01 - 05 - 2024, 05:03 PM | رقم المشاركة : ( 159361 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"مُغامرة الصَّبِيَّةَ مع الله" بين كاتب نبؤة اشعيا والإنجيل الثالث مُقدّمة نحتفل ككنيسة كاثوليكيّة، بعيد بشارة مريم، في هذا العام 2024 في الثامن من أبريل، وبشكل إستثنائي، وليس في الخامس والعشرون من مارس بسبب تداخله مع إحتفالات الأسبوع العظيم الّذي يُهيئنأ للإحتفال بقيامة الرّبّ. لذا سنقرأ معًا من خلال سلسلتنا الكتابيّة فيما بين العهديّن، مقطع من العهد الأول من نبؤة أشعيا 7: 10- 14 والّتي نتناول فيها نبؤة الصّبيّة الّتي ستلد العمانوئيل في القرن الثامن قبل الميلاد وهي بمثابة علامة من قب الرّبّ سواء للملك آحاز وللشعب معًا. وفي مقطع العهد الثاني سنتوقف أمام حدث البشارة الّذي ينفرد به لوقا الإنجيلي (1: 26- 38)، الّذي دائما ما يُدهشنا التدخل الإلهي بقدرته مستعينًا بصّبيّة ويعرض عليها مغامرة جديدة ليعطي وجه جديد للبشريّة، والّذي من خلالها يدخل ابن الله للعالم. فهل ستستجيب عذراء النّاصرة لهذه المغامرة الغامضة والمجهولة؟ أم تعترض؟ نهدف من خلال هذا المقال التعّرف على هذا الحب الإلهي الّذي يشارك الصّبيّة في مشروعه الإلهي ويطالبها بالمغامرة معه ليحمل الجديد لعالمنا البشري. 1. مغامرة الرّبّ (اش 7: 10- 14) الرسالة النبويّة الّتي يحملها النبي اشعيا في القرن الثامن قبل الميلاد، بحسب رسالته كوسيط بين الرّبّ والملك آحاز تهدف لإستعادة علاقته بالشعب، من خلال حضور الملك والنبي معًا بحسب المخطط الإلهيّ. وفي رسالته الوسيطيّة يعلن نبي الله، اشعيا، عن بتول مُعلنًا علامة إلهيّة لا تنتمي للعالم البشريّ. حملّ النبي هذه النبؤة، على لسان الرّبّ، للملك أحاز قائلاً: «فلِذلك يُؤتيكُمُ السَّيِّد نَفْسُه آيَةً: ها إِنَّ الصَّبِيَّةَ تَحمِلُ فتَلِدُ ابناً وتَدْعو اسمَه عِمَّانوئيل» (7: 14). لم يُفهم مغزى هذه النبؤة في زمن النبي، فما من فتاة، تتمكن بحسب المنطق البشري من أنّ تحبل ومع ذلك يتنبأ اشعيا بالإسم الّذي ستمنحه هذه العذراء الصغيرة لمولودها وهو "عم-ان-وئيل" مع-نحن-الله، وبما إننا ننتمي لله فتمّ ترجمتها بتعبير "الله معنا". من الجدير بالّذكر أنّ نعلم أنّ الفتاة في العصر اليهوديّ القديم لم يكن لها أيّ إستقاليّة بذاتها فكانت تُلّقب بحسب إنتمائها لرجل ما بالعائلة مثل أبيها، أو أخيها، أو زوجها أو إبنها. فكان يقال: إبنة فلان، أخت فلان، زوجة فلان، وأخيراً أمّ فلان. أما بالنسبة لعلاقتها بالشريعة فكان يُفضل أن تُرجم المرأة عوضًا عن أن تدرس الشريعة المقدسة. فالإيمان يعتمد على علاقتها بالرجل الّذي يتولى مسئوليتها. وفي أغلب الأحيان كانت تعتبر ملكية خاصة لرجال أسرتها، كالبيت أو الغنم أو أي شيء مادي. هكذا كان تهميش المرأة، فبالآحرى فتاة أي عذراء فكان رجل أسرتها هو الّذي يتنّبه بشكل مُضاعف لئلا تجلب العار للأسرة بأي علاقة مشبوهة خارج الزواج بحسب الشريعة اليهوديّة. بناء على هذا كانت آية اشعيا، في عصره، مثيرة وغامضة بل وغير مفهومة في ذات الوقت ولكن على ضوء النص اللُوقاوي، الّذي سيستشهد الإنجيلي فيه، بذات الكلمات النبويّة ويضعها على لسان الملاك جبرائيل في حواره مع مريم سيتضح إستباقية النبؤة قبل إتمامها في مغامرة عذراء النّاصرة. 2. أيخرج خيّر من النّاصرة؟ (لو 1: 26-38) بحسب المخطط الإلهي من أجل أنّ يُدخل الله إبنه الإلهي إلى عالمنا البشري، لم يكن بإمكانه أنّ يختار بلدة أفقر من النّاصّرة. فهي قرية غامضة، ربما ذكرت مرة واحدة في العهد الأوّل، وينتمي إليها المتهورين قوميًا إلى أقصى حدّ وهي الجليل. النّاصرة ليست أورشليم وليست مكان بقدسية هيكل وسكانها ليسوا بكهنة، بل مجرد رعاع لديهم لهجة تناسبهم. مشروع الله واضح باختياره مريم وخطيبها، زوجين، وقبل زواجهما يقوم العليّ بتغيير كل شيء عن طريق الابن الإلهي الّذي لنّ يقلب خططهم فقط، ولكن أيضًا حياة البشريّة ومن يقرر تبعيته. بالفعل بدء الله الجيد باختياره من يعرف كيف يستقبل رسالته دون تحيزّ لأنّه ينظر إلى القلب وليس إلى الخارج (راج 1صم 16). النّاصرة هي قرية صغيرة، الناصرة وربما هي مُكونة من أربعة منازل أو مغارات محفورة في الصخر! مما قد يبدو أنها بُنيت بلا مبالاة وبلا أي طراز معماريّ، كما لو إنّها كشئ ما أُلقي على الأرض عن طريق الصدفة، كشيء لا قيمة له وبلا أي معنى، وسكانها لم يحظوا بسمعة طيبة، سكانها كقطع من الرخام الصلب بدون أي عمل يُجملهم، هكذا كانت سمعة أهل النّاصرة في القدم. بإختيار الله لمريم الصّبيّة يجيب على سؤال نجده على لسان أحد الأشخاص والقائل بحسب إنجيل يوحنّا: «أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمكِنُ أَن يَخرُجَ شَيٌ صالِح؟» (1: 46). بشارة عذراء النّاصرة هو الشيء الصالح الّذي يُتممه الله فيختارها ليصير إبنها واحدًا منا ليجعلنا مثله. من خلال بشارة مريم بحسب لوقا وبشارة يوسف بحسب متّى، نجد أنّ الآب هو الّذي وَلّدّ في التقليد، أي إنّه أدخل الابن في التقليد الشعب الـمُختار، فإن النعم المريميّة تحمل مغامرة كبيرة. لقد طُلب منها أيضًا أنّ تلدّ ذلك الابن الّذي سيعطي جسدًا لوجه الخالق. تصبح مريم تلك السفينة الّتي تحمل shkina أي الحضور لتاريخ الشعب، بل إلى جسد الشعب نفسه، جاعلاً إياه جسدًا واحدًا مع البشريّة. ربما هذا هو المعنى الأعمق لوجودنا، لخياراتنا، لأفعالنا؟ «إفَرحي، أَيَّتُها الـمُمتَلِئَةُ نِعْمَةً، الرَّبُّ مَعَكِ» (لو 1: 28) هذه هي التحية الّتي يُوجهها الرّبّ لكلّاً منا اليّوم، لتصير الرّبّ معنا أي العمانوئيل. علينا الإستمرار بقوة لإدراك هذه التحية بين الكثير من الأصوات الّتي تحاول إسكاته.مدعوين لتعلّم الإستماع حتى نتمكن من التحدث بشكل صحيح في بشارتنا بالخبر الـمُفرح. 3. مغامرة بتول (لو 1: 26- 38) إن بداية حدث البشارة المريميّ، يجعلنا في حيرة دائمًا عندما نقرأ: «وفي الشَّهرِ السَّادِس، أَرسَلَ اللهُ الـمَلاكَ جِبرائيلَ إِلى مَدينَةٍ في الجَليلِ اسْمُها النَّاصِرَة. إِلى عَذْراءَ مَخْطوبَةٍ لِرَجُلٍ مِن بَيتِ داودَ اسمُهُ يوسُف، وَاسمُ العَذْراءِ مَريَم» (لو 1: 26- 27). يبدأ الله مغامرته الغير متوقعة من النّاصرة والّتي أطلق عليها "مغامرة البشارة"، بالفعل من النّاصرة، يبدأ مسار جديد لا يعكس التيار البشريّ نهائيًا. يفاجئنا هذا الإختيار الإلهيّ الذّي لا يتمّ بُناء على الـمكانة الإجتماعيّة أو اللّقب الرسميّ الـمُعتمد بين علماء الشريعة وكهنة الهيكل. والمفاجأة أنّ هذا الإختيار الإلهي لا يوجه للربانيين ولا للّاهوتييّن باختصار، يسرد لوقا في روايّته الّتي ينطلق فيها السيد الرّبّ مع شعبه من خلال صَّبِيَّةَ صغيرة، وهذا الأمر مثير جدا بالنسبة لربانييّن عصرها ومعلّميّ الشريعة إذ كان بدلاً من تعلّيم الشريعة لإمرأة كان من الأفضل حرقها في زمن إختيار الله لمريم! ومن هنا يأتينا التناقض بين المشروع الإلهي والمشروع البشري. فالآن نعلم بوضوح حقيقة السبب الّذي لمّ يجعل الله يتكلم في القِدم مع النساء! فالله، قبل إختياره لمريم، لمّ يجد مكانًا له بين أولئك الّذين أَهَلّوا ذاواتِهم لخدمته سواء بالإنتخاب أم بالإختيار! لذا فالرّبّ، من جديد، يبحث عن مكان ما وشخصيّة ما ليجدد عهده من خلال ولادة إبنه الإلهي وبدء روايّة جديدة معه! مغامرة البشارة، هي بدء لروايّة حبّ مجانيّة وبلا شروط إلهيّة! هذا ما تقدمه لنا شخصية مريم الصَّبِيَّةَ اليّوم؛ فهيّ إمرأة عصرها الـمُحبوبة مِن الرّبّ ويطلب منها من خلال ملاكه جبرائيل أنّ تتعاون معه في بناء خلق جديد للبشريّة، مؤسس على قبولها لولادة إبنه الإلهي في عالمنا البشريّ، من خلال موافقتها على مشروع جديد يمر عَبر مسارات غالبًا ما تكون غير رسميّة لا تنتمي للشريعة، ولمّ يُطلع عليها كهنة الهيكل أو علماء