منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 27 - 05 - 2024, 11:32 AM   رقم المشاركة : ( 161651 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,259,187

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




مجامر قورح وجماعته:

36 ثُمَّ كَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 37 «قُلْ لأَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْكَاهِنِ أَنْ يَرْفَعَ الْمَجَامِرَ مِنَ الْحَرِيقِ، وَاذْرِ النَّارَ هُنَاكَ فَإِنَّهُنَّ قَدْ تَقَدَّسْنَ. 38 مَجَامِرَ هؤُلاَءِ الْمُخْطِئِينَ ضِدَّ نُفُوسِهِمْ، فَلْيَعْمَلُوهَا صَفَائِحَ مَطْرُوقَةً غِشَاءً لِلْمَذْبَحِ، لأَنَّهُمْ قَدْ قَدَّمُوهَا أَمَامَ الرَّبِّ فَتَقَدَّسَتْ. فَتَكُونُ عَلاَمَةً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ». 39 فَأَخَذَ أَلِعَازَارُ الْكَاهِنُ مَجَامِرَ النُّحَاسِ الَّتِي قَدَّمَهَا الْمُحْتَرِقُونَ، وَطَرَقُوهَا غِشَاءً لِلْمَذْبَحِ، 40 تَذْكَارًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، لِكَيْ لاَ يَقْتَرِبَ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ لَيْسَ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ لِيُبَخِّرَ بَخُورًا أَمَامَ الرَّبِّ، فَيَكُونَ مِثْلَ قُورَحَ وَجَمَاعَتِهِ، كَمَا كَلَّمَهُ الرَّبُّ عَنْ يَدِ مُوسَى.

إن كان الله قد أدَّب الكهنة المزيفين، أو مغتصبي الكهنوت، لكنه يرى في المجامر التي استُخدِمت لتقديم بخور باسمه القدوس قد تقدَّست. لهذا طلب من موسى النبي أن تُطرق هذه المجامر النحاسيّة ويُغشى بها المذبح النحاسي.


لماذا أمر الرب بذلك؟ يُجيب العلامة أوريجينوس بأن المجامر تشير إلى الكتاب المقدَّس الذي يسيء الهراطقة والمنشقون استخدامه، فيقدمون بخورًا مرذولًا. كأن العيب ليس في المجامر أو البخور وإنما فيمن يستخدمه. أما كونها من النحاس وليس من الذهب أو الفضة (مز 12: 6)، ذلك لأنها تقدم صدى الكلمات بغير قوة الروح، كقول الرسول بولس: "صرت نحاسًا يطن أو صنجًا يرن" (1 كو 13: 1). إذ تُطرق المجامر ويُغشى بها المذبح يظهر بالأكثر لمعان المذبح وبهاؤه، ويعلن العمل الشرير، ينكشف الحق من الباطل، الإيمان السليم من الهرطقات. [من كان يدرك أن النور حسن ما لم يختبر ظلمة الليل؟ ومن الذي يُقدِّر حلاوة العسل ما لم يذق شيئًا مُرًا...؟ هكذا لا يمكن مجد الكهنة المخلصين أن يتلألأ إلاَّ بظهور عقاب الأردياء. كما قرأنا كل بار يبدو في أكبر عظمة أمام الله بمقارنته بغيره، فقد كُتب عن نوح أنه كان بارًا كاملًا في أجياله (تك 6: 9). بهذا يظهر أنه لا يوجد إنسان كامل بطريقة مطلقة، إنما يحسب بارًا "في أجياله". يعلن أنه بار بمقارنته مع الآخرين. في رأيي بالنسبة للوط، كلما عظم فساد سدوم من يوم إلى يوم كان برّ لوط يتعظم. وفي السفر الذي بين أيدينا في دعوة الجواسيس للأرض الموعود بها عندما دفع العشرة الشعب إلى اليأس... بينما أعلن الاثنان الآخران -كالب ويشوع- الأخبار الحسنة وشجعا الشعب (عد 14: 6) على الاستمرار بعزيمة قويّة نالا مكافأة لا تفنى من قِبَل الرب... ما كان لقوة روحيهما أن تلألأ بهذه العظمة لو لم يظهر جبن العشرة الآخرين المملوءة خزيًا. أقول هذا كله من أجل مجامر المذنبين، فإنه يجب أن توضع على المذبح لكي يظهر مجد الأبرار أكثر ارتفاعًا بالمقارنة بانحطاط هؤلاء. بهذا تصير المجامر مثالًا للأجيال القادمة فلا يتكبر أحد ويعتد بذاته ويأخذ الاستحقاق الحبري دون أن يتسلمه من قِبَل الله... فلا يُغتصب المركز بالرشوة بل يصعد حسب ضمير استحقاقاته حسب إرادة الله].
 
قديم 27 - 05 - 2024, 11:34 AM   رقم المشاركة : ( 161652 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,259,187

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




تذمر الشعب:

41 فَتَذَمَّرَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْغَدِ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ قَائِلِينَ: «أَنْتُمَا قَدْ قَتَلْتُمَا شَعْبَ الرَّبِّ». 42 وَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْجَمَاعَةُ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ انْصَرَفَا إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَإِذَا هِيَ قَدْ غَطَّتْهَا السَّحَابَةُ وَتَرَاءَى مَجْدُ الرَّبِّ. 43 فَجَاءَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى قُدَّامِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 44 فَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 45 «اِطْلَعَا مِنْ وَسَطِ هذِهِ الْجَمَاعَةِ، فَإِنِّي أُفْنِيهِمْ بِلَحْظَةٍ». فَخَرَّا عَلَى وَجْهَيْهِمَا. 46 ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «خُذِ الْمِجْمَرَةَ وَاجْعَلْ فِيهَا نَارًا مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ، وَضَعْ بَخُورًا، وَاذْهَبْ بِهَا مُسْرِعًا إِلَى الْجَمَاعَةِ وَكَفِّرْ عَنْهُمْ، لأَنَّ السَّخَطَ قَدْ خَرَجَ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ. قَدِ ابْتَدَأَ الْوَبَأُ». 47 فَأَخَذَ هَارُونُ كَمَا قَالَ مُوسَى، وَرَكَضَ إِلَى وَسَطِ الْجَمَاعَةِ، وَإِذَا الْوَبَأُ قَدِ ابْتَدَأَ فِي الشَّعْبِ. فَوَضَعَ الْبَخُورَ وَكَفَّرَ عَنِ الشَّعْبِ. 48 وَوَقَفَ بَيْنَ الْمَوْتَى وَالأَحْيَاءِ فَامْتَنَعَ الْوَبَأُ. 49 فَكَانَ الَّذِينَ مَاتُوا بِالْوَبَإِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا وَسَبْعَ مِئَةٍ، عَدَا الَّذِينَ مَاتُوا بِسَبَبِ قُورَحَ. 50 ثُمَّ رَجَعَ هَارُونُ إِلَى مُوسَى إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَالْوَبَأُ قَدِ امْتَنَعَ.



مرة أخرى يتذمر الشعب على موسى وهرون بسبب تأديب الرب لهؤلاء الرجال المغتصبين للعمل الكهنوتي. هاج الكل على موسى وهرون واتهموهما بالقتل (ع 41)، الأمر الذي يكشف أولًا عن مدى تأثير قورح وجماعته على الجماعة كلها حتى أنها لم ترتدع بالرغم مما رأوه من تأديب إلهي يصدر من السماء (نارًا) ومن الأرض (تفتح فاها)، كما تكشف عن طبيعة هذا الشعب أو طبيعة الإنسان -خارج النعمة- أنه دائم التذمر.
إذ رأى الشعب كله في هذا الحال المُرّ طلب من موسى وهرون أن يخرجان عن الجماعة لكي يفنيها في لحظة (ع 45)، لكن الاثنان خرا على وجهيهما أمام الله، فتراءى مجد الرب وشفع موسى عن شعبه، وطلب من هرون أن يبخر بسرعة وسط الجماعة ليتوقف الوبأ!
لست أريد أن أكرر أن هذا السفر وهو يكشف طبيعة الإنسان المتذمر يكشف قلب موسى الملتهب حبًا، الدائم الشفاعة عن شعبه.
يلاحظ في هذه الأحداث الآتي:
أولًا: إذ اقترب الأذى من موسى وهرون بواسطة الشعب غطت السحابة الخيمة وتراءى مجد الرب.
يقول العلامة أوريجينوس: [ما كان يظهر لهما مجد الرب لو لم يصيرا هدفًا للاضطهاد والشدائد ويحدق بهما الخطر حتى قاربا من الموت. إذن لا تأمل أن ترى مجد الرب وأنت نائم في راحة! أليس وسط هذه الصعوبات استحق الرسول أيضًا أن يرى مجد الله؟ ألا تذكر أنه دخل أكثر من مرة في ضيقات وأتعاب وسجون (2 كو 11: 23-27) وضُرب بالعصي ثلاث مرات ورُجم مرة وعانى من الغرق واحتمل أخطارًا في البحر، أخطارًا في الأنهار، أخطار لصوص، أخطارًا من إخوة كذبة. كلما كثرت الآلام ظهر مجد الله للذين يعانون منها بشجاعة].
ثانيًا: شفاعة موسى وهرون عن الشعب واستجابة الرب لهما، إنما تشير إلى عمل الكلمة الإلهيّة أو الوصيّة (موسى مستلم الشريعة) وعمل العبادة (هرون الكاهن) في حياتنا، ففي المسيح يسوع كلمة الله والكاهن الأعظم نتمتع بالخلاص ويُنزع الغضب الإلهي عنا إن تمسكنا بوصاياه ومارسنا العبادة كما يليق.
ثالثًا: أحب موسى مقاوميه ومضطهديه، وطلب من هرون الكاهن أن يسرع ويقدم بخورًا وسط الجماعة لخلاصهم، وكأن موسى وهو يمثل عصر الناموس حمل فيه قوة الإنجيل (حب المقاومين مت 5: 44).


