19 - 06 - 2024, 08:35 PM | رقم المشاركة : ( 164131 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لأَنَّ كُلَّ أَيَّامِنَا قَدِ انْقَضَتْ بِرِجْزِكَ. أَفْنَيْنَا سِنِينَا كَقِصَّةٍ. يشعر موسى أن غضب الله استمر مدة طويلة على شعبه وهي أربعين سنة حتى انقضت كل أيام الخارجين من مصر، والله غاضب عليهم، وماتوا جميعًا في البرية؛ حتى موسى نفسه لم يدخل أرض الموعد، ولكن نظرها من بعيد، ودخل فقط الأبناء الأطفال، الذين كبروا، ومعهم يشوع وكالب، اللذين أطاعا الله عند إرسالهم؛ ليتجسسوا أرض الميعاد. يبين موسى أن حياة الإنسان قصيرة ومحدودة، ويشبهها بقصة تحكى، ولها نهاية، وبالتالي لا يتعلق الإنسان بالأرضيات، ولكن يزهد العالم، وينظر إلى الله، الذي سيذهب إليه ويحيا معه إلى الأبد. |
||||
19 - 06 - 2024, 08:36 PM | رقم المشاركة : ( 164132 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أَيَّامُ سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْقُوَّةِ فَثَمَانُونَ سَنَةً، وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ، لأَنَّهَا تُقْرَضُ سَرِيعًا فَنَطِيرُ. يؤكد موسى أن حياة الإنسان قصيرة، فهي في الغالب لا تزيد عن سبعين سنة، وقد تصل إلى ثمانين، فمعظم الناس يموتون قبل هذا السن. ومهما كانت بركات الله للإنسان، ولكن آلام الحياة لا تفارق الإنسان من أتعاب الجسد، والأمراض، ومشاكل الحياة المختلفة. وهكذا تنتهي حياة الإنسان سريعًا، كما يطير القش مع الهواء. إن كان موسى قد عاش أكثر من ثمانين سنة؛ إذ عاش مئة وعشرين عامًا، فهذه إن هبة من الله يهبها لبعض الناس؛ ليتمموا مقاصد إلهية، مثل قيادة شعب الله حتى حدود أرض كنعان، وإن انتهت الحياة سريعًا للمؤمنين بالله، فأرواحهم تطير وتصعد للسماء. |
||||
19 - 06 - 2024, 08:37 PM | رقم المشاركة : ( 164133 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مَنْ يَعْرِفُ قُوَّةَ غَضِبَكَ؟ وَكَخَوْفِكَ سَخَطُكَ. إن غضب الله شديد جدًا ومخيف فوق كل تخيل، فإن كان الله غير محدود فغضبه أيضًا غير محدود؛ لذا يلزم كل إنسان أن يفكر في غضب الله عندما يحاول الشيطان أن يجذبه إلى الخطية، حتى يبتعد عنها سريعًا. عندما سقط الإنسان في جنة عدن، وتتابع سقوطه، غضب الله جدًا من الشيطان، وقرر أن يتجسد ليفدي الإنسان، ويعيده إلى أحضانه. |
||||
19 - 06 - 2024, 08:39 PM | رقم المشاركة : ( 164134 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هكَذَا عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ. إن كانت أيامنا وإحصاؤها محدودًا؛ أي أن حياتنا قصيرة، فينبغي أن نسلك بتدقيق، وحكمة. وهذه الحكمة لا تكون من الأرض، بل من الله؛ لذا يطلب موسى النبي من الله أن يعلمنا الحكمة حتى نسلك حسنًا، ونبتعد عن الخطية، لأن القلب الحكيم يبتعد عن الخطية؛ لأنه يحيا مع الله. إن قلب الحكمة هو المشاعر المملوءة حكمة؛ لنحيا بها وسط عالمنا المضطرب. والحكمة الحقيقية هي أقوم الحكمة؛ أي المسيح المتجسد، هذا ما يطلبه من الله، فموسى ينتظر على الرجاء تجسد المسيح؛ الذي يفدي البشرية، ويعطيها الحكمة؛ لتسلك في طريق الملكوت. |
||||
19 - 06 - 2024, 08:39 PM | رقم المشاركة : ( 164135 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
† ليتك يا أخى تنتهز فرصة هذه الحياة القصيرة لتحيا مع الله، وتبتعد عن كل خطية، فلا تغريك بجمالها وشهوتها لأن كل هذا زائل، والذي يبقى هو الله وحده. |
||||
19 - 06 - 2024, 08:40 PM | رقم المشاركة : ( 164136 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بما أن الحياة قصيرة فالرجاء كله في الله. لذا ينادي موسى النبي نائبًا عن البشرية، فيطلب من الله أن يأتي سريعًا، ويتحنن على البشرية، فيفديها من الخطية، ويشبعها بحبه، ويعلن ذلك بالغداة؛ أي في فجر الأحد بقيامته المقدسة. إن تجسد المسيح يفرح كل قلوب المؤمنين به؛ ليس في الأرض فقط، بل بالأحرى في السماء إلى الأبد. |
||||
19 - 06 - 2024, 08:41 PM | رقم المشاركة : ( 164137 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
فَرِّحْنَا كَالأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا أَذْلَلْتَنَا، كَالسِّنِينِ الَّتِي رَأَيْنَا فِيهَا شَرًّا. لِيَظْهَرْ فِعْلُكَ لِعَبِيدِكَ، وَجَلاَلُكَ لِبَنِيهِمْ. عندما كنا منغمسين في الخطية غضب الله وتخلى عنا، فصرنا في ذلٍ شديد. ولكن عندما نتوب يعوضنا الله عن ذل الخطية بفرح عظيم؛ هو هبة إلهية، يمنحها الله لعبيده التائبين، فيدعون الله ويمجدونه. وكذلك يراها نسلهم فيستمرون في تمجيده، ويبتعدون عن كل خطية. حتى نتوب ونرفض الخطية نحتاج لعمل الله فينا، فينخسنا ويبكتنا لنتوب. |
||||
19 - 06 - 2024, 08:42 PM | رقم المشاركة : ( 164138 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
وَلْتَكُنْ نِعْمَةُ الرَّبِّ إِلهِنَا عَلَيْنَا، وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْ عَلَيْنَا، وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْهُ. يطلب موسى النبي أن تحل نعمة الله عليه، وعلى كل المؤمنين بالله. ولكي تحل نعمة الله يلزم أن يظهر الإنسان تجاوبه مع الله بالجهاد الروحي، الذي كرره في هذه الآية مرتين تأكيدًا لأهميته. ويقول "عمل أيدينا" الذي هو جهادنا، ويقصد به المحبة، سواء محبة الله، أو الآخرين، فلا يقول أعمال أيدينا، بل عمل أيدينا؛ لأن المحبة هي رباط الكمال. |
||||
19 - 06 - 2024, 08:43 PM | رقم المشاركة : ( 164139 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
† مهما كانت خطاياك، ومهما ازدادت المشاكل حولك لا تنزعج؛ لأن الله أبوك يراك، ويسمع طلباتك، وثق أنه سيتدخل، ويعطيك راحة، بل فرح وتحل نعمته عليك. |
||||
19 - 06 - 2024, 08:44 PM | رقم المشاركة : ( 164140 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المزمور التسعون الزهد طريق معرفة الله صلاة لموسى رجل الله "يا رب ملجأ كنت لنا في دور فدور..." (ع1) مقدمة: كاتبه موسى النبي، كما هو مذكور في عنوان المزمور، ويلاحظ الشبه بين هذا المزمور وبين سفر التثنية الذي كتبه موسى النبي، وخاصة نشيد موسى (تث 32). ويذكر في العنوان أن موسى رجل الله، وقد ذكرت هذه الصفة أكثر من 4 مرات في الكتاب المقدس لرجال الله الأتقياء. متى كتب ؟ غالبًا كتبه موسى في برية سيناء بعد الخروج من أرض مصر، عندما غضب على شعبه المتذمر عليه، الذي كان يريد العودة إلى مصر، رافضًا دخول أرض كنعان، فأتاههم في البرية أربعين سنة؛ حتى ماتوا، ودخل أبناؤهم أرض الموعد، كما يظهر غضب الله في (ع 7). يتكلم هذا المزمور عن الزهد في الأمور العالمية، وترك هموم العالم؛ ليحيا الإنسان مع الله. يتكلم هذا المزمور عن خلقة الله للإنسان، ثم سقوطه، ثم رجائه في القيام من هذا السقوط الذي سيتم بالمسيح القائم من الأموات. هذا المزمور بداية القسم الرابع؛ أي الكتاب الرابع عند اليهود، الذي يبدأ بمزمور 90 وينتهي بمزمور 106. لا يوجد هذا المزمور بالأجبية. (1) الله الأبدي والإنسان الزائل (ع1-6): ع1: يَا رَبُّ، مَلْجَأً كُنْتَ لَنَا فِي دَوْرٍ فَدَوْرٍ. الله هو ملجأ لأبناء لشعبه على مر العصور عندما يقابلون ضيقات وتجارب مختلفة، يسرعون إليه، فيسندهم. فقد حفظهم من أيام أبيهم إبراهيم في أرض كنعان، ثم في مصر، وأخرجهم وحررهم من عبودية فرعون بذراع رفيعة، وأغرق فرعون وكل جيشه. عندما يتغرب الإنسان عن شهوات العالم يستطيع أن يشعر بالله، ويسرع إليه كملجأ بدلًا من أمور العالم الزائلة المتغيرة. فيختبر معونة الله ورعايته وحمايته. ع2: مِنْ قَبْلِ أَنْ تُولَدَ الْجِبَالُ، أَوْ أَبْدَأْتَ الأَرْضَ وَالْمَسْكُونَةَ، مُنْذُ الأَزَلِ إِلَى الأَبَدِ أَنْتَ اللهُ. الله الذي هو ملجأ لشعبه، فهو الذي خلق العالم كله بأعظم ما فيه؛ أي الجبال العالية، فهو موجود منذ الأزل، وهو حي إلى الأبد، فهو ثابت لا يتغير على مدى الأجيال. إن كان الله ثابت، وموجود قبل كل الخلائق، فهو أعظم ملجأ، ولا توجد حماية أخرى مثله؛ لذا فشعبه يحيا في طمأنينة معه، وسيأخذهم معه إلى الأبد في الملكوت. ع3: تُرْجعُ الإِنْسَانَ إِلَى الْغُبَارِ وَتَقُولُ: «ارْجِعُوا يَا بَنِي آدَمَ». غضب الله على الإنسان هو بسبب انفصال الإنسان عنه، عندما سقط آدم وحواء، وبهذا نزل الإنسان من مرتبته وصار غبارًا، أي تراب، وهذا ما أعلنه الله للإنسان بعد سقوطه (تك 3: 19) ولكن في نفس الوقت يعطي الله رجاء للإنسان بدعوته إياه للرجوع إليه بالتوبه؛ حتى يقبله ويرفعه إلى مرتبته الأولى. وهذا يظهر مدى حنان الله وطول أناته. ع4: لأَنَّ أَلْفَ سَنَةٍ فِي عَيْنَيْكَ مِثْلُ يَوْمِ أَمْسِ بَعْدَ مَا عَبَرَ، وَكَهَزِيعٍ مِنَ اللَّيْلِ. إن كان شعب الله يعيش ألف سنة في الخطية، فالله يطيل أناته عليه، وعندما يتوب شعبه يفرح به، بل يعتبر الألف سنة كيوم واحد. وهذا يبين طول آناة الله وغفرانه للإنسان. يبين الله محبته في أنه يعتبر فترة عصيان شعبه؛ حتى لو امتدت ألف سنة كأنها هزيع من الليل، وينقسم الليل إلى أربعة أقسام، فيكون الهزيع ثلاث ساعات تقريبًا. يقول الله هذا ليؤكد محبته وغفرانه لأولاده مهما استمروا في خطاياهم، المهم أن يعودوا إليه بالتوبة، فيمسح الخطية عنهم، كأنها لم تكن. ع5، 6: جَرَفْتَهُمْ. كَسِنَةٍ يَكُونُونَ. بِالْغَدَاةِ كَعُشْبٍ يَزُولُ. بِالْغَدَاةِ يُزْهِرُ فَيَزُولُ. عِنْدَ الْمَسَاءِ يُجَزُّ فَيَيْبَسُ. كسنة: كالنوم. الغداة: الصباح الباكر. يشبه حياة الإنسان بأنها قصيرة وتمر كفترة نوم وكحلم يراه الإنسان أثناء الليل وينتهي سريعًا. وبالتالي يلزم الإنسان أن يسرع إلى التوبة، ولا ينشغل بالخطايا، أو شهوات العالم، بل يزهد فيها ليحيا لله. يشبه أيضًا حياة الإنسان بالعشب الذي ينمو في حيوية في فترة الشباب، ثم يزهر في فترة الرجولة، ولكن بعد هذا يذبل في فترة الشيخوخة، المشار إليها بالمساء، ويقطع هذا العشب ويزول. أي أن حياة الإنسان مهما بدت عظيمة، ولكنه ضعيف فينبغي ألا ينشغل بإزدهار ومراكز العالم الزائلة؛ لأن كل هذا فانٍ، وينبغي أن يحيا الإنسان لله، ويسرع إلى التوبة دائمًا، ويستعد لأبديته. † إن كانت حياتنا قصيرة ومتغيرة، وكل ما في العالم زائل، فينبغي علينا أن ننظر إلى الله الدائم والباقي إلى الأبد، والذي حياتنا منه، وبه، وله. وإن أخطأنا نسرع إليه بالتوبة، فهو رحيم فيقبلنا ويعيدنا إلى أحضانه، فنتمتع بمحبته إلى الأبد. (2) غضب الله وقصر حياة الإنسان (ع7-12): ع7، 8: لأَنَّنَا قَدْ فَنِينَا بِسَخَطِكَ وَبِغَضَبِكَ ارْتَعَبْنَا. قَدْ جَعَلْتَ آثامَنَا أَمَامَكَ، خَفِيَّاتِنَا فِي ضَوْءِ وَجْهِكَ. يتقدم موسى نائبًا عن شعبه، ليقدم توبة عنه، وبهذا يستدر مراحم الله، ويتضرع إليه لأن الشعب في رعب، ويكاد يفنى من غضب الله عليه؛ لأنه أخطأ ويستحق العقاب عندما طلب الرجوع لمصر بدلًا من الدخول لأرض كنعان، فأتاههم الله في برية سيناء أربعين سنة، ليفنى كل الكبار ويدخل أبناؤهم فقط. الذي أظهر شر الشعب أمام الله أن الله نظر إليه بوجهه المضىء، الذي يكشف الخفيات، حتى لو لم تكن ظاهرة للناس، أو حتى للإنسان المخطئ نفسه، فالله يظهرها؛ ليتوب عنها الإنسان. إن ضوء وجه الله قد كمل في المسيح المتجسد، الذي أظهر خفيات خطايا البشر، ودفع الدين عن البشرية وفدانا على الصليب. ع9: لأَنَّ كُلَّ أَيَّامِنَا قَدِ انْقَضَتْ بِرِجْزِكَ. أَفْنَيْنَا سِنِينَا كَقِصَّةٍ. يشعر موسى أن غضب الله استمر مدة طويلة على شعبه وهي أربعين سنة حتى انقضت كل أيام الخارجين من مصر، والله غاضب عليهم، وماتوا جميعًا في البرية؛ حتى موسى نفسه لم يدخل أرض الموعد، ولكن نظرها من بعيد، ودخل فقط الأبناء الأطفال، الذين كبروا، ومعهم يشوع وكالب، اللذين أطاعا الله عند إرسالهم؛ ليتجسسوا أرض الميعاد. يبين موسى أن حياة الإنسان قصيرة ومحدودة، ويشبهها بقصة تحكى، ولها نهاية، وبالتالي لا يتعلق الإنسان بالأرضيات، ولكن يزهد العالم، وينظر إلى الله، الذي سيذهب إليه ويحيا معه إلى الأبد. ع10: أَيَّامُ سِنِينَا هِيَ سَبْعُونَ سَنَةً، وَإِنْ كَانَتْ مَعَ الْقُوَّةِ فَثَمَانُونَ سَنَةً، وَأَفْخَرُهَا تَعَبٌ وَبَلِيَّةٌ، لأَنَّهَا تُقْرَضُ سَرِيعًا فَنَطِيرُ. يؤكد موسى أن حياة الإنسان قصيرة، فهي في الغالب لا تزيد عن سبعين سنة، وقد تصل إلى ثمانين، فمعظم الناس يموتون قبل هذا السن. ومهما كانت بركات الله للإنسان، ولكن آلام الحياة لا تفارق الإنسان من أتعاب الجسد، والأمراض، ومشاكل الحياة المختلفة. وهكذا تنتهي حياة الإنسان سريعًا، كما يطير القش مع الهواء. إن كان موسى قد عاش أكثر من ثمانين سنة؛ إذ عاش مئة وعشرين عامًا، فهذه إن هبة من الله يهبها لبعض الناس؛ ليتمموا مقاصد إلهية، مثل قيادة شعب الله حتى حدود أرض كنعان، وإن انتهت الحياة سريعًا للمؤمنين بالله، فأرواحهم تطير وتصعد للسماء. ع11: مَنْ يَعْرِفُ قُوَّةَ غَضِبَكَ؟ وَكَخَوْفِكَ سَخَطُكَ. إن غضب الله شديد جدًا ومخيف فوق كل تخيل، فإن كان الله غير محدود فغضبه أيضًا غير محدود؛ لذا يلزم كل إنسان أن يفكر في غضب الله عندما يحاول الشيطان أن يجذبه إلى الخطية، حتى يبتعد عنها سريعًا. عندما سقط الإنسان في جنة عدن، وتتابع سقوطه، غضب الله جدًا من الشيطان، وقرر أن يتجسد ليفدي الإنسان، ويعيده إلى أحضانه. ع12: إِحْصَاءَ أَيَّامِنَا هكَذَا عَلِّمْنَا فَنُؤْتَى قَلْبَ حِكْمَةٍ. إن كانت أيامنا وإحصاؤها محدودًا؛ أي أن حياتنا قصيرة، فينبغي أن نسلك بتدقيق، وحكمة. وهذه الحكمة لا تكون من الأرض، بل من الله؛ لذا يطلب موسى النبي من الله أن يعلمنا الحكمة حتى نسلك حسنًا، ونبتعد عن الخطية، لأن القلب الحكيم يبتعد عن الخطية؛ لأنه يحيا مع الله. إن قلب الحكمة هو المشاعر المملوءة حكمة؛ لنحيا بها وسط عالمنا المضطرب. والحكمة الحقيقية هي أقوم الحكمة؛ أي المسيح المتجسد، هذا ما يطلبه من الله، فموسى ينتظر على الرجاء تجسد المسيح؛ الذي يفدي البشرية، ويعطيها الحكمة؛ لتسلك في طريق الملكوت. † ليتك يا أخى تنتهز فرصة هذه الحياة القصيرة لتحيا مع الله، وتبتعد عن كل خطية، فلا تغريك بجمالها وشهوتها لأن كل هذا زائل، والذي يبقى هو الله وحده. (3) الرجاء في رحمة الله (ع13-17): ع13، 14: اِرْجعْ يَا رَبُّ، حَتَّى مَتَى؟ وَتَرَأَّفْ عَلَى عَبِيدِكَ. أَشْبِعْنَا بِالْغَدَاةِ مِنْ رَحْمَتِكَ، فَنَبْتَهِجَ وَنَفْرَحَ كُلَّ أَيَّامِنَا. بما أن الحياة قصيرة فالرجاء كله في الله. لذا ينادي موسى النبي نائبًا عن البشرية، فيطلب من الله أن يأتي سريعًا، ويتحنن على البشرية، فيفديها من الخطية، ويشبعها بحبه، ويعلن ذلك بالغداة؛ أي في فجر الأحد بقيامته المقدسة. إن تجسد المسيح يفرح كل قلوب المؤمنين به؛ ليس في الأرض فقط، بل بالأحرى في السماء إلى الأبد. ع15، 16: فَرِّحْنَا كَالأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا أَذْلَلْتَنَا، كَالسِّنِينِ الَّتِي رَأَيْنَا فِيهَا شَرًّا. لِيَظْهَرْ فِعْلُكَ لِعَبِيدِكَ، وَجَلاَلُكَ لِبَنِيهِمْ. عندما كنا منغمسين في الخطية غضب الله وتخلى عنا، فصرنا في ذلٍ شديد. ولكن عندما نتوب يعوضنا الله عن ذل الخطية بفرح عظيم؛ هو هبة إلهية، يمنحها الله لعبيده التائبين، فيدعون الله ويمجدونه. وكذلك يراها نسلهم فيستمرون في تمجيده، ويبتعدون عن كل خطية. حتى نتوب ونرفض الخطية نحتاج لعمل الله فينا، فينخسنا ويبكتنا لنتوب. ع17: وَلْتَكُنْ نِعْمَةُ الرَّبِّ إِلهِنَا عَلَيْنَا، وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْ عَلَيْنَا، وَعَمَلَ أَيْدِينَا ثَبِّتْهُ. في ختام المزمور يطلب موسى النبي أن تحل نعمة الله عليه، وعلى كل المؤمنين بالله. ولكي تحل نعمة الله يلزم أن يظهر الإنسان تجاوبه مع الله بالجهاد الروحي، الذي كرره في هذه الآية مرتين تأكيدًا لأهميته. ويقول "عمل أيدينا" الذي هو جهادنا، ويقصد به المحبة، سواء محبة الله، أو الآخرين، فلا يقول أعمال أيدينا، بل عمل أيدينا؛ لأن المحبة هي رباط الكمال. † مهما كانت خطاياك، ومهما ازدادت المشاكل حولك لا تنزعج؛ لأن الله أبوك يراك، ويسمع طلباتك، وثق أنه سيتدخل، ويعطيك راحة، بل فرح وتحل نعمته عليك. المزمور الْحَادِي والتسعون ستر العلي "الساكن في ستر العلى في ظل القدير يبيت" ع1 مقدمة: 1. كاتبه: من المزامير اليتيمة، أي التي لم يُذْكَر لها كاتب، ويظن البعض أن كاتبه هو داود، والبعض أنه موسى؛ لأنه وضع في الترتيب بعد المزمور التسعين الذي كتبه موسى النبي. 2. يتحدث هذا المزمور عن قوة الله وأبوته، ورعايته لأولاده؛ حتى أنهم لا يخشون الأشرار، لأن الله ينقذهم من أيديهم، فهو مزمور مطمئن لأولاد الله؛ لذا يردده الكثيرون طوال يومهم. 3. من المزامير المسيانية؛ لأنه يتحدث عن حياة المسيح في تجاربه وآلامه، بل أن الشيطان قد ذكر جزءً من هذا المزمور (ع11، 12) (مت4: 6) ولم يكمل الشيطان المزمور؛ لأن به نبوة عن سحق الشيطان بالصليب (ع13). 4. يذكر اسم الله بأربعة ألقاب؛ ليطمئن أولاده في هذا المزمور وهي (العلى - القدير - الله - الرب). 5. يوجد هذا المزمور في صلاة الساعة السادسة التي فيها اجتاز المسيح الآلام وحده، وسحق الشيطان بصليبه؛ لأن المسيح صلب في هذه الساعة. (1) الله يحمي أولاده وينقذهم (ع1-8): ع1: اَلسَّاكِنُ فِي سِتْرِ الْعَلِيِّ، فِي ظِلِّ الْقَدِيرِ يَبِيتُ. ستر: مخبأ. يلقب كاتب المزمور الله بالعلى لأنه أعلى من كل قوى العالم، فالذى يلتجئ إلى ستره ويختبئ فيه لا يستطيع أحد أن يؤذيه. ويلقبه أيضًا بالقدير؛ لأنه قادر على كل شيء، ولا يستطيع أحد أن يقف أمامه. أولاد الله يسكنون بين يدى الله، ويبيتون أيضًا في ظله، أي حمايته، فهم يستقرون مطمئنين ولا يضطربون من أية اضطرابات في العالم؛ أي يدومون في سلام في رعاية الله. ستر العلى كما يقول القديس أثناسيوس هو وصايا الله، فمن يحفظها يحفظه الله من كل الأخطار. ع2: أَقُولُ لِلرَّبِّ: «مَلْجَإِي وَحِصْنِي. إِلهِي فَأَتَّكِلُ عَلَيْهِ». لأجل كثرة الأعداء يهرب كاتب المزمور إلى الله الذي هو ملجأ وحصن له، فيجد حماية من كل الأعداء مهما كانت قوتهم. لأجل ثقة كاتب المزمور في الله يتكل عليه، ولا يتكل على نفسه، أو على أية قوة أخرى في العالم. ولكيما يتكل على الله ينبغى أن يكون تائبًا ورافضًا لكل خطية، أي يسلك باستقامة، فيقبله الله ويحميه. كما أن القاتل في العهد القديم كان يلتجئ إلى الله ممثلًا في مدن الملجأ، بشرط أن يكون القتل عن دون عمد، أما إذا كان قاتلًا عن عمد فلا يقبله شيوخ مدينة الملجأ، وبالتالي فمن يستبيح الخطية ويتمسك بها فلا يقبله الله إذا حاول أن يحتمى به. ع3: لأَنَّهُ يُنَجِّيكَ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِ وَمِنَ الْوَبَإِ الْخَطِرِ. الوبأ: هو المرض الذي ينتشر بسرعة ويصيب الناس بالعدوى. الصياد هو الشيطان وفخاخه هي حيله وخداعه وأفكاره، وكل أعماله الشريرة التي يوقع فيها البشر، ولكن مهما كانت قوة الشيطان فهي لا شيء أمام قوة الله القادر أن ينجى أولاده من كل فخاخ الشياطين، ويكشف الفخاخ المخفية، ويعطى تمييزًا لأولاده، فيبتعدون عن كل شر. الوبأ هو الخطية فهي تنتشر بسرعة بين الناس، فيسقط فيها الكثيرون، ولكن الله قادر أيضًا أن ينجى أولاده منها، سواء كانت هذه الخطية شهوات، أو هرطقات، أو شكوك، أو أي شيء يبعدنا عن الله. ع4: بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ، وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي. تُرْسٌ وَمِجَنٌّ حَقُّهُ. خوافيه: الريش الصغير الذي يوجد تحت أجنحة الطائر. المجن: هو الترس الكبير، والترس هو قطعة خشبية لها عروة خلفية يضع فيها الجندى يده ويحرك الترس أمام رأسه وجسده؛ ليحميه من سهام العدو. يشبه كاتب المزمور الله بطائر له أجنحة ذات ريش كبير، وتحته ريش صغير يظلل بها على صغاره؛ كما يفعل النسر، فالله يظلل على أولاده، فيحميهم من ضربات العدو الشيطان، ويصير لهم ملجأ وحصنًا، وبالتالي لا يعودون يخافون من الشيطان. وهذا ما أعلنه المسيح عندما شبه نفسه بالدجاجة التي تجمع فراخها وتظلل عليهم بجناحيها (لو13: 34) فتختفى الفراخ من وجه العدو ولا يخطفها. يشبه الله أيضًا بالترس والمجن، الذي يحمى به الجندى نفسه، فحق الله، أي كل من يؤمن بالله يصير له هذا الإيمان ترس يحميه من أفكار الشيطان، وفخاخه. ع5، 6: لاَ تَخْشَى مِنْ خَوْفِ اللَّيْلِ، وَلاَ مِنْ سَهْمٍ يَطِيرُ فِي النَّهَارِ وَلاَ مِنْ وَبَإٍ يَسْلُكُ فِي الدُّجَى، وَلاَ مِنْ هَلاَكٍ يُفْسِدُ فِي الظَّهِيرَةِ. الدجى: الظلام الدامس. الذى يتكل على الله لا ينزعج من حروب الشيطان التي تأتى في الليل، وكل مخاوف هذا الوقت، والمقصود بالليل الحروب الخفية المستترة في الظلام، أما السهم الذي يطير في النهار فهي الحروب الظاهرة، حيث يظهر الشيطان، أو الأشرار، ويظهرون شرهم للإنسان البار؛ ليسيئوا إليه. يضيف أيضًا في حروب الشيطان أنها تنتشر سريعًا في الدجى الذي يمثل الظلام والغموض؛ بالإضافة إلى حروب الشيطان وقت الظهيرة؛ حيث يهتم الإنسان بالطعام والراحة، فيهاجمه الشيطان ويهلكه لتراخيه، وعدم انتباهه، وهذا معناه أن حروب الشيطان مستمرة ليلًا ونهارًا، فينبغى الانتباه والاحتراس الدائم منها. هاتان الآيتان تعلنان رعاية الله المستمرة لأولاده ليلًا ونهارًا، لتحميهم من كل حروب إبليس، مما يطمئنهم بل يشجعهم أن يقاوموا هذه الحروب، وينتصروا على الشيطان. ع7: يَسْقُطُ عَنْ جَانِبِكَ أَلْفٌ، وَرِبْوَاتٌ عَنْ يَمِينِكَ. إِلَيْكَ لاَ يَقْرُبُ. ربوات: جمع ربوة وهي عشرة آلاف. إذ يحمي الله أولاده المرتبطين به يساعدهم في جهادهم، فيضرب الشياطين التي تحاربهم؛ سواء من الجانب اليمين، أو الجانب الآخر وهو اليسار، فلا تستطيع الشياطين أن تقترب، أو تهزم أولاد الله. جانب اليسار يشمل حروب السقوط في الخطايا المختلفة؛ حينما يكون الإنسان الروحي في فتور وضعف، ومعرض للسقوط. أما اليمين فيمثل حالة الإنسان الروحي المرتبط بالله في ممارسات روحية، ويظن أن حالته جيدة، مع أنه متهاون في أمور كثيرة، فهذا