الشريعة، وغالبًا ما تكون مسارات ثانويّة، ولكنها روايّة تحمل لنا الخير والسعادة بل لكلّ البشريّة بنسائها ورجالها. هذا الإختيار يتميز بحقيقة العيش من خلال توسع المخطط الإلهي ومشاركة البشر بشكل أكثر جديّة في مشروعه الخلاصي. وهذ يكشف لنا كيف أنّ الصغير الـُمتناهي، وهي مريم، تندمج مع العظيم اللامتناهي من خلال مغامرتها قائلة: «أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ» (لو 1: 38). الخلّاصة تتبعنا مُغامرة الرّبّ مع اشعيا (7: 10-14) حينما وجه علامته الغامضة وهي الصّبيّة الّتي ستلّد إبنًا ويُدعى العمانوئيل. وبقرأتنا للنص اللُوقاوي (1: 26-38) وجدنا أنّ هذه المغامرة جذبت صّبيّة، البتول تنتمي لعالمنا البشريّ، وبنعمة الرّوح القدس، الّذي إنفتحت عليها إستطاعت أنّ تغامر بمستقبلها، ببتوليتها، بحياتها، ... حتّى تتحقّق هذه المغامرة الإلهيّة في حياتها. فصارتا كلتا المغامرتيّن هي نقطة إنطلاق لدخول يسوع البشري، وهو ابن الله، في عالمنا الهشّ والخاطئ. بقول الصّبيّة "نعم" صارت تحية الملاك لها "الرّبّ معكِ" نعمة ونور لنا فصار الرّبّ معنا وهو العمانوئيل. بشارة مريم اليّوم هي الخيط الّذهبي الّذي بدأ الله بنسجه في أحشائها ليكللّ بشريتنا بحضور ابنه ليمنحنا ألوهيته بخلاصه. دُمتم في قبول بشارة الرّبّ وقبول مغامراته ليتحقق مشروعه الإلهي فينا وفي عالمنا. عيد بشارة مبارك. |
||||
01 - 05 - 2024, 05:04 PM | رقم المشاركة : ( 159362 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مغامرة الرّبّ (اش 7: 10- 14) الرسالة النبويّة الّتي يحملها النبي اشعيا في القرن الثامن قبل الميلاد، بحسب رسالته كوسيط بين الرّبّ والملك آحاز تهدف لإستعادة علاقته بالشعب، من خلال حضور الملك والنبي معًا بحسب المخطط الإلهيّ. وفي رسالته الوسيطيّة يعلن نبي الله، اشعيا، عن بتول مُعلنًا علامة إلهيّة لا تنتمي للعالم البشريّ. حملّ النبي هذه النبؤة، على لسان الرّبّ، للملك أحاز قائلاً: «فلِذلك يُؤتيكُمُ السَّيِّد نَفْسُه آيَةً: ها إِنَّ الصَّبِيَّةَ تَحمِلُ فتَلِدُ ابناً وتَدْعو اسمَه عِمَّانوئيل» (7: 14). لم يُفهم مغزى هذه النبؤة في زمن النبي، فما من فتاة، تتمكن بحسب المنطق البشري من أنّ تحبل ومع ذلك يتنبأ اشعيا بالإسم الّذي ستمنحه هذه العذراء الصغيرة لمولودها وهو "عم-ان-وئيل" مع-نحن-الله، وبما إننا ننتمي لله فتمّ ترجمتها بتعبير "الله معنا". من الجدير بالّذكر أنّ نعلم أنّ الفتاة في العصر اليهوديّ القديم لم يكن لها أيّ إستقاليّة بذاتها فكانت تُلّقب بحسب إنتمائها لرجل ما بالعائلة مثل أبيها، أو أخيها، أو زوجها أو إبنها. فكان يقال: إبنة فلان، أخت فلان، زوجة فلان، وأخيراً أمّ فلان. أما بالنسبة لعلاقتها بالشريعة فكان يُفضل أن تُرجم المرأة عوضًا عن أن تدرس الشريعة المقدسة. فالإيمان يعتمد على علاقتها بالرجل الّذي يتولى مسئوليتها. وفي أغلب الأحيان كانت تعتبر ملكية خاصة لرجال أسرتها، كالبيت أو الغنم أو أي شيء مادي. هكذا كان تهميش المرأة، فبالآحرى فتاة أي عذراء فكان رجل أسرتها هو الّذي يتنّبه بشكل مُضاعف لئلا تجلب العار للأسرة بأي علاقة مشبوهة خارج الزواج بحسب الشريعة اليهوديّة. بناء على هذا كانت آية اشعيا، في عصره، مثيرة وغامضة بل وغير مفهومة في ذات الوقت ولكن على ضوء النص اللُوقاوي، الّذي سيستشهد الإنجيلي فيه، بذات الكلمات النبويّة ويضعها على لسان الملاك جبرائيل في حواره مع مريم سيتضح إستباقية النبؤة قبل إتمامها في مغامرة عذراء النّاصرة. |
||||
01 - 05 - 2024, 05:07 PM | رقم المشاركة : ( 159363 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مغامرة بتول (لو 1: 26- 38) إن بداية حدث البشارة المريميّ، يجعلنا في حيرة دائمًا عندما نقرأ: «وفي الشَّهرِ السَّادِس، أَرسَلَ اللهُ الـمَلاكَ جِبرائيلَ إِلى مَدينَةٍ في الجَليلِ اسْمُها النَّاصِرَة. إِلى عَذْراءَ مَخْطوبَةٍ لِرَجُلٍ مِن بَيتِ داودَ اسمُهُ يوسُف، وَاسمُ العَذْراءِ مَريَم» (لو 1: 26- 27). يبدأ الله مغامرته الغير متوقعة من النّاصرة والّتي أطلق عليها "مغامرة البشارة"، بالفعل من النّاصرة، يبدأ مسار جديد لا يعكس التيار البشريّ نهائيًا. يفاجئنا هذا الإختيار الإلهيّ الذّي لا يتمّ بُناء على الـمكانة الإجتماعيّة أو اللّقب الرسميّ الـمُعتمد بين علماء الشريعة وكهنة الهيكل. والمفاجأة أنّ هذا الإختيار الإلهي لا يوجه للربانيين ولا للّاهوتييّن باختصار، يسرد لوقا في روايّته الّتي ينطلق فيها السيد الرّبّ مع شعبه من خلال صَّبِيَّةَ صغيرة، وهذا الأمر مثير جدا بالنسبة لربانييّن عصرها ومعلّميّ الشريعة إذ كان بدلاً من تعلّيم الشريعة لإمرأة كان من الأفضل حرقها في زمن إختيار الله لمريم! ومن هنا يأتينا التناقض بين المشروع الإلهي والمشروع البشري. فالآن نعلم بوضوح حقيقة السبب الّذي لمّ يجعل الله يتكلم في القِدم مع النساء! فالله، قبل إختياره لمريم، لمّ يجد مكانًا له بين أولئك الّذين أَهَلّوا ذاواتِهم لخدمته سواء بالإنتخاب أم بالإختيار! لذا فالرّبّ، من جديد، يبحث عن مكان ما وشخصيّة ما ليجدد عهده من خلال ولادة إبنه الإلهي وبدء روايّة جديدة معه! مغامرة البشارة، هي بدء لروايّة حبّ مجانيّة وبلا شروط إلهيّة! هذا ما تقدمه لنا شخصية مريم الصَّبِيَّةَ اليّوم؛ فهيّ إمرأة عصرها الـمُحبوبة مِن الرّبّ ويطلب منها من خلال ملاكه جبرائيل أنّ تتعاون معه في بناء خلق جديد للبشريّة، مؤسس على قبولها لولادة إبنه الإلهي في عالمنا البشريّ، من خلال موافقتها على مشروع جديد يمر عَبر مسارات غالبًا ما تكون غير رسميّة لا تنتمي للشريعة، ولمّ يُطلع عليها كهنة الهيكل أو علماء الشريعة، وغالبًا ما تكون مسارات ثانويّة، ولكنها روايّة تحمل لنا الخير والسعادة بل لكلّ البشريّة بنسائها ورجالها. هذا الإختيار يتميز بحقيقة العيش من خلال توسع المخطط الإلهي ومشاركة البشر بشكل أكثر جديّة في مشروعه الخلاصي. وهذ يكشف لنا كيف أنّ الصغير الـُمتناهي، وهي مريم، تندمج مع العظيم اللامتناهي من خلال مغامرتها قائلة: «أَنا أَمَةُ الرَّبّ فَليَكُنْ لي بِحَسَبِ قَوْلِكَ» (لو 1: 38). |
||||
01 - 05 - 2024, 05:09 PM | رقم المشاركة : ( 159364 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بشارة مريم اليّوم هي الخيط الّذهبي الّذي بدأ الله بنسجه في أحشائها ليكللّ بشريتنا بحضور ابنه ليمنحنا ألوهيته بخلاصه. |
||||
01 - 05 - 2024, 05:25 PM | رقم المشاركة : ( 159365 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
البركات واللعنات غاية هذا السفر هو التمتع بالحياة المقدسة بالله القدوس، وقد جاء هذا الأصحاح أشبه بخاتمة للسفر يكشف عن البركات التي تحل بالإنسان الذي يقبل عمل الله في طاعة لوصاياه كما أعلن اللعنات التي تحل بمن يرفض الوصية ولا يقبل الحياة المقدسة، هذه اللعنات هي ثمرة طبيعية للخطية والعصيان. 1. عبادة الله القدوس: 1 «لاَ تَصْنَعُوا لَكُمْ أَوْثَانًا، وَلاَ تُقِيمُوا لَكُمْ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا أَوْ نَصَبًا، وَلاَ تَجْعَلُوا فِي أَرْضِكُمْ حَجَرًا مُصَوَّرًا لِتَسْجُدُوا لَهُ. لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ. 2 سُبُوتِي تَحْفَظُونَ وَمَقْدِسِي تَهَابُونَ. أَنَا الرَّبُّ. إذ يطالبهم بالارتباط به سألهم ألا يقيموا تمثالًا منحوتًا من الحجارة أو نصبًا من الخشب ولا يصوروا حجرًا ليسجدوا له للعبادة كما يفعل الوثنيون. أما علامة ارتباطهم به فهي "سبوتي تحفظون ومقدسي تهابون أنا الرب" [2]... هذه الوصية بفرعيها أي حفظ السبت أي تقديسه للرب والسلوك بمهابة في مقدس الرب أو بيته هما علامة حبنا لله وارتباطنا. حفظ السبت يعني تقديس الزمن لحساب الرب، ومهابة المقدس يعني تقديس المكان، وكأن المؤمن يقدس كل زمان حياته وكل موضع ليكون مكرسًا للرب بلا انقطاع. نحفظ السبت حتى يرفعنا الله بروحه القدوس إلى ما هو فوق الزمن، أي ينطلق بنا إلى أبديته، ونهاب مقدسه لكي ننعم بمقادسه السماوية، بهذا نحيا للرب أبديًا على مستوى سماوي. 