02 - 05 - 2024, 02:20 PM | رقم المشاركة : ( 159471 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
من خلال الأسلحة الروحيّة الّـتي تتلخص في القوس الإلهيّ، ثم سلاح الحياة، ويليها سلاح المجانيّة، ثمّ سلاح الحقّ وأخيراً إختتمنا بسلاح الغفران. هذه الأسلحة تمهدنا اليّوم لقبول نصوص مقالنا الحاليّ، الّلذان يصيرا تمهيد أساسي للأسبوع العظيم. من خلال نص العهد الأوّل، بنبؤ اشعيا وبلأخص في جزء اشعيا الثاني (40- 54) الّذي يمنحنا صورة العبد الّذي يضع في مقدمة أولاوياته سيّادة السيّد الرّبّ (50: 4- 7) قبل قبوله رسالة الآلم وشعوره بالخجل والعار. أمّا بالنسبة لنص العهد الثاني فيأتي النص المرقسي على مرحلتين؛ الأوّلى وهي دخول يسوع أورشليم (11: 1- 10) والثانيّة هي سرد الإنجيليّ لروايّة آلام الرّبّ وموته مُشدداً عليه كمُتألم يتوجه بحزم نحو أورشليم ليتمّم رسالته الخلّاصيّة (14: 1- 16: 45). من خلال هذا المقال التمهيدي لأسبوع الآلام وللثلاثيّة الفصحيّة معًا، مدعوين لتهيئة عالمنا الباطنيّ للغوص في قيامة الرّبّ من خلال تبعيته في مسيرة الألم والموت الّتي يتممها "مِن أجلنا ومِن أجل خلاصنا". نهدف أنّ نرافق "خطوات المتألم" هذا الأسبوع الأخير مع عبد الله برسالة اشعيا النبويّة ومع يسوع الابن في بشارة مرقس، بترك المجال لسيّادة الرّبّ من خلال الآلم. فالكلمة الأخيرة ليست للآلم، بل للمجد ولإعلان سيّادة الرّبّ من خلال الآم العبد والابن. |
||||
02 - 05 - 2024, 02:21 PM | رقم المشاركة : ( 159472 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سيّادة عبدُ الرّبّ (اش 50: 4- 7) يحمل لنا الوحي الإلهيّ في الجزء الثاني "اشعيا الثاني" وهو المعروف باِسم كتاب التعزيّة، من رسالته النبويّة، أربعة أناشيد وهي تُشكل صورة إستباقيّة لآلام يسوع المسيح بالعهد الثاني، تنطلق هذه الآلام في آلام عبدُ الرّبّ بحسب اشعيا. في هذا المقال سنتوقف أمام بعض الآيات من النشيد الثالث (50: 4- 7)، الّتي نسمع فيها صوت العبد المتألم وهو يستجيب لنداء السيّد، موضحًا كيف أعدّه والأسباب الّتي جعلته يقبل قائلاً: «آتاني السَّيِّدُ الرَّبُّ لِسانَ تِلْميذ يَبعَثُ كَلِمَةً لِأَعرِفَ أَن أَسنُدَ المُعْيي. يُنَبِّهُ أُذُني صَباحاً فصَباحاً لِأَسمعَ كتِلْميذ. السَّيِّدُ الرَّبُّ فَتَحَ أُذُني فلمِ أَعصِ ولا رَجَعتُ إِلى الوَراء» (50: 4- 5). هذة الرسالة الّتي يستقبلها العبد كنداء من الرّبّ وهو بمثابة سيّده، يشير في سرده على قبوله لسيّادة الرّبّ عليه وعلى مصيره المستقبليّ. لذا يقوم بالإستجابة من خلال حاسة الإصغاء إذ يصغي لصوت الرّبّ ويقبل المجازفة بالألم مُؤكداً الطاعة وعدم العصيان بل يؤكد على قراره الحازم في تبعيّة مشورة السيّد الرّبّ لأنّ ثقته في سيّادته الّتي تحمل الخير له ولـلضعفاء. يستمر العبد قائلاً: «أَسلمتُ ظَهْري لِلضَّارِبين وخَدِّي لِلنَّاتِفين ولم أَستُرْ وَجْهي عنِ الإِهاناتِ والبُصاق. السَّيِّدُ الرَّبُّ يَنصُرُني لِذلك لم أَخجَلْ مِنَ الإِهانة ولذلك جَعَلتُ وَجْهي كالصَّوَّان وأَنِا عالِمٌ بِأَنِّي لا أَخْزى» (50: 6- 7). ثمّ يشير العبد