07 - 05 - 2024, 02:32 PM | رقم المشاركة : ( 159641 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الأبّوة الإلهيّة (مر 9: 1-9) بعد أنّ توقفنا على أبوة إبراهيم المليئة بالحياة والّتي تدعونا اليّوم لنحياها ليس لذاواتنا بل بالثقة في الله الّذي يسمح لأن نعبر ببعض الصعوبات حتى نصل لملء الحياة. بناء على هذا سنقرأ معًا حدث تجلّي يسوع على جبل طابور، بحضور ثلاثة شهود عيّان، وهم بطرس ويعقوب ويوحنا. أمام حدث تجلّي الإبن الإلهي بحسب مرقس (مر 9: 1 – 9). يأتي إله الحياة الله الآب ليمنحنا أداة جديدة، لمحاربة الشر الّذي يتعارض مع الحياة البشرية الكاملة، ومن ناحية أخرى، تتجلى حياتنا البشريّة على نور الله الناتج من الإلتزام بإرادة الله الآب. في إنجيل مرقس، يتم وضع حدث تجلّي يسوع في سياق من التوتر والمعارضة، حيث واجه يسوع معارضة من معاصريه، وكان عليه أنّ يواجه نزاعات صعبة مع العديد من المحاوريّن الدينيّين في عصره، ويختبر عدم فهمهم الجذريّ وعمى تلاميذه معًا. مما يضطره مرارًا إلى تذكيرهم بتكرار شروط التلمذة ومعنى خدمته. |
||||
07 - 05 - 2024, 02:33 PM | رقم المشاركة : ( 159642 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الإستباق القياميّ (مر 9: 2-8) في هذا السيّاق المرقسيّ نتلمس التناقض الّذي يُلمح إلى الآلام والموت المستقبليين، يتم وضع حادثة التجلّي، مما يسمح لنا بإلقاء نظرة خاطفة على مجد القيامة. «بعدَ سِتَّةِ أَيَّام مضى يسوعُ بِبُطرُسَ ويعقوبَ ويوحَنَّا فانفَرَدَ بِهِم وَحدَهم على جَبَلٍ عالٍ، وتَجَلَّى بِمَرأَى منهم. تَلألأَت ثِيابُه ناصِعَةَ البَياض، حتَّى لَيَعجِزُ أَيُّ قَصَّارٍ في الأَرضِ أَن يأَتِيَ بمِثلِ بَياضِها» (مر 9: 2- 3). هذا التجلّي الإلهي ليسوع الإبن، إستبق به، قيامته الّتي يروي مرقس الثوب الأبيض رابطًا بين ما حدث على جبل التجلّي وظهور الشاب «لابسًا حلة بيضاء» (مر 16: 5) في صباح اليوم الأول بعد السبت. تُظهر حلقة التجلّي كيف يمكن لسلاح الحياة أنّ ينتصر ظاهراً في سياق المقاومة والموت، والنضال والألم، لكي يظهر إله الحياة. من الضروري أنّ نستمع إلى كلمة الله الّتي تمَّ نقلها من خلال إيليا وموسى، اللذين تحدثا مع يسوع، فهما رمزي للشريعة والأنبياء، ولكنهما بحسب التقليد اليهودي يرمزان لـمّن تسلحا بالحياة وعاشا بالفعل في شركة مع الله. والآن مدعوين بقبول السلاح الّذي يقدمه يسوع لكلاً منا من خلال في الإستمرار بالإصغاء ليسوع حينما نطيع الصوت الله الآب والقائل لي ولك هذا الأسبوع: «هذا هُوَ ابنِيَ الحَبيب، فلَهُ اسمَعوا» (مر 9: 7ب). |
||||
07 - 05 - 2024, 02:35 PM | رقم المشاركة : ( 159643 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يدعونا صوت الله الآب من السماء إلى الإصغاء وهو عنصر هام لأنه هو الّذي يعبر الموت من أجل أنّ يمنحنا ملءالحياة. بالإضافة إلى أن هناك عنصر آخر يُعبّر عن العلاقة الفريدة بين الآب بيسوع وبين يسوع وتلاميذه. كما هوهنا من قبل من خلال قرائتنا لحدث تقدمة إبراهيم لأسحاق، نجد مرحلة ثانية في رحلة تعاهد الله معنا كشعب ننتمي له ومع البشرية جمعاء من خلالنا. في حدث تقدمة إسحاق، عندما تظهر علامة تساؤل لتحقيق الوعد الإلهي، يُطلب من إبراهيم أيضًا أن يترك مستقبه. هذه هي دعوة كلّ مؤمن اليّوم فقد نظر إبراهيم إلى ما ناله من يديّ الله على أنّه عطيّة ليس هو مالكها. يطيع إبراهيم كلمة الرّبّ (راج تك 22: 16). لهذا السبب تتحقق دعوته الأوّلى ويصبح مستقبله بركة حقًا. تصبح حياة الإنسان نعمة عندما يعرف كيف يدخل في منطق العطيّة، فيرى الله ويسمح لنفسه أنّ تُرى من خلاله. |
||||
07 - 05 - 2024, 02:37 PM | رقم المشاركة : ( 159644 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الإبنين على الجبلين (تك 22: 3ت؛ مر 9: 2ت) على جبل موريّا ظهر الرّبّ، لأن إبراهيم، يمثلنا جميعًا قبلَّ منطق الحياة كهبة. على جبل طابور تم قبول منطق الهبة، جبل الصليب، حيث بذل يسوع حياته بالحب وحيث بذل الله نفسه ذاته في ابنه الحبيب والوحيد، وستكون هذه الهبة أيضًا بركة وتعاهد للكثيرين. أطفال قادوا إلى المجد، الذي يشرق اليوم بالفعل على جبل آخر، جبل التجلّي! إن عبارة "الابن الحبيب" تخلق رابطًا هامًا بين مقطع الإنجيل بحسب مرقس (مر 9: 7) ونص سفر التكوين (تك 22: 2)، وهما الظهوران الوحيدان في الكتاب المقدس بأكمله فالله لمّ يشفق على إبنه بل منحه عطية حياة لنا جميعًا. نودّ أن نختتم مقال هذا الأسبوع من الزمن الأربعينيّ، بتوجيه رسالة لنا ككنيسة مدعوة إلى التأمل في وجه الرب المتجلّي ليمنحنا الحياة بل ملء الحياة. من خلال تقدمة إبراهيم لإسحاق إبنه تسلحنا بشكل إستباقي بحضور إله الحياة منذ القدم بل ساعدنا على الإنفتاح للمستقبل فإلهنا هو الّذي ننتمي له بحاضرنا ومستقبلنا. وعلى ضوء تمتع إبراهيم بتحقيق الوعد الإلهي وبحياة إبنه نجد أن الله الآب يتناقض فيعطينا إبنه مانحًا لنا الحياة ومن خلال حدث التجلّي مدعوين للتمسك بالحياة الّتي بدون فضل منا بل بمجانيّة وحبّ إلهي منحنا إياهم الله الآب. دُمتم متسلحين بسلاح القوس الإلهي والحياة معًا. |
