منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 17 - 06 - 2024, 11:55 AM   رقم المشاركة : ( 163801 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,215

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ إِلهِي مِنْ كُلِّ قَلْبِي وَأُمَجِّدُ اسْمَكَ إِلَى الدَّهْرِ.

إذ توحد قلب داود بمخافة الله انطلق قلبه،

وكل مشاعره لتسبيح الله، وإذ تلذذ بها على الأرض
اشتاق أن يظل فيها إلى الأبد في ملكوت السموات.
 
قديم 17 - 06 - 2024, 11:55 AM   رقم المشاركة : ( 163802 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,215

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




لأَنَّ رَحْمَتَكَ عَظِيمَةٌ نَحْوِي وَقَدْ نَجَّيْتَ نَفْسِي مِنَ الْهَاوِيَةِ السُّفْلَى.


رأي داود بروح النبوة تجسد المسيح وفدائه،
فأعلن أن رحمة الله عظيمة عليه، والتي سينالها في ملءالزمان
فيصعده المسيح من الهاوية السفلى؛ لأن الجحيم فيه درجات.
فالمسيح ينجي أولاده من كل خطاياهم،
حتى لو كانوا في أسفل الجحيم، أي أصعب درجاته.
 
قديم 17 - 06 - 2024, 11:57 AM   رقم المشاركة : ( 163803 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,215

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




† لا تنسى أن تشكر الله كل يوم على عطاياه،
فهذا يملأ قلبك فرحًا ويزيد تمتعك بعطاياه،
بالإضافة إلى فيض عطايا جديدة يسكبها الله عليك.

 
قديم 17 - 06 - 2024, 11:59 AM   رقم المشاركة : ( 163804 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,215

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






اَلَّلهُمَّ، الْمُتَكَبِّرُونَ قَدْ قَامُوا عَلَيَّ، وَجَمَاعَةُ
الْعُتَاةِ طَلَبُوا نَفْسِي، وَلَمْ يَجْعَلُوكَ أَمَامَهُمْ.

العتاة:
الجبابرة

إن أعداء داود قاموا عليه ليهلكوه، ولأنهم تركوا الله ففقدوا مخافته، وبالتالي أصبح من السهل أن يظلموا غيرهم، بل ويقتلونهم، ولذا لم يكن فرصة للنجاة من يدهم إلا بقوة الله؛ لأنهم جبابرة، ومتكبرين، ومصرين على الشر.

اليهود الذين قاموا على المسيح هم المتكبرون، والجبابرة، الذين استعانوا بالسلطة الرومانية، وصلبوا المسيح؛ لأنهم لم يخافوا الله، فقتلوا المسيح، ولكنه بقوته قام من الأموات. وهكذا يفعل أيضًا الشياطين في حروبهم ضد البشر، ولكن الله ينجي أولاده، وينصرهم على الشياطين.

 
قديم 17 - 06 - 2024, 12:01 PM   رقم المشاركة : ( 163805 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,215

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَإِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ،
طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَالْحَقِّ.

إن كانت الشياطين، وكل الأشرار التابعين لهم قساة القلوب،
ويريدون إهلاك الأبرار؛ لأن ليس خوف الله أمامهم؛
لذا يتدخل الله برحمته، ورأفته ليحمي أولاده،
بل أيضًا يطيل أناته عليهم مهما كانت خطاياهم،
ويعطيهم فرصة للتوبة، خاصة وأنه أكمل الحق
والرحمة في صليب المسيح؛ لأنه بفدائه وفيَّ دين الخطية،
وقدم برحمته خلاصًا لشعبه.
 
قديم 17 - 06 - 2024, 12:02 PM   رقم المشاركة : ( 163806 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,215

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






الْتَفِتْ إِلَيَّ وَارْحَمْنِي. أَعْطِ عَبْدَكَ قُوَّتَكَ، وَخَلِّصِ ابْنَ أَمَتِكَ.

يطلب داود من الله أن ينظر إليه، ويرحمه، وينقذه من أيدي أعدائه. ويطلب بدالة لأنه عبد الله، وابن أمته؛ أي التابع له، والمولود في بيته، وبالتالي يستطيع أن يتمتع برعاية الله وحمايته.

هذه الآية نبوة عن المسيح المصلوب، الذي صرخ قائلًا - وهو على الصليب - إلهي إلهي... (مت 27: 46) لأنه وضع نفسه كإنسان وصار في صورة العبد، وهو ابن العذراء أمة الله، أي عبدته. فهو ابن بالجوهر، وليس مثل باقي البشر الذين هم أولاد بالتبني.

 
قديم 17 - 06 - 2024, 12:08 PM   رقم المشاركة : ( 163807 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,215

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




† اطلب باتضاع كل ما تريده من الله،
فيستجيب لك؛ لأنه يحب المتضعين
ويسرع إليهم، وينقذهم من كل شر.
 
قديم 17 - 06 - 2024, 12:32 PM   رقم المشاركة : ( 163808 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,215

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

نبوات بلعام

1. نبوته الثالثة:

1 فَلَمَّا رَأَى بَلْعَامُ أَنَّهُ يَحْسُنُ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ أَنْ يُبَارِكَ إِسْرَائِيلَ، لَمْ يَنْطَلِقْ كَالْمَرَّةِ الأُولَى وَالثَّانِيَةِ لِيُوافِيَ فَأْلًا، بَلْ جَعَلَ نَحْوَ الْبَرِّيَّةِ وَجْهَهُ. 2 وَرَفَعَ بَلْعَامُ عَيْنَيْهِ وَرَأَى إِسْرَائِيلَ حَالاُ حَسَبَ أَسْبَاطِهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ رُوحُ اللهِ، 3 فَنَطَقَ بِمَثَلِهِ وَقَالَ: «وَحْيُ بَلْعَامَ بْنِ بَعُورَ. وَحْيُ الرَّجُلِ الْمَفْتُوحِ الْعَيْنَيْنِ. 4 وَحْيُ الَّذِي يَسْمَعُ أَقْوَالَ اللهِ. الَّذِي يَرَى رُؤْيَا الْقَدِيرِ، مَطْرُوحًا وَهُوَ مَكْشُوفُ الْعَيْنَيْنِ: 5 مَا أَحْسَنَ خِيَامَكَ يَا يَعْقُوبُ، مَسَاكِنَكَ يَا إِسْرَائِيلُ! 6 كَأَوْدِيَةٍ مُمْتَدَّةٍ. كَجَنَّاتٍ عَلَى نَهْرٍ، كَشَجَرَاتِ عُودٍ غَرَسَهَا الرَّبُّ. كَأَرْزَاتٍ عَلَى مِيَاهٍ. 7 يَجْرِي مَاءٌ مِنْ دِلاَئِهِ، وَيَكُونُ زَرْعُهُ عَلَى مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ، وَيَتَسَامَى مَلِكُهُ عَلَى أَجَاجَ وَتَرْتَفِعُ مَمْلَكَتُهُ. 8 اَللهُ أَخْرَجَهُ مِنْ مِصْرَ. لَهُ مِثْلُ سُرْعَةِ الرِّئْمِ. يَأْكُلُ أُمَمًا، مُضَايِقِيهِ، وَيَقْضِمُ عِظَامَهُمْ وَيُحَطِّمُ سِهَامَهُ. 9 جَثَمَ كَأَسَدٍ. رَبَضَ كَلَبْوَةٍ. مَنْ يُقِيمُهُ؟ مُبَارِكُكَ مُبَارَكٌ، وَلاَعِنُكَ مَلْعُونٌ». 10 فَاشْتَعَلَ غَضَبُ بَالاَقَ عَلَى بَلْعَامَ، وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ وَقَالَ بَالاَقُ لِبَلْعَامَ: «لِتَشْتِمَ أَعْدَائِي دَعَوْتُكَ، وَهُوَذَا أَنْتَ قَدْ بَارَكْتَهُمُ الآنَ ثَلاَثَ دَفَعَاتٍ. 11 فَالآنَ اهْرُبْ إِلَى مَكَانِكَ. قُلْتُ أُكْرِمُكَ إِكْرَامًا، وَهُوَذَا الرَّبُّ قَدْ مَنَعَكَ عَنِ الْكَرَامَةِ». 12 فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالاَقَ: «أَلَمْ أُكَلِّمْ أَيْضًا رُسُلَكَ الَّذِينَ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ قَائِلًا: 13 وَلَوْ أَعْطَانِي بَالاَقُ مِلْءَ بَيْتِهِ فِضَّةً وَذَهَبًا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَتَجَاوَزَ قَوْلَ الرَّبِّ لأَعْمَلَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا مِنْ نَفْسِي. الَّذِي يَتَكَلَّمُهُ الرَّبُّ إِيَّاهُ أَتَكَلَّمُ. 14 وَالآنَ هُوَذَا أَنَا مُنْطَلِقٌ إِلَى شَعْبِي. هَلُمَّ أُنْبِئْكَ بِمَا يَفْعَلُهُ هذَا الشَّعْبُ بِشَعْبِكَ فِي آخِرِ الأَيَّامِ».