2. بركات الطاعة لله القدوس: 3 «إِذَا سَلَكْتُمْ فِي فَرَائِضِي وَحَفِظْتُمْ وَصَايَايَ وَعَمِلْتُمْ بِهَا، 4 أُعْطِي مَطَرَكُمْ فِي حِينِهِ، وَتُعْطِي الأَرْضُ غَلَّتَهَا، وَتُعْطِي أَشْجَارُ الْحَقْلِ أَثْمَارَهَا، 5 وَيَلْحَقُ دِرَاسُكُمْ بِالْقِطَافِ، وَيَلْحَقُ الْقِطَافُ بِالزَّرْعِ، فَتَأْكُلُونَ خُبْزَكُمْ لِلشِّبَعِ وَتَسْكُنُونَ فِي أَرْضِكُمْ آمِنِينَ. 6 وَأَجْعَلُ سَلاَمًا فِي الأَرْضِ، فَتَنَامُونَ وَلَيْسَ مَنْ يُزْعِجُكُمْ. وَأُبِيدُ الْوُحُوشَ الرَّدِيئَةَ مِنَ الأَرْضِ، وَلاَ يَعْبُرُ سَيْفٌ فِي أَرْضِكُمْ. 7 وَتَطْرُدُونَ أَعْدَاءَكُمْ فَيَسْقُطُونَ أَمَامَكُمْ بِالسَّيْفِ. 8 يَطْرُدُ خَمْسَةٌ مِنْكُمْ مِئَةً، وَمِئَةٌ مِنْكُمْ يَطْرُدُونَ رَبْوَةً، وَيَسْقُطُ أَعْدَاؤُكُمْ أَمَامَكُمْ بِالسَّيْفِ. 9 وَأَلْتَفِتُ إِلَيْكُمْ وَأُثْمِرُكُمْ وَأُكَثِّرُكُمْ وَأَفِي مِيثَاقِي مَعَكُمْ، 10 فَتَأْكُلُونَ الْعَتِيقَ الْمُعَتَّقَ، وَتُخْرِجُونَ الْعَتِيقَ مِنْ وَجْهِ الْجَدِيدِ. 11 وَأَجْعَلُ مَسْكَنِي فِي وَسَطِكُمْ، وَلاَ تَرْذُلُكُمْ نَفْسِي. 12 وَأَسِيرُ بَيْنَكُمْ وَأَكُونُ لَكُمْ إِلهًا وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي شَعْبًا. 13 أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمُ الَّذِي أَخْرَجَكُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ كَوْنِكُمْ لَهُمْ عَبِيدًا، وَقَطَّعَ قُيُودَ نِيرِكُمْ وَسَيَّرَكُمْ قِيَامًا. إذ يدعونا للعبادة له دون سواه، معلنين قبولنا ملكوته بتقديس سبته أبديًا ومهابتنا لمقدسه السماوي، يكشف لنا بركات هذا اللقاء مع الله، خاصة خلال الطاعة لوصيته وحفظنا وصاياه، متجاوبين مع القدوس بالخضوع لدستوره المقدس: أولًا: التمتع بالمطر في حينه "إذا سلكتم في فرائضي وحفظتم وصاياي وعملتم بها، أعطي مطركم في حينه" [3-4]. فالمطر في صورته الحرفية هو عطية الله للكل، إذ يمطر الله على الأبرار والظالمين (مت 5: 45)، وليس مكافأة خاصة بحافظي وصاياه وحدهم. أما في المفهوم الروحي فهو خاص بالعصر المسياني، ففي دراستنا لكثير من أسفار الأنبياء رأينا المطر هو إحدى سمات هذا العصر الأساسية، إذ هو عطية الروح القدس التي وهبت بفيض على الكنيسة في يوم الخمسين لكي يحيا المؤمنون ثابتين في المسيح بالروح القدس، الذي يمطر عليهم ليحول قلبهم القفر إلى فردوس مثمر وجنة سماوية تبهج قلب العريس. ويرى العلامة أوريجانوس في المطر إشارة إلى التمتع بالكلمات الإلهية بإدراكها روحيًا، هذه التي تنعش نفوسنا، إذ يقول: [ابحث في الكتب المقدسة أي مطر يوهب للقديسين وحدهم...؟! جاء في سفر التثنية: "إنصتي أيتها السموات فأتكلم، ولتسمع الأرض أقوال فمي يهطل كالمطر تعليميويقطر كالندى كلامي" (تث 32: 1-2). هل هذا القول هو من عندياتي؟! ألم يعلن موسى هذا المطر...؟! بجانب ما جاء في الأنبياء أن الله يفتح فمه فينزل كلماته كالمياه على وجه الأرض (حز 34: 26)، يقول الرسول بولس: "لأن أرضًا قد شربت المطر الآتي عليها مرارًا كثيرة وأنتجت عشبًا صالحًا للذين فلحت من أجلهم تنال بركة من الله، ولكن إن أخرجت شوكًا وحسكًا فهي مرفوضة وقريبة من اللعنة التي نهايتها للحريق" (عب 6: 7-8). يقول الرسول عن هذه الأرض أنها تنال بركة الرب متى شربت المطر وأنتجت الثمر، وتحل عليها اللعنات من عند الرب متى حُرمت من المطر فأخرجت شوكًا وحسكًا. فإن استقبلت أرضنا -أي قلبنا- مطر تعليم الناموس الذي يسقط علينا دائمًا، وإذا حملت ثمار الأعمال تتمتع بالبركات. وبالعكس إن لم يكن لها أعمال روحية يكون لها الشوك والحسك أي هموم هذا العالم وشهواته فتكون قريبة من الهلاك وتستحق الحرق]. إذن لنتقبل كلمة الرب كمطر سماوي يروي أرضنا الداخلية فتأتي بالثمر المتزايد وتتحول أعماقنا إلى جنة مفرحة، هذا المطر يسقط "في حينه"، لا بمعنى أنه يُقدم في وقت ولا يقدم في وقت آخر، وإنما يقدم هذا المطر للمؤمنين حسب إمكانيتهم واستعدادهم، البعض يتقبله خفيفًا والآخر كسيول سريعة، إذ تقدم كلمة الله تارة كلبن للأطفال (1 كو 3: 2)، وأخرى كدسم بيته من نهر نعمته (مز 36: 8). ولعل قوله "في حينه" يُشير إلى فيض عطية الروح القدس الذي حلّ على الكنيسة كمطر غزير بعد صلب السيد وقيامته وصعوده. ثانيًا: "وتعطي الأرض غلتها" [4]، ما هي هذه الأرض التي تعطي غلتها إلاَّ الجسد الترابي الذي يتقدس بمطر الروح القدس فيُنزع عنه قفره ويتحول إلى فردوس روحي مثمر؟! ما هذه الأرض التي أثمرت إلاَّ جسدنا الذي عاش زمانًا هذا مقداره بلا ثمر حتى أخذه كلمة الله بتجسده فقدم ثمرًا فائقًا يبهج قلب الآب؟! لذا يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي: [باركت طبيعتي فيك]. يرى البعض أن هذه الأرض التي أثمرت هي القديسة مريم التي هي أرض مثلنا قدمت أعظم ثمر، هو ربنا يسوع المسيح بتجسده في أحشائها. ثالثًا: "وتعطي أشجار الحقل أثمارها" [4]. رأى حزقيال النبي في الهيكل الجديد إذ تفيض المياه من عتبة البيت من جهة المذبح فصارت أشبه بنهر عظيم إذا بأشجار من كل نوع على الجانبين (حز 47)، ويشبه المرتل المؤمن بشجرة مغروسة على مجاري المياه تعطي ثمرها في حينه. يحدثنا العلامة أوريجانوس عن الأشجار الداخلية فيقول: [في داخلنا أشجار إما صالحة أو رديئة (مت 7: 18)، فالأبرار لا يمكنهم أن يحملوا ثمارًا رديئة، بل أشجارًا تأتي بثمار جيدة. أتريد أن أعرفك بأسماء الأشجار التي في داخل نفوسنا؟ إنه لا يوجد فيها شجر تفاح أو كرم عنب، إنما توجد شجرة تسمى البر وأخرى تسمى اليقظة، وأيضًا القوة والاعتدال. إن أردت أن تعرف ففي داخلنا أنواع كثيرة من الأشجار تمثل جنة الرب، يزرعها الرب بنفسه. بالحق توجد أشجار التقوى والحكمة والتعليم ومعرفة الخير والشر، وفوق هذا كله توجد شجرة الحياة (تك 2: 9)]. رابعًا "وَيَلْحَقُ دِرَاسُكُمْ بِالْقِطَافِ، وَيَلْحَقُ الْقِطَافُ بِالزَّرْعِ، فَتَأْكُلُونَ خُبْزَكُمْ لِلشِّبَعِ" [5]. يقصد بالدارس درس الغلات فيمتد موسم الدرس من كثرة المحصول حتى يأتي وقت قطاف الثمار من الأشجار، ويقطفون ثمار الأشجار حتى يأتي وقت الحصاد، وكأن حياتهم تتحول إلى فيض لا ينتهي، يقضي المؤمن حياته كلها يجني كل يوم ثمرًا جديدًا ويتمتع بحصاد لا ينقطع، لذا قيل "يأكل الودعاء ويشبعون" (مز 22: 26). في هذا يقول العلامة أوريجانوس: [لا يكون في حياتنا فراغ... "من يزرع للروح فمن الروح يحصد حياة أبدية" (غلا 6: 8)]. كما يقول: [لا أفهم القول [تأكلون خبزكم بالشبع] على أنه بركة جسدية، كما لو أن الذي يحفظ ناموس الرب ينعم بالخبز العادي حتى يشبع، فإنه حتى الملحدين والمجرمين يأكلون منه لا بشبع فحسب بل وبشهوة...! إنما لننظر إلى القائل: [أنا هو الخبز النازل من السماء، مَنْ يأكل من هذا الخبز يحيا إلى الأبد] (يو 6: 51). لنتأمل أن الناطق بهذا هو "الكلمة" (يو 1: 1)، الذي يشبع النفوس. هكذا نفهم الخبز الذي من عند الرب هو الخاص بالبركات... يقدم لنا سليمان إعلانات متشابهة في الأمثال، إذ يقول عن البار أن الصديق يأكل لشبع نفسه أما بطن الأشرار فتحتاج (أم 13: 5)... البار يأكل خبز الحياة على الدوام بغير توقف فتشبع نفسه بالطعام السماوي الذي هو كلمة الآب وحكمته]. خامسًا: "وتسكنون في أرضكم آمنين" [5]. جاء في مناظرات القديس يوحنا كاسيان حين سُئل أحد الآباء: كيف يتحقق وعد الله بأن من يترك بيوتًا وأراضي من أجل الرب يرد له في هذا العالم مائة ضعف بينما نجد الرهبان تركوا ولم يملكوا شيئًا؟ أجاب الأب بأن الراهب قد ترك بيته كي يجد الكل إخوته، وترك أرضًا ليجد الأرض كلها بين يديه. ونحن نرى إلى يومنا هذا كمثال الأب الراهب عبد المسيح الأثيوبي كيف ترك الكثير لكنه نال حتى في الأمور الزمنية أعظم مما ترك، ينام في الصحراء في أي موضع بلا أبواب مغلقة ولا تستطيع الوحوش المفترسة أن تقترب إليه وتؤذيه، بينما كثيرون لهم بيوت ويحاولون تأمين الأبواب غير أن قلبهم مضطرب وحياتهم مهددة وسلامهم مفقود. وللعلامة أوريجانوس تعليق على هذا الوعد الإلهي، إذ يقول: [لا يكون الظالم في أمان قط إنما هو في اضطراب مستمر، إنه محمول بكل ريح تعليم بحيلة الناس بمكر إلى مكيدة الضلال (أف 4: 14)، أما البار إذ يحفظ ناموس الرب يسكن في أرضه آمنًا، له الفكر الصليب القائل للرب: [قويني يا رب بكلامك] (مز 119: 28). لتقوني أمنًا، ولتغرسني فأسكن في الأرض الصخرة المؤسسة في الإيمان (أف 3: 17؛ كو 1: 23)، إذ لا يكون بيته مؤسسًا على الرمل (مت 7: 24، 26)(317)]. يكمل الرب وعده، قائلًا "وأجعل سلامًا في الأرض فتنامون وليس من يزعجكم" [6]. هذا هو السلام الذي يحل في أرض قلبنا الداخلية، "سلام الله الذي يفوق كل عقل" (في 4: 7). فبعد أن كانت أرضنا مسرحًا للاضطراب المستمر والقلق والمرارة إذ تقدست بربنا يسوع المسيح وتمتعت بعمل روحه القدوس صارت هيكلًا لله مملوءًا من سلام الله الفائق، لا يستطيع الأسد أي الشيطان بكل ملائكته أن يرهبها (رؤ 12: 7)، فيقول الإنسان مع المرتل "لا تخشى من خوف الليل ولا من سهم يطير في النهار ولا من وباء يسلك في الدجى" (مز 91: 5، 6)، وأيضًا: "الرب نوري وخلاصي ممن أخاف؟! الرب حصن حياتي ممن أرتعب؟!" (مز 27: 1)، وأيضًا: [إن نزل عليّ جيش فلا يخشى قلبي] (مز 27: 3). خلال هذا السلام الفائق ننام حتى في وسط سجن الضيقات، لا نوم الخمول أو التراخي، إنما الاطمئنان كما فعل بطرس الرسول حين أيقظه الملاك في السجن ليخرج به ويعبر به حتى الباب الخارجي... بهذا نفهم الوعد الإلهي أن يعطي أحباءه نومًا! سادسًا: [طرد الحيوانات الرَّدِيئَةَ مِنَ الأراضي] [6]. إن كانت أبوابنا قد انفتحت لكل وحش رديء، وصارت حياتنا الداخلية مأوى لكل شر ودنس، إن كانت مدينتنا الداخلية بلا أسوار تتسلل إليها وحوش البرية بلا عائق، فقد جاء ربنا يسوع المسيح ليطرد هذه الوحوش الرديئة عن أرضنا التي هي أرضه، ليسكن هو فيها. يقول العلامة أوريجانوس: [الحيوانات الرديئة الروحية هي التي يسميها الرسول [أجناد الشر الروحية في السمويات] (أف 6: 12). عن هذه الحيوانات يقول الكتاب: [الحية كانت أمكر من جميع الوحوش التي على الأرض] (تك 3: 1)... كما قيل: "إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو فقاوموه راسخين في الإيمان" (1 بط 5: 8-9). إن أردت أن تعرف حيوانات أخرى رديئة يعلمك إشعياء النبي إذ دعاها في رؤى أنها الدابة في البرية، قائلًا: "فِي أَرْضِ شِدَّةٍ وَضِيقَةٍ، مِنْهَا اللَّبْوَةُ وَالأَسَدُ، الأَفْعَى وَالثُّعْبَانُ السَّامُّ الطَّيَّارُ، يَحْمِلُونَ عَلَى أَكْتَافِ الْحَمِيرِ ثَرْوَتَهُمْ، وَعَلَى أَسْنِمَةِ الْجِمَالِ كُنُوزَهُمْ، إِلَى شَعْبٍ لاَ يَنْفَعُ" (إش 30: 6). هل يتم هذا مع حيوانات البرية المادية؟! كيف يمكن للبوة والأسد والأفعى والثعبان السام أن يحملوا ثروتهم على ظهر حمار أو جمل؟! واضح إذن أن النبي المملوء بالروح القدس يعدد القوَى العدوانية التي لأفظع الشياطين. يود أن يقول بأن الشياطين تضع ثروتها التي هي خداعاتها للنفوس، وذلك خلال الحماقة (الحمار) والدنس (الجمل)، ولكي لا نُسلم لهذه الوحوش يلزم للنفس التي تخاف الله أن تقول: "لا تسلم للوحش نفس يمامتك" (مز 74: 19)]. سابعًا: الأمان من السيف، يعلق العلامة أوريجانوسعلى العبارة: "لا يعبر السيف في أرضكم" [6]، بقوله: [كثيرة هي السيوف التي تعبر في أرضنا إن لم نحفظ ناموس الرب ونتبع وصاياه! ليدخل كل واحد إلى نفسه وليتأمل داخله لئلا تكون أرضنا أي جسدنا مثارة بروح الزنا أو مضطربة بروح الغضب والهياج، أو بحركة البخل، أو بقوس الشهوة واللذات... هذا يعرفه الرسول بولس إذ يقول: "هادمين ظنونًا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله" (2 كو 10: 5)، فلا نخضع لهذا السيف ولتلك الحروب بل يحفظ الرب أرضنا في أمان(319)]. ثامنًا: "تطردون أعداءكم" [7]. يقول العلامة أوريجانوس: [أي أعداء هؤلاء إلاَّ الشيطان وملائكته، أي الأرواح الشريرة والشياطين الدنسة (لو 4: 33)؟! إذ نتبعهم فنطردهم، إن حفظنا الوصايا الإلهية يسحق الله الشيطان تحت أرجلنا (رو 6: 20)، فيسقط الأعداء تحت أقدامنا مائتين]. "يطرد خمسة منكم مائة، ومائة منكم يطردون ربوة، ويسقط أعداءكم أمامكم بالسيف" [8]. من هم الخمسة الذين يطردون المائة، إلاَّ الحواس المقدسة التي تحمل قوة فتهزم جمهور الشر وجموع الخطية؟! ومن هم المائة الذين يطردون الربوة إلاَّ جموع أفكارنا المقدسة وجمهور طاقتنا المباركة بالرب إذ تطرد ربوات الأرواح الشريرة؟! هكذا يمسك الإنسان بكلمة الله كسيف ذي حدين به يسقط الخطية كعدو ويفسد حيل الشياطين، فيدوس العدو تحت قدميه (1 كو 15: 5). تاسعًا: النمو المستمر: "وألتفت إليكم وأثمركم وأكثركم" [9]. لا يقف الأمر عند تحطيمنا للعدو مهما بدا ضخمًا في عدده، عنيفًا في قوته، وإنما أيضًا نتزايد نحن قوة وعددًا، إذ قيل عن عمل الله حتى في العظام اليابسة التي لنا: "قاموا على أقدامهم جيش عظيم جدًا جدًا" (حز 37: 10)... "فتعلمون إنيّ أنا الرب تكلمت وأفعل يقول الرب" (حز 37: 14). أما سرّ القوة الروحية فهي "ألتفت إليكم"... يكفي نظرة الله إلينا لتهب أثمارًا كثيرة. وكأن نظراته أشبه بأشعة الشمس التي إن أشرقت على الزراعة جاء المحصول متزايدًا، أما إن احتجبت الشمس عن حقلنا الداخلي فلا يستطيع أن يقدم حصادًا. يلتفت إلينا لا ليديننا هنا وإنما ليفي ميثاقه معنا [9]، إذ يقول: "وأوفي ميثاقي معكم، فتأكلون العتيق المعتق وتخرجون العتيق من وجه الجديد" [9-10]. قول العلامة أوريجانوس: [كيف نخرج العتيق ليجد الجديد له موضعًا..؟ نخرج حرف الناموس لكي نحفظه حسب الروح (جديدًا)... يمكننا أن نقول إنه قبل مجيء السماوي ويولد، كنا كلنا أرضيين ولنا صورة الترابي (1 كو 15: 47)، والآن جاء "الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله" (أف 4: 24)، فأخرجنا القديم بخلع الإنسان العتيق ولبس الجديد (أف 4: 22)، الذي بحسب الإنسان الداخلي يتجدد يومًا فيومًا (2 كو 4: 16)(321)]. عاشرًا:يختم الله حديثه عن بركات الطاعة لوصيته بأعظم وعد، ألا وهو حلوله وسط شعبه، وفي داخل مؤمنيه، إذ يقول: "وأجعل مسكني في وسطكم، ولا ترذلكم نفسي، وأسير بينكم وأكون لكم إلهًا وأنتم تكونون ليّ شعبًا" [11-12]. وفي وضوح يقول السيد ليلة آلامه: "إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي وإليه نأتي وعنده نصنع منزلًا" (يو 14: 23)... وقد دعيت أورشليم السماوية "مسكن الله مع الناس، وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعبًا والله نفسه يكون معهم إلهًا لهم" (رؤ 21: 3). هذه هي العطية الأبدية، يسكن الله معنا ويقبلنا عنده كشعب سماوي له وهو يكون لنا إلهًا يتجلى فينا. سكنى الله فينا ينزع عنا فراغنا الداخلي الذي لن يشبعه إلاَّ الله نفسه، إذ لا تشبع النفس التي على صورة خالقها إلاَّ بالأصل ذاته. يقول القديس ايريناوس: [إن الإنسان إما أن يكون فارغًا أو مملوءًا، ومَنْ يقبل الله ساكنًا فيه يكون مملوءًا، أما من ليس له معرفة الآب السماوي وليس له الروح القدس ولا قبل فيه المسيح الحياة فيكون فارغًا]. يقول القديس أغسطينوس: [ماذا يعني قوله بالنبي "وأكون لكم إلهًا وأنتم تكونون ليّ شعبًا" سوى أنني أكون كفايتهم، أكون كل شيء يطلبه الناس بوقار: الحياة والصحة والقوت والرخاء والمجد والكرامة والسلام وكل صلاح؟! هذا ما يفسره أيضًا قول الرسول "يكون الله الكل في الكل" (1 كو 15: 28). إنه يكون نهاية اشتياقاتنا التي بلا نهاية!]