، لا يطيعون وصاياه، بل أهواءهم وشهواتهم. 37- وَذَبَحُوا بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ لِلأَوْثَانِ 38- وَأَهْرَقُوا دَمًا زَكِيًّا، دَمَ بَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمِ الَّذِينَ ذَبَحُوهُمْ لأَصْنَامِ كَنْعَانَ، وَتَدَنَّسَتِ الأَرْضُ بِالدِّمَاءِ 39- وَتَنَجَّسُوا بِأَعْمَالِهِمْ وَزَنَوْا بِأَفْعَالِهِمْ. أهرقوا: أسالوا؛ أي جعلوا دماء بنيهم تسيل على الأرض. دمًا زكيًا: دمًا بريئًا، أي دم أبرياء وليس أشرار. اختلاط شعب الله بالوثنيين جعلهم يقلدونهم في أفظع الأعمال، حتى أنهم ذبحوا بنيهم الذين لم يفعلوا شرًا. فرغم أن القتل خطية كبيرة جدًا، وقتل الشرير أسهل من قتل البرئ إلا أنهم يقتلون أبرياء، وأيضًا أبناءهم المحبوبين إرضاءً لأفكار الشيطان من خلال الآلهة الوثنية؛ هكذا تركوا الله ووصاياه، والتصقوا بالأشرار؛ أي سقطوا في الزنا الروحي، وصاروا نجسين. هذا هو نتيجة التمرد على الله. † لا تهمل يا أخى وصايا الله بأى فكر يأتيك، وتظن أنه من عقلك فهو ما دام فكرًا هدامًا ومزعجًا، فثق أنه من الشيطان؛ لأن أفكار الله ووصاياه تعطى سلامًا، وتبنى حياتك. لا تندفع في الشر فهذا زنا روحي، بل التصق بالله فتتمتع بمحبته ورعايته، وسلامه. (4) عقاب الله وإنقاذه لشعبه (ع40-48): 40- فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى شَعْبِهِ، وَكَرِهَ مِيرَاثَهُ 41- وَأَسْلَمَهُمْ لِيَدِ الأُمَمِ، وَتَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ مُبْغِضُوهُمْ 42- وَضَغَطَهُمْ أَعْدَاؤُهُمْ، فَذَلُّوا تَحْتَ يَدِهِمْ. لما تمادى شعب الله في الشر نتيجة اختلاطهم بالوثنيين، غضب الله عليهم لتأديبهم حتى يتوبوا، فتخلى عنهم، ورفع حمايته لهم. وهنا تسلط عليهم أعداؤهم الذين اختلطوا بهم، واشتركوا معهم في الشر وأذلوهم، وسمح الله بهذا؛ حتى أنه بهذا العقاب ينتبهوا إلى خطورة الشر فيتوبوا. 43- مَرَّاتٍ كَثِيرَةً أَنْقَذَهُمْ، أَمَّا هُمْ فَعَصَوْهُ بِمَشُورَتِهِمْ وَانْحَطُّوا بِإِثْمِهِمْ 44- فَنَظَرَ إِلَى ضِيقِهِمْ إِذْ سَمِعَ صُرَاخَهُمْ 45- وَذَكَرَ لَهُمْ عَهْدَهُ، وَنَدِمَ حَسَبَ كَثْرَةِ رَحْمَتِهِ 46- وَأَعْطَاهُمْ نِعْمَةً قُدَّامَ كُلِّ الَّذِينَ سَبَوْهُمْ. إنحطوا: هبطوا من مرتبتهم كأولاد لله وصاروا مثل الأشرار. ندم: كف عن تأديبهم. لم يستمر الله في معاقبة أولاده، ولكن تأديبه كان مؤقتًا ليتوبوا، إذ نظر الله بأبوته ومحبته لشعبه وسمع صلواتهم وصراخهم إليه عندما أذلهم أعداؤهم، فأنقذهم بقوته؛ لأنهم أولاده الذين قطع معهم عهدًا أن يحميهم. فإن كانوا قد كسروا العهد ولكن بتوبتهم عادوا إلى الله، فرحمهم، بل أعطاهم نعمة أمام الذين أذلوهم، فارتفعوا واستراحوا بنعمة الله. كما حدث في السبي البابلي، إذ عندما تابوا وصرخوا إلى الله