تحاربه شياطين أكثر يبلغ عددها عشرات الآلاف لمحاولة إسقاطه، فإن وجدته في حالة ضعف وتهاون يتجاوب مع حروب الشياطين، أما إذا كان متمسكًا بجهاده، فعشرات الآلاف من الحروب الشيطانية تكون بلا قيمة، ويحميه الله منها. ع8: إِنَّمَا بِعَيْنَيْكَ تَنْظُرُ وَتَرَى مُجَازَاةَ الأَشْرَارِ. يشجع الله أولاده إذا قابلتهم ضيقات حتى يحتملوها؛ لأنه في النهاية سيعاقب الله الأشرار على كل خطاياهم، أما أولاده فيبررهم. هذه الآية نبوة عما سيحدث في يوم الدينونة، فالمسيح في مجيئه الأول احتمل ظلمًا كثيرًا، وأولاده احتملوا أيضًا أتعابًا، واضطهادات حتى الموت، ولكن المسيح في مجيئه الثاني سيجازى كل الأشرار ويلقيهم في العذاب الأبدي. † إن كنت تجاهد وتحتمل آلام الجهاد وضيقات من الأشرار، فلا تنزعج منها لأنها مؤقتة، كن واثقًا من البر الذي تسلك فيه، أما الشر فلن يثبت. (2) قوة أولاد الله (ع9-16): ع9: لأَنَّكَ قُلْتَ: «أَنْتَ يَا رَبُّ مَلْجَإِي». جَعَلْتَ الْعَلِيَّ مَسْكَنَكَ، يخاطب كاتب المزمور البار، ويقول له أنك أعلنت أن الله ملجأك، ثم يستكمل كاتب المزمور كلامه، ويقول للبار أنك جعلت الله العلى مسكنًا لك. أي أن البار اختار الله ملجأ له، وبالتالي لا يستطيع أحد أن يؤذيه، بل استقر وسكن في الله العلى، الذي هو فوق الكل، ولا يستطيع أحد أن يصل إليه، فالبار في حماية كاملة. هذه الآية تأكيد للمعنى الذي أعلنته (ع2). ع10: لاَ يُلاَقِيكَ شَرٌّ، وَلاَ تَدْنُو ضَرْبَةٌ مِنْ خَيْمَتِكَ. يقدم كاتب المزمور وعودًا جديدة للبار وهي أنه لا يقابله شر في حياته؛ لأن الله لا يسمح له بشئ يؤذيه، ويحول الشر إلى خير؛ لأن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله (رو8: 28). أيضًا وعدًا جديدًا يقدمه، وهو ألا يقترب من خيمة البار - أي مكان استقراره وسلامه - أية ضربة، فقد يسمح الله له بتجربة، أما الضربة فهي عقاب وأذى يصيب الإنسان، هذا لا يحدث مع البار، بل يحتفظ بسلامه حتى داخل الضيقات والتجارب. وذلك لإيمانه بالله الذي يظل ثابتًا. فأيوب البار تعرض لتجارب قاسية وليس لضربات، فتعلم واستفاد من تجاربه، وظل مع الله، أما فرعون فما أصابه سمى ضربات وليس تجارب؛ لأنها كانت عقابًا له، وإنذارًا بقرب هلاكه. ع11، 12: لأَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرُقِكَ. عَلَى الأَيْدِي يَحْمِلُونَكَ لِئَلاَّ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ. وعد جديد للبار؛ أن الله يرسل ملائكته ليحفظوه في كل طرقه؛ أي أن الملائكة تحرسه في كل خطوة، وهذا إعلان كتابى واضح عن الملاك الحارس الذي يرافق كل واحد من أولاد الله. هذه الآية تظهر خدمة الملائكة للبشر (عب1: 14)، بل إنهم في حنانهم يحملون البار حتى لا يعثر بالاصطدام في أي حجر، أي لا تزعجه الضيقات، بل يرفعوه بأمر الله فوقها، وبهذا يرتفع قلبه إلى السماء، ويشعر بالله داخل التجربة أكثر من أي وقت آخر، ويتمتع بصحبة الملائكة. حاول الشيطان استخدام هذه الآية في تجربة المسيح على الجبل، ولكن المسيح كشف خداعه ورفض الكبرياء التي يقصدها الشيطان. ويلاحظ أن الشيطان لم يكمل كلام المزمور (ع13) التي تقول "على الأسد والصل تطأ" لأنها تعلن أن المسيح سيدوس الشيطان الذي هو الأسد والصل (الثعبان). ع13: عَلَى الأَسَدِ وَالصِّلِّ تَطَأُ. الشِّبْلَ وَالثُّعْبَانَ تَدُوسُ. الصل: نوع خبيث من الحيات. الشبل: الأسد الصغير. وعد آخر يعطى للبار، وهو أن يدوس، ويتسلط، وينتصر على الشيطان الذي يُرمز إليه بالأسد والشبل لقوته (1 بط5: 8)، ويُرمز إليه أيضًا بالحيات، أي الثعابين لمكرهم (لو10: 17-19). السلطان الذي يعطيه الله لأولاده هو على كل خطية، ويعطيهم قوة أن يرفضوا الخطية، وإن سقطوا فيها يقومون برجاء، واثقين أنهم بالله أقوى من حروب الشياطين، ولا ينزعجون من مؤامرات الأشرار؛ لأن الله سيعبر بهم جميع الضيقات، ويوصلهم بسلام إلى الملكوت. ع14: «لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ. أُرَفِّعُهُ لأَنَّهُ عَرَفَ اسْمِي. يعد الله البار الذي يطيع وصاياه أن ينجيه من أية ضيقة، ويرفعه فوق التجربة؛ لأنه تعلق بالله؛ أي التصق به وأحبه جدًا. ولأنه عرف الله عن قرب، وأدرك أنه الإله الوحيد القادر أن يشبع كل احتياجاته، ولأنه عرف الإله العظيم السامى فوق كل الخلائق، فإذ عرفه البار يسمو إليه، فيرتفع عن الماديات. هذا الوعد الإلهي هو للكنيسة كلها إذا تعلقت به وعرفت اسمه، فهو ينجيها ويسمو بها إلى الروحانية الحقيقية؛ حتى يصل بها الملكوت السماوى. فالله سيسمح بضيقات، ولكن بعد ذلك ينجيها منها. ع15، 16: يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ، مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقْ،\ أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ. مِنْ طُولِ الأَيَّامِ أُشْبِعُهُ، وَأُرِيهِ خَلاَصِي». البار الذي يطيع الله إذا التجأ إليه وصلى، الله يهتم جدًا بصلواته ودعائه، الذي يكون من قلبه لأنه في الضيقة، فيستجيب له، وينقذه من السقوط في الخطية، بل يختبر البار عشرة الله، ويتمتع به، وينال عربون الملكوت داخل الضيقة، فيفرح. وبهذا يمجده الله وسط الضيقة، كما فعل مع الثلاثة فتية في آتون النار. بعد هذا يهب الله البار الذي احتمل الضيقة والتجأ إلى الله نعمة لا يفوقها أية نعمة، وهي أن يعطيه أيامًا طويلة بلا نهاية، وخلاصًا كاملًا، وذلك في الملكوت السماوى. تنطبق هذه الآية على المسيح الذي وهو مصلوب صلى إلى الآب "إلهى إلهي لماذا تركتنى" (مت27: 46) فاستجاب له وأنقذه ومجده بالقيامة من الأموات؛ ثم صعد إلى السموات، وأعد مكانًا لكل أولاده المؤمنين به الذين يدعونه، ويستجيب لهم. † الله ينتظر صلواتك عندما تحل بك أية ضيقة لينقذك منها، فيهبك سلامًا يفوق العقل، ثم يخرجك منها، ويكافئك مكافأة عظيمة في السموات لأجل احتمالك التجربة. المزمور الثَّانِي والتسعون عظمة مسبحي الله مزمور تسبيحة. ليوم السبت "حسن هو الحمد للرب .. ع1" مقدمة: 1. كاتبه: لم يذكر الكاتب في العنوان، فيعتبر من المزامير اليتيمة، أي غير المعروف كاتبها. ولكن يُظن أنه: أ - داود النبي بغرض أن يُترنم به في يوم السبت في الهيكل. ب- موسى النبى. 2. متى كتب؟ بعدما انتصر داود على أعدائه، وأراحه الله من الحروب، فكتب هذا المزمور ليسبح الله. 3. كان هذا المزمور يرنمه اللاويون والشعب في يوم السبت داخل الهيكل تمجيدًا لله، وبهذا يفهم أنه مزمور ليتورجى يقدم في العبادة الجماعية. 4. يظهر هذا المزمور عظمة التسبيح وبركات الله لأولاده الأبرار، فهو شكر لله، وفى نفس الوقت تشجيع على حياة البر والابتعاد عن الشر. 5. لا يوجد هذا المزمور في صلاة الأجبية. (1) لماذا نسبح الله؟ (ع1-5): ع1: حَسَنٌ هُوَ الْحَمْدُ لِلرَّبِّ وَالتَّرَنُّمُ لاسْمِكَ أَيُّهَا الْعَلِيُّ. يعلن المزمور في بدايته أهمية شكر الله، وحمده، والاعتراف بعظمته، وهذا بالتالى يحرك القلب واللسان للترنم لاسمه القدوس؛ لأنه هو الله العالى فوق جميع المخلوقات؛ لأنه هو خالقها، ولذا ينبغى على الإنسان قائد الخليقة أن يحمده ويسبحه في كل حين. تهتم الكنيسة أن تبدأ جميع صلواتها الطقسية بحمد الله، فتصلى صلاة الشكر. ويلاحظ أن هذه الآية والآية التالية لها تصليهما الكنيسة كل يوم في القطعة الموجودة بصلاة النوم، التي تبدأ "بتفضل يا رب" إذ توجد هاتان الآيتان في نهاية هذه القطعة. وقد وضع ورتب هذه القطعة القديس أثناسيوس الرسولى. ع2: أَنْ يُخْبَرَ بِرَحْمَتِكَ فِي الْغَدَاةِ، وَأَمَانَتِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ، الغداة: باكر، أي فجر اليوم الجديد. الذى يشكر الله، ويترنم لاسمه القدوس يهبه الله رحمته طوال العمر؛ أي في الغداة وطوال النهار. وما دمنا أحياء، أي في النهار لنا فرصة أن نسبح الله؛ لأنه ليس في الموت من يذكر الله، ويشكره. وأيضًا في النهار، أي طوال العمر يستطيع الإنسان أن يتوب عن خطاياه، فينال رحمة الله، ويخبر بها؛ أي يشكر الله، ويدعو الناس للإيمان والتوبة للتمتع برحمة الله. فالنهار هو الفرصة للتمتع برحمة الله ورعايته ومحبته، فيزداد شكر الإنسان لله. والنهار هو الأوقات التي تخلو من التجارب فيكون فيها فرصة للنمو الروحي والعلاقة براحة مع الله. ع3: عَلَى ذَاتِ عَشَرَةِ أَوْتَارٍ وَعَلَى الرَّبَابِ، عَلَى عَزْفِ الْعُودِ. لا يكتفى كاتب المزمور في دعوة الناس لشكر الله، والترنم له بأفواههم، بل يدعوهم أن تصاحبهم في الترانيم الآلات الموسيقية، ويذكر هنا ثلاثة أنواع من الآلات الوترية التي تصاحب التسبيح. وهذا يعنى التنوع في الآلات، فيرمز هذا إلى تنوع أنواع الشكر؛ لأن الله أعماله كثيرة جدًا، وأنواعها لا تعد. العشرة أوتار ترمز للوصايا العشر، وترمز أيضًا للحواس الخمس الخارجية، أي الجسدية، والحواس الخمس الداخلية، أي النفسية. وهذا يعنى أن الإنسان يسبح بالروح وبالجسد، وكل من يحفظ وصايا الله، ويحيا بها يستطيع أن يشكر الله وقلبه يشتاق لتسبيحه. ع4: لأَنَّكَ فَرَّحْتَنِي يَا رَبُّ بِصَنَائِعِكَ. بِأَعْمَالِ يَدَيْكَ أَبْتَهِجُ. مَن أحب الله، وانطلق لسانه بالتسبيح والشكر يستنير قلبه، فتنكشف محبة الله له من خلال أعماله، فيفرح قلبه ويبتهج. وكلما إزداد شكره تزداد استنارته، ورؤيته لأعمال الله فيشكر أكثر ويفرح. ع5: مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! وَأَعْمَقَ جِدًّا أَفْكَارَكَ! في نهاية هذه الفقرة يعلن كاتب المزمور أمام كثرة أعمال الله وتنوعها ورعايته لأولاده أن أعماله عظيمة جدًا؛ حتى عبر عنها بقوله ما أعظم أعمالك؛ أي أنه عاجز عن معرفة وتقدير هذه العظمة. فهي أعظم من أي أعمال يعملها البشر. وبالتالي تستحق الشكر الدائم. وإذ تأمل كاتب المزمور في أفكار الله التي هي وراء أعماله وجدها عميقة جدًا، بل لم يستطع أن يعبر عن مدى عمقها فقال "أعمق جدًا" كما قال بولس الرسول "ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء" (رو11: 33)، وحيث أن أفكار الله عميقة جدًا، فيلزم الإنسان أن يخضع لله ويطيع وصاياه ويسبح عظمته. † اهتم أن تشكر الله في نهاية كل يوم على عنايته حتى يستنير قلبك وترى الله، وتتمتع برؤية أعماله، فيمتلئ قلبك فرحًا. (2) ضعف الأشرار أمام قوة الأبرار (ع6-11): ع6: الرَّجُلُ الْبَلِيدُ لاَ يَعْرِفُ، وَالْجَاهِلُ لاَ يَفْهَمُ هذَا. الجاهل والبليد هما اللذان لا يعرفان ولا يحفظان وصايا الله، وبالتالي ليس عندهما استنارة روحية، فلا يريا عظمة أعمال الله، ولا يمجداه ولا يشكراه. وعلى العكس بكبرياء يدعيان العلم والمعرفة، ويسلكان في الشر، ويستهينان بالله. الجاهل والبليد إذ فقدا الحواس الداخلية؛ أي الفهم والحكمة، يسلكان بطريقة حيوانية غريزية، ويفسران أحكام الله بطريقة خاطئة، ويتضايقان من الله، ويتذمران عليه. فهما لا يخضعان لمشيئة الله، ولا يتكلان عليه، فتصرفاتهما غبية تؤدى بهما إلى الهلاك. ع7: إِذَا زَهَا الأَشْرَارُ كَالْعُشْبِ، وَأَزْهَرَ كُلُّ فَاعِلِي الإِثْمِ، فَلِكَيْ يُبَادُوا إِلَى الدَّهْرِ. يقرر هنا كاتب المزمور أن نهاية الأشرار هي الهلاك الأبدي، وبالتالي لا ننشغل بنجاحهم في هذه الحياة؛ لأنه سيزول، ولا ننزعج من كبريائهم، وافتخارهم بهذا النجاح؛ لأنه مؤقت، ولو دام فليس لأكثر من هذه الحياة، أما الحياة الأخرى فهي العذاب الأبدي لهم. حيث أن العمر مؤقت، وحياتنا تشبه العشب وأزهاره التي وإن بدت جميلة ولكنها تذبل سريعًا، وكل هذا يقودنا إلى التوبة والاستعداد للحياة الأبدية، فنحيا مع الله على الأرض؛ ليكون لنا مكان في السماء، ونتخلص من كل شرورنا. ع8: أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَمُتَعَال إِلَى الأَبَدِ. الأشرار يتعلقون بالشهوات الأرضية فينحدرون إلى أسفل، أما الأبرار فيتعلقون بالله المتعالى، وبكل الروحيات التي ترفعهم إليه، فيرتفعون كل يوم إلى السماويات. الله متعالى إلى الأبد، وكل من يحيا مع الله يتمتع بالأبدية معه، أما الأشرار فيتعظمون في هذه الحياة، وتنتهي عظمتهم بالموت، فيدخلون إلى أسافل الأرض، أي الجحيم. ع9: لأَنَّهُ هُوَذَا أَعْدَاؤُكَ يَا رَبُّ، لأَنَّهُ هُوَذَا أَعْدَاؤُكَ يَبِيدُونَ. يَتَبَدَّدُ كُلُّ فَاعِلِي الإِثْمِ. يؤكد كاتب المزمور هنا أن من يفعل الخطية يعادى الله، فإن تاب يقبله الله، ولكن إن أصر على الخطية فهو عدو حقيقي لله، وتابع للشيطان الذي يعادى الله وهو فاعل للإثم، أي يصر على الإثم ومتمسك به في قلبه. هؤلاء الأشرار المتمسكون بالخطية يبيدون؛ لأنهم تعلقوا بالعالم البائد فيبيدون معه؛ أي يذهبون للهلاك الأبدي. ويتبددون مثل القش أمام الريح؛ أي ليس لهم قيمة مهما ظهروا في عظمة وسلطان في هذا العالم لأنهم فارغون من جهة الله، وقلوبهم مملوءة شرًا. ع10، 11: وَتَنْصِبُ مِثْلَ الْبَقَرِ الْوَحْشِيِّ قَرْنِي. تَدَهَّنْتُ بِزَيْتٍ طَرِيٍّ. وَتُبْصِرُ عَيْنِي بِمُرَاقِبِيَّ، وَبِالْقَائِمِينَ عَلَيَّ بِالشَّرِّ تَسْمَعُ أُذُنَايَ. على الجانب الآخر الأبرار يعطيهم الله بركات كثيرة هي: ينالون قوة ويرمز إليها بالقرن المنتصب، ولم تكن تقدم ذبيحة لله إلا ذات قرن منتصب؛ لأنها ترمز للمسيح القوى المصلوب ليفدينا. ينالون حيوية ويرمز إليها الزيت الطرى، فيتحركون بنشاط ويؤدون أعمالهم الروحية والمادية بحماس، فينجحون في كل ما يصنعونه (مز1). ينالون تمييزًا فيعرفون مكائد العدو والشيطان، وكل ما يتبعه، فيحترسون منه بالالتجاء إلى الله من خلال كل الممارسات الروحية. فالذين يراقبونهم هم الأشرار الذين يريدون اصطيادهم، وايقاعهم في أخطاء، بهذا يعطيهم الله رؤية، وسماع ومعرفة كل ما يدبر ضدهم، وينجيهم من أيدي الأشرار، فيحيون في طمأنينة. † ثق في قوة الله التي تساندك وتعمل فيك حتى لا تنزعج من مؤامرات الأشرار المحيطين بك، وعلى العكس تشفق عليهم وتصلى لأجلهم؛ ليعطيهم الله توبة فيعرفون الله، ويحيون معه. (3) بركات الله للأبرار (ع12-15): ع12: اَلصِّدِّيقُ كَالنَّخْلَةِ يَزْهُو، كَالأَرْزِ فِي لُبْنَانَ يَنْمُو. يشبه كاتب المزمور البار بالنخلة المرتفعة إلى السماء، وترمز للسمو عن الأرضيات والإنشغال بالسماويات، وكذلك شجرة الأرز التي تنمو في لبنان فهي مرتفعة إلى السماء. النخلة تحتاج لوقت طويل حتى تنمو، إشارة إلى الجهاد الروحي ليصل الإنسان إلى الله. أما العشب الذي يزهو أيضًا (ع7) فهو سريع في النمو وسريع الزوال. النخلة تمتد جذورها إلى أعماق كبيرة لتغذى الساق الطويلة، رمزًا لأهمية العمق الروحي، وتعطى ثمارًا حلوة هي البلح بألوانه المختلفة، التي ترمز للثمار الروحية، وأغصانها مرتفعة نحو السماء كمن يرفع يديه للصلاة. الأرز شجرة خشبها قوى وتعيش مئات السنين، إشارة إلى قوة حياة المؤمنين، وبقائهم إلى الأبد في الملكوت. والأرز