. 3. اللعنات الحالة على العصاة: 14 «لكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعُوا لِي وَلَمْ تَعْمَلُوا كُلَّ هذِهِ الْوَصَايَا، 15 وَإِنْ رَفَضْتُمْ فَرَائِضِي وَكَرِهَتْ أَنْفُسُكُمْ أَحْكَامِي، فَمَا عَمِلْتُمْ كُلَّ وَصَايَايَ، بَلْ نَكَثْتُمْ مِيثَاقِي، 16 فَإِنِّي أَعْمَلُ هذِهِ بِكُمْ: أُسَلِّطُ عَلَيْكُمْ رُعْبًا وَسِلُا وَحُمَّى تُفْنِي الْعَيْنَيْنِ وَتُتْلِفُ النَّفْسَ. وَتَزْرَعُونَ بَاطِلًا زَرْعَكُمْ فَيَأْكُلُهُ أَعْدَاؤُكُمْ. 17 وَأَجْعَلُ وَجْهِي ضِدَّكُمْ فَتَنْهَزِمُونَ أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ، وَيَتَسَلَّطُ عَلَيْكُمْ مُبْغِضُوكُمْ، وَتَهْرُبُونَ وَلَيْسَ مَنْ يَطْرُدُكُمْ. 18 «وَإِنْ كُنْتُمْ مَعَ ذلِكَ لاَ تَسْمَعُونَ لِي، أَزِيدُ عَلَى تَأْدِيبِكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ، 19 فَأُحَطِّمُ فَخَارَ عِزِّكُمْ، وَأُصَيِّرُ سَمَاءَكُمْ كَالْحَدِيدِ، وَأَرْضَكُمْ كَالنُّحَاسِ، 20 فَتُفْرَغُ بَاطِلًا قُوَّتُكُمْ، وَأَرْضُكُمْ لاَ تُعْطِي غَلَّتَهَا، وَأَشْجَارُ الأَرْضِ لاَ تُعْطِي أَثْمَارَهَا. 21 «وَإِنْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِالْخِلاَفِ، وَلَمْ تَشَاءُوا أَنْ تَسْمَعُوا لِي، أَزِيدُ عَلَيْكُمْ ضَرْبَاتٍ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ. 22 أُطْلِقُ عَلَيْكُمْ وُحُوشَ الْبَرِّيَّةِ فَتُعْدِمُكُمُ الأَوْلاَدَ، وَتَقْرِضُ بَهَائِمَكُمْ، وَتُقَلِّلُكُمْ فَتُوحَشُ طُرُقُكُمْ. 23 «وَإِنْ لَمْ تَتَأَدَّبُوا مِنِّي بِذلِكَ، بَلْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِالْخِلاَفِ، 24 فَإِنِّي أَنَا أَسْلُكُ مَعَكُمْ بِالْخِلاَفِ، وَأَضْرِبُكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ. 25 أَجْلِبُ عَلَيْكُمْ سَيْفًا يَنْتَقِمُ نَقْمَةَ الْمِيثَاقِ، فَتَجْتَمِعُونَ إِلَى مُدُنِكُمْ وَأُرْسِلُ فِي وَسَطِكُمُ الْوَبَأَ فَتُدْفَعُونَ بِيَدِ الْعَدُوِّ. 26 بِكَسْرِي لَكُمْ عَصَا الْخُبْزِ. تَخْبِزُ عَشَرُ نِسَاءٍ خُبْزَكُمْ فِي تَنُّورٍ وَاحِدٍ، وَيَرْدُدْنَ خُبْزَكُمْ بِالْوَزْنِ، فَتَأْكُلُونَ وَلاَ تَشْبَعُونَ. 27 «وَإِنْ كُنْتُمْ بِذلِكَ لاَ تَسْمَعُونَ لِي بَلْ سَلَكْتُمْ مَعِي بِالْخِلاَفِ، 28 فَأَنَا أَسْلُكُ مَعَكُمْ بِالْخِلاَفِ سَاخِطًا، وَأُؤَدِّبُكُمْ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ حَسَبَ خَطَايَاكُمْ، 29 فَتَأْكُلُونَ لَحْمَ بَنِيكُمْ، وَلَحْمَ بَنَاتِكُمْ تَأْكُلُونَ. 30 وَأُخْرِبُ مُرْتَفَعَاتِكُمْ، وَأَقْطَعُ شَمْسَاتِكُمْ، وَأُلْقِي جُثَثَكُمْ عَلَى جُثَثِ أَصْنَامِكُمْ، وَتَرْذُلُكُمْ نَفْسِي. 31 وَأُصَيِّرُ مُدُنَكُمْ خَرِبَةً، وَمَقَادِسَكُمْ مُوحِشَةً، وَلاَ أَشْتَمُّ رَائِحَةَ سَرُورِكُمْ. 32 وَأُوحِشُ الأَرْضَ فَيَسْتَوْحِشُ مِنْهَا أَعْدَاؤُكُمُ السَّاكِنُونَ فِيهَا. 33 وَأُذَرِّيكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، وَأُجَرِّدُ وَرَاءَكُمُ السَّيْفَ فَتَصِيرُ أَرْضُكُمْ مُوحَشَةً، وَمُدُنُكُمْ تَصِيرُ خَرِبَةً. 34 حِينَئِذٍ تَسْتَوْفِي الأَرْضُ سُبُوتَهَا كُلَّ أَيَّامِ وَحْشَتِهَا وَأَنْتُمْ فِي أَرْضِ أَعْدَائِكُمْ. حِينَئِذٍ تَسْبِتُ الأَرْضُ وَتَسْتَوْفِي سُبُوتَهَا. 35 كُلَّ أَيَّامِ وَحْشَتِهَا تَسْبِتُ مَا لَمْ تَسْبِتْهُ مِنْ سُبُوتِكُمْ فِي سَكَنِكُمْ عَلَيْهَا. 36 وَالْبَاقُونَ مِنْكُمْ أُلْقِي الْجَبَانَةَ فِي قُلُوبِهِمْ فِي أَرَاضِي أَعْدَائِهِمْ، فَيَهْزِمُهُمْ صَوْتُ وَرَقَةٍ مُنْدَفِعَةٍ، فَيَهْرُبُونَ كَالْهَرَبِ مِنَ السَّيْفِ، وَيَسْقُطُونَ وَلَيْسَ طَارِدٌ. 37 وَيَعْثُرُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ كَمَا مِنْ أَمَامِ السَّيْفِ وَلَيْسَ طَارِدٌ، وَلاَ يَكُونُ لَكُمْ قِيَامٌ أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ، 38 فَتَهْلِكُونَ بَيْنَ الشُّعُوبِ وَتَأْكُلُكُمْ أَرْضُ أَعْدَائِكُمْ. 39 وَالْبَاقُونَ مِنْكُمْ يَفْنَوْنَ بِذُنُوبِهِمْ فِي أَرَاضِي أَعْدَائِكُمْ. وَأَيْضًا بِذُنُوبِ آبَائِهِمْ مَعَهُمْ يَفْنَوْنَ. بعد أن قدم الجانب الإيجابي معلنًا عطايا الله للإنسان الحافظ لوصيته، بدأ في الجانب السلبي يعلن الثمر الطبيعي لرفض الوصية، إذ يُحسب هذا نكثًا للميثاق معه [15] ورفضًا لشخصه، أما هذا الثمر المرّ فهو: أولًا: "أُسلط عليكم رعبًا وسلًا وحمى تفنى العينين وتتلف النفس" [16]. إن كان الله يُعاقب الإنسان بالرعب وبمرض السل والحمى وفقدان البصيرة إنما هذا يتم بتخلي الله عن رافضه فيسقط الإنسان في هذه المرارة ليعيش بلا سلام داخلي ولا صحة جسدية وبدون بصيرة! يفقد قلبه (سلامه) وجسده وبصيرته! ولعل الله يسمح بهذه الأمور الظاهرة حتى يتفطن إلى ما أصابه داخليًا بسبب عصيانه، فيأتي التأديب كترمومتر thermometer يعلن الفساد الداخلي، ليقول "روحي تلفت، أيامي انطفأت" (أي 17: 1). ثانيًا: "وتزرعون باطلًا زرعكم فيأكله أعداؤكم" [16]. إنهم يعملون لكن ليس لحساب الرب إنما يزرعون زرعهم الذاتي، فلا يباركه الرب إنما يصير نهبًا للأعداء. ثالثًا: "وأجعل وجهي ضدكم فتنهزمون أمام أعداءكم ويتسلط عليكم مبغضوكم وتهربون وليس من يطردكم" [17]. إذ يفقد الإنسان سلامه الداخلي ويخسر شركته مع الله يصير ضعيفًا أمام الأعداء الروحيين حتى وإن كان العدو في ذاته كلا شيء، وكما يقول الحكيم: "الشرير يهرب ولا طارد" (أم 28: 1). سرّ الضعف والهزيمة لا في قوة العدو وإنما في انهيار الإنسان داخليًا. رابعًا:إن لم نستجب أمام هذه الضعفات بالتوبة يؤدب الله بتأديب مضاعف، إذ يقول: "فأحطم فخار عزمكم وأصير سماءكم كالحديد وأرضكم كالنحاس فتفرغ باطلًا قوتكم، وأرضكم لا تعطي غلتها وأشجار الأرض لا تعطي أثمارها" [19-20]. يبدأ الله بتأديب خلال الأمراض ونهب الأعداء فإن لم نتفطن يضاعف الضربات خلال المذلة لتحطيم كبريائنا، يقف الإنسان في مذلة إذ يجد الطبيعة ذاتها وكأنها تقسو عليه، فتصير السماء كالحديد لا تهطل مطرًا، والأرض كالنحاس لا تصلح للزراعة. إن رفع الإنسان عينيه إلى السماء لعلها تستجيب له يجدها حديدًا جامدًا، وإن تطلع إلى الأرض يجد كل من حوله قد صار نحاسًا لا يرق له. إن كانت السماء تُشير إلى النفس البشرية والأرض إلى الجسد، فحينما لا ينصت الإنسان للوصية الإلهية ولا يتجاوب مع كلمة الله، ينال مكافأته فورًا إذ تصير نفسه كالحديد وجسده كالنحاس لا يخضعان له ولا يستجيبان لصوته الداخلي... خامسًا: افتراس الوحوش لهم "أطلق عليكم وحوش البرية فتعدمكم الأولاد وتقرض بهائمكم وتقلقكم فتوحش طرقكم" [22]. حين تذمر الشعب في البرية ترك الحيات المحرقة تلدغهم (عد 21: 5-6)، وحين استهزأ بعض الأولاد بأليشع النبي سمح بدبتين قتلتا منهم اثنين وأربعين شخصًا، وحينما أرسل ملك أشور أناسًا وثنيين يسكنون أرض كنعان بعد سبيه للشعب الإسرائيلي أرسل الله وحوشًا تفترسهم (2 مل 17: 24، 26). ما هذه الوحوش التي تنطلق علينا إلاَّ الخطايا التي يحفظنا الله منها مادمنا في حضرته نستجيب لصوته، فإن أعطيناه القفا لا الوجه ترك الوحوش تعدمنا أولادنا أي ثمارنا الداخلية وتقرض بهائمنا أي تفسد جسدنا؟! سادسًا: ضربة السيف والوبأ [25]. بمعنى التأديب خلال سيف العدو، والسماح بالوباء حتى تنحل قوة الأشرار فلا يقدرون على مقاومة العدو. سابعًا: ضربة القحط [26]، "بكسري لكم عصا الخبز تخبز عشر نساء خبزكم في تنور ويرددون خبزكم بالوزن، فتأكلون ولا تشبعون" [26]. يكسر الله لهم عصا الخبز أي يقطع عنهم خبز الحياة، الكلمة الإلهية، فتعيش نفوسهم في جوع لا تجد عصا تتكئ عليها. أما علامة القحط فهو عوض أن يكون لكل سيدة تنور خاص بها تضع فيه الخبز لتسويته، تستخدم كل عشر نساء تنورًا واحدًا، إذ ليس لديهم خبز يحتاج إلى تنور، أو ليس لديهن الوقود اللازم لإشعال أكثر من تنور. العلامة الثانية للقحط هي الحرص في الخبز فيستخدمونه بالوزن لقلة كميته وانتزاع البركة عنهم. ويصل القحط مداه حين تمتد أيدي الوالدين لأكل لحوم أولادهم، كما حدث في أيام يهورام بن آخاب ملك إسرائيل إذ اتفقت امرأتان أن تطبخ كل منهما ولدها في يوم لتأكلاه معًا (2 مل 6: 24-30)، وأيضًا في أيام حصار ملك بابل لأورشليم، إذ قيل: "أيادي النساء الحنائن طبخت أولادهن، صاروا طعامًا لهن في سحق بنت شعبي" (مرا 4: 10)، وتكرر الأمر حين حاصر تيطس الروماني أورشليم. حين نعطي ظهورنا للوصية الإلهية يصيبنا قحط داخلي يفقدنا الطعام الضروري، فتمتد أيدينا إلى أولادنا أي الثمار الداخلية لنأكلها ونموت! ثامنًا: "وأضرب مرتفعاتكم، وأقطع شمساتكم، وألقي جثثكم على جثث أصنامكم وترذلكم نفسي" [30].