حنن قلب كورش ملك مادي وفارس فأعادهم إلى بلادهم، وبنوا هيكل الله. وكما حدث مع دانيال والثلاثة فتية، إذ رفعهم نبوخذنصر ليصيروا رؤساء للمملكة. وكذلك عندما رفع فرعون يوسف من السجن ليصير رئيسًا على مصر. 47- خَلِّصْنَا أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، وَاجْمَعْنَا مِنْ بَيْنِ الأُمَمِ، لِنَحْمَدَ اسْمَ قُدْسِكَ، وَنَتَفَاخَرَ بِتَسْبِيحِكَ 48- مُبَارَكٌ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ. وَيَقُولُ كُلُّ الشَّعْبِ: «آمِينَ». هَلِّلُويَا. في ختام المزمور يصرخ شعب الله إليه رافضين كل تمرد، ومعلنين حاجتهم إليه بقولهم خلصنا من كل شر وذل أسقطنا أنفسنا فيه. وهذه نبوة أيضًا عن طلب شعب الله المسبى منه أن يخلصه ويجمعه من بين الأمم. وهدف الخلاص ليس فقط التحرر من ذل العبودية، بل بالأكثر الحياة مع الله، وشكره على إنقاذه لهم، ثم تسبيحه، بل والتفاخر ببنوتهم لله وسط العالم الشرير، ويظلوا يباركونه طوال حياتهم، بل إلى الأبد. هاتان الآيتان تعلنان رغبة أبناء الله في العهد القديم المشتاقين لخلاص المسيح والحياة معه في كنيسة العهد الجديد. وهي أيضًا مشاعر الكنيسة في العهد الجديد المشتاقة للخلاص من سجن الجسد، والارتفاع إلى أمجاد الملكوت، حيث التسبيح الدائم. هذا المزمور هو نهاية الكتاب الرابع من كتب المزامير الخمسة بحسب التقسيم اليهودي. والقسم الرابع يبدأ من المزمور التسعين حتى المزمور المئة والسادس. ونلاحظ ختام هذا القسم بـ(ع48) والذي يتكرر في نهاية كل قسم من الأقسام الأربعة. أما القسم الخامس فلا يكتب في نهايته هذه الجملة؛ لأنها نهاية كل المزامير. † عجيبة هي طول أناتك يا الله؛ لأنك تعطينى فرصًا متوالية للتوبة، وتحتمل عصيانى لوصاياك، وانغماسى في الخطايا. لكن رجائى هو رحمتك يا رب، فليس لى مخلص سواك، فارحمنى؛ لأنى محتاج إلى أبوتك، بل أنا أطمع أن أحيا لك، واسبحك وأتمتع بعشرتك فهذه هي الحياة الحقيقية، وليس شهوات العالم الشريرة. المزمور المئة والسابع عناية الله لأولاده "احمدوا الرب لأنه صالح لأن إلى الأبد رحمته ليقل مفديو الرب الذين فداهم من يد العدو" (ع1، 2) مقدمة: 1. كاتبه: ليس له عنوان فهو يعتبر من المزامير اليتيمة غير المعروف كاتبها. وينسب البعض هذا المزمور لداود. 2. متى كتب ؟ هناك رأيان: أ - أنه كتب بعد الرجوع من السبي بقليل، ويعتمدون على كلمة "مفديو الرب" (ع2)، أي الراجعين من السبي، الذين فداهم من العبودية. ب - أنه كتب قبل السبي على يد داود، أو غيره ويتكلم عن فداء الله لشعبه في كل أحوال حياتهم، ونبوة عن الرجوع من السبي. وهذا الرأى هو الأرجح. 