ينمو في لبنان، التي هي من الأمم، نبوة عن إيمان الأمم بالمسيح. ع13: مَغْرُوسِينَ فِي بَيْتِ الرَّبِّ، فِي دِيَارِ إِلهِنَا يُزْهِرُونَ. الغارس الذي يغرس هذه الأشجار هو الرب فيغرس أولاده في بيته؛ لينموا ويزهروا. وكل من يتأصل في بيت الرب؛ أي بالعبادة المقدسة، يخرج أزهارًا وثمارًا روحية على الأرض وتكمل في السماء. وما داموا مغروسين في بيت الرب، فالله يشبعهم وينميهم، ويعتنى بهم، فلا يستطيع الشيطان أن يبعدهم عن الله. ع14: أَيْضًا يُثْمِرُونَ فِي الشَّيْبَةِ. يَكُونُونَ دِسَامًا وَخُضْرًا، الأبرار ممتلئون حيوية، وشبع روحي "خضرة ودسم" وبالتالي لهم ثمار روحية. هذه الثمار لا تفارقهم ليس فقط في أيام شبابهم، بل حتى شيخوختهم أيضًا، فيمجدون الله، ويجتذبون نفوس الآخرين إليه، فيشبعوهم من فيض الشبع الممتلئين به. فالأبرار نور للعالم بحياتهم البارة. إن الجسد يضعف عندما يصل الإنسان إلى الشيخوخة، أما الروح فتتجدد كما يتجدد شباب النسر (مز103: 5) فالأبرار في شباب روحي دائم، مثل النخلة التي تعطى ثمارها الحلوة في شيخوختها؛ وكذلك الأرز يصبح خشبة قوية عندما تكبر الشجرة. ع15: لِيُخْبِرُوا بِأَنَّ الرَّبَّ مُسْتَقِيمٌ. صَخْرَتِي هُوَ وَلاَ ظُلْمَ فِيهِ. عندما يثمر الأبرار طوال حياتهم يمجدون الله، ويخبرون بأعمالهم أن الله مستقيم وعادل ولا يظلم أحدًا. فهو يكافئ الأبرار بالثمار الصالحة، أما الأشرار فزهوهم وعظمتهم قصيرة الوقت مثل العشب (ع7)؛ لأن الثمر الحقيقي الكامل هو في الأبدية، فينعم الأبرار في الملكوت، أما الأشرار فيعذبون في الهلاك الأبدي. † اصبر في جهادك واثقًا من نعمة الله التي تساندك، وتفيض عليك بثمار روحية، فتحيا في سعادة على الأرض، وفى مجد لا يعبر عنه في السماء. المزمور الثَّالِثُ والتسعون الله القدير القدوس الممجد "الرب قد ملك لبس الجلال ... ع1" مقدمة: 1. كاتبه: هناك رأيان: أ - لم يذكر الكتاب المقدس عنوانًا له، فهو يعتبر من المزامير اليتيمة، أي التي لم يذكر كاتبها. ب- في الترجمة السبعينية يوجد عنوان لهذا المزمور وهو "بركة تسبحة داود، لليوم الذي قبل السبت عندما عُمرت الأرض". ومن هذا نعرف ما يلي: أن كاتبه هو داود النبي بدليل تشابه آيات هذا المزمور مع النشيد الذي ردده داود عند نقله لتابوت عهد الله إلى أورشليم (1 أى16: 30-33). * يعلن عن فداء المسيح الذي تم يوم الجمعة قبل السبت، فعمرت الأرض بالمؤمنين في العهد الجديد من اليهود والأمم؛ أي من كل الأرض، وقد رفض اليهود وضع هذا العنوان؛ لأنه يشير بوضوح إلى المسيح الفادى على الصليب. 2. متى كتب ؟ عندما نقل داود تابوت عهد الله من بيت عوبيد أدوم إلى أورشليم، فكانوا يسبحون بهذا المزمور أثناء نقله. 3. يعتبر هذا المزمور من المزامير الملكية، أي التي تتكلم عن الرب الملك ويعتبره البعض مقدمة لهذه المزامير، التي تبدأ من مزمور 95-100 ويسمونها المزامير "الثيئوقراطية" أي التي تتكلم عن الله الملك. 4. هذا المزمور أيضًا هو من المزامير المسيانية فهو يتكلم عن المسيح القائم من بين الأموات بقوة لاهوته وجلاله وقدرته، ولم يذكر شيئًا عن آلام المسيح. 5. هذا المزمور أيضًا من المزامير الليتورجية أي التي كان الشعب يرددها بقيادة اللاويين في عشية السبت وفى عيد الحصاد. 6. يردد الكاهن في العهد الجديد هذا المزمور عندما يلبس ملابسه الكهنوتية، ليبدأ خدمة القداس؛ حتى يتذكر أنه يمثل المسيح الملك في القداس بكل مجده وعظمته، فيخشع أمامه، ويتقدم بخوف الله إلى خدمة الأسرار المقدسة. 7. يوجد هذا المزمور في نهاية صلاة الساعة السادسة، التي نتذكر فيها المسيح المصلوب؛ الذي ملك على خشبة الصليب ليفدينا، فنمجده؛ إذ تنازل عن عظمته ليرفع عنا خطايانا. (1) الله القدير (ع1، 2): ع1: اَلرَّبُّ قَدْ مَلَكَ. لَبِسَ الْجَلاَلَ. لَبِسَ الرَّبُّ الْقُدْرَةَ، ائْتَزَرَ بِهَا. أَيْضًا تَثَبَّتَتِ الْمَسْكُونَةُ. لاَ تَتَزَعْزَعُ. ائتزر: لفها على وسطه كالحزام. أخفى المسيح لاهوته بتجسده ولم يظهر أنه ملك له جلال عظيم إلا في معجزاته، وتعاليمه بسلطان، ولكن ظهرت قوته وعظمته واضحة في قيامته من الأموات، وظهوره في جسد نورانى لتلاميذه، ثم صعد إلى السموات بمجد عظيم. الرب قد ملك على الصليب إذ قيد الشيطان، وأخرج المؤمنين به من الجحيم، وأصعدهم إلى الفردوس، وملك على قلوب المؤمنين به، وهكذا ائتزر بالقدرة في تخليص أولاده من عبودية الشيطان في الجحيم، ورفعهم إلى الفردوس؛ ليملك عليهم إلى الأبد. وفى الملكوت يظهر ملكه الكامل والأبدي. الأرض "المسكونة" ثبتها الله في دورانها حول نفسها، وحول الشمس، وهي ترمز أيضًا إلى ثبات المؤمنين بالمسيح رغم تقلبات الحياة حولهم، وحروب إبليس؛ لأن الله يثبتهم في الإيمان به، أما الأرض الجديدة والسماء الجديدة، أي المسكونة الجديدة وملكوت السموات، فيثبها الله إلى الأبد. عندما يتزر الله بالقدرة يعلن أنه قائد الحرب ضد الشيطان، وهذا يطمئن أولاده المؤمنين به أنه يحميهم، فيمتلئون رجاءً مهما سقطوا، أو ضعفوا، ويتشددون لمقاومة إبليس والانتصار عليه بقوة الله. ع2: كُرْسِيُّكَ مُثْبَتَةٌ مُنْذُ الْقِدَمِ. مُنْذُ الأَزَلِ أَنْتَ. يعلن كاتب المزمور في هذه الآية أزلية الله، فهو وإن تجسد في ملء الزمان ليفدى البشرية، لكنه موجود منذ الأزل قبل كل الخلائق، لأنه هو خالقها. كرسى الله يرمز لتجسده، فقد كان في فكر الله أن يتجسد منذ البدء والأزل، وحققه في ملء الزمان عندما ولد من العذراء. كرسى الله هو أيضًا رمز للمؤمنين به، الذين يسكن فيهم ويملك على قلوبهم. نتذكر في يوم الجمعة العظيمة -في كنيسة العهد الجديد عند دفن المسيح في الساعة الثانية عشر- عظمة الله وكرسيه الموجود منذ الأزل، فنقول مزمور كرسيك يا الله إلى دهر الدهور بلحنه الطويل المعروف. † إن الله يريد أن يملك على قلبك ليعطيك طمأنينة، ويفرح قلبك بسكناه فيه، فافسح له مكانًا بكثرة الصلوات وقراءة كلامه المقدس في الكتاب كل يوم. (2) المياه تسبح الله (ع3، 4): ع3: رَفَعَتِ الأَنْهَارُ يَا رَبُّ، رَفَعَتِ الأَنْهَارُ صَوْتَهَا. تَرْفَعُ الأَنْهَارُ عَجِيجَهَا. عجيجها: صوت تلاطم أمواجها، وهو صوت عالٍ. الطبيعة تمجد الله فتتقدم الأنهار مندوبة عنها وتتلاطم أمواجها؛ لتسبح الله خالقها. صوت الأنهار ترمز للرسل الذين كرزوا باسم المسيح في العالم كله، وترمز أيضًا لرجال الله والأنبياء في العهد القديم الذين أعلنوا الحق الإلهي، وأيضًا الكهنة والخدام على مر الأجيال حتى الآن الذين يعلنون اسم الله، بالإضافة للشهداء الذين أعلنوا بصوت عالٍ محبتهم لله بسفك دمائهم لأجله، وكذلك النساك الذين عمروا البرارى وأطلقوا أصوات التسبيح والتمجيد لله. هذا هو تأثير الروح القدس الذي يجرى كأنهار حية في قلوب المؤمنين به. ع4: مِنْ أَصْوَاتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، مِنْ غِمَارِ أَمْوَاجِ الْبَحْرِ، الرَّبُّ فِي الْعُلَى أَقْدَرُ. غمار: مياه كثيرة تغمر ما حولها أي تغطيه. تمثل الطبيعة أيضًا البحار، التي تمجد الله بأصواتها وكثرة مياهها، وتستطيع أن تغمر اليابسة؛ كل هذا إعلان لقوتها ولكن الله خالقها أقوى منها وأقدر بلا حدود. فقوة البحار مجرد تعبير صغير عن قوة الله الخالق. ترمز البحار لحياة المؤمنين والخدام على مر الأجيال التي تغمر اليابسة؛ أي الوثنية، فتغطى المياه القلوب البعيدة عن