||||
07 - 05 - 2024, 02:42 PM | رقم المشاركة : ( 159645 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"القوس الإلهيّ" بين كاتبي سفر التكوين والإنجيل الثاني مُقدّمة بدأنا بأوّل أمسّ، الإستعداد الليتورجي للتمتع بفرح القيامة، من خلال طقس أربعاء الرمّاد. هذا الزمن يتطلب التغيير والتوبة حتّى يتناغم عالمنا الباطني مع عالمنا الخارجي، فنصير أشخاص تتمكن من نوال نعمة القيامة هنا، على الأرض، والآن أيّ في حياتنا الأرضيّة دون الإنتظار للإنتقال للأبدية بعبور الموت. سنسير معًا مسيرة كتابية من خلال الأحاد السّت الّتي تُهيئنا لقراءة النصوص الكتابيّة بشكل جديد، حيث نسعى لتسليمكم سلاح إلهي في كل أسبوع لنحارب معًا كل ما يعوق التناغم المسيحي لنحارب بأسلحة الله تجارب العدو. تدعونا نصوص هذا المقال للدخول بعمق في هذا الزمن الأربعينيّ، فنخطو في حياتنا العمليّة خطوات تجعل باطننا يتناغم مع خارجنا، فنصير مسيحيين قولاً وفعلاً. تتميّز نصوص هذا الأحد الأوّل من الزمن الأربعينيّ، من الناحيّة الأوّلى بنصّ من العهد الأوّل بحسب السرد الروائي لكاتب سفر التكويّن الّذي يتناول موضوع العهدّ. يبادر الله بالتعاهد لأول مرة بشكل فردي مع شخصية كتابيّة شهيرة وهي شخصية نوح (تك 9: 8-15) بعد الطوفان. ومن الناحية الأخرى سنتناول اللقاء الإنجيليّ الّذي يروي رغبة يسوع، في اليّوم الأوّل لخروجه للحياة العلنيّة وقبل بدأه للتبشير بالملكوت، في تكريس أربعين يومًا للصلاة وللإنعزال والوحدة بالله الآب بالبرِّيَّة (مر 1: 12 – 15). نهدف من خلال هذا المقال إلى التسلّح بما هو إلهي بناء على العهد وشخص يسوع فيساعدنا على التناغم بين ما نعيشه من تحديات وتجارب نقوم بمواجهتها، ليس بمفردنا بل بقوة الرّوح وفي حضور يسوع، سلاح الآب. 1. سلاح الله: العهد (تك 9: 8- 15) نتناول السلاح الإلهي الأوّل من خلال الرواية الّتي تتسب في الكثير من الإرتباك عند قرائتها وكثيرين يتسالون ما هو المغزى اللّاهوتيّ من روايّة نوح والطوفان بالآدب الكتابي؟ تنتمي الروايّة الكتابيّة لشخصية نوح بحسب كاتب سفر التكوين (6- 9) لأدب الأساطير، الّتي كانت تتميز بها حقبة ما قبل التاريخ باليونان ومصر وروما والكثير من البلدان الّتي تميزت بالقدّم في تاريخها وحضارتها. نعلم أنّ الكثير من القُراء المؤمنين يجدون صعوبة في إستيعاب الروايات الكتابيّة، الّتي تتحلى بالمبالغة في الوصف. وها نحن اليّوم أمام نص من هذه النصوص، الطوفان. مدعوين كمؤمنيّن أنّ لا نتوقف على بدء وتفاصيل ونهايّة الروايّة، بقدر ما نتوقف أمام سرّ الله الّذي يكشف عن ذاته من خلال وصف الكاتب الّتي تنتمي لكل الكُتّاب في عصره. وهذه الآيات هي جوهر هذه الروايّة لأنها تجعلنا نكتشف المخطط الإلهي ونقرأ كلمات الله الّتي وجهها إلى نوح وبينّه قائلاً: «"هاءَنذا مُقيمٌ عَهْدي معَكُم ومعَ نَسْلِكم مِن بَعدِكم [...] وأُقيمُ عَهْدي معَكم، فكُلُّ ذي جَسَدٍ لا يَنقَرِضُ بَعدَ اليَومِ بِمِياهِ الطُّوفان [...] هذه عَلامةُ العَهْدِ الَّذي أنا جاعِلُه بَيْني وبَينَكم وبَينَ كُلِّ ذي نَفْسٍ حَيَّةٍ معَكم مَدى الأَجْيالِ لِلأَبَدَ: تِلْكَ قَوْسي جَعَلْتُها في الغَمام فتَكونُ عَلامةَ عَهْدي بَيْني وبَيْنَ الأَرض. وَيكونُ أَنَّه إِذا غَيَّمتُ على الأَرضِ وَظَهَرَتِ القَوسُ في الغَمام، ذَكَرتُ عَهْدِيَ الَّذي بَيْني وبَينَكم وبَينَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ في كُلِّ جَسَد، فلا تَكونُ المِياهُ بَعدَ اليَومِ طُوفانًا لِتُهلِكَ كُلَّ ذي جَسَد» (تك 9: 9-15). من خلال هذا المونولج الّذي نقرأ فيه مشروع الله لكل البشريّة، يكشف عن ذاته الإله الّذي يُسلم ذاته رافعًا أيديه وبرغبته يسلمنا سلاحه الوحيد، وهو القوس. في زمن نوح كان القوس سلاح لإصطياد الحيوانات، يستخدم الكاتب ذات الأسلحة الّتي كانت بعصره ليشير لمخطط الله مع البشر بعد إستمرارهم في اللأمانة له ولعهده. ولذا يأتي القرار الإلهي بناء على هشاشة الإنسان، فهو ليس له من المقدرة أنّ يحارب الإله، فينتصر الله حينما يضع بسلاحه أمام البشريّة مُسلمًا ذاته وتاركًا عهده، في شكل قوس قزح، الّذي يرغب من خلاله أنّ يتذكر كل إنسان أنّ الله لا يرغب في الحرب مع الإنسان بل