رابعًا: وقف هرون بين الموتى والأحياء يقدم بخورًا لكي يوقف عمل الموت في حياة الأحياء. إنها لحظات سعيدة عاشها هرون حين وقف رمزًا للمسيح غالب الموت.
وكما يقول القديس أمبروسيوس: [ماذا عن هرون؟ أي وقت كان فيه أكثر غبطة من ذلك الذي فيه وقف بين الأحياء والأموات، وبحضرته أوقف الموت عن العبور من أجساد الموتى إلى حياة الأحياء].
خامسًا: ظهر البخور هنا كرمز للصلاة، لهذا يتنبأ ملاخي النبي عن تقديمه في كنيسة العهد الجديد قائلًا: "وفي كل مكان يقرب لاسمي بخور وتقدمة طاهرة" (مل 1: 11)، كما رأى القدِّيس يوحنا في العبادة السماويّة ملاكًا يقدم بخورًا في مجمرة من الذهب(123) (رؤ 8: 3-4).
 
قديم 27 - 05 - 2024, 11:44 AM   رقم المشاركة : ( 161653 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,259,187

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




في الضيقة مع كل شعبه ويسرع لنجدتهم



 
قديم 27 - 05 - 2024, 11:47 AM   رقم المشاركة : ( 161654 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,259,187

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




اتكل على الله في كل حين واثقًا من قوته
 
قديم 27 - 05 - 2024, 11:49 AM   رقم المشاركة : ( 161655 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,259,187

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

إذ اقترب الأذى من موسى وهرون بواسطة الشعب غطت السحابة الخيمة وتراءى مجد الرب.
يقول العلامة أوريجينوس: [ما كان يظهر لهما مجد الرب لو لم يصيرا هدفًا للاضطهاد والشدائد ويحدق بهما الخطر حتى قاربا من الموت. إذن لا تأمل أن ترى مجد الرب وأنت نائم في راحة! أليس وسط هذه الصعوبات استحق الرسول أيضًا أن يرى مجد الله؟ ألا تذكر أنه دخل أكثر من مرة في ضيقات وأتعاب وسجون (2 كو 11: 23-27) وضُرب بالعصي ثلاث مرات ورُجم مرة وعانى من الغرق واحتمل أخطارًا في البحر، أخطارًا في الأنهار، أخطار لصوص، أخطارًا من إخوة كذبة. كلما كثرت الآلام ظهر مجد الله للذين يعانون منها بشجاعة].
 
قديم 27 - 05 - 2024, 11:50 AM   رقم المشاركة : ( 161656 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,259,187

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وقف هرون بين الموتى والأحياء يقدم بخورًا
لكي يوقف عمل الموت في حياة الأحياء.
إنها لحظات سعيدة عاشها هرون حين وقف رمزًا للمسيح غالب الموت.
وكما يقول القديس أمبروسيوس

[ماذا عن هرون؟ أي وقت كان فيه أكثر غبطة من ذلك الذي فيه
وقف بين الأحياء والأموات، وبحضرته أوقف الموت
عن العبور من أجساد الموتى إلى حياة الأحياء].
 
قديم 27 - 05 - 2024, 12:08 PM   رقم المشاركة : ( 161657 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,259,187

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

Rose رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




المزمور الرَّابِعُ وَالأَرْبَعُونَ
الله المؤدب والمخلص


لإمام المغنين لبنى قورح - قصيدة

"اللهم بآذاننا قد سمعنا ..." (ع1)


مقدمة:

1. كاتبه وزمن كتابته:

أ - داود النبي، حين هاجم الأدوميون سبط يهوذا، وكان داود منشغلًا أثناء ذلك بحروب أخرى، وأهلكوا كثيرين من اليهود.

ب - واحد من بني قورح كتبه أيام حزقيا الملك، عندما حاربه الملك سنحاريب الأشوري، واستولى على بلاد كثيرة في اليهودية، وقتل كثيرين منهم.

ج - شخص مجهول كتبه أيام المكابيين، عندما حاربوا اليونانيين وانتصروا عليهم، بعد أن أهلك اليونانيون الكثير من اليهود.

2. موضوعه: شعب الله المؤمن والرافض للوثنية تعرض لهجوم من أعدائه، ولكنه استغاث بالله، فأنقذه،وخلصه، ونصره في النهاية على أعدائه. فهو صلاة جماعية توسلية لله، حتى يرحم شعبه، ولا يتركهم في أيدي أعدائهم.

3. يناسب هذا المزمور كل إنسان يعانى من ضيقات، واضطهادات، لكنه متمسك بإيمانه، فيطلب الله بإلحاح؛ حتى ينقذه ويرفع عنه آلامه.

4. يشبه هذا المزمور المزمور الستون.

5. هذا المزمور نبوة عن الرسل في العصر الرسولي، والشهداء في عصور الشهداء، الذين واجهوا اضطهادات كثيرة، ولكن الله ساندهم بمعجزات ومجدهم.

6. هذا المزمور غير موجود بالأجبية.

(1) قوة الله المخلصة (ع1-8):



ع1: اَللَّهُمَّ، بِآذَانِنَا قَدْ سَمِعْنَا. آبَاؤُنَا أَخْبَرُونَا
بِعَمَل عَمِلْتَهُ فِي أَيَّامِهِمْ، فِي أَيَّامِ الْقِدَمِ.

يعلن كاتب المزمور عن نفسه، وجماعة المؤمنين الذين معه، أنهم سمعوا كلامًا مؤكدًا، إذ قال سمعنا بآذاننا كلامًا عن الله في العصور السابقة لهم، عن طريق الآباء والأنبياء، الذين كان لهم صلة قوية بالله. وتناقلت الأخبار من الآباء إلى الأبناء.

عندما يقول سمعنا بآذاننا يرمز هذا إلى التجسد، إذ يحدثنا عن الله الملموس في العهد القديم عن طريق الآباء وأنبياء، والذي ظهر واضحًا في ملء الزمان بتجسده.



ع2: أَنْتَ بِيَدِكَ اسْتَأْصَلْتَ الأُمَمَ وَغَرَسْتَهُمْ. حَطَّمْتَ شُعُوبًا وَمَدَدْتَهُمْ.

مددتهم:
أعطيتهم امتدادًا واتساعًا وتسلطًا على أراضي كثيرة.

يظهر عمل الله في تحطيم واستئصال الأمم الوثنية التي سكنت في أرض كنعان، وهي شعوب قوية؛ لأنهم عبدوا الأوثان، وانغمسوا في الشهوات الشريرة. وعلى الجانب الآخر غرس وثبت أولاده، وملكهم هذه الأرض الخصبة التي تفيض لبنًا وعسلًا، ومد أيديهم لتتسلط على أراضي ليست لهم. فالله يزيل الشر ويثبت الخير، أي أولاده المؤمنين به، والذين يحيون بوصاياه.

يظهر تجسد المسيح في هذه الآية أيضًا بقوله "بيدك". وبهذا أزال طبيعتنا المائتة الشريرة، والتي يرمز إليها بالأمم التي استأصلها وحطمها. وأعطانا الطبيعة الجديدة المائلة للخير، والتي يرمز إليها بأولاده الذين غرسهم، ومددهم في أرض كنعان.



ع3: لأَنَّهُ لَيْسَ بِسَيْفِهِمِ امْتَلَكُوا الأَرْضَ، وَلاَ ذِرَاعُهُمْ خَلَّصَتْهُمْ،
لكِنْ يَمِينُكَ وَذِرَاعُكَ وَنُورُ وَجْهِكَ، لأَنَّكَ رَضِيتَ عَنْهُمْ.

يؤكد هنا أن قوة النصرة التي مع شعب الله، التي جعلتهم يتغلبون على أعدائهم، ويطردونهم، ويمتلكون أرضهم، لم تكن راجعة إلى أسلحتهم، أو قوتهم البشرية، بل كان مصدرها هو الله، الذي ضرب مصر بالضربات العشر، وشق البحر الأحمر، وأغرق فرعون وجيشه، وأوقف الشمس ليشوع، وأسقط أسوار أريحا ... لأن الله رضى على شعبه، وأحبه، إذ آمن به، وحفظ وصاياه. هذا هو الخلاص الجماعى الذي وهبه الله لشعبه.

هذه الآية نبوة عن المسيح المتجسد، والتي يرمز إليها بيمينه وذراعه، ونور وجهه، فهو مصدر قوة المؤمنين به، ويهزم أعداءهم الشياطين، بل يملكهم أماكن الشياطين الذين سقطوا، فيملكون معه في السماء.

تنطبق هذه الآية أيضًا على الرسل، وكرازتهم، فلم يستأصلوا الوثنية ويحطموها بسيف، أو قوة بشرية، بل بكلمة الله، وقوته.



ع4: أَنْتَ هُوَ مَلِكِي يَا اَللهُ، فَأْمُرْ بِخَلاَصِ يَعْقُوبَ.

يشعر كاتب المزمور بقوة الله المساندة له، فيخضع له، ويملك الله على قلبه؛ حتى يناديه بدالة يا ملكى. وبهذه الدالة يطلب منه خلاصًا لكل شعبه. هذا الخلاص يتم بأمر الله، أي بمجرد كلمة منه، فيتخلص من أعدائه ويهزمهم.



ع5: بِكَ نَنْطَحُ مُضَايِقِينَا. بِاسْمِكَ نَدُوسُ الْقَائِمِينَ عَلَيْنَا.

إذ شعر كاتب المزمور بقوة الله، وخلاصه، تشجع ليقتحم الأعداء، والمقاومين، فينطحهم مثل الحيوان ذو القرون فيهلكهم، والقرون ترمز للقوة، وبعد أن يطرحهم على الأرض يدوسهم، ويسحقهم. وهذا ما يؤمن به أولاد الله في العهد الجديد، أن لهم سلطان أن يدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو. وهكذا يشعر المؤمن بقوة الله التي فيه، فلا يخشى الخطية، أو الشيطان، أو الأشرار، بل يهاجمهم بقوة الله، وينتصر عليهم.