إلى أسباب تلبيّة النداء وهي إنّه سيعرف كيف يساند الضعفاء (راج 50: 4). بالرغم من تسليمه ذاته بوعيّ للرافضين له، وللألم لأنّه أدرك جوهريّة رسالته وهي إنتمائه للسيّد وليس للبشر، يُشدد العبد بأنّ الكلمة الأخيرة هي لسيّادة الرّبّ فهو الّذي دعاه وهو الّذي سينصره. وهذا السبب جعله يتقدم دون خجل أو تراجع أمام الألم. على ضوء قرار العبد الواضح بقبوله الألم، تتضح سيّادته على الألم، فهو ليس بخاضع أو مُستسلم، بل من خلال طاعته وإستجابته الحرة والواعيّة يترك المجال لسيّادة السيّد الرّبّ الّذي دعاه. |
||||
02 - 05 - 2024, 02:21 PM | رقم المشاركة : ( 159473 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الابن سيّد الأحداث (مر 11: 1- 15: 47) بناء على إرادة العبد الرّبّ الحرة ووعيّه بالطاعة للرّبّ الّذي دعاه بحسب اشعيا سنرى الابن وهو يتوجهه نحو أورشليم عابراً مسيرة الآلام الّتي تبدأ بدخوله إلى أورشليم (مر 11: 1 – 10). وهنا تصل ذروة البشارة المرقسيّة إلى سرده آلام الابن الإلهي (14: 1- 15 :47). يُمهد لنا طقس أحد الشعانين مسيرتنا كمؤمنين طوال أسبوع الآلام كنقطة إنطلاق للإحتفال بسرّ آلام الرّبّ وموته ودفنه وقيامته. من خلال تتبعنا للقرائتين بحسب مرقس، ومقارنتنا نصوص القيامة الّتي تتمحور حول قيامة الرّبّ خلال زمن القيامة، نجد أنّ رغبة مرقس الإنجيلي، في أنّ يبشرنا برواية آلام وموت وقيامة يسوع بشكل كامل. ووفقًا لنصوص مقالنا هذا نجد أنّ إعلان الإنجيلي بنصيّن إنجيلييّن لهما قيمتهما اللّاهوتيّة بحسب منهجيّته. تُرتكز رواية حدث دخول يسوع أورشليم بحسب مرقس (11: 1 – 10)، تمهيد لقراءة روايّة آلام الرّبّ، والّتي ترد مُطولة بحسب مرقس 14: 1- 15: 47. على ضوء قرائتنا لبعض آيات النشيد الثالث لعبد الرّبّ (أش 50: 4-7) والّذي من وجهة نظرنا، هو بمثابة مفتاحًا تفسيريًا لّاهوتيًا لروايّة الآم يسوع. إلّا أنّ المقاطع الإنجيليّة المأخوذة بحسب مرقس، تساعدنا على الدخول في سرّ يسوع الفصحيّ والأحداث الّتي تروي آلامه وموته أي عبوره للقيامة والمجد. يكشف لنا الإنجيلي بأنّ سيّادة يسوع هي الّتي تحتل المكانة الأوّلى وتُسيطر على كلّ الأحداث الّتي تجري من حوله. إنّه ليس مستسلمًا للألم ولم يقع تحت رحمة الرافضين له من البشر الّذي آتىّ خصيصًا من أجل خلاصهم، بل هو سيّد لمصيره وقراره. ففي روايّة دخوله إلى أورشليم، تؤكد على دخوله المسيّاني والّتي تُجسد نبوءة زكريا الـقائل: «اِبتَهِجي جِدّاً يا بِنتَ صِهْيون وإهتِفي يا بنتَ أُورَشَليم هُوَذا مَلِكُكَ آتِياً إِلَيكِ بارّاً مُخَلِّصاً وَضيعاً راكِباً على حمارٍ وعلى جَحشٍ ابنِ أتان» (9: 9). يُظهر هنا مرقس الإنجيلي هويّة يسوع الحقيقيّة، فهو سيّد لكلّ الأحداث الّتي تدور حوله. ففي هذه الروايّة وهي أقصر الروايات مقارنة بباقي الأناجيل الثلاث، تحتلّ الآيات من جانب يسوع مساحة كبيرة (راج مر 11: 1 – 6)، وهذا يُهيئنا للإحتفال بحدث دخوله لأورشليم. |
||||
02 - 05 - 2024, 02:22 PM | رقم المشاركة : ( 159474 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