يقرر أنّ تسود علاقة حميمة معه وبناء على هذا علامة العهد تأتينا مباشرة بعد أمطار غزيزة، فنجد أنّ قوس قزح هو علامة حب الله والّذي أشار به إلى عهده. مدعوين في كل مرة أن نرى أو يرسم فيها الأطفال علامة قوس قزح أن نتذكر حب الله للبشريّة من خلال العهد. تناوّل الكثير من الكُتّاب بالعهد الثاني هذه الروايّة ليجدوا الصلة بين حدث الطوفان وبعض المواضيع الأساسية في الزمن الأربعينيّ، مثل المعمودية (راج 1بط 3: 18 – 22). حدث الطوفان، الّذي يثير أسئلتنا يحمل اليّوم جواب هام ليكشف عن سرّ الله في رغبته للتحالف مع البشريّة من خلال تخلّيه عن سلاحه وتجميل سماء بشريتنا بالقوس الإلهي لنتذكر عهده المقدس. إتسّمّ تاريخنا البشريّ بالبُعد عن خطة الله الذي خلق كل شيء صالحًا (تك 1: 4. 10. 12. 18. 21. 25).ثم يعلن الطوفان، تبعًا لنظرة الله الّذي يرى الشرّ منتشرًا في الأرض (راج تك 6: 5)، أن الله لا يستسلم لشرّ الإنسان، بل ييدع ليخلق الجديد بسلاح الجمال وهو قوس قزح. لا يتراجع إلهنا عن خطواته، بل يجعل المياه الّتي فصلها (راج تك 1: 3) تختلط مرة أخرى، ويبدأ من جديد في الخلق. لا يزال الله، حتى يّومنا هذا يراهن على البشرية بوجود رجل صالح وهو نوح. بفضله تتحقق بداية جديدة بدءًا من نسله. لقد بادّر الله بالعهد مع نوح ونسله في شكل تحالف أُحادي مقرراً بالّا يهلك خليقته مجدداً، وقد علق قوسه الحربي على السحاب كعلامة لهذا العهد. فالعهد هو إجابة الله على أسئلة الشعب في السبي والّذي صار خليقته الجديدة. صارت إمكانية الخلق الجديد ممكنة بفضل أمانة الله الذي لا يفشل أبدًا. يتطلب هذا العهد عودة الإنسان لله بتوجيه قلبه إليه ليبدأ كل شيء من جديد. هذا هو الهدف الّذي يدعونا إليه، اليّوم، كاتب سفر التكوين. 2. الرّوح القدس (مر 1: 12-13) بناء على ما تعرفنا عليه بحسب كاتب سفر التكوين وعلامة العهد الإلهي من خلال تسليم الله لسلاحه بشكل واضح لنا اليّوم وهو علامة قوس قزح. يأتينا مرقس الإنجيلي بسلاح جديد من خلال كلماته، الّتي يرويها بالصفحة الأوّلى لبشارته والّذي يسرد فيها تجارب يسوع الثلاث بالبرِّيَّة من خلال منظور مختلف عن الإنجيلين الإزائيين متّى ولوقا. في واقع، الأمر سرد هذا الحدث بحسب متّى ولوقا كمحور للنص لديهما. إلّا أنّ إبداع كاتب إنجيل مرقس ضروري للغاية حيث يرتكز إهتمامه على عناصر لّاهوتية أُخرى، وهذا هو الجديد. يكشف لنا يسوع الّذي يتوجه بقرار حازم نحو البرِّيَّة ليتسلح بأسلحة اللقاء بأبيه السماوي والرّوح معًا من خلال العزلة والصوم بالبرِّيَّة. قد يخفينا اليّوم، هذا النموذج الرّوحيّ والّذي قد نعتبره صارمًا إلّا إنّه يكشف عن حقيقة يسوع الّذي يذهب للمنبع. وسنكتشف تدريجيًا مخطط الله الّذي سيظهر في يسوع إبنه. في الإنجيل الثاني لا يذكر الإنجيلي أيّ إشارة للتجارب الّتي كان على يسوع أنّ يواجهها، ولا للصوم، ولكن فقط لعمل، الرّوح القدس، كإرتباط هام بحدث المعموديّة الّتي يرويها قبل هذا النص مباشرة قائلاً: «أَخَرجَ الرُّوحُ [يسوع] عِندَئِذٍ إِلى البرِّيَّة، فأَقام فيها أربَعينَ يَوماً يُجَرِّبُهُ الشَّيطانُ وَكانَ معَ الوُحوش، وكانَ المَلائِكَةُ يخدُمونَه» (مر 1: 12- 13). فالمعموديّة إذن دفعت بيسوع للتوجه إلى البرِّيَّة، ولمواجهة الصمت والوحدة لمدة أربعين يومًا، في رفقة وحوش البرِّيَّة وخدمة الملائكة. هذه العناصر ترشدنا إلى فهم رسالة النص الحقيقة. هناك علاقة عميقة بين حدث معمودية يسوع والإنعزال في البرِّيَّة. يقود الرّوح يسوع إلى البرِّيَّة، كالإبن الحبيب الّذي به سُرَّ الآب (راج مر 1: 11). إنّه يسوع الّذي يخرج من مياه الأردن ويواجه الحرب ضد الشيطان بقوة الرّوح القدس. لّذا يدعونا الزمن الأربعينيّ للدخول لبرِّيَّة حياتنا اليوميّة. سواء الأربعين يومًا أو البرِّيَّة يشيران بحسب تكرارهما في الكتاب المقدس، إلى زمان ومكان محددين جيدًا، والذي سيكون لهما نهاية وهي نهاية المسيرة الأربعينيّة وهي موت وقيامة يسوع. وأخيرًا، تظهر رفقة الوحوش والخدمة الملائكية، إنّ يسوع هو الإنسان الجديد، الّذي بقوة الرّوح يتمكن من مواجهة التجارب بل يخرج منتصرًا من الحرب ضد الشرير. 