ع6، 7: لأَنِّي عَلَى قَوْسِي لاَ أَتَّكِلُ، وَسَيْفِي لاَ يُخَلِّصُنِي. لأَنَّكَ أَنْتَ خَلَّصْتَنَا مِنْ مُضَايِقِينَا، وَأَخْزَيْتَ مُبْغِضِينَا.

يعلن كاتب المزمور أنه سيقوم بواجبه في الحرب، ويتسلح بالقوس والسيف، وهي الأسلحة المعروفة في الحرب وقتذاك. ولكن اعتماده على قوة الله التي تنصره، وليس على الأسلحة. وكما خلص الله الآباء قديمًا من أعدائهم (ع3) سيخلص شعبه، فالكاتب يعتمد على الله، ويثق أنه سيخلص كل شعبه، وينصرهم.



ع8: بِاللهِ نَفْتَخِرُ الْيَوْمَ كُلَّهُ، وَاسْمَكَ نَحْمَدُ إِلَى الدَّهْرِ. سِلاَهْ.

آمن الكاتب بقوة الله التي عملت، وستستمر في العمل معه ومع شعبه. من أجل هذا رفع صوته بالشكر، والحمد، والافتخار بعمل الله طوال اليوم كله، أي طوال عمره، بل وإلى الأبد، فهذا يؤكد إيمانه بالحياة الأبدية التي أعدها الله له. وافتخار الكاتب بعمل الله، سواء مرت به فترات راحة، أو ضيقة؛ لأنه يثق أنه بعد الضيقة سينال نصرة الله فيه، فاليوم يشمل النهار والليل، أي الراحة والضيقة.

هذه الآية هي لسان حال المؤمنين كلهم في العهد الجديد، الذين يشكرون الله من خلال سر الشكر، أي التناول من الأسرار المقدسة، ويتمتعون بعمله الدائم فيهم، ونصرتهم على الشياطين؛ حتى يوصلهم إلى الملكوت.

في نهاية هذه الآية توجد كلمة "سلاه"، وهي وقفة موسيقية للتأمل في قوة الله المساندة لأولاده، وحتى نرفع قلوبنا بالشكر والتسبيح له.

† اتكل على الله في كل حين واثقًا من قوته، ومساندته التي تنصرك في كل حروبك الروحية، واشكره دائمًا على أعماله السابقة، فيمتد عمله في حياتك إلى الأبد.


(2) التأديب الإلهي (ع9-16):



ع9: لكِنَّكَ قَدْ رَفَضْتَنَا وَأَخْجَلْتَنَا، وَلاَ تَخْرُجُ مَعَ جُنُودِنَا.

بعد أن ساند الله شعبه، ونصرهم على أعدائهم، عاد وتخلى عنهم، ورفضهم لماذا؟

حتى يكتشفوا خطاياهم، ويتوبوا عنها، فيعود الله وينصرهم.

حتى يتأكدوا أن قوتهم من الله، وليس من أسلحتهم، أو قوتهم الشخصية.

حتى يختبر إيمانهم وثباتهم في الله رغم الهزيمة والخجل.

وقد تم هذا بعد انتصار يشوع على سكان كنعان، عادوا فهزموا أمامهم أيام القضاة (قض2: 21-23). وكما انتصر اليهود أيام داود وسليمان، عادوا فهزموا وتم سبيهم لأشور، ثم بابل.وكما انتصروا أيام المكابيين، لكنهم عادوا فهزموا أمام اليونانيين، وبعد توبتهم استعادوا نصرتهم.



ع10، 11: تُرْجعُنَا إِلَى الْوَرَاءِ عَنِ الْعَدُوِّ، وَمُبْغِضُونَا نَهَبُوا
لأَنْفُسِهِمْ. جَعَلْتَنَا كَالضَّأْنِ أُكْلًا. ذَرَّيْتَنَا بَيْنَ الأُمَمِ.

ذريتنا:
شتتنا.

عندما تخلى الله عن شعبه انتصر عليهم الأعداء، فرجع الشعب إلى الوراء منهزمًا، بل واستولى العدو على الغنائم التي مع شعب الله، وأخذ منه عبيدًا له، وذبح من شعب الله الكثيرين، كما تذبح الخراف، والباقون من شعب الله شتتهم العدو في كل مكان في الأرض. هذا ما حدث أيام السبي الأشوري، ثم البابلي، وكما حدث مع المسيحيين في الاضطهاد اليهودي أيام الرسل، وقتلوا منهم الكثيرين، وتشتت الباقون في بلاد العالم المختلفة. وقد يكون هذا التخلى الإلهي بسبب كبرياء شعب الله، فيسمح لهم الله بالضعف أمام أعدائهم؛ ليتضعوا، ويتوبوا ويصلوا، فيعود وينقذهم، ويمجدهم.



ع12: بِعْتَ شَعْبَكَ بِغَيْرِ مَال، وَمَا رَبِحْتَ بِثَمَنِهِمْ.

يعاتب الكاتب الله الذي تخلى عن شعبه، فباعه لأعدائه، دون أن يستفيد شيئًا من بيعه له؛ لأن السبب كان هو خطية شعبه ليتوبوا. فهو إن كان عتاب لله، لكنه في نفس الوقت عتاب الكاتب لشعبه؛ ليعرفهم أن سبب تأديبهم هو خطيتهم؛ ليتوبوا، وإن لم يكن بسبب الخطية، ينالون تزكية وقوة ونعمة من الله.



ع13، 14: تَجْعَلُنَا عَارًا عِنْدَ جِيرَانِنَا، هُزْأَةً وَسُخْرَةً لِلَّذِينَ حَوْلَنَا.
تَجْعَلُنَا مَثَلًا بَيْنَ الشُّعُوبِ. لإِنْغَاضِ الرَّأْسِ بَيْنَ الأُمَمِ.

انغاض:
هز الرأس للسخرية والاحتقار من الآخر.

لم يتخلَّ الله فقط عن شعبه وتركه ينهزم أمام أعدائه، ولكنه أيضًا أذله بين جيرانه، الذين رأوا مجده السابق، والآن يرونه وهو يهرب ومدنه مخربة. وقد سمح الله بهذا الإذلال؛ ليتضع الشعب ويرجع إلى الله. هذا العتاب لله يبين إيمان الكاتب، وتمسكه بالصلاة، واستعداده بالتالي للتوبة، أو هو بمعنى آخر يدعو شعبه للتوبة، بعد أن استهزأ به جيرانه من الأمم، واحتقروه. وهؤلاء الجيران هم شعوب فلسطين، وأدوم، وموآب، وبنو عمون، بل كان الأدوميون يقبضون على الهاربين من اليهود ويسلمونهم للبابليين (عو1: 10-14).



ع15، 16: الْيَوْمَ كُلَّهُ خَجَلِي أَمَامِي، وَخِزْيُ وَجْهِي قَدْ غَطَّانِي.
مِنْ صَوْتِ الْمُعَيِّرِ وَالشَّاتِمِ. مِنْ وَجْهِ عَدُوٍّ وَمُنْتَقِمٍ.

تأثر شعب الله من احتقار أعدائه له، وانتقامه منه، وصار الشعب في خزى وخجل فترة طويلة هي فترة السبي التي استمرت سبعون عامًا. ولكن هذا الإذلال الإلهي أدى إلى توبة، فتمتعوا بالرجوع من السبي، وبناء الهيكل.

تنطبق هاتان الآيتان وما يسبقهما عن المسيح (ع13-16) الذي حمل خطايانا وتألم عنا، وحمل صليب العار، والخزى ليفدينا. وبموته عنا خلصنا، ثم قام بمجد؛ ليقيمنا فيه.

تنطبق هذه الآيات على المسيحيين الذين عيرهم الوثنيون المحيطون بهم؛ لأجل سجودهم لشخص المصلوب الضعيف في خزى وعار، ولكن الله مجدهم بمعجزات كثيرة أثناء احتمالهم العذابات، ثم أعطاهم أكاليل المجد في السماء.

† اقبل تأديب الله فهو نافع لخلاصك، لينقيك من خطاياك ويزكيك، فتنال بركات عظيمة، وتتأهل لملكوت السموات.


(3) الثبات في الإيمان (ع17-22):



ع17، 18: هذَا كُلُّهُ جَاءَ عَلَيْنَا، وَمَا نَسِينَاكَ وَلاَ خُنَّا فِي عَهْدِكَ.

لَمْ يَرْتَدَّ قَلْبُنَا إِلَى وَرَاءٍ، وَلاَ مَالَتْ خَطْوَتُنَا عَنْ طَرِيقِكَ،

رغم التأديبات الإلهية التي ذكرتها الآيات من (ع9-16) ظل أولاد الله متمسكين بإيمانهم وعهودهم له، كما حدث أيام المكابيين حين اضطهدهم اليونانيون، وحاولوا إرغامهم على عبادة الأوثان، وظلموهم، ولكنهم تمسكوا بإيمانهم (مكابين الأول1: 65، 66)، وكما ثبت القديسون رغم الضيقات المحيطة بهم في السبي، مثل طوبيا ودانيال والثلاثة فتية...

هذه الآيات نبوة عن المسيحيين الذين احتملوا الاضطهادات، وثبتوا في الإيمان، واحتملوا العذابات حتى الاستشهاد أيام الاضطهاد اليهودي، أو الروماني، أو أية اضطهادات تالية.



ع19: حَتَّى سَحَقْتَنَا فِي مَكَانِ التَّنَانِينِ، وَغَطَّيْتَنَا بِظِلِّ الْمَوْتِ.

التنانين:
جمع تنين وهو حيوان قوى شديد الافتراس. كان يُعرف في العصور القديمة، وليس له وجود الآن، ويُكنى به عن أي حيوان مفترس.