طريقة تعامل يسوع مع يهوذا أثناء العشاء (مر 14: 17 – 21). إن سيادة يسوع على الأحداث التي تحدث تبدو وثيقة الصلة بالموضوع، لدرجة أن مرقس، يعرضها بسخرية من بداية روايّة آلام يسوع. فإذا توقفنا على آيات مرقس الأوّلى، سنرى أن سيّادة يسوع على كل ما يحدث قد تأكدت منذ البدء. وبعد أن قام بترتيب الوقائع زمنيًا «وكانَ الفِصحُ والفَطيرُ بَعدَ يَومَين. وكانَ عُظَماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَةُ يَبحَثونَ كيف يُمسِكونَهُ بِحيلَةٍ فيَقتُلونَه، أَنَّهُم قالوا: "لا في حَفلَةِ العيد، لِئَلاَّ يَحدُثَ اضطِرابٌ في الشَّعْب"» (مر 14: 1- 2). إنها ملاحظة تبدو وكأنها عابرة إلّأ إنها في غايّة الأهميّة، في الواقع، كل شيء سيحدث بشكل صحيح خلال العيد. يبدو أن الرؤساء البشريين يُرتبون كلّ شيء، وكلّ ما يحدث ظاهريًا خلال روايّات الآلام يبدو وكأنه ثمرة شر الإنسان ومؤامرات الأقوياء، لكنها في واقع الأمر تحمل سرد روايّة حياة الابن الـمُعطاةبحريّة ووعيّ. وسيظهر ذلك بوضوح خلال روايّة العشاء الأخير (راج مر 14: 22 – 25)، عندما يأخذ يسوع الخبز والكأس بين يديه، ويقول: «بَينما هم يَأكُلون، أَخذَ خُبزاً وبارَكَ، ثُمَّ كَسَرَه وناوَلَهم وقال: "خُذوا، هذا هُوَ جَسَدي". ثُمَّ أخَذَ كأَساً وشَكَرَ وناوَلَهم، فشَرِبوا مِنها كُلُّهم، وقالَ لَهم: "هذا هو دَمي دَمُ العَهد يُراقُ مِن أَجلِ جَماعَةِ النَّاس» (مر 14: 22 - 24). |
||||
02 - 05 - 2024, 02:23 PM | رقم المشاركة : ( 159475 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
إنكار التلميذ (مر 14: 66- 72) نتابع بحسب مرقس وهو الّذي يعتبره التقليد الكتابي تلميذاً لبطرس، كيف يشير في سرده بأن أحداث الآلام ليست نتيجة للصدفة وليست بسبب المؤامرات البشريّة، بل تنبع من إختيار يسوع الحرّ والواعي. إنّ حدث دخول يسوع إلى أورشليم يؤكد أيضًا على نوعيّة المسيح أي المسيّا الّذي يأتي حاملاً الخلاص للجميع وبدون إستثناء. وهذا ما سنراه في نبؤته لبطرس الّتي أعلنها قبل عبوره الآلام بالإنكار الّذي سيأتي لاحقًا بقوله: «الحَقَّ أَقولُ لَكَ إِنَّكَ اليومَ في هذِه اللَّيلَة، قَبلَ أَن يَصيحَ الدِّيكُ مَرَّتَين، تُنكِرُني ثَلاثَ مَرَّات» (مر 14: 30). تكشف سيّادة المعلم في إعلانه حدث إنكار تلميذه قبل وقوعه، مما يؤكد إنّه بالفعل هو صاحب السيّادة الـمسيّانية (راج مر 14: 27- 31). وبالرغم من إعلان بطرس شفويًا هويّة معلمه قبلاً حينما أجاب على سؤال يسوع ببراعة مَن أنا في رأيكم، نسمع بطرس مؤكداً: «أَنتَ المسيح» (مر 8: 29). لكن بطرس، في واقع الأمر، لمّ يدرك هويّة المسيح الحقّة ونعلم ذلك من خلال قوله أثناء آلام يسوع قائلاً: «إِنِّي لا أَعرِفُ هذا الرَّجُلَ الَّذي تَعْنُونَه» (مر 14: 66- 72). وبهاء على إنكار التلميذ الّذي كشف سيّادة يسوع ومسيّانيته سنتوقف بحسب رواية مرقس لآلام الرّبّ إيمان شخصيّة وثنيّة تقلّب الموازين وتجعل كلّ ما هو وثني بداخلنا يتطهر مع آلام الرّبّ. |
||||
02 - 05 - 2024, 02:23 PM | رقم المشاركة : ( 159476 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