3. الملكوت هو سلاح الآب (مر 1: 12-15) يأتيينا اللّاهوت الـمُرقسي، في هذا النص، على عكس لّاهوت الإنجيليين متّى ولوقا الّلذين يفسران حدث التجارب بدءًا من خروج بني إسرائيل للبرِّيَّة حيث يعيد مرقس قراءة الصفحات الأولى من سفر التكويّن معتمداً في خلفيته على رواية الخلق. حيث كان آدم وحواء قبل الزلة الأوّلى يعيشان في إنسجام مع الحيوانات والخليقة. إلّا أن رّوح العداء والتنافر هما ثمرة العصيان البشري. وهنا في يسوع، الـمُتسلح بالرّوح والّذي انتصر في حربه ضد الشيطان، ظهر الإنسجام الّذي حلم به الآب. فيسوع، وهو ابن الله الحبيب، هو الإنسان الجديد الّذي يُسرّ به الله. بحسب السردّ المرقسيّ يأتي وصف الإنجيلي مُختتمًا هذا الحدث مشيراً بأنّ: «جاءَ يسوعُ إِلى الجَليل يُعلِنُ بِشارَةَ الله، فيَقول: "تَمَّ الزَّمانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكوتُ الله. فَتوبوا وآمِنوا بِالبِشارة"» (مر 1: 14-15). لقد حقّقَّ يسوع في ذاته ما يدعونا إليّه اليّوم، وهو الإنتصار بخوض التجارب ضد الشرير والإنتصار عليه بقوة الرّوح ثم بقبول وإعلان الملكوت. بهذا الانتصار على الشرّ يمكن أنّ تنشأ إعلان نهايّة الأزمنة وقُرب الملكوت والدعوة إلى التوبة. إنّ قُرب الملكوت يتمثل في هزيمة الشيطان، وهذا القُرب سيستمر يسوع في كلّ أقواله وأعماله بعمق في باقي الإصحاحات بالبشارة المرقسيّة (راجع مر 3: 27). يسوع هو الإنسان القوي، الّذي بحسب وصف مرقس لاحقًا، قيدَّ الشيطان ويستطيع الآن أنّ يحررنا من سلطانه. إنّ الدعوة إلى التوبة تنبع من حضور يسوع، وهو الّذي حارب حاملاً سلاحي الرّوح والملكوت. فهو الإنسان الجديد الّذي كشف عن رغبة الله، وفيه نستطيع نحن البشرييّن مدعوين للعبور لنصلّ إلى ملء إنسانيتنا الجديدة. الخلّاصة نختتم مقالنا الأوّل لهذا الزمن الأربعيني لهذا العام، من خلال قبولنا للتسلّح بأسلّحة إلهيّة وليست بشرية والّتي تنتمي لعالم اليّوم، والّتي تحمل الدمار والحرب والإهانة وهزيمتنا أمام عدو الخير. لقدّ تعرّفنا على السلاح الأوّل وهو القوس كعلامة العهد، بالنص الأوّل (تك 9: 8- 15)، الّذي كان إنطلاقة للعهد الّذي أرادّه الله ليسلكه مع البشريّة، مُتخليًا عن القوس القاتل وواضعًا قوس قزح ليُجمل سماء بشريتنا وحياتنا بتذكر عهده. وعلى ضوء كلمات مرقس (1: 12- 15) الّذي يدعونا التمثل بأسلحة يسوع وهي الدخول في علاقة حميمة بالآب من خلال قيادة الرّوح وقبول بُشرى الملكوت. دُمتم مُتسلّحين بعهد الله وقوة الرّوح القدس، زمن أربعيني مبارك. |
||||
07 - 05 - 2024, 02:43 PM | رقم المشاركة : ( 159646 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سلاح الله: العهد (تك 9: 8- 15) نتناول السلاح الإلهي الأوّل من خلال الرواية الّتي تتسب في الكثير من الإرتباك عند قرائتها وكثيرين يتسالون ما هو المغزى اللّاهوتيّ من روايّة نوح والطوفان بالآدب الكتابي؟ تنتمي الروايّة الكتابيّة لشخصية نوح بحسب كاتب سفر التكوين (6- 9) لأدب الأساطير، الّتي كانت تتميز بها حقبة ما قبل التاريخ باليونان ومصر وروما والكثير من البلدان الّتي تميزت بالقدّم في تاريخها وحضارتها. نعلم أنّ الكثير من القُراء المؤمنين يجدون صعوبة في إستيعاب الروايات الكتابيّة، الّتي تتحلى بالمبالغة في الوصف. وها نحن اليّوم أمام نص من هذه النصوص، الطوفان. مدعوين كمؤمنيّن أنّ لا نتوقف على بدء وتفاصيل ونهايّة الروايّة، بقدر ما نتوقف أمام سرّ الله الّذي يكشف عن ذاته من خلال وصف الكاتب الّتي تنتمي لكل الكُتّاب في عصره. وهذه الآيات هي جوهر هذه الروايّة لأنها تجعلنا نكتشف المخطط الإلهي ونقرأ كلمات الله الّتي وجهها إلى نوح وبينّه قائلاً: «"هاءَنذا مُقيمٌ عَهْدي معَكُم ومعَ نَسْلِكم مِن بَعدِكم [...] وأُقيمُ عَهْدي معَكم، فكُلُّ ذي جَسَدٍ لا يَنقَرِضُ بَعدَ اليَومِ بِمِياهِ الطُّوفان [...] هذه عَلامةُ العَهْدِ الَّذي أنا جاعِلُه بَيْني وبَينَكم وبَينَ كُلِّ ذي نَفْسٍ حَيَّةٍ معَكم مَدى الأَجْيالِ لِلأَبَدَ: تِلْكَ قَوْسي جَعَلْتُها في الغَمام فتَكونُ عَلامةَ عَهْدي بَيْني وبَيْنَ الأَرض. وَيكونُ أَنَّه إِذا غَيَّمتُ على الأَرضِ وَظَهَرَتِ القَوسُ في الغَمام، ذَكَرتُ عَهْدِيَ الَّذي بَيْني وبَينَكم وبَينَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ في كُلِّ جَسَد، فلا تَكونُ المِياهُ بَعدَ اليَومِ طُوفانًا لِتُهلِكَ كُلَّ ذي جَسَد» (تك 9: 9-15). من خلال هذا المونولج الّذي نقرأ فيه مشروع الله لكل البشريّة، يكشف عن ذاته الإله الّذي يُسلم ذاته رافعًا أيديه وبرغبته يسلمنا سلاحه الوحيد، وهو القوس. في زمن نوح كان القوس سلاح لإصطياد الحيوانات، يستخدم الكاتب ذات الأسلحة الّتي كانت بعصره ليشير لمخطط الله مع البشر بعد إستمرارهم في اللأمانة له ولعهده. ولذا يأتي القرار الإلهي بناء على هشاشة الإنسان، فهو ليس له من المقدرة أنّ يحارب الإله، فينتصر الله حينما يضع بسلاحه أمام البشريّة مُسلمًا ذاته وتاركًا عهده، في شكل قوس قزح، الّذي يرغب من خلاله أنّ يتذكر كل إنسان أنّ الله لا يرغب في الحرب مع الإنسان بل يقرر أنّ تسود علاقة حميمة معه وبناء على هذا علامة العهد تأتينا مباشرة بعد أمطار غزيزة، فنجد أنّ قوس قزح هو علامة حب الله والّذي أشار به إلى عهده. مدعوين في كل مرة أن نرى أو يرسم فيها الأطفال علامة قوس قزح أن نتذكر حب الله للبشريّة من خلال العهد. تناوّل الكثير من الكُتّاب بالعهد الثاني هذه الروايّة ليجدوا الصلة بين حدث الطوفان وبعض المواضيع الأساسية في الزمن الأربعينيّ، مثل المعمودية (راج 1بط 3: 18 – 22). حدث الطوفان، الّذي يثير أسئلتنا يحمل اليّوم جواب هام ليكشف عن سرّ الله في رغبته للتحالف مع البشريّة من خلال تخلّيه عن سلاحه وتجميل سماء بشريتنا بالقوس الإلهي لنتذكر عهده المقدس. إتسّمّ تاريخنا البشريّ بالبُعد عن خطة الله الذي خلق كل شيء صالحًا (تك 1: 4. 