27 - 05 - 2024, 09:47 AM | رقم المشاركة : ( 161611 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
قبلتنى وعَشان عَطوف فُوق الكُفوف نَقَشتِنى |
||||
27 - 05 - 2024, 09:55 AM | رقم المشاركة : ( 161612 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مالى سواك ياسيدى حياتى رضاك يا سيدى |
||||
27 - 05 - 2024, 10:04 AM | رقم المشاركة : ( 161613 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
انت متكلى توطمن نفسى |
||||
27 - 05 - 2024, 10:05 AM | رقم المشاركة : ( 161614 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حلو ما اشهاك يا سيدى |
||||
27 - 05 - 2024, 10:06 AM | رقم المشاركة : ( 161615 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
نفسى لا تسلك يا سيدى تفرح قلبى |
||||
27 - 05 - 2024, 10:07 AM | رقم المشاركة : ( 161616 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
قدرت لى زيتى عندما القاك يا سيدى |
||||
27 - 05 - 2024, 10:07 AM | رقم المشاركة : ( 161617 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عزبا ما احلاك يا سيدى |
||||
27 - 05 - 2024, 10:08 AM | رقم المشاركة : ( 161618 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
نفسى فى حماك يا سيدى |
||||
27 - 05 - 2024, 10:35 AM | رقم المشاركة : ( 161619 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
شهوة الرجوع إلى العبوديّة إذ قدَّم الرجال تقاريرهم عن الأرض وخيراتها وسكانها حدث تذمر وسط الشعب وبكاء مشتاقين إلى الرجوع مرة أخرى إلى العبوديّة تحت قيادة جديدة غير موسى النبي. 1. تذمر الشعب: 1 فَرَفَعَتْ كُلُّ الْجَمَاعَةِ صَوْتَهَا وَصَرَخَتْ، وَبَكَى الشَّعْبُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. 2 وَتَذَمَّرَ عَلَى مُوسَى وَعَلَى هَارُونَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ لَهُمَا كُلُّ الْجَمَاعَةِ: «لَيْتَنَا مُتْنَا فِي أَرْضِ مِصْرَ، أَوْ لَيْتَنَا مُتْنَا فِي هذَا الْقَفْرِ! 3 وَلِمَاذَا أَتَى بِنَا الرَّبُّ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ لِنَسْقُطَ بِالسَّيْفِ؟ تَصِيرُ نِسَاؤُنَا وَأَطْفَالُنَا غَنِيمَةً. أَلَيْسَ خَيْرًا لَنَا أَنْ نَرْجعَ إِلَى مِصْرَ؟» 4 فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «نُقِيمُ رَئِيسًا وَنَرْجعُ إِلَى مِصْرَ». اهتم الشعب بتقرير الرجال الأردياء الذين بعثوا فيهم روح الخوف ولم يسمعوا لكلمة الله ووعوده، فامتلأت حياتهم قلقًا وصاروا يصرخون ويبكون كل الليلة لا ليطلبوا معونة الله وإرشاده بل متذمرين على موسى وهرون، مشتهين التخلص منها والرجوع مرة أخرى إلى العبوديّة. عللوا سرّ قلقهم واضطرابهم بخروجهم من أرض العبوديّة أو قيادة موسى وهرون لهم ولم يدركوا أن ما أصابهم إنما هو من عدم إيمانهم. لهذا يؤكد القديس يوحنا الذهبي الفمأن الإنسان لا يقدر أحد أن يؤذيه ما لم يؤذِ الإنسان نفسه بنفسه. إن سرّ مرارتهم ليس في الظروف المحيطة بهم ولا في القيادة التي تتعهدهم، بل في مرض القلب الداخلي وانحراف النفس عن رعاية خالقها. ما أقسى قلب الإنسان، فإنه عِوَض ذبيحة الشكر التي يقدمها لله الذي حرره من العبوديّة وتعهده في بريّة هذا العالم ليدخل به إلى كنعان الجديدة يتذمر قائلًا: "ليتنا متنا في أرض مصر، أو ليتنا متنا في هذا القفر! ولماذا أتى بنا الرب إلى هذه الأرض لنسقط بالسيف، وتصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة؟ أليس خيرًا لنا أن نرجع إلى مصر؟" [2-3]. لقد رأوا أن علاج الموقف هو إبادة القيادة الحالية وإقامة قيادة حسب أهوائهم، إذ "قال بعضهم لبعض نقيم رئيسًا ونرجع إلى مصر" [4]. أرادوا أن يتخلصوا من موسى وهرون كما من يشوع وكالب بالرجم (ع 10) ليجدوا قيادة تسلك حسب أهوائهم. امتدح القديس أمبروسيوس الجاسوسين إذ فضلا أن ينطقا بالحق ولو كان الثمن رجمهما (ع 10) عن أن يفعلا مثل بقية الجواسيس الذين أرضوا الشعب على حساب الحق. يقول القدِّيس: [فضَّلا أن يُرجما كما هددهما الشعب عن أن يتراجعا عن ثباتهما المملوء فضيلة]، [فَضَّل الرجلان الصالحان المجد (الإلهي) عن الأمان، أما الأشرار ففضلوا الأمان عن الفضيلة]. 2. محاولة تهدئتهم: 5 فَسَقَطَ مُوسَى وَهَارُونُ عَلَى وَجْهَيْهِمَا أَمَامَ كُلِّ مَعْشَرِ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. 6 وَيَشُوعُ بْنُ نُونَ وَكَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ، مِنَ الَّذِينَ تَجَسَّسُوا الأَرْضَ، مَزَّقَا ثِيَابَهُمَا 7 وَكَلَّمَا كُلَّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلَيْنِ: «الأَرْضُ الَّتِي مَرَرْنَا فِيهَا لِنَتَجَسَّسَهَا الأَرْضُ جَيِّدَةٌ جِدًّا جِدًّا. 8 إِنْ سُرَّ بِنَا الرَّبُّ يُدْخِلْنَا إِلَى هذِهِ الأَرْضِ وَيُعْطِينَا إِيَّاهَا، أَرْضًا تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا. 9 إِنَّمَا لاَ تَتَمَرَّدُوا عَلَى الرَّبِّ، وَلاَ تَخَافُوا مِنْ شَعْبِ الأَرْضِ لأَنَّهُمْ خُبْزُنَا. قَدْ زَالَ عَنْهُمْ ظِلُّهُمْ، وَالرَّبُّ مَعَنَا. لاَ تَخَافُوهُمْ». 10 وَلكِنْ قَالَ كُلُّ الْجَمَاعَةِ أَنْ يُرْجَمَا بِالْحِجَارَةِ. ثُمَّ ظَهَرَ مَجْدُ الرَّبِّ فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِكُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ. لم يكن أمام موسى وهرون إلاَّ أن يسقطا على وجهيهما أمام كل الجماعة علامة العجز التام عن التصرف معهم، ولصرف روح الغضب ليس فقط عن الجماعة المتذمرة بل وعن الله الذي يؤدبهم لا محالة بسبب التذمر المستمر. حقًا ما أجمل روح الاتضاع فهو زينة الراعي، خلاله يصرف كل تذمر عن حياة شعبه، وبه يشفع لدى الله عنهم. مزج موسى وهرون اتضاعهما بروح الحكمة وقوة الإقناع إذ قدما يشوع وكالب الذين ذاقا عربون الوعد ونظرا الأرض ليشهدا أمام الجماعة. لقد قالا: "الأرض التي مررنا فيها لنتجسسها الأرض جيدة جدًا جدًا. إن سُرَّ بنا الرب يدخلنا إلى هذه الأرض ويعطينا إياها، أرضًا تفيض لبنًا وعسلًا. إنما لا تتمردوا على الرب ولا تخافوا من الشعب لأنهم خبزنا. قد زال عنهم ظلهم والرب معنا. لا تخافوهم" [7-9]. لقد شهدا لمواعيد الله أنها غنية وصادقة، تعطي للقلوب المملوءة إيمانًا، موضع سرور الله، لا يستطيع عدو الله أن يفقدنا إياها مادمنا نسرع إليها برجاء بغير اضطراب. أمام هذا الاتضاع وهذه الشهادة للأسف ازداد الشعب تذمرًا فطلبوا رجم الشاهدين الأمينين (ع 10)، أما الله فأعلن مساندته لرجاله المؤمنين النبي ورئيس الكهنة والشاهدين، إذ "ظهر مجد الرب في خيمة الاجتماع لكل بني إسرائيل" [10]. إنها مساندة إلهيّة علانية، حين رفضهم الناس ولو بإجماع كان الله معهم يسندهم ويرافقهم. 3. تهديدات الله بإبادتهم: 11 وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «حَتَّى مَتَى يُهِينُنِي هذَا الشَّعْبُ؟ وَحَتَّى مَتَى لاَ يُصَدِّقُونَنِي بِجَمِيعِ الآيَاتِ الَّتِي عَمِلْتُ فِي وَسَطِهِمْ؟ 12 إِنِّي أَضْرِبُهُمْ بِالْوَبَإِ وَأُبِيدُهُمْ، وَأُصَيِّرُكَ شَعْبًا أَكْبَرَ وَأَعْظَمَ مِنْهُمْ». إذ تمادَى الشعب في تذمره كعادته التزم الله بالتهديد قائلًا لموسى: "حتى متى يهينني هذا الشعب؟ وحتى متى لا يصدقونني بجميع الآيات التي عملت في وسطهم؟ إني أضربهم بالوبأ وأبيدهم وأصيرك شعبًا أكبر وأعظم منهم!" [11-12]. كعادته لم ينفذ التأديب في الحال لكنه يعرض الأمر على نبيه موسى، ففي هذا كشف عن معاملات الله مع الإنسان أنه يود أن يصادقه، يكشف له أسراره ويحدثه في تصرفاته خاصة مع البشريّة. هذا ما فعله الله مع إبراهيم حين أراد الله معاقبة سدوم وعمورة، إذ قال: "هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله؟" (تك 18: 17). بهذا يقدم الله لنا مفهومًا حيًا للرعاية، فإن كان الله كلي الحكمة والراعي الصالح وحده لا يخفي تدابيره عن خدامه، كيف يمكن لإنسان مهما بلغت رتبته الكهنوتيّة أو قامته الروحيّة أن يسلك بفكر فردي دون مشاركة إخوته وشركائه في الخدمة؟ ولعل الله أراد بعرضه هذا الأمر على موسى أن يعطيه الفرصة لينذر الشعب لعلهم يقدمون توبة فيغفر لهم، أو لعله أراد أن يعطي فرصة جديدة لموسى النبي أن يشفع عن الشعب المقاوم له فيتزكى بالأكثر إذ يطلب لهم أكثر مما لنفسه. لقد وقف قبلًا أمام الله حين حمى غضب الله على شعبه وتشفع فيهم قائلًا: "الآن إن غفرت خطيتهم وإلاَّ فامحني من كتابك الذي كتبت" (خر 32: 32). ففاق بحبه هذا في عيني الله عن كل ما فعله من آيات وعجائب، وتزكى في عيني السماء والأرض. لقد تكرَّر الأمر كثيرًا فصارت حياة موسى أشبه ببخور مقدس أو صلاة دائمة عن شعبه. هذا ما أعطاه مكانة لدى الله، حتى صار الله يسمع له، إذ يقول له: "هذا الأمر أيضًا الذي تكلمت عنه أفعله، لأنك وجدت نعمة في عيني وعرفتك باسمك" (خر 33: 17). تضرع موسى لدى الله فغيَّر الله أحكامه، وكما يقول العلامة أوريجينوس: [إن كان لدى الله أسباب للسخط ضد الإنسان، فإنه بابتهالات الإنسان وتضرعاته يهدأ هذا الغضب، حتى يحصل الإنسان من الله على تغيير الأحكام التي سبق فأصدرها، إذ أن لطف الله الذي يتبع الغضب يُظهِر مكانة موسى لدى الله]. ويرى العلامة أوريجينوس في تهديدات الله للشعب يحمل نبوءة تحققت بمجيء السيد المسيح وقبوله شعب آخر من الأمم غير اليهود، إذ يقول: [هذا التأديب لم يأتِ عن غضب الله إنما هو نبوءة. فإنه يجب أن تُختار أمة أخرى من بين شعوب الأمم، لكن هذا لا يتم بواسطة موسى... لأن الشعب (الجديد) لا يحمل الاسم الموسوي بل اسم المسيح]. 4. موسى يشفع فيهم: 13 فَقَالَ مُوسَى لِلرَّبِّ: «فَيَسْمَعُ الْمِصْرِيُّونَ الَّذِينَ أَصْعَدْتَ بِقُوَّتِكَ هذَا الشَّعْبَ مِنْ وَسَطِهِمْ، 14 وَيَقُولُونَ لِسُكَّانِ هذِهِ الأَرْضِ الَّذِينَ قَدْ سَمِعُوا أَنَّكَ يَا رَبُّ فِي وَسَطِ هذَا الشَّعْبِ، الَّذِينَ أَنْتَ يَا رَبُّ قَدْ ظَهَرْتَ لَهُمْ عَيْنًا لِعَيْنٍ، وَسَحَابَتُكَ وَاقِفَةٌ عَلَيْهِمْ، وَأَنْتَ سَائِرٌ أَمَامَهُمْ بِعَمُودِ سَحَابٍ نَهَارًا وَبِعَمُودِ نَارٍ لَيْلًا. 15 فَإِنْ قَتَلْتَ هذَا الشَّعْبَ كَرَجُل وَاحِدٍ، يَتَكَلَّمُ الشُّعُوبُ الَّذِينَ سَمِعُوا بِخَبَرِكَ قَائِلِينَ: 16 لأَنَّ الرَّبَّ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يُدْخِلَ هذَا الشَّعْبَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي حَلَفَ لَهُمْ، قَتَلَهُمْ فِي الْقَفْرِ. 17 فَالآنَ لِتَعْظُمْ قُدْرَةُ سَيِّدِي كَمَا تَكَلَّمْتَ قَائِلًا: 18 الرَّبُّ طَوِيلُ الرُّوحِ كَثِيرُ الإِحْسَانِ، يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَالسَّيِّئَةَ، لكِنَّهُ لاَ يُبْرِئُ. بَلْ يَجْعَلُ ذَنْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ إِلَى الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ. 19 اِصْفَحْ عَنْ ذَنْبِ هذَا الشَّعْبِ كَعَظَمَةِ نِعْمَتِكَ، وَكَمَا غَفَرْتَ لِهذَا الشَّعْبِ مِنْ مِصْرَ إِلَى ههُنَا». برز في هذا السفر كما في سفر الخروج شخصيّة موسى كشفيع عن شعبه لدى الله إذ يقول "اصفح عن ذنب هذا الشعب كعظمة نعمتك" [19]. إنها صورة رمزيّة لشفاعة السيد المسيح الكفاريّة عن خطايا البشريّة لدى الآب خلال دمه الكريم، إذ يصرخ على الصليب: "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون". في شفاعة موسى يُذَكِّر الرب أولًا بالشعوب الشامتة التي تتعثر قائلة: "لأن الرب لم يقدر أن يُدخل هذا الشعب إلى الأرض التي حلف لهم قتلهم في القفر" [16]. كما يُذَكِّره برحمته وطول أناته: "فالآن لتعظم قدرة سيدي كما تكلمت قائلًا: الرب طويل الروح كثير الإحسان يغفر الذنب والسيئة لكنه لا يبريء بل يجعل ذنب الآباء على الأبناء إلى الجيل الثالث والرابع. اصفح عن ذنب هذا الشعب كعظمة نعمتك" [17-19]. يُذَكِّره بكلماته فإن الله يصفح عن الآباء منتظرًا توبتهم فإن لم يتوبوا يصفح عن أبنائهم أيضًا من أجل طول أناته لكن إن صممت الأجيال التالية على عدم التوبة بل سلكوا طريق آبائهم الشرير عندئذٍ يؤدب. هكذا تظهر طول أناة الله على البشريّة. وللقدِّيس ﭽيروم تعليق جميل على ذلك بالنسبة لطول أناة الله على الإنسان إذ يرى الله لا يعاقب الإنسان في الحال على فكره الطاريء ولا على الجيل الأول حينما يتقبل الفكر إلى حين لكنه يؤدب على الجيل الثالث والرابع حينما تتحول الأفكار إلى أعمال وإلى عادات، إذ يقول: [هذا يعني أن الله لا يعاقبنا في الحال على أفكارنا ونياتنا بل يرسل التأديب على أولادهم أي على الأفعال الشريرة وعادات الخطيئة النابعة عنهم]. 5. حرمانهم من أرض الموعد: 20 فَقَالَ الرَّبُّ: «قَدْ صَفَحْتُ حَسَبَ قَوْلِكَ. 21 وَلكِنْ حَيٌّ أَنَا فَتُمْلأُ كُلُّ الأَرْضِ مِنْ مَجْدِ الرَّبِّ، 22 إِنَّ جَمِيعَ الرِّجَالِ الَّذِينَ رَأَوْا مَجْدِي وَآيَاتِي الَّتِي عَمِلْتُهَا فِي مِصْرَ وَفِي الْبَرِّيَّةِ، وَجَرَّبُونِي الآنَ عَشَرَ مَرَّاتٍ، وَلَمْ يَسْمَعُوا لِقَوْلِي، 23 لَنْ يَرَوْا الأَرْضَ الَّتِي حَلَفْتُ لآبَائِهِمْ. وَجَمِيعُ الَّذِينَ أَهَانُونِي لاَ يَرَوْنَهَا. 24 وَأَمَّا عَبْدِي كَالِبُ فَمِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَتْ مَعَهُ رُوحٌ أُخْرَى، وَقَدِ اتَّبَعَنِي تَمَامًا، أُدْخِلُهُ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي ذَهَبَ إِلَيْهَا، وَزَرْعُهُ يَرِثُهَا. 25 وَإِذِ الْعَمَالِقَةُ وَالْكَنْعَانِيُّونَ سَاكِنُونَ فِي الْوَادِي، فَانْصَرِفُوا غَدًا وَارْتَحِلُوا إِلَى الْقَفْرِ فِي طَرِيقِ بَحْرِ سُوفَ». 26 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ قَائِلًا: 27 «حَتَّى مَتَى أَغْفِرُ لِهذِهِ الْجَمَاعَةِ الشِّرِّيرَةِ الْمُتَذَمِّرَةِ عَلَيَّ؟ قَدْ سَمِعْتُ تَذَمُّرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِي يَتَذَمَّرُونَهُ عَلَيَّ. 