إيمان الوثني (مر 14: 1- 15: 47) بتتبعنا دخول يسوع أورشليم، كمسيح متواضع ووديع، ركز مرقس على حدث إنكار بطرس وه هو الآن يتوقف على حدث نقيض تمامًا، عند أقدام الصلّيب هل سيكون من الممكن أنّ نفهم، بحسب اللّاهوت المرقسيّ، وبشكل كامل حقيقة يسوع ومسيّانيته؟ يكشف الإنجيلي ما يحمله قلب شخص وثني وهو الإيمان فهو قائد الـمئة الوثنيّ الّذي سيفاجأنا بفهمه الباطني هذه السيّادة الإلهيّة، إذ يراه يموت فيقول جملة وحيدة ولا نسمع صوته سوى في هذا القول: «كانَ هذا الرَّجُلُ ابنَ اللهِ حَقّاً!» (مر 15: 39). تؤكد سيّادة يسوع المتألم في مقطع الآلام، على حقائق تُميّز بقوة نهايّة حياته الأرضيّة. وكما في المقطع الخاص بالدخول إلى أورشليم، يظهر هذا الجانب من روايّة إعداد العشاء الأخير، حيث يحدث كل شيء وفقًا لأمر يسوع. إنه سيد الأحداث ويبدو أنه يعرف كل شيء ويحدد كل شيء (راج مر 14: 12 – 17). |
||||
02 - 05 - 2024, 02:24 PM | رقم المشاركة : ( 159477 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
رسالة جوهريّة بناء على آلام عبد الرّبّ بحسب اشعيا (50: 4- 7) وآلام يسوع الابن بحسب مرقس (11: 1- 10؛ 14: 1- 15: 47) هل يسوع الألم أم الإرادة الإلهيّة الّتي لها سيّادتها القويّة؟ مقطع عبد الرّبّ يحمل دليل إضافي لفهم روايّة آلام وموت يسوع. ترشدنا كلمات نشيّد خادم الرّبّ إلى فهم خوض الآلام بوعي وبقبول كطاعة للسيّد الرّبّ وليس للبشر. ويقيّن العبد بأنّ الله في عونه وسيادته الّتي يخضع إليها لخير ضعفاء آخرين. وهكذا يأتي يسوع الابن مُتممًا، ما لم يُفهم من أناشيد العبد الأربع لأنّه بحسب قول بولس «فَوضَعَ [يسوع] نَفْسَه وأَطاعَ حَتَّى المَوت مَوتِ الصَّليب. لِذلِك رَفَعَه اللهُ إِلى العُلى» (فل 2: 8). حتى في هذين النصين تظهر قراءة للتاريخ تتجاوز المظهر، مدعوين لرؤية مشروع الله الخلاصيّ قائلين: من أجلنا ومن أجل خلاصنا عبر يسوع الألم. في بداية أسبوع الآلام لهذا العام، نحن ككنيسة مدعوين، مثل بطرس بالعبور من الإنكار إلى الإيمان، ومثل الوثني التعبير عن إيماننا بتركنا الرّبّ يسود علينا حنى من خلال الألم، دون رفضه وعدم الإستسلام لمشاريعنا البشريّة. علينا بالتركيز على أنّ الآلام، مصدر لتواضع قلوبنا وإعلاء المجد الإلهي. سواء آلام العبد أو يسوع الابن، رمز لآلامنا الّتي تعيشها بشريتنا اليّوم، ومن خلالها لنتعلّم كيف نسير نحو ملء ملكوت الله وقيامة الابن الأبدية الّتي تترك السيّادة للرّبّ. أسبوع الآم مقدس. دُمتم خاضعين لسيادة الله الآب دون إستسلام أو خنوع للألم. |
||||
02 - 05 - 2024, 02:33 PM | رقم المشاركة : ( 159478 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"سلاح الغفران" بين كاتبي نبؤة ارميا والإنجيل الرابعمُقدّمة نتقدم تدريجيًا المؤمنين الأفاضل من سرّ قيامة يسوع الفصحي. وها نحن اليّوم مدعوين للتسلح من جديد بسلاح روحيّ بناء على الكلمة الإلهيّة فيما بين العهدين. سنتوقف في المرحلة الأوّلى على العهد الأوّل الّذي نسمع من خلال نبؤة ارميا (31: 31- 34) الصوت الإلهي، مُجدداً العهد الّذي قطعه قبلاً مع البطاركة بشكل أعمق من الأوّل. هذه النص نعتبره في اللّاهوت النبوي