إن مكان التنانين هو أصعب مكان يمكن أن يوجد فيه البشر؛ لأنهم معرضون أن تسحقهم هذه التنانين بشراستها وعنفها. هذا ما يريد ان يعبر عنه كاتب المزمور بمدى الضيق الذي دخل فيه شعب الله، وعبر أيضًا عن هذا الضيق، أنه ظل موت الذي غطى شعب الله، ورغم شدة الضيقات لم يتركوا الله.



ع20، 21: إِنْ نَسِينَا اسْمَ إِلهِنَا أَوْ بَسَطْنَا أَيْدِيَنَا إِلَى إِلهٍ غَرِيبٍ،
أَفَلاَ يَفْحَصُ اللهُ عَنْ هذَا؟ لأَنَّهُ هُوَ يَعْرِفُ خَفِيَّاتِ الْقَلْبِ.

يؤكد الكاتب نقاوة قلبه، فيعلن أنه هو وشعبه لا يمكن أن يكونوا قد خانوا الله، أو نسيوه وأهملوه، أو رفعوا أيديهم للصلاة إلى إله آخر؛ لأن الله يفحص كل شيء، ويعرف كل الخفيات. فهو لا يعرف فقط أنهم يعبدون الله، بل يعرف أن قلوبهم تحبه، وهم متمسكون بإيمانهم. فالكاتب غير محتاج أن يبين لله أن شعبه يؤمن به؛ لأن الله يعرف كل شيء.



ع22: لأَنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ الْيَوْمَ كُلَّهُ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ.

تظهر محبة شعب الله، وثباتهم في الإيمان في استعدادهم للموت طوال اليوم، والمقصود باليوم كل أيام العمر، أي استعدادهم الدائم لاحتمال كل الآلام حتى الموت. وبهذا يشبهون غنمًا تساق لتذبح، فهي مستعدة للذبح في أي وقت. وهذا حب لا يعلو عليه أي حب آخر، وهذا ما تممه المسيح على الصليب.

كل إنسان يجاهد روحيًا ضد الخطية يتنازل ويتجرد عن أمور كثيرة، ويتضع. هذه أنواع من الموت من أجل الله، وكذلك كل من يخدم الله باذلًا حياته من أجله لإرجاع أولاده إليه، فالخدمة نوع من الموت. والخلاصة أن الإنسان الروحي المجاهد مستعد أن يموت من أجل الله طوال حياته. وهذا هو الاستشهاد، فالشهداء ليس فقط هم الذين تعذبوا وذبحوا من أجل الله، بل كل من يجاهد في حياته الروحية، ويتعب في الخدمة، كما قال بولس الرسول (رو8: 36).

† كن ثابتًا في إيمانك، واحفظ وصايا الله مهما اختلف الناس المحيطون بك في سلوكهم، وأفكارهم عنك. واحتمل تشكيكاتهم واستفزازاتهم ومعارضتهم لك، فإن ثباتك غالى القيمة جدًا أمام الله.


(4) استغاثة وتذلل (ع23-26):



ع23، 24: اِسْتَيْقِظْ! لِمَاذَا تَتَغَافَى يَا رَبُّ؟ انْتَبِهْ!
لاَ تَرْفُضْ إِلَى الأَبَدِ. لِمَاذَا تَحْجُبُ وَجْهَكَ وَتَنْسَى مَذَلَّتَنَا وَضِيقَنَا؟

لا تتغافى:
لا تكون في غفوة، أي لا تنام، وتتركنا في ضيقنا.

يعبر كاتب المزمور عن معاناته في الضيقة مع كل شعبه، وينادى الله أن يسرع لنجدتهم؛ لأن الله في صمته، وطول أناته يبدو كأنه نائم وغير منتبه، أو رافض لشعبه، أو مخفى وجهه عنهم، أو مهمل وناسى لأتعابهم. كل هذا يبين شدة معاناة الشعب، واحتياجه الشديد لتدخل الله؛ لينقذه، فهو نوع من العتاب بدالة البنوة من الشعب لله.

هاتان الآيتان يشبهان كلام التلاميذ في عتابهم للمسيح النائم في بطن السفينة، بينما الرياح تكاد تغرق السفينة (مت8: 25). كل إنسان روحي يحتاج أن يوقظ المسيح النائم فيه؛ ليصد عنه رياح التجارب وحروب إبليس، وينقذه من كل خطية.



ع25: لأَنَّ أَنْفُسَنَا مُنْحَنِيَةٌ إِلَى التُّرَابِ. لَصِقَتْ فِي الأَرْضِ بُطُونُنَا.


يعبر الكاتب عن مدى الذل والمهانة التي وصل إليها شعب الله، فيقول أن نفوسهم انحطت حتى لصقت بتراب الأرض، وكذلك أيضًا بطونهم، أي صاروا في ذل روحي، ونفسى من أجل الضيقات التي يمرون بها. فتبين هذه الآية مرارة نفوسهم، واحتياجهم الشديد لمعونة الله. وطلبهم باتضاع أن يقيمهم الله ويرفعهم.



ع26: قُمْ عَوْنًا لَنَا وَافْدِنَا مِنْ أَجْلِ رَحْمَتِكَ.

يعلن الكاتب بوضوح أن الحل الوحيد لإنقاذ شعب الله من ذله أن يتدخل الله بمعونته، بل يتقدم الله ويفدى شعبه، أي ينقذه من أيدي أعدائه، ويهلك الأشرار. وهذه الآية نبوة واضحة عن المسيح الفادى، الذي يبرر المؤمنين به، ويقيد الشيطان.

† عندما تزداد الضيقة، وتثقل عليك ثق أن الله فاديك قادر أن يرفعها عنك، بل عندما تزداد الضيقة ثقلًا فمعناها أن حلها قد اقترب.







المزمور الْخَامِسُ وَالأَرْبَعُونَ
أمجاد الملك والملكة


لإمام المغنين "على السوسن". لبنى قورح. قصيدة. ترنيمة محبة

"فاض قلبى بكلام صالح ..." (ع1)


مقدمة:

1. كاتبه:

أ - بنو قورح كما هو مكتوب في عنوان المزمور.

ب - داود وأعطاه لبنى قورح حتى يرنموه، وهو الرأى الأرجح.

2. كان المزمور يرنم على السوسن كما في عنوان المزمور، والمقصود بالسوسن:

أ - آلة موسيقية.

ب - نغمة موسيقية.

3. هذا المزمور مسيانى؛ لأنه يتكلم بوضوح عن المسيا الملك.

4. هذا المزمور يتحدث عن تجسد المسيح؛ لذا يقرأ في عيد الميلاد في هوس العيد.

5. هذا المزمور يتحدث أيضًا عن العروس التي هي:

أ - الكنيسة

ب - العذراء مريم

ج - النفس البشرية المحبة للمسيح.

6. هذا المزمور هو ترنيمة محبة كما في عنوانه؛ لأنه تسبيح ومحبة لله، ثم محبة مقدمة للكنيسة المتعلقة بالمسيح.

7. هذا المزمور يظهر عظمة الحياة مع الله، وتمتع أولاده ببركات على الأرض، وأمجاد في السماء.

8. هذا المزمور موجود في صلاة الساعة الثالثة، حيث يحل الروح القدس على الكنيسة، ويمتعها بالمجد مع عريسها المسيح الملك.

(1) قوة الملك ومجده (ع1-9):



ع1: فَاضَ قَلْبِي بِكَلاَمٍ صَالِحٍ. مُتَكَلِّمٌ أَنَا بِإِنْشَائِي لِلْمَلِكِ. لِسَانِي قَلَمُ كَاتِبٍ مَاهِرٍ.

إنشائى: تعبيرى.

داود يتكلم بكلام صالح، ناتج ليس فقط من فكره، بل من مشاعره، أي من قلبه، فبعمل الروح القدس في قلبه نطق بهذه الكلمات العظيمة الصالحة. فهو يعبر للملك، أي ملك الملوك الله، وليس ملك أرضى، فهو بالطبع لا يقصد نفسه. ويقول أن لسانه يشبه قلب كاتب ماهر، أي أن الروح القدس الفائض في قلبه يحرك لسانه، فيكتب وينطق بهذه الكلمات. فهو يشعر أن الروح القدس حول قلبه إلى ينبوع غزير، يفيض بهذه الكلمات عن الله.

هذا المزمور يحدثنا عن المسيح الإله المتجسد. فالله الآب فاض بكلمته، الذي هو المسيح المتجسد. ويظهر هذا من وصف صفات المسيح في الآيات التالية.

إن داود بروح النبوة رأى المسيح، فانبهر به، وبدأ يتكلم بالروح القدس قدر ما استطاع بالتعبيرات التي سنراها في الآيات التالية، ولم يستطع أن يعبر عن كل شيء، ولكن قدر ما استطاع.



ع2: أَنْتَ أَبْرَعُ جَمَالًا مِنْ بَنِي الْبَشَرِ.
انْسَكَبَتِ النِّعْمَةُ عَلَى شَفَتَيْكَ، لِذلِكَ بَارَكَكَ اللهُ إِلَى الأَبَدِ.

رأى داود أن المسيح أبرع جمالًا من كل البشر، فهو إن كان قد تجسد وصار إنسانًا مثل باقي البشر، ولكن جماله وكماله يفوق الكل، ليس بالطبع في شكل الجسد، ولكن في البر والقداسة. أما كلماته فكانت كلها بالنعمة الإلهية، تفيض من روحه القدوس، منسكبة لتشبع سامعيه.

إن المسيح هو مخلص المؤمنين به على مدى الأجيال، وإلى الأبد يمتعهم في الملكوت بخلاصه، ببركات لا يعبر عنها. وكذلك الرسل، والكهنة، والخدام، يتكلمون على مدى الأجيال بكلام المسيح ويباركهم الله، فيصيرون بركة لكل من يسمعهم، ويمجدهم معه في الملكوت إلى الأبد.

