منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07 - 05 - 2024, 03:45 PM   رقم المشاركة : ( 159651 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,328

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





شقاء الأبرص (مر 1: 40)



في المقطع المرقسيّ يتوجه الأبرص، الّذي يعاني الشقاء، إلى يسوع قائلاً: «إِن شِئتَ فأَنتَ قادِرٌ على أَن تُبرِئَني» (1: 40). يدرك الأبرص، بكشف رغبته هذه أنّ يسوع ينتمي إلى عالم الله، وفي الواقع بحسب ما قرأنا بسفر اللّاوييّن، فقط في الله يمكن أن يكون هناك توافق بين إرادته وقوته. إنها المرة الأولى الّتي يظهر فيها فعل "شئت" بحسب مرقس، لكن هذا الفعل سيظهر مرات عديدة على مدى سياقه الإنجيلي، مما يشير إلى أنّ المشيئة الإلهيّة لها دور كبير في إنتقال الإنسان من حالة الشقاء إلى حالة الشفاء. ونجد حوارًا يظهر فيه الفعل يريد مرات عديدة في حادثة موت المعمدان (را. مر 6: 17-22). يشير الإنجيلي إلى إرادة هيروديّة وابنتها كرغبة متقلبة وغير ناضجة، مما تكشف عن تنازل سلبي وجبان من جانب هيرودس. مما يكشف عن البُعد الأوّل للرغبة كنزوة سطحية في بعض الأحيان، والّتي تؤدي إلى إرتكاب فعل الشر وهو قتل المعمدان. وهذا ينطبق علينا اليّوم سواء بوعي أو بغير وعيّ منّا، بسبب إنغلاقنا، لا نتمكن من رؤية شيء سوى مشاريعنا الصغيرة ونعمى عن محاولة تحقيقها مهما كانت التكلفة. وهناك بُعد آخر يشير لرغبة ثانية يصفها لنا مرقس لاحقًا حينما يعبّر عن إرادة التلاميذ الّتي لا تتناغم مع إرادة يسوع حينما قالا ابني ربدي ليسوع: «يا مُعَلِّم، نُريدُ أَن تَصنَعَ لَنا ما نَسأَلُكَ» (مر10: 35)، نعلم أن طلبهم هو الجلوس بجوار يسوع في ملكه. وهذا هو بمثابة تخريب رسالة يسوع والتلّمذة معًا، فالتلميذ الّذي يُدعي إنّه يقترح الخطة الّتي يتوجب اتباعها وهي تشير للرغبة في نوال أماكن الشرف. فهي إرادتهم الّتي تسير في الاتجاه الـمُعاكس للطريق الّذي أشار إليه يسوع. إلّا أن مرقس قدّم لنا شخصيات ذات رغبة صالحة وهي بالفعل الّتي يقبلها يسوع. إنها حالة أولئك الّذين يكتشفوا إنهم بحاجة إليه، وإنهم بحاجة إلى نوال الشفاء. مثل رغبة أعمى أريحا الّذي بعد أن سمع صراخه، سأله يسوع: «ماذا تُريدُ أَن أَصنَعَ لكَ؟» (10: 51). مَن يصرخ ويلجأ للرّبّ بثقة، يجد إنتباه يسوع إلى رغبته الأصيلة والحقيقية، وإلى صرخته الّتي تخرج من قلب الإنسان الّذي يعاني الشقاء ومن نجاسة الّذين يجدون أنفسهم في حاجة إلى خلاصه.


 
قديم 07 - 05 - 2024, 03:46 PM   رقم المشاركة : ( 159652 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,328

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





شفاء يسوع (مر 1: 41-42)



بعد توقفنا طويلاً على حالات الشقاء بحسب روايّة مرقس، وخاصة شقاء الأبرص في هذا المقطع، والّذي تشجّع بطلب إتمام المشيئة الإلهيّة عليه. وهنا يفاجئنا مرقس في سرده إذ يكشف علنيًا بكلمات واضحة رغبة يسوع، وإرادته، بناءً على طلب الأبرص، إذ يروي مرقس بالتدقيق أفعال يسوع ورغبته الكامنة: «فأَشفَقَ عليهِ يسوع ومَدَّ يَدَه فلَمَسَه وقالَ له: "قد شِئتُ فَابرَأ"» (مر 1: 41). نعم إرادة يسوع من إرادة الله الآب، وهي نوالنا جميعًا الشفاء من أمراض القلب والجسد والرّوح.



كلمات يسوع تحمل ذات الصدى في حواره الحميميّ مع الآب، الّتي سيكشفها لنا مرقس حينما صرخ يسوع: «أَبَّا، يا أَبَتِ، إِنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَدير، فَاصرِفْ عنَّي هذِه الكَأس. ولكِن لا ما أَنا أَشاء، بل ما أنتَ تَشاء» (مر 14: 36). يمكننا أنّ نؤكد أنّ إرادة الله قد كشفت في الكلمات الّتي وجهها يسوع إلى الأبرص: "قد شِئتُ فَابرَأ"، وها هو اليّوم يوجهها لكلاً منا، سواء المريض بالجسد، أم بالروح أو بالنفس. سنتعافى بالشفاء وسيسمع لرغبات قلوبنا ويزيل شفائنا ويحوله إلى شفاء. هذا هو الإنجيل، هذا هو الإعلان المبهج الّذي يحمله يسوع لنساء ولرجال كل العصور. تكشف كلمات يسوع عن وجه الله الّذي يريد الشفاء والقضاء على كل فصل وتهميش.
 
قديم 07 - 05 - 2024, 03:54 PM   رقم المشاركة : ( 159653 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,328

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





لا للشقاء، نعم للشفاء (مر 1: 43-45)



تؤكد كلمات يسوع على أنّ شفاء الأبرص له أهميّة خاصة في السرد المرقسي. الأبرص الّذي إقترب من يسوع في هذا الحدث الواقعي وجد ذاته مُهمشًا ويعاني الموت بينما لايزال حيًا بسبب مرضه. وقد تم التأكيد على خطورة الوضع من خلال تفسيرنا لنص سفر اللّاويين، كما نوهنا بأعلى. فقد كان الأبرص في المجتمع المدني والديني في ذلك الوقت مثل الميت الحي. كان حيًا، لكن جسده كان يتحلل مثل جثة؛ كان عليه أن يعيش بعيدًا عن التجمعات السكنيّة ولهذا السبب ذهب بإرادة ورغبة للقاء يسوع باحثًا عنه لينال الشفاء. وأثناء بحثه، عندما دخل إحدى القرى مُعلنًا حضوره بسبب خطر نقل العدوى للآخرين.



إلّا أنّ في لقائه بيسوع، انقلبت الأدوار: فالشخص الذي كان من المفترض حاملاً لمرض النجاسة أخذ يسوع نجاسته حينما مد له يده ولمسه فصار بحسب الشريعة نجسًا. إلّا أن لمسة الأبرص من يسوع جعلت العكس يتم، إذ أُصيب الأبرص بقداسة يسوع طهارته. هذا هو البُشرى السّارة الّتي بدأت في حياة يسوع الأرضية وتستمر بحياتنا.



مدعويّن، كمعلمنا، لنصبح حاملين رّوح القداسة ومُبشرين بوجه الله لمَن حولنا. كثيرًا ما نتعرّض لتجربة رؤية باطلة أو مشوهة لإرادة الله ورغباته. وبدلاً من ذلك، يكشفها لنا يسوع في جمالها وعظمتها، مشيرًا لتلاميذه بوجود خطة مختلفة، ورغبة تتفق مع رغبته الشفائية: «ابنَ الإِنسانِ لم يَأتِ لِيُخدَم، بل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفْسِه جَماعةَ النَّاس» (مر 10: 45) ويسوع ذاته هو النموذج لهذا البذل الشافي. يسرد مرقس كيفية الإنتقال من شقاء البرص إلى نعمة الشفاء «فزالَ عَنهُ البَرَصُ لِوَقِته وبَرِئ» (مر 1: 42). تكفي كلمة يسوع الشافيّة فتحرر من كلّ شقاء.