28 قُلْ لَهُمْ: حَيٌّ أَنَا يَقُولُ الرَّبُّ، لأَفْعَلَنَّ بِكُمْ كَمَا تَكَلَّمْتُمْ فِي أُذُنَيَّ. 29 فِي هذَا الْقَفْرِ تَسْقُطُ جُثَثُكُمْ، جَمِيعُ الْمَعْدُودِينَ مِنْكُمْ حَسَبَ عَدَدِكُمْ مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً فَصَاعِدًا الَّذِينَ تَذَمَّرُوا عَلَيَّ. 30 لَنْ تَدْخُلُوا الأَرْضَ الَّتِي رَفَعْتُ يَدِي لأُسْكِنَنَّكُمْ فِيهَا، مَا عَدَا كَالِبَ بْنَ يَفُنَّةَ وَيَشُوعَ بْنَ نُونٍ. 31 وَأَمَّا أَطْفَالُكُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ يَكُونُونَ غَنِيمَةً فَإِنِّي سَأُدْخِلُهُمْ، فَيَعْرِفُونَ الأَرْضَ الَّتِي احْتَقَرْتُمُوهَا. 32 فَجُثَثُكُمْ أَنْتُمْ تَسْقُطُ فِي هذَا الْقَفْرِ، 33 وَبَنُوكُمْ يَكُونُونَ رُعَاةً فِي الْقَفْرِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَيَحْمِلُونَ فُجُورَكُمْ حَتَّى تَفْنَى جُثَثُكُمْ فِي الْقَفْرِ. 34 كَعَدَدِ الأَيَّامِ الَّتِي تَجَسَّسْتُمْ فِيهَا الأَرْضَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، لِلسَّنَةِ يَوْمٌ. تَحْمِلُونَ ذُنُوبَكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَتَعْرِفُونَ ابْتِعَادِي. 35 أَنَا الرَّبُّ قَدْ تَكَلَّمْتُ. لأَفْعَلَنَّ هذَا بِكُلِّ هذِهِ الْجَمَاعَةِ الشِّرِّيرَةِ الْمُتَّفِقَةِ عَلَيَّ. فِي هذَا الْقَفْرِ يَفْنَوْنَ، وَفِيهِ يَمُوتُونَ». قَبِل الرب شفاعة موسى النبي فلم يَبِد الشعب لكنه لم يسمح لهم بدخول أرض الموعد، إنما أعطى الوعد لأولادهم إذ يقول: "قد صفحت حسب قولك. ولكن حيّ أنا فتملأ كل الأرض من مجد الرب. إن جميع الرجال الذين رأوا مجدي وآياتي التي عملتها في مصر وفي البريّة وجربوني الآن عشر مرات ولم يسمعوا لقولي لن يروا الأرض التي حلفت لآبائهم، وجميع الذين أهانوني لا يرونها" [20-23]. مستثنيًا يشوع وكالب من أجل إيمانهما بوعده. الله يصفح عن خطايانا عندما نتوب لكنه يؤدب ليس كأجرة للخطيئة، فقد دفع الثمن بالكامل على الصليب وإنما لكي نتذوق من ثمارها المُرّة فلا نعود إليها. ليس منا من يحتمل ثمرة خطاياه كما هي لأنها موت أبدي لكن من أجل كثرة مراحمه يترك بعض الآثار تعمل لمضايقتنا إلى حين وقدر احتمالنا فنكره الخطيئة، وندرك أنها خاطئة جدًا. صفح الله لكنه يؤدب عِوَض الأربعين يومًا التي تجسسوا فيها الأرض يبقون أربعين عامًا في البريّة تائهين (ع 34)، يؤدبون فيها سنة كاملة عن كل يوم! قد يتساءل أحدنا: أليس في هذا نوع من القسوة أن يؤدب الإنسان سنة عن اليوم الواحد؟ يجيب العلامة أوريجينوس على هذا السؤال قائلًا: [إن كان الإنسان يجرح بالسيف في أقل من ساعة فيتعرض لآلام كثيرة تصيب جسده وعظامه فيحتاج إلى فترة علاج طويلة، وربما تحدث له مضاعفات وتترك الجراحات آثارًا أو عاهات، أليس هذا ما يحدث أيضًا مع النفس حين يجرحها سيف الخطيئة أو كما يقول الرسول: "سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ" نارًا (أف 6: 16)! [آه لو أمكننا أن نرى في كل خطيئة نرتكبها كيف يجرح الإنسان، وكيف تسبب الكلمات الرديئة آلامًا؟ ألم نقرأ: قيل أن السيف في جرحه أهون من اللسان! إذن باللسان تجرح النفس، وبالأفكار الشريرة والشهوات الدنسة تنكسر النفس وتتحطم بأعمال الخطيئة. لو استطعنا أن نرى الأمور كما هي ونشعر بجراحات النفس لكننا نقاوم الخطيئة حتى الموت]. ويُعلِّق العلامة أوريجينوس أيضًا عن هذا التأديب قائلًا: [يجب على كل خاطئ أن يعاني عامًا من الشقاء مقابل كل يوم من الخطيئة، فكم من السنين تقابل الأيام التي نعيشها في الخطيئة يلزم أن نمر بها في العقاب نحن الذين نخطئ كل الأيام ولا يمر علينا يوم بدون خطيئة؟]. على أي الأحوال إذ قبل الشعب "عدم الإيمان" ذاقوا ثماره المُرَّة من حالة رعب، إذ قالوا "لا نقدر أن نصعد إلى الشعب لأنهم أشد منا" (عد 13: 31)، وحالة خسارة وفقدان إذ حرموا من أرض الموعد (ع 30)، وسقطوا تحت التأديب أربعين عامًا عوض الأربعين يومًا (ع 34)، بل وصاروا تحت حكم الموت، إذ قال الرب: "في هذا القفر يفنون وفيه يموتون" [35]. أما سرّ هذا كله فهو أنه بالخطيئة يفارقهم الرب: "إنكم قد ارتدتم عن الرب فالرب لا يكون معكم" [43]. فقدوا الرب سرّ قوتهم وسلامهم وفرحهم ومكافأتهم بل وحياتهم. 6. موت الرجال الأشرار: 36 أَمَّا الرِّجَالُ الَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ مُوسَى لِيَتَجَسَّسُوا الأَرْضَ، وَرَجَعُوا وَسَجَّسُوا عَلَيْهِ كُلَّ الْجَمَاعَةِ بِإِشَاعَةِ الْمَذَمَّةِ عَلَى الأَرْضِ، 37 فَمَاتَ الرِّجَالُ الَّذِينَ أَشَاعُوا الْمَذَمَّةَ الرَّدِيئَةَ عَلَى الأَرْضِ بِالْوَبَإِ أَمَامَ الرَّبِّ. 38 وَأَمَّا يَشُوعُ بْنُ نُونَ وَكَالِبُ بْنُ يَفُنَّةَ، مِنْ أُولئِكَ الرِّجَالِ الَّذِينَ ذَهَبُوا لِيَتَجَسَّسُوا الأَرْضَ، فَعَاشَا. 39 وَلَمَّا تَكَلَّمَ مُوسَى بِهذَا الْكَلاَمِ إِلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بَكَى الشَّعْبُ جِدًّا. إذ كان الشعب في مرحلة الطفولة الروحيّة لا يؤمن إلاَّ بما يعاينه ويلمسه، لهذا سمح الرب بضرب الرجال العشرة بالوباء فماتوا (ع 37) حتى يدرك الكل ماذا يفعل عدم الإيمان بهم. 7. تأديب الشعب: 40 ثُمَّ بَكَّرُوا صَبَاحًا وَصَعِدُوا إِلَى رَأْسِ الْجَبَلِ قَائِلِينَ: «هُوَذَا نَحْنُ! نَصْعَدُ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي قَالَ الرَّبُّ عَنْهُ، فَإِنَّنَا قَدْ أَخْطَأْنَا». 41 فَقَالَ مُوسَى: «لِمَاذَا تَتَجَاوَزُونَ قَوْلَ الرَّبِّ؟ فَهذَا لاَ يَنْجَحُ. 42 لاَ تَصْعَدُوا، لأَنَّ الرَّبَّ لَيْسَ فِي وَسَطِكُمْ لِئَلاَّ تَنْهَزِمُوا أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ. 43 لأَنَّ الْعَمَالِقَةَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ هُنَاكَ قُدَّامَكُمْ تَسْقُطُونَ بِالسَّيْفِ. إِنَّكُمْ قَدِ ارْتَدَدْتُمْ عَنِ الرَّبِّ، فَالرَّبُّ لاَ يَكُونُ مَعَكُمْ». 44 لكِنَّهُمْ تَجَبَّرُوا وَصَعِدُوا إِلَى رَأْسِ الْجَبَلِ. وَأَمَّا تَابُوتُ عَهْدِ الرَّبِّ وَمُوسَى فَلَمْ يَبْرَحَا مِنْ وَسَطِ الْمَحَلَّةِ. 