انسكاب النعمة على شفتى المسيح أعطانا وهيأ لنا التمتع به في:

أ - التناول من الأسرار المقدسة.

ب - التلذذ بكلامه الذي يعطينا استنارة روحية، فنشبع به كل أيامنا.



ع3: تَقَلَّدْ سَيْفَكَ عَلَى فَخْذِكَ أَيُّهَا الْجَبَّارُ، جَلاَلَكَ وَبَهَاءَكَ.

السيف هو كلمة الله والفخذ هو الجسد، فتقلد السيف والتصاقه بالفخذ يشير لتجسد الأقنوم الثاني الكلمة. وهذا الاتحاد بين اللاهوت والناسوت يفوق عقل الإنسان، فلا يقوم به إلا الله الجبار. والتجسد أظهر جلال وبهاء، أي عظمة ونور الآب. فالله لم يره أحد قط، ولكن الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبر (يو1: 2).

السيف يرمز أيضًا إلى الصليب، فبالتصاق المسيح بالصليب، أعلن جبروته وسلطانه، إذ قيد الشيطان بموته، وداس الموت وظهرت عظمة الله في صلبه، وحرر المسبيين في الجحيم؛ آدم وبنيه وأصعدهم للفردوس، إذ وفَّى الدين الذي عليهم. وهكذا في ضعف الصليب أعلن المسيح جبروته، وكمال قوته بتخليص أولاده، وأظهر هذا لنا في قيامته.



ع4: وَبِجَلاَلِكَ اقْتَحِمِ. ارْكَبْ. مِنْ أَجْلِ الْحَقِّ
وَالدَّعَةِ وَالْبِرِّ، فَتُرِيَكَ يَمِينُكَ مَخَاوِفَ.

يطلب داود من المسيح أن يقتحم مملكة الشيطان؛ ليحرر أولاده من سلطان الشر، ويركب على الصليب، وهو البار والحق والمتضع، وبقوته يمينة يخيف الشيطان ويقيدهِ.

إن المسيح الملك الداخل في الحرب لا يحارب مثل باقي الملوك ليعظم نفسه، بل هو كامل في عظمته، فيقتحم ليملك على قلوب أولاده (يركب)، ويزيل عنهم سلطان وتملك اشيطان؛ ليسلكوا بالحق والبر والاتضاع مثله بقوة روحه القدوس، بل يعطيهم بيمينه أن يخيفوا الشياطين، ويدوسوا كل قوة العدو، كما داس هو الشيطان بصليبه.



ع5: نَبْلُكَ الْمَسْنُونَةُ فِي قَلْبِ أَعْدَاءِ الْمَلِكِ. شُعُوبٌ تَحْتَكَ يَسْقُطُونَ.

نبال:
سهام.

النبل المسنونة، أي الحادة والقوية الخارقة التي تهلك من تصيبه ترمز للصليب الذي قيد الشياطين وهم أعداء الملك. والنبل أيضًا هي الكرازة بالمسيح على يد الرسل، ثم الكهنة والخدام على مر الأجيال. وقد ترمز أيضًا للرومانيين الذين دمروا أورشليم عام 70 م، وأهلكوا أعداء الملك، أي أعداء المسيح وهم اليهود.

الشعوب التي سقطت تحت يد المسيح هم الشياطين الذين قيدهم المسيح بصليبه، أو هم الأمم واليهود الذين آمنوا بالمسيح، وسقطوا تحت يده، أي سلطانه، مؤمنين بخلاصه.



ع6: كُرْسِيُّكَ يَا اَللهُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. قَضِيبُ اسْتِقَامَةٍ قَضِيبُ مُلْكِكَ.

يتكلم الكاتب هنا مباشرة عن المسيح، فيقول له "كرسيك يا الله" دائم إلى دهر الدهور، ولا يمكن لأى ملك أن يملك إلى الأبد إلا المسيح. وكرسى الله هو الصليب الذي صلب عليه؛ ليملك على قلوب أولاده إلى الأبد. ولذا فالكنيسة ترتل هذا المزمور بلحن متميز طويل يوم الجمعة العظيمة ويوم ثلاثاء البصخة.

إن قضيب مُلك المسيح هو الصليب، وهو قضيب استقامة؛ لأنه الملك الوحيد الذي لا يخطئ، وهو مستقيم في حنانه وتأديبه، وبقضيبه يوجهنا إلى الحياة المستقيمة.



ع7: أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ، مِنْ أَجْلِ ذلِكَ
مَسَحَكَ اللهُ إِلهُكَ بِدُهْنِ الابْتِهَاجِ أَكْثَرَ مِنْ رُفَقَائِكَ.

لأن المسيح هو وحده الذي بلا خطية، وهو البار القدوس، الذي يبغض الشر، كان هو وحده القادر على فداء البشرية ، فتم مسحه بالروح القدس في نهر الاردن، وظهر الروح القدس بشكل حمامة. وهذا المسح لا يحتاج المسيح إليه لنفسه، ولكن حل عليه، أي ظهر لنا حلول الروح القدس على رأسه؛ ليتمم فداءنا، فهو حلول لحسابنا. وبهذا يخطو المسيح خطواته نحو السرور الموضوع أمامه، وهو إتمام خلاصنا على الصليب، لذا قال في هذه الآية أن المسح تم بزيت الابتهاج، وليعبر عن عمل الروح القدس في كل أولاد الله، الذين سيؤمنون بالمسيح الفادى، إذ يملأهم الروح القدس بالفرح.

حلول الروح القدس على المسيح كان حلولًا أقنوميًا كاملًا، وظهر بشكل حمامة. أما حلول الروح القدس على الرسل والمؤمنين فكان على شكل ألسنة نارية منقسمة، أي حلول جزئى، بحسب قدرتهم على الاحتمال، فيعمل فيهم وبهم في الخدمة.



ع8: كُلُّ ثِيَابِكَ مُرٌّ وَعُودٌ وَسَلِيخَةٌ. مِنْ قُصُورِ الْعَاجِ سَرَّتْكَ الأَوْتَارُ.

مر:
سائل صمغى يستخرج من أحد الأشجار التي تكثر في المغرب، وهو ذو رائحة عطرة. وقدمه المجوس للمسيح.

العود: ويسمى أحيانًا الميعة، وهو سائل صمغى يسيل من أحد الأشجار التي تكثر في فلسطين، وهو ذو رائحة ذكية، وكان يستخدم كعطر، وفى تكفين الموتى.

السليخة:
قشور تؤخذ من أحد الأشجار التي تشبه شجر القرفة، وله طعم ورائحة القرفة.

العاج: هو سن الفيل وتزين به القصور؛ لأنه غالى الثمن.

تحدثنا هذه الآية عن المسيح الذي تعطرت ثيابه، أي جسده بعطور المر والميعة والسليخة؛ لأنه احتمل الآلام من أجلنا، وهي التي يرمز إليها المر. وكذلك أسس كنائسه؛ أي القصور المزينة بالعاج بموته على الصليب؛ لأن أسنان العاج لا تؤخذ من الفيل إلا بعد موته.

ثياب المسيح هي كنائسه وأولاده الملتصقين بجسده، وهؤلاء المؤمنين به يتعطرون بعطور كثيرة هي فضائلهم، التي يكتسبونها إذا حملوا الصليب واحتملوا الآلام مثله. هذه الآلام التي يرمز إليها المر، والعطور أي الفضائل هي الروائح العطرة التي للمر والعود والسليخة. وقصور العاج كما ذكرنا هي الكنائس المزينة بالعاج الأبيض، الذي يرمز للبهاء والمجد. ونفوس المؤمنين الذين في الكنائس بتسبيحهم لله يفرحونه ويبهجونه؛ لذا يقول "سرتك الأوتار". والروائح السابق ذكرها مختلفة ولكن كلها جميلة، كذلك الفضائل وثمار الروح مختلفة، ولكنها تجمل نفوس المؤمنين.



ع9: بَنَاتُ مُلُوكٍ بَيْنَ حَظِيَّاتِكَ. جُعِلَتِ الْمَلِكَةُ عَنْ يَمِينِكَ بِذَهَبِ أُوفِيرٍ.

حظياتك:
النساء المقربات والمحبوبات والمكرمات.

أوفير: منطقة تقع جنوب شرق شبه الجزيرة العربية، وهي دولة اليمن الحالية، وتتميز بوجود مناجم لأنقى أنواع الذهب.

بنات الملوك هم بنات عظماء العالم، أو نفوس الأغنياء وذوى المراكز، الذين لم تعطلهم مراكزهم وغناهم عن الإيمان بالمسيح، فصرن من المؤمنات والمقربات لله، وبين الحظيات، وهن كل نفوس المؤمنين بالمسيح، سواء الأغنياء والفقراء، من اليهود، أو الأمم؛ لأن محبة المسيح وفداءه ستجتذب نفوس المؤمنين من كل العالم بكل فئاته.

الملكة هي الكنيسة، أو العذراء، أو النفس البشرية المؤمنة بالمسيح. هذه قد جعلها المسيح الملك عن يمينه. واليمين يرمز للقوة والبركة، أي أعطاها المسيح نعمة وقوة أكثر من جميع البشر؛ لأنها تحلَّت بذهب أوفير النقى، الذي يرمز للسماء، والروحانية، والفضائل السامية.

ذهب أوفير يرمز للثمن الغالى الذي دفعه المسيح؛ ليشترى به كنيسته، أي دمه المسفوك على الصليب، أي أغلى شيء في العالم قدمه محبة لعروسه الكنيسة، ولذا فالكنيسة تحبه جدًا من أجل بذله حياته لأجلها.

† إن كان المسيح يدعوك للاقتراب إليه ليهبك بركات كثيرة، بل يعطيك محبة العريس لعروسه، ويزينك بكل فضيلة، فلا تتكاسل، بل أسرع إليه بنشاط، وانتهز كل فرصة لتكون معه، فتتمتع بعشرته.