بمثابة قلب نبؤة ارميا. في مرحلة تاليّة سنتوقف أمام آيات قليلة لكاتب الإنجيل الرابع الّذي نقرأ في آخر إصحاح والّذي يختتم به الجزء الأوّل من بشارته وهو حدث فريد حيث يلتقي بعض اليونانيين وهم وثني الأصل بأحد تلاميذ يسوع طالبيّن أنّ يعرفونه (12: 20- 23) ويصير هذا اللقاء علامة حقيقة لبدء فصح يسوع. بناء على هذين النصيين نجد إنهما يدعونا للتسلح بأحد الأسلحة الروحيّة الّتي تعاوننا في هذا الزمن الأربعينيّ وهو سلاح الـغفران. العهد الباطني (ار 31: 31- 34) في قرائتنا لنص العهد الأوّل، نصل إلى ذروة المسيرة الّتي بدأناها في هذا الزمن الأربعينيّ وهي مسيرتنا للكشف الإلهي العميق وهو العهد أي الكشف عن عهد جديد. في قرائتنا لنص ارميا وهو بمثابة نصًا أساسيًا حيث يعلن ارميا، وهو أحد الأنبياء الكبار، على لسان الرّبّ عن عهد جديد. كلمات هذا النص لها الكثير من الأهميّة إذ يقول: «ها إِنَّها تَأتي أَيَّام، يقولُ الرَّبّ، أَقطعُ فيها مع بَيتِ إِسْرائيلَ (وبَيتِ يَهوذا) عَهداً جَديداً، لا كالعَهدِ الَّذي قَطَعتُه مع آبائِهم، يَومَ أَخَذتُ بِأَيديهِم لِأُخرِجَهم مِن أَرضِ مِصْرَ لِأَنَّهم نَقَضوا عَهْدي مع أَنِّي كُنتُ سَيِّدَهم، يَقولُ الرَّبّ» (ار 31: 31- 34). وهذا ليس عهداً جديداً من حيث المحتوى، أو جديداً من حيث الـمستقبلين له. في الواقع، العهد دائمًا يتعلق بالشريعة ويتم عقده مع بيت يهوذا وبيت إسرائيل. ومع ذلك، فقد ذُكر إنّه لنّ يكون عهداً مثل ذلك الّذي تمّ إنعقاده عندما خرج بني إسرائيل مصر! أين إذن حداثة العهد الجديد؟ (ار 31: 31- 34) ينص نص إرميا على أنّ حداثة هذا العهد الّذي سيتجدد، ستتعلق بـ "الباطن" الّذي ستكتب عليه الشريعة وهو القلب قائلاً: «لكِنَّ هذا العَهدَ الَّذي أَقطَعُه مع بَيتِ إِسْرائيلَ بَعدَ تِلكَ الأَيَّام، يَقولُ الرَّبّ، هو أَنِّي أَجعَلُ شَريعَتي في بَواطِنِهم وأَكتُبُها على قُلوبِهم، وأَكونُ لَهم إِلهاً وهم يَكونونَ لي شَعبًا» (ار 31 : 33). إن حداثة العهد الجديد تتمثل في إنّه مكتوب في القلب ويشترط في مغفرة خطايا الشعب من قِبل الرّبّ الإله، إنها تجربة الغفران الّتي يمكن أنّ تغير كلّ شيء وتعيد المستقبل لأولئك الّذين خانوا الأمانة والعهد القديم. لقد ظن معاصري ارميا إنّه ليس أمامهم سوى وقت ودون أمل وفرح أمامهم، إلّا أن الرّبّ الإله يفاجئهم بالجديد فهو الّذي بادر بالعهد وهو الّذي يجدده بحسب أمانته لصالح شعبه. لذا يختتم إله العهد هذا النص بقراره الصريح: «لا يُعَلِّمُ بَعدُ كُلُّ واحِدٍ قَرببَه وكُلُّ واحِدٍ أَخاه قائِلاً: "اِعرِفِ الرَّبّ"، لِأَنَّ جَميعَهم سيَعرِفوَنني مِن صَغيرِهم إِلى كبيرِهم، يَقولُ الرَّبّ، لِأَنِّي سأَغفِرُ إِثمَهم ولن أَذكُرَ خَطيئَتَهم مِن بَعدُ» (ار 31 : 34). فالغفران هو الكلمة الإخيرة الّتي تنتمي فقط لله ويدعونا للتوبة لننتمي لشعبه ونقبل هذا العهد الجديد. هذا النص يسمح بالربط بين العهد الجديد الذي أعلنه ارميا والعمل الكهنوتي الّذي قام به يسوع، والّذي تحقق من خلال هبة حياته في طاعته للآب وهو ما سنتعمق فيه بناء على نص الإنجيل للرابع. طلب اليونانيين (يو 12: 20- 