45 فَنَزَلَ الْعَمَالِقَةُ وَالْكَنْعَانِيُّونَ السَّاكِنُونَ فِي ذلِكَ الْجَبَلِ وَضَرَبُوهُمْ وَكَسَّرُوهُمْ إِلَى حُرْمَةَ. ندم الشعب على تذمره وبكوا جدًا، لكنهم عِوَض الطاعة أصروا على الصعود إلى أرض الموعد. حذَّرهم موسى النبي لكنهم أصروا فأهلكهم العمالقة والكنعانيّون. حقًا ما أعجب الإنسان أن يطلب الرب منه أن يصعد، فيخاف ويرتعب في عدم إيمان، وإذ يحذِّره من الصعود يخرج من تلقاء ذاته فيهلك! لقد ضربهم الكنعانيّون مع العمالقة حتى إلى مدينة حرمة التي تعني "موضع مُقَدَّس" أو "مُحَرَّم"، وهي مدينة ليست بعيدة عن قادش. وقد استولى عليها العبرانيّون فيما بعد (عد 21: 3)، وقد صارت من نصيب يهوذا لكنها نُقلت فيما بعد إلى شِمْعون (يش 15: 30؛ 19: 4؛ قض 1: 17). وكانت عزيزة لدى داود النبي عندما كان طريدًا، إذ أرسل إلى أصدقائه هناك جزءًا من غنائم صقلغ (1 صم 30: 26، 30). وصايا للتقديس إذ انكسر الشعب أمام الملائكة والكنعانيون إلى حرمة أي إلى "الموضع المقدَّس"، قدم الله لهم وصايا للتقديس، وكأنه أراد أن ينسيهم السقوط لا في استهتار أو استهانة وإنما خلال "الحياة المقدَّسة" التي تهبهم الغلبة الروحيّة، فحدثهم عن: 1. تقديم ذبائح ومحرقات: 1 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 2 «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: مَتَى جِئْتُمْ إِلَى أَرْضِ مَسْكَنِكُمُ الَّتِي أَنَا أُعْطِيكُمْ، 3 وَعَمِلْتُمْ وَقُودًا لِلرَّبِّ، مُحْرَقَةً أَوْ ذَبِيحَةً، وَفَاءً لِنَذْرٍ أَوْ نَافِلَةً أَوْ فِي أَعْيَادِكُمْ، لِعَمَلِ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ مِنَ الْبَقَرِ أَوْ مِنَ الْغَنَمِ، 4 يُقَرِّبُ الَّذِي قَرَّبَ قُرْبَانَهُ لِلرَّبِّ تَقْدِمَةً مِنْ دَقِيق، عُشْرًا مَلْتُوتًا بِرُبْعِ الْهِينِ مِنَ الزَّيْتِ، 5 وَخَمْرًا لِلسَّكِيبِ رُبْعَ الْهِينِ. تَعْمَلُ عَلَى الْمُحْرَقَةِ أَوِ الذَّبِيحَةِ لِلْخَرُوفِ الْوَاحِدِ. 6 لكِنْ لِلْكَبْشِ تَعْمَلُ تَقْدِمَةً مِنْ دَقِيق عُشْرَيْنِ مَلْتُوتَيْنِ بِثُلْثِ الْهِينِ مِنَ الزَّيْتِ، 7 وَخَمْرًا لِلسَّكِيبِ ثُلْثَ الْهِينِ تُقَرِّبُ لِرَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ. 8 وَإِذَا عَمِلْتَ ابْنَ بَقَرٍ مُحْرَقَةً أَوْ ذَبِيحَةً وَفَاءً لِنَذْرٍ أَوْ ذَبِيحَةَ سَلاَمَةٍ لِلرَّبِّ، 9 تُقَرِّبُ عَلَى ابْنِ الْبَقَرِ تَقْدِمَةً مِنْ دَقِيق ثَلاَثَةَ أَعْشَارٍ مَلْتُوتَةً بِنِصْفِ الْهِينِ مِنَ الزَّيْتِ، 10 وَخَمْرًا تُقَرِّبُ لِلسَّكِيبِ نِصْفَ الْهِينِ وَقُودَ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ. 11 هكَذَا يُعْمَلُ لِلثَّوْرِ الْوَاحِدِ أَوْ لِلْكَبْشِ الْوَاحِدِ أَوْ لِلشَّاةِ مِنَ الضَّأْنِ أَوْ مِنَ الْمَعْزِ. 12 كَالْعَدَدِ الَّذِي تَعْمَلُونَ هكَذَا تَعْمَلُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَسَبَ عَدَدِهِنَّ. 13 كُلُّ وَطَنِيٍّ يَعْمَلُ هذِهِ هكَذَا، لِتَقْرِيبِ وَقُودِ رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ. 14 وَإِذَا نَزَلَ عِنْدَكُمْ غَرِيبٌ، أَوْ كَانَ أَحَدٌ فِي وَسَطِكُمْ فِي أَجْيَالِكُمْ وَعَمِلَ وَقُودَ رَائِحَةِ سُرُورٍ لِلرَّبِّ، فَكَمَا تَفْعَلُونَ كَذلِكَ يَفْعَلُ. 15 أَيَّتُهَا الْجَمَاعَةُ، لَكُمْ وَلِلْغَرِيبِ النَّازِلِ عِنْدَكُمْ فَرِيضَةٌ وَاحِدَةٌ دَهْرِيَّةٌ فِي أَجْيَالِكُمْ. مَثَلُكُمْ يَكُونُ مَثَلَ الْغَرِيبِ أَمَامَ الرَّبِّ. 16 شَرِيعَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُكْمٌ وَاحِدٌ يَكُونُ لَكُمْ وَلِلْغَرِيبِ النَّازِلِ عِنْدَكُمْ». 17 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 18 «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: مَتَى دَخَلْتُمُ الأَرْضَ الَّتِي أَنَا آتٍ بِكُمْ إِلَيْهَا، 19 فَعِنْدَمَا تَأْكُلُونَ مِنْ خُبْزِ الأَرْضِ تَرْفَعُونَ رَفِيعَةً لِلرَّبِّ. 20 أَوَّلَ عَجِينِكُمْ تَرْفَعُونَ قُرْصًا رَفِيعَةً، كَرَفِيعَةِ الْبَيْدَرِ هكَذَا تَرْفَعُونَهُ. 21 مِنْ أَوَّلِ عَجِينِكُمْ تُعْطُونَ لِلرَّبِّ رَفِيعَةً فِي أَجْيَالِكُمْ. نترك الحديث عن الذبائح والمحرقات والتقدمات في تفاصيلها ورموزها لسفر اللاويّين، لكننا نلاحظ في حديثه هنا: أولًا: يبدأ حديثه مع موسى النبي بقوله: "قل لهم متى جئتم إلى أرض مسكنكم التي أنا أعطيكم وعملتم وقودًا للرب..." مكررًا هذه العبارة مرة أخرى بكلمات أخرى (ع 1، 17). كأن الله بعد أن أعلن تأديبهم بعدم الدخول إلى أرض الموعد أراد أن يؤكد لهم أن ما يهبه لأولادهم إنما يعطيه لهم، فيرفع من حياتهم المعنوية ويبعث فيهم الرجاء من جديد، فلا يكملوا الطريق في البريّة بنفس محطمة! لقد أراد لهم ألاَّ يفكروا كثيرًا في سقطات الماضي ومرارته بقدر ما يستعدوا للمكاسب الروحيّة المقبلة والتمتع بوعود الله الأمينة. فإن عصيانهم هو سرّ انكسارهم الحالي والماضي، فإن عبادتهم الروحيّة هي العلاج، لهذا حدَّثهم عن الذبائح والتقدمات. ثانيًا: أوضح لهم هنا قبوله الأمم معهم كأعضاء في الكنيسة المقدَّسة تشاركهم عبادتهم وشريعتهم، إذ يقول: "أيتها الجماعة لكم وللغريب النازل عندكم فريضة واحدة دهرية في أجيالكم. مثلكم يكون مثل الغريب أمام الرب. شريعة واحدة وحكم واحد يكون لكم وللغريب النازل عندكم" [15-16]. 2. محرقة خطيّة السهو العام: 22 «وَإِذَا سَهَوْتُمْ وَلَمْ تَعْمَلُوا جَمِيعَ هذِهِ الْوَصَايَا الَّتِي كَلَّمَ بِهَا الرَّبُّ مُوسَى، 23 جَمِيعَ مَا أَمَرَكُمْ بِهِ الرَّبُّ عَنْ يَدِ مُوسَى، مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي أَمَرَ فِيهِ الرَّبُّ فَصَاعِدًا فِي أَجْيَالِكُمْ، 24 فَإِنْ عُمِلَ خُفْيَةً عَنْ أَعْيُنِ الْجَمَاعَةِ سَهْوًا، يَعْمَلُ كُلُّ الْجَمَاعَةِ ثَوْرًا وَاحِدًا ابْنَ بَقَرٍ مُحْرَقَةً لِرَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرَّبِّ، مَعَ تَقْدِمَتِهِ وَسَكِيبِهِ كَالْعَادَةِ، وَتَيْسًا وَاحِدًا مِنَ الْمَعْزِ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. 25 فَيُكَفِّرُ الْكَاهِنُ عَنْ كُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَيُصْفَحُ عَنْهُمْ لأَنَّهُ كَانَ سَهْوًا. فَإِذَا أَتَوْا بِقُرْبَانِهِمْ وَقُودًا لِلرَّبِّ، وَبِذَبِيحَةِ خَطِيَّتِهِمْ أَمَامَ الرَّبِّ لأَجْلِ سَهْوِهِمْ، 26 يُصْفَحُ عَنْ كُلِّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْغَرِيبِ النَّازِلِ بَيْنَهُمْ، لأَنَّهُ حَدَثَ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ بِسَهْوٍ. تقدم ذبيحة عن السهو الذي تسقط فيه الجماعة... مع أن ما حدث كان سهوًا لكن الجماعة تلتزم بتقديم الذبيحة أولًا للكشف بطريقة ملموسة عن أهمية الحياة المقدَّسة في الرب وبشاعة الخطيئة حتى وإن ارتكبت سهوًا. ثانيًا السهو يكشف عن عدم مبالاة الإنسان وعدم اهتمامه بالوصيّة، فلو أنه مستغرق فيها ويحبها لانشغل بها ولا ينساها. 3. ذبيحة خطيّة السهو الخاص: 27 «وَإِنْ أَخْطَأَتْ نَفْسٌ وَاحِدَةٌ سَهْوًا، تُقَرِّبْ عَنْزًا حَوْلِيَّةً ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، 28 فَيُكَفِّرُ الْكَاهِنُ عَنِ النَّفْسِ الَّتِي سَهَتْ عِنْدَمَا أَخْطَأَتْ بِسَهْوٍ أَمَامَ الرَّبِّ لِلتَّكْفِيرِ عَنْهَا، فَيُصْفَحُ عَنْهَا. 29 لِلْوَطَنِيِّ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلِلْغَرِيبِ النَّازِلِ بَيْنَهُمْ تَكُونُ شَرِيعَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْعَامِلِ بِسَهْوٍ. 