3. هذا المزمور شكر لله وحمد، فهو يناسب كل مؤمن يشعر بيد الله، خاصة في الضيقات التي ينقذه منها، فيرفع قلبه بالشكر له. 4. توجد علاقة بين هذا المزمور والمزمورين السابقين له. فالثلاثة مزامير يتكلمون عن تاريخ شعب الله وعمله معه، فنرى المزمور 105 يحدثنا عن رعاية الله لأولاده وتنفيذه لعهوده معهم. والمزمور 106 يحدثنا عن تمرد شعب الله عليه وطول أناته عليهم. أما المزمور 107 فيحدثنا عن عنايته بشعبه وإخراجه لهم من الضيقات المختلفة، حتى ولو كان السبي الثقيل. 5. هذا المزمور هو أول الكتاب الخامس والأخير من المزامير الذي يبدأ بهذا المزمور (107) وينتهى بالمزمور (151). وهذا الكتاب الخامس يحدثنا عن كلمة الله الحية ومن أهم ما يحتويه هذا الكتاب: أ - مزمور 119 وهو خبرات داود مع كلمة الله، ويقع في اثنين وعشرين جزءًا. ب - المزامير من (120-134) وتسمى مزامير المصاعد التي كان يرددها شعب الله عند صعودهم الجبل في أورشليم إلى هيكل الله. جـ- المزمور 136 وهو ما تسميه الكنيسة الهوس الثاني. وهو مزمور شكر لله الذي رعى شعبه ويرعاهم في كل جيل، وتردده الكنيسة. د - المزامير من (148-150) وهي التي ترددها الكنيسة كل يوم وتسمى الهوس الرابع، أي التسبيح الرابع، وتحوى تهليل وحمد وتسبيح كثير لله. 6. لا يوجد هذا المزمور في الأجبية. (1) المفديون يشكرون الله (ع1-3): ع1: اِحْمَدُوا الرَّبَّ لأَنَّهُ صَالِحٌ، لأَنَّ إِلَى الأَبَدِ رَحْمَتَهُ. حمد الله يعنى أمرين هما الاعتراف بالخطايا والشكر على الإحسان. وهما متلازمان في الصلاة، ويؤكدان أنه صالح، بل وصلاحه دائم طوال العمر وإلى الأبد. وهناك أدلة كثيرة على هذا من تاريخ شعب الله، فهو الذي حررهم من عبودية مصر، وهو أيضًا الذي خلصهم من أعدائهم في عصر القضاة، وبعد هذا أعادهم من السبي الذي تشتتوا فيه إلى أورشليم. كل هذا يؤكد دوام عناية الله بأولاده مهما أخطأوا، ما داموا يتوبون ويرجعون إليه. حمد الله يكمل في كنيسة العهد الجديد عندما نعترف بخطايانا، ونشكر المسيح الفادى الذي حررنا بصليبه، أو أعطانا الحياة الجديدة التي تمتد إلى الأبدية. فهذه الآية نبوة عن كنيسة العهد الجديد وملكوت السموات. 2- لِيَقُلْ مَفْدِيُّو الرَّبِّ، الَّذِينَ فَدَاهُمْ مِنْ يَدِ الْعَدُوِّ 3- وَمِنَ الْبُلْدَانِ جَمَعَهُمْ، مِنَ الْمَشْرِقِ وَمِنَ الْمَغْرِبِ، مِنَ الشِّمَالِ وَمِنَ الْبَحْرِ. يشترك في حمد الله الذين فداهم الله من يد أعدائهم، أي شعبه الذين كانوا في عبودية مصر، وأخرجهم منها بالضربات العشر، وعبروا البحر الأحمر. أما فرعون الذي فداهم من يده فقد غرق مع جيشه في البحر. وفداهم أيضًا من يد أعدائهم في عصر القضاة، وقتل أعداءهم. ومن السبي البابلي فداهم وارجعهم إلى بلادهم، أما أعداؤهم البابليون فأهلهكم على يد مادي وفارس. فالله جمع شعبه الذي شتته البابليون في أرجاء العالم، جمعهم من المشرق والمغرب؛ أى من كل مكان وأرجعهم ليحيوا في سلام ويعبدونه في أورشليم. † ليتك يا أخى تحرص كل يوم على حمد الله، أي على الاعتراف بخطاياك وشكره على عنايته بك طوال اليوم. فتتضع