23) بناء على ما قرأناه في الرسالة النبوية لارميا، نقرأ قليلاً من الآيات المأخوذة من ختام الجزء الأوّل من إنجيل يوحنّا والّذي يشمل الإصحاحات (2-12)، ونطلق على هذا الجزء في اللّاهوت اليوحنّاويّ "كتاب العلامات". في هذا المقال الأخير من الزمن الأربعيني سنتوقف أمام المقطع الإنجيلي الّذي يروي حدث يشير لرغبة بعض اليونانييّن، الّذين صعدوا لأورشليم في زمن عيد الفصح اليهودي وأرادوا أن يروا يسوع. فعل "يرى" بحسب إنجيل يوحنّا هو فعل له الكثير من الأهميّة إذ يشير ليس لرؤيّة خارجية بل لرؤيّة باطنيّة أيّ رؤية من الداخل. يتكرر كثيراً في لّاهوت يوحنّا داعيًا إيانا أنّ نترك ذاوتنا تحت النظرة الإلهيّة ونتمكن أن نسمو وننظر إلى يسوع في حقيقته الإلهيّة طابن الله ومخلصنا. وهنا يدعونا الإنجيلي في كل مرة ننظر ليسوع الّذي يتقدم تدريجيًا ليعطينا حياته أنّ نطلب منه الغفران فهو الوحيد الّذي يمكنه أن يمنحنا إياه. في هذه الآيات الّتي تأتي مباشرة قبل بدء الجزء الثاني، ونطلق عليه "كتاب المجد أو الألم أو السّاعة" من الإنجيل الرابع الذي سيتم تخصيصه بالكامل لسرد أحداث رواية آلام يسوع وموته وقيامته بالإصحاحات (13-21). والّتي يُقدمها الإنجيليّ من خلال خطاب الوداع الطويل الّذي وجهه يسوع المعلم إلى تلاميذه بالإصحاحات (13-17). يبدأ النصّ اليوحنّاوي بهذ المقال الأخير من الزمن الأربعيني والّذي يسبق أسبوع الآلام المقدس مباشرة، بطلب من بعض اليونانيين (يو 12: 20) أنّ يتمكنوا من رؤية يسوع، وأنّ يتمكنوا من لقائه. فقد لجأوا طالبين وساطة تلاميذ يسوع للقائه فقد قَصَدوا إِلى فيلِبُّس، وكانَ مِن بَيتَ صَيدا في الجَليل، فقالوا له مُلتَمِسين: «يا سَيِّد، نُريدُ أَن نَرى يسوع» (يو 12: 21). تلي هذه الرغبة كلمة يسوع الّتي تنبهنا بتطور الأحداث والّتي تتعلق بفصحه الّذي سيعبره من خلال سرّ آلامه وموته وقيامته قائلاً: «أَتَتِ السَّاعَةُ الَّتي فيها يُمَجَّدُ ابنُ الإِنسان» (يو 12: 20–23). ونحن اليوم مع اليونانيين وهم من الوثنيّن نرفع قلوبنا طالبين رؤيّة يسوع المخلص لنتسلح بالغفران الّذي يمنحنا إياه، لنتبادله مع إخوتنا. وهنا بمجانيّة القلب الإلهي الّذي يغفر لنا زلاتنا مدعويّن لتقديم الغفران لمّن أساء إلينا. كما نرى بالنص إنّه تمّ طرح سؤالهم على أحد تلاميذ يسوع يُدعى فيلبس، والّذي أشرك أندراوس على الفور في مهمته. وبدروهما يذهبا التلميذان معًا ليخبرا يسوع بما طُلب منهم. ويبدو أنّ هناك إستمرارية بين هذا النص ولقاء يسوع مع تلاميذه الأوائل في بداية الإنجيل. في الواقع، تم ذكر أندراوس وفيلبس بالإصحاح الأوّل من ذات الإنجيل الرابع (را 1: 35-51). فبعد أنّ إلتقيا معًا بيسوع، أعلنوا للآخرين أنهم وجدوا المسيّا، ذلك الّذي تتحدث عنه الكتب المقدسة (را يو 1: 41. 