30 وَأَمَّا النَّفْسُ الَّتِي تَعْمَلُ بِيَدٍ رَفِيعَةٍ مِنَ الْوَطَنِيِّينَ أَوْ مِنَ الْغُرَبَاءِ فَهِيَ تَزْدَرِي بِالرَّبِّ. فَتُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ مِنْ بَيْنِ شَعْبِهَا، 31 لأَنَّهَا احْتَقَرَتْ كَلاَمَ الرَّبِّ وَنَقَضَتْ وَصِيَّتَهُ. قَطْعًا تُقْطَعُ تِلْكَ النَّفْسُ. ذَنْبُهَا عَلَيْهَا». ميّز الرب بين الخطيئة التي تُرتكب سهوًا بسبب النسيان والتي تُرتكب عمدًا، الأولى مع خطورتها إذ تكشف عن عدم الاهتمام بالوصيّة لكن الله يتراءف ويطلب تقديم ذبيحة خطيّة عنها فيغفر، وبهذا لا يعود الإنسان ينسى الوصيّة الإلهيّة. أما الخطيّة التي تُرتكب عمدًا فأجرتها: "تُقطع تلك النفس من بين شعبها، لأنها احتقرت كلام الرب ونقضت وصيته. قطعًا تُقطع تلك النفس، ذنبها عليها" [30-31]. 4. كسر وصيّة السبت: 32 وَلَمَّا كَانَ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْبَرِّيَّةِ وَجَدُوا رَجُلًا يَحْتَطِبُ حَطَبًا فِي يَوْمِ السَّبْتِ. 33 فَقَدَّمَهُ الَّذِينَ وَجَدُوهُ يَحْتَطِبُ حَطَبًا إِلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَكُلِّ الْجَمَاعَةِ. 34 فَوَضَعُوهُ فِي الْمَحْرَسِ لأَنَّهُ لَمْ يُعْلَنْ مَاذَا يُفْعَلُ بِهِ. 35 فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «قَتْلًا يُقْتَلُ الرَّجُلُ. يَرْجُمُهُ بِحِجَارَةٍ كُلُّ الْجَمَاعَةِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ». 36 فَأَخْرَجَهُ كُلُّ الْجَمَاعَةِ إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ وَرَجَمُوهُ بِحِجَارَةٍ، فَمَاتَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى. بعد أن سحب قلب الشعب إلى الحياة المقدَّسة خلال ذبيحة الصليب موضحًا لهم خطورة الخطيئة حتى وإن كانت سهوًا، على المستوى الجماعي أو الفردي، أراد أن يكشف لهم بمثال عملي كراهيته للخطيئة وخاصة "كسر يوم السبت". لقد وجدوا في البريّة رجلًا يحتطب حطبًا في يوم السبت، فوضعوه في المحرس حتى يعلن الرب حكمه عليه، فجاء هكذا: "قتلًا يُقتل الرجل، يرجمه بحجارة كل الجماعة خارج المَحَلَّة" [35]. يرى القديس يوحنا الذهبي الفمأن رجم المحتطب كان مثالًا للآخرين، كما حدث في أمر حنانيا وسفيرة، حتى لا يتكرر الأمر. إنه يقول: [لماذا عوقب الذي كان يجمع الحطب؟ لأنه لو حدث استخفاف بالشرائع في البداية فإنه يصعب مراعاتها بعد ذلك. حقًا كان لحفظ السبت مزايا كثيرة وعظيمة: يجعلهم لطفاء مع أهل البيت وكرماء (إذ لا يعمل الخدم ولا العبيد)، ويعلمهم عناية الله والخليقة كما يقول حزقيال (حز 20: 12)، مدربًا إياهم بالتدريج على الامتناع عن الشر والاهتمام بأمور الروح]. 5. العصابة الأسمانجونيّة: 37 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 38 «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: أَنْ يَصْنَعُوا لَهُمْ أَهْدَابًا فِي أَذْيَالِ ثِيَابِهِمْ فِي أَجْيَالِهِمْ، وَيَجْعَلُوا عَلَى هُدْبِ الذَّيْلِ عِصَابَةً مِنْ أَسْمَانْجُونِيٍّ. 39 فَتَكُونُ لَكُمْ هُدْبًا، فَتَرَوْنَهَا وَتَذْكُرُونَ كُلَّ وَصَايَا الرَّبِّ وَتَعْمَلُونَهَا، وَلاَ تَطُوفُونَ وَرَاءَ قُلُوبِكُمْ وَأَعْيُنِكُمُ الَّتِي أَنْتُمْ فَاسِقُونَ وَرَاءَهَا، 40 لِكَيْ تَذْكُرُوا وَتَعْمَلُوا كُلَّ وَصَايَايَ، وَتَكُونُوا مُقَدَّسِينَ لإِلهِكُمْ. 41 أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لِيَكُونَ لَكُمْ إِلهًا. أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ». يقول الرب لموسى: "قل لهم أن يصنعوا لهم أهدابًا في أذيال ثيابهم في أجيالهم، ويجعلون على هُدب الذيل عصابة من أسمانجوني" [38]. إن كان هُدب الذيل يصل إلى التراب، فإنه بوضع عصابة من أسمانجوني (لون سماوي) يجعل أفكارنا سماويّة حتى وإن كنا نعيش بالجسد (الثوب) على الأرض! اغتصاب الكهنوت لم يقف الأمر عند تذمر الشعب نفسه بل تسرَّب إلى بعض اللاويّين والرؤساء الذين أرادوا اغتصاب الكهنوت متهمين موسى وهرون بالكبرياء على الشعب وتمييزهما لأنفسهما عن بقية الجماعة. 1. قورح وجماعته: 1 وَأَخَذَ قُورَحُ بْنُ يِصْهَارَ بْنِ قَهَاتَ بْنِ لاَوِي، وَدَاثَانُ وَأَبِيرَامُ ابْنَا أَلِيآبَ، وَأُونُ بْنُ فَالَتَ، بَنُو رَأُوبَيْنَ، 2 يُقَاوِمُونَ مُوسَى مَعَ أُنَاسٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ رُؤَسَاءِ الْجَمَاعَةِ مَدْعُوِّينَ لِلاجْتِمَاعِ ذَوِي اسْمٍ. 3 فَاجْتَمَعُوا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ وَقَالُوا لَهُمَا: «كَفَاكُمَا! إِنَّ كُلَّ الْجَمَاعَةِ بِأَسْرِهَا مُقَدَّسَةٌ وَفِي وَسَطِهَا الرَّبُّ. فَمَا بَالُكُمَا تَرْتَفِعَانِ عَلَى جَمَاعَةِ الرَّبِّ؟». أراد قورح وداثان وأبيرام اغتصاب الكهنوت ومعهم 250 من رؤساء الجماعة ذوي اسم، قائلين: "إِنَّ كُلَّ الْجَمَاعَةِ.. مُقَدَّسَةٌ وَفِي وَسَطِهَا الرَّبُّ، فَمَا بَالُكُمَا تَرْتَفِعَانِ عَلَى جَمَاعَةِ الرَّبِّ؟" [3]. لقد رأوا في تسلم موسى النبوة وهرون رئاسة الكهنوت تمييزًا لهما عن الجماعة المقدَّسة، فأرادوا أن يكون الكهنوت مشاعًا لا يقف عند سبط دون آخر أو إنسان دون غيره. إن كان عامة الشعب غالبًا ما يُضرب بروح التذمر بسبب الأكل والشرب وشهوات الجسد، فإن أصحاب الاسم والعظماء يحاربون بضربة أقسى وأمَرّ ألا وهي "الكبرياء". فقورح وهو من بني قهات الذين ميَّزهم الرب بحمل المقدَّسات الإلهيّة الثمينة روحيًا دفع به الكبرياء لاغتصاب الكهنوت ليس خدمة للآخرين بل عطشًا إلى الكرامة، إذ قال لموسى وهرون: [لماذا تَرْتَفِعَانِ عَلَى جَمَاعَةِ الرَّبِّ؟]، وكأن نظرته إلى الرتب الكنسية ليست نظرة خدمة وأبوة بل تسلط وكرامة! استطاع قورح أن يثير داثان وأبيرام ومائتين وخمسين من رؤساء الشعب ذوي اسم، بل وأثار الجماعة كلها ضد موسى وهرون. للأسف أن المبتدعين والمنشقين على الكنيسة غالبًا ما يكونوا ذوي اسم ومواهب تنحرف بهم للهدم عِوَض البنيان، والانشقاق عِوَض الوحدة. كانت نهاية قورح المتكبر وأيضًا داثان وأبيرام انشقاق الأرض وابتلاعهم أحياء، أي سقطوا إلى الهاوية. لهذا يُعلِّق القديس إغريغوريوس أسقف نيصص قائلًا: [يعلِّمنا الكتاب المقدَّس -كما أظن- إنه إذ يرفع الإنسان نفسه بعجرفة ينتهي بسقوطه أسفل الأرض! لهذا فليس بدون سبب تُعرَّف الكبرياء أنها صعود إلى أسفل]. [إن كان الذين يرفعون أنفسهم فوق الآخرين بطريقة ما ينحطون إلى أسفل، إذ فتحت الأرض هوتها لتبتلعهم، فإنه ليس لأحد أن يناقش تعريف الكبرياء أنه سقوط دنيء]. [إن نظرت إنسانًا يظهر نفسه طاهرًا يعلو فوق ألم الملذات، وبحماس عظيم يحسب في نفسه أفضل من غيره، متعطشًا نحو الكهنوت، فتحقق أن الذي تراه إنسان ساقط إلى الأرض بكبريائه المتشامخ]. ويُعلِّق القدِّيس إكليمندس الروماني على موقف هؤلاء الرجال هكذا: [ألقى الحسد داثان وأبيرام حيين في الجحيم لأنهما أشعلا ثورة ضد موسى خادم الله]. [من الأفضل أن يعترف الإنسان بخطاياه بدلًا من أن يقسو قلبه كما قست قلوب الذين ثاروا ضد موسى خادم الله فكان عقابهم علانية، إذ نزلوا أحياء في الجحيم وابتلعهم الموت]. 