10. 12. 18. 21. 25).ثم يعلن الطوفان، تبعًا لنظرة الله الّذي يرى الشرّ منتشرًا في الأرض (راج تك 6: 5)، أن الله لا يستسلم لشرّ الإنسان، بل ييدع ليخلق الجديد بسلاح الجمال وهو قوس قزح. لا يتراجع إلهنا عن خطواته، بل يجعل المياه الّتي فصلها (راج تك 1: 3) تختلط مرة أخرى، ويبدأ من جديد في الخلق. لا يزال الله، حتى يّومنا هذا يراهن على البشرية بوجود رجل صالح وهو نوح. بفضله تتحقق بداية جديدة بدءًا من نسله. لقد بادّر الله بالعهد مع نوح ونسله في شكل تحالف أُحادي مقرراً بالّا يهلك خليقته مجدداً، وقد علق قوسه الحربي على السحاب كعلامة لهذا العهد. فالعهد هو إجابة الله على أسئلة الشعب في السبي والّذي صار خليقته الجديدة. صارت إمكانية الخلق الجديد ممكنة بفضل أمانة الله الذي لا يفشل أبدًا. يتطلب هذا العهد عودة الإنسان لله بتوجيه قلبه إليه ليبدأ كل شيء من جديد. هذا هو الهدف الّذي يدعونا إليه، اليّوم، كاتب سفر التكوين. |
||||
07 - 05 - 2024, 02:45 PM | رقم المشاركة : ( 159647 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الرّوح القدس (مر 1: 12-13) بناء على ما تعرفنا عليه بحسب كاتب سفر التكوين وعلامة العهد الإلهي من خلال تسليم الله لسلاحه بشكل واضح لنا اليّوم وهو علامة قوس قزح. يأتينا مرقس الإنجيلي بسلاح جديد من خلال كلماته، الّتي يرويها بالصفحة الأوّلى لبشارته والّذي يسرد فيها تجارب يسوع الثلاث بالبرِّيَّة من خلال منظور مختلف عن الإنجيلين الإزائيين متّى ولوقا. في واقع، الأمر سرد هذا الحدث بحسب متّى ولوقا كمحور للنص لديهما. إلّا أنّ إبداع كاتب إنجيل مرقس ضروري للغاية حيث يرتكز إهتمامه على عناصر لّاهوتية أُخرى، وهذا هو الجديد. يكشف لنا يسوع الّذي يتوجه بقرار حازم نحو البرِّيَّة ليتسلح بأسلحة اللقاء بأبيه السماوي والرّوح معًا من خلال العزلة والصوم بالبرِّيَّة. قد يخفينا اليّوم، هذا النموذج الرّوحيّ والّذي قد نعتبره صارمًا إلّا إنّه يكشف عن حقيقة يسوع الّذي يذهب للمنبع. وسنكتشف تدريجيًا مخطط الله الّذي سيظهر في يسوع إبنه. في الإنجيل الثاني لا يذكر الإنجيلي أيّ إشارة للتجارب الّتي كان على يسوع أنّ يواجهها، ولا للصوم، ولكن فقط لعمل، الرّوح القدس، كإرتباط هام بحدث المعموديّة الّتي يرويها قبل هذا النص مباشرة قائلاً: «أَخَرجَ الرُّوحُ [يسوع] عِندَئِذٍ إِلى البرِّيَّة، فأَقام فيها أربَعينَ يَوماً يُجَرِّبُهُ الشَّيطانُ وَكانَ معَ الوُحوش، وكانَ المَلائِكَةُ يخدُمونَه» (مر 1: 12- 13). فالمعموديّة إذن دفعت بيسوع للتوجه إلى البرِّيَّة، ولمواجهة الصمت والوحدة لمدة أربعين يومًا، في رفقة وحوش البرِّيَّة وخدمة الملائكة. هذه العناصر ترشدنا إلى فهم رسالة النص الحقيقة. هناك علاقة عميقة بين حدث معمودية يسوع والإنعزال في البرِّيَّة. يقود الرّوح يسوع إلى البرِّيَّة، كالإبن الحبيب الّذي به سُرَّ الآب (راج مر 1: 11). إنّه يسوع الّذي يخرج من مياه الأردن ويواجه الحرب ضد الشيطان بقوة الرّوح القدس. لّذا يدعونا الزمن الأربعينيّ للدخول لبرِّيَّة حياتنا اليوميّة. سواء الأربعين يومًا أو البرِّيَّة يشيران بحسب تكرارهما في الكتاب المقدس، إلى زمان ومكان محددين جيدًا، والذي سيكون لهما نهاية وهي نهاية المسيرة الأربعينيّة وهي موت وقيامة يسوع. وأخيرًا، تظهر رفقة الوحوش والخدمة الملائكية، إنّ يسوع هو الإنسان الجديد، الّذي بقوة الرّوح يتمكن من مواجهة التجارب بل يخرج منتصرًا من الحرب ضد الشرير. |
||||