إذ جاء بالاق ببلعام إلى رأس الملذات ليعزله عن الرب فينطق بلعناته الخاصة عِوَض بركة الرب أدرك بلعام على العكس أنه لن يقدر أن يتصرف من ذاته فتنبأ للمرة الثالثة، بظروف اختلفت عن النبوتين السابقتين من جهة:
أ. لم يستخدم الفأل أي السحر كعادته (ع 1).
ب. لم ينسحب إلى مكان منعزل بل ذهب مباشرة متجهًا نحو الشعب ومعسكرهم (ع 2).
ج. حلّ عليه روح الرب فانفتحت عيناه لرؤية الموقف في أكثر وضوح (ع 2، 4).
أ. عدم استخدامه الفأل: توقف بلعام عن استخدام كل فنون سحره ليس حبًا في الله وإيمانًا به، وإنما غالبًا إدراكًا لعجز شياطينه تمامًا عن مساندته في تمكينه من النطق بلعناته.
يقول العلامة أوريجينوس: [نستطيع أن نتساءل بماذا عرف بلعام أنه قد حسن في عيني الرب أن يبارك إسرائيل؟ لقد لاحظ أنه عندما أحرق الذبائح لم يتقدم شيطان واحد ولا تجاسرت سلطة معادية أن يظهر بالقرب من ضحاياه، فقد ابتعد خدام الشرّ الذين اعتادوا على مساعدته في تقديم لعناته]. ولعل شهادة الكتاب "رأى بلعام أنه يحسن في عيني الرب أن يبارك إسرائيل" (ع 1)، أولًا تعلن شوق الله لمباركة إسرائيل الجديد أي الكنيسة، كما يرى البعض فيها نبوة عن عودة اليهود عن جحودهم وعدم إيمانهم فيقبلوا السيد المسيح في آخر الأزمنة، ويتمتعوا بالبركة الروحيّة عِوَض العنصريّة الصهيونيّة.
ب. انسحابه ليرى معسكر الجماعة المقدسة، إذ تنبأ قبلًا عن التجسد (النبوة الأولى) ثم عن أحداث الصلب والقيامة (النبوة الثانية) انفتحت عيناه لرؤية الكنيسة المتحدة بالمسيح المتمتعة ببركة الخلاص، لهذا انطلق مباشرة ليعاينها.
ج. حلول الروح عليه، لما كانت النبوة الثانية تخص يوم البنطيقستي، يوم ميلاد الكنيسة المتمتعة بالخلاص بالمسيح يسوع خلال عمل الروح القدس لهذا "كان عليه روح الرب". لكن للأسف كشف الروح له عن أسرار الله في معاملته للبشريّة، فانفتحت عيناه دون قلبه، وعِوَض التوبة ازداد عجرفة وكبرياء، قدَّم معرفة دون اتضاع، وامتلأ قلبه جفافًا بسبب محبته للفضة
أما موضوع النبوة فشمل أمرين: الشعب الذي يراه بعينيه الجسديتين كنواة مقدسة، والشعب الذي يراه بعيني النبوة بكونه كنيسة العهد الجديد التي تقوم بواسطة الروح القدس في يوم البنطيقستي كجسد المسيح يسوع.
فمن جهة الشعب الذي يراه أمامه بعينيه الجسديتين يرى فيه: شعبًا مملوءً جمالًا "ما أحسن خيامك يا يعقوب..."، مثمرًا على الدوام "كأودية ممتدة كجنات على نهر"، يحمل كرامة "يتسامى ملكه على أجاج وترتفع مملكته"، مملوئين قوة في الماضي "الله أخرجه من مصر" وفي الحاضر، "مثل سرعة الرئم" وفي المستقبل القريب "يأكل أممًا"، وأخيرًا عن أثره على من هم حوله واهتمام الله به - هذه نبوة تحققت فعلًا في بدء انطلاق هذا الشعب، لكنها نزعت عنهم بإنكارهم المسيَّا المخلص، فصارت هذه النبوة ميراثًا لإسرائيل الجديد، الكنيسة التي جاءت من الأمم. وفيما يلي شرح مبسط للنبوة.
"وحيّ بلعام بن بعور، وحيّ الرجل المفتوح العينين،
وحيّ الذي يسمع أقوال الله،
الذي يرى رؤيا القدير مطروحًا وهو مكشوف العينين" [3-5].
يُعلِّق العلامة أوريجينوس هكذا: [من المدهش أن يمتدح بلعام بمثل هذا المديح... كيف يكون بلعام مفتوح العينين هذا الذي سلَّم نفسه للعِرافة والسحر...؟ لقد استحق هذا المديح العظيم إذ قيل عنه "فكان عليه روح الله"، [وَوَضَعَ الرب كَلاَمًا فِي فَمِهِ] (عد 23: 16)، الأمر الذي لا نجده حتى في موسى أو في نبي آخر، أن يرتفع إلى مكانٍ عالٍ هكذا].
جاءت كلمات بلعام عن نفسه "الرجل المفتوح العينين" تشير إلى حالة المؤمن في كنيسة العهد الجديد حيث رفع البرقع، فانكشفت أعماق الشريعة وحلّ الحق عِوَض الظلّ، وتحققت النبوات. صار الإنسان "يسمع أقوال الله" ليس خلال حروف بل مسجلة بالحب على الصليب في ابنه الوحيد، و"يرى رؤيا القدير" لا خلال أحلام كدانيال أو إعلانات رمزيّة بل كما قال الرسول "ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة تتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح" (2 كو 3: 18).
لقد صار الإنسان بالخطيّة مفتوح العينين إذ تعرف على الشرّ ومارسه، وبالمسيح يسوع ربنا صار مفتوح العينين يتعرف على الأمور الإلهيّة السماويّة ويعيشها في حياتنا اليوميّة.
يقول العلامة أويجينوس: [قالت الحيّة لحواء بأن الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما] (تك 3: 5)، فأكلت ويقول الكتاب: "وانفتحت أعينهما" (تك 3: 7). لكن يوجد نوعان من الأعين: "الأعين التي تنفتح بالخطيّة، وأعين نظر بها آدم وحواء قبل أن تنفتح هذه الأعين". وقد جاء السيد المسيح ليفتح البصيرة الداخليّة الروحيّة التي كانت عمياء، ويعمي هذه الأعين التي تتعرف على الشرّ وتشتهيه. لهذا يقول: "لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم حتى يبصر الذين لا يبصرون (أي تنفتح البصيرة الروحيّة) ويعمَى الذين يبصرون (أي تغلق أعين الشرّ التي فتحها الشيطان بناء على نصيحة الحيّة)" (يو 9: 39). ما أحوجنا أن يفتح الرب أعيننا على السمويات ويغلقها نحو الشرّ!!
خلال نصيحة الحيّة انفتحت عيني الإنسان على الشرّ فصار أعمى، وخلال السيد المسيح انغلقت عينيه عن الشر لتنفتحا على الإلهيات فصار بصيرًا أو مستنيرًا.
إذ انفتحت عيناه قال: "ما أحسن خيامك يا يعقوب، مساكنك يا إسرائيل" [5]. في الترجمة السبعينيّة "ما أحسن مساكنك يا يعقوب، خيامك يا إسرائيل". إن كان المسكن يشير إلى حالة الاستقرار فإن الخيمة تشير إلى حالة التحرك المستمر. فالكنيسة في حالة استقرار بكونها جسد المسيح السري، مستقرة في حضن الآب، وفي نفس الوقت هي دائمة الحركة والنمو، تنطلق بالروح القدس من مجد إلى مجد لكي يبلغ أعضاؤها إلى قياس ملء قامة المسيح. بالمسكن أراد إعلان دخولنا إلى الاتحاد مع الله في ابنه يسوع المسيح بواسطة روحه القدوس فتعرفنا على أسرار معرفة الثالوث القدوس كخبرة نعيشها ونمارسها، وبالخيام أراد تأكيد حالة النمو المستمر في المعرفة، ننطلق بقيامنا من خبرة إلى خبرة، وندخل من معرفة إلى معرفة... بهذا [نمتد إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ] (في 3: 13) كالبدو الرحل لا نتوقف عن طلب المزيد من المعرفة الروحيّة البناءة حتى نراه وجهًا لوجه.
"كأودية ممتدة، كجنات على نهر، كشجرات عود غرسها الرب، كأرزات على مياه. يجري ماء من دلائه، ويكون زرعه على مياه غزيرة ويتسامى ملكه على أجاج وترتفع مملكته" [6-7].
يا لها من صورة حيّة ليوم البنطيقستي، يوم ميلاد كنيسة المسيح المقدسة بالروح القدس! لقد وهبها الاستقرار كمساكن مقدسة وأعطاها حيويّة النمو الدائم كخيام دائمة الحركة. الآن يراها بلعام أودية بلا حدود وجنات مثمرة على الدوام!
جاءت الترجمة السبعينيّة: "كحدائق (غابات صغيرة) مظللة، كجنات على نهر، كخيام نصبها الله، كأرزات على مياه. يأتي رجل من زرعه ويحكم على أمم كثيرة، وتتسامى مملكة جوج، وتتزايد مملكته" (ع 6-7). هنا يبرز عمل الروح القدس في حياة الكنيسة، فيجعلها كالغابات المظللة التي تستضيف الحيوانات والطيور، وكجنات على نهر تفرِّح قلب الإنسان وتعيد إليه سلامه المعهود، وكخيام نصبها الله فصارت مقدسة تتحرك نحو صانعها لتستريح فيه، وكأرزات مرتفعة ومستقيمة، وكرجل يحكم بسلطان لا يقدر الشيطان بكل جنوده عليه!
يُعلِّق العلامة أوريجينوس على هذا النص، قائلًا: [يقدم بلعام صورة ساحرة وعجيبة: "كغابات صغيرة مظللة، كجنات على نهر، كخيام نصبها الله، كأرزات على مياه". الذين يتعبون في الطريق يسيرون خلال "الأشجار المظللة" التي هي جماعة الأبرار وطغمة الأنبياء القدِّيسين. هؤلاء تتذوق أرواحهم الرطوبة تحت ظلّ المعاني التي يجدونها في كتاباتهم وفي سيرهم في تعاليمهم، متلذذين من عمق الأشجار...! إنهم كجنات على نهر، يحملون صورة الفردوس حيث يوجد فيه شجرة الحياة على الأنهار أي الكتابات الإنجيليّة والرسوليّة... مخلصنا هو النهر الذي يُفرِّح مدينة الله (مز 46: 5). بالروح القدس أيضًا لا يصير لنا فقط النهر بل ينبوع مياه توهب لنا في بطوننا (يو 4: 13). أيضًا الآب يقول: "تركوني أنا ينبوع المياه الحيّة" الذي هو مصدر هذه الأنهار (المياه). لهذا ينصب الإسرائيليّون خيامهم ليستقوا من هذه الأنهار، هذه الخيام التي نصبها الله نفسه.
ما أجمل الكنيسة وما أعظمها فقد نصب الله نفسه خيامها على الأنهار المقدسة لتستقي من ينابيع معرفة الثالوث القدوس، تفرح بالآب "ينبوع المياه الحيّة" والابن "نهر الحياة" والروح القدس الذي يفجر ينابيع مياه حيّة داخل النفس!
ماذا يعني نصب الخيمة على المياه المقدسة إلاَّ غرس المؤمنين في مياه المعموديّة المقدسة، حيث يخلع الإنسان كل وصمة للخطيّة ويحمل الإنسان الجديد على صورة خالقه. في الجرن يغرس عضوًا في جسد المسيح، يصير هيكلًا للروح القدس، ويتمتع بحق الاستقرار في حضن الآب بكونه ابنًا له.


بهذا تتحول الكنيسة إلى غابات مظللة، يلجأ إليها كل إنسان ليستريح تحت ظلالها من ضربات شمس التجارب الحارقة للنفس. وتصير كجنات على نهر، تناجي عريسها قائلة: "ليأتِ حبيبي إلى جنته ويأكل ثمره النفيس" (نش 4: 16). ويجيبها العريس متهللًا: "قد دخلتُ جنتي يا أختي العروس، قطفتُ مري مع طيبي، أكلتُ شهدي مع عسلي، شربتُ خمري مع لبني. كلوا أيها الأصحاب، اشربوا واسكروا أيها الأحباء" (نش 5: 1).
تصير كأرزات على مياه، وكما يقول العلامة أوريجينوس: [هذه الخيم هي أيضًا كأرزات على مياه. الأرز هنا لا يحمل الكبرياء الشرير، إنما هو "أرز الله" الذي يسند فروع الكرمة التي نقلت من مصر (مز 80: 8)، لكي ينضج الثمر ويغطي ظلها الجبال(228)].
إذ رأى عمل الروح القدس في حياة الكنيسة تحدَّث عن دوره في حياتها الكرازيّة، فقال: [يأتي رجل من زَرْعُهُ ويحكم على أمم كثيرة] فإن السيد المسيح يأتي متجسدًا من بيت إسرائيل، هذا الذي يملك روحيًا على أمم كثيرة خلال عمل روح الله القدوس في كنيسته.
يقول العلامة أوريجينوس: [إنه المسيح الذي خرج من ذريّة إسرائيل حسب الجسد. كيف يملك على الأمم؟ هذا لا يحتاج إلى شرح، خاصة إن قرأنا ما يقوله الآب: "اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا لك، وأقاصي الأرض ملكًا لك" (مز 2: 8). لكن ماذا يعني: "يتسامى ملكه على جوج؟ إن "جوج" تعني فوق السطوح، فلا نأخذ هذا النص بكونه اسم شعب معين... إنما يعني "يتسامى مملكته فوق السطوح وتنمو مملكته". التسامي فوق السطوح يخص الكاملين والنمو يخص جميع المؤمنين. عند الكاملين تسمو مملكة المسيح فوق السطوح، أي فوق الذين يشغلون الأجزاء الفضلى ويسكنون المرتفعات العالية... لهذا السبب أظن أن المخلص يقول: "والذي على السطح فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئًا" (مت 24: 17)، محذرًا الذين بلغوا درجات الكمال العُليا ألاَّ ينزلوا عنها إلى الأماكن السفلى والدنيئة في هذا العالم... إما نمو مملكته فيعني تزايد الكنائس وتكاثر المؤمنين، فترتفع مملكته إلى أن [يَضَعَ الآب جَمِيعَ الأَعْدَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، آخِرُ عَدُوٍّ يُبْطَلُ هُوَ الْمَوْتُ] (1 كو 15: 25-26).
إذن تنمو الكنيسة في اتجاهين، نمو كل مؤمن نحو الكمال ليرتفع فوق السطوح ويبلغ السمويات، ونمو ليضم الكثيرين إلى معرفة الله، أي الكرازة في العالم.


أما علامات هذه الكرازة فهي: "الله أخرجه من مصر"، كأن غايتها انطلاق النفس وعبورها من أرض العبوديّة متجهة نحو أرض الموعد كما انطلق الشعب القديم. ويرى البعض في هذه العبارة إشارة إلى هروب السيد المسيح إلى أرض مصر، لكي يُدعى من مصر فيعبر بالأمم إلى طريق الإيمان.
يقول العلامة أوريجينوس: [أخرجه الآب من مصر، وجعله يأتي إليه، لكي يفتح الطريق للذين هم من مصر هذا العالم فيصعدون نحو الله].
يكمل قائلًا: "له سرعة الرئم"، وقد رأينا في تفسيرنا الأصحاح السابق [عد 23: 22] أنها تشير إلى الكرازة بالسيد المسيح بقوة ليملك روحيًا إلى أقاصي الأرض (تث 33: 17).
"يأكل أممًا مضايقيه ويقضم ويحطم سهامه" [8]. خلال هذه الكرازة يحطم الروح القدس أفكار الشر في الإنسان التي كانت كالأمم المقدومة للنفس، يقضم عظامهم أي الشهوات الجسديّة، ويحطم سهام التجارب الشريرة. بهذا ينقل الروح القدس الإنسان نفسًا وجسدًا إلى الحياة المقدسة، واهبًا إياه روح الغلبة والنصرة.
أما موضوع الكرازة فهو: "جثم كأسد ربض كلبوة، من يقيمه؟ مباركك مبارك ولاعنك ملعون" [9]. يحدث العريس والعروس معًا، لأنهما متحدان، فقد جثا العريس كأسد على الصليب وربضت معه عروسه، من يقيمهما؟ يقوم السيد بسلطانه، إذ قال "لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها"، واهبًا عروسه قوة القيامة. بهذا حملت الكنيسة إمكانيات عريسها، فصار من يباركها يتبارك بعريسها، ومن يلعنها يحمل غضب عريسها.
اشتعل غضب بالاق على بلعام وصفق بيديه علامة الحيرة الشديدة والعجز عن التصرف، لم يبقَ له إلاَّ التهديد... "اهرب إلى مكانك... . هوذا الرب منعك من الكرامة!". وشعر بلعام أنه لا علاج للموقف لهذا قرر أن يرجع إلى شعبه، لكنه قبل أن ينطلق نطق بنبوتين أخرتين (الرابعة والخامسة) دون أن يطلب منه بالاق أن يتكلم.


2. النبوة الرابعة

15 ثُمَّ نَطَقَ بِمَثَلِهِ وَقَالَ: «وَحْيُ بَلْعَامَ بْنِ بَعُورَ. وَحْيُ الرَّجُلِ الْمَفْتُوحِ الْعَيْنَيْنِ. 16 وَحْيُ الَّذِي يَسْمَعُ أَقْوَالَ اللهِ وَيَعْرِفُ مَعْرِفَةَ الْعَلِيِّ. الَّذِي يَرَى رُؤْيَا الْقَدِيرِ سَاقِطًا وَهُوَ مَكْشُوفُ الْعَيْنَيْنِ: 17 أَرَاهُ وَلكِنْ لَيْسَ الآنَ. أُبْصِرُهُ وَلكِنْ لَيْسَ قَرِيبًا. يَبْرُزُ كَوْكَبٌ مِنْ يَعْقُوبَ، وَيَقُومُ قَضِيبٌ مِنْ إِسْرَائِيلَ، فَيُحَطِّمُ طَرَفَيْ مُوآبَ، وَيُهْلِكُ كُلَّ بَنِي الْوَغَى. 18 وَيَكُونُ أَدُومُ مِيرَاثًا، وَيَكُونُ سِعِيرُ أَعْدَاؤُهُ مِيرَاثًا. وَيَصْنَعُ إِسْرَائِيلُ بِبَأْسٍ. 19 وَيَتَسَلَّطُ الَّذِي مِنْ يَعْقُوبَ، وَيَهْلِكُ الشَّارِدُ مِنْ مَدِينَةٍ».