يُظهر لنا نص العهد الأوّل من سفر اللّاويين بأن الرغبة تقاوم الشقاء، متى رغب الإنسان ليعرض ذاته أمام كاهن الرّبّ ينال الشفاء (لا 13: 1- 2، 43- 45). وهذا ما رأيناه في حدث شفاء يسوع للأبرص الّذي بحسب مرقس علّمنا طريق لتهذيب إرادتنا لتنتقل من الشقاء إلى الشفاء متى نجحنا في تغيير رغباتنا، لنصبح مُبشرين بالله لذاواتنا ولمن حولنا مثل يسوع. مدعوين في هذا الأسبوع بترك شقائتنا بناء على رغبتنا ولنتعرض بارادتنا للإصابة بعدوى قداسة الله. كما يكشف لنا ختام النص المرقسيّ، لايتم شفاء الأبرص كصانع العجائب من بعيد، بل يشفيه من خلال مساعدته في تحمل مسؤولية شفائه. يؤكد الإنجيلي في كلماته الختاميّة بأن يسوع يجد ذاته في مكان الأبرص الأوّلى قائلاً: «ِإيَّاكَ أَن تُخبِرَ أَحَداً بِشَيء، بَلِ اذهَبْ إِلى الكاهن فَأَرِهِ نَفسَك، ثُمَّ قَرِّبْ عن بُرئِكَ ما أَمَرَ بِه موسى، شَهادةً لَدَيهم» (مر 1: 44). مما يعني بأنّه لم يتمكن من دخول المدينة علنًا وإضطر إلى البقاء في أماكن مهجورة أيّ إنّه أخذ شقاء الأبرص المرضي مانحًا إياه الشفاء. هكذا يكشفا لنا نصيّ هذا المقال بأنّ الله يُحفزنا على توّليّ مسؤوليتنا بالشفاء وإتخاذ القرار بالبقاء في الشقاء أم الصرخ وتحمل المسئوليّة لننال الشفاء. ومن خلال كوننا تلاميذه نقتدي به، يمكننا نحن أيضًا أنّ نجعل من شفاء الله لنا بُشرى سّارة لنساء ولرجال عصرنا الحالي، حينما نخبر عن أعمال الله في حياتنا ومعاونتنا إياهم ليتحملوا مسؤولية ذاواتهم عن أفراحهم وآمالهم، وآلامهم ومعاناتهم؛ وإختيارهم الشفاء وليس الشقاء بإراتهم. دُمتم في شفاء جسديّ وروحيّ ونفسيّ.

 
قديم 07 - 05 - 2024, 03:56 PM   رقم المشاركة : ( 159654 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,328

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

Rose رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




"بيتيّ أم بيتك؟" بين كاتبي سفر أيّوب والإنجيل الثاني




أسبوع مبارك، سنتوقف في هذا المقال الأسبوعي في السلسلة الكتابيّة، فيما بين العهديّن، لنقاش موضوع حيوي، قد لا نعرف معناه إلّا إذا تعرضنا لتجربة قويّة وهي ألّا يكون لدينا بيت! الصعوبة تكمن في أنّ يحيا الإنسان ضيف، جائل، دون بيت له! أين الخطر في هذا؟ أنّ تعيش بلّا مأوى وبدون بيت أيّ إنك تكون بلا حميميّة وبلا موضع خاص بك. هذا الموضوع من الجهة الكتابيّة له عمق لّاهوتي خاصة في الكتب الحكميّة كما سنرى في صراع أيوب بداخل بيته (7: 1-7)، في البيت يتمكن من الصراع الحقيقي. تُقدم لنا هذه الآيات بالعهد الأوّل وصف حالة الإنسان على الأرض، وحالة المعاناة الّتي تسيطر على حياته، بكلمات دراميّة. في العهد الثاني سنتوقف أمام يسوع الّذي تركه بيته السماويّ متنازلاً ليدخل البيوت الأرضيّة وهو ما يهدف إليه مرقس اللّاهوتي (مر 1: 29–39) حيث نرى في هذا المقطع ما نطلق عليه في التفسير الكتابي "يوّم يسوع الأوّل بكفرناحوم". وهذا النص يتم داخل وخارج بيت ما. نهدف في هذا المقال إلى التعرّف على جوهريّة البيت بحسب العهديّن، وأين هو البيت المدعويّن للمكوث فيه، وأيّ بيت سيصمد حتى النهايّة بيتي أم بيتك؟



1. الصراع بالبيت (أي 7: 1-7)



في المقطع الأوّل من سفر أيوب، وهو من الأسفار الحكميّة في العهد الأوّل، يكشف عن الصراع الّذي يحياه، رجل الله، أيّوب، داخل بيته. نسمع في هذه الآيات بصيغة المونولج (صوت واحد)، من قبل كاتب سفر أيّوب وهو الشخص الّذي يعاني في وحدته ويعبر عن هذه المعاناة بمفرده قائلاً: «أَلَيسَت حَياةُ الإنْسانِ في الأَرضِ تَجَنُّدًا وكأَيَّامِ أَجيرٍ أيَّامُه؟ [...] إِذا أضَّجَعتُ قُلتُ: مَتى أقوم؟ [...] تَذَكَّرْ أَنَّ حَياتي هَباء» (أي 7: 1-7). بينما يعيش في حميميّة جدران بيته، يأتي الكاتب بكلمات تعبر عن صرخة وهو الّذي يتألم في بيته. هذا هو جوهر هذا المقطع بداخل البيت يتمكن الإنسان من التعبير عما يتألم منه دون خجل ودون أنّ ينزوي عن أعين الناس فهو في قوقعته وملجأه الخاص. هذه الآيات الحكميّة، تكشف عن أهميّة كشف الإنسان عن قناعه الشخصي ومعايشته الواقع الحقيقي بمنزله دون أنّ يتجمل. يحصي أيام حياته ليالي وأيام، متى يضجع ومتى يقوم، ... في كل الأحوال فهو ببيته، لذلك يمكنه التعبير عن معاناته لأنّه ببيته يتمكن من معايشة الصراع الحقيقي سواء مع المرض، الألم، الكوارث الّتي حلّت به، ... فهو في بيته. في كلمات أيوب، نجد إنسانيتنا المتألمة الّتي أُرسل إليها يسوع، كما سنرى بالعهد الثاني، والّتي لم يهرب منها لأنّها خاطئة، أو نجسة، أو مُتألمة بل يدخل في قلب آلامها ومعاناتها ليعلن الجديد وهو ذاته الجديد الّذي يغير حال البشريّة بأجمعها. يصير دخوله بالبيت الخاص هو الحاجة الـمُلحّة لإعلان الإنجيل، وهو نفسه يصير ضروري ونحن محتاجين إليها اليّوم ومدعويّن بألّا نسمح لأنفسنا بالتراجع أو بالخروج من البيت أو بالدخول إلى البيت إلّا لأسباب خاصة سيكشف عنها يسوع.



2. الخروج من البيت السماويّ (مر 1: 29-39)



كما ناقشنا في المقال السابق بأنّ مرقس لم يُنوّه إلى طفولة يسوع، فهو يقدّم يسوع الناضج في الحياة العلنيّة والّذي يكرز بالملكوت داخل المجمع (راج مر 1: 21-28). وهنا نرى خروج يسوع من مجده السماويّ، من حضن الآب بحسب اللّاهوت اليوحنّاوي (1: 18) ودخوله إلى العالم البشري بتجسده. ثم مع مرقس تأملنا بشفاء الممسُوس في المجمع، حيث إفتتح يسوع رسالته التحريريّة والّتي لم تتوقف حتى يّومنا هذا. بعد دخول يسوع مع تلاميذه الأوائل إلى المجمع وتحرير المصاب بالرّوح النجس (راج مر 1: 21- 28)، نجد في هذا المقال، ولأوّل مرة في السرد المرقسيّ، دخول يسوع بيتًا بشريًا (راج مر 1: 16-20) وفي هذا إشارة إلى أنّ ابن الله الّذي خلق الإنسان يسعى ليتواجد معه في كل الأماكن، سواء المقدّسة وحتّى النجسة منها، فهو لا يخشى واقعنا. إلّا أنّ في شموليّة الإنجيل بحسب مرقس فهناك معنى وتفسير خاص لكلمة "البيت". البيت هو أوّلاً وقبل كل شيء مكان الدراسة، حيث يتعلم الإنسان الخطوات الأوّلى للتواصل مع الله والمحيطين في مجتمعه، يتعلم فنّ المعايشة من أعضاء أسرته. نعم، للبيت خصوصيّة ذات أهميّة والسبب هو أنّ ما يُعاش بالبيت لهو حميميّ (راج مر 7: 17؛ 9: 33؛ 9: 28؛ 10: 10). يحافظ البيت على أفراده من ضجيج الناس والزحام ومكان الراحة.