07 - 05 - 2024, 02:48 PM | رقم المشاركة : ( 159648 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الملكوت هو سلاح الآب (مر 1: 12-15) يأتيينا اللّاهوت الـمُرقسي، في هذا النص، على عكس لّاهوت الإنجيليين متّى ولوقا الّلذين يفسران حدث التجارب بدءًا من خروج بني إسرائيل للبرِّيَّة حيث يعيد مرقس قراءة الصفحات الأولى من سفر التكويّن معتمداً في خلفيته على رواية الخلق. حيث كان آدم وحواء قبل الزلة الأوّلى يعيشان في إنسجام مع الحيوانات والخليقة. إلّا أن رّوح العداء والتنافر هما ثمرة العصيان البشري. وهنا في يسوع، الـمُتسلح بالرّوح والّذي انتصر في حربه ضد الشيطان، ظهر الإنسجام الّذي حلم به الآب. فيسوع، وهو ابن الله الحبيب، هو الإنسان الجديد الّذي يُسرّ به الله. بحسب السردّ المرقسيّ يأتي وصف الإنجيلي مُختتمًا هذا الحدث مشيراً بأنّ: «جاءَ يسوعُ إِلى الجَليل يُعلِنُ بِشارَةَ الله، فيَقول: "تَمَّ الزَّمانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكوتُ الله. فَتوبوا وآمِنوا بِالبِشارة"» (مر 1: 14-15). لقد حقّقَّ يسوع في ذاته ما يدعونا إليّه اليّوم، وهو الإنتصار بخوض التجارب ضد الشرير والإنتصار عليه بقوة الرّوح ثم بقبول وإعلان الملكوت. بهذا الانتصار على الشرّ يمكن أنّ تنشأ إعلان نهايّة الأزمنة وقُرب الملكوت والدعوة إلى التوبة. إنّ قُرب الملكوت يتمثل في هزيمة الشيطان، وهذا القُرب سيستمر يسوع في كلّ أقواله وأعماله بعمق في باقي الإصحاحات بالبشارة المرقسيّة (راجع مر 3: 27). يسوع هو الإنسان القوي، الّذي بحسب وصف مرقس لاحقًا، قيدَّ الشيطان ويستطيع الآن أنّ يحررنا من سلطانه. إنّ الدعوة إلى التوبة تنبع من حضور يسوع، وهو الّذي حارب حاملاً سلاحي الرّوح والملكوت. فهو الإنسان الجديد الّذي كشف عن رغبة الله، وفيه نستطيع نحن البشرييّن مدعوين للعبور لنصلّ إلى ملء إنسانيتنا الجديدة. |
||||
07 - 05 - 2024, 03:14 PM | رقم المشاركة : ( 159649 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"الشفاء أم الشقاء؟" بين كاتبي سفر اللّاوييّن والإنجيل الثاني مُقدّمة ماذا أريد؟ أو ماذا نريد؟ من خلال هذا التساؤل الّذي يطرحه كلّاً منا على ذاته اليّوم، عندما نفكر في حياتنا وحياة من حولنا. أاُريد حقًا ذلك الشفاء؟ أم أرغب بالبقاء في الشقاء؟ بين لفظي الشفاء والشقاء، في اللغة العربيّة حرف واحد وله من القدرة على تغييّر المعنى بالكامل بالرغم من تشابه الحروف ذاتها. نعم أريد، هي عبارة كررناها كثيرًا عندما كنا أطفالًا، وربما لا يزال يتردد صداها فينا حتى اليّوم بطريقة خفية إلى حد ما. يلوح علينا بالتمييز بين رغبتنا في الشفاء أم في الشقاء نور الكلمة الإلهيّة من خلال نص العهد الأوّل بسفر اللّاويين (13: 45-48) والّذي يشير إلى بعض القواعد المتعلقة بمرضى البرص، باعتباره مرضًا معديًا يجعل الإنسان غير طاهرًا من قِبل الشريعة. يجب علينا ألّا نقرأ هذا النص بما يتعارض مع النص الإنجيليّ، والهدف هو أنّ حضور يسوع البشري يعطي معنى أعمق لما نوضحه نصوص العهد الأوّل. ثمّ بالعهد الجديد من خلال توقفنا على اللّاهوت المرقسيّ في هذا العام (مر 1: 40-45) والّذي يكشف عن سِمّة أساسيّة في حياة يسوع، وهو شفائنا وتحريرنا، حتى فيما يتعلق به، إذا اعتبرناه حضورًا مهمًا في حياتنا، لا يسعنا إلا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال: ماذا يريد يسوع؟ ما هي رغباته؟ فالسؤال الّذي سيطرحه عليه الأبرص في هذا النص يكشف عن إرادة يسوع ورغبته. سنفسر الفكر الإجتماعيّ والدينيّ الّذي يتسأل فيه محاور يسوع، ولكن سنتوقف بعمق أمام إرادة يسوع تجاه الأبرص هل هو بقائه في الشقاء أم نواله الشفاء والأهم السبب في إرادة يسوع. نهدف من خلال هذا المقال أنّ نتمكن من الصراخ ليسوع في وقت معاناتنا بالشقاء من أي تحدي سواء المرض، الأزمات الماليّة، الإقتصاديّة، ... إلخ. 1. المباردة الإلهيّة (لا 13: 1- 2، 45- 46) تأتي كلمات الرّبّ لموسى بالعهد الأوّل، عن رغبته في وضع نهاية لشقاء الإنسان، من خلال سفر اللّاوييّن قائلاً: «أَيُّ إِنْسانٍ كانَ في جِلْدِ بَدَنِه وَرَمٌ أَو قُوباءُ أَو لُمعَةٌ تَؤُولُ في جِلْدِ بَدَنِه إِلى إِصابةِ بَرَص، فلْيُؤتَ بِه إِلى هارونَ الكاهِن أَو إِلى واحِدٍ مِن بَنيه الكَهَنَة» (لا 13: 1- 2). يبادر الله بالعهد الأوّل بتحفيز المرضي يالبرص من شعبه لنوال الشفاء من خلال الكهنة واللّاويين من نسل هارون. ما على المريض إلّا أن يرغب في نوال الشفاء بالتوجه لكشف ذاته لفئة الكهنة للتعرف على حقيقة مرضه والحكم عليه. هذا ما تتطلبه الشريعة. ولكن في الآيات التاليّة نجد أن هناك نجاسة تلتصق بهذا المرض، وهذا في الفكر اليهودي كان يرتبط بخطئية ما للأبرص مما جعل الله ينتقم منه ولعنته بمرض البرص الّذي يشير لنجاسته. وهذا هو الفكر الخاطئ عن الله. ففي التقليد الجميع يفكر ويتهم الله بما لم يفعله، فإذا أخطأ أم لا الإنسان فهو يصير ابنًا لله. وتذهلنا الكلمات الّتي نقرأها فيما بعد إذ على: «والأبرَصُ الَّذي بِه إِصابة تكونُ ثِيابُه مُمَزَّقةً وشَعَرُه مَهْدولاً ويَتَلَثَّمُ على شَفَتَيه ويُنادي: نَجِس، نَجِس. ما دامَت فيه الإِصابة، يَكونُ نَجِساً، إِنَّه نَجِس. فلْيُقِمْ مُنفَرِداً، وفي خارِجِ المُخَيَّمِ يَكونُ مُقامُه» (لا 13: 45- 46). جاء حكم الشريعة على هذا الأبرص، وهو ابن لإبراهيم أن يُعاقب بالنجاسة وبالإقامة في حالة عزلة بعيداً عن أهله، ومحرومًا من ممارسة الليتورجيّة، ومستسلمًا للمرض وللنجاسة الّتي هي من الشرير. ولكن مَن يلجأ بثقة في الله للكاهن يتمكن من الشفاء ولا يستمر فريسة لشقاء مرض البرص طوال حياته. إذن عليه أنّ يرغب في الشفاء. 