قلنا أن النبوة الأولى ركزت بالأكثر على رؤية إسرائيل الجديد من خلال التجسد، والثانية من خلال الصلب والقيامة، والثالثة من خلال الروح القدس، والآن يوضح بالأكثر عن الكنيسة الكارزة دون أن يفصل هذه الأعمال الخلاصيّة عن بعضها البعض.
بدأ مقدمته بذات الكلمات التي نطق بها في مقدمة النبوة السابقة لكنه يضيف هنا عبارة عجيبة لا يجرؤ نبي أن ينطق بها: "ويعرف معرفة العلي" (ع 16). لماذا نطق بهذه الكلمات؟ هل لأنه ما رآه وتعرَّف عليه يفوق كل إدراك بشري، لم يكن يتوقعه قط فحسب في نفسه أنه قد أدرك معرفة العلي؟ أو لأنه تعرَّف على أسرار الابن الوحيد الذي قال "لا أحد يعرف الآب إلاَّ الابن ومن أراد الابن أن يعلن له" (مت 11: 27)، وكأنه يريد أن يؤكد أن الابن المتجسد والذبيح يكشف له أسرار الآب؟ أو لأنه دخل خلال النبوة إلى يوم البنطيقستي والتقى بالروح القدس الذي "يفحص كل شيء حتى أعماق الله؟" (1 كو 2: 10) أو لعله كإنسان قد تمتع بهذه العطايا وأدرك هذه الأسرار أراد أن يميز بين معرفته السابقة ومعرفته الحالية، قبلًا كان يستخدم فنون السحر والعِرافة ويعتمد على الشياطين مدعيًا معرفة المستقبل، أما نبواته هذه فهي عطيّة الله، إنها معرفة الله الصادقة لا الشياطين المضللة. ويرى البعض أن بلعام كإنسان غير نقي القلب إذ تمتع بعطايا الله ومعرفته تحوَّل إلى الكبرياء والاعتداد بالذات عِوَض الاتضاع والانسحاق.
يقول: "أراه ولكن ليس الآن، أبصره ولكن ليس قريبًا" [17]. من الذي يراه ولكنه كمن هو بعيد؟
"يبرز كوكب من يعقوب ويقوم قضيب من إسرائيل،
فيحطم طرفي موآب، ويهلك كل بني الوغى.
ويكون أدوم ميراثًا، ويكون سعير أعداؤه ميراثًا.
ويصنع إسرائيل ببأس.
ويتسلط الذي من يعقوب ويهلك الشارد من مدينة" [17-19].
يقول "أراه ولكن ليس الآن، أبصره ولكن ليس قريبًا"، وبحسب الترجمة السبعينيّة يقول "سأشير إليه ولكن ليس الآن، أباركه ولكنه لم يقترب" رآه بروح النبوة أو أشار إليه لكنه بعيد عنه، إذ بقى أكثر من 1500 عامًا على تجسده حين نطق بلعام، إنه يشير إليه من بعيد حتى يأتي ملء الزمان (غل 4: 4) فيقترب إلى الأمم ويفهم المجوس هذه الكلمات. حينئذٍ يباركون الرب مقدمين قلوبهم وحياتهم مع ذهبهم ولبانهم ومُرّهم. يقول بلعام "أبارك" لكنه لم يقترب بعد، يأتي وقت فيه يقترب الرب فتنفتح ألسنة الأمم بكلمات التسبيح والبركة.
أما قوله: "يبرز كوكب من يعقوب، يقوم قضيب (إنسان) من إسرائيل"، فيحمل نبوة عن لاهوت السيد وناسوته، فهو الكوكب السماوي الذي جاء متجسدًا ليملك (قضيب) على قلوب البشريّة. وكما سبق فقلنا أن هذه النبوة سجلت في كتب أبناء المشرق، خلالها تعرف المجوس على الملك المولود حين ظهر لهم النجم في المشرق.
بظهوره كوكبًا منيرًا في قلوب الأمم خلال الكرازة بالإنجيل "يحطم طرفي موآب". إن كان رؤساء موآب يعني تحطيم عمل الشيطان وخداعاته اليمينيّة (البر الذاتي) والشماليّة (الخطايا والنجاسات). الكرازة بالإنجيل تحرر موآب من رؤسائه،
أو كما يقول
العلامة أوريجينوس: ["هذا المولود من إسرائيل يحطمهم عندما يجرد الرياسات والسلاطين ويشهرهم جهارًا على صليبه" (كو 2: 15)، فيخلص الموآبيّين ويقودهم إلى معرفة الرب].
"وَيُهْلِكُ.. بَنِي الْوَغَى"، وفي الترجمة السبعينيّة: "ويهلك بني شيث".
يرى العلامة أوريجينوس أنه بعد قتل هابيل أنجبت حواء "شيث" الذي خرج منه كل جنس البشر، أما نسل قايين فأهلكه الطوفان. هذا الجنس صار غنيمة للشياطين. لهذا إذا جاء السيد وصارت كلمة الكرازة بالإنجيل حطم الشيطان وسَبَى هؤلاء الذين كانوا تحت قبضته، فصار كغنيمة للسيد (أف 4: 8). هنا يهلك السيد الشرّ الذي فيهم ويقتنيهم أسرى الخلاص، ليدخل بهم إلى سمواته.
لهذا يقول العلامة أوريجينوس: [إني أشتهي أن أكون أنا أيضًا أسير المسيح، يقتادني مع غنائمه، ويحفظني مقيدًا برباطاته، فأستحق أن يقال عني: "أسير يسوع المسيح" (أف 3: 1)، كما كان الرسول بولس يقول مفتخرًا].
يقول بلعام: "ويكون أدوم ميراثًا، ويكون سعير (عيسو) أعداؤه ميراثًا" (ع 18). قلنا قبلًا أن أدوم هو بعينه سعير الذي هو عيسو. فإن كانت كلمة "أدوم" تعني إنسانًا دمويًا محبًا للقتال، وسعير تعني "شعر". فإن أدوم ربما تشير إلى النفس البشريّة وقد فسدت بالخطيّة فصارت محبة للقتال، وسعير تشير إلى الجسد المملوء شعرًا وكأنه بالكرازة بالإنجيل يملك الله على النفس والجسد معًا، فينزع عنا الإنسان العتيق العامل في نفوسنا وأجسادنا ونوهب الإنسان الجديد كميراث الله فينا.
يرى العلامة أوريجينوس أن أدوم كما سعير يشيران إلى الجسد، بكون أدوم يشير إلى الدم (الجسد) وشعير إلى الشعر.
لهذا يُعلِّق قائلًا: [أدوم هو الجسد الذي يقاوم الروح (غل 5: 17)، عدو الروح. ولكن في مجيء المسيح إذ نخضع الجسد للروح برجاء القيامة يحصل الجسد أيضًا على الميراث. لأنه ليس فقط النفس كانت عدوًا للروح بل والجسد أيضًا، فبإطاعته للروح القدس يكون له نصيب في الميراث الآتي].
أما قوله: "يصنع إسرائيل ببأس" (ع 18)، فإن المؤمن وقد خضع بنفسه وجسده لعمل الروح القدس وصار ميراثًا للرب، يصير رجل بأس لا يقدر عدو الخير على مقاومته. حقًا لا يعود يحارب جسده وعواطفه وأحاسيسه، بل تتجند هذه جميعها لا لمحاربة النفس بل لمحاربة الخطيّة، ويصير الجسد الذي كان ثقلًا على النفس معينًا لها.
لهذا يكمل قائلًا: "ويتسلط (يظهر) الذي من يعقوب ويهلك الشارد من مدينة" (ع 19). من هو هذا الذي يظهر أو يتسلط إلاَّ السيد المسيح الذي خرج من إسرائيل، يتجلى في حياة الإنسان المؤمن ببهاء مجده، ويهرب الشيطان الشارد من مدينة الله (القلب). يدخل السيد المسيح إلى القلب بصليبه فيهلك الشيطان ولا يكون له موضع في داخل النفس. يتسلط الإنسان الجديد الحامل سمات المصلوب ويهرب الإنسان القديم بأعماله.
3. النبوة الخامسة:

20 ثُمَّ رَأَى عَمَالِيقَ فَنَطَقَ بِمَثَلِهِ وَقَالَ: «عَمَالِيقُ أَوَّلُ الشُّعُوبِ، وَأَمَّا آخِرَتُهُ فَإِلَى الْهَلاَكِ». 21 ثُمَّ رَأَى الْقِينِيَّ فَنَطَقَ بِمَثَلِهِ وَقَالَ: «لِيَكُنْ مَسْكَنُكَ مَتِينًا، وَعُشُّكَ مَوْضُوعًا فِي صَخْرَةٍ. 22 لكِنْ يَكُونُ قَايِنُ لِلدَّمَارِ. حَتَّى مَتَى يَسْتَأْسِرُكَ أَشُّورُ؟». 23 ثُمَّ نَطَقَ بِمَثَلِهِ وَقَالَ: «آهِ! مَنْ يَعِيشُ حِينَ يَفْعَلُ ذلِكَ؟ 24 وَتَأْتِي سُفُنٌ مِنْ نَاحِيَةِ كِتِّيمَ وَتُخْضِعُ أَشُّورَ، وَتُخْضِعُ عَابِرَ، فَهُوَ أَيْضًا إِلَى الْهَلاَكِ». 25 ثُمَّ قَامَ بَلْعَامُ وَانْطَلَقَ وَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ. وَبَالاَقُ أَيْضًا ذَهَبَ فِي طَرِيقِهِ.

لقد رأى عماليق فنطق بالنبوة الخامسة والأخيرة، وإن كان البعض يعتبرها جزءًا لا يتجزأ من النبوة الرابعة.
يقول: "عماليق أول الشعوب، وأما آخرته فإلى الهلاك" [20]. إن أول حرب تمت في البريّة كانت ضد عماليق أول الشعوب وقد بقوا في حرب مستمرة مع هذا الشعب حتى انتهى عماليق في أيام حزقيا (1 أي 4: 43).
إن عدنا إلى سفر التكوين (تك 14: 7) نسمع عن الملوك رجعوا إلى عين مشفاط (الدينونة) التي هي قادش (مقدس) وضربوا كل بلاد العمالقة. لهذا حيث تقوم الدينونة ويفرز الشرّ عن البرّ، والنجاسة عن التقديس يقتل العمالقة في قادش أي في المقدسات. وكأنه حيث توجد القداسة لا يمكن أن يوجد العمالقة (جنود الشر).
يقول العلامة أوريجينوس: [إذًا الذين يلتفون حول المقدسات (قادش) ويهتدون إلى التقديس والطهارة يقتلون عماليق ويزيلونه هذا الذي يقتنص الشعب بسرعة ويجعله منحرفًا... في القداسة (قادش) التي هي عين شفاط (الدينونة... وبقلب طاهر يتأمل عقاب الخطاة وسعادة الأبرار، بهذا يصارع ليطرح أمراء عماليق. أما الذين لا يهتدون إلى قادش أي القداسة ولا إلى عين الدينونة فلا يتأملون يوم الدينونة القادم، هؤلاء يخضعون لأمراء عماليق. يخطفهم عماليق بسرعة ويفترسهم وينحرف بهم بعيدًا عن الله].
إن عدنا إلى التكوين (تك 36: 11-12) نسمع أيضًا عن عماليق بن أليفاز بكر عيسو الذي ولدته أمه تمناع. هذا هو عماليق المقاوم لأولاد الله الذي ينبغي مقاومته، والده أليفاز الذي يعني (إلهي شتتني)، وأمه تمناع التي تعني (ممتنعة)... هنا عماليق ثمرة الاضطراب والتشتت بعيدًا عن الله والامتناع عن الرجوع إليه. إنه يمثل حالة التغرب عن الله والامتناع عن اللقاء معه. لهذا حسب أول عدو لشعب الله لأنه مقاوم لله ولشعبه، يلتقي بأولاد الله في البريّة ليهلكهم.
إن كان عماليق يمثل باكورة المقاومة لله في شعبه، فإن السيد المسيح يمثل باكورة الطاعة لله فيهم، لهذا جاء السيد الذي هو الباكورة (1 كو 15: 20) ليهلك باكورة الشرّ أي عماليق. لهذا يقول بلعام "وأما آخرته فإلى الهلاك" وفي الترجمة السبعينيّة "وأما زرعه فيهلك".
هذا الزرع كما يقول
العلامة أوريجينوس هو [الاعتقاد الذي جعله راسخًا في ذهن الناس أن ينحرفوا بعيدًا عن الرب. هذا هو الروح الفاسد، والعقيدة البغيضة، الزرع الذي غرسه فيهم. هذا يهلك خلال الرجوع بتنهدات ليخلصوا (إش 45: 22)].
يكمل بلعام النبوة قائلًا: "ثم رأى القيني... وقال ليكن مسكنك متينًا وعشك موضوعًا في صخرة". ماذا يعني (القيني) إلاَّ المُقْتَني أو المَاِلك (تك 4: 1) فإن كان يلزمنا إبادة روح الشرّ عماليق وكل زرعه أي معتقداته وشروره إنما يجب أن نقتني آخر أو نكون نحن موضوع اقتنائه، ألا وهو السيد المسيح الصخرة ففيه نجد مسكنًا متينًا، وندخل إليه كالعصفور الذي يجد له فيه عشًا!
يقول العلامة أوريجينوس: "يستطيع القيني أن يخلص إن نصب عشه على الصخرة، أي وضع رجاءه في المسيح، فلا يلتفت إلى خداعات الهراطقة الذين حوله...].


يقول: "لكن يكون قاين حتى متى يستأسرك أشور" [22]. إنه يحذر من دخل إلى السيد المسيح ووجد له فيه مسكنًا، إن عاد يتطلع إلى أشور (الهراطقة) ينحرف عن الحق فيهلك. إن كان عماليق يمثل الخطر خارج الكنيسة (الخطيّة والشرّ) فإن أشور يمثل الخطر داخل الكنيسة خلال الهرطقات تحت اسم المسيح.
يقول: "آه! من يعيش حين يفعل ذلك؟" [23]. لقد أدرك أنه يتنبأ عن العصر الماسياني الذي يبعد عنه أكثر من 1500 عامًا، كما أدرك أنه بعيد من جهة التصديق إذ تحدث أمور فائقة للعقل.
نختم نبوته بالقول: "وتأتي سفن من كتيم (كريت) وتخضع أشور وتخضع عابر فهو أيضًا إلى الهلاك" [24]. لقد رأى بروح النبوة أحداثًا كثيرة منها:
أ. ما فعله إسكندر المقدوني قادمًا من جزيرة كريت (الحاكم اليوناني)، ويرى البعض أنه يشير إلى الاستعمار الروماني قادمًا من الغرب حيث كانت كتيم تشير لا إلى كريت وحدها بل كل الغرب.
ب. تشير إلى خضوع العبرانيّين (عابر) للسبي البابلي (أشور).
ج. يرى البعض في خضوع عابر للهلاك إشارة إلى رفض العبرانيّين شخص السيد المسيح ودخولهم إلى الهلاك خلال عدم الإيمان.


السقوط مع الموآبيات



إذ لم يستطع بلعام أن يلعن الشعب قدَّم لبالاق مشورة شريرة وهو أن يُلقي معثرة لهذا الشعب خلال الموآبيات فيحلّ بهم غضب الله وينهزموا:


1. السقوط مع الموآبيات:

1 وَأَقَامَ إِسْرَائِيلُ فِي شِطِّيمَ، وَابْتَدَأَ الشَّعْبُ يَزْنُونَ مَعَ بَنَاتِ مُوآبَ. 2 فَدَعَوْنَ الشَّعْبَ إِلَى ذَبَائِحِ آلِهَتِهِنَّ، فَأَكَلَ الشَّعْبُ وَسَجَدُوا لآلِهَتِهِنَّ. 3 وَتَعَلَّقَ إِسْرَائِيلُ بِبَعْلِ فَغُورَ. فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ. 4 فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «خُذْ جَمِيعَ رُؤُوسِ الشَّعْبِ وَعَلِّقْهُمْ لِلرَّبِّ مُقَابِلَ الشَّمْسِ، فَيَرْتَدَّ حُمُوُّ غَضَبِ الرَّبِّ عَنْ إِسْرَائِيلَ». 5 فَقَالَ مُوسَى لِقُضَاةِ إِسْرَائِيلَ: «اقْتُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ قَوْمَهُ الْمُتَعَلِّقِينَ بِبَعْلِ فَغُورَ».