حين رفض الشعب الوصية عبدوا الأصنام في الأماكن المرتفعة، وأقاموا الشمسات أي التماثيل الخاصة بعبادة الشمس، أو ربما قصد أقاموا مظالًا يقيمون فيها عند عبادتهم على المرتفعات حتى لا تضربهم الشمس... الله في غيرته يُحطم الآلهة الغريبة التي اتكأ عليها مخالفو الوصية، معلنًا نهاية رفض الوصية: الموت المحتم وفقدان الآلهة التي من صنع أيدينا! بإلقاء الجثث تفوح رائحة الموت والنتانة لذلك يقول "ترذلكم نفسي". تاسعًا: إذ يرفض الإنسان وصية الله تتحول المدن المحصنة إلى خراب، والمقادس إلى أماكن موحشة ليس من يلجأ إليها، حتى الأرض التي يسكنونها ترفضهم فتلقي بهم إلى الأمم ليصيروا مشتتين ومضطهدين. في شرهم لم يكونوا ملتزمين بالسنة السبتية لتستريح الأرض، وها هي الأرض تلقي بهم خارجًا عنها (تسبت) منهم. يطردون ليعيشوا في أرض غريبة بروح الجبن، يسقطون بلا طارد حقيقي، إنما طاردهم هو شرهم الداخلي. 4. قبول الخطاة التائبين: 40 لكِنْ إِنْ أَقَرُّوا بِذُنُوبِهِمْ وَذُنُوبِ آبَائِهِمْ فِي خِيَانَتِهِمِ الَّتِي خَانُونِي بِهَا، وَسُلُوكِهِمْ مَعِيَ الَّذِي سَلَكُوا بِالْخِلاَفِ، 41 وَإِنِّي أَيْضًا سَلَكْتُ مَعَهُمْ بِالْخِلاَفِ وَأَتَيْتُ بِهِمْ إِلَى أَرْضِ أَعْدَائِهِمْ. إِلاَّ أَنْ تَخْضَعَ حِينَئِذٍ قُلُوبُهُمُ الْغُلْفُ، وَيَسْتَوْفُوا حِينَئِذٍ عَنْ ذُنُوبِهِمْ، 42 أَذْكُرُ مِيثَاقِي مَعَ يَعْقُوبَ، وَأَذْكُرُ أَيْضًا مِيثَاقِي مَعَ إِسْحَاقَ، وَمِيثَاقِي مَعَ إِبْرَاهِيمَ، وَأَذْكُرُ الأَرْضَ. 43 وَالأَرْضُ تُتْرَكُ مِنْهُمْ وَتَسْتَوْفِي سُبُوتَهَا فِي وَحْشَتِهَا مِنْهُمْ، وَهُمْ يَسْتَوْفُونَ عَنْ ذُنُوبِهِمْ لأَنَّهُمْ قَدْ أَبَوْا أَحْكَامِي وَكَرِهَتْ أَنْفُسُهُمْ فَرَائِضِي. 44 وَلكِنْ مَعَ ذلِكَ أَيْضًا مَتَى كَانُوا فِي أَرْضِ أَعْدَائِهِمْ، مَا أَبَيْتُهُمْ وَلاَ كَرِهْتُهُمْ حَتَّى أُبِيدَهُمْ وَأَنْكُثَ مِيثَاقِي مَعَهُمْ، لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُهُمْ. 45 بَلْ أَذْكُرُ لَهُمْ الْمِيثَاقَ مَعَ الأَوَّلِينَ الَّذِينَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ أَمَامَ أَعْيُنِ الشُّعُوبِ لأَكُونَ لَهُمْ إِلهًا. أَنَا الرَّبُّ». 46 هذِهِ هِيَ الْفَرَائِضُ وَالأَحْكَامُ وَالشَّرَائِعُ الَّتِي وَضَعَهَا الرَّبُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي جَبَلِ سِينَاءَ بِيَدِ مُوسَى. بعد أن أعلن مرارة ما يصل إليه الإنسان بسبب عصيانه لله يعود فيؤكد أن العلاج الوحيد لتمتع الإنسان بالبركة عوض اللعنة هو الرجوع إليه بالتوبة، فيذكر الله وعده، معلنًا إنهم حتى في أشر لحظاتهم لم يرد الله إبادتهم بل تأديبهم. النذور والبكور إن كان سفر اللاويين هو سفر التقديس والمصالحة بين الله القدوس وشعبه خلال الذبيحة التي يقدمها الكاهن، وقد أعلن الله غايته من الإنسان أن يدخل به إلى فرح لا ينقطع خلال الأعياد المستمرة والمتنوعة، فإنه يختم السفر بإعلان شريعة النذور والبكور والعشور، وكأنه يعلن أن الحب بين الله والإنسان متبادل ومشترك، فيقابل الإنسان محبة الله الفائقة بنذر حياته وتكريسها له ونذر حيواناته وبيوته وحقوله بكامل حريته. 1. شريعة النذور: 1 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلًا: 2 «كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُلْ لَهُمْ: إِذَا أَفْرَزَ إِنْسَانٌ نَذْرًا حَسَبَ تَقْوِيمِكَ نُفُوسًا لِلرَّبِّ، 3 فَإِنْ كَانَ تَقْوِيمُكَ لِذَكَرٍ مِنِ ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً إِلَى ابْنِ سِتِّينَ سَنَةً، يَكُونُ تَقْوِيمُكَ خَمْسِينَ شَاقِلَ فِضَّةٍ عَلَى شَاقِلِ الْمَقْدِسِ. 4 وَإِنْ كَانَ أُنْثَى يَكُونُ تَقْوِيمُكَ ثَلاَثِينَ شَاقِلًا. 5 وَإِنْ كَانَ مِنِ ابْنِ خَمْسِ سِنِينَ إِلَى ابْنِ عِشْرِينَ سَنَةً يَكُونُ تَقْوِيمُكَ لِذَكَرٍ عِشْرِينَ شَاقِلًا، وَلأُنْثَى عَشَرَةَ شَوَاقِلَ. 6 وَإِنْ كَانَ مِنِ ابْنِ شَهْرٍ إِلَى ابْنِ خَمْسِ سِنِينَ يَكُونُ تَقْوِيمُكَ لِذَكَرٍ خَمْسَةَ شَوَاقِلِ فِضَّةٍ، وَلأُنْثَى يَكُونُ تَقْوِيمُكَ ثَلاَثَةَ شَوَاقِلِ فِضَّةٍ. 7 وَإِنْ كَانَ مِنِ ابْنِ سِتِّينَ سَنَةً فَصَاعِدًا فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا يَكُونُ تَقْوِيمُكَ خَمْسَةَ عَشَرَ شَاقِلًا، وَأَمَّا لِلأُنْثَى فَعَشَرَةَ شَوَاقِلَ. 8 وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا عَنْ تَقْوِيمِكَ يُوقِفُهُ أَمَامَ الْكَاهِنِ فَيُقَوِّمُهُ الْكَاهِنُ. عَلَى قَدْرِ مَا تَنَالُ يَدُ النَّاذِرِ يُقَوِّمُهُ الْكَاهِنُ. 9 «وَإِنْ كَانَ بَهِيمَةً مِمَّا يُقَرِّبُونَهُ قُرْبَانًا لِلرَّبِّ، فَكُلُّ مَا يُعْطِي مِنْهُ لِلرَّبِّ يَكُونُ قُدْسًا. 10 لاَ يُغَيِّرُهُ وَلاَ يُبْدِلُهُ جَيِّدًا بِرَدِيءٍ، أَوْ رَدِيئًا بِجَيِّدٍ. وَإِنْ أَبْدَلَ بَهِيمَةً بِبَهِيمَةٍ تَكُونُ هِيَ وَبَدِيلُهَا قُدْسًا. 11 وَإِنْ كَانَ بَهِيمَةً نَجِسَةً مِمَّا لاَ يُقَرِّبُونَهُ قُرْبَانًا لِلرَّبِّ يُوقِفُ الْبَهِيمَةَ أَمَامَ الْكَاهِنِ، 12 فَيُقَوِّمُهَا الْكَاهِنُ جَيِّدَةً أَمْ رَدِيئَةً. فَحَسَبَ تَقْوِيمِكَ يَا كَاهِنُ هكَذَا يَكُونُ. 13 فَإِنْ فَكَّهَا يَزِيدُ خُمْسَهَا عَلَى تَقْوِيمِكَ. 14 «وَإِذَا قَدَّسَ إِنْسَانٌ بَيْتَهُ قُدْسًا لِلرَّبِّ، يُقَوِّمُهُ الْكَاهِنُ جَيِّدًا أَمْ رَدِيئًا. وَكَمَا يُقَوِّمُهُ الْكَاهِنُ هكَذَا يَقُومُ. 15 فَإِنْ كَانَ الْمُقَدِّسُ يَفُكُّ بَيْتَهُ، يَزِيدُ خُمْسَ فِضَّةِ تَقْوِيمِكَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ لَهُ. 16 وَإِنْ قَدَّسَ إِنْسَانٌ بَعْضَ حَقْلِ مُلْكِهِ لِلرَّبِّ، يَكُونُ تَقْوِيمُكَ عَلَى قَدَرِ بِذَارِهِ. بِذَارُ حُومَرٍ مِنَ الشَّعِيرِ بِخَمْسِينَ شَاقِلِ فِضَّةٍ. 17 إِنْ قَدَّسَ حَقْلَهُ مِنْ سَنَةِ الْيُوبِيلِ فَحَسَبَ تَقْوِيمِكَ يَقُومُ. 18 وَإِنْ قَدَّسَ حَقْلَهُ بَعْدَ سَنَةِ الْيُوبِيلِ يَحْسُبُ لَهُ الْكَاهِنُ الْفِضَّةَ عَلَى قَدَرِ السِّنِينَ الْبَاقِيَةِ إِلَى سَنَةِ الْيُوبِيلِ، فَيُنَقَّصُ مِنْ تَقْوِيمِكَ. 19 فَإِنْ فَكَّ الْحَقْلَ مُقَدِّسُهُ، يَزِيدُ خُمْسَ فِضَّةِ تَقْوِيمِكَ عَلَيْهِ فَيَجِبُ لَهُ. 20 لكِنْ إِنْ لَمْ يَفُكَّ الْحَقْلَ وَبِيعَ الْحَقْلُ لإِنْسَانٍ آخَرَ لاَ يُفَكُّ بَعْدُ، 21 بَلْ يَكُونُ الْحَقْلُ عِنْدَ خُرُوجِهِ فِي الْيُوبِيلِ قُدْسًا لِلرَّبِّ كَالْحَقْلِ الْمُحَرَّمِ. لِلْكَاهِنِ يَكُونُ مُلْكُهُ. 