أمامه لأنك تسئ إليه بخطاياك، أما هو فيخجلك برحمته وإحساناته. إن محبته عجيبة تفوق العقل. (2) عناية الله بالتائهين في البرية (ع4-9): 4- تَاهُوا فِي الْبَرِّيَّةِ فِي قَفْرٍ بِلاَ طَرِيق. لَمْ يَجِدُوا مَدِينَةَ سَكَنٍ 5- جِيَاعٌ عِطَاشٌ أَيْضًا أَعْيَتْ أَنْفُسُهُمْ فِيهِمْ. يحدثنا المزمور عن تيه شعب الله في برية سيناء لمدة أربعين سنة. ولم يكن في البرية طعام، أو شراب، ولكن سمح الله بهذا لتذمرهم عليه، ورفضهم دخول أرض الميعاد، فأمر أن لا يدخلوا هذه الأرض ويموتوا في البرية. ولكنه في نفس الوقت بأبوبته كان يهديهم، ويقودهم بعمود السحاب، وعمود النار، وأعطاهم المن والسلوى طعامًا، وسقاهم الماء من الصخرة، وحفظهم في البرية من كل أعدائهم. فهذا يبين خطايا البشر، ورحمة الله التي تحفظ الإنسان وتقوده للتوبة، وتعلم الأبناء الذين سيدخلون أرض كنعان كيف يطعيون الله، فيتمتعوا بمحبته الفياضة. يرمز هذا التيه في سيناء إلى تيه البشرية عن الله قبل المسيح وعجز الفلسفة أن تشبعه، أو توصله إلى الله؛ حتى تجسد المسيح في ملء الزمان. 6- فَصَرَخُوا إِلَى الرَّبِّ فِي ضِيقِهِمْ، فَأَنْقَذَهُمْ مِنْ شَدَائِدِهِمْ 7- وَهَدَاهُمْ طَرِيقًا مُسْتَقِيمًا لِيَذْهَبُوا إِلَى مَدِينَةِ سَكَنٍ. عندما تاه شعب الله في برية سيناء شعروا بخطيتهم، وتابوا، وصرخوا إلى الله أثناء الأربعين سنة، فسامحهم وهداهم للرجوع إليه، وحفظ وصاياه. ثم أدخل أبناءهم إلى مدن للسكن فيها في أرض كنعان، التي تفيض لبنًا وعسلًا. فدائمًا الصراخ والصلاة إلى الله هو الحل الوحيد الذي يستدر مراحم الله الحنون، فيظهر محبته وعنايته بأولاده. في العهد القديم صرخ الأنبياء من أجل الأمم التائهين بعيدًا عن الله؛ حتى هداهم في ملء الزمان إلى الطريق المستقيم الذي هو الإيمان بالمسيح، الذي أعلن أنه هو الطريق والحق والحياة (يو14: 6). العدد السادس تكرر أربع مرات في هذا المزمور ليؤكد ضرورة الصراخ إلى الله في كل حين، وخاصة في الضيقات، فيظهر حينئذ حنان الله ومحبته التي تفوق كل عقل، وتسامحه عن كل الخطايا. 8- فَلْيَحْمَدُوا الرَّبَّ عَلَى رَحْمَتِهِ وَعَجَائِبِهِ لِبَنِي آدَمَ 9- لأَنَّهُ أَشْبَعَ نَفْسًا مُشْتَهِيَةً وَمَلأَ نَفْسًا جَائِعَةً خُبْزًا، أمام عظمة محبة الله يدعو المزمور إلى الاعتراف بمحبة الله، وشكره عليها. فهذا هو معنى الحمد. إن عجائب الله ومعجزاته كثيرة، وتظهر معجزته هنا في إشباع 2 مليون نفسًا بالطعام والشراب في برية يابسة تصعب جدًا الحياة فيها. يتكرر (ع8) أربع مرات في هذا المزمور ليؤكد أهمية حمد الله الذي يربط النفس بمحبته، ويحميها، ويبعدها عن الخطية، ويسعد حياتها، فتتلذذ بعشرة الله. † إن كانت الضيقة أمر غير محبوب لك، لكن ثق أنها بتدبير الله لتوقظ نفسك، فتصلى بحرارة وتطلب معونة الله. اصرخ إليه، فتنال مراحمه وتعود