2. موقف موسى: 4 فَلَمَّا سَمِعَ مُوسَى سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ. 5 ثُمَّ كَلَّمَ قُورَحَ وَجَمِيعَ قَوْمِهِ قَائِلًا: «غَدًا يُعْلِنُ الرَّبُّ مَنْ هُوَ لَهُ، وَمَنِ الْمُقَدَّسُ حَتَّى يُقَرِّبَهُ إِلَيْهِ. فَالَّذِي يَخْتَارُهُ يُقَرِّبُهُ إِلَيْهِ. 6 اِفْعَلُوا هذَا: خُذُوا لَكُمْ مَجَامِرَ. قُورَحُ وَكُلُّ جَمَاعَتِهِ. 7 وَاجْعَلُوا فِيهَا نَارًا، وَضَعُوا عَلَيْهَا بَخُورًا أَمَامَ الرَّبِّ غَدًا. فَالرَّجُلُ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ هُوَ الْمُقَدَّسُ. كَفَاكُمْ يَا بَنِي لاَوِي!». 8 وَقَالَ مُوسَى لِقُورَحَ: «اسْمَعُوا يَا بَنِي لاَوِي. 9 أَقَلِيلٌ عَلَيْكُمْ أَنَّ إِلهَ إِسْرَائِيلَ أَفْرَزَكُمْ مِنْ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ لِيُقَرِّبَكُمْ إِلَيْهِ لِكَيْ تَعْمَلُوا خِدْمَةَ مَسْكَنِ الرَّبِّ، وَتَقِفُوا قُدَّامَ الْجَمَاعَةِ لِخِدْمَتِهَا؟ 10 فَقَرَّبَكَ وَجَمِيعَ إِخْوَتِكَ بَنِي لاَوِي مَعَكَ، وَتَطْلُبُونَ أَيْضًا كَهَنُوتًا! 11 إِذَنْ أَنْتَ وَكُلُّ جَمَاعَتِكَ مُتَّفِقُونَ عَلَى الرَّبِّ. وَأَمَّا هَارُونُ فَمَا هُوَ حَتَّى تَتَذَمَّرُوا عَلَيْهِ؟» 12 فَأَرْسَلَ مُوسَى لِيَدْعُوَ دَاثَانَ وَأَبِيرَامَ ابْنَيْ أَلِيآبَ. فَقَالاَ: «لاَ نَصْعَدُ! 13 أَقَلِيلٌ أَنَّكَ أَصْعَدْتَنَا مِنْ أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا لِتُمِيتَنَا فِي الْبَرِّيَّةِ حَتَّى تَتَرَأَسَ عَلَيْنَا تَرَؤُسًا؟ 14 كَذلِكَ لَمْ تَأْتِ بِنَا إِلَى أَرْضٍ تَفِيضُ لَبَنًا وَعَسَلًا، وَلاَ أَعْطَيْتَنَا نَصِيبَ حُقُول وَكُرُومٍ. هَلْ تَقْلَعُ أَعْيُنَ هؤُلاَءِ الْقَوْمِ؟ لاَ نَصْعَدُ!». "فلما سمع موسى سقط على وجهه" [2]. إذ تسلم رسالته من الله لا يقدر أن يتصرف إلاَّ بالرجوع إليه في اتضاع وانسحاق. بينما يرتفع قلب قورح وجماعته بالكبرياء يتضع موسى جدًا، وكأن الاتضاع يفرز الخادم الحقيقي من المزيف. سلَّم موسى الأمر في يدي الله طالبًا منهم -حسب شهوة قلوبهم- أن يقدموا بخورًا بعد أن حذَّرهم من اغتصاب العمل الكهنوتي (ع 10). تقدَّم قورح في كبرياء قلبه مع المئتين والخمسين رئيسًا يقدمون البخور، أما داثان وأبيرام فلم يقبلا أن يأتيا لمقابلة موسى متهمين إياه أنه يترأس على الشعب وقد جاء بهم إلى البريّة ليميتهم، ولم يأتِ بهم إلى الأرض التي تفيض لبنًا وعسلًا. 3. فرز الكهنوت الحقيقي: 15 فَاغْتَاظَ مُوسَى جِدًّا وَقَالَ لِلرَّبِّ: «لاَ تَلْتَفِتْ إِلَى تَقْدِمَتِهِمَا. حِمَارًا وَاحِدًا لَمْ آخُذْ مِنْهُمْ، وَلاَ أَسَأْتُ إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ». 16 وَقَالَ مُوسَى لِقُورَحَ: «كُنْ أَنْتَ وَكُلُّ جَمَاعَتِكَ أَمَامَ الرَّبِّ، أَنْتَ وَهُمْ وَهَارُونُ غَدًا، 17 وَخُذُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِجْمَرَتَهُ، وَاجْعَلُوا فِيهَا بَخُورًا، وَقَدِّمُوا أَمَامَ الرَّبِّ كُلُّ وَاحِدٍ مِجْمَرَتَهُ. مِئَتَيْنِ وَخَمْسِينَ مِجْمَرَةً. وَأَنْتَ وَهَارُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِجْمَرَتَهُ». 18 فَأَخَذُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِجْمَرَتَهُ وَجَعَلُوا فِيهَا نَارًا وَوَضَعُوا عَلَيْهَا بَخُورًا، وَوَقَفُوا لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ مَعَ مُوسَى وَهَارُونَ. 19 وَجَمَعَ عَلَيْهِمَا قُورَحُ كُلَّ الْجَمَاعَةِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، فَتَرَاءَى مَجْدُ الرَّبِّ لِكُلِّ الْجَمَاعَةِ. موسى النبي الحليم جدًا "اغْتَاظَ.. جِدًّا، وَقَالَ لِلرَّبِّ: لاَ تَلْتَفِتْ إِلَى تَقْدِمَتِهِمَا. حِمَارًا وَاحِدًا لَمْ آخُذْ مِنْهُمْ، وَلاَ أَسَأْتُ إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ" [15]. لم يكن موسى مدافعًا عن نفسه، بل كان غيورًا على كهنوت الرب المغتصب وعلى شعب الله الذي يتعرض للتذمر بسبب كلامهم. 4. تأديب المزيفين: 20 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ قَائِلًا: 21 «افْتَرِزَا مِنْ بَيْنِ هذِهِ الْجَمَاعَةِ فَإِنِّي أُفْنِيهِمْ فِي لَحْظَةٍ». 22 فَخَرَّا عَلَى وَجْهَيْهِمَا وَقَالاَ: «اللّهُمَّ، إِلهَ أَرْوَاحِ جَمِيعِ الْبَشَرِ، هَلْ يُخْطِئُ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَتَسْخَطَ عَلَى كُلِّ الْجَمَاعَةِ؟» 23 فَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 24 «كَلِّمِ الْجَمَاعَةَ قَائِلًا: اطْلَعُوا مِنْ حَوَالَيْ مَسْكَنِ قُورَحَ وَدَاثَانَ وَأَبِيرَامَ». 25 فَقَامَ مُوسَى وَذَهَبَ إِلَى دَاثَانَ وَأَبِيرَامَ، وَذَهَبَ وَرَاءَهُ شُيُوخُ إِسْرَائِيلَ. 26 فَكَلَّمَ الْجَمَاعَةَ قَائِلًا: «اعْتَزِلُوا عَنْ خِيَامِ هؤُلاَءِ الْقَوْمِ الْبُغَاةِ، وَلاَ تَمَسُّوا شَيْئًا مِمَّا لَهُمْ لِئَلاَّ تَهْلِكُوا بِجَمِيعِ خَطَايَاهُمْ». 27 فَطَلَعُوا مِنْ حَوَالَيْ مَسْكَنِ قُورَحَ وَدَاثَانَ وَأَبِيرَامَ، وَخَرَجَ دَاثَانُ وَأَبِيرَامُ وَوَقَفَا فِي بَابِ خَيْمَتَيْهِمَا مَعَ نِسَائِهِمَا وَبَنِيهِمَا وَأَطْفَالِهِمَا. 28 فَقَالَ مُوسَى: «بِهذَا تَعْلَمُونَ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ أَرْسَلَنِي لأَعْمَلَ كُلَّ هذِهِ الأَعْمَالِ، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِي. 29 إِنْ مَاتَ هؤُلاَءِ كَمَوْتِ كُلِّ إِنْسَانٍ، وَأَصَابَتْهُمْ مَصِيبَةُ كُلِّ إِنْسَانٍ، فَلَيْسَ الرَّبُّ قَدْ أَرْسَلَنِي. 30 وَلكِنْ إِنِ ابْتَدَعَ الرَّبُّ بِدْعَةً وَفَتَحَتِ الأَرْضُ فَاهَا وَابْتَلَعَتْهُمْ وَكُلَّ مَا لَهُمْ، فَهَبَطُوا أَحْيَاءً إِلَى الْهَاوِيَةِ، تَعْلَمُونَ أَنَّ هؤُلاَءِ الْقَوْمَ قَدِ ازْدَرَوْا بِالرَّبِّ». 31 فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ التَّكَلُّمِ بِكُلِّ هذَا الْكَلاَمِ، انْشَقَّتِ الأَرْضُ الَّتِي تَحْتَهُمْ، 32 وَفَتَحَتِ الأَرْضُ فَاهَا وَابْتَلَعَتْهُمْ وَبُيُوتَهُمْ وَكُلَّ مَنْ كَانَ لِقُورَحَ مَعَ كُلِّ الأَمْوَالِ، 33 فَنَزَلُوا هُمْ وَكُلُّ مَا كَانَ لَهُمْ أَحْيَاءً إِلَى الْهَاوِيَةِ، وَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمِ الأَرْضُ، فَبَادُوا مِنْ بَيْنِ الْجَمَاعَةِ. 34 وَكُلُّ إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ حَوْلَهُمْ هَرَبُوا مِنْ صَوْتِهِمْ، لأَنَّهُمْ قَالُوا: «لَعَلَّ الأَرْضَ تَبْتَلِعُنَا». 