يقول العلامة أوريجينوس أنه إذا منعت الإرادة الإلهيّة بلعام من لعنه الشعب أراد أن يرضي بالاق الملك فقدم له هذه المشورة: "لا يحصل هذا الشعب على النصرة بقوته وإنما بعبادته الله وحياة الطهارة. فإن أردت أن تهزمه ابدأ بهدم طهارته فينهزم بأسلحته. إنه ينهزم بالجمال النسائي لا بقوة الجيوش، بنعومة النساء لا بصلابة رجال الحرب. لتستبعد أيدي المحاربين لتجمع نخبة من الجميلات، يسرن على نغمات رقص وصفقن بأيديهن. فإن الجمال ينزع الأسلحة من المحاربين واستبعدوا السيوف؛ الرجال الذين لا يُقهرون في الحرب يهزمهم الجمال. فإذا ما لاحظت الموآبيات أن الرجال تركوا أنفسهم للشهوات، وأحنوا رقابهم للخطيئة، عليهن ألاَّ يرضين رغباتهم بل أن يطعموهم من ذبائح الأصنام. هكذا تحت سطوة الشهوة يخضعوا لإرادة النساء ويتعرفوا على أسرار فغور التي هي أصنام (فجور)".


هذه المشورة خرجت من بلعام لأجل إرضاء الملك لنوال الأجرة إذ يقول الكتاب عن هؤلاء النساء: "إن هؤلاء كن لبني إسرائيل حسب كلام بلعام سبب خيانة للرب في أمر فغور فكان الوبأ في جماعة الرب" (عد 31: 16). وبأكثر وضوح جاء في سفر الرؤيا: "ولكن عندي عليك قليل أن عندك هناك قومًا متمسكين بتعليم بلعام الذي كان يعلم بالاق أن يُلقي معثرة أمام بني إسرائيل أن يأكلوا ما ذُبح للأوثان ويزنوا" (رؤ 2: 14). وفي رسالة يهوذا: "انْصَبُّوا إِلَى ضَلاَلَةِ بَلْعَامَ لأَجْلِ أُجْرَةٍ" (يه 1: 11).
نعود إلى النص الوارد في سفر العدد أصحاح 25، إذ يقول: "وأقام إسرائيل في شطيم، وابتدأ الشعب يزنون مع بنات موآب" [1]. تم هذا الشر في شطيم، وكما يقول العلامة أوريجينوس أن (شطيم) كما جاءت في القواميس العبريّة تعني (إجابة أو رد). في الوقت الذي كان الله يصارع مع بلعام وبالاق لكي لا يلعن هذا الشب بكلمة، مرسلًا له ملاكه في الطريق ومعلنًا أسراره لساحر أجير من أجل محبته لشعبه، كان رد الفعل لدى الشعب أنه زنى مع بنات موآب وعبد آلهتهن! حقًا ما أقسى قلب الإنسان، إنه دائم الجحود لله الذي يرعاه ويهتم به.
يُعلِّق القديس إغريغوريوس أسقف نيصصعلى هذه المشورة الشريرة، قائلًا: [إذ فشل مخترع الشرّ في ذلك (في إثارة بلعام ليلعن شعب الله) لم يتوقف قط عن مواجهة من يقاومهم، فإنه يلجأ إلى حيلة تناسب طبيعته مستخدمًا الملذات لاجتذاب الطبيعة للشرّ. حقًا إن الملذات تشبه طعمًا شريرًا، تُلقى بخفة ليسحب النفوس الشرهة نحو طعم السمكة المهلك؛ فإنه بواسطة الشهوة الخليعة تنسحب الطبيعة التي بلا أساس نحو الشرّ. هذا بحق هو ما حدث في هذه المناسبة. فإن الذين غلبوا أسلحة العدو، وبرهنوا أن كل هجوم يوجه ضدهم بأسلحة حديديّة هو ضعيف أمام قوتهم. استطاعوا بقدرة أن يتحملوا في المعركة التي أثارها أعداؤهم، لكنهم هم أنفسهم جُرحوا بسهام الملذات النسائيّة. هؤلاء الذين كانوا أقوى من الرجال هزمتهم النساء. فما أن ظهرت النساء أمامهم مبرزين جمالهن عِوَض الأسلحة حتى نسوا قوتهم الرجوليّة وتبدَّدت عزيمتهم أمام اللذة].
مرة أخرى يقول القديس إغريغوريوس: [يبدو لي أن التاريخ يقدم لنا هنا نصيحة نافعة للبشر. إنه يعلمنا إنه من بين الآلام العظيمة التي تحارب فكر الإنسان ليس شيء أقوى من مرض الملذات.هؤلاء الذين هم إسرائيليّون، الذين كانوا بكل وضوح أقوى من فرسان مصر وقد غلبوا عماليق وصاروا مرعبين للأمم الأخرى. وانتصروا على فرق المديانيّين، هؤلاء صاروا عبيدًا لهذا المرض في اللحظات التي رأوا فيها النساء الغريبات. كما سبق فقلت أن اللذة هي عدونا الذي يصعب محاربته والتغلب عليه].
بالغلبة التي صارت للذة التي ظهرت على الذين لم تغلبهم الأسلحة، أقامت نصبًا تذكاريًا عن العار الذي لحق بهم، يعلن عن خزيهم أمام جمهور الإهانة. لقد أظهرت اللذة أنها حوَّلت البشر إلى حيوانات مفترسة... تجتذبهم إلى الدعارة فينسون طبيعتهم الإنسانيّة. إنهم لا يخفون تهورهم بل يزينون أنفسهم بعار الشهوة، ويجمِّلون أنفسهم بوحمة الخزي، إذ يتمرغون كالخنزير في حمأة الدنس علانية ليراهم كل أحد.
إذن ماذا نتعلم من هذا الأمر؟ الآن إذ نعرف قوة الشرّ العظيمة التي لمرض الملذات فلنوجه حياتنا بعيدة عنها قدر ما نستطيع حتى لا يجد له المرض فتحة فينا يدخل خلالها إلينا، كالنار التي بمجاورتها يحدث لهيب شرير. لقد علَّمنا سليمان ذلك عندما قال بحكمة أنه يلزم على الإنسان ألاَّ يسير على جمر ملتهب حافي القدمين، ولا يخفي نارًا في حضنه. هكذا في مقدورنا أن نبقى غير متأثرين بالألم مادمنا نبتعد عما يلهبه. إن اقتربنا إليه لنقف على النار الملتهبة، تلتهب نار الشهوة في صدورنا وتحرق أقدامنا وصدورنا معًا.
لكي نُحفظ من شرّ كهذا قطع الرب في الإنجيل أصل الشر ذاته، أقصد الرغبة التي تثير النظر، إذ يعلمنا أن الإنسان الذي يرحب بالألم خلال نظراته يفتح الباب للمرض الذي يضره. لأن الآلام الشريرة كالوباء إذ يملك على موضع لا يتوقف حتى يسبب موتًا!".
نعود إلى الشعب الساقط في الزنا مع بنات موآب، إذ يقول الكتاب "فَدَعَوْن الشعب إلى ذبائح آلهتهن، فأكل الشعب وسجدوا لآلهتهن" [2]. بالزنا الجسدي انجرفوا إلى آلهتهن والملذات الجسديّة فامتلأت بطونهم من الذبائح الوثنيّة وسجدوا للآلهة الغريبة، أي انحرفوا إلى الزنا الروحي في أبشع صوره وهو (العبادة الوثنيّة). يقول العلامة أوريجينوس: [لم يكتفوا بالأكل وإنما سجدوا أيضًا. انظر كيف تقدموا في الشرّ، إذ ترك خدام الرب أنفسهم أولًا للشهوة ثم الشراهة وأخيرًا للكفر. الكفر هو أجرة البغاء، فقد قرأنا في مناسبة أخرى النصوص الخاصة لسليمان. فإن كل حكيم -مهما يكن- إذ يعطي أحضانه لكثير من النساء يزيغ قلبه عن الله، إذ يقول الناموس: "لاَ يُكَثِّرْ لَهُ نِسَاءً لِئَلاَّ يَزِيغَ قَلْبُهُ" (تث 17: 17). مع أنه كان حكيمًا جدًا ونال استحقاقات عظيمة أمام الله لكنه زاغ لأنه ترك نفسه لكثير من النساء.

ما نسميه بعدد كبير من النساء أظن أن العدد الضخم من البدع والفلسفات المختلفة التي تدرس في كثير من الأمم. أراد أن يتعرَّف عليها ويتعمقها كعالم وحكيم، فلم يستطع أن يحفظ نفسه في الناموس الإلهي. الفلسفة الموآبيّة أغرت سليمان وأقنعته أن يذبح لآلهتهم. وكذلك فلسفة بني عمون وهكذا فلسفات الأمم التي قيل أنه أخذ منها نساءً، فكرم الأصنام بتشييد المعابد وتقديم الضحايا. إنه عمل إلهي عظيم أن نألف مع النساء كثير من المعتقدات دون أن ننحرف عن أصل الحق، فنقول بأمانة: "هن ستون ملكة، وثمانون سرية، وعذارى بلا عدد" "واحدة هي حمامتي كاملتي، الوحيدة لأمها هي عقيلة والدتها هي" (نش 6: 8-9).
كأن العلامة أوريجينوس وهو يفضل ألاَّ يرتبط الإنسان بفلسفات كثيرة لئلا تسحبه إليها عن كلمة الله، يعود فيسمح باستخدام الفلسفات، لكن بحذر -وبقوة إلهيّة- فتكون في نظره كالسراري والعذارى الكثيرات، لكن تبقى كلمة الله كعروس وحيدة للنفس لا ينافسها أحد!
نعود إلى الشعب القديم الذي أغوته بنات موآب، إذ يقول [وتعلق الشعب ببنات فغور]. لقد وجدوا لذة في هذه الشهوات فتعلقوا ببعل فغور أي "سيد الفجور"، أو "سيد القبائح"، يتعلقون بالنجاسات لأجل ذاتها، ويصيرون عبيدًا لها وهي سادتهم.
يقول العلامة أوريجينوس: [لنتعلم أن الزنا يحاربنا، فإننا مُعرَّضون لسهام النجاسة، لكنها لا تقدر أن تصيبنا إن كانت لا تنقصنا الأسلحة التي يدعونا الرسول أن نتسلح بها "ممنطقين أحقاءنا بالحق ولابسين درع البرّ، وحاذين أرجلنا باستعداد إنجيل السلام، حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع السهام الملتهبة نارًا" (أف 6: 14-17). هذه هي الأسلحة التي تحمينا في هذه الحرب. إن أهملناها نترك جانبنا لضربات الشيطان فيسبينا كل صنوف الشياطين سبيًا (أف 2: 8)، ويحلّ غضب الرب علينا، ونعاقب في هذا العالم كما في الدهر الآتي].
كما يقول: [يليق بنا أن نعرف أن كل إنسان يرتكب أي عمل فاجر، ويسقط في أي شكل من أشكال القبائح، يحسب مشتركًا في الاعتقاد ببعل فغور، شيطان المديانيات].
[لا تقترب من أبواب منازل الشرّ، إن شعرت بأن روحًا شريرًا يحدثك في قلبك، ويريد أن يقودك إلى عمل الخطيّة، افهم جيدًا بأنه يريدك أن تتعلق بعبادة الشيطان. إنه يريد أن يقودك لتقبل أسرار الشيطان، أسرار البغى].
يكمل الكتاب: "فحمي غضب الرب على إسرائيل. فقال الرب لموسى: خذ جميع رؤس الشعب وعلقهم للرب مقابل الشمس فيرتد حمو غضب الرب عن إسرائيل" [3-4].
أخطأ الشعب لكن الرب يأمر بقتل جميع رؤساء الشعب وتعليقهم أمام الشمس لكي يرتد حمو غضب الرب عنهم. فإن الرؤساء هم الملتزمون عن خطايا الشعب، إذ أهملوا في تعليمهم وتحذيرهم، أما قتلهم وتعليقهم مقابل الشمس فإشارة إلى الدينونة الرهيبة في يوم الرب العظيم التي تتم في حضرة "شمس البرّ".
2. غيرة فينحاس الكاهن:

6 وَإِذَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَاءَ وَقَدَّمَ إِلَى إِخْوَتِهِ الْمِدْيَانِيَّةَ، أَمَامَ عَيْنَيْ مُوسَى وَأَعْيُنِ كُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَهُمْ بَاكُونَ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 7 فَلَمَّا رَأَى ذلِكَ فِينْحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْكَاهِنِ، قَامَ مِنْ وَسَطِ الْجَمَاعَةِ وَأَخَذَ رُمْحًا بِيَدِهِ، 8 وَدَخَلَ وَرَاءَ الرَّجُلِ الإِسْرَائِيلِيِّ إِلَى الْقُبَّةِ وَطَعَنَ كِلَيْهِمَا، الرَّجُلَ الإِسْرَائِيلِيَّ وَالْمَرْأَةَ فِي بَطْنِهَا. فَامْتَنَعَ الْوَبَأُ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 9 وَكَانَ الَّذِينَ مَاتُوا بِالْوَبَإِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا. 10 فَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 11 «فِينْحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْكَاهِنِ قَدْ رَدَّ سَخَطِي عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِكَوْنِهِ غَارَ غَيْرَتِي فِي وَسَطِهِمْ حَتَّى لَمْ أُفْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِغَيْرَتِي. 12 لِذلِكَ قُلْ: هأَنَذَا أُعْطِيهِ مِيثَاقِي مِيثَاقَ السَّلاَمِ، 13 فَيَكُونُ لَهُ وَلِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِيثَاقَ كَهَنُوتٍ أَبَدِيٍّ، لأَجْلِ أَنَّهُ غَارَ للهِ وَكَفَّرَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ». 14 وَكَانَ اسْمُ الرَّجُلِ الإِسْرَائِيلِيِّ الْمَقْتُولِ الَّذِي قُتِلَ مَعَ الْمِدْيَانِيَّةِ، زِمْرِيَ بْنَ سَالُو، رَئِيسَ بَيْتِ أَبٍ مِنَ الشِّمْعُونِيِّينَ. 15 وَاسْمُ الْمَرْأَةِ الْمِدْيَانِيَّةِ الْمَقْتُولَةِ كُزْبِيَ بِنْتَ صُورٍ، هُوَ رَئِيسُ قَبَائِلِ بَيْتِ أَبٍ فِي مِدْيَانَ.