خروج يسوع من المجمع ليدخل بيت سمعان بطرس بسبب أنّ «حَماةُ سِمعانَ في الفِراشِ مَحمومة، فأَخَبَروه بأمرِها. فدنا مِنها فأَخَذَ بِيَدِها وأَنَهَضَها، ففارَقَتْها الحُمَّى، وأَخَذَت تَخدمُهُم» (مر 1: 30-31). يدخل يسوع إلى بيت بطرس الإنسان، ويقترب من إمرأة عجوز، طريحة الفراش ليحررها من مرضها. هذه المرأة تستعيد عافيتها وتنهض بلمسة منه. في البيت تستعيد نشاطها من جديد وتخدم أهلّ بيتها ويسوع معهم. يقلب يسوع الموازين، خارجًا من بيته السماوي وبدخوله بيت سمعان يطرد المرض ويعلن الشفاء بحضوره. وعلى هذا المنوال تستمر سلسلة الشفاءات، سواء الجسديّة أم النفسية، وأيضًا الروحيّة بسبب سلطته الإلهيّة (مر 1: 32-34)، فالبشريّة، بنسائها ورجالها صاروا بيته. ويستمرّ يسوع الجائل في داخلاً بيوتنا الأرضيّة فتصير بيتًا له، مُحررًا إيانّا. فهو يصير بذاته بيتًا ليّ ولك ومكان حميميّتنا بالآب.



البيت هو المكان الّذي يعلّم فيه يسوع تلاميذه، وتتضح صورته كمعلّم ماهر، تحمل أفعاله، بخروجه من البيت السماويّ، مفاتيح لتفسير كلماته وتقدمة حياته وهو يسير نحو أورشليم.



من جانب آخر، نجد أنّ البيت هو أيضًا مكان الشفاء والقرب من حالات الألم والموت الّتي يعيشها الرجال والنساء. بينما يمكث المفلوج ويصير ذو هوية مختفيّة عن الجمع ببيته (راج مر 2: 4)، يشعر أصدقائه بإحتياجهم إلى يسوع، فيثقبوا سطحًا لبيت حيث كان يسوع ويضعوا صديقهم المفلوج أمامه. يذهب يسوع أيضًا إلى بيوت الآخرين ليواجه معاناتهم، ويعيد لهم الحياة (راج مر 5، 38)، كما هو الحال في النص المأخوذ من العهد الثاني ولقاء يسوع مع حماة بطرس (راج مر 1، 29–31). لا يزال البيت هو المكان الّذي يتقاسم فيه يسوع الوليمة مع العشارين والخطاة (راج مر 2: 15؛ ​​14، 3)، وهو مكان تضامن يسوع الكامل مع الرجل والمرأة الّذي يتميز بالبعد عن الله، بالخطيئة، بالتهميش الإجتماعيّ والدينيّ. البيت هو المكان الّذي يعيش فيه الرجال والنساء علاقاتهم الأكثر حميمية وحقيقية، يصبح بالنسبة ليسوع مساحة للقاء البعيدين. بالنسبة ليسوع، البيت هو مكان الصداقة والاحتفال، مكان جمال العلاقات، فرح المائدة، فيه تفوح رائحة الطيب الّذي تسكبه على أقدام يسوع إمرأة خاطئة راج مر 14: 3). البيت هو الكنز الّتي يُعهّد به رّبّ البيت، الّذي سافر، إلى خدمه ليعتنوا به (راج مر 13: 34). فهذا البيت، يحمل إشارة إلى ما سلّمه يسوع لتلاميذه لكي يحرسوه بسهر (راج مر 13: 35) حتى يّوم عودته، وبحسب توصيّة يسوع عندما يضطرون للإنتقال من قرية إلى أخرى للتبشير بملكوت الله، سيكون عليهم أنّ يدخلوا البيوت (راج مر 6: 10). وفي ذلك البيت الّذي يدخلونه عليهم أنّ يقبلوا بشكر وبساطة ما سيقدم لهم، مواصلين نمط معلّمهم الّذي كان ينتقل من قرية إلى قرية، ويدخل بيوت معاصريه من نساء ورجال للشفاء، والالتقاء، وللتبشير بالملكوت، ولمشاركته أفراح وأحزان سكان ذلك البيت. دخل يسوع بيوت أولئك الّذين شفاهم من أمراضهم، ومن عمى القلب بالغفران، ومن عبوديّة الشرير، وكان يأمرهم بالعودة إلى بيوتهم، ليكون بيتهم مكانًا لإعلان أعمال الله العظيمة، فهي رؤيّة إستباقيّة للكنيسة البيتيّة (راج مر 5: 19؛ 8: 26).



3. مغادرة البيت (مر 1: 35- 39)



يسوع يخرج من كفرناحوم ويسير في الجليل: «وقامَ قَبلَ الفَجْرِ مُبَكِّراً، فخَرجَ وذهَبَ إِلى مَكانٍ قَفْر، وأَخذَ يُصَلِّي هُناك [...] فقالَ لَهم: "لِنَذهَبْ إِلى مَكانٍ آخَر، إِلى القُرى المُجاوِرَة، لِأُبشِّرَ فيها أَيضاً، فَإِنِّي لِهذا خَرَجْت". وسارَ في الجَليلِ كُلِّه، يُبَشِّرُ في مَجامِعِهم ويَطرُدُ الشَّياطين» (1: 35- 39). في هذه الآيات لا يكتفي يسوع بالشفاءات والتعاليم البيتيّة بل يدرك إنّه مدعو لمغادرة البيت الحميم؛ خارجًا وسائراً في شوارع مدننا ليشفينا ويحررنا نحن البيعيدين (راج مر 1، 32 – 34). إلحاح الإنجيلي على ترك يسوع الراحة البيتيّة مشيراً بالخروج منه في الصباح الباكر (راج مر 1: 35؛ 16: 2)، في اليّوم الأول بعد السبت (راج مر 1: 32؛ 16: 2)، حيث لا يزال الظلام لا يزال قائمًا (راج مر 1: 35؛ 16: 2). هذا يجعلنا نتوقف على الهدف اللّاهوتي لمرقس حيث يخرج يسوع بإراته من البيت ثم من أبواب أورشليم، ويتجه إلى مكان نجس وهو الجلجثة (راج مر 15: 22)، ليُقدّم ذاته على الصليب وهذه هي العلامة الأسمى والنهائيّة للحياة الّتي تُعاش والّتي يمكن أنّ نغادرها ببذلها بإرادتنا. بالرغم من أنّ البيت، وهو مكان العلاقات العميقة، إلّأ أن يسوع يخرج إلى مكان آخر وهو مكان العزلة والصلاة. العزلة هي الّتي ستُهيئه للمشاركة بحياته وتقديمها لأجل كل من يحيا في البيوت البشريّة.



يتجه يسوع من البيت إلى مكان مهجور ومنعزل (راج مر 1: 35) بالصحراء، وهي المصدر الّذي يبقيه في رسالته، حيث تؤهله الصحراء بالإنفتاح على آفاق أوسع، وتحفظ البيت لئلا يُصبح مكانا للعزلة، مساحة للأنانية الّتي تُستبعد، بدلا من أنّ يكون مكان للإستقبال يصير مكان للتواصل والحميميّة. لذا حينما يطلب يسوع من تلاميذه، الّذين تعلّموا على يديه وداخل جدران البيت متى يهمّوا بالخروج في الوقت المناسب قائلاً: «ما مِن أَحَدٍ تَرَكَ بَيتاً أَو إِخوَةً أَو أَخَواتٍ أَو أُمَّا أَو أَباً أَو بَنينَ أَو حُقولاً مِن أَجْلي وأَجْلِ البِشارَة إِلاَّ نالَ الآنَ في هذهِ الدُّنْيا مِائةَ ضِعْفٍ مِنَ البُيوتِ والإِخوَةِ والأَخَواتِ والأُمَّهاتِ والبَنينَ والحُقولِ مع الاضطِهادات، ونالَ في الآخِرَةِ الحَياةَ الأَبَدِيَّة» (مر 10: 29- 20).



الخلّاصة



سرنا في هذا المقال بهدف التعّرف على جوهريّة البيت باحثين عن البيت الّذي يدعونا إليه الرّبّ لنمكث فيه. فكما رأينا في سفر أيوب الحكميّ (7: 1-7) كيف يعاني داخل جدران بيته فهناك يعيش حقيقة حياته من شكوى ومرارة ولا يحتاج لوضع قناع يخفي وراءه آلامه. أما في العهد الثاني، تتبعنا السياق المرقسيّ (1: 29-39)، حيث تتبعنا أقدام يسوع الجائل والّذي يدخل البيوت ليشفي ويحرر من الخطايا والأمراض ويطرد الشياطين. نجن مدعوون لأن ندعو يسوع ليدخل بيوتنا، وإذا أرادنا صمود بيوتنا فما علينا إلّا أنّ يقبل بدخول يسوع إلى بيتي، فيصير بيته، ونجد فيه بيتًا دائمًا. دُمتم في بيوتكم متمتعيّن بحميميّة الرّبّ.
 