45). هناك تقريبًا حركة إنعاكسيّة، ففي بدايّة الإنجيل، أعلن التلاميذ للآخرين، بطرس ونثنائيل، إنهما التقيا بيسوع؛ والآن، في نهاية الجزء الأول من البشارة اليوحنّاويّة، يقدمون إلى يسوع رغبة بعض الأمم، المنسجميّن مع إيمان بني إسرائيل، لإمكانيّة لقائهم بالرّبّ. ستكون مهمة تلاميذ يسوع منذ عيد الفصح فصاعدًا: جلب كلّ الناس إلى يسوع. السّاعة اليوحنّاويّة (يو 12: 20- 23) كان ردّ فعلّ يسوع على هذا الإعلان مفاجئًا. فهو يعلن أمام هذا الطلب أنّ: "سّاعته قد حانّت" (يو 12: 23). يبدو أنّ تلك السّاعة التي أُعلن عنها منذ بداية الإنجيل (راج يو 2: 4)، في مواجهة طلب اليونانيين أنّ يتمكنوا من مقابلته، قد حلّت. إنّ الخلاص الّذي يصل إلى كلّ إمرأة وكلّ رجل من خلال فصح يسوع. يصير الفصح بمثابة الحدث الّذي يسمح لجميع الشعوب بالدخول في العهد مع الله. وأيضًا الفصح هو علامة أنّ السّاعة قد حلّت. إن سؤال اليونانيين يكشف عن هذا الإتمام الإكتمال. بعد الإعلان الأساسي للسّاعة، ينطق يسوع ببعض التعاليم حول معنى فصحه (را يو 12: 24 ت). في النص اللاحق لهذا النص يأخذ يسوع من صورة البذرة، مثل حيّ ليطبقها على هبة حياته مُعلنًا بأنه: إذا ماتت البذرة تحت الأرض، أعطت ثمرا، وإذا لم تمت، تبقى وحدها (را يو 12: 24). هذا هو المعنى الّذي ينطبق حقيقة على حدث فصح يسوع، باعتباره حياة معطاة ومثمرة، له عواقب على وجود تلاميذه: على صورة يسوع، عليهم أنّ يتعلموا أنّ مَن يحب نفسه يهلكها، ومن يبغض نفسه يحتفظ بها (را يو 12: 26). تحمل لنا كلمات الإنجيل اليوحنّاويّ، دعوة صريحة لتبعيّة يسوع في منطق الحياة هذا، وهو ما يؤكده أيضًا صوت الآب الّذي يقول إنّه في حياة الابن المعطاة، يتمجد اسم الآب. وينتهي المقطع بالإشارة إلى رفع يسوع على الصليب، والّذي بفضله يجذب إليه الجميع. هذا هو قلب موضوع المقال السابق (را يو 3: 14 – 21). الخلّاصة سيرنا معًا للربط بين نص من نبؤة ارميا (31: 31- 34)، ونص بحسب يوحنّا (12: 20- 23) لنتعرف على سلاح جديد وهو سلاح الغفران، لنتسلح به روحيّاً في هذا الزمن الأربعيني. سوف يتعرف تلاميذ يسوع على عبارة العهد الجديد، التي تظهر في العهد القديم فقط في هذا المقطع من ارميا (31: 31- 34)، وهو مفتاح لفهم فصح المعلم بعبوره الآلام والموت والقيامة حاملاً خطايانا البشريّة ومانحًا الغفران. في الواقع، يمكننا أنّ نؤكد أنّه بفضل طاعة يسوع للآب أصبح سببًا للخلاص الأبدي. ومن خلال تسليمه الكامل لإرادة الآب ومنحه حياته كحبة الحنطة الّتي لا تأتي بثمر كثير إلا إذا يموت في قلب الأرض. تسلّحنا بسلاح الغفران من خلال هذيّن النصيّن بقلب يرغب في رؤية المخلص ويقطع عهداً جديداً قابلاً غفران الرّبّ ومانحًا إياه لقريبه. دُمتم متسلحين بسلاح الغفران. |
||||
02 - 05 - 2024, 02:34 PM | رقم المشاركة : ( 159479 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"سلاح الغفران" بين كاتبي نبؤة ارميا والإنجيل الرابعمُقدّمة نتقدم تدريجيًا المؤمنين الأفاضل من سرّ قيامة يسوع الفصحي. وها نحن اليّوم مدعوين للتسلح من جديد بسلاح روحيّ بناء على الكلمة الإلهيّة فيما بين العهدين. سنتوقف في المرحلة الأوّلى على العهد الأوّل الّذي نسمع من خلال نبؤة ارميا (31: 31- 34) الصوت الإلهي، مُجدداً العهد الّذي قطعه قبلاً مع البطاركة بشكل أعمق من الأوّل. هذه النص نعتبره في اللّاهوت النبوي بمثابة قلب نبؤة ارميا. في مرحلة تاليّة سنتوقف أمام آيات قليلة لكاتب الإنجيل الرابع الّذي