إذ رأى فينحاس الكاهن أن إسرائيليًا قدَّم مديانيّة إلى إخوته أمام عيني موسى وأعين كل الجماعة لدى باب خيمة الاجتماع، أخذ رمحًا بيده ودخل وراء الرجل إلى القبة وطعنه هو والمديانيّة فامتنع الوبأ عن الشعب بعد أن مات أربعة وعشرون ألفًا. كلَّم الرب موسى قائلًا: "فينحاس بن ألِعازار بن هرون الكاهن قد ردّ سخطي عن بني إسرائيل بكونه غار غيرتي في وسطهم حتى لم أفنِ بني إسرائيل بغيرتي، لذلك قل هأنذا أعطيه ميثاقي ميثاق السلام، فيكون له ولنسله من بعده ميثاق كهنوت أبدي.." [11-13].
لقد سحبت هذه القصة قلوب الآباء، إذ رأوا فيها صورة حيّة للغيرة المقدسة على مقدسات الله، وكشفت عن بشاعة خطيّة الزنا في عيني الله، ورمزًا للعمل الإلهي في حياة الإنسان داخل مياه المعموديّة المقدسة.
فمن جهة الغيرة يقول العلامة أوريجينوس أن اليهود كانوا يعتقدون بأن فينحاس هو بعينه إيليا، وأن الله قد أطال عمره جدًا بسبب غيرته على بيت الله. وإن كنا لا نقدر أن نقبل هذا الرأي لكنه يعكس مشاعر الكنيسة اليهوديّة نحو ذاك الذي غار غيرة الرب ضد من ينجس مقدَّسات الرب بشهواته الجسديّة النجسة.
وقد مدح القديس أغسطينوس فينحاس قائلًا: [لو أنه صنع هذا عن كراهية من جهتهما وليس عن حب خلال غيرته على بيت الله التي ألهبته لما حسب ذلك له برًا].
ويقول القدِّيس إغريغوريوس النزينزي: [دُعي فينحاس بالغيور إذ جرى وراء المديانيّة والرجل الذي ارتكب معها الزنا، ونزع العار بني إسرائيل].
كما يُعلِّق العلامة أوريجينوس على تصرف فينحاس الغيور بقوله: [يا من فُديت بالمسيح الذي رفع السيف المادي عن الأيدي مقدمًا سيف الروح لها، خذ هذا السيف حتى إذا ما رأيت فكرة إسرائيليّة قد تدنست بنساء زانيات من المديانيات، أي تختلط بأفكار شيطانيّة فلا تتردد بل اضرب في الحال، اقتل حالًا... انزع مصدر الخطيّة نفسه لكي لا تحبل قط، ولن تلد... فإن فعلت هذا تطفيء غضب الرب في الحال]. هكذا يليق بنا أن نمتلئ غيرة فنضرب الخطيّة التي تريد أن تتحد معنا في أفكارنا في أحشائها ولا تترك مجال فينا! وعلى العكس فإن مهادنة الخطيّة والحوار معها يشعل غضب الله علينا، ويجعلها تتحد بنا فتنجب ثمارًا يصعب علينا تجنبها!
أما عن بشاعة خطيّة الزنا فيقول القدِّيس إكليمندس الإسكنري: [على أي الأحوال في سفر العدد واضح أن الإنسان الذي صوَّب سهمه في الزاني حُسب مباركًا بالله].
وُيحذِّرنا القدِّيس ï*½يروم منها هكذا: [انظر لئلا يصوِّب فينحاس سهمه ضدك وأنت ترتكب الزنا مع المرأة المديانيّة].
أما ما تحمله هذه القصة من رمز لعمل الله في سرّ المعموديّة فيرى القديس إغريغوريوس أسقف نيصص أن فينحاس يمثل موت السيد المسيح الذي يضرب بسهمه فينا فيقتل إنساننا العتيق أي الخطيّة التي ملكت علينا لكي نصير هيكلًا مقدسًا للرب "الآن إن كنا نمتثل بموته تصير الخطيّة التي فينا بالتأكيد جثمانًا قد طعنها رمح المعموديّة كما طعنت غيرة فينحاس الزاني].
إن كان فينحاس قتل الرجل مع المديانيّة، إنما بهذا يشير إلى تمتع النفس والجسد معًا بالموت عن الإنسان العتيق، فقد تحدَّثنا أثناء تفسيرنا لسفر الخروج أن الرجل يشير إلى النفس والمرأة للجسد. وكأن النفس وقد زنت روحيًا بخضوعها لشهوات الجسد عِوَض أن ترتفع معه في دائرة الروح القدس، لهذا أطلق فينحاس الحقيقي -السيد المسيح- رئيس الكهنة الأعظم صليبه كسهم يقتل أعمال الإنسان القديم ويخلق فينا بروحه القدوس الإنسان الجديد، فنعيش مقدَّسين نفسًا وجسدًا.
3. الأمر بقتل الأشرار:

16 ثُمَّ كَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 17 «ضَايِقُوا الْمِدْيَانِيِّينَ وَاضْرِبُوهُمْ، 18 لأَنَّهُمْ ضَايَقُوكُمْ بِمَكَايِدِهِمِ الَّتِي كَادُوكُمْ بِهَا فِي أَمْرِ فَغُورَ وَأَمْرِ كُزْبِي أُخْتِهِمْ بِنْتِ رَئِيسٍ لِمِدْيَانَ، الَّتِي قُتِلَتْ يَوْمَ الْوَبَإِ بِسَبَبِ فَغُورَ».

إن كان فينحاس الكاهن قد غار غيرة الرب فقتل زمري الذي ربما يعني "من يشبه بقر الوحش" وهو رئيس في سبط شمعون كما قتل كزبي التي تعني "كاذبة" وهي ابنة صور رئيس قبائل مديان، إنما يشير إلى إبادة الخطيّة، فالرجل كان شهوانيًا يتصرف كمن يشبه بقر الوحش بغير تفكير ولا تعقل والمرأة كاذبة ومخادعة... وهذه هي سمات الزنا: الطيش والتهور مع الكذب والخداع.
لقد أمر الرب ضرب مديان كلها بسبب الشر الذي وضعوه كفخ لهلاك الشعب.


الاستعداد لدخول كنعان

الأصحاحات الأحد عشر الأخيرة (26-36) لا تعرض أحداثًا مثيرة كما في الأصحاحات السابقة التي سجَّلت لمحات هامة من معاملات الله مع الإنسان في رحلته داخل البريّة، إنما قدَّمت لنا الاستعدادات الطويلة لتهيئة الشعب لأهم حدث تم في العهد القديم وهو دخول أرض الموعد وتقسيم الأرض على يدي موسى كرمز لدخولنا الميراث الأبدي على يدي ربنا يسوع. بدأت الاستعدادات بصدور أمر إلهي بإقامة تعداد جديد.
1. الأمر الإلهي بالتعداد:

1 ثُمَّ بَعْدَ الْوَبَإِ كَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَأَلِعَازَارَ بْنَ هَارُونَ الْكَاهِنِ قَائِلًا: 2 «خُذَا عَدَدَ كُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِدًا حَسَبَ بُيُوتِ آبَائِهِمْ، كُلِّ خَارِجٍ لِلْجُنْدِ فِي إِسْرَائِيلَ». 3 فَكَلَّمَهُمْ مُوسَى وَأَلِعَازَارُ الْكَاهِنُ فِي عَرَبَاتِ مُوآبَ عَلَى أُرْدُنِّ أَرِيحَا قَائِلَيْنِ: 4 «مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِدًا. كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى». وَبَنِي إِسْرَائِيلَ الْخَارِجِينَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ:

للمرة الثانية يصدر الأمر الإلهي بالتعداد، المرة الأولى بعد الخروج بسنة وشهر للاستعداد للجهاد في البريّة، أما الآن فاللاستعداد لدخول أرض الموعد وتقسيم.. لهذا لم يصدر الأمر إلاَّ بعد توقف الوبأ (ع 1) وانتهت مرحلة التأديب وصار الشعب مهيأ للتمتع بأرض الموعد. وقد جاء التعداد يحمل ذات شروط التعداد الأول (أصحاح 1) مع اختلافات بسيطة ظهرت في تسجيل وقائعه ونتائجه.
2. تسجيل التعداد:

5 رَأُوبَيْنُ بِكْرُ إِسْرَائِيلَ، بَنُو رَأُوبَيْنَ: لِحَنُوكَ عَشِيرَةُ الْحَنُوكِيِّينَ. لِفَلُّو عَشِيرَةُ الْفَلُّوِيِّينَ. 6 لِحَصْرُونَ عَشِيرَةُ الْحَصْرُونِيِّينَ. لِكَرْمِي عَشِيرَةُ الْكَرْمِيِّينَ. 7 هذِهِ عَشَائِرُ الرَّأُوبَيْنِيِّينَ، وَكَانَ الْمَعْدُودُونَ مِنْهُمْ ثَلاَثَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفًا وَسَبْعَ مِئَةٍ وَثلاَثِينَ. 8 وَابْنُ فَلُّو أَلِيآبُ. 9 وَبَنُو أَلِيآبَ: نَمُوئِيلُ وَدَاثَانُ وَأَبِيرَامُ، وَهُمَا دَاثَانُ وَأَبِيرَامُ الْمَدْعُوَّانِ مِنَ الْجَمَاعَةِ اللَّذَانِ خَاصَمَا مُوسَى وَهَارُونَ فِي جَمَاعَةِ قُورَحَ حِينَ خَاصَمُوا الرَّبَّ، 10 فَفَتَحَتِ الأَرْضُ فَاهَا وَابْتَلَعَتْهُمَا مَعَ قُورَحَ حِينَ مَاتَ الْقَوْمُ بِإِحْرَاقِ النَّارِ، مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلًا. فَصَارُوا عِبْرَةً. 11 وَأَمَّا بَنُو قُورَحَ فَلَمْ يَمُوتُوا. 12 بَنُو شِمْعُونَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ: لِنَمُوئِيلَ عَشِيرَةُ النَّمُوئِيلِيِّينَ. لِيَامِينَ عَشِيرَةُ الْيَامِينِيِّينَ. لِيَاكِينَ عَشِيرَةُ الْيَاكِينِيِّينَ. 13 لِزَارَحَ عَشِيرَةُ الزَّارَحِيِّينَ. لِشَأُولَ عَشِيرَةُ الشَّأُولِيِّينَ. 14 هذِهِ عَشَائِرُ الشِّمْعُونِيِّينَ، اثْنَانِ وَعِشْرُونَ أَلْفًا وَمِئَتَانِ. 15 بَنُو جَادَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ: لِصِفُونَ عَشِيرَةُ الصِّفُونِيِّينَ. لِحَجِّي عَشِيرَةُ الْحَجِّيِّينَ. لِشُونِي عَشِيرَةُ الشُّونِيِّينَ. 16 لأُزْنِي عَشِيرَةُ الأُزْنِيِّينَ. لِعِيرِي عَشِيرَةُ الْعِيرِيِّينَ 17 لأَرُودَ عَشِيرَةُ الأَرُودِيِّينَ. لأَرْئِيلِي عَشِيرَةُ الأَرْئِيلِيِّينَ. 18 هذِهِ عَشَائِرُ بَنِي جَادَ حَسَبَ عَدَدِهِمْ، أَرْبَعُونَ أَلْفًا وَخَمْسُ مِئَةٍ. 19 اِبْنَا يَهُوذَا: عِيرُ وَأُونَانُ، وَمَاتَ عِيرُ وَأُونَانُ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ. 20 فَكَانَ بَنُو يَهُوذَا حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ: لِشِيلَةَ عَشِيرَةُ الشِّيلِيِّينَ. وَلِفَارَصَ عَشِيرَةُ الْفَارَصِيِّينَ. وَلِزَارَحَ عَشِيرَةُ الزَّارَحِيِّينَ. 21 وَكَانَ بَنُو فَارَصَ: لِحَصْرُونَ عَشِيرَةُ الْحَصْرُونِيِّينَ. وَلِحَامُولَ عَشِيرَةُ الْحَامُولِيِّينَ. 22 هذِهِ عَشَائِرُ يَهُوذَا حَسَبَ عَدَدِهِمْ، سِتَّةٌ وَسَبْعُونَ أَلْفًا وَخَمْسُ مِئَةٍ. 23 بَنُو يَسَّاكَرَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ: لِتُولاَعَ عَشِيرَةُ التُّولاَعِيِّينَ. وَلِفُوَّةَ عَشِيرَةُ الْفُوِّيِّينَ. 24 وَلِيَاشُوبَ عَشِيرَةُ الْيَاشُوبِيِّينَ. وَلِشِمْرُونَ عَشِيرَةُ الشِّمْرُونِيِّينَ. 25 هذِهِ عَشَائِرُ يَسَّاكَرَ حَسَبَ عَدَدِهِمْ، أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ أَلْفًا وَثَلاَثُ مِئَةٍ. 26 بَنُو زَبُولُونَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ: لِسَارَدَ عَشِيرَةُ السَّارَدِيِّينَ. وَلإِيلُونَ عَشِيرَةُ الإِيلُونِيِّينَ. وَلِيَاحِلْئِيلَ عَشِيرَةُ الْيَاحِلْئِيلِيِّينَ. 27 هذِهِ عَشَائِرُ الزَّبُولُونِيِّينَ حَسَبَ عَدَدِهِمْ، سِتُّونَ أَلْفًا وَخَمْسُ مِئَةٍ. 28 اِبْنَا يُوسُفَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمَا مَنَسَّى وَأَفْرَايِمُ. 29 بَنُو مَنَسَّى: لِمَاكِيرَ عَشِيرَةُ الْمَاكِيرِيِّينَ. وَمَاكِيرُ وَلَدَ جِلْعَادَ. وَلِجِلْعَادَ عَشِيرَةُ الْجِلْعَادِيِّينَ. 30 هؤُلاَءِ بَنُو جِلْعَادَ: لإِيعَزَرَ عَشِيرَةُ الإِيعَزَرِيِّينَ. لِحَالَقَ عَشِيرَةُ الْحَالَقِيِّينَ. 31 لأَسْرِيئِيلَ عَشِيرَةُ الأَسْرِيئِيلِيِّينَ. لِشَكَمَ عَشِيرَةُ الشَّكَمِيِّينَ 32 لِشَمِيدَاعَ عَشِيرَةُ الشَّمِيدَاعِيِّينَ. لِحَافَرَ عَشِيرَةُ الْحَافَرِيِّينَ. 33 وَأَمَّا صَلُفْحَادُ بْنُ حَافَرَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَنُونَ بَلْ بَنَاتٌ. وَأَسْمَاءُ بَنَاتِ صَلُفْحَادَ: مَحْلَةُ وَنُوعَةُ وَحُجْلَةُ وَمِلْكَةُ وَتِرْصَةُ. 34 هذِهِ عَشَائِرُ مَنَسَّى، وَالْمَعْدُودُونَ مِنْهُمُ اثْنَانِ وَخَمْسُونَ أَلْفًا وَسَبْعُ مِئَةٍ. 35 وَهؤُلاَءِ بَنُو أَفْرَايِمَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ: لِشُوتَالَحَ عَشِيرَةُ الشُّوتَالَحِيِّينَ. لِبَاكَرَ عَشِيرَةُ الْبَاكَرِيِّينَ. لِتَاحَنَ عَشِيرَةُ التَّاحَنِيِّينَ. 36 وَهؤُلاَءِ بَنُو شُوتَالَحَ: لِعِيرَانَ عَشِيرَةُ الْعِيرَانِيِّينَ. 37 هذِهِ عَشَائِرُ بَنِي أَفْرَايِمَ حَسَبَ عَدَدِهِمِ، اثْنَانِ وَثَلاَثُونَ أَلْفًا وَخَمْسُ مِئَةٍ. هؤُلاَءِ بَنُو يُوسِفَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. 38 بَنُو بَنْيَامِينَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ: لِبَالَعَ عَشِيرَةُ الْبَالَعِيِّينَ. لأَشْبِيلَ عَشِيرَةُ الأَشْبِيلِيِّينَ. لأَحِيرَامَ عَشِيرَةُ الأَحِيرَامِيِّينَ. 39 لِشَفُوفَامَ عَشِيرَةُ الشَّفُوفَامِيِّينَ. لِحُوفَامَ عَشِيرَةُ الْحُوفَامِيِّينَ. 40 وَكَانَ ابْنَا بَالَعَ: أَرْدَ وَنُعْمَانَ. لأَرْدَ عَشِيرَةُ الأَرْدِيِّينَ، وَلِنُعْمَانَ عَشِيرَةُ النُّعْمَانِيِّينَ. 41 هؤُلاَءِ بَنُو بَنْيَامِينَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ، وَالْمَعْدُودُونَ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا وَسِتُّ مِئَةٍ. 42 هؤُلاَءِ بَنُو دَانَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ: لِشُوحَامَ عَشِيرَةُ الشُّوحَامِيِّينَ. هذِهِ قَبَائِلُ دَانَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ. 43 جَمِيعُ عَشَائِرِ الشُّوحَامِيِّينَ حَسَبَ عَدَدِهِمْ، أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ أَلْفًا وَأَرْبَعُ مِئَةٍ. 44 بَنُو أَشِيرَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ: لِيِمْنَةَ عَشِيرَةُ الْيِمْنِيِّينَ. لِيِشْوِي عَشِيرَةُ الْيِشْوِيِّينَ. لِبَرِيعَةَ عَشِيرَةُ الْبَرِيعِيِّينَ. 45 لِبَنِي بَرِيعَةَ: لِحَابَرَ عَشِيرَةُ الْحَابَرِيِّينَ. لِمَلْكِيئِيلَ عَشِيرَةُ الْمَلْكِيئِيلِيِّينَ. 46 وَاسْمُ ابْنَةِ أَشِيرَ سَارَحُ. 47 هذِهِ عَشَائِرُ بَنِي أَشِيرَ حَسَبَ عَدَدِهِمْ، ثَلاَثَةٌ وَخَمْسُونَ أَلْفًا وَأَرْبَعُ مِئَةٍ. 48 بَنُو نَفْتَالِي حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ: لِيَاحَصْئِيلَ عَشِيرَةُ الْيَاحَصْئِيلِيِّينَ. لِجُونِي عَشِيرَةُ الْجُونِيِّينَ. 49 لِيِصِرَ عَشِيرَةُ الْيِصِرِيِّينَ. لِشِلِّيمَ عَشِيرَةُ الشِّلِّيمِيِّينَ. 50 هذِهِ قَبَائِلُ نَفْتَالِي حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ، وَالْمَعْدُودُونَ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَلْفًا وَأَرْبَعُ مِئَةٍ. 51 هؤُلاَءِ الْمَعْدُودُونَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ سِتُّ مِئَةِ أَلْفٍ وَأَلْفٌ وَسَبْعُ مِئَةٍ وَثَلاَثُونَ.