تسمع صوته، وتفرح بعشرته. (3) عناية الله بالمسجونين (ع10-16): 10- الْجُلُوسَ فِي الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ، مُوثَقِينَ بِالذُّلِّ وَالْحَدِيدِ 11- لأَنَّهُمْ عَصَوْا كَلاَمَ اللهِ، وَأَهَانُوا مَشُورَةَ الْعَلِيِّ 12- فَأَذَلَّ قُلُوبَهُمْ بِتَعَبٍ. عَثَرُوا وَلاَ مَعِينَ. أهانوا مشورة العلى : رفضوا كلام الله. عثروا: سقطوا. يتحدث المزمور هنا عن المسجونين في العبودية حين كان شعب الله في مصر، وأذله المصريون، وسخروه. وتكرر هذا الذل في عصر القضاة عندما تهاونوا مع أعدائهم واختلطوا بهم، فقاموا عليهم وأذلوهم. هذا السجن وهذه القيود يقصد بها السقوط في الخطايا والشهوات. وهذا حدث مع شعب الله عندما اختلطوا بالوثنيين، وعبدوا الأوثان. ويحدث هذا اليوم عندما يتهاون الإنسان، ويسقط في الخطية، ويذله الشيطان، خاصة في خطية الكبرياء، فيتخلى عنه الله، فيذله الشيطان ولا يعينه الله؛ لأنه لا يتوب ويرجع إلى الله بسبب كبريائه الذي يؤخر التوبة. هذه الآيات تحدثنا عن ذل البشرية المحكوم عليها بالموت في العهد القديم. وكان الجميع حتى الأبرار يذهبون للجحيم؛ حتى أتم المسيح الفداء على الصليب، وأصعد المؤمنين به إلى الفردوس. 13- ثُمَّ صَرَخُوا إِلَى الرَّبِّ فِي ضِيقِهِمْ، فَخَلَّصَهُمْ مِنْ شَدَائِدِهِمْ 14- أَخْرَجَهُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ وَظِلاَلِ الْمَوْتِ، وَقَطَّعَ قُيُودَهُمْ 15- فَلْيَحْمَدُوا الرَّبَّ عَلَى رَحْمَتِهِ وَعَجَائِبِهِ لِبَنِي آدَمَ 16- لأَنَّهُ كَسَّرَ مَصَارِيعَ نُحَاسٍ، وَقَطَّعَ عَوَارِضَ حَدِيدٍ. تتكرر الآيات هنا (ع13، 15) إذ يصرخ شعب الله إليه، فيحررهم من عبوديتهم مهما كانت قوية مثل الحديد والنحاس؛ لأن بعض الخطايا صعبة مثل الكبرياء، وتعود الخطية، واليأس. ولكن قوة الله تصنع معجزات وعجائب، فيحرر أولاده، ويعيدهم للتمتع بالحياة معه. † لا تنزعج من كثرة خطاياك، أو شناعتها؛ لأن إلهك قوى قادر أن يحررك منها. ومهما كانت ظروفك تربطك بالخطية، فهو قادر أن يغير الظروف، أو يسندك، فترتفع فوق الشر وتخلص منه. فقط إلتجئ إليه بصلاة متضعة، ومثابرة، فتنال حريتك وتستعيد فرحك. (4) عناية الله بالخطاة (ع17-22): 17- وَالْجُهَّالُ مِنْ طَرِيقِ مَعْصِيَتِهِمْ، وَمِنْ آثامِهِمْ يُذَلُّونَ 18- كَرِهَتْ أَنْفُسُهُمْ كُلَّ طَعَامٍ، وَاقْتَرَبُوا إِلَى أَبْوَابِ الْمَوْتِ. الْجُهَّال هم الذين يبتعدون عن الله، فيسقطون في خطايا كثيرة، تذلهم، وتجعلهم في ضيق ويأس؛ حتى يفقدوا شهيتهم للطعام والشراب. وقد تصيبهم أمراض نتيجة أفكارهم، واضطرابهم، فتساعد على فقدان الشهية للطعام مما يزيد ضعفهم، فيصيروا في حيرة وقلق. إن هؤلاء الجهال يسقطون في خطايا تزيد ابتعادهم عن الله؛ حتى يفقدوا شهيتهم الروحية، أي يفقدوا اشتياقهم للصلاة، ولقراءة كلام الله، والوجود في بيت الرب. فرغم وجود الطعام الروحي أمامهم لكنهم لا يستفيدون منه؛ حتى يكادوا يموتوا روحيًا، أي يسقطون ليس فقط في الفتور، بل الجفاف الروحي. 