قديم 07 - 05 - 2024, 03:57 PM   رقم المشاركة : ( 159655 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,328

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





الصراع بالبيت (أي 7: 1-7)



في المقطع الأوّل من سفر أيوب، وهو من الأسفار الحكميّة في العهد الأوّل، يكشف عن الصراع الّذي يحياه، رجل الله، أيّوب، داخل بيته. نسمع في هذه الآيات بصيغة المونولج (صوت واحد)، من قبل كاتب سفر أيّوب وهو الشخص الّذي يعاني في وحدته ويعبر عن هذه المعاناة بمفرده قائلاً: «أَلَيسَت حَياةُ الإنْسانِ في الأَرضِ تَجَنُّدًا وكأَيَّامِ أَجيرٍ أيَّامُه؟ [...] إِذا أضَّجَعتُ قُلتُ: مَتى أقوم؟ [...] تَذَكَّرْ أَنَّ حَياتي هَباء» (أي 7: 1-7). بينما يعيش في حميميّة جدران بيته، يأتي الكاتب بكلمات تعبر عن صرخة وهو الّذي يتألم في بيته. هذا هو جوهر هذا المقطع بداخل البيت يتمكن الإنسان من التعبير عما يتألم منه دون خجل ودون أنّ ينزوي عن أعين الناس فهو في قوقعته وملجأه الخاص. هذه الآيات الحكميّة، تكشف عن أهميّة كشف الإنسان عن قناعه الشخصي ومعايشته الواقع الحقيقي بمنزله دون أنّ يتجمل. يحصي أيام حياته ليالي وأيام، متى يضجع ومتى يقوم، ... في كل الأحوال فهو ببيته، لذلك يمكنه التعبير عن معاناته لأنّه ببيته يتمكن من معايشة الصراع الحقيقي سواء مع المرض، الألم، الكوارث الّتي حلّت به، ... فهو في بيته. في كلمات أيوب، نجد إنسانيتنا المتألمة الّتي أُرسل إليها يسوع، كما سنرى بالعهد الثاني، والّتي لم يهرب منها لأنّها خاطئة، أو نجسة، أو مُتألمة بل يدخل في قلب آلامها ومعاناتها ليعلن الجديد وهو ذاته الجديد الّذي يغير حال البشريّة بأجمعها. يصير دخوله بالبيت الخاص هو الحاجة الـمُلحّة لإعلان الإنجيل، وهو نفسه يصير ضروري ونحن محتاجين إليها اليّوم ومدعويّن بألّا نسمح لأنفسنا بالتراجع أو بالخروج من البيت أو بالدخول إلى البيت

 
قديم 07 - 05 - 2024, 03:58 PM   رقم المشاركة : ( 159656 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,328

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





مرقس لم يُنوّه إلى طفولة يسوع فهو يقدّم يسوع الناضج في الحياة العلنيّة والّذي يكرز بالملكوت داخل المجمع (راج مر 1: 21-28). وهنا نرى خروج يسوع من مجده السماويّ، من حضن الآب بحسب اللّاهوت اليوحنّاوي (1: 18) ودخوله إلى العالم البشري بتجسده. ثم مع مرقس تأملنا بشفاء الممسُوس في المجمع، حيث إفتتح يسوع رسالته التحريريّة والّتي لم تتوقف حتى يّومنا هذا. بعد دخول يسوع مع تلاميذه الأوائل إلى المجمع وتحرير المصاب بالرّوح النجس (راج مر 1: 21- 28)، نجد في هذا المقال، ولأوّل مرة في السرد المرقسيّ، دخول يسوع بيتًا بشريًا (راج مر 1: 16-20) وفي هذا إشارة إلى أنّ ابن الله الّذي خلق الإنسان يسعى ليتواجد معه في كل الأماكن، سواء المقدّسة وحتّى النجسة منها، فهو لا يخشى واقعنا. إلّا أنّ في شموليّة الإنجيل بحسب مرقس فهناك معنى وتفسير خاص لكلمة "البيت". البيت هو أوّلاً وقبل كل شيء مكان الدراسة، حيث يتعلم الإنسان الخطوات الأوّلى للتواصل مع الله والمحيطين في مجتمعه، يتعلم فنّ المعايشة من أعضاء أسرته. نعم، للبيت خصوصيّة ذات أهميّة والسبب هو أنّ ما يُعاش بالبيت لهو حميميّ (راج مر 7: 17؛ 9: 33؛ 9: 28؛ 10: 10). يحافظ البيت على أفراده من ضجيج الناس والزحام ومكان الراحة.

 
قديم 07 - 05 - 2024, 03:59 PM   رقم المشاركة : ( 159657 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,328

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





خروج يسوع من المجمع ليدخل بيت سمعان بطرس بسبب أنّ «حَماةُ سِمعانَ في الفِراشِ مَحمومة، فأَخَبَروه بأمرِها. فدنا مِنها فأَخَذَ بِيَدِها وأَنَهَضَها، ففارَقَتْها الحُمَّى، وأَخَذَت تَخدمُهُم» (مر 1: 30-31). يدخل يسوع إلى بيت بطرس الإنسان، ويقترب من إمرأة عجوز، طريحة الفراش ليحررها من مرضها. هذه المرأة تستعيد عافيتها وتنهض بلمسة منه. في البيت تستعيد نشاطها من جديد وتخدم أهلّ بيتها ويسوع معهم. يقلب يسوع الموازين، خارجًا من بيته السماوي وبدخوله بيت سمعان يطرد المرض ويعلن الشفاء بحضوره. وعلى هذا المنوال تستمر سلسلة الشفاءات، سواء الجسديّة أم النفسية، وأيضًا الروحيّة بسبب سلطته الإلهيّة (مر 1: 32-34)، فالبشريّة، بنسائها ورجالها صاروا بيته. ويستمرّ يسوع الجائل في داخلاً بيوتنا الأرضيّة فتصير بيتًا له، مُحررًا إيانّا. فهو يصير بذاته بيتًا ليّ ولك ومكان حميميّتنا بالآب.



البيت هو المكان الّذي يعلّم فيه يسوع تلاميذه، وتتضح صورته كمعلّم ماهر، تحمل أفعاله، بخروجه من البيت السماويّ، مفاتيح لتفسير كلماته وتقدمة حياته وهو يسير نحو أورشليم.



من جانب آخر، نجد أنّ البيت هو أيضًا مكان الشفاء والقرب من حالات الألم والموت الّتي يعيشها الرجال والنساء. بينما يمكث المفلوج ويصير ذو هوية مختفيّة عن الجمع ببيته (راج مر 2: 4)، يشعر أصدقائه بإحتياجهم إلى يسوع، فيثقبوا سطحًا لبيت حيث كان يسوع ويضعوا صديقهم المفلوج أمامه. يذهب يسوع أيضًا إلى بيوت الآخرين ليواجه معاناتهم، ويعيد لهم الحياة (راج مر 5، 38)، كما هو الحال في النص المأخوذ من العهد الثاني ولقاء يسوع مع حماة بطرس (راج مر 1، 29–31). لا يزال البيت هو المكان الّذي يتقاسم فيه يسوع الوليمة مع العشارين والخطاة (راج مر 2: 15؛ ​​14، 3)، وهو مكان تضامن يسوع الكامل مع الرجل والمرأة الّذي يتميز بالبعد عن الله، بالخطيئة، بالتهميش الإجتماعيّ والدينيّ. البيت هو المكان الّذي يعيش فيه الرجال والنساء علاقاتهم الأكثر حميمية وحقيقية، يصبح بالنسبة ليسوع مساحة للقاء البعيدين. بالنسبة ليسوع، البيت هو مكان الصداقة والاحتفال، مكان جمال العلاقات، فرح المائدة، فيه تفوح رائحة الطيب الّذي تسكبه على أقدام يسوع إمرأة خاطئة راج مر 14: 3). البيت هو الكنز الّتي يُعهّد به رّبّ البيت، الّذي سافر، إلى خدمه ليعتنوا به (راج مر 13: 34). فهذا البيت، يحمل إشارة إلى ما سلّمه يسوع لتلاميذه لكي يحرسوه بسهر (راج مر 13: 35) حتى يّوم عودته، وبحسب توصيّة يسوع عندما يضطرون للإنتقال من قرية إلى أخرى للتبشير بملكوت الله، سيكون عليهم أنّ يدخلوا البيوت (راج مر 6: 10). وفي ذلك البيت الّذي يدخلونه عليهم أنّ يقبلوا بشكر وبساطة ما سيقدم لهم، مواصلين نمط معلّمهم الّذي كان ينتقل من قرية إلى قرية، ويدخل بيوت معاصريه من نساء ورجال للشفاء، والالتقاء، وللتبشير بالملكوت، ولمشاركته أفراح وأحزان سكان ذلك البيت. دخل يسوع بيوت أولئك الّذين شفاهم من أمراضهم، ومن عمى القلب بالغفران، ومن عبوديّة الشرير، وكان يأمرهم بالعودة إلى بيوتهم، ليكون بيتهم مكانًا لإعلان أعمال الله العظيمة، فهي رؤيّة إستباقيّة للكنيسة البيتيّة (راج مر 5: 19؛ 8: 26).
 