الله، وتجذبها إليه؛ لتعلن أن الله أقوى وأقدر من قساوة قلوب البشر، وبمحبته يجذب هذه القلوب إليه. † ثق في قوة الله التي فيك لتحيا بوصاياه، وتقدم محبتك لكل من حولك مهما أساؤوا إليك، فالمحبة قوية كالموت، ولا يمكن مقاومتها إن كانت صادرة من قلبك فاستمر فيها بكل شكل. (3) الله القدوس (ع5): ع5: شَهَادَاتُكَ ثَابِتَةٌ جِدًّا. بِبَيْتِكَ تَلِيقُ الْقَدَاسَةُ يَا رَبُّ إِلَى طُولِ الأَيَّامِ. شهادات الله هي كل النبوات والرموز التي ذكرت في العهد القديم عن المسيح. وقد تحققت جميعها، فكلام الله لا يمكن أن يزول حرف واحد منه، وبالتالي فينبغى أن نتمسك بوعود الله؛ لأنها ثابتة. إن كان الله صادق في كل كلمة يقولها لنا، فينبغى أن ندخل إلى بيته المقدس، والذي يظل مقدسًا ليس فقط على الأرض ممثلًا في هيكل سليمان، وبعده الكنيسة في العهد الجديد، ولكن أيضًا في ملكوت السموات. وإن كان بيت الله يليق به التقديس، فيلزم أن ننقى قلوبنا بالتوبة، والمحبة لكل أحد عندما ندخل إلى الكنيسة، ومن أجل هذا يردد الكاهن هذا المزمور عندما يرتدى ملابس الكهنوت ليبدأ صلوات القداس الإلهي؛ ليتذكر قداسة بيت الله الذي سيقف فيه ويرفع صوته بالصلاة أمامه. † اهتم بالصلاة وترديد المزامير وأنت في طريقك إلى الكنيسة، فتقول مزمور "فرحت بالقائلين لى" (مز122). وعندما تصل إلى الكنيسة تصلى عند الباب وتردد مزمور "مساكنك محبوبة.." (مز84) وتسجد أمام الهيكل وتقول "أما أنا فبكثرة رحمتك..." (مز5). وتقف في خشوع أمام الله القدوس طالبًا غفرانه لكل خطاياك، وتنتبه للصلاة لتشترك مع السمائيين في تسبيح اسمه القدوس. المزمور الرَّابِعُ والتسعون الله منقذ الأبرار ومنتقم من الأشرار "يا إله النقمات يا رب إله النقمات أشرق" ع1 مقدمة: 1. كاتبه: هناك رأيان: أ - ليس لهذا المزمور عنوان في النسخة البيروتية، فيعتبر من المزامير اليتيمة؛ أي التي بلا عنوان. ب - في الترجمة السبعينية لهذا المزمور عنوان ويذكر أنه لداود. 2. في عنوان الترجمة السبعينية يذكر أن هذا المزمور في "اليوم الرابع" فكان يتلى في اليوم الرابع في خيمة الاجتماع، أو هيكل سليمان. ولعل هذا المزمور نبوة عن انتقام الله من يهوذا الأسخريوطى، الذي خان المسيح، وتآمر مع اليهود لتسليمه في اليوم الرابع. 3. موضوع هذا المزمور هو تضايق شعب الله من مضايقيهم، ويطلبون من الله أن ينقذهم، فهم مسالمون لا ينتقمون ممن يضايقهم، ولكن يطلبون تدخل الله. 4. يظهر من هذا المزمور أن الله لا يمنع التجارب عن أولاده، ولكنه يستمع باهتمام إلى صلواتهم، ويعزيهم، ويعاقب مضايقيهم. 5. لا يوجد هذا المزمور في صلاة الأجبية. (1) صراخ إلى الله لينتقم من الأشرار (ع1-7): ع1: يَا إِلهَ النَّقَمَاتِ يَا رَبُّ، يَا إِلهَ النَّقَمَاتِ، أَشْرِقِ. يكرر كاتب المزمور تعبير إله النقمات مرتين، ويعنى به الإله العادل الذي يجازى كل أحد بحسب أعماله، فهو دليل على احتياجه الشديد لتدخل الله لأنه مظلوم. وقد يكون هذا التكرار نبوة عن مجئ المسيح مرتين الأولى في تجسده لينتقم من الشيطان، ويقيده على الصليب، والمجئ الثاني ليدين العالم، ويلقى الشيطان وكل أتباعه الأشرار في العذاب الأبدي. ينادى الله ليشرق لأنه شمس البر، ويطلب منه أن يضئ المسكونة بعدله ليظهر البار ويكافئه، والشرير فيعاقبه. والإشراق هذا نبوة أيضًا عن تجسد المسيح؛ ليضئ العالم بقداسته وفدائه. ع2: ارْتَفِعْ يَا دَيَّانَ الأَرْضِ. جَازِ صَنِيعَ الْمُسْتَكْبِرِينَ. يطلب كاتب المزمور من الله الديان الوحيد للأرض كلها أن يرتفع؛ أي يظهر رفعته وعظمته كديان تخضع له كل الشعوب، وحينئذ يخاف كل المستكبرين ويجازيهم الله على كبريائهم، ويطمئن كل الأبرار المظلومين بأن الله الديان سيتدخل وينصفهم من الأشرار المستكبرين الذين يضايقونهم. ارتفاع الله الديان هو نبوة عن الصليب، فعندما ارتفع المسيح على الصليب جازى المستكبرين أي الشياطين، فقيدهم بموته. ع3: حَتَّى مَتَى الْخُطَاةُ يَا رَبُّ، حَتَّى مَتَى الْخُطَاةُ يَشْمَتُونَ؟ يشعر المظلومون بطول مدة ظلمهم ويعاتبون الله على طول أناته على الخطاة، الشامتين بهم عندما يرون المظلومين في ضيقة. وينسى المظلومون أن الله يطيل أناته عليهم، ويفرحون بهذا. فهذه الآية تعبير عن احتياج المظلومين الشديد والسريع لنجدة الله. والله بالطبع سيرفع عنهم الضيقة. وإن تأخر لحكمته فهو يعزيهم ويعطيهم سلامًا. ع4: يُبِقُّونَ، يَتَكَلَّمُونَ بِوَقَاحَةٍ. كُلُّ فَاعِلِي الإِثْمِ يَفْتَخِرُونَ. يبقون: يتكلمون كثيرًا، والمقصود هنا يتكلمون كلامًا رديًا كثيرًا. الأشرار يتكلمون كلامًا رديًا دون أدب، أي بوقاحة على البار وعلى الله نفسه. كل هذا لأنهم متكبرون ولا يخجلون من خطاياهم، بل على العكس يفتخرون بها، ولذا فكاتب المزمور يستنجد بالله ليوقف هذا الشر. هذه الآية نبوة عما سيفعله اليهود بالمسيح عندما يتهمونه باتهامات باطلة وبكبرياء يشتمونه وهو احتمل كل هذا لأجلنا. ع5: يَسْحَقُونَ شَعْبَكَ يَا رَبُّ، وَيُذِلُّونَ مِيرَاثَكَ. يتمادى الأشرار في شرهم، فيسحقون أولاد الله، أي الأبرار فيحطمونهم، ويضعفونهم حتى يقودونهم إلى اليأس، ولا يستطيعون أن يقاوموهم. ثم يذلونهم بإسقاطهم في الشهوات، ثم تعييرهم بانهم أصبحوا أشرارًا؛ حتى ييأسوا. وكل هذا موجه لله شخصيًا، إذ أن الشيطان يسىء إلى الله من خلال أولاده؛ لأنه يقول "شعبك .. ميراثك .." وبهذا يستثير كاتب المزمور الله ليستدر مراحمه، فيتدخل وينقذ أولاده. ع6: يَقْتُلُونَ الأَرْمَلَةَ وَالْغَرِيبَ، وَيُمِيتُونَ الْيَتِيمَ. تظهر شناعة شرور الأشرار في استغلالهم لضعف بعض البشر، مثل الأرملة والغريب واليتيم ليقتلونهم، فهو تمادى في الشر. هؤلاء الأشرار هم الهراطقة الذين يستغلون البعض الذين يرمز إليهم بالأرامل؛ إذ ليس لهن سند، أو اتكال على الله، فيسهل اسقاطهن في الشهوات الشريرة. أما الغريب فهو الذي ليس له استقرار في عشرة الله، أي أن علاقته بالله ضعيفة ويسهل قتله روحيًا بإبعاده عن الله، وإسقاطه في الهرطقة. وأخيرًا اليتيم الذي يرمز لحديث الإيمان ويمكن تشكيكه فيتزعزع ويبعد عن الله. وهذا ما فعله الكتبة والفريسيون ووبخهم المسيح في (مت23) ليتوبوا. ع7: وَيَقُولُونَ: «الرَّبُّ لاَ يُبْصِرُ، وَإِلهُ يَعْقُوبَ لاَ يُلاَحِظُ». إذ يفعل الأشرار الخطايا السابقة ولا يعاقبهم الله يتهمونه بأنه لا يبصر ولا يلاحظ، متناسين أنه طويل الأناة، ويعطيهم فرصة للتوبة. وعندما يوهمون أنفسهم بهذا يتمادون في خطاياهم، فيستحقون العقاب الإلهي في النهاية. † لا تتمادى في تهاونك وخطاياك واحترس لأن الله طويل الأناة ولكنه عادل، وارجع بالتوبة إليه، فهو حنون فيسامحك. (2) الله سامع شكوى الأبرار (ع8-15): ع8: اِفْهَمُوا أَيُّهَا الْبُلَدَاءُ فِي الشَّعْبِ، وَيَا جُهَلاَءُ مَتَى تَعْقِلُونَ؟ البلداء والجهلاء هم الأشرار الذين يتناسون وجود الله، فيتمادون في خطاياهم، يضاف إليهم الأبرار الضعفاء في الإيمان الذين من كثرة التجارب يتشككون في إيمانهم بالله. فكاتب المزمور يستثيرهم لكي يفهموا ويؤمنوا، ويخضعوا لله. ع9: الْغَارِسُ الأُذُنِ أَلاَ يَسْمَعُ؟ الصَّانِعُ الْعَيْنَ أَلاَ يُبْصِرُ؟ يقدم كاتب المزمور أمثلة بسيطة يسهل على الأطفال والبسطاء أن يفهموها؛ ليثبت أن الله يعرف كل شيء عن الإنسان، ويلاحظ كل ما يتم في العالم، فيقول هل من يخلق الأذن، ويعطيها قدرة على السمع هو نفسه لا يسمع؛ ومن يخلق العين، ويعطيها قدرة على الإبصار ألا يبصر، ويرى كل شيء! ع10: الْمُؤَدِّبُ الأُمَمَ أَلاَ يُبَكِّتُ؟ الْمُعَلِّمُ الإِنْسَانَ مَعْرِفَةً. ثم يقدم كاتب المزمور دليلًا آخرًا منطقيًا؛ لإثبات قدرة الله، ومعاينته لكل شيء، فيقول إن كان الله يؤدب الأمم البعيدين عن الإيمان به ألا يوبخ الجهلاء من شعبه؛ ليدعوهم إلى التوبة ! فهو وإن كان يطيل أناته على البشر الأشرار فذلك لكي يتوبوا، ومن ناحية أخرى ليكمل تأديبه لأولاده بواسطة هؤلاء الأشرار ليتوب أولاده. ومن هذا يظهر أن الله يراقب ويعتنى بكل البشر سواء يهود، أو أمم مؤمنين، أو غير مؤمنين، فالكل خليقته. إن الله يعلم الإنسان معرفة وذلك بما يلي: أ - يعلم شعبه وصاياه ليعرفوه ويثبتوا في إيمانهم. ب- يعلم غير المؤمنين به معرفته عن طريق الضمير، وهو صوت الله فيهم، حتى يقودهم إلى الإيمان، ويتركوا خطاياهم. ع11: الرَّبُّ يَعْرِفُ أَفْكَارَ الإِنْسَانِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ. الله يعرف أن معظم البشر لا يؤمنون به، أو حتى كثيرمن أولاده منشغلين عنه بالأمور المادية، وبالتالي فأفكارهم مرتبطة بالشهوات الأرضية، فهي أفكار باطلة لا توصلهم للملكوت، ومع هذا فالله يطيل أناته عليهم ليتوبوا، وقد يؤدبهم ليرجعوا إليه، فيغيروا أفكارهم، ويرتفعوا من الماديات إلى الروحيات ويسعوا نحو الله والوجود معه. ع12، 13: طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي تُؤَدِّبُهُ يَا رَبُّ، وَتُعَلِّمُهُ مِنْ شَرِيعَتِكَ لِتُرِيحَهُ مِنْ أَيَّامِ الشَّرِّ، حَتَّى تُحْفَرَ لِلشِّرِّيرِ حُفْرَةٌ. على الجانب الآخر يطوب المزمور الإنسان البار الذي يؤدبه الرب بأن يسمح له بتجارب حتى يتعلم شريعة الله، ويتمسك بإيمانه، ويبتعد عن الشر. وبهذا يحميه الله من أيام الشر؛ أي الهلاك الأبدي، وهي الحفرة، أو الهوة التي يسقط فيها الأشرار؛ أي الجحيم والهاوية. فالتأديب المؤقت الذي يحتمله البار في هذه الحياة يبعده عن الخطية، ويلصقه بالله، ويوصله للملكوت. بالإضافة إلى أن الله يسنده أثناء ضيقات الحياة ويعزى قلبه. ع14، 15: لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يَرْفُضُ شَعْبَهُ، وَلاَ يَتْرُكُ مِيرَاثَهُ. لأَنَّهُ إِلَى الْعَدْلِ يَرْجعُ الْقَضَاءُ، وَعَلَى أَثَرِهِ كُلُّ مُسْتَقِيمِي الْقُلُوبِ. مما سبق يظهر عدل الله الذي لا يترك أولاده في الضيقات ويهملهم، بل ويساندهم ويعزيهم ويعوضهم بعد هذا في الملكوت. وبهذا يظهر كمال العدل بعد هذه الحياة، عندما ينتقل الأبرار إلى فردوس النعيم، ثم ملكوت السموات. وهذه هي آثار العدل التي يتمتع بها المستقيمون، أي أفراح الملكوت. † لا يضطرب قلبك مما يمر بك من ضيقات، فهي ضرورية لتقويم حياتك، وإعدادها للملكوت، وثق في مساندة الله لك، فهو يحميك من الشيطان، وينصرك في النهاية، ويعوضك بما لم تره عين، أي أمجاد الملكوت. (3) الله معزي الأبرار ومعاقب الأشرار (ع16-23): ع16، 17: مَنْ يَقُومُ لِي عَلَى الْمُسِيئِينَ؟ مَنْ يَقِفُ لِي ضِدَّ فَعَلَةِ الإِثْمِ؟ لَوْلاَ أَنَّ الرَّبَّ مُعِينِي، لَسَكَنَتْ نَفْسِي سَرِيعًا أَرْضَ السُّكُوتِ. يستنجد البار في ضيقته طالبًا معونة وإنقاذ من أيدي الأشرار الذين يسيئون إليه ولا يجد؛ لأن في الضيقة يتفرق الناس عن المتضايق، ولكنه يرى رجاءه في الله الذي لا يتركه حتى لو تركه الجميع، ويرسل له من يعينه، كما أرسل يوناثان لداود لينقذه من يدى شاول (1 صم19: 1-7) وأرسل أيضًا عبد ملك لإرميا لينقذه من الجب؛ حتى لا يموت (إر38: 7-13)، وإن لم يرسل الله إنسانًا يعطى قوة للذى في التجربة وسلامًا داخليًا ويقويه كما فعل مع بولس. الله المعين يظهر في تجسد المسيح الفادى ليخلص المؤمنين به من أيدي المسيئين وفاعلى الإثم، أي الشياطين. ويحرر أولاده من أرض السكوت؛ أي القبور والموت، فلم يترك أولاده يذهبون إلى الموت الأبدي، بل حررهم وأصعدهم من الجحيم إلى الفردوس. ع18: إِذْ قُلْتُ: «قَدْ زَلَّتْ قَدَمِي» فَرَحْمَتُكَ يَا رَبُّ تَعْضُدُنِي. يطمئن البار أنه وإن كان ضعيفًا كإنسان ومعرض للسقوط في الخطية مهما كانت كبيرة، أو خطيرة فلإيمانه بالله يثق أن رحمته تسانده؛ إذ تدعوه للتوبة، ثم تغفر له خطيته. وهذا يعنى أمرين: إعلان البار باتضاع ضعفه وحاجته لله. إيمانه برحمة الله الواسعة التي تسنده وتنقذه من أية خطية. ع19: عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي فِي دَاخِلِي، تَعْزِيَاتُكَ تُلَذِّذُ نَفْسِي. يستكمل البار كلامه فيعلن أنه إذا زادت الهموم والضيقات الآتية عليه وكثرت جدًا فإن الله لا يتركه وحده، بل يعزى قلبه بتعزيات لذيذة لا تعطيه فقط سلامًا، بل تلذذ وتنعم بعشرة الله حتى تنسيه آلامه، بل إن هذه التعزيات تفوق كل تعزيات الأرض والبشر. وعلى قدر ما يلتجئ المؤمن لله في ضيقته بصلوات متضعة وإلحاح، على قدر ما ينال تعزيات عظيمة جدًا، وعلى قدر إيمانه ينال بركات تفوق العقل، كما حدث مع الثلاثة فتية في أتون النار عندما رأوا الله، وكما تمتع يوحنا بالرؤيا وهو منفى في جزيرة بطمس، وكذلك اسطفانوس الذي رأى المسيح في مجده وهو يرجم. ع20، 21: هَلْ يُعَاهِدُكَ كُرْسِيُّ الْمَفَاسِدِ، الْمُخْتَلِقُ إِثْمًا عَلَى فَرِيضَةٍ؟ يَزْدَحِمُونَ عَلَى نَفْسِ الصِّدِّيقِ، وَيَحْكُمُونَ عَلَى دَمٍ زَكِيٍّ. يسأل كاتب المزمور سؤالًا استنكاريًا فيقول لله: هل من المعقول أن يتفق معك، ويصنع معك معاهدة الأشرار المتسلطون في العالم؟ ويجلسون على كرسى الحكم والرئاسة والقدرة، ولكن أفعالهم كلها فاسدة وشريرة، ومن كثرة مفاسدهم يجعلون الشر فريضة وقانون ويحكمون بهذا القانون على البار، كما فعلوا مع المسيح وصلبوه، وكما حكموا على الرسل بالجلد، والقتل. والإجابة بالطبع لا يتفق هؤلاء الأشرار مع الله، فهم في كبريائهم يشعرون بسلطانهم في العالم، وينسون الله، فيسيرون سريعًا في طريق الهلاك الأبدي، بل في كبريائهم هذا، حتى لو تذكروا الله، يتحدونه ويقفون ندًا له ويرفضون التوبة عن مفاسدهم وظلمهم للأبرار، فبتحديهم لله يرفضون معاهدة الله؛ أو الخضوع له بل يعاندونه. ع22، 23: فَكَانَ الرَّبُّ لِي صَرْحًا، وَإِلهِي صَخْرَةَ مَلْجَإِي وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ إِثْمَهُمْ، وَبِشَرِّهِمْ يُفْنِيهِمْ. يُفْنِيهِمُ الرَّبُّ إِلهُنَا. صرحًا: بناءً عظيمًا مرتفعًا. يختم كاتب المزمور كلامه بأن الله هو حصنه وملجأه العظيم الذي يحتمى فيه من الأشرار ومن كل الضيقات التي تمر به. ويقرر أيضًا أن الله سيعاقب الأشرار ويبيدهم بإلقائهم في العذاب الأبدي. ويأتى بنتائج شرهم على رؤوسهم؛ أي يعاقبون على كل شر عملوه. المسيح إلهنا بتجسده وفدائه هو ملجأنا وصخرتنا القوية التي تنقذنا من كل شر ومن كل ضيقة، فترفعنا فوق الآلام، فنشعر بسلام وراحة داخل الضيقة، ثم ترفعنا إلى أمجاد السماء. بدأ المزمور بأن الله هو إله النقمات في (ع1) وينتهى بأنه يفنى الأشرار في (ع23) فهو إله عادل. وفى نفس الوقت بعدله يكافئ أولاده الأبرار بتعزيات لذيذة (ع19)، ثم أمجاد في السماء (ع15). † ليطمئن قلبك عندما ترى الظلم ينتشر حولك، أو تأتى عليك إساءات دون أن تخطئ في شئ، فالله عادل يعوضك عن كل أتعابك إن صبرت في رضا وشكر وثبات في علاقتك معه، ويسندك، ثم يمتعك بعشرته إلى الأبد. |
||||