(2) الملكة العروس ومجدها (ع10-17):



ع10: اِسْمَعِي يَا بِنْتُ وَانْظُرِي، وَأَمِيلِي أُذُنَكِ، وَانْسَيْ شَعْبَكِ وَبَيْتَ أَبِيكِ،

إن الله ينادى على الكنيسة، أو العذراء، أو كل نفس مؤمنة ويقول لها يا بنت، فهو الآب الذي يرعاها، وهو المسيح الذي فداها. وداود أيضًا ينادى على العذراء التي ستأتي من نسله لتسمع إرشاده الروحي.

إن الله يطلب أربعة أفعال هامة من كل نفس تؤمن به، وهي:

أ - "اسمعى" أن تسمعه باهتمام لتطيع وصاياه.

ب - "انظرى" أن تنظر إلى جماله وتتأمله، فكما عاش المسيح تقتدى به النفس المؤمنة.

ج - "أميلى أذنك": أن تتضع وتميل رأسها نحو الأرض، كما حمل المسيح صليبه وطأطأ رأسه إلى الأرض من أجلها، وكما غسل أرجل تلاميذه.

د - "أنسى شعبك" أى تترك عنها كل حياتها القديمة في الشر، وكل التعلقات المادية، لتفرغ قلبها لمحبة الله، ويصير هو أبوها الذي يرعاها، وتخضع له بكل قلبها، كما ترك إبراهيم أهله وعشيرته وخرج إلى البرية؛ ليحيا مع الله (تك12: 1، 4)، وكما تركت راعوث أهلها وذهبت مع حماتها إلى أرض إسرائيل لتعبد الله مع شعبه (را 1: 16)، وكما ترك الرسل كل شيء وتبعوا المسيح (مر10: 28).



ع11: فَيَشْتَهِيَ الْمَلِكُ حُسْنَكِ، لأَنَّهُ هُوَ سَيِّدُكِ فَاسْجُدِي لَهُ.

عندما تترك الكنيسة، أو النفس البشرية حياتها القديمة المملوءة بالشر، أي تتوب وتؤمن بالله تصبح جميلة؛ لأن الله يسامحها فتصير نقية. والعجيب أن المسيح الملك يشتهيها لحسنها الذي وهبه لها، فهي اكتسبت جمالها من جماله.

ومن ناحية أخرى المسيح هو خالق هذه النفس، فهو ربها وسيدها، وهي ملكة وليست ملكًا لأحد آخر، وبالتالي تخضع له النفس، وتتجاوب مع حبه، فتشتهيه هي أيضًا، وتفرح بحياتها معه وتسبحه.



ع12: وَبِنْتُ صُورٍ أَغْنَى الشُّعُوبِ تَتَرَضَّى وَجْهَكِ بِهَدِيَّةٍ.

كانت صور أكبر مركز تجارى في العالم، وكانت قريبة من بلاد اليهود، إذ تقع شمالها على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وكانت غنية، ولكن للأسف انغمست في الفساد والوثنية. وبنت صور يقصد بها النفوس التي آمنت بالمسيح، وتركت عنها غناها وشرورها، واقتربت إلى الكنيسة طالبة رضاها.

اقتراب بنات صور، أي شعبها، يرمز لكل شعوب الأمم التي آمنت بالمسيح، وقدمت له هديته، وهي الإيمان والتوبة. وبهذا أرضت الكنيسة، فقبلتها في عضويتها. وعلى هذا المثال سار المجوس، وأتوا للمسيح، وهم عظماء، وأغنياء العالم، وقدموا له الهدايا.



ع13: كُلُّهَا مَجْدٌ ابْنَةُ الْمَلِكِ فِي خِدْرِهَا. مَنْسُوجَةٌ بِذَهَبٍ مَلاَبِسُهَا.

خدرها:
حجرة العروس الداخلية.

يصف العروس، أي الكنيسة، أو النفس المؤمنة، بأن مجدها كله داخلي، كما كان مجد خيمة الاجتماع في داخلها، حيث يوجد تابوت العهد الذهبى، والمذبح، والمنارة، ومائدة خبز الوجوه المصنوعة من الذهب. أما الخارج فكانت جلود تخس لا منظر لها، بل المسيح نفسه كان لا صورة له ولا جمال (اش53: 2). ولكنه الله مخلص العالم. وكذلك النفس المؤمنة بالمسيح يكون جمالها في فضائلها الداخلية، ولا تسعى أن تتكلم عنها لئلا تسقط في الكبرياء، وتحيا حياة الخفاء؛ ليمجدها الله بأمجاد لا يعبر عنها في السماء، وتتمتع بعلاقة خفية سرية مع المسيح من خلال الأسرار المقدسة، فظاهرها يبدو متألمًا، متجردًا، مهانًا، ولكن داخلها فرح، وشبع بعريسها السماوى.

إن ملابس العروس منسوجة بالذهب، كما في خيمة الاجتماع وهيكل سليمان. والذهب يرمز للسماء، فالعروس تحيا حياة سماوية، وتتزين بالفضائل، بل هي هيكل الروح القدس، وقلبها متعلق بالسماء، حيث عريسها الذي يهتم بالنظر إلى قلبها وجمالها الداخلي.



ع14: بِمَلاَبِسَ مُطَرَّزَةٍ تُحْضَرُ إِلَى الْمَلِكِ.
في إِثْرِهَا عَذَارَى صَاحِبَاتُهَا. مُقَدَّمَاتٌ إِلَيْكَ.

إثرها: خلفها.

إن بنت الملك، أي النفوس التي تدخل إلى الإيمان، وتحيا مع المسيح تلبس ملابس مطرزة، أي تتحلى حياتها بالفضائل. فهي لا تتقدم نحو المسيح الملك بأيدى فارغة، بل بفضائل وأعمال صالحة؛ لأنها تحبه، وقلبها متعلق به، وتعبر عن حبها بهذه الأعمال. فالحب تعبر عنه بجهاد روحي، إذ قال "تحضر".

وخلف النفوس التي بدأت مع المسيح بالإيمان - أي خلف الكنيسة الأولى التي تأسست على التلاميذ والرسل والذين آمنوا في يوم الخمسين - أقبل الكثيرون للإيمان؛ إذ آمنوا على أيدي الرسل والمبشرين، وأقبلوا نحو المسيح، فاتسعت الكنيسة، وانتشرت في العالم كله. فهل كان الرسل يصدقون أن يأتي وراءهم كل هؤلاء الكهنة والخدام على مدى الأجيال؟! وكذلك استفانوس الشهيد الأول؛ هل كان يتخيل جموع الشهداء التي تأتى وراءه حتى اليوم ؟! والأنبا أنطونيوس أب الرهبان هل تخيل أن يأتي كل هؤلاء الرهبان في العالم بعده؟!

وهذه النفوس كلها عذارى ويقصد العذراوية الروحية، أي القلوب المكرسة لله، وليس للشر مكان في داخلها. فهي ترفض الوثنية، وتبتعد عن كل شر بالتوبة.



ع15: يُحْضَرْنَ بِفَرَحٍ وَابْتِهَاجٍ. يَدْخُلْنَ إِلَى قَصْرِ الْمَلِكِ.

فرحت النفوس التي آمنت بالمسيح، ودخلت إلى المسيح الملك في كنيسته؛ لتحيا حياة الفرح الدائم من خلال علاقتها بالمسيح الملك، ومن خلال أسرار الكنيسة ووسائط النعمة. فهذه النفوس أقبلت بإرادتها الحرة، وبفرح لتحيا مع المسيح، وتتمتع بحبه، وتعبر عن فرحها بالتسبيح الدائم له.

نفوس المؤمنين تدخل إلى قصر الملك، أي تكون قريبة منه؛ لتتمتع بحبه. وإذ تكون أمينة في محبتها له، داخل قصر الملك الأرضى، داخل الكنيسة، تتأهل للقصر السماوى، أي ملكوت السموات.



ع16: عِوَضًا عَنْ آبَائِكَ يَكُونُ بَنُوكَ، تُقِيمُهُمْ رُؤَسَاءَ فِي كُلِّ الأَرْضِ.

إن بنت الملك لا تنطبق على الأمة اليهودية، فلم يكن لها أبناء عوضًا عن آبائها يصيروا رؤساء في كل الأرض. ولكنه ينطبق فقط على الكنيسة، التي عوضًا عن آبائها إبراهيم، واسحق، ويعقوب، وكل الآباء والأنبياء، صار لها بنينًا رؤساء على الأرض كلها، وهم الاساقفة والكهنة، الذين قادوا الكنيسة والعالم كله في طريق الحياة مع المسيح.



ع17: أَذْكُرُ اسْمَكَ فِي كُلِّ دَوْرٍ فَدَوْرٍ.
مِنْ أَجْلِ ذلِكَ تَحْمَدُكَ الشُّعُوبُ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ.

يختم داود المزمور بعهد يقدمه لله، وهو أن يذكر الله ويمجده، ويحيا معه كل أيام حياته، بل من دور إلى دور، ويقصد بهذا أن نسله من اليهود المؤمنين يظلوا يذكرون اسم الله، ثم من يؤمن منهم بالمسيح يظل يسبح اسمه القدوس على مدى الأيام. وعندما يذكر المؤمن اسم الله يتمتع بعشرته ويحيا في مخافته، فيبتعد عن كل خطية، ثم يصير قدوة لمن حوله؛ إذ يرون قوة الله فيه، فيؤمنون بإلهه. والمزامير التي كتبها داود يرنم بها المؤمنون من دور إلى دور، أي يصلون، ويسبحون بها على مدى الأجيال حتى اليوم.

يعلن داود في هذه الآية نبوة عن إيمان الأمم بقوله "تحمدك الشعوب"، أي الأمم الذين سيؤمنون بالمسيح في العالم كله، ويذكرون اسمه مثل داود فيتمتعون بكل البركات الروحية، ويظلون يذكرون اسم الله على مدى الأجيال على الأرض، ثم يمتدون في تسبيح اسم الله إلى الأبد في ملكوت السموات.