قديم 07 - 05 - 2024, 04:00 PM   رقم المشاركة : ( 159658 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,328

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





مغادرة البيت (مر 1: 35- 39)



يسوع يخرج من كفرناحوم ويسير في الجليل: «وقامَ قَبلَ الفَجْرِ مُبَكِّراً، فخَرجَ وذهَبَ إِلى مَكانٍ قَفْر، وأَخذَ يُصَلِّي هُناك [...] فقالَ لَهم: "لِنَذهَبْ إِلى مَكانٍ آخَر، إِلى القُرى المُجاوِرَة، لِأُبشِّرَ فيها أَيضاً، فَإِنِّي لِهذا خَرَجْت". وسارَ في الجَليلِ كُلِّه، يُبَشِّرُ في مَجامِعِهم ويَطرُدُ الشَّياطين» (1: 35- 39). في هذه الآيات لا يكتفي يسوع بالشفاءات والتعاليم البيتيّة بل يدرك إنّه مدعو لمغادرة البيت الحميم؛ خارجًا وسائراً في شوارع مدننا ليشفينا ويحررنا نحن البيعيدين (راج مر 1، 32 – 34). إلحاح الإنجيلي على ترك يسوع الراحة البيتيّة مشيراً بالخروج منه في الصباح الباكر (راج مر 1: 35؛ 16: 2)، في اليّوم الأول بعد السبت (راج مر 1: 32؛ 16: 2)، حيث لا يزال الظلام لا يزال قائمًا (راج مر 1: 35؛ 16: 2). هذا يجعلنا نتوقف على الهدف اللّاهوتي لمرقس حيث يخرج يسوع بإراته من البيت ثم من أبواب أورشليم، ويتجه إلى مكان نجس وهو الجلجثة (راج مر 15: 22)، ليُقدّم ذاته على الصليب وهذه هي العلامة الأسمى والنهائيّة للحياة الّتي تُعاش والّتي يمكن أنّ نغادرها ببذلها بإرادتنا. بالرغم من أنّ البيت، وهو مكان العلاقات العميقة، إلّأ أن يسوع يخرج إلى مكان آخر وهو مكان العزلة والصلاة. العزلة هي الّتي ستُهيئه للمشاركة بحياته وتقديمها لأجل كل من يحيا في البيوت البشريّة.



يتجه يسوع من البيت إلى مكان مهجور ومنعزل (راج مر 1: 35) بالصحراء، وهي المصدر الّذي يبقيه في رسالته، حيث تؤهله الصحراء بالإنفتاح على آفاق أوسع، وتحفظ البيت لئلا يُصبح مكانا للعزلة، مساحة للأنانية الّتي تُستبعد، بدلا من أنّ يكون مكان للإستقبال يصير مكان للتواصل والحميميّة. لذا حينما يطلب يسوع من تلاميذه، الّذين تعلّموا على يديه وداخل جدران البيت متى يهمّوا بالخروج في الوقت المناسب قائلاً: «ما مِن أَحَدٍ تَرَكَ بَيتاً أَو إِخوَةً أَو أَخَواتٍ أَو أُمَّا أَو أَباً أَو بَنينَ أَو حُقولاً مِن أَجْلي وأَجْلِ البِشارَة إِلاَّ نالَ الآنَ في هذهِ الدُّنْيا مِائةَ ضِعْفٍ مِنَ البُيوتِ والإِخوَةِ والأَخَواتِ والأُمَّهاتِ والبَنينَ والحُقولِ مع الاضطِهادات، ونالَ في الآخِرَةِ الحَياةَ الأَبَدِيَّة» (مر 10: 29- 20).



الخلّاصة



سرنا في هذا المقال بهدف التعّرف على جوهريّة البيت باحثين عن البيت الّذي يدعونا إليه الرّبّ لنمكث فيه. فكما رأينا في سفر أيوب الحكميّ (7: 1-7) كيف يعاني داخل جدران بيته فهناك يعيش حقيقة حياته من شكوى ومرارة ولا يحتاج لوضع قناع يخفي وراءه آلامه. أما في العهد الثاني، تتبعنا السياق المرقسيّ (1: 29-39)، حيث تتبعنا أقدام يسوع الجائل والّذي يدخل البيوت ليشفي ويحرر من الخطايا والأمراض ويطرد الشياطين. نجن مدعوون لأن ندعو يسوع ليدخل بيوتنا، وإذا أرادنا صمود بيوتنا فما علينا إلّا أنّ يقبل بدخول يسوع إلى بيتي، فيصير بيته، ونجد فيه بيتًا دائمًا. دُمتم في بيوتكم متمتعيّن بحميميّة الرّبّ.
 
قديم 07 - 05 - 2024, 04:01 PM   رقم المشاركة : ( 159659 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,328

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

Rose رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة







"أُكذوبة الإيمان" بين كاتبي سفر التثنيّة والإنجيل الثاني





تأتي الكلمة الإلهيّة لتنعش فينا ما تنفسّه الله من روحه القدوس منذ الخلق. الكلمات الكتابيّة الّتي سنناقشها اليّوم في سلسلتنا الكتابيّة لها مذاق نبويّ وحقيقي. إذ في المقطع الأوّل من سفر التثنيّة (18: 15- 20) نسمع موسى لكلمات خطابيّة حيث يؤكد على رسالته النبويّة بين بني إسرائيل. وفي مرحلة تاليّة بالعهد الثاني يشاركنا مرقس الإنجيلي سيّاقه الّذي يكشف عن السلطان النبويّ الّذي يتحقق بملء في يسوع في أول لقاء له مع معاصريّه بكفرناحوم.



نهدف من خلال هذاالمقال، أنّ تترك الكلمات الّتي يعلنها موسى من جانب صداها فينا والفعل الّذي يتحقّق في أقوال وأفعال يسوع الّتي تكشف لنا وتحررنا من أكاذيب إيماننا به، من خلال سلطان تعليمه وشفائه للمريض بروح نجسة، لنكتشف السلطان الإلهي بحياتنا اليّوم وقبول هذه الرسالة النبويّة الّتي تحققت في يسوع وهي التحرير من أكذوبة الإيمان.





1. السلطة النبويّة (تث 18: 15- 20)



في هذا المقطع الّذي نناقش فيه بعض من آيات بسفر التثنية وهو ينتمي للجزء الأول بالكتب المقدسة العبريّة والمسيحيّة والمعروف بكتب الشريعة ويعتبر هذا الجزء مفتاح لقراءة تاريخ بني إسرائيل. في هذه الآيات القليلة (18: 15- 20)، والّتي هي بمثابة جزء أساسي في خطاب موسى الثاني والّذي بدأ في تث 4: 44 ويختتم في تث 28: 68.



نقرأ سيّاق كاتب سفر التثنيّة الّذي يشير لسلطة موسى في هذا الخطاب، مشيراً على لسان الله كمُرسل لهذا النبيّ قائلاً: «سأُقيمُ لَهم نَبِيُّا مِن وَسْطِ إخوَتِهم مِثلَكَ، وأَجعَلُ كلامي في فَمِه، فيُخاطِبُهم بِكُلِّ ما آمُرُه به. وأَيُّ رَجُلٍ لم يَسمَعْ كَلاميَ الذي يَتَكلَمُ بِه بِاسمْي، فإِنِّي أُحاسِبُه علَيه. ولكن أَيُّ نَبِيٍّ اعتَدَّ بنَفْسِه فقالَ بِاسْمي قَولاً لم آمُرْه أَن يَقولَه، أَو تكَلَّمَ بِاَسمِ آِلهَةٍ أُخْرى، فليَقتَلْ ذلك النَّبِيّ» (تث 18: 18- 20). هذه الرسالة الإلهيّة تحمل تحذيريّن الأوّل لسامعي لرسالة النبيّ الّذي يرسله الله وهي السمع والطاعة لأن ما يكشفه لن يعلنه من ذاته بقدر ما يكشف الله من خلال نبيّه لهم. مما يكشف أنّ السلطة النبويّة يمنحها الله للنبي الّذي يختاره. أما بالنسبة للتحذير الثاني وهو موجه من الله للنبيّ الّذي يخاطب الشعب بكلمات أو برسائل لم يخاطبه الله بها وهنا يعلن الله عن عقابه للنبيّ المزيّف والباطل. نكتشف إذن من خلال أن الرسالة النبويّة هي تكليف إلهيّ، ينبغي على النبيّا أن يكون أمينًا عليها ولا يُزيف ولا يضيف أو يزيل شيئًا منها عند توصيله إياها للشعب.