نقرأ في آخر إصحاح والّذي يختتم به الجزء الأوّل من بشارته وهو حدث فريد حيث يلتقي بعض اليونانيين وهم وثني الأصل بأحد تلاميذ يسوع طالبيّن أنّ يعرفونه (12: 20- 23) ويصير هذا اللقاء علامة حقيقة لبدء فصح يسوع. بناء على هذين النصيين نجد إنهما يدعونا للتسلح بأحد الأسلحة الروحيّة الّتي تعاوننا في هذا الزمن الأربعينيّ وهو سلاح الـغفران. العهد الباطني (ار 31: 31- 34) في قرائتنا لنص العهد الأوّل، نصل إلى ذروة المسيرة الّتي بدأناها في هذا الزمن الأربعينيّ وهي مسيرتنا للكشف الإلهي العميق وهو العهد أي الكشف عن عهد جديد. في قرائتنا لنص ارميا وهو بمثابة نصًا أساسيًا حيث يعلن ارميا، وهو أحد الأنبياء الكبار، على لسان الرّبّ عن عهد جديد. كلمات هذا النص لها الكثير من الأهميّة إذ يقول: «ها إِنَّها تَأتي أَيَّام، يقولُ الرَّبّ، أَقطعُ فيها مع بَيتِ إِسْرائيلَ (وبَيتِ يَهوذا) عَهداً جَديداً، لا كالعَهدِ الَّذي قَطَعتُه مع آبائِهم، يَومَ أَخَذتُ بِأَيديهِم لِأُخرِجَهم مِن أَرضِ مِصْرَ لِأَنَّهم نَقَضوا عَهْدي مع أَنِّي كُنتُ سَيِّدَهم، يَقولُ الرَّبّ» (ار 31: 31- 34). وهذا ليس عهداً جديداً من حيث المحتوى، أو جديداً من حيث الـمستقبلين له. في الواقع، العهد دائمًا يتعلق بالشريعة ويتم عقده مع بيت يهوذا وبيت إسرائيل. ومع ذلك، فقد ذُكر إنّه لنّ يكون عهداً مثل ذلك الّذي تمّ إنعقاده عندما خرج بني إسرائيل مصر! |
||||
02 - 05 - 2024, 02:34 PM | رقم المشاركة : ( 159480 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أين إذن حداثة العهد الجديد؟ (ار 31: 31- 34) ينص نص إرميا على أنّ حداثة هذا العهد الّذي سيتجدد، ستتعلق بـ "الباطن" الّذي ستكتب عليه الشريعة وهو القلب قائلاً: «لكِنَّ هذا العَهدَ الَّذي أَقطَعُه مع بَيتِ إِسْرائيلَ بَعدَ تِلكَ الأَيَّام، يَقولُ الرَّبّ، هو أَنِّي أَجعَلُ شَريعَتي في بَواطِنِهم وأَكتُبُها على قُلوبِهم، وأَكونُ لَهم إِلهاً وهم يَكونونَ لي شَعبًا» (ار 31 : 33). إن حداثة العهد الجديد تتمثل في إنّه مكتوب في القلب ويشترط في مغفرة خطايا الشعب من قِبل الرّبّ الإله، إنها تجربة الغفران الّتي يمكن أنّ تغير كلّ شيء وتعيد المستقبل لأولئك الّذين خانوا الأمانة والعهد القديم. لقد ظن معاصري ارميا إنّه ليس أمامهم سوى وقت ودون أمل وفرح أمامهم، إلّا أن الرّبّ الإله يفاجئهم بالجديد فهو الّذي بادر بالعهد وهو الّذي يجدده بحسب أمانته لصالح شعبه. لذا يختتم إله العهد هذا النص بقراره الصريح: «لا يُعَلِّمُ بَعدُ كُلُّ واحِدٍ قَرببَه وكُلُّ واحِدٍ أَخاه قائِلاً: "اِعرِفِ الرَّبّ"، لِأَنَّ جَميعَهم سيَعرِفوَنني مِن صَغيرِهم إِلى كبيرِهم، يَقولُ الرَّبّ، لِأَنِّي سأَغفِرُ إِثمَهم ولن أَذكُرَ خَطيئَتَهم مِن بَعدُ» (ار 31 : 34). فالغفران هو الكلمة الإخيرة الّتي تنتمي فقط لله ويدعونا للتوبة لننتمي لشعبه ونقبل هذا العهد الجديد. هذا النص يسمح بالربط بين العهد الجديد الذي أعلنه ارميا والعمل الكهنوتي الّذي قام به يسوع، والّذي تحقق من خلال هبة حياته في طاعته للآب وهو ما سنتعمق فيه بناء على نص الإنجيل للرابع. |
||||