22 «وَإِنْ قَدَّسَ لِلرَّبِّ حَقْلًا مِنْ شِرَائِهِ لَيْسَ مِنْ حُقُولِ مُلْكِهِ، 23 يَحْسُبُ لَهُ الْكَاهِنُ مَبْلَغَ تَقْوِيمِكَ إِلَى سَنَةِ الْيُوبِيلِ، فَيُعْطِي تَقْوِيمَكَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ قُدْسًا لِلرَّبِّ. 24 وَفِي سَنَةِ الْيُوبِيلِ يَرْجِعُ الْحَقْلُ إِلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ، إِلَى الَّذِي لَهُ مُلْكُ الأَرْضِ. 25 وَكُلُّ تَقْوِيمِكَ يَكُونُ عَلَى شَاقِلِ الْمَقْدِسِ. عِشْرِينَ جِيرَةً يَكُونُ الشَّاقِلُ. النذر لكي يكون صحيحًا يلزمه تحقيق شرطين: الأول حرية الناذر كأن يكون إنسانًا ناضجًا في غير وصاية أحد، فإن كان الناذر عبدًا يتحرر من النذر إن سمع سيده بالنذر واعترض حال سماعه، وأيضًا إن كان الناذر زوجة فلا تلتزم بالنذر إن اعترض رجلها عند سماعه بالنذور وهكذا الفتاة التي في بيت أبيها... أما الشرط الثاني فهو أن يكون موضوع النذر مقدسًا وليس نجسًا وإلاَّ دُفع عنه فدية، فلا يجوز تقديم حيوانات نجسة مثلًا في بيت الرب، ولا يجوز أيضًا تقديم النذر من ثمن خطية كأن تفي سيدة نذرها أجرة زناها. إذن من هو هذا النذير الكامل الحرية الذي يقدم نذرًا مقدسًا يفرح قلب الآب إلاَّ كلمة الله المتجسد، الذي قدم حياته ذبيحة محرقة وطاعة للآب فاشتمها أبوه الصالح رائحة ذكية. ونحن أيضًا لكي نقدم نذرنا يلزمنا أن نختفي في النذير كأعضاء جسده فتفوح فينا رائحته السماوية قادرة أن تبهج قلب الآب. أ. بدأت هنا الشريعة بنذر الأشخاص، كما نذرت حنة ابنها صموئيل للرب (1 صم 1: 11)، وكان يمكن للشخص أو وليّه أن يَفي بمبلغ معين فدية عن النذير، وتقدر الشريعة الفدية هكذا: أولًا:يقوم موسى النبي نفسه بالتقويم للفدية [2]، وقد صار ذلك من حق الكاهن فيما بعد. ثانيًا:تقدر الفدية على أساس "شاقل المقدس"، أي الشاقل المحفوظ في الهيكل، وتكون الفدية هكذا: بالنسبة للذكر من سن 20 إلى 60 تقدر بخمسين شاقلًا، بالنسبة للأنثى في ذات السن تقدر بثلاثين شاقلًا، بالنسبة للذكر (من سن 5-20) تقدر بعشرين شاقلًا، بالنسبة للأنثى (من سن 5-20) تقدر بعشرة شواقل، بالنسبة للذكر (من شهر- 5 سنوات) تقدر بخمسة شواقل، بالنسبة للأنثى في ذات السن تقدر بثلاث شواقل. ثالثًا:إن كان الشخص فقيرًا يقومه الكاهن حسب قدرة ما تنال يّد الناذر [8]... إذ يترفق الله بالإنسان! ب. بالنسبة لنذر الحيوانات [9-13]، فإن كان النذر حيوانًا طاهرًا يمكن تقديمه ذبيحة لا يجوز استبداله بما هو أردأ منه أو حتى بما هو أفضل منه، فإن أبدله الناذر يلتزم بتقديم الاثنين الحيوان الأصلي وبديله. أما إن كان الحيوان نجسًا أو به عيب فيقدم أمام الكاهن ويقدر الثمن ليباع ويدخل ثمنه في صندوق بيت الرب. إن أراد الشخص أن يقتني الحيوان فيقدر الثمن ليدفعه مضافًا إليه الخمس. في هذه الشريعة الخاصة بنذر الحيوانات يؤكد الله مبدأين: الأول بعدم استبدال الحيوان الطاهر لأنه يطلب الإنسان الطاهر له دون استبدال، يحبه لنفسه. والثاني عدم استلام الحيوان الدنس لأنه لا يقبل في مقدساته شيئًا دنسًا. بمعنى آخر إن كان الله يحبنا ويطلبنا بأسمائنا كأولاد له، لكنه لا يقبل دنسين معه في أحضانه. ج. بالنسبة لنذر البيوت [14-15]، إذا اشتاق إنسان أن يكرس بيتًا للرب يقيم الكاهن ثمنه ليباع ويضم الثمن إلى خزينة بيت الرب، أما إذا أراد صاحبه أن يقتنيه فيدفع الثمن مضافًا إليه الخمس. د. بالنسبة لنذر الحقول [16-25]، يميز بين الحقل الذي ملك لصاحبه يتمتع به خلال الميراث، والآخر يكون قد اقتناه خلال الشراء. بالنسبة للحقل الموروث إذ يرجع إلى صاحبه في سنة اليوبيل لذا إن أراد صاحبه أن يفك بقدر ثمنه حسب عدد السنوات الباقية إلى اليوبيل مضافًا إليه الخمس إن لم يهتم صاحب الحقل أو وليه بفك الحقل لا يرجع إليه الحقل حتى في سنة اليوبيل بل يصير للكاهن الذي يزرعه على الدوام. كانت هذه الشريعة حافزة لكل إنسان أن يسترد حقله ولا يستهين بميراثه. أما بالنسبة للحقل المشترى فإن أراد استرداده تحسب قيمته حتى اليوبيل دون أن يضيف الخمس لأنه في اليوبيل يرجع الحقل إلى صاحبه الأصلي، وإن لم يسترده ففي اليوبيل تئول ملكيته لصاحبه الأول أي للبائع. يمكننا أن نلخص الشرائع الخاصة بالنذور متطلعين إليها كشرائع تمس حياتنا وعلاقتنا بالله، فنذر الأشخاص يُشير إلى تكريس القلب الداخلي الذي افتداه ربنا يسوع لا بشواقل ذهب أو فضة وإنما بدمه الثمين. ونذر الحيوانات يُشير إلى تقديس الجسد ليكون مقدسًا للرب وآلات برّ تعمل لحساب ملكوته. أما نذر البيوت فيُشير إلى تقديم حياتنا كلها كمسكن لله، ونذر الحقول المثمرة تُشير إلى تقديس طاقاتنا وأعمالنا اليومية. 2. شريعة الأبكار: 26 «لكِنَّ الْبِكْرَ الَّذِي يُفْرَزُ بِكْرًا لِلرَّبِّ مِنَ الْبَهَائِمِ فَلاَ يُقَدِّسُهُ أَحَدٌ. ثَوْرًا كَانَ أَوْ شَاةً فَهُوَ لِلرَّبِّ. 27 وَإِنْ كَانَ مِنَ الْبَهَائِمِ النَّجِسَةِ يَفْدِيهِ حَسَبَ تَقْوِيمِكَ وَيَزِيدُ خُمْسَهُ عَلَيْهِ. وَإِنْ لَمْ يُفَكَّ، فَيُبَاعُ حَسَبَ تَقْوِيمِكَ. في الحديث السابق أوضح النذور الاختيارية، أما بالنسبة للأبكار فهي قدسٌ للرب، نلتزم بتقديمها للرب دون أن ننذرها. فإن كان الحيوان طاهرًا يفرزه للرب دون أن يستبدله، أما إن كان دنسًا إما أن يُباع ويُدْفَع ثمنه للخزينة أو يفديه صاحبه بدفع ثمنه مضافًا إليه الخُمْس. البكر الطاهر هو ربنا يسوع المسيح الذي قبله الآب ذبيحة حب، خارجه لا يمكن أن يكون لنا موضع في بيت الرب بل نحسب دنسين ومطرودين من المقدسات الإلهية. 3. شريعة المحرمات: 28 أَمَّا كُلُّ مُحَرَّمٍ يُحَرِّمُهُ إِنْسَانٌ لِلرَّبِّ مِنْ كُلِّ مَا لَهُ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ وَمِنْ حُقُولِ مُلْكِهِ فَلاَ يُبَاعُ وَلاَ يُفَكُّ. إِنَّ كُلَّ مُحَرَّمٍ هُوَ قُدْسُ أَقْدَاسٍ لِلرَّبِّ. 29 كُلُّ مُحَرَّمٍ يُحَرَّمُ مِنَ النَّاسِ لاَ يُفْدَى. يُقْتَلُ قَتْلًا. يبدو أن المحرم هو الشخص أو الشيء الذي لا يجوز استخدامه أو التعامل معه. فالشخص المحرم هو الإنسان الخطير الذي أفسد حياته بالعبادات الوثنية والرجاسات لذا أمرت الشريعة بقتله، الأمر الذي يبدو لنا فيه قسوة، لكننا إن عدنا إلى ذلك العصر لنجد بعض الشعوب الوثنية المحيطة يلذ لها تقديم أولادها البكور ذبائح بشرية للآلهة، مع ممارسة الزنا والرجاسات كجزء لا يتجزأ من العبادة لأدركنا لماذا حرم الله هذه الشعوب حتى لا تفسد الخميرة التي كان يجب أن تكون مقدسة. أما المحرم من الحيوانات والحقول فكانت تستخدم في خدمة بيت الرب، يستخدمها الكهنة دون سواهم، أما المحرم من الذهب والفضة فيدخل خزينة بيت الرب. 4. شريعة العشور: 30 «وَكُلُّ عُشْرِ الأَرْضِ مِنْ حُبُوبِ الأَرْضِ وَأَثْمَارِ الشَّجَرِ فَهُوَ لِلرَّبِّ. قُدْسٌ لِلرَّبِّ. 31 وَإِنْ فَكَّ إِنْسَانٌ بَعْضَ عُشْرِهِ يَزِيدُ خُمْسَهُ عَلَيْهِ. 32 وَأَمَّا كُلُّ عُشْرِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَكُلُّ مَا يَعْبُرُ تَحْتَ الْعَصَا يَكُونُ الْعَاشِرُ قُدْسًا لِلرَّبِّ. 33 لاَ يُفْحَصُ أَجَيِّدٌ هُوَ أَمْ رَدِيءٌ، وَلاَ يُبْدِلُهُ. وَإِنْ أَبْدَلَهُ يَكُونُ هُوَ وَبَدِيلُهُ قُدْسًا. لاَ يُفَكُّ». 34 هذِهِ هِيَ الْوَصَايَا الَّتِي أَوْصَى الرَّبُّ بِهَا مُوسَى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي جَبَلِ سِينَاءَ. كان الشعب يقدم عشر المحاصيل الزراعية سواء من الحبوب أو الفاكهة قدسًا للرب، فإن أراد الاحتفاظ بالعشر يدفع ثمنه مضافًا إليه الخمس. أما بالنسبة للحيوانات فكانت العشور تقدم هكذا: يخرجون الأمهات خارجًا ثم يعبرون بالصغار من باب ضيق لا يسع إلاَّ واحدًا منها، فيكون عند مرورها يرفع الشخص عصا ليعد تسعة ويكون العاشر للرب فيضع عليه علامة تميزه، وبهذا لا يكون لصاحبها دخل في الاختيار، وليس من حقه إبدال حيوان بآخر حتى إن أراد أن يقدم ما هو أفضل، فإن أبدل حيوانًا يكون الاثنان للرب. يحدثنا الأب ثيوناسعن العشور فيقول: [عندما نقدم لله العشور نكون لا نزال منحدرين إلى أسفل نحو الأرضيات تحت عبء الناموس، عاجزين عن الارتفاع إلى علو الإنجيل الذي من يعمل بموجبه يُكافأ ليس فقط ببركات الحياة الحاضرة بل بالخيرات العتيدة... إذ يقول الرب لتلاميذه: [طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات] (مت 5: 3)، "كل من ترك بيوتًا أو إخوة أو أخوات أو أبًا أو أمًا أو امرأة أو أولادًا أو حقولًا من أجل اسمي يأخذ مائة ضعف ويرث الحياة الأبدية (مت 19: 29)]. |