2. يّوم السبت (مر 1: 21)



من خلال الآية الإفتتاحيّة لهذا المقطع، يستكمل مرقس سرده، لما أعلنه بالنص السابق وهو دعوة يسوع لتلاميذه الأوائل، قائلاً: «ودَخلوا [يسوع وتلاميذه] كَفَرناحوم. وما إن أَتى السَّبْتُ حتَّى دَخَلَ المَجمَعَ وأَخَذَ يُعَلِّم» (مر 1: 21). وهنا يشير علينا الإنجيليّ بأنّ أوّل يّوم ليسوع بكفرناحوم هو يّوم السبت. من الوجهة الزمنيّة، فإنّ هذه الإشارة ليست سببيّة، فالسبت في التقليد الكتابي هو يّوم المجانيّة المطلقة ويّوم التحرر من العبوديّة بالماضي. إنّ حقيقة أعمال يسوع الموضوعة على مدار أوّل يّوم علني ليسوع بحسب مرقس، يتم تحديده في يّوم السبت مما يشير إلى أهميّة أساسيّة في اللّاهوت المرقسي. بالنسبة لمرقس، يظهر العمل المجاني لله الخالق وأيضًا عمله التحريري في شخص يسوع. علاوة على ذلك، فإن المكان الأوّل الّذي نتابع فيه يسوع في أوّل حضور لتلاميذه معه وهو المجمع أثناء تأديته كرجل عبري دوره التعلّيمي وأيضًا يُتممّ ما يعلنه من أسرار إلهيّة. المجمع هو بمثابة المكان الّذي يجتمع فيه اليهود الـمُتدينيّن لقراءة ولسماع كلمة الله بالشريعة والصلاة معًا. وهو في نفس الوقت بيت الجماعة من العبري Bit hakenist، وهو أيضًا مكان التحقيق Bit hamedrashK بيت الجماعة حيث يجتمع المؤمنين للإستماع إلى الكلمات المقدسة. هذا هو العنصر اللّاهوتي الأوّل في هويّة بني إسرائيل المدعوة للاستماع Sham’ للكلمة الإلهيّة والاستجابة منها كأمانة للعهد المقطوع من الله مع الأباء.



يشير العنصر اللّاهوتي الثاني بأنّ المجمع هو بيت للدراسة والبحث. في الواقع، يصير هذا المكان شاهد عيّان على تحقيق الكلمات الإلهيّة الّتي يسمعها المؤمنيّن وفي ذات الوقت مكان لإتمامها وتحققّها. مما يهدف إلى أنّ كل مؤمن يستطيع أنّ يصل لملء الحياة بشكل حقيقي حينما يبحث عن الله في كلمته الّتي إستمع لها بالمجمع. إنّ إله إسرائيل هو إله حقيقي وإله العهدّ، ويتطلب أنّ يتم البحث عنه دائمًا من خلال كلمته. هذا بالإضافة إلى أنّ المجمع هو مكان المجانيّة، كما أن السبت هو يّوم العطاء المجانيّ. في الواقع، يذهب المؤمنين إلى المجمع ليس لأجل العمل، وليس لكسب المال، ولكن ببساطة لسماع الله الّذي يكشف عن ذاته من خلال كلمته. يمكننا القول بأنّ المؤمن في المجمع يفقد وقته في سبيل التواصل بالله والنمو في العلاقة به فيصير ربح لا يقارن بأي ربح ماديّ.





3. سلطان يسوع بالمجمع (مر 1:21- 28)



أثناء اللقاء الإسبوعي لجماعة اليهود وهم مُعاصريّ يسوع، والّذي يتمّ كل يّوم سبت بمجمع كفرناحوم. نلاحظ أنّ اللقاء الّذي يرويّه مرقس ليس كاللقاءات المعتادة. يعيش مُعاصريّ لقاء غير عادي يسوع بل فريّد من نوعه، والسبب هو حضور يسوع بذاته معهم كمعلّم. يتكون السرد المرقسيّ من عنصرين رئيسيين الأوّل التعلّيم والثاني هو تحرير مريض، وهو ابن لإبراهيم، من سيادة الشيطان. لقد نجح مرقس في هذا السيّاق بأكمله بالتركيز فقط على سلطان يسوع exousia.



يقدّم لنا هذا المقطع بحسب مرقس (1: 21-28) بداية أوّل يّوم ليسوع بمدينة كفرناحوم. وهو بمثابة يّوم نموذجي ليسوع حيث يرويّ لنا فيه الإنجيليّ الأنشطة الّتي ميّزت خدمة يسوع في أوّل يّوم له بالحياة العلنيّة ويتعلق هذا السيّاق المرقسيّ بما نوهنا عنه في الخطاب الموسويّ إذ يُشبّه الإنجيلي يسوع في خدمته بـالنبي موسى فتنطبق عليه الكلمات الّتي أعلن عنها كاتب سفر التثنيّة، النبيّ الّذي يقوم بتوصيل الرسالة الإلهيّة وهو في ذات الوقت الكلمة ذاتها. إنّ تجاور نص العهد الأوّل بالنص الإنجيليّ يرشدنا إلى فهم شخصية يسوع كشخص ذو رسالة نبويّة فائقة رسالة الأنبياء جميعًا.





4. الإندهاش والتساؤل (مر 1: 22- 28)



يشير الإنجيليّ بردّ فعل مُعاصري يسوع قائلاً: «فأُعجِبوا بِتَعليمِه، لأَنَّه كانَ يُعَلِّمُهم كَمَن له سُلْطان، لا مِثلَ الكَتَبَة» (1: 22) مما يشير إلى إدراك معاصريّ يسوع، الّذين إلتقوه في حياتهم، بسلّطانه المتميّز. تحمل حياة يسوع سلطانًا، مما يجعلنا نفسره من أصل اللغة اليونانيّة exousia وهو ما يجعلنا نُفكر في شخصية يسوع بذات الصورة النبويّة الـمُعلنة بسفر التثنيّة. نتفاجأ كقراء بإندهاش الحاضرون، معاصري يسوع من تلاميذ ويهود مؤمنين، في بداية ونهاية السرد، إذ يتسألون فيما بينهم عن مصدر سلطة يسوع الّتي بالقول يُفسر بها الكتب المقدسة ثم بالعمل مُخرجًا الشياطين. أولاً الدور التعلّيميّ وهذا ليس تعليمًا عامًا، بل تفسيرًا للكتب المقدسة. المكان هو المجمع، وبالتالي في المكان الرسمي لتفسير الكتب المقدسة. يُعلّم يسوع ومعاصريه يتساءلون عن السلطة التي يسمح بها لنفسه بتفسير الكتب المقدسة. فهو ليس بكاهنًا ولا حاخامًا، ولا نبيًا، إذن كيف يتمكن بتفسير الكتب المقدسة علنًا بيّوم السبت وفي المجمع؟ من يستمع إليه يكتشف أنّ هناك سلطانًا يُدرك في كلامه لا يملكه مُعلّمِي عصره.