† تمتع بذكر اسم الله كل يوم مرات كثيرة ليرتفع ذهنك، ثم قلبك إليه، فيعطيك هذا سلامًا، ثم يكشف لك الله أسراره، ويمتعك بعشرته، فتحيا في فرح إلى الأبد.







المزمور السَّادِسُ وَالأَرْبَعُونَ
رب الجنود ملجأنا


لإمام المغنين، لبني قورح، على الجواب، ترنيمة

"الله لنا ملجأ وقوة ... ع1"


مقدمة:

1. كاتبه: بنو قورح، أي واحد من نسل قورح، وهم من اللاويين المرنمين.

2. متى كتب؟

أ - نبوة عن انتصار يهوشافاط ملك يهوذا على ثلاثة شعوب هاجمته، وهي بنو عمون وموآب وأدوم (2 أى20: 20-24).

ب- نبوة عن انتصار حزقيا الملك على جيش سنحاريب بواسطة ملاك الرب (2 مل19: 35).

ج - نبوة عن انتصار المسيح بالصليب على الشيطان، وتقييده، وحدوث زلزلة، وكان ذلك في الساعة التاسعة يوم الجمعة العظيمة (مت27: 51).

3. مكتوب عنوان هذا المزمور "على الجواب" والجواب طبقة صوتية عالية تشبه الآن طبقة سوبرانو، وقد رنم بهذه الطبقة المرنمون أيام داود (1 أى15: 20).

4. في العنوان أيضًا يقول عن هذا المزمور أنه "ترنيمة"، أي تسبحة تقال في الهيكل.

5. هذا المزمور مرتبط بالمزمور السابق له، ففى المزمور الخامس والأربعين نرى اتحاد العروس بعريسها وتمجيده لها، أي تمجيد المسيح للكنيسة. وفى هذا المزمور يوضح أن الكنيسة ستقابل ضيقات، ولكن الله يسندها ويثبتها وينصرها.

6. هذا المزمور هو ترنيمة حمد، أو تسبحة شكر، ويتفق معه في هذا الغرض المزموران التاليان 47، 48.

7. بعض الكنائس تصلى هذا المزمور في عيد الظهور الإلهي (الغطاس)، وفى عيد عرس قانا الجليل، وفى تدشين الكنائس الجديدة.

8. هذا المزمور موجود في صلاة الساعة الثالثة التي تذكرنا بحلول الروح القدس على الكنيسة؛ لأنه يحدثنا عن قوة الروح القدس التي تسند، وتثبت، وتنصر الكنيسة.

(1) قوتنا (ع1-3):



ع1: اَللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْنًا فِي الضِّيْقَاتِ وُجِدَ شَدِيدًا.


إن الكنيسة وكل نفس مؤمنة بالله تواجه حربًا من الشياطين، بالإضافة إلى الأعداء الظاهرين وهم الأشرار الذين يثيرهم الشياطين عليها، ولكن الله يقدم حمايته للكنيسة في ثلاثة أشكال هي:

أ -
ملجأ: أي حصن يحتمى فيه أولاده، فلا يتسطيع أحد أن يؤذيهم مهما كانت قوتهم.

ب-
قوة: فيستطيع أولاد الله أن ينتصروا به على كل أعدائهم.

ج -
عونًا: أي مساند لأولاده روحيًا ونفسيًا وجسديًا، فيظلوا ثابتين في الحرب ولا يهتزوا أبدًا.

خبرات الكنيسة السابقة مع الله تثبت إيمانها، فقد وُجد الله شديدًا في الضيقات، أي مساند لأولاده على مر التاريخ، ومنقذ لهم من ضيقات كان لا يمكن بالعقل اجتيازها، بل ومجدهم أيضًا، فسبحوا الله.



ع2: لِذلِكَ لاَ نَخْشَى وَلَوْ تَزَحْزَحَتِ الأَرْضُ، وَلَوِ انْقَلَبَتِ الْجِبَالُ إِلَى قَلْبِ الْبِحَارِ.

يؤكد كاتب المزمور ثبات أولاد الله مهما حدثت تغيرات حولهم، حتى لو كانت تغيرات طبيعية قوية، مثل الزلازل التي تزحزح الأرض، لكن أولاد الله يظلون ثابتين، ومهما تغيرت الظروف، أو اهتزت المبادئ والقيم حولهم، يستمرون في إيمانهم، وسلوكهم الروحي السليم.

ثم يقدم تغييرًا طبيعيًا يصعب تخيله وهو انقلاب الجبال، وهي أقوى وأثبت شيء في الأرض، فلو سقطت هذه الجبال في قلب البحار، يظل أولاد الله ثابتين في إيمانهم، أي لو انقلبت أقوى قوى العالم، وغرقت في البحار، أو لو انغمس العظماء وحتى الرؤساء الدينيين في شهوات العالم وغرقوا فيها، يظل أولاد الله الحقيقيون في ثباتهم الروحي، كما حدث في سقوط رؤساء دينيين في الهرطقات، مثل نسطور، وأوطاخى، وأريوس.

ترمز زحزحة الأرض إلى الزلزلة التي حدثت عند صلب المسيح معلنة اضطراب العالم، وحاجته إلى الفادى المخلص.



ع3: تَعِجُّ وَتَجِيشُ مِيَاهُهَا. تَتَزَعْزَعُ الْجِبَالُ بِطُمُوِّهَا. سِلاَهْ.

تعج:
ترتفع أصوات الأمواج.

تجيش: تتدفق المياه وتجرى بسرعة لدرجة تعوق سير السفن والمراكب.

بطموها: بارتفاعها وعظمتها.

يؤكد كاتب المزمور أن إلهنا ملجأنا حتى لو تزحزحت الأرض، وانقلبت الجبال، كذلك يقول في هذه الآية، حتى لو تحركت مياه البحار باندفاع شديد، وارتفعت أصواتها كما يحدث في الفيضانات، ولو تعاظمت الجبال بارتفاعها العظيم، كل هذا لن يزعزع إيمان أولاد الله المتحصنين فيه، فهو ملجأهم وقوتهم.

ترمز الجبال إلى الجبابرة والعظماء في هذا العالم، والمياه ترمز لكثرة الناس، أو ترمز لكثرة الجيوش، مثل جيش أشور الذي هاجم أورشليم أيام حزقيا الملك، فكل هذه لا تحدث اضطرابات في قلوب أولاد الله الثابتين في الإيمان به.

يقول كلمة سلاه في نهاية الآية وهي وقفة موسيقية؛ ليتأمل الإنسان قوة الله الملجأ الحصين، ولا يعود ينزعج من اضطرابات العالم.

† التجئ إلى الله إذا اضطربت الأمور حولك حتى لا يهتز قلبك معها، بل تثبت في إيمانك، وتتذكر قوة الله المساندة لك، وإذ تزداد صلواتك تختبر معونة الله، وتشعر بوجوده معك.

(2) ثباتنا (ع4-7):



ع4: نَهْرٌ سَوَاقِيهِ تُفَرِّحُ مَدِينَةَ اللهِ، مَقْدَسَ مَسَاكِنِ الْعَلِيِّ.


أولاد الله المتحصنون في إلههم، الذي هو ملجأهم، لا يضطربون من أجل اهتزاز العالم حولهم، بل يتمتعون بعمل الروح القدس فيهم، الذي هو نهر سواقيه تفرح مدينة الله.وهذه السواقى هي مواهب وثمار الروح القدس، التي تعمل في المؤمنين داخل الكنيسة، التي هي مدينة الله. والكنيسة هي أقدس مكان في العالم، فيها يسكن الله العلى، ويستقر ويسكن في أولاده المؤمنين، والمتحدين به من خلال أسراره المقدسة. فهذه الآية نبوة عن عمل الروح القدس في المؤمنين في العهد الجديد (يو7: 37-39).

الروح القدس -الذي هو النهر- سواقيه هم الرسل والكهنة خلفاؤهم، والخدام، الذين يكرزون بكلمة الله، ويفرحون مدينة الله التي هي الكنيسة. والنهر مياهه حلوة، وتجرى بهدوء، بخلاف البحر المالح الذي تعج وتجيش مياهه، فعمل الروح القدس هادئ ومريح داخل النفوس المؤمنة، ويعمل في الخدمة بروحانية، وهدوء.

الروح القدس الذي هو النهر يظل يعمل في الكنيسة حتى يرفعها إلى السماء، حيث مساكن الله العلى المستقرة إلى الأبد، ويتمتع فيها المؤمنون تمتعًا بالله لا يعبر عنه. وينعمون بالقداسة في مقدس مساكن العلى، أي المكان الذي قدسه الروح القدس؛ ليسكن فيه أولاد الله إلى الأبد.

إن السواقى أيضًا هي المعموديات التي وهبها الروح القدس لكنائسه، فتفرح نفوس المؤمنين بالأعضاء الجدد، وتتقدس كمساكن لله العلى، وتثبت في كنيسته إلى الأبد.



ع5: اللهُ فِي وَسَطِهَا فَلَنْ تَتَزَعْزَعَ. يُعِينُهَا اللهُ عِنْدَ إِقْبَالِ الصُّبْحِ.

سكن الله وسط كنيسته يجعلها لا تهتز أمام مقاومات العالم واضطهاداته لها؛ لأن الله في وسطها يحميها، ويثبت أولاده الذين يحيون في العالم، ولكن يظلون متمسكين بوصاياه، مهما قاومهم الشر.

الله يعين أولاده في العهد القديم حتى يقبل الصبح، وهو تجسد المسيح المخلص، فينعمون بخلاصه الذي عاشوا، وماتوا على رجائه. وهو يعين أيضًا كل المؤمنين به عند إقبال الصبح، أي المسيح في مجيئه الثاني يوم الدينونة، فيبررهم بدمه. فالله يعينهم في طريق جهادهم الروحي حتى يصلوا إلى الملكوت.