19-فَصَرَخُوا إِلَى الرَّبِّ فِي ضِيقِهِمْ، فَخَلَّصَهُمْ مِنْ شَدَائِدِهِمْ 20- أَرْسَلَ كَلِمَتَهُ فَشَفَاهُمْ، وَنَجَّاهُمْ مِنْ تَهْلُكَاتِهِمْ 21- فَلْيَحْمَدُوا الرَّبَّ عَلَى رَحْمَتِهِ وَعَجَائِبِهِ لِبَنِي آدَمَ 22- وَلْيَذْبَحُوا لَهُ ذَبَائِحَ الْحَمْدِ، وَلْيَعُدُّوا أَعْمَالَهُ بِتَرَنُّمٍ. يعدوا أعماله: يذكروا أعماله واحدة فواحدة. تتكرر هنا كما ذكرنا الآيتان (ع19، 20) التي تظهر التجاء شعب الله إليه، ثم استجابة الله لهم بمعجزات عظيمة. ونرى حنان الله الذي يشفى أولاده من مرض الخطية، وايضًا الأمراض الجسدية إن احتاج الأمر، أي يغفر لهم، ويعطيهم صحة وحيوية روحية، فيقبلوا إليه، ويعبدوه بفرح، ويقدموا له ذبائح الحمد، أي تسبيح الشفاه، ويشكرونه على أعماله معهم. إن كلمة الله التي يرسلها الله هي نبوة عن تجسد المسيح الذي يشفى أمراض البشرية التي تؤمن به، وينقلها من الموت إلى الحياة، فتسبحه وتشكره إلى الأبد، ويتمتعون بذبيحة الشكر، التي هي سر التناول من جسد الرب ودمه. † ما أعظم أعمالك يا رب معى والتي تتجلى في قبولك لى وأنا ساقط في الخطية وعاجز عن القيام منها فتمد يدك، وتقبل توبتى وتحولنى من الموت إلى الحياة، فأقوم وأسبحك، وأتمتع بالوجود معك. (5) عناية الله بالمسافرين في البحر (ع23-32): 23- اَلنَّازِلُونَ إِلَى الْبَحْرِ فِي السُّفُنِ، الْعَامِلُونَ عَمَلًا فِي الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ 24- هُمْ رَأَوْا أَعْمَالَ الرَّبِّ وَعَجَائِبَهُ فِي الْعُمْقِ 25- أَمَرَ فَأَهَاجَ رِيحًا عَاصِفَةً فَرَفَعَتْ أَمْوَاجَهُ 26- يَصْعَدُونَ إِلَى السَّمَاوَاتِ، يَهْبِطُونَ إِلَى الأَعْمَاقِ. ذَابَتْ أَنْفُسُهُمْ بِالشَّقَاءِ 27- يَتَمَايَلُونَ وَيَتَرَنَّحُونَ مِثْلَ السَّكْرَانِ، وَكُلُّ حِكْمَتِهِمِ ابْتُلِعَتْ. يتحدث المزمور عن التجار المسافرين في البحر، والملاحين، والمعاناة التي يلاقونها في السفر من خلال البحر. ويبين أن الله هو محرك الطبيعة، وضابط الكل فهو الذي يأمر فتهيج الرياح، وتعلو الأمواج. فترفع السفن إلى فوق نحو السماء. ثم تهبط بهم نحو العمق، فيتمايل ركاب السفينة بعنف كالسكران، ويواجهون الموت، فتذوب قلوبهم خوفًا، ويفقدون قدرتهم على التحكم في السفينة، ويستسلمون ليد الله، كما حدث مع يونان وركاب السفينة عندما كانوا مسافرين في البحر (يون1: 4). يرمز التجار والبحارة إلى الإنسان الروحي الذي يعبر في بحر هذا العالم، ويسمح الله له بضيقات التي هي الرياح والأمواج، ويواجه أفراحًا وآلامًا، التي هي الارتفاع إلى السماء والهبوط إلى العمق، وتنضغط نفسه، ويواجه الموت، أو يتعرض