قدَّم لنا السفر تسجيلًا لوقائع الإحصاء ونتائجه، خلاله يلاحظ في هذا الإحصاء الآتي:
أولًا: في التقسيم الأول لم يذكر أسماء العشائر مكتفيًا بأسماء الأسباط، أما هنا فقسم كل سبط إلى عشائره موضحًا أسماء العشائر. ويلاحظ أن سبط دان له عشيرة واحدة ومع ذلك فتعداده يأتي وراء يهوذا مباشرة. زبولون له ثلاث عشائر، وأفرايم ويَسَّاكَر ونفتالي ورأوبين لكل منهم أربعة عشائر، ويهوذا وشِمْعون وأشير لكل منهم خمسة عشائر، ولكل من جاد وبنيامين سبعة، ومَنَسَّى ثمانية. ومع أن بنيامين قد أنجب عشرة أولاد في مصر (تك 46: 21) لكن يبدو أن ثلاثة منهم لم ينجبوا أو أن عشائرهم قد انقرضت تمامًا.


إن أخذنا بمبدأ رمزيّة الأرقام نجد الآتي:
أ. رقم (1) يشير إلى اللاهوت الذي لا يستطيع أحد أن يتمتع بعمله فيه ما لم يجد له موقعًا في سبط دان، أي يدين نفسه. إذ يدخل الإنسان في عضوية هذا السبط ينعم لا بالتعرف على الله الواحد فحسب وإنما التمتع بسماته خلال الاتحاد معه.
ب. رقم (3) يشير إلى الأقانيم الإلهيّة التي ينعم بها أعضاء سبط زبولون، أي (المسكن)، بمعنى من ينعم بالاتحاد مع الله، أي الثبوت فيه والسكنى فيه إنما ينعم بعمل الثالوث القدوس في حياته، إذ يتحد مع الآب في ابنه بالروح القدس.
ج. رقم (4) وهو يشير إلى الأناجيل الأربعة أو عمل الخلاص (تجسد، صلب، قيامة، صعود) إنما يتمتع بها رجال أسباط أفرايم (ثمار كثيرة) ويَسَّاكَر (جزاء) ونفتالي (متسع) ورأوبين (ابن الرؤيا). ينعم بها من له من ثمر التوبة المتزايد، متقبلًا مكافأته أو جزائه من الله، حاملًا قلبًا متسعًا لله وأخيه وله بصيرة روحيّة (ابن الرؤيا).
د. رقم (5) يشير إلى ذبائح العهد القديم رمز ذبيحة الصليب من جوانبها المتعددة، يقبلها الله عن أسباط يهوذا (اعتراف أو إيمان) وشِمْعون (مستمعون) وأشير (سعيد). وكانت هذه الأمور الثلاثة إذ تلتحم معًا: الإيمان والطاعة مع الفرح الروحي يدخل بنا إلى أسرار الذبيحة المقدسة.
ه. رقم (7) يشير إلى الكمال الذي ينسب لسبطي جاد وبنيامين، أي الرجال المجاهدين المملوئين جدية (جاد) والذين يقفون عن يمين الله (بنيامين)، فإذ تلتحم جدية الجهاد القانوني مع الثبوت عن يمين الله يبلغ الإنسان كمال غايته.
ز. أخيرًا رقم (8) وهو يشير إلى الحياة المقبلة، أي ما بعد أيام الأسبوع السبعة إنما يتمتع بها أبناء مَنَسَّى، الذين ينسون العالم من أجل الأبديّة، وينسون كل اضطراب وَهَمّ من أجل الفرح السماوي.
ثانيًا: يلاحظ أن جميع الأسباط التي كانت تحت لواء مَحَلَّة يهوذا الذي منه يخرج السيد المسيح حسب الجسد قد تزايد تعدادهم، وهم يهوذا ويَسَّاكَر وزبولون. وكأن من يحتمي في ظل السيد المسيح ينمو ويتزايد ولا يهلك!
ثالثًا: لم يتزايد سبط قط مثل مَنَسَّى الذي كان قبلًا أصغر الأسباط، عدده (32,200) فصار (64,400) أي تضاعف، فإن من تدرب أن ينسى أمور هذا الزمان فيحسب هنا كأقل لكنه يحمل بركة مضاعفة في التعداد الأخير.
رابعًا: لم ينقص سبط مثل شِمْعون فقد كان تعداده (59,300) وصار (22,000)، أي فقد حوالي الثلاثين من تعداده. ويعلِّل البعض سرّ ذلك أن الوبأ الأخير حلّ غالبيته على هذا السبط، فإن زمري الذي قتله فينحاس الكاهن كان رئيس بيت أب من هذا السبط (14-25). فإن كان زمري يعني (من يشبه بقر الوحش) فإنه عِوَض أن يلتزم بسمة السبط (شِمْعون يعني مستمعون) انجذب وراء شهوات الجسد وملذاته كبقر الوحش ففقد الكثير. صار هذا السبط يمثل الإنسان الذي بدأ بالروح في طاعة مستمعًا لصوت الله وللأسف انتهى بالجسد يسلك وراء اللذة الجسديّة!
خامسًا: أثناء التعداد ذُكرت أسماء لها علاقة بأسماء رؤساء الأسباط ماتوا تحت ظروف معينة تأكيدًا لحرمان الأشرار من التمتع بنصيب في أرض الموعد. فقد ذُكرت الأسماء التالية:
داثان وأبيرام اللذان ابتلعتهما الأرض مع قورح (ع 9-10) وقد اغتصبوا الكهنوت وتذمروا على موسى وهرون (أصحاح 16).
عير وأونان ابنا يهوذا (ع 19) كان الأول شريرًا في عيني الرب فأماته بلا نسل (تك 38: 7) وأما أخوه أونان فقد أفسد على الأرض لكي لا يعطي نسلًا لأخيه فحمل ذات الجزاء (تك 38: 9).
ناداب وأبيهو ابنا هرون رئيس الكهنة الذان قربا نارًا غريبة أمام الرب (ع 61) فقتلهما (لا 10: 1-7، عد 26: 61).
3. تعليمات خاصة بالتقسيم:

52 ثُمَّ كَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 53 «لِهؤُلاَءِ تُقْسَمُ الأَرْضُ نَصِيبًا عَلَى عَدَدِ الأَسْمَاءِ. 54 اَلْكَثِيرُ تُكَثِّرُ لَهُ نَصِيبَهُ، وَالْقَلِيلُ تُقَلِّلُ لَهُ نَصِيبَهُ. كُلُّ وَاحِدٍ حَسَبَ الْمَعْدُودِينَ مِنْهُ يُعْطَى نَصِيبَهُ. 55 إِنَّمَا بِالْقُرْعَةِ تُقْسَمُ الأَرْضُ. حَسَبَ أَسْمَاءِ أَسْبَاطِ آبَائِهِمْ يَمْلِكُونَ. 56 حَسَبَ الْقُرْعَةِ يُقْسَمُ نَصِيبُهُمْ بَيْنَ كَثِيرٍ وَقَلِيل».

"كلَّم الرب موسى قائلًا: لهؤلاء تقسم الأرض، نصيبًا على عدد الأسماء. الكثير تكثر له نصيبه، والقليل تقلل له نصيبه" [52-53]. مع أن يشوع بن نون هو الذي يقسم الأرض لكن الله أصدر التعليمات الخاصة بالتقسيم لموسى قبل نياحته. إن دخول الموعد لن يتم إلاَّ بيشوع رمز "يسوع" المسيح ربنا، لكن موسى ممثل الناموس تقبل التعليمات حيث لا فصل بين الناموس والإنجيل.
يرى العلامة أوريجينوس أن هذا الأمر الإلهي أنه كلما كثر العدد تأخذ العشيرة مساحة أكبر إشارة إلى الذين يريدون يعيشون هنا في ترف، أما العشائر الأقل عددًا فتنال مساحة أصغر إشارة إلى الداخلين من الباب الضيق والطريق الكرب (لو 13: 23، 24). إنهم يرثون القليل على الأرض لينعموا بالكثير في السماء. لهذا فإن اللاويّين لم يرثوا شيئًا قط على الأرض ليكون الرب وحده نصيبهم. وقد قدَّم فلك نوح مثلًا، فإن القسم الأسفل هو القسم المتسع جدًا احتلته الحيوانات أما العلوي وهو أقل الأقسام مساحة فاحتله نوح وعائلته حيث يكونون مع الرب في الأعالي. هكذا كلما ارتفع الإنسان المؤمن نحو السمويات تنازل عن الأرضيات ليكون الرب وحده نصيبه.
يقول العلامة أوريجينوس: [بما أن تقسيم الأرض وهذا الأرض هو رمز أرضي وَظِلُّ الْخَيْرَاتِ الْعَتِيدَةِ (عب 10: 1)، ويقدم نموذجًا للميراث السماوي الذي يشتهيه المؤمنون والقدِّيسون، فإنني أبحث في هذا الميراث الذي نشتهيه هل نطلب الأكثر عددًا أم الأقل عددًا؟ إنني أجد أن الآخرين أكثر سعادة من الأولين. فإنه "واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك وكثيرون هم الذين يدخلون منه" (مت 7: 13-14). لكن الذين يدخلون من الباب الضيق والطريق الكرب المؤدي إلى الحياة فقليلون. في موضع آخر قيل: "أقليل هم الذين يخلصون؟" (لو 13: 23). وأيضًا "لكثرة الإثم تبرد محبة الكثيرين" (مت 24: 12) وليس محبة قليلين. وفي بناء فلك نوح الذي أُعطيت مقاييسه من السماء هكذا يصنعه ثلاثمائة ذراع يكون طوله، وخمسين عرضه، وثلاثين ارتفاعه. لكنه كلما ارتفع البناء ضاق ونقص عدد الأذرع... السبب في هذا أن الأجزاء السفليّة التي تشمل مساحات واسعة وفسيحة يدخل فيها الحيوانات والقطعان، الجزء الأكثر ارتفاعًا تدخله الطيور، أما القمة فضيقة وصغيرة السعة فهي مكان الإنسان الناطق].
أما التقسيم فيتم بالقرعة (ع 57): يلاحظ عند التقسيم أن كالب بن يفنة أخذ حبرون كامتياز له دون القرعة (يش 14: 6-15) لأنه مع يشوع شدَّد قلب الشعب منذ خمسة وأربعين عامًا قبل التقسيم، كذلك بعد المعركة كان المحاربون الممتازون يأخذون نصيبهم في الغنائم بدون قرعة كمكافأة لهم أم الآخرون فيأخذون بالقرعة.
يقول العلامة أوريجينوس: [يبدو لي أن سيدي يسوع المسيح سيفعل هكذا، فإن البعض الذين يعرف أنهم قد تألموا أكثر من الآخرين ويعلم أعمالهم العظيمة وفضائلهم السامية يهديهم شرفًا وأمجادًا استثنائية عظيمة، إن استطعت القول أنها تشبه أمجاده. أما يبدو لك أنه يهب تلاميذه الحواريّين بعض تطويباته بقوله: "أَيُّهَا الآبُ أُرِيدُ أَنَّ هؤُلاَءِ.. يَكُونُونَ مَعِي حَيْثُ أَكُونُ أَنَا" (يو 17: 24)، "تجلسون أنتم أيضًا على اثني عشر كرسيًا تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر" (مت 19: 28)، "ليكون الجميع واحدًا كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك" (يو 17: 21). هذه جميعها لا تُعطى بالقرعة لكنها تُمنح كامتياز مختار من الذي وحده فاحص القلوب وعارف ضمائر الناس. أما نحن فإن كنا لسنا ضمن المختارين الاستثنائيّين الذين هم فوق القرعة، فلتكن لنا كرامة التمتع بنصيب مع قرعة القدِّيسين].
4. تعداد اللاويّين:

57 وَهؤُلاَءِ الْمَعْدُودُونَ مِنَ اللاَّوِيِّينَ حَسَبَ عَشَائِرِهِمْ: لِجِرْشُونَ عَشِيرَةُ الْجِرْشُونِيِّينَ. لِقَهَاتَ عَشِيرَةُ الْقَهَاتِيِّينَ. لِمَرَارِي عَشِيرَةُ الْمَرَارِيِّينَ. 58 هذِهِ عَشَائِرُ لاَوِي: عَشِيرَةُ اللِّبْنِيِّينَ وَعَشِيرَةُ الْحَبْرُونِيِّينَ وَعَشِيرَةُ الْمَحْلِيِّينَ وَعَشِيرَةُ الْمُوشِيِّينَ وَعَشِيرَةُ الْقُورَحِيِّينَ. وَأَمَّا قَهَاتُ فَوَلَدَ عَمْرَامَ. 59 وَاسْمُ امْرَأَةِ عَمْرَامَ يُوكَابَدُ بِنْتُ لاَوِي الَّتِي وُلِدَتْ لِلاَوِي فِي مِصْرَ، فَوَلَدَتْ لِعَمْرَامَ هَارُونَ وَمُوسَى وَمَرْيَمَ أُخْتَهُمَا. 60 وَلِهَارُونَ وُلِدَ نَادَابُ وَأَبِيهُو وَأَلِعَازَارُ وَإِيثَامَارُ. 61 وَأَمَّا نَادَابُ وَأَبِيهُو فَمَاتَا عِنْدَمَا قَرَّبَا نَارًا غَرِيبَةً أَمَامَ الرَّبِّ. 62 وَكَانَ الْمَعْدُودُونَ مِنْهُمْ ثَلاَثَةً وَعِشْرِينَ أَلْفًا، كُلَّ ذَكَرٍ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ فَصَاعِدًا. لأَنَّهُمْ لَمْ يُعَدُّوا بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، إِذْ لَمْ يُعْطَ لَهُمْ نَصِيبٌ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

إن كان اللاويّون لا يدخلون في التعداد العام لأنهم لا يرثون معهم في الأرض بل يكون الرب نفسه نصيبهم وهم أنفسهم نصيبه. لكنه أمر بتعدادهم على انفراد علامة رعايته بهم.
إن كان لكالب بن يفنة امتيازًا خاصًا به بسبب موقفه المملوء إيمانًا وشجاعة ورجاءً في مواعيد الرب، أما اللاويّون الذين كرَّسوا حياتهم لخدمة الرب والسهر في الحراسة فامتيازهم هو عدم تمتعهم بميراث زمني ليكون الرب نفسه نصيبهم وميراثهم كما رأينا في دراستنا للأصحاح الثامن عشر.
يقول العلامة أوريجينوس: [في الوقت الذي عمل فيه اقتراع وجد أناس لهم موضع خاص لا يخضعون للاقتراع. إنهم كل اللاويّين، بمعنى أن الذين يبقون في خدمة الرب ويسهرون الليل في الحراسة لا يكون نصيبهم على الأرض بل الرب نفسه هو نصيبهم وميراثهم. إنهم يمثلون الذين لم يفشلوا لسبب عوائق الطبيعة الجسديّة أن يجتازوا مجد كل الأمور المنظورة ويضعوا في الرب كل حياتهم مع تداريبها، فلا يطلبون شيئًا جسديًا، أي شيئًا غريبًا عن العقل. هؤلاء يطلبون الحكمة ومعرفة أسرار الله، [وحيث يكون كنزهم هناك يكون قلبهم أيضًا] (مت 6: 21). إذ ليس لهم ميراث على الأرض بل يرتفعون إلى فوق حيث السماء. هناك يكونون مع الرب إلى الأبد في كلمته وحكمته وذات معرفته، يشبعون بحلاوته، ويكون هو غذاءهم ومأواهم وغناهم ومملكتهم. هذا هو مصيرهم وهذه هي الممتلكات التي يعرفونها أن الله هو ميراثهم الوحيد].



5. ملاحظة على التعداد:

63 هؤُلاَءِ هُمُ الَّذِينَ عَدَّهُمْ مُوسَى وَأَلِعَازَارُ الْكَاهِنُ حِينَ عَدَّا بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي عَرَبَاتِ مُوآبَ عَلَى أُرْدُنِّ أَرِيحَا. 64 وَفِي هؤُلاَءِ لَمْ يَكُنْ إِنْسَانٌ مِنَ الَّذِينَ عَدَّهُمْ مُوسَى وَهَارُونُ الْكَاهِنُ حِينَ عَدَّا بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي بَرِّيَّةِ سِينَاءَ، 65 لأَنَّ الرَّبَّ قَالَ لَهُمْ إِنَّهُمْ يَمُوتُونَ فِي الْبَرِّيَّةِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِنْسَانٌ إِلاَّ كَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ وَيَشُوعُ بْنُ نُونَ.

ختم التعداد بهذه الملاحظة: "وفي هؤلاء لم يكن إنسان من الذين عدهم موسى وهرون الكاهن حين عدّا بني إسرائيل في بريّة سيناء. لأن الرب قال لهم إنهم يموتون في البريّة فلم يبقَ منهم إنسان إلاَّ كالب بن يفنة ويشوع بن نون" [64-65]. بهذا يؤكد أنه لا مكان للشرّ في الميراث الأبدي!


 
قديم 17 - 06 - 2024, 12:34 PM   رقم المشاركة : ( 163809 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,215

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


1 فَلَمَّا رَأَى بَلْعَامُ أَنَّهُ يَحْسُنُ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ أَنْ يُبَارِكَ إِسْرَائِيلَ، لَمْ يَنْطَلِقْ كَالْمَرَّةِ الأُولَى وَالثَّانِيَةِ لِيُوافِيَ فَأْلًا، بَلْ جَعَلَ نَحْوَ الْبَرِّيَّةِ وَجْهَهُ. 2 وَرَفَعَ بَلْعَامُ عَيْنَيْهِ وَرَأَى إِسْرَائِيلَ حَالاُ حَسَبَ أَسْبَاطِهِ، فَكَانَ عَلَيْهِ رُوحُ اللهِ، 3 فَنَطَقَ بِمَثَلِهِ وَقَالَ: «وَحْيُ بَلْعَامَ بْنِ بَعُورَ. وَحْيُ الرَّجُلِ الْمَفْتُوحِ الْعَيْنَيْنِ. 4 وَحْيُ الَّذِي يَسْمَعُ أَقْوَالَ اللهِ. الَّذِي يَرَى رُؤْيَا الْقَدِيرِ، مَطْرُوحًا وَهُوَ مَكْشُوفُ الْعَيْنَيْنِ: 5 مَا أَحْسَنَ خِيَامَكَ يَا يَعْقُوبُ، مَسَاكِنَكَ يَا إِسْرَائِيلُ! 6 كَأَوْدِيَةٍ مُمْتَدَّةٍ. كَجَنَّاتٍ عَلَى نَهْرٍ، كَشَجَرَاتِ عُودٍ غَرَسَهَا الرَّبُّ. كَأَرْزَاتٍ عَلَى مِيَاهٍ. 7 يَجْرِي مَاءٌ مِنْ دِلاَئِهِ، وَيَكُونُ زَرْعُهُ عَلَى مِيَاهٍ غَزِيرَةٍ، وَيَتَسَامَى مَلِكُهُ عَلَى أَجَاجَ وَتَرْتَفِعُ مَمْلَكَتُهُ. 8 اَللهُ أَخْرَجَهُ مِنْ مِصْرَ. لَهُ مِثْلُ سُرْعَةِ الرِّئْمِ. يَأْكُلُ أُمَمًا، مُضَايِقِيهِ، وَيَقْضِمُ عِظَامَهُمْ وَيُحَطِّمُ سِهَامَهُ. 9 جَثَمَ كَأَسَدٍ. رَبَضَ كَلَبْوَةٍ. مَنْ يُقِيمُهُ؟ مُبَارِكُكَ مُبَارَكٌ، وَلاَعِنُكَ مَلْعُونٌ». 10 فَاشْتَعَلَ غَضَبُ بَالاَقَ عَلَى بَلْعَامَ، وَصَفَّقَ بِيَدَيْهِ وَقَالَ بَالاَقُ لِبَلْعَامَ: «لِتَشْتِمَ أَعْدَائِي دَعَوْتُكَ، وَهُوَذَا أَنْتَ قَدْ بَارَكْتَهُمُ الآنَ ثَلاَثَ دَفَعَاتٍ. 11 فَالآنَ اهْرُبْ إِلَى مَكَانِكَ. قُلْتُ أُكْرِمُكَ إِكْرَامًا، وَهُوَذَا الرَّبُّ قَدْ مَنَعَكَ عَنِ الْكَرَامَةِ». 12 فَقَالَ بَلْعَامُ لِبَالاَقَ: «أَلَمْ أُكَلِّمْ أَيْضًا رُسُلَكَ الَّذِينَ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ قَائِلًا: 13 وَلَوْ أَعْطَانِي بَالاَقُ مِلْءَ بَيْتِهِ فِضَّةً وَذَهَبًا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَتَجَاوَزَ قَوْلَ الرَّبِّ لأَعْمَلَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا مِنْ نَفْسِي. الَّذِي يَتَكَلَّمُهُ الرَّبُّ إِيَّاهُ أَتَكَلَّمُ. 14 وَالآنَ هُوَذَا أَنَا مُنْطَلِقٌ إِلَى شَعْبِي. هَلُمَّ أُنْبِئْكَ بِمَا يَفْعَلُهُ هذَا الشَّعْبُ بِشَعْبِكَ فِي آخِرِ الأَيَّامِ».