35 وَخَرَجَتْ نَارٌ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ وَأَكَلَتِ الْمِئَتَيْنِ وَالْخَمْسِينَ رَجُلًا الَّذِينَ قَرَّبُوا الْبَخُورَ. اعتزلت الجماعة مسكن قورح وداثان وأبيرام، حيث انفتحت الأرض وابتلعت الرجال وكل ما لهم من نساء وأطفال، فهبطوا إلى الهاوية أحياء، أما المائتان وخمسون رئيسًا فخرجت نار من عند الرب وأكلتهم. ليس شيء يحزن قلب الله مثل اغتصاب العمل الكهنوتي وإثارة انشقاق وسط الكنيسة، لهذا كان تأديب قورح وجماعته أقسى أنواع التأديبات، إذ انشقت الأرض لتبتلعهم، وكأنهم قد صاروا من جملة الشياطين التي تهبط تحت الأرض! يقول القديس إيرينيئوس: [حقًا يجلب الهراطقة نارًا غريبة إلى مذبح الله، أي يجلبون تعاليم غريبة، لهذا يحترقون بنار من السماء كما حدث مع ناداب وأبيهو (لا 10: 1-2). أما الذي يقف ضد الحق، ويثير الآخرين ضد كنيسة الله، ويدخل مع الذين في الجحيم، إذ يبتلعه زلزال كما حدث مع قورح وداثان وأبيرام. أما الذين يشقون الكنيسة ويمزقون وحدتها فيتقبلون ذات العقوبة التي سقط فيها يربعام (1 مل 14: 10)]. وللقديس كبريانوس تعليق على هذا الأمر وهو يتحدَّث عن الهراطقة ومسببي الانشقاق إذ يقول: [لقد عرف قورح وداثان وأبيرام الله ذاته الذي عرفه هرون الكاهن وموسى، وعاشوا تحت نفس الناموس الذي لهما وذات الإيمان، وكانوا يتضرعون لله الواحد الحقيقي ويسألونه متعبدين له، ومع هذا إذ تعدوا خدمة وظيفتهم ضد هرون الكاهن الذي قَبِل الكهنوت الحقيقي... وادعوا لأنفسهم سلطان تقديم الذبيحة ضُربوا ضربة إلهيّة وسقطوا في الحال تحت العقاب بسبب تصرفاتهم غير اللائقة وتقديمهم ذبائح مملوءة تجديفًا غير قانونيّة ضد الحق الإلهي، ولم تستطع الأمور الأولى أن تعفيهم من العقاب أو تفيدهم]. ويرى القديس كبريانوس أن عنف التأديب وقسوته كان لأجل تعليم الآتين من بعدهم. هكذا يستخدم الله الشدة في بدء كل كسر لوصيّة معينة ليعلن مرارة كسرها ويحذِّر الأجيال القادمة بطريقة ماديّة ملموسة. وللقديس كبريانوس أيضًا تعليق على هذا الأمر إذ يُحذِّرنا من خطيّة التذمر قائلًا: [يليق بنا أيها الإخوة الأحباء ألاَّ نتذمر، بل نحتمل بصبر وشجاعة كل ما يحدث، فقد كتب [الذبيحة لله روح منسحق؛ القلب المنكسر والمتواضع لا يرذله الله] (مز 51: 17)، وجاء في سفر التثنية: "لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم" (تث 13: 3)...]. أما المائتان وخمسون رئيسًا فإذ أحرقوا بخورًا بغير استحقاق نزلت نار من عند الرب وأكلتهم. لماذا أمر الرب أن تعتزلهم الجماعة؟ يجيب القديس كبريانوس قائلًا: [أمر الرب موسى أن ينفصل الشعب عنهم لئلا بخلطتهم بالأشرار يسقطون معهم في الشر]. ولماذا ابتلعت الأرض الرجال الأشرار ونساءهم وأولادهم وأطفالهم؟ إنه يمثل اقتلاع كل جذور الخطيئة العاملة في النفس (الرجال) والجسد (النساء) وطاقات الإنسان ومواهبه (الأطفال) فالخطيئة إذ تفسد النفس والجسد وطاقات الإنسان ومشاعره وعواطفه... الخ، يخسر الإنسان كل شيء! لاحظ القدِّيسان ﭽيروم وأغسطينوس أن قورح يعني "جلجثة calvary" لهذا وإن كان قورح قد مات بخطيته مع زوجته وأولاده، لكن كان له أحفاد مباركين هم أبناء العريس المصلوب على الجلجثة، صاروا فرقة للتسبيح للرب، جاءت مزاميرهم كلها مملوءة فرحًا. يقول القديس أغسطينوس: [أولاد قورح هم أولاد العريس المصلوب في موضع الجلجثة]، ويقول القدِّيس ﭽيروم: [أي مزمور يرد فيه ذكر أبناء قورح في عنوانه يكون مزمورًا مفرحًا، ليس فيه شيء من الحزن. فإن كان الرب قد عاقب قورح وداثان وأبيرام بسبب مقاومتهم موسى، لكن لكن أبناء قورح إذ لم يقاوموا مثل أبيهم تباركوا بالفرح الأبدي]. 5. مجامر قورح وجماعته: 36 ثُمَّ كَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 37 «قُلْ لأَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْكَاهِنِ أَنْ يَرْفَعَ الْمَجَامِرَ مِنَ الْحَرِيقِ، وَاذْرِ النَّارَ هُنَاكَ فَإِنَّهُنَّ قَدْ تَقَدَّسْنَ. 38 مَجَامِرَ هؤُلاَءِ الْمُخْطِئِينَ ضِدَّ نُفُوسِهِمْ، فَلْيَعْمَلُوهَا صَفَائِحَ مَطْرُوقَةً غِشَاءً لِلْمَذْبَحِ، لأَنَّهُمْ قَدْ قَدَّمُوهَا أَمَامَ الرَّبِّ فَتَقَدَّسَتْ. فَتَكُونُ عَلاَمَةً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ». 39 فَأَخَذَ أَلِعَازَارُ الْكَاهِنُ مَجَامِرَ النُّحَاسِ الَّتِي قَدَّمَهَا الْمُحْتَرِقُونَ، وَطَرَقُوهَا غِشَاءً لِلْمَذْبَحِ، 40 تَذْكَارًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، لِكَيْ لاَ يَقْتَرِبَ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ لَيْسَ مِنْ نَسْلِ هَارُونَ لِيُبَخِّرَ بَخُورًا أَمَامَ الرَّبِّ، فَيَكُونَ مِثْلَ قُورَحَ وَجَمَاعَتِهِ، كَمَا كَلَّمَهُ الرَّبُّ عَنْ يَدِ مُوسَى. إن كان الله قد أدَّب الكهنة المزيفين، أو مغتصبي الكهنوت، لكنه يرى في المجامر التي استُخدِمت لتقديم بخور باسمه القدوس قد تقدَّست. لهذا طلب من موسى النبي أن تُطرق هذه المجامر النحاسيّة ويُغشى بها المذبح النحاسي. لماذا أمر الرب بذلك؟ يُجيب العلامة أوريجينوس بأن المجامر تشير إلى الكتاب المقدَّس الذي يسيء الهراطقة والمنشقون استخدامه، فيقدمون بخورًا مرذولًا. كأن العيب ليس في المجامر أو البخور وإنما فيمن يستخدمه. أما كونها من النحاس وليس من الذهب أو الفضة (مز 12: 6)، ذلك لأنها تقدم صدى الكلمات بغير قوة الروح، كقول الرسول بولس: "صرت نحاسًا يطن أو صنجًا يرن" (1 كو 13: 1). إذ تُطرق المجامر ويُغشى بها المذبح يظهر بالأكثر لمعان المذبح وبهاؤه، ويعلن العمل الشرير، ينكشف الحق من الباطل، الإيمان السليم من الهرطقات. [من كان يدرك أن النور حسن ما لم يختبر ظلمة الليل؟ ومن الذي يُقدِّر حلاوة العسل ما لم يذق شيئًا مُرًا...؟ هكذا لا يمكن مجد الكهنة المخلصين أن يتلألأ إلاَّ بظهور عقاب الأردياء. كما قرأنا كل بار يبدو في أكبر عظمة أمام الله بمقارنته بغيره، فقد كُتب عن نوح أنه كان بارًا كاملًا في أجياله (تك 6: 9). بهذا يظهر أنه لا يوجد إنسان كامل بطريقة مطلقة، إنما يحسب بارًا "في أجياله". يعلن أنه بار بمقارنته مع الآخرين. في رأيي بالنسبة للوط، كلما عظم فساد سدوم من يوم إلى يوم كان برّ لوط يتعظم. وفي السفر الذي بين أيدينا في دعوة الجواسيس للأرض الموعود بها عندما دفع العشرة الشعب إلى اليأس... بينما أعلن الاثنان الآخران -كالب ويشوع- الأخبار الحسنة وشجعا الشعب (عد 14: 6) على الاستمرار بعزيمة قويّة نالا مكافأة لا تفنى من قِبَل الرب... ما كان لقوة روحيهما أن تلألأ بهذه العظمة لو لم يظهر جبن العشرة الآخرين المملوءة خزيًا. أقول هذا كله من أجل مجامر المذنبين، فإنه يجب أن توضع على المذبح لكي يظهر مجد الأبرار أكثر ارتفاعًا بالمقارنة بانحطاط هؤلاء. بهذا تصير المجامر مثالًا للأجيال القادمة فلا يتكبر أحد ويعتد بذاته ويأخذ الاستحقاق الحبري دون أن يتسلمه من قِبَل الله... فلا يُغتصب المركز بالرشوة بل يصعد حسب ضمير استحقاقاته حسب إرادة الله]. 6. تذمر الشعب: 41 فَتَذَمَّرَ كُلُّ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْغَدِ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ قَائِلِينَ: «أَنْتُمَا قَدْ قَتَلْتُمَا شَعْبَ الرَّبِّ». 