ع6: عَجَّتِ الأُمَمُ. تَزَعْزَعَتِ الْمَمَالِكُ. أَعْطَى صَوْتَهُ، ذَابَتِ الأَرْضُ.

حاولت الأمم الوثنية مقاومة المسيحية وعلى رأسها الدولة الرومانية، فاضطهدت الكنيسة بعد الاضطهاد اليهودي، ولكن الله حول الاضطهادات إلى قوة نالتها الكنيسة. ومن ناحية أخرى ذابت الممالك، أي ذابت الإمبراطورية الرومانية داخل الكنيسة باعتلاء قسطنطين عرش الدولة الرومانية، وحضر المجمع المسكونى الأول في نيقية.

عندما صرخ المسيح على الصليب وقال قد أكمل ذابت الأرض، أي حدثت زلزلة، وانشق حجاب الهيكل، وتفتحت القبور؛ لأن المسيح أتم الفداء (مت27: 51؛ مر15: 37، 38).

قاومت الأمم الكنيسة ولكنها خضعت لها بعد هذا، ثم يأتي المسيح في مجيئه الثاني ويعطى صوته؛ ليدين العالم، فتذوب الأرض أمامه، ويحاول الأشرار الاختباء من وجهه، ثم يمجد أولاده في ملكوته، ويلقى الأشرار في العذاب الأبدي (2 بط3: 10).



ع7: رَبُّ الْجُنُودِ مَعَنَا. مَلْجَأُنَا إِلهُ يَعْقُوبَ. سِلاَهْ.

يختم الكاتب كلامه عن ثبات أولاد الله، فيطمئنهم بأن الله قوى جدًا؛ لأنه رب الجنود ويقصد الأجناد السماوية، القادر واحد منها فقط أن يقتل جيش الأشوريين أيام حزقيا الملك، فالله القوى هو ملجأ أولاده وشعبه الذي هو يعقوب، أو إسرائل، ثم المسيحيين في العهد الجديد. ويختم هذه الآية بكلمة سلاه؛ ليتأمل القارئ في الله المساند، والمثبت لأولاده.

† إن الروح القدس الساكن فيك القادر أن يثبتك ويسندك في جميع المواقف مهما كانت صعبة، فلا تقلق، ولا تفكر في الغد، لأن الله المساند لك ساكن فيك إلى الأبد.


(3) نصرتنا (ع8-11):



ع8، 9: هَلُمُّوا انْظُرُوا أَعْمَالَ اللهِ، كَيْفَ جَعَلَ خِرَبًا فِي الأَرْضِ.

مُسَكِّنُ الْحُرُوبِ إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ. يَكْسِرُ الْقَوْسَ
وَيَقْطَعُ الرُّمْحَ. الْمَرْكَبَاتُ يُحْرِقُهَا بِالنَّارِ.

انتصر الله الساكن وسط شعبه على الأمم المحيطة بهم وخربهم، وكسر أسلحتهم وأحرقها بالنار، وسحق جيوش الأعداء، فسكنت الأرض حول شعبه، وقد حدث هذا أيام داود وما قبله، أي أيام يشوع وموسى. فظهر تفوق الله على كل آلهة الأمم الوثنية وانتصاره عليهم. ولذا يدعو الكاتب كل الشعوب، بل وأولاد الله أنفسهم أن يتأملوا قوة الله المنتصرة على الأعداء.

في لحظة عندما مات المسيح على الصليب قيد الشيطان، وخرب مملكته، وكسر وأحرق أسلحته، أي صارت بلا قيمة أمام قوة الله الساكنة في أولاده؛ لأن الروح القدس سكن فيهم بسر الميرون، وبهذا هدأت الأرض وعاش أولاد الله في سلام. فالنفوس المؤمنة بالمسيح لا تنزعج من حروب الشيطان وأسلحته؛ لأن الله الساكن فيها يخرب هذه الشهوات التي تحاربهم، ويهب أولاده فضائلًا بدلًا منها.

إن المسيح في يوم الدينونة يبطل قوة الشياطين، ويخرب مملكته تمامًا، بإلقائه في العذاب الأبدي، فيسكن أولاده معه في الملكوت، متمتعين بعشرته إلى الأبد.



ع10، 11: كُفُّوا وَاعْلَمُوا أَنِّي أَنَا اللهُ. أَتَعَالَى بَيْنَ الأُمَمِ،

أَتَعَالَى فِي الأَرْضِ. رَبُّ الْجُنُودِ مَعَنَا. مَلْجَأُنَا إِلهُ يَعْقُوبَ. سِلاَهْ.

في ختام هذا المزمور يطالب الكاتب المؤمنين أن يكفوا عن الشهوات الردية، وكذلك عن الخوف من الشياطين، وحروبهم، وكل قوى الشر، فهي بلا قيمة أمام قوة الله، ويكفوا أيضًا عن الاعتماد على قوى البشر الزائلة والضعيفة؛ ليكون اعتمادهم على الله وحده.

يطالب أيضًا المؤمنين أن يرتفعوا مع المسيح المصلوب، ثم الصاعد إلى السماء، فيتركون عنهم اهتماماتهم الأرضية، وينشغلون بالحياة السماوية، أي يكون لهم السلوك الروحانى.

يؤكد في نهاية المزمور أن الله رب الجنود معنا، وهو ينصر شعبه في كل جيل، وقد سبق أن شرحنا الآية الأخيرة عند شرح (ع7).

† حتى تنتصر على أعدائك الشياطين ليتك تركز عينيك وقلبك على المسيح، فلا تضطرب من قوة الأعداء، وارتفع واترك شهواتك الشريرة بالتوبة، فتعاين عمل الله فيك، وتفرح به.

 
قديم 27 - 05 - 2024, 12:12 PM   رقم المشاركة : ( 161658 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,259,187

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


اَللَّهُمَّ، بِآذَانِنَا قَدْ سَمِعْنَا. آبَاؤُنَا أَخْبَرُونَا
بِعَمَل عَمِلْتَهُ فِي أَيَّامِهِمْ، فِي أَيَّامِ الْقِدَمِ.

يعلن كاتب المزمور عن نفسه، وجماعة المؤمنين الذين معه، أنهم سمعوا كلامًا مؤكدًا، إذ قال سمعنا بآذاننا كلامًا عن الله في العصور السابقة لهم، عن طريق الآباء والأنبياء، الذين كان لهم صلة قوية بالله. وتناقلت الأخبار من الآباء إلى الأبناء.

عندما يقول سمعنا بآذاننا يرمز هذا إلى التجسد، إذ يحدثنا عن الله الملموس في العهد القديم عن طريق الآباء وأنبياء، والذي ظهر واضحًا في ملء الزمان بتجسده.

 
قديم 27 - 05 - 2024, 12:13 PM   رقم المشاركة : ( 161659 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,259,187

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




أَنْتَ بِيَدِكَ اسْتَأْصَلْتَ الأُمَمَ وَغَرَسْتَهُمْ. حَطَّمْتَ شُعُوبًا وَمَدَدْتَهُمْ.

مددتهم:
أعطيتهم امتدادًا واتساعًا وتسلطًا على أراضي كثيرة.

يظهر عمل الله في تحطيم واستئصال الأمم الوثنية التي سكنت في أرض كنعان، وهي شعوب قوية؛ لأنهم عبدوا الأوثان، وانغمسوا في الشهوات الشريرة. وعلى الجانب الآخر غرس وثبت أولاده، وملكهم هذه الأرض الخصبة التي تفيض لبنًا وعسلًا، ومد أيديهم لتتسلط على أراضي ليست لهم. فالله يزيل الشر ويثبت الخير، أي أولاده المؤمنين به، والذين يحيون بوصاياه.

يظهر تجسد المسيح في هذه الآية أيضًا بقوله "بيدك". وبهذا أزال طبيعتنا المائتة الشريرة، والتي يرمز إليها بالأمم التي استأصلها وحطمها. وأعطانا الطبيعة الجديدة المائلة للخير، والتي يرمز إليها بأولاده الذين غرسهم، ومددهم في أرض كنعان.
 
قديم 27 - 05 - 2024, 12:14 PM   رقم المشاركة : ( 161660 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,259,187

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




لأَنَّهُ لَيْسَ بِسَيْفِهِمِ امْتَلَكُوا الأَرْضَ، وَلاَ ذِرَاعُهُمْ خَلَّصَتْهُمْ،
لكِنْ يَمِينُكَ وَذِرَاعُكَ وَنُورُ وَجْهِكَ، لأَنَّكَ رَضِيتَ عَنْهُمْ.

يؤكد هنا أن قوة النصرة التي مع شعب الله، التي جعلتهم يتغلبون على أعدائهم، ويطردونهم، ويمتلكون أرضهم، لم تكن راجعة إلى أسلحتهم، أو قوتهم البشرية، بل كان مصدرها هو الله، الذي ضرب مصر بالضربات العشر، وشق البحر الأحمر، وأغرق فرعون وجيشه، وأوقف الشمس ليشوع، وأسقط أسوار أريحا ... لأن الله رضى على شعبه، وأحبه، إذ آمن به، وحفظ وصاياه. هذا هو الخلاص الجماعى الذي وهبه الله لشعبه.

هذه الآية نبوة عن المسيح المتجسد، والتي يرمز إليها بيمينه وذراعه، ونور وجهه، فهو مصدر قوة المؤمنين به، ويهزم أعداءهم الشياطين، بل يملكهم أماكن الشياطين الذين سقطوا، فيملكون معه في السماء.

تنطبق هذه الآية أيضًا على الرسل، وكرازتهم، فلم يستأصلوا الوثنية ويحطموها بسيف، أو قوة بشرية، بل بكلمة الله، وقوته.

 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 09:25 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024