2. شقاء الأبرص (مر 1: 40) في المقطع المرقسيّ يتوجه الأبرص، الّذي يعاني الشقاء، إلى يسوع قائلاً: «إِن شِئتَ فأَنتَ قادِرٌ على أَن تُبرِئَني» (1: 40). يدرك الأبرص، بكشف رغبته هذه أنّ يسوع ينتمي إلى عالم الله، وفي الواقع بحسب ما قرأنا بسفر اللّاوييّن، فقط في الله يمكن أن يكون هناك توافق بين إرادته وقوته. إنها المرة الأولى الّتي يظهر فيها فعل "شئت" بحسب مرقس، لكن هذا الفعل سيظهر مرات عديدة على مدى سياقه الإنجيلي، مما يشير إلى أنّ المشيئة الإلهيّة لها دور كبير في إنتقال الإنسان من حالة الشقاء إلى حالة الشفاء. ونجد حوارًا يظهر فيه الفعل يريد مرات عديدة في حادثة موت المعمدان (را. مر 6: 17-22). يشير الإنجيلي إلى إرادة هيروديّة وابنتها كرغبة متقلبة وغير ناضجة، مما تكشف عن تنازل سلبي وجبان من جانب هيرودس. مما يكشف عن البُعد الأوّل للرغبة كنزوة سطحية في بعض الأحيان، والّتي تؤدي إلى إرتكاب فعل الشر وهو قتل المعمدان. وهذا ينطبق علينا اليّوم سواء بوعي أو بغير وعيّ منّا، بسبب إنغلاقنا، لا نتمكن من رؤية شيء سوى مشاريعنا الصغيرة ونعمى عن محاولة تحقيقها مهما كانت التكلفة. وهناك بُعد آخر يشير لرغبة ثانية يصفها لنا مرقس لاحقًا حينما يعبّر عن إرادة التلاميذ الّتي لا تتناغم مع إرادة يسوع حينما قالا ابني ربدي ليسوع: «يا مُعَلِّم، نُريدُ أَن تَصنَعَ لَنا ما نَسأَلُكَ» (مر10: 35)، نعلم أن طلبهم هو الجلوس بجوار يسوع في ملكه. وهذا هو بمثابة تخريب رسالة يسوع والتلّمذة معًا، فالتلميذ الّذي يُدعي إنّه يقترح الخطة الّتي يتوجب اتباعها وهي تشير للرغبة في نوال أماكن الشرف. فهي إرادتهم الّتي تسير في الاتجاه الـمُعاكس للطريق الّذي أشار إليه يسوع. إلّا أن مرقس قدّم لنا شخصيات ذات رغبة صالحة وهي بالفعل الّتي يقبلها يسوع. إنها حالة أولئك الّذين يكتشفوا إنهم بحاجة إليه، وإنهم بحاجة إلى نوال الشفاء. مثل رغبة أعمى أريحا الّذي بعد أن سمع صراخه، سأله يسوع: «ماذا تُريدُ أَن أَصنَعَ لكَ؟» (10: 51). مَن يصرخ ويلجأ للرّبّ بثقة، يجد إنتباه يسوع إلى رغبته الأصيلة والحقيقية، وإلى صرخته الّتي تخرج من قلب الإنسان الّذي يعاني الشقاء ومن نجاسة الّذين يجدون أنفسهم في حاجة إلى خلاصه. 3. شفاء يسوع (مر 1: 41-42) بعد توقفنا طويلاً على حالات الشقاء بحسب روايّة مرقس، وخاصة شقاء الأبرص في هذا المقطع، والّذي تشجّع بطلب إتمام المشيئة الإلهيّة عليه. وهنا يفاجئنا مرقس في سرده إذ يكشف علنيًا بكلمات واضحة رغبة يسوع، وإرادته، بناءً على طلب الأبرص، إذ يروي مرقس بالتدقيق أفعال يسوع ورغبته الكامنة: «فأَشفَقَ عليهِ يسوع ومَدَّ يَدَه فلَمَسَه وقالَ له: "قد شِئتُ فَابرَأ"» (مر 1: 41). نعم إرادة يسوع من إرادة الله الآب، وهي نوالنا جميعًا الشفاء من أمراض القلب والجسد والرّوح. كلمات يسوع تحمل ذات الصدى في حواره الحميميّ مع الآب، الّتي سيكشفها لنا مرقس حينما صرخ يسوع: «أَبَّا، يا أَبَتِ، إِنَّكَ على كُلِّ شَيءٍ قَدير، فَاصرِفْ عنَّي هذِه الكَأس. ولكِن لا ما أَنا أَشاء، بل ما أنتَ تَشاء» (مر 14: 36). يمكننا أنّ نؤكد أنّ إرادة الله قد كشفت في الكلمات الّتي وجهها يسوع إلى الأبرص: "قد شِئتُ فَابرَأ"، وها هو اليّوم يوجهها لكلاً منا، سواء المريض بالجسد، أم بالروح أو بالنفس. سنتعافى بالشفاء وسيسمع لرغبات قلوبنا ويزيل شفائنا ويحوله إلى شفاء. هذا هو الإنجيل، هذا هو الإعلان المبهج الّذي يحمله يسوع لنساء ولرجال كل العصور. تكشف كلمات يسوع عن وجه الله الّذي يريد الشفاء والقضاء على كل فصل وتهميش. 