42 وَلَمَّا اجْتَمَعَتِ الْجَمَاعَةُ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ انْصَرَفَا إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَإِذَا هِيَ قَدْ غَطَّتْهَا السَّحَابَةُ وَتَرَاءَى مَجْدُ الرَّبِّ. 43 فَجَاءَ مُوسَى وَهَارُونُ إِلَى قُدَّامِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 44 فَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 45 «اِطْلَعَا مِنْ وَسَطِ هذِهِ الْجَمَاعَةِ، فَإِنِّي أُفْنِيهِمْ بِلَحْظَةٍ». فَخَرَّا عَلَى وَجْهَيْهِمَا. 46 ثُمَّ قَالَ مُوسَى لِهَارُونَ: «خُذِ الْمِجْمَرَةَ وَاجْعَلْ فِيهَا نَارًا مِنْ عَلَى الْمَذْبَحِ، وَضَعْ بَخُورًا، وَاذْهَبْ بِهَا مُسْرِعًا إِلَى الْجَمَاعَةِ وَكَفِّرْ عَنْهُمْ، لأَنَّ السَّخَطَ قَدْ خَرَجَ مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ. قَدِ ابْتَدَأَ الْوَبَأُ». 47 فَأَخَذَ هَارُونُ كَمَا قَالَ مُوسَى، وَرَكَضَ إِلَى وَسَطِ الْجَمَاعَةِ، وَإِذَا الْوَبَأُ قَدِ ابْتَدَأَ فِي الشَّعْبِ. فَوَضَعَ الْبَخُورَ وَكَفَّرَ عَنِ الشَّعْبِ. 48 وَوَقَفَ بَيْنَ الْمَوْتَى وَالأَحْيَاءِ فَامْتَنَعَ الْوَبَأُ. 49 فَكَانَ الَّذِينَ مَاتُوا بِالْوَبَإِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفًا وَسَبْعَ مِئَةٍ، عَدَا الَّذِينَ مَاتُوا بِسَبَبِ قُورَحَ. 50 ثُمَّ رَجَعَ هَارُونُ إِلَى مُوسَى إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَالْوَبَأُ قَدِ امْتَنَعَ. مرة أخرى يتذمر الشعب على موسى وهرون بسبب تأديب الرب لهؤلاء الرجال المغتصبين للعمل الكهنوتي. هاج الكل على موسى وهرون واتهموهما بالقتل (ع 41)، الأمر الذي يكشف أولًا عن مدى تأثير قورح وجماعته على الجماعة كلها حتى أنها لم ترتدع بالرغم مما رأوه من تأديب إلهي يصدر من السماء (نارًا) ومن الأرض (تفتح فاها)، كما تكشف عن طبيعة هذا الشعب أو طبيعة الإنسان -خارج النعمة- أنه دائم التذمر. إذ رأى الشعب كله في هذا الحال المُرّ طلب من موسى وهرون أن يخرجان عن الجماعة لكي يفنيها في لحظة (ع 45)، لكن الاثنان خرا على وجهيهما أمام الله، فتراءى مجد الرب وشفع موسى عن شعبه، وطلب من هرون أن يبخر بسرعة وسط الجماعة ليتوقف الوبأ! لست أريد أن أكرر أن هذا السفر وهو يكشف طبيعة الإنسان المتذمر يكشف قلب موسى الملتهب حبًا، الدائم الشفاعة عن شعبه. يلاحظ في هذه الأحداث الآتي: أولًا: إذ اقترب الأذى من موسى وهرون بواسطة الشعب غطت السحابة الخيمة وتراءى مجد الرب. يقول العلامة أوريجينوس: [ما كان يظهر لهما مجد الرب لو لم يصيرا هدفًا للاضطهاد والشدائد ويحدق بهما الخطر حتى قاربا من الموت. إذن لا تأمل أن ترى مجد الرب وأنت نائم في راحة! أليس وسط هذه الصعوبات استحق الرسول أيضًا أن يرى مجد الله؟ ألا تذكر أنه دخل أكثر من مرة في ضيقات وأتعاب وسجون (2 كو 11: 23-27) وضُرب بالعصي ثلاث مرات ورُجم مرة وعانى من الغرق واحتمل أخطارًا في البحر، أخطارًا في الأنهار، أخطار لصوص، أخطارًا من إخوة كذبة. كلما كثرت الآلام ظهر مجد الله للذين يعانون منها بشجاعة]. ثانيًا: شفاعة موسى وهرون عن الشعب واستجابة الرب لهما، إنما تشير إلى عمل الكلمة الإلهيّة أو الوصيّة (موسى مستلم الشريعة) وعمل العبادة (هرون الكاهن) في حياتنا، ففي المسيح يسوع كلمة الله والكاهن الأعظم نتمتع بالخلاص ويُنزع الغضب الإلهي عنا إن تمسكنا بوصاياه ومارسنا العبادة كما يليق. ثالثًا: أحب موسى مقاوميه ومضطهديه، وطلب من هرون الكاهن أن يسرع ويقدم بخورًا وسط الجماعة لخلاصهم، وكأن موسى وهو يمثل عصر الناموس حمل فيه قوة الإنجيل (حب المقاومين مت 5: 44). رابعًا: وقف هرون بين الموتى والأحياء يقدم بخورًا لكي يوقف عمل الموت في حياة الأحياء. إنها لحظات سعيدة عاشها هرون حين وقف رمزًا للمسيح غالب الموت. وكما يقول القديس أمبروسيوس: [ماذا عن هرون؟ أي وقت كان فيه أكثر غبطة من ذلك الذي فيه وقف بين الأحياء والأموات، وبحضرته أوقف الموت عن العبور من أجساد الموتى إلى حياة الأحياء]. خامسًا: ظهر البخور هنا كرمز للصلاة، لهذا يتنبأ ملاخي النبي عن تقديمه في كنيسة العهد الجديد قائلًا: "وفي كل مكان يقرب لاسمي بخور وتقدمة طاهرة" (مل 1: 11)، كما رأى القدِّيس يوحنا في العبادة السماويّة ملاكًا يقدم بخورًا في مجمرة من الذهب(123) (رؤ 8: 3-4). |
||||
27 - 05 - 2024, 10:36 AM | رقم المشاركة : ( 161620 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تذمر الشعب: 1 فَرَفَعَتْ كُلُّ الْجَمَاعَةِ صَوْتَهَا وَصَرَخَتْ، وَبَكَى الشَّعْبُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ. 2 وَتَذَمَّرَ عَلَى مُوسَى وَعَلَى هَارُونَ جَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَالَ لَهُمَا كُلُّ الْجَمَاعَةِ: «لَيْتَنَا مُتْنَا فِي أَرْضِ مِصْرَ، أَوْ لَيْتَنَا مُتْنَا فِي هذَا الْقَفْرِ! 3 وَلِمَاذَا أَتَى بِنَا الرَّبُّ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ لِنَسْقُطَ بِالسَّيْفِ؟ تَصِيرُ نِسَاؤُنَا وَأَطْفَالُنَا غَنِيمَةً. أَلَيْسَ خَيْرًا لَنَا أَنْ نَرْجعَ إِلَى مِصْرَ؟» 4 فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «نُقِيمُ رَئِيسًا وَنَرْجعُ إِلَى مِصْرَ». اهتم الشعب بتقرير الرجال الأردياء الذين بعثوا فيهم روح الخوف ولم يسمعوا لكلمة الله ووعوده، فامتلأت حياتهم قلقًا وصاروا يصرخون ويبكون كل الليلة لا ليطلبوا معونة الله وإرشاده بل متذمرين على موسى وهرون، مشتهين التخلص منها والرجوع مرة أخرى إلى العبوديّة. عللوا سرّ قلقهم واضطرابهم بخروجهم من أرض العبوديّة أو قيادة موسى وهرون لهم ولم يدركوا أن ما أصابهم إنما هو من عدم إيمانهم. لهذا يؤكد القديس يوحنا الذهبي الفمأن الإنسان لا يقدر أحد أن يؤذيه ما لم يؤذِ الإنسان نفسه بنفسه. إن سرّ مرارتهم ليس في الظروف المحيطة بهم ولا في القيادة التي تتعهدهم، بل في مرض القلب الداخلي وانحراف النفس عن رعاية خالقها. ما أقسى قلب الإنسان، فإنه عِوَض ذبيحة الشكر التي يقدمها لله الذي حرره من العبوديّة وتعهده في بريّة هذا العالم ليدخل به إلى كنعان الجديدة يتذمر قائلًا: "ليتنا متنا في أرض مصر، أو ليتنا متنا في هذا القفر! ولماذا أتى بنا الرب إلى هذه الأرض لنسقط بالسيف، وتصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة؟ أليس خيرًا لنا أن نرجع إلى مصر؟" [2-3]. لقد رأوا أن علاج الموقف هو إبادة القيادة الحالية وإقامة قيادة حسب أهوائهم، إذ "قال بعضهم لبعض نقيم رئيسًا ونرجع إلى مصر" [4]. أرادوا أن يتخلصوا من موسى وهرون كما من يشوع وكالب بالرجم (ع 10) ليجدوا قيادة تسلك حسب أهوائهم. امتدح القديس أمبروسيوس الجاسوسين إذ فضلا أن ينطقا بالحق ولو كان الثمن رجمهما (ع 10) عن أن يفعلا مثل بقية الجواسيس الذين أرضوا الشعب على حساب الحق. يقول القدِّيس: [فضَّلا أن يُرجما كما هددهما الشعب عن أن يتراجعا عن ثباتهما المملوء فضيلة]، [فَضَّل الرجلان الصالحان المجد (الإلهي) عن الأمان، أما الأشرار ففضلوا الأمان عن الفضيلة]. |
||||