||||
01 - 05 - 2024, 05:29 PM | رقم المشاركة : ( 159366 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عبادة الله القدوس: 1 «لاَ تَصْنَعُوا لَكُمْ أَوْثَانًا، وَلاَ تُقِيمُوا لَكُمْ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا أَوْ نَصَبًا، وَلاَ تَجْعَلُوا فِي أَرْضِكُمْ حَجَرًا مُصَوَّرًا لِتَسْجُدُوا لَهُ. لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ. 2 سُبُوتِي تَحْفَظُونَ وَمَقْدِسِي تَهَابُونَ. أَنَا الرَّبُّ. إذ يطالبهم بالارتباط به سألهم ألا يقيموا تمثالًا منحوتًا من الحجارة أو نصبًا من الخشب ولا يصوروا حجرًا ليسجدوا له للعبادة كما يفعل الوثنيون. أما علامة ارتباطهم به فهي "سبوتي تحفظون ومقدسي تهابون أنا الرب" [2]... هذه الوصية بفرعيها أي حفظ السبت أي تقديسه للرب والسلوك بمهابة في مقدس الرب أو بيته هما علامة حبنا لله وارتباطنا. حفظ السبت يعني تقديس الزمن لحساب الرب، ومهابة المقدس يعني تقديس المكان، وكأن المؤمن يقدس كل زمان حياته وكل موضع ليكون مكرسًا للرب بلا انقطاع. نحفظ السبت حتى يرفعنا الله بروحه القدوس إلى ما هو فوق الزمن، أي ينطلق بنا إلى أبديته، ونهاب مقدسه لكي ننعم بمقادسه السماوية، بهذا نحيا للرب أبديًا على مستوى سماوي. |
||||
01 - 05 - 2024, 05:30 PM | رقم المشاركة : ( 159367 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
التمتع بالمطر في حينه "إذا سلكتم في فرائضي وحفظتم وصاياي وعملتم بها، أعطي مطركم في حينه" [3-4]. فالمطر في صورته الحرفية هو عطية الله للكل، إذ يمطر الله على الأبرار والظالمين (مت 5: 45)، وليس مكافأة خاصة بحافظي وصاياه وحدهم. أما في المفهوم الروحي فهو خاص بالعصر المسياني، ففي دراستنا لكثير من أسفار الأنبياء رأينا المطر هو إحدى سمات هذا العصر الأساسية، إذ هو عطية الروح القدس التي وهبت بفيض على الكنيسة في يوم الخمسين لكي يحيا المؤمنون ثابتين في المسيح بالروح القدس، الذي يمطر عليهم ليحول قلبهم القفر إلى فردوس مثمر وجنة سماوية تبهج قلب العريس. ويرى العلامة أوريجانوس في المطر إشارة إلى التمتع بالكلمات الإلهية بإدراكها روحيًا، هذه التي تنعش نفوسنا، إذ يقول: [ابحث في الكتب المقدسة أي مطر يوهب للقديسين وحدهم...؟! جاء في سفر التثنية: "إنصتي أيتها السموات فأتكلم، ولتسمع الأرض أقوال فمي يهطل كالمطر تعليميويقطر كالندى كلامي" (تث 32: 1-2). هل هذا القول هو من عندياتي؟! ألم يعلن موسى هذا المطر...؟! بجانب ما جاء في الأنبياء أن الله يفتح فمه فينزل كلماته كالمياه على وجه الأرض (حز 34: 26)، يقول الرسول بولس: "لأن أرضًا قد شربت المطر الآتي عليها مرارًا كثيرة وأنتجت عشبًا صالحًا للذين فلحت من أجلهم تنال بركة من الله، ولكن إن أخرجت شوكًا وحسكًا فهي مرفوضة وقريبة من اللعنة التي نهايتها للحريق" (عب 6: 7-8). يقول الرسول عن هذه الأرض أنها تنال بركة الرب متى شربت المطر وأنتجت الثمر، وتحل عليها اللعنات من عند الرب متى حُرمت من المطر فأخرجت شوكًا وحسكًا. فإن استقبلت أرضنا -أي قلبنا- مطر تعليم الناموس الذي يسقط علينا دائمًا، وإذا حملت ثمار الأعمال تتمتع بالبركات. وبالعكس إن لم يكن لها أعمال روحية يكون لها الشوك والحسك أي هموم هذا العالم وشهواته فتكون قريبة من الهلاك وتستحق الحرق]. إذن لنتقبل كلمة الرب كمطر سماوي يروي أرضنا الداخلية فتأتي بالثمر المتزايد وتتحول أعماقنا إلى جنة مفرحة، هذا المطر يسقط "في حينه"، لا بمعنى أنه يُقدم في وقت ولا يقدم في وقت آخر، وإنما يقدم هذا المطر للمؤمنين حسب إمكانيتهم واستعدادهم، البعض يتقبله خفيفًا والآخر كسيول سريعة، إذ تقدم كلمة الله تارة كلبن للأطفال (1 كو 3: 2)، وأخرى كدسم بيته من نهر نعمته (مز 36: 8). ولعل قوله "في حينه" يُشير إلى فيض عطية الروح القدس الذي حلّ على الكنيسة كمطر غزير بعد صلب السيد وقيامته وصعوده. |
||||
01 - 05 - 2024, 05:33 PM | رقم المشاركة : ( 159368 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
العلامة أوريجانوس يرى في المطر إشارة إلى التمتع بالكلمات الإلهية بإدراكها روحيًا، هذه التي تنعش نفوسنا، إذ يقول: [ابحث في الكتب المقدسة أي مطر يوهب للقديسين وحدهم...؟! جاء في سفر التثنية: "إنصتي أيتها السموات فأتكلم، ولتسمع الأرض أقوال فمي يهطل كالمطر تعليميويقطر كالندى كلامي" (تث 32: 1-2). هل هذا القول هو من عندياتي؟! ألم يعلن موسى هذا المطر...؟! بجانب ما جاء في الأنبياء أن الله يفتح فمه فينزل كلماته كالمياه على وجه الأرض (حز 34: 26)، يقول الرسول بولس: "لأن أرضًا قد شربت المطر الآتي عليها مرارًا كثيرة وأنتجت عشبًا صالحًا للذين فلحت من أجلهم تنال بركة من الله، ولكن إن أخرجت شوكًا وحسكًا فهي مرفوضة وقريبة من اللعنة التي نهايتها للحريق" (عب 6: 7-8). يقول الرسول عن هذه الأرض أنها تنال بركة الرب متى شربت المطر وأنتجت الثمر، وتحل عليها اللعنات من عند الرب متى حُرمت من المطر فأخرجت شوكًا وحسكًا. فإن استقبلت أرضنا -أي قلبنا- مطر تعليم الناموس الذي يسقط علينا دائمًا، وإذا حملت ثمار الأعمال تتمتع بالبركات. وبالعكس إن لم يكن لها أعمال روحية يكون لها الشوك والحسك أي هموم هذا العالم وشهواته فتكون قريبة من الهلاك وتستحق الحرق]. |
||||
01 - 05 - 2024, 05:35 PM | رقم المشاركة : ( 159369 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وتعطي الأرض غلتها" [4]، ما هي هذه الأرض التي تعطي غلتها إلاَّ الجسد الترابي الذي يتقدس بمطر الروح القدس فيُنزع عنه قفره ويتحول إلى فردوس روحي مثمر؟! ما هذه الأرض التي أثمرت إلاَّ جسدنا الذي عاش زمانًا هذا مقداره بلا ثمر حتى أخذه كلمة الله بتجسده فقدم ثمرًا فائقًا يبهج قلب الآب؟! لذا يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي: [باركت طبيعتي فيك]. يرى البعض أن هذه الأرض التي أثمرت هي القديسة مريم التي هي أرض مثلنا قدمت أعظم ثمر، هو ربنا يسوع المسيح بتجسده في أحشائها. |
||||
01 - 05 - 2024, 05:36 PM | رقم المشاركة : ( 159370 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"وتعطي أشجار الحقل أثمارها" [4]. رأى حزقيال النبي في الهيكل الجديد إذ تفيض المياه من عتبة البيت من جهة المذبح فصارت أشبه بنهر عظيم إذا بأشجار من كل نوع على الجانبين (حز 47)، ويشبه المرتل المؤمن بشجرة مغروسة على مجاري المياه تعطي ثمرها في حينه. يحدثنا العلامة أوريجانوس عن الأشجار الداخلية فيقول: [في داخلنا أشجار إما صالحة أو رديئة (مت 7: 18)، فالأبرار لا يمكنهم أن يحملوا ثمارًا رديئة، بل أشجارًا تأتي بثمار جيدة. أتريد أن أعرفك بأسماء الأشجار التي في داخل نفوسنا؟ إنه لا يوجد فيها شجر تفاح أو كرم عنب، إنما توجد شجرة تسمى البر وأخرى تسمى اليقظة، وأيضًا القوة والاعتدال. إن أردت أن تعرف ففي داخلنا أنواع كثيرة من الأشجار تمثل جنة الرب، يزرعها الرب بنفسه. بالحق توجد أشجار التقوى والحكمة والتعليم ومعرفة الخير والشر، وفوق هذا كله توجد شجرة الحياة (تك 2: 9)]. |
||||