5. أكذوبة الإيمان (مر 1: 24- 28)



في ذات الوقت يضيء الإنجيلي على وجود رجل ممسوس برّوح نجسة، صارخًا ومتسائلاً: «ما لَنا ولكَ يا يَسوعُ النَّاصِريّ؟ أَجِئتَ لِتُهلِكَنا؟ أَنا أَعرِفُ مَن أَنتَ: أَنتَ قُدُّوسُ الله". فانتَهَرَه يسوعُ قال:"اِخْرَسْ واخرُجْ مِنه!"» (1: 24- 25). يعلن الرجل، بكلماته تلك، عن المسافة الموجودة بين يسوع والأرّواح النجسة. هذا الرجل مُمارس الإيمان ظاهريًا أيّ إنه شخص يتردد عادة على المكان المقدس، مثلنا جميعًا كمسيحيين في كنائسنا، حيث يستمع إلى كلمة الله ويصلي ومع ذلك فإن الاستماع إلى تعلّيم يسوع يظهر في عداوته لله وكلمته. إنه يحيا في زمن ومكان القداسة، ولكن يسكنه روح نجس، فهو لا يتناغم مع مكان وزمان حياته. ثمّ يلتقي بيسوع، ويحدث ما لم يحدث من قبل. فيسوع، في الواقع، هو قدوس الله، الـمُتناغم تمامًا مع المكان والزمان الّذي يحيا فيه؛ فهو القدوس. ولهذا السبب يتم الكشف عن قناع الرجل الممسوس أمامه ويبدأ يسوع بإتمام مسيرة الشفاء. هذا الرجل يُمثلنا جميعًا نحن الّذين نعيش أُكذوبة الإيمان نحن الّذين نحيا في مكان وزمان المجانية والحرية، دون أنّ نكون أحرارًا. لكن كلمة يسوع موجهة لنا اليّوم، وحضوره، يكشف اغترابنا وعدم إنسجامنا. إن تفسير الكتب المقدسة الّذي يقدمه يسوع يسلط الضوء بشكل كبير على العداوة تجاه كلمة الله الّذي يمكن أن يسكن قلوبنا معتقدين بأننا مؤمنين وصالحين. هذا الـممسوس بالشيطان في كفرناحوم هو الّذي انكشفت عداوته لكلمة الله بحضور يسوع وسلطانه النبويّ وإعلانه التحرير بطرده الرّ,ح النجسة. مدعوين نحن اليّوم للإفاقة من الإكذوبة الإيمانية الّتي نحياها ونحن في قلب الكنيسة ونمارس الأسرار المقدسة. لنتقدم أمام يسوع ليحررنا ويعلن شفائه وننسجم في حقيقة إيماننا فنصير مسيحيين قولاً وفعلاً.





الخلّاصة



محاربتنا للأكاذيب الإيمانيّة اليّوميّة، هي الصراع الّذي يرافق حياتنا ونحن مدعوييّن أنّ نستعيد الإنسجام الباطني من خلال ما يعلنه الله كما رأينا مع موسى من تعاليم ساميّة بالعهد الأوّل من خلال تث 18: 15- 20. وفي ذات الوقت لندخل في الزمن والمكان الّذي يتواجد يسوع (مر 1: 21- 28) فيه بسلطانه ليُنهرّ بكلمته كل ما هو نجس فينا ويحررنا من أكذوبة إيماننا أو أكاذيب باطنية، فنحيا كما يليق بالرّبّ وتابعين له، فهو القدوس. دُمتم في حياة إيمانيّة صادقة.


 
قديم 07 - 05 - 2024, 04:01 PM   رقم المشاركة : ( 159660 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,328

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة







"أُكذوبة الإيمان" بين كاتبي سفر التثنيّة والإنجيل الثاني





تأتي الكلمة الإلهيّة لتنعش فينا ما تنفسّه الله من روحه القدوس منذ الخلق. الكلمات الكتابيّة الّتي سنناقشها اليّوم في سلسلتنا الكتابيّة لها مذاق نبويّ وحقيقي. إذ في المقطع الأوّل من سفر التثنيّة (18: 15- 20) نسمع موسى لكلمات خطابيّة حيث يؤكد على رسالته النبويّة بين بني إسرائيل. وفي مرحلة تاليّة بالعهد الثاني يشاركنا مرقس الإنجيلي سيّاقه الّذي يكشف عن السلطان النبويّ الّذي يتحقق بملء في يسوع في أول لقاء له مع معاصريّه بكفرناحوم.



نهدف من خلال هذاالمقال، أنّ تترك الكلمات الّتي يعلنها موسى من جانب صداها فينا والفعل الّذي يتحقّق في أقوال وأفعال يسوع الّتي تكشف لنا وتحررنا من أكاذيب إيماننا به، من خلال سلطان تعليمه وشفائه للمريض بروح نجسة، لنكتشف السلطان الإلهي بحياتنا اليّوم وقبول هذه الرسالة النبويّة الّتي تحققت في يسوع وهي التحرير من أكذوبة الإيمان.





1. السلطة النبويّة (تث 18: 15- 20)



في هذا المقطع الّذي نناقش فيه بعض من آيات بسفر التثنية وهو ينتمي للجزء الأول بالكتب المقدسة العبريّة والمسيحيّة والمعروف بكتب الشريعة ويعتبر هذا الجزء مفتاح لقراءة تاريخ بني إسرائيل. في هذه الآيات القليلة (18: 15- 20)، والّتي هي بمثابة جزء أساسي في خطاب موسى الثاني والّذي بدأ في تث 4: 44 ويختتم في تث 28: 68.



نقرأ سيّاق كاتب سفر التثنيّة الّذي يشير لسلطة موسى في هذا الخطاب، مشيراً على لسان الله كمُرسل لهذا النبيّ قائلاً: «سأُقيمُ لَهم نَبِيُّا مِن وَسْطِ إخوَتِهم مِثلَكَ، وأَجعَلُ كلامي في فَمِه، فيُخاطِبُهم بِكُلِّ ما آمُرُه به. وأَيُّ رَجُلٍ لم يَسمَعْ كَلاميَ الذي يَتَكلَمُ بِه بِاسمْي، فإِنِّي أُحاسِبُه علَيه. ولكن أَيُّ نَبِيٍّ اعتَدَّ بنَفْسِه فقالَ بِاسْمي قَولاً لم آمُرْه أَن يَقولَه، أَو تكَلَّمَ بِاَسمِ آِلهَةٍ أُخْرى، فليَقتَلْ ذلك النَّبِيّ» (تث 18: 18- 20). هذه الرسالة الإلهيّة تحمل تحذيريّن الأوّل لسامعي لرسالة النبيّ الّذي يرسله الله وهي السمع والطاعة لأن ما يكشفه لن يعلنه من ذاته بقدر ما يكشف الله من خلال نبيّه لهم. مما يكشف أنّ السلطة النبويّة يمنحها الله للنبي الّذي يختاره. أما بالنسبة للتحذير الثاني وهو موجه من الله للنبيّ الّذي يخاطب الشعب بكلمات أو برسائل لم يخاطبه الله بها وهنا يعلن الله عن عقابه للنبيّ المزيّف والباطل. نكتشف إذن من خلال أن الرسالة النبويّة هي تكليف إلهيّ، ينبغي على النبيّا أن يكون أمينًا عليها ولا يُزيف ولا يضيف أو يزيل شيئًا منها عند توصيله إياها للشعب.





2. يّوم السبت (مر 1: 21)



من خلال الآية الإفتتاحيّة لهذا المقطع، يستكمل مرقس سرده، لما أعلنه بالنص السابق وهو دعوة يسوع لتلاميذه الأوائل، قائلاً: «ودَخلوا [يسوع وتلاميذه] كَفَرناحوم. وما إن أَتى السَّبْتُ حتَّى دَخَلَ المَجمَعَ وأَخَذَ يُعَلِّم» (مر 1: 21). وهنا يشير علينا الإنجيليّ بأنّ أوّل يّوم ليسوع بكفرناحوم هو يّوم السبت. من الوجهة الزمنيّة، فإنّ هذه الإشارة ليست سببيّة، فالسبت في التقليد الكتابي هو يّوم المجانيّة المطلقة ويّوم التحرر من العبوديّة بالماضي. إنّ حقيقة أعمال يسوع الموضوعة على مدار أوّل يّوم علني ليسوع بحسب مرقس، يتم تحديده في يّوم السبت مما يشير إلى أهميّة أساسيّة في اللّاهوت المرقسي. بالنسبة لمرقس، يظهر العمل المجاني لله الخالق وأيضًا عمله التحريري في شخص يسوع. علاوة على ذلك، فإن المكان الأوّل الّذي نتابع فيه يسوع في أوّل حضور لتلاميذه معه وهو المجمع أثناء تأديته كرجل عبري دوره التعلّيمي وأيضًا يُتممّ ما يعلنه من أسرار إلهيّة. المجمع هو بمثابة المكان الّذي يجتمع فيه اليهود الـمُتدينيّن لقراءة ولسماع كلمة الله بالشريعة والصلاة معًا. وهو في نفس الوقت بيت الجماعة من العبري Bit hakenist، وهو أيضًا مكان التحقيق Bit hamedrashK بيت الجماعة حيث يجتمع المؤمنين للإستماع إلى الكلمات المقدسة. هذا هو العنصر اللّاهوتي الأوّل في هويّة بني إسرائيل المدعوة للاستماع Sham’ للكلمة الإلهيّة والاستجابة منها كأمانة للعهد المقطوع من الله مع الأباء.