لضغطة نفسية شديدة، فلا يجد أمامه إلا أن يستسلم في يد الله. يرمز أيضًا التجار والملاحون إلى الأنبياء الرسل والكهنة، والخدام في كل جيل الذين ينادون بالله، فيواجهون ضيقات ومتاعب كثيرة، وأثناءها يختبرون الله الذي يرفعهم إلى السماء. ويواجهون أيضًا متاعب نفسية بنزولهم إلى العمق، وليس لهم أمام الضيقات إلا أن يسلموا نفوسهم في يد الله. 28- فَيَصْرُخُونَ إِلَى الرَّبِّ فِي ضِيقِهِمْ، وَمِنْ شَدَائِدِهِمْ يُخَلِّصُهُمْ 29- يُهْدِئُ الْعَاصِفَةَ فَتَسْكُنُ، وَتَسْكُتُ أَمْوَاجُهَا 30- فَيَفْرَحُونَ لأَنَّهُمْ هَدَأُوا، فَيَهْدِيهِمْ إِلَى الْمَرْفَإِ الَّذِي يُرِيدُونَهُ 31- فَلْيَحْمَدُوا الرَّبَّ عَلَى رَحْمَتِهِ وَعَجَائِبِهِ لِبَنِي آدَمَ 32- وَلْيَرْفَعُوهُ فِي مَجْمَعِ الشَّعْبِ، وَلْيُسَبِّحُوهُ فِي مَجْلِسِ الْمَشَايِخِ. المرفأ: الميناء. الذين يعانون في سفرهم داخل البحر ليس أمامهم إلا الصراخ إلى الله لينقذهم فيتدخل بأبوته ويهدئ العاصفة، فيستعيدون سلامهم، بل يشكرون الله، ويحدثون بعجائبه في كل مكان بين الشعوب، وفى اجتماع الرؤساء والعظماء. الروحانيون والخدام يصرخون إلى الله في ضيقاتهم، فيتدخل وينقذهم منها فتهدأ نفوسهم، ويشعرون بقوة الله الذي يحميهم، فيسبحونه على أعماله العجيبة معهم، سواء في اجتماع الشعوب والأمم فيهدونهم إلى الإيمان، أو في مجتمعات الخدام والمعلمين الروحانيين، فيثبت إيمانهم، ويمجدون الله. † الضيقات يسمح بها الله ليس لإزعاجك، ولكن ليوقظ نفسك، فتتحرك في صلوات حارة، وتختبر عمل الله فتفرح، ويزداد حماسك للتسبيح والشكر كل أيام حياتك. (6) الله الرحوم العادل (ع33-43): 33- يَجْعَلُ الأَنْهَارَ قِفَارًا، وَمَجَارِيَ الْمِيَاهِ مَعْطَشَةً 34- وَالأَرْضَ الْمُثْمِرَةَ سَبِخَةً مِنْ شَرِّ السَّاكِنِينَ فِيهَا. قفارًا: أرض يابسة مهجورة بلا ماء أو حياة. معطشة: أرض ليس فيها ماء، بل يعطش فيها كل إنسان وحيوان ونبات. سبخة: تالفة غير صالحة للزراعة، أو السكن. يبين المزمور خطورة الشر الذي يسلكه البشر إذ يغضب الله، فيسمح لهم بالضيق لعلهم يتوبون، فيجعل الاماكن الكثيرة المياه؛ مثل الأنهار ومجارى المياه يابسة تمامًا، والأرض الخصبة تالفة، لدرجة ألا تصلح لشئ. فإذ يرى الأشرار ضيقهم المادي يرجعون إلى الله الذي أغضبوه وأهملوه. ع35-38: 35- يَجْعَلُ الْقَفْرَ غَدِيرَ مِيَاهٍ، وَأَرْضًا يَبَسًا يَنَابِيعَ مِيَاه 36- وَيُسْكِنُ هُنَاكَ الْجِيَاعَ فَيُهَيِّئُونَ مَدِينَةَ سَكَنٍ 37- وَيَزْرَعُونَ حُقُولًا وَيَغْرِسُونَ كُرُومًا، فَتَصْنَعُ ثَمَرَ غَلَّةٍ 38- وَيُبَارِكُهُمْ فَيَكْثُرُونَ جِدًّا، وَلاَ يُقَلِّلُ بَهَائِمَهُمْ. غدير: نهر صغير تجرى مياهه بهدوء. تظهر هذه الآيات عمل الله مع المؤمنين المتضعين فيباركهم، ويهبهم الماء الذي يعطى الحياة لهم، ولحيواناتهم