إذ جاء بالاق ببلعام إلى رأس الملذات ليعزله عن الرب فينطق بلعناته الخاصة عِوَض بركة الرب أدرك بلعام على العكس أنه لن يقدر أن يتصرف من ذاته فتنبأ للمرة الثالثة، بظروف اختلفت عن النبوتين السابقتين من جهة:
أ. لم يستخدم الفأل أي السحر كعادته (ع 1).
ب. لم ينسحب إلى مكان منعزل بل ذهب مباشرة متجهًا نحو الشعب ومعسكرهم (ع 2).
ج. حلّ عليه روح الرب فانفتحت عيناه لرؤية الموقف في أكثر وضوح (ع 2، 4).
أ. عدم استخدامه الفأل: توقف بلعام عن استخدام كل فنون سحره ليس حبًا في الله وإيمانًا به، وإنما غالبًا إدراكًا لعجز شياطينه تمامًا عن مساندته في تمكينه من النطق بلعناته.
يقول العلامة أوريجينوس: [نستطيع أن نتساءل بماذا عرف بلعام أنه قد حسن في عيني الرب أن يبارك إسرائيل؟ لقد لاحظ أنه عندما أحرق الذبائح لم يتقدم شيطان واحد ولا تجاسرت سلطة معادية أن يظهر بالقرب من ضحاياه، فقد ابتعد خدام الشرّ الذين اعتادوا على مساعدته في تقديم لعناته]. ولعل شهادة الكتاب "رأى بلعام أنه يحسن في عيني الرب أن يبارك إسرائيل" (ع 1)، أولًا تعلن شوق الله لمباركة إسرائيل الجديد أي الكنيسة، كما يرى البعض فيها نبوة عن عودة اليهود عن جحودهم وعدم إيمانهم فيقبلوا السيد المسيح في آخر الأزمنة، ويتمتعوا بالبركة الروحيّة عِوَض العنصريّة الصهيونيّة.
ب. انسحابه ليرى معسكر الجماعة المقدسة، إذ تنبأ قبلًا عن التجسد (النبوة الأولى) ثم عن أحداث الصلب والقيامة (النبوة الثانية) انفتحت عيناه لرؤية الكنيسة المتحدة بالمسيح المتمتعة ببركة الخلاص، لهذا انطلق مباشرة ليعاينها.
ج. حلول الروح عليه، لما كانت النبوة الثانية تخص يوم البنطيقستي، يوم ميلاد الكنيسة المتمتعة بالخلاص بالمسيح يسوع خلال عمل الروح القدس لهذا "كان عليه روح الرب". لكن للأسف كشف الروح له عن أسرار الله في معاملته للبشريّة، فانفتحت عيناه دون قلبه، وعِوَض التوبة ازداد عجرفة وكبرياء، قدَّم معرفة دون اتضاع، وامتلأ قلبه جفافًا بسبب محبته للفضة
أما موضوع النبوة فشمل أمرين: الشعب الذي يراه بعينيه الجسديتين كنواة مقدسة، والشعب الذي يراه بعيني النبوة بكونه كنيسة العهد الجديد التي تقوم بواسطة الروح القدس في يوم البنطيقستي كجسد المسيح يسوع.
فمن جهة الشعب الذي يراه أمامه بعينيه الجسديتين يرى فيه: شعبًا مملوءً جمالًا "ما أحسن خيامك يا يعقوب..."، مثمرًا على الدوام "كأودية ممتدة كجنات على نهر"، يحمل كرامة "يتسامى ملكه على أجاج وترتفع مملكته"، مملوئين قوة في الماضي "الله أخرجه من مصر" وفي الحاضر، "مثل سرعة الرئم" وفي المستقبل القريب "يأكل أممًا"، وأخيرًا عن أثره على من هم حوله واهتمام الله به - هذه نبوة تحققت فعلًا في بدء انطلاق هذا الشعب، لكنها نزعت عنهم بإنكارهم المسيَّا المخلص، فصارت هذه النبوة ميراثًا لإسرائيل الجديد، الكنيسة التي جاءت من الأمم. وفيما يلي شرح مبسط للنبوة.
"وحيّ بلعام بن بعور، وحيّ الرجل المفتوح العينين،
وحيّ الذي يسمع أقوال الله،
الذي يرى رؤيا القدير مطروحًا وهو مكشوف العينين" [3-5].
يُعلِّق العلامة أوريجينوس هكذا: [من المدهش أن يمتدح بلعام بمثل هذا المديح... كيف يكون بلعام مفتوح العينين هذا الذي سلَّم نفسه للعِرافة والسحر...؟ لقد استحق هذا المديح العظيم إذ قيل عنه "فكان عليه روح الله"، [وَوَضَعَ الرب كَلاَمًا فِي فَمِهِ] (عد 23: 16)، الأمر الذي لا نجده حتى في موسى أو في نبي آخر، أن يرتفع إلى مكانٍ عالٍ هكذا].
جاءت كلمات بلعام عن نفسه "الرجل المفتوح العينين" تشير إلى حالة المؤمن في كنيسة العهد الجديد حيث رفع البرقع، فانكشفت أعماق الشريعة وحلّ الحق عِوَض الظلّ، وتحققت النبوات. صار الإنسان "يسمع أقوال الله" ليس خلال حروف بل مسجلة بالحب على الصليب في ابنه الوحيد، و"يرى رؤيا القدير" لا خلال أحلام كدانيال أو إعلانات رمزيّة بل كما قال الرسول "ونحن جميعًا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة تتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح" (2 كو 3: 18).
لقد صار الإنسان بالخطيّة مفتوح العينين إذ تعرف على الشرّ ومارسه، وبالمسيح يسوع ربنا صار مفتوح العينين يتعرف على الأمور الإلهيّة السماويّة ويعيشها في حياتنا اليوميّة.
يقول العلامة أويجينوس: [قالت الحيّة لحواء بأن الله عالم أنه يوم تأكلان منه تنفتح أعينكما] (تك 3: 5)، فأكلت ويقول الكتاب: "وانفتحت أعينهما" (تك 3: 7). لكن يوجد نوعان من الأعين: "الأعين التي تنفتح بالخطيّة، وأعين نظر بها آدم وحواء قبل أن تنفتح هذه الأعين". وقد جاء السيد المسيح ليفتح البصيرة الداخليّة الروحيّة التي كانت عمياء، ويعمي هذه الأعين التي تتعرف على الشرّ وتشتهيه. لهذا يقول: "لدينونة أتيت أنا إلى هذا العالم حتى يبصر الذين لا يبصرون (أي تنفتح البصيرة الروحيّة) ويعمَى الذين يبصرون (أي تغلق أعين الشرّ التي فتحها الشيطان بناء على نصيحة الحيّة)" (يو 9: 39). ما أحوجنا أن يفتح الرب أعيننا على السمويات ويغلقها نحو الشرّ!!
خلال نصيحة الحيّة انفتحت عيني الإنسان على الشرّ فصار أعمى، وخلال السيد المسيح انغلقت عينيه عن الشر لتنفتحا على الإلهيات فصار بصيرًا أو مستنيرًا.
إذ انفتحت عيناه قال: "ما أحسن خيامك يا يعقوب، مساكنك يا إسرائيل" [5]. في الترجمة السبعينيّة "ما أحسن مساكنك يا يعقوب، خيامك يا إسرائيل". إن كان المسكن يشير إلى حالة الاستقرار فإن الخيمة تشير إلى حالة التحرك المستمر. فالكنيسة في حالة استقرار بكونها جسد المسيح السري، مستقرة في حضن الآب، وفي نفس الوقت هي دائمة الحركة والنمو، تنطلق بالروح القدس من مجد إلى مجد لكي يبلغ أعضاؤها إلى قياس ملء قامة المسيح. بالمسكن أراد إعلان دخولنا إلى الاتحاد مع الله في ابنه يسوع المسيح بواسطة روحه القدوس فتعرفنا على أسرار معرفة الثالوث القدوس كخبرة نعيشها ونمارسها، وبالخيام أراد تأكيد حالة النمو المستمر في المعرفة، ننطلق بقيامنا من خبرة إلى خبرة، وندخل من معرفة إلى معرفة... بهذا [نمتد إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ] (في 3: 13) كالبدو الرحل لا نتوقف عن طلب المزيد من المعرفة الروحيّة البناءة حتى نراه وجهًا لوجه.
"كأودية ممتدة، كجنات على نهر، كشجرات عود غرسها الرب، كأرزات على مياه. يجري ماء من دلائه، ويكون زرعه على مياه غزيرة ويتسامى ملكه على أجاج وترتفع مملكته" [6-7].
يا لها من صورة حيّة ليوم البنطيقستي، يوم ميلاد كنيسة المسيح المقدسة بالروح القدس! لقد وهبها الاستقرار كمساكن مقدسة وأعطاها حيويّة النمو الدائم كخيام دائمة الحركة. الآن يراها بلعام أودية بلا حدود وجنات مثمرة على الدوام!
جاءت الترجمة السبعينيّة: "كحدائق (غابات صغيرة) مظللة، كجنات على نهر، كخيام نصبها الله، كأرزات على مياه. يأتي رجل من زرعه ويحكم على أمم كثيرة، وتتسامى مملكة جوج، وتتزايد مملكته" (ع 6-7). هنا يبرز عمل الروح القدس في حياة الكنيسة، فيجعلها كالغابات المظللة التي تستضيف الحيوانات والطيور، وكجنات على نهر تفرِّح قلب الإنسان وتعيد إليه سلامه المعهود، وكخيام نصبها الله فصارت مقدسة تتحرك نحو صانعها لتستريح فيه، وكأرزات مرتفعة ومستقيمة، وكرجل يحكم بسلطان لا يقدر الشيطان بكل جنوده عليه!
يُعلِّق العلامة أوريجينوس على هذا النص، قائلًا: [يقدم بلعام صورة ساحرة وعجيبة: "كغابات صغيرة مظللة، كجنات على نهر، كخيام نصبها الله، كأرزات على مياه". الذين يتعبون في الطريق يسيرون خلال "الأشجار المظللة" التي هي جماعة الأبرار وطغمة الأنبياء القدِّيسين. هؤلاء تتذوق أرواحهم الرطوبة تحت ظلّ المعاني التي يجدونها في كتاباتهم وفي سيرهم في تعاليمهم، متلذذين من عمق الأشجار...! إنهم كجنات على نهر، يحملون صورة الفردوس حيث يوجد فيه شجرة الحياة على الأنهار أي الكتابات الإنجيليّة والرسوليّة... مخلصنا هو النهر الذي يُفرِّح مدينة الله (مز 46: 5). بالروح القدس أيضًا لا يصير لنا فقط النهر بل ينبوع مياه توهب لنا في بطوننا (يو 4: 13). أيضًا الآب يقول: "تركوني أنا ينبوع المياه الحيّة" الذي هو مصدر هذه الأنهار (المياه). لهذا ينصب الإسرائيليّون خيامهم ليستقوا من هذه الأنهار، هذه الخيام التي نصبها الله نفسه.
ما أجمل الكنيسة وما أعظمها فقد نصب الله نفسه خيامها على الأنهار المقدسة لتستقي من ينابيع معرفة الثالوث القدوس، تفرح بالآب "ينبوع المياه الحيّة" والابن "نهر الحياة" والروح القدس الذي يفجر ينابيع مياه حيّة داخل النفس!
ماذا يعني نصب الخيمة على المياه المقدسة إلاَّ غرس المؤمنين في مياه المعموديّة المقدسة، حيث يخلع الإنسان كل وصمة للخطيّة ويحمل الإنسان الجديد على صورة خالقه. في الجرن يغرس عضوًا في جسد المسيح، يصير هيكلًا للروح القدس، ويتمتع بحق الاستقرار في حضن الآب بكونه ابنًا له.


بهذا تتحول الكنيسة إلى غابات مظللة، يلجأ إليها كل إنسان ليستريح تحت ظلالها من ضربات شمس التجارب الحارقة للنفس. وتصير كجنات على نهر، تناجي عريسها قائلة: "ليأتِ حبيبي إلى جنته ويأكل ثمره النفيس" (نش 4: 16). ويجيبها العريس متهللًا: "قد دخلتُ جنتي يا أختي العروس، قطفتُ مري مع طيبي، أكلتُ شهدي مع عسلي، شربتُ خمري مع لبني. كلوا أيها الأصحاب، اشربوا واسكروا أيها الأحباء" (نش 5: 1).
تصير كأرزات على مياه، وكما يقول العلامة أوريجينوس: [هذه الخيم هي أيضًا كأرزات على مياه. الأرز هنا لا يحمل الكبرياء الشرير، إنما هو "أرز الله" الذي يسند فروع الكرمة التي نقلت من مصر (مز 80: 8)، لكي ينضج الثمر ويغطي ظلها الجبال(228)].
إذ رأى عمل الروح القدس في حياة الكنيسة تحدَّث عن دوره في حياتها الكرازيّة، فقال: [يأتي رجل من زَرْعُهُ ويحكم على أمم كثيرة] فإن السيد المسيح يأتي متجسدًا من بيت إسرائيل، هذا الذي يملك روحيًا على أمم كثيرة خلال عمل روح الله القدوس في كنيسته.
يقول العلامة أوريجينوس: [إنه المسيح الذي خرج من ذريّة إسرائيل حسب الجسد. كيف يملك على الأمم؟ هذا لا يحتاج إلى شرح، خاصة إن قرأنا ما يقوله الآب: "اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا لك، وأقاصي الأرض ملكًا لك" (مز 2: 8). لكن ماذا يعني: "يتسامى ملكه على جوج؟ إن "جوج" تعني فوق السطوح، فلا نأخذ هذا النص بكونه اسم شعب معين... إنما يعني "يتسامى مملكته فوق السطوح وتنمو مملكته". التسامي فوق السطوح يخص الكاملين والنمو يخص جميع المؤمنين. عند الكاملين تسمو مملكة المسيح فوق السطوح، أي فوق الذين يشغلون الأجزاء الفضلى ويسكنون المرتفعات العالية... لهذا السبب أظن أن المخلص يقول: "والذي على السطح فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئًا" (مت 24: 17)، محذرًا الذين بلغوا درجات الكمال العُليا ألاَّ ينزلوا عنها إلى الأماكن السفلى والدنيئة في هذا العالم... إما نمو مملكته فيعني تزايد الكنائس وتكاثر المؤمنين، فترتفع مملكته إلى أن [يَضَعَ الآب جَمِيعَ الأَعْدَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، آخِرُ عَدُوٍّ يُبْطَلُ هُوَ الْمَوْتُ] (1 كو 15: 25-26).
إذن تنمو الكنيسة في اتجاهين، نمو كل مؤمن نحو الكمال ليرتفع فوق السطوح ويبلغ السمويات، ونمو ليضم الكثيرين إلى معرفة الله، أي الكرازة في العالم.


أما علامات هذه الكرازة فهي: "الله أخرجه من مصر"، كأن غايتها انطلاق النفس وعبورها من أرض العبوديّة متجهة نحو أرض الموعد كما انطلق الشعب القديم. ويرى البعض في هذه العبارة إشارة إلى هروب السيد المسيح إلى أرض مصر، لكي يُدعى من مصر فيعبر بالأمم إلى طريق الإيمان.
يقول العلامة أوريجينوس: [أخرجه الآب من مصر، وجعله يأتي إليه، لكي يفتح الطريق للذين هم من مصر هذا العالم فيصعدون نحو الله].
يكمل قائلًا: "له سرعة الرئم"، وقد رأينا في تفسيرنا الأصحاح السابق [عد 23: 22] أنها تشير إلى الكرازة بالسيد المسيح بقوة ليملك روحيًا إلى أقاصي الأرض (تث 33: 17).
"يأكل أممًا مضايقيه ويقضم ويحطم سهامه" [8]. خلال هذه الكرازة يحطم الروح القدس أفكار الشر في الإنسان التي كانت كالأمم المقدومة للنفس، يقضم عظامهم أي الشهوات الجسديّة، ويحطم سهام التجارب الشريرة. بهذا ينقل الروح القدس الإنسان نفسًا وجسدًا إلى الحياة المقدسة، واهبًا إياه روح الغلبة والنصرة.
أما موضوع الكرازة فهو: "جثم كأسد ربض كلبوة، من يقيمه؟ مباركك مبارك ولاعنك ملعون" [9]. يحدث العريس والعروس معًا، لأنهما متحدان، فقد جثا العريس كأسد على الصليب وربضت معه عروسه، من يقيمهما؟ يقوم السيد بسلطانه، إذ قال "لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها"، واهبًا عروسه قوة القيامة. بهذا حملت الكنيسة إمكانيات عريسها، فصار من يباركها يتبارك بعريسها، ومن يلعنها يحمل غضب عريسها.
اشتعل غضب بالاق على بلعام وصفق بيديه علامة الحيرة الشديدة والعجز عن التصرف، لم يبقَ له إلاَّ التهديد... "اهرب إلى مكانك... . هوذا الرب منعك من الكرامة!". وشعر بلعام أنه لا علاج للموقف لهذا قرر أن يرجع إلى شعبه، لكنه قبل أن ينطلق نطق بنبوتين أخرتين (الرابعة والخامسة) دون أن يطلب منه بالاق أن يتكلم.
 
قديم 17 - 06 - 2024, 12:36 PM   رقم المشاركة : ( 163810 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,215

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

العلامة أوريجينوس




توقف بلعام عن استخدام كل فنون سحره ليس حبًا في الله وإيمانًا به، وإنما غالبًا إدراكًا لعجز شياطينه تمامًا عن مساندته في تمكينه من النطق بلعناته.
يقول : [نستطيع أن نتساءل بماذا عرف بلعام أنه قد حسن في عيني الرب أن يبارك إسرائيل؟ لقد لاحظ أنه عندما أحرق الذبائح لم يتقدم شيطان واحد ولا تجاسرت سلطة معادية أن يظهر بالقرب من ضحاياه، فقد ابتعد خدام الشرّ الذين اعتادوا على مساعدته في تقديم لعناته]. ولعل شهادة الكتاب "رأى بلعام أنه يحسن في عيني الرب أن يبارك إسرائيل" (ع 1)، أولًا تعلن شوق الله لمباركة إسرائيل الجديد أي الكنيسة، كما يرى البعض فيها نبوة عن عودة اليهود عن جحودهم وعدم إيمانهم فيقبلوا السيد المسيح في آخر الأزمنة، ويتمتعوا بالبركة الروحيّة عِوَض العنصريّة الصهيونيّة.
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 02:01 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024