4. لا للشقاء، نعم للشفاء (مر 1: 43-45) تؤكد كلمات يسوع على أنّ شفاء الأبرص له أهميّة خاصة في السرد المرقسي. الأبرص الّذي إقترب من يسوع في هذا الحدث الواقعي وجد ذاته مُهمشًا ويعاني الموت بينما لايزال حيًا بسبب مرضه. وقد تم التأكيد على خطورة الوضع من خلال تفسيرنا لنص سفر اللّاويين، كما نوهنا بأعلى. فقد كان الأبرص في المجتمع المدني والديني في ذلك الوقت مثل الميت الحي. كان حيًا، لكن جسده كان يتحلل مثل جثة؛ كان عليه أن يعيش بعيدًا عن التجمعات السكنيّة ولهذا السبب ذهب بإرادة ورغبة للقاء يسوع باحثًا عنه لينال الشفاء. وأثناء بحثه، عندما دخل إحدى القرى مُعلنًا حضوره بسبب خطر نقل العدوى للآخرين. إلّا أنّ في لقائه بيسوع، انقلبت الأدوار: فالشخص الذي كان من المفترض حاملاً لمرض النجاسة أخذ يسوع نجاسته حينما مد له يده ولمسه فصار بحسب الشريعة نجسًا. إلّا أن لمسة الأبرص من يسوع جعلت العكس يتم، إذ أُصيب الأبرص بقداسة يسوع طهارته. هذا هو البُشرى السّارة الّتي بدأت في حياة يسوع الأرضية وتستمر بحياتنا. مدعويّن، كمعلمنا، لنصبح حاملين رّوح القداسة ومُبشرين بوجه الله لمَن حولنا. كثيرًا ما نتعرّض لتجربة رؤية باطلة أو مشوهة لإرادة الله ورغباته. وبدلاً من ذلك، يكشفها لنا يسوع في جمالها وعظمتها، مشيرًا لتلاميذه بوجود خطة مختلفة، ورغبة تتفق مع رغبته الشفائية: «ابنَ الإِنسانِ لم يَأتِ لِيُخدَم، بل لِيَخدُمَ ويَفدِيَ بِنَفْسِه جَماعةَ النَّاس» (مر 10: 45) ويسوع ذاته هو النموذج لهذا البذل الشافي. يسرد مرقس كيفية الإنتقال من شقاء البرص إلى نعمة الشفاء «فزالَ عَنهُ البَرَصُ لِوَقِته وبَرِئ» (مر 1: 42). تكفي كلمة يسوع الشافيّة فتحرر من كلّ شقاء. الخلّاصة يُظهر لنا نص العهد الأوّل من سفر اللّاويين بأن الرغبة تقاوم الشقاء، متى رغب الإنسان ليعرض ذاته أمام كاهن الرّبّ ينال الشفاء (لا 13: 1- 2، 43- 45). وهذا ما رأيناه في حدث شفاء يسوع للأبرص الّذي بحسب مرقس علّمنا طريق لتهذيب إرادتنا لتنتقل من الشقاء إلى الشفاء متى نجحنا في تغيير رغباتنا، لنصبح مُبشرين بالله لذاواتنا ولمن حولنا مثل يسوع. مدعوين في هذا الأسبوع بترك شقائتنا بناء على رغبتنا ولنتعرض بارادتنا للإصابة بعدوى قداسة الله. كما يكشف لنا ختام النص المرقسيّ، لايتم شفاء الأبرص كصانع العجائب من بعيد، بل يشفيه من خلال مساعدته في تحمل مسؤولية شفائه. يؤكد الإنجيلي في كلماته الختاميّة بأن يسوع يجد ذاته في مكان الأبرص الأوّلى قائلاً: «ِإيَّاكَ أَن تُخبِرَ أَحَداً بِشَيء، بَلِ اذهَبْ إِلى الكاهن فَأَرِهِ نَفسَك، ثُمَّ قَرِّبْ عن بُرئِكَ ما أَمَرَ بِه موسى، شَهادةً لَدَيهم» (مر 1: 44). مما يعني بأنّه لم يتمكن من دخول المدينة علنًا وإضطر إلى البقاء في أماكن مهجورة أيّ إنّه أخذ شقاء الأبرص المرضي مانحًا إياه الشفاء. هكذا يكشفا لنا نصيّ هذا المقال بأنّ الله يُحفزنا على توّليّ مسؤوليتنا بالشفاء وإتخاذ القرار بالبقاء في الشقاء أم الصرخ وتحمل المسئوليّة لننال الشفاء. ومن خلال كوننا تلاميذه نقتدي به، يمكننا نحن أيضًا أنّ نجعل من شفاء الله لنا بُشرى سّارة لنساء ولرجال عصرنا الحالي، حينما نخبر عن أعمال الله في حياتنا ومعاونتنا إياهم ليتحملوا مسؤولية ذاواتهم عن أفراحهم وآمالهم، وآلامهم ومعاناتهم؛ وإختيارهم الشفاء وليس الشقاء بإراتهم. دُمتم في شفاء جسديّ وروحيّ ونفسيّ. |
||||
07 - 05 - 2024, 03:45 PM | رقم المشاركة : ( 159650 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المباردة الإلهيّة (لا 13: 1- 2، 45- 46) تأتي كلمات الرّبّ لموسى بالعهد الأوّل، عن رغبته في وضع نهاية لشقاء الإنسان، من خلال سفر اللّاوييّن قائلاً: «أَيُّ إِنْسانٍ كانَ في جِلْدِ بَدَنِه وَرَمٌ أَو قُوباءُ أَو لُمعَةٌ تَؤُولُ في جِلْدِ بَدَنِه إِلى إِصابةِ بَرَص، فلْيُؤتَ بِه إِلى هارونَ الكاهِن أَو إِلى واحِدٍ مِن بَنيه الكَهَنَة» (لا 13: 1- 2). يبادر الله بالعهد الأوّل بتحفيز المرضي يالبرص من شعبه لنوال الشفاء من خلال الكهنة واللّاويين من نسل هارون. ما على المريض إلّا أن يرغب في نوال الشفاء بالتوجه لكشف ذاته لفئة الكهنة للتعرف على حقيقة مرضه والحكم عليه. هذا ما تتطلبه الشريعة. ولكن في الآيات التاليّة نجد أن هناك نجاسة تلتصق بهذا المرض، وهذا في الفكر اليهودي كان يرتبط بخطئية ما للأبرص مما جعل الله ينتقم منه ولعنته بمرض البرص الّذي يشير لنجاسته. وهذا هو الفكر الخاطئ عن الله. ففي التقليد الجميع يفكر ويتهم الله بما لم يفعله، فإذا أخطأ أم لا الإنسان فهو يصير ابنًا لله. وتذهلنا الكلمات الّتي نقرأها فيما بعد إذ على: «والأبرَصُ الَّذي بِه إِصابة تكونُ ثِيابُه مُمَزَّقةً وشَعَرُه مَهْدولاً ويَتَلَثَّمُ على شَفَتَيه ويُنادي: نَجِس، نَجِس. ما دامَت فيه الإِصابة، يَكونُ نَجِساً، إِنَّه نَجِس. فلْيُقِمْ مُنفَرِداً، وفي خارِجِ المُخَيَّمِ يَكونُ مُقامُه» (لا 13: 45- 46). جاء حكم الشريعة على هذا الأبرص، وهو ابن لإبراهيم أن يُعاقب بالنجاسة وبالإقامة في حالة عزلة بعيداً عن أهله، ومحرومًا من ممارسة الليتورجيّة، ومستسلمًا للمرض وللنجاسة الّتي هي من الشرير. ولكن مَن يلجأ بثقة في الله للكاهن يتمكن من الشفاء ولا يستمر فريسة لشقاء مرض البرص طوال حياته. إذن عليه أنّ يرغب في الشفاء. |
||||