فتكثر، ولأرضهم فيزرعونها، ويحصدون ثمارًا ومحاصيلًا كثيرة. المساكين بالروح التائبون باتضاع يهبهم الله بركات روحية كثيرة، فيعمل فيهم الروح القدس، الذي ترمز إليه المياه، وينعم عليهم بثمار الروح القدس التي يرمز إليها بثمار الأرض والغلات والبهائم، فيفرحون ويشكرون الله. 39- ثُمَّ يَقِلُّونَ وَيَنْحَنُونَ مِنْ ضَغْطِ الشَّرِّ وَالْحُزْنِ 40- يَسْكُبُ هَوَانًا عَلَى رُؤَسَاءَ، وَيُضِلُّهُمْ فِي تِيهٍ بِلاَ طَرِيق، تيه: مكان يتوه فيه الإنسان لعدم وجود طرق، مثل الصحارى. إذا بارك الله البشر، ثم عادوا إلى الانغماس في خطاياهم، فإنه ينزع نعمته عنهم، وتقل خيراتهم من ماء، وثمار، وبهائم، فيضعفون، ويموت منهم الكثيرون، فيقلون عددًا، وذلك لشرورهم، ونفوسهم التي تتضايق لسبب قلة مواردهم المادية، بل يسمح بإهانة وذل، وضلال مرشديهم ورؤسائهم الذين يقودونهم. فيضلون كلهم لأنهم يتبعون رؤساءهم، أي أن الله يتخلى عنهم فيواجهون ضيقات كثيرة؛ لينتبهوا ويتوبوا. الضيقات تواجه الروحانيين؛ حتى يتمسكوا بالله. والله يسمح بإهانة رؤسائهم، أي بعقولهم التي تنحرف، ومشاعرهم التي تضل، فيهينون أجسادهم. وإذ يرون بليتهم يعودون إلى الله بتوبة. كما حدث مع داود النبي. ع41: وَيُعَلِّي الْمِسْكِينَ مِنَ الذُّلِّ، وَيَجْعَلُ الْقَبَائِلَ مِثْلَ قُطْعَانِ الْغَنَمِ. المسكين هو المتضع، الملتجئ إلى الله في توبة، فإن كان الأبرار قد واجهوا ضيقات بسبب سقوطهم في الشر، ولكن عندما يتوبون يعليهم ويباركهم، فتكثر قبائلهم مثل قطعان الغنم في كثرتها. والله يرعاها كلها بمحبته، فتكون في وحدانية. وهذا يظهر مدى طول أناة الله ورحمته، الذي يطيل أناته على أولاده، فيباركهم إذا حفظوا وصاياه، ويسمح لهم بالضيقات إن ابتعدوا عنه، ولكن إن تابوا يعود فيرفعهم، ويباركهم مرة ثانية، كما حدث مع أيوب، وهو إنسان بار باركه الله، ثم سمح له بضيقات، ليتخلص من البر الذاتي، وعندما تاب عاد فباركه كثيرًا، أي أعطاه ضعف ما كان عنده. 42- يَرَى ذلِكَ الْمُسْتَقِيمُونَ فَيَفْرَحُونَ، وَكُلُّ إِثْمٍ يَسُدُّ فَاهُ 43- مَنْ كَانَ حَكِيمًا يَحْفَظُ هذَا، وَيَتَعَقَّلُ مَرَاحِمَ الرَّبِّ. يختم المزمور بهذه الكلمات الذهبية، إذ يطالب المؤمنين والمستقيمين في حياتهم أن يفهموا عناية الله بأولاده من أول المزمور حتى نهايته. وخاصة في هذا الجزء الأخير؛ حتى يبتعدوا عن الشر ويتمسكوا بالله، وحتى يصمت كل شرير بعدما فضح المزمور نهاية الشر (ع33، 34، 39، 40). ويطالب المستقيمين أن يحفظوا هذا الكلام ليس فقط في قلوبهم، بل في سلوكهم. ويتفهموا، ويتأملوا دائمًا في مراحم الله وعنايته بالبشر؛ ليشكروه، ويسبحوه. † كن يقظًا حتى تحيا مع الله بتدقيق، وتسرع للتوبة إن أخطأت، فتتمتع برعاية الله دائمًا، وتفيض عليك مراحمه، وبركات الروح القدس تعمل فيك، وتتذوق حلاوة عشرة الله. |
||||