يشير العنصر اللّاهوتي الثاني بأنّ المجمع هو بيت للدراسة والبحث. في الواقع، يصير هذا المكان شاهد عيّان على تحقيق الكلمات الإلهيّة الّتي يسمعها المؤمنيّن وفي ذات الوقت مكان لإتمامها وتحققّها. مما يهدف إلى أنّ كل مؤمن يستطيع أنّ يصل لملء الحياة بشكل حقيقي حينما يبحث عن الله في كلمته الّتي إستمع لها بالمجمع. إنّ إله إسرائيل هو إله حقيقي وإله العهدّ، ويتطلب أنّ يتم البحث عنه دائمًا من خلال كلمته. هذا بالإضافة إلى أنّ المجمع هو مكان المجانيّة، كما أن السبت هو يّوم العطاء المجانيّ. في الواقع، يذهب المؤمنين إلى المجمع ليس لأجل العمل، وليس لكسب المال، ولكن ببساطة لسماع الله الّذي يكشف عن ذاته من خلال كلمته. يمكننا القول بأنّ المؤمن في المجمع يفقد وقته في سبيل التواصل بالله والنمو في العلاقة به فيصير ربح لا يقارن بأي ربح ماديّ.





3. سلطان يسوع بالمجمع (مر 1:21- 28)



أثناء اللقاء الإسبوعي لجماعة اليهود وهم مُعاصريّ يسوع، والّذي يتمّ كل يّوم سبت بمجمع كفرناحوم. نلاحظ أنّ اللقاء الّذي يرويّه مرقس ليس كاللقاءات المعتادة. يعيش مُعاصريّ لقاء غير عادي يسوع بل فريّد من نوعه، والسبب هو حضور يسوع بذاته معهم كمعلّم. يتكون السرد المرقسيّ من عنصرين رئيسيين الأوّل التعلّيم والثاني هو تحرير مريض، وهو ابن لإبراهيم، من سيادة الشيطان. لقد نجح مرقس في هذا السيّاق بأكمله بالتركيز فقط على سلطان يسوع exousia.



يقدّم لنا هذا المقطع بحسب مرقس (1: 21-28) بداية أوّل يّوم ليسوع بمدينة كفرناحوم. وهو بمثابة يّوم نموذجي ليسوع حيث يرويّ لنا فيه الإنجيليّ الأنشطة الّتي ميّزت خدمة يسوع في أوّل يّوم له بالحياة العلنيّة ويتعلق هذا السيّاق المرقسيّ بما نوهنا عنه في الخطاب الموسويّ إذ يُشبّه الإنجيلي يسوع في خدمته بـالنبي موسى فتنطبق عليه الكلمات الّتي أعلن عنها كاتب سفر التثنيّة، النبيّ الّذي يقوم بتوصيل الرسالة الإلهيّة وهو في ذات الوقت الكلمة ذاتها. إنّ تجاور نص العهد الأوّل بالنص الإنجيليّ يرشدنا إلى فهم شخصية يسوع كشخص ذو رسالة نبويّة فائقة رسالة الأنبياء جميعًا.





4. الإندهاش والتساؤل (مر 1: 22- 28)



يشير الإنجيليّ بردّ فعل مُعاصري يسوع قائلاً: «فأُعجِبوا بِتَعليمِه، لأَنَّه كانَ يُعَلِّمُهم كَمَن له سُلْطان، لا مِثلَ الكَتَبَة» (1: 22) مما يشير إلى إدراك معاصريّ يسوع، الّذين إلتقوه في حياتهم، بسلّطانه المتميّز. تحمل حياة يسوع سلطانًا، مما يجعلنا نفسره من أصل اللغة اليونانيّة exousia وهو ما يجعلنا نُفكر في شخصية يسوع بذات الصورة النبويّة الـمُعلنة بسفر التثنيّة. نتفاجأ كقراء بإندهاش الحاضرون، معاصري يسوع من تلاميذ ويهود مؤمنين، في بداية ونهاية السرد، إذ يتسألون فيما بينهم عن مصدر سلطة يسوع الّتي بالقول يُفسر بها الكتب المقدسة ثم بالعمل مُخرجًا الشياطين. أولاً الدور التعلّيميّ وهذا ليس تعليمًا عامًا، بل تفسيرًا للكتب المقدسة. المكان هو المجمع، وبالتالي في المكان الرسمي لتفسير الكتب المقدسة. يُعلّم يسوع ومعاصريه يتساءلون عن السلطة التي يسمح بها لنفسه بتفسير الكتب المقدسة. فهو ليس بكاهنًا ولا حاخامًا، ولا نبيًا، إذن كيف يتمكن بتفسير الكتب المقدسة علنًا بيّوم السبت وفي المجمع؟ من يستمع إليه يكتشف أنّ هناك سلطانًا يُدرك في كلامه لا يملكه مُعلّمِي عصره.





5. أكذوبة الإيمان (مر 1: 24- 28)



في ذات الوقت يضيء الإنجيلي على وجود رجل ممسوس برّوح نجسة، صارخًا ومتسائلاً: «ما لَنا ولكَ يا يَسوعُ النَّاصِريّ؟ أَجِئتَ لِتُهلِكَنا؟ أَنا أَعرِفُ مَن أَنتَ: أَنتَ قُدُّوسُ الله". فانتَهَرَه يسوعُ قال:"اِخْرَسْ واخرُجْ مِنه!"» (1: 24- 25). يعلن الرجل، بكلماته تلك، عن المسافة الموجودة بين يسوع والأرّواح النجسة. هذا الرجل مُمارس الإيمان ظاهريًا أيّ إنه شخص يتردد عادة على المكان المقدس، مثلنا جميعًا كمسيحيين في كنائسنا، حيث يستمع إلى كلمة الله ويصلي ومع ذلك فإن الاستماع إلى تعلّيم يسوع يظهر في عداوته لله وكلمته. إنه يحيا في زمن ومكان القداسة، ولكن يسكنه روح نجس، فهو لا يتناغم مع مكان وزمان حياته. ثمّ يلتقي بيسوع، ويحدث ما لم يحدث من قبل. فيسوع، في الواقع، هو قدوس الله، الـمُتناغم تمامًا مع المكان والزمان الّذي يحيا فيه؛ فهو القدوس. ولهذا السبب يتم الكشف عن قناع الرجل الممسوس أمامه ويبدأ يسوع بإتمام مسيرة الشفاء. هذا الرجل يُمثلنا جميعًا نحن الّذين نعيش أُكذوبة الإيمان نحن الّذين نحيا في مكان وزمان المجانية والحرية، دون أنّ نكون أحرارًا. لكن كلمة يسوع موجهة لنا اليّوم، وحضوره، يكشف اغترابنا وعدم إنسجامنا. إن تفسير الكتب المقدسة الّذي يقدمه يسوع يسلط الضوء بشكل كبير على العداوة تجاه كلمة الله الّذي يمكن أن يسكن قلوبنا معتقدين بأننا مؤمنين وصالحين. هذا الـممسوس بالشيطان في كفرناحوم هو الّذي انكشفت عداوته لكلمة الله بحضور يسوع وسلطانه النبويّ وإعلانه التحرير بطرده الرّ,ح النجسة. مدعوين نحن اليّوم للإفاقة من الإكذوبة الإيمانية الّتي نحياها ونحن في قلب الكنيسة ونمارس الأسرار المقدسة. لنتقدم أمام يسوع ليحررنا ويعلن شفائه وننسجم في حقيقة إيماننا فنصير مسيحيين قولاً وفعلاً.





الخلّاصة



محاربتنا للأكاذيب الإيمانيّة اليّوميّة، هي الصراع الّذي يرافق حياتنا ونحن مدعوييّن أنّ نستعيد الإنسجام الباطني من خلال ما يعلنه الله كما رأينا مع موسى من تعاليم ساميّة بالعهد الأوّل من خلال تث 18: 15- 20. وفي ذات الوقت لندخل في الزمن والمكان الّذي يتواجد يسوع (مر 1: 21- 28) فيه بسلطانه ليُنهرّ بكلمته كل ما هو نجس فينا ويحررنا من أكذوبة إيماننا أو أكاذيب باطنية، فنحيا كما يليق بالرّبّ وتابعين له، فهو القدوس. دُمتم في حياة إيمانيّة صادقة.


 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 03:47 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024