24 - 04 - 2024, 05:20 PM | رقم المشاركة : ( 158671 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عظة أربعاء الرّماد ï´؟وَأَبوكَ الّذي يَرى في الخُفيةِ يُجازيكï´¾ (متّى 4:6) الأحِبَّةُ جَميعًا في الْمَسيحِ يَسوع! مَع أَربِعَاءِ الرَّمَاد، نَسْتَهِلُّ الزَّمنَ الأربَعينيَّ الْمُقَدَّس، الَّذي مِنْ خِلالِهِ نَتَهَيَّأُ لِبُلوغِ قِمَّةِ هَرمِ إيمانِنَا الْمَسيحيّ، أَي الاحتِفَالِ بِفِصحِ الرَّبِّ وقِيَامَتِهِ الْمَجيدَة. مَع أَربِعَاءِ الرَّمَاد، نَبْدَأُ زَمنَ الصَّومِ والتَّوبَة، كِلاهُمَا مَعًا جَنبًا إلى جَنب، دُونَ انْفِصَالٍ أَو تَجزِئَةٍ أَو اخْتِزَال. فَالصَّومُ بِلا تَوبَةٍ يَفقِدُ مَعنَاه، ويُضْحي مُجَرَّدَ جُوعٍ أَو حِميَةٍ غِذَائيَّة، أَو ضَربًا مِنْ ضُروبِ التَّوفير! وهَذَا مَا يحدُثُ مَع الَّذينَ يُغَالونَ في الصَّومِ مُتَبَاهِينَ مُتَفَاخِرين، أَمَّا ثِمارُ تَوبَتِهم فَشَحِيحَةٌ قَليلَة، وأَيادِيهم عَنِ العَطَاءِ والصَّدَقَةِ مَغلُولَة! اِسْمَحوا لِي أَنْ أَقولَ لَكُمْ بِأَنَّ زَمنَ الصَّومِ، مع كُلِّ أَسَف، يُحَوِّلُهُ البَعضُ لِيُصبِحَ زَمَنًا مُزعِجًا ومَشْحُونًا بالْمُمَاحَكَاتِ الصِّبيَانِيَّة! فَفِي هَذَا الزَّمن، تَكثُرُ أَجْوَاءُ الْمُنَافَسَةِ والاسْتِعرَاض، وكَأَنَّنَا في مَيدَانِ تَحدٍّ أو حَلَبَةِ مُبَارَزَة! ومِنَ الْمُعيبِ أَنْ يَتَحَوَّلَ الصُّوم لَدَى البَعضِ، أَدَاةً وسَبَبًا لإدانَةِ الآخرين والحُكمِ عَلَيهِم، وأَحيانًا تَشعُرُ وَكَأنَّ الأمرَ يَصِلُ حُدودَ تَكفيرهِم! هَؤُلاء ï´؟أَخَذُوا أَجْرَهُمï´¾ (متّى 16:6)، عِندَما عَرُّوا هَذَا الزَّمَنَ الجَميلَ مِنْ قُدْسيِّتِه، وجَرَّدُوهُ مِنْ بَهائِهِ، وقَدْ كَسُوهُ بالقُشورِ الهَشَّةِ ومَآزِرَ مِنْ أَوراقِ التَّين (راجع تكوين 7:3). هَذا هو صُومُ الْمُنَافِقين! وصَومُهم عَارٍ وأَعوَرٌ ومَنْبُوذ، لأنَّهُم لا يَصومُونَ لأجلِ التَّوبَةِ، واسْتِنزَالِ الرِّضَى والغُفرانِ الإلهيّ، ومُمارَسَةِ الرَّحمَة، فَيُضْحِي صَومُهم كَذِبًا ورِيَاء، وتَجسيدًا دَنيئًا للبُخلِ والتَّقتيرِ! وعَليهِ يُحذِّرُنا الرّبُّ مِنَ بِدايَةِ هَذا الزَّمَن، بِأَلّا نَجعَلَهُ زَمَنًا لِلْمُهاتَرَاتِ، قَائِلًا: ï´؟وَإِذَا صُمْتُم فَلا تُعَبِّسُوا كالْمُرائِين، لِيَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّهم صَائِمُون. أَمَّا أَنتَ، فَإِذَا صُمتَ، فادهُنْ رَأسَكَ واغسِلْ وَجهَكَ، لِكَيْلا يَظْهَرَ لِلنَّاسِ أَنَّكَ صَائِم، بِلْ لأَبيكَ الَّذي في الخُفْيَة، وأَبوكَ الَّذي يَرى في الخُفْيَةِ يُجازيكï´¾ (متّى 16:6-18). أَيُّها الأخُ الصَّائِم، أَيَّتُها الأختُ الصَّائِمَة، إِذَا صُمتَ فَلا تَحمِل السُّلمَ بالعَرض! ولا تُمسِك مِنَ الصَّومِ ذَيلَهُ! فَمَا الفَائِدَةُ مِنْ صَومِكَ هَذَا، وفَنَاءُ قَلْبِكَ وفِكرِكَ لا يَزالُ مُتَّسِخًا تَأبَى تَنْظيفَهُ! مَا الفَائِدَةُ مِن صَومِكَ هَذَا، وأَنتَ لا تَزالُ تحمِلُ مَشاعِرَ حَقدٍ وضَغينةٍ وكُرْهٍ وحَسَد، وتَأبى النُّزولَ عَنْ تِلكَ الشَّجَرَةِ الْمُعتَلَّة! مَا الفَائِدَةُ مِن صَومِكَ هَذَا، وأَنتَ تَرفُضُ أنْ تُشارِكَ الْمُحتَاجَ خُبزَكَ، ورَجَاؤكَ مُقتَصِرٌ عَلَى هَذهِ الحَيَاةِ الفَانِيَة، وقَلبُكَ مُعَلَّقٌ بخيراتِ الأرضِ، وسَعيُكَ مَحْصورٌ بالاستِزَادَةِ مِنْ كُنوزِهَا، ولا تَسْعَى لِأنْ يكونَ لَكَ كنزٌ ورصيدٌ في السَّمَواتِ يَشفَعُ لَكَ بَعدَ رَحيلِكَ، يَا أَيُّها الْمَائِتُ النَّافِق! زَمنُ الصَّومِ وإنْ كَانَ في جَوهَرِه زَمنًا مُقَدَّسًا ومُبَارَكًا، إَلّا أَنَّهُ في مَظَاهرِهِ هُوَ زَمَنُ الكَذَّابين الدَّجَّالين! مَنْ يُلَطِّخونَ هَذَا الزَّمنَ بِكثرَةِ الرِّيَاءِ والنِّفَاق! وفيهم يَصدُقُ قَولُ الرَّبِّ عَلَى لِسَانِ نَبيّهِ أَشعيا: ï´؟هَذَا الشَّعبُ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِفَمِهِ، ويُكرِمُني بِشَفَتَيهِ، وقَلبُهُ بَعيدٌ مِنِّيï´¾ (أش 13:29). ويَقولُ أيضًا: ï´؟حِينَ تَبْسُطونَ أَيدِيَكُم أَحجُبُ عَينَيَّ عَنكُم، وإِن أَكثَرتُم مِنَ الصَّلاةِ لا أَستَمعُ لَكُم، لِأنَّ أَيديكُم مملؤَةٌ مِنَ الدِّمَاءï´¾ (15:1). وعَليهِ يَدْعُونا الرَّبُّ للتَّوبَةِ والنَّدامَةِ، قَائِلًا: ï´؟فاغْتَسِلوا وتَطَهَّروا، وأَزيلوا شَرَّ أَعْمالِكم، وكُفُّوا عنِ الإِساءَة. تَعَلَّموا الإِحسانَ والْتَمِسوا الحَقَّ. قَوِّمُوا الظَّالِم، وأَنْصِفُوا اليَتيم، وحَامُوا عَنِ الأَرمَلَة. لَو كَانَتْ خَطاياكُم كالقِرمِز، تَبيَضُّ كالثّلج. ولَو كَانَت حَمْراءَ كالأُرجُوان، تَصيرُ كالصُّوفï´¾ (أش 16:1-18). يا أَحِبَّة، هَذا هُوَ الْمَعنَى الحَقيقيِّ لزَمَنِ الصّومِ! هُوَ زَمَنٌ لِأجْلِ التَّوبَة. فَمَع بِدَايَةِ البُشْرَى الإنجيلِيَّة، يُعْلِنُ سَابِقُ الرَّبِّ، يُوحَنَّا الْمَعمَدان، فَيَقُول: ï´؟تُوبوا، فَقَدْ اقتَرَبَ مَلكوتُ السَّمَواتï´¾ (متّى 2:3). فَالتَّوبَةُ دَربُ جِهَادٍ يَسْلُكُهُ الصَّائِمُونَ، بالرّوحِ والحَقّ (يوحنّا 24:4)، لِمُلاقَاةِ الرَّبّ. والتَّوبَةُ لا تَصِحُّ إلّا بِمُمارَسَةِ الصَّوم! فالصَّومُ الصَّادِق، الْمُجرَّدُ مِنْ كُلِّ الغَاياتِ الوَضيعَة، يَظلُّ وَسِيلَةً جوهريَّةً لإبداءِ التَّوبَةِ النّصُوح، والإعرَابِ عَنِ النَّدَامَةِ الحَقَّة. ومَع أَنَّ كَثيرًا مِنَ الْمُحْدِثين، عَبيدِ بُطُونِهم، يُقَلِّلُونَ مِنْ شَأنِ الصَّوم، ويُحاوِلُونَ إيجَادَ "مُنَاسَبَاتٍ" لِلتَّملُّصِ مِنه. أَمَّا نحنُ فَفِي صَومِنَا، إِنَّما نَقتَدي ونَقتَفي آَثَارَ مُعَلِّمِنَا الْمَسيحِ الّذي صَامَ ï´؟حَتَّى جَاعï´¾ (متّى 2:4). والجُوعُ وَجَعٌ وتَضحِيَة، تَحَمَّلَهَا الرَّبُّ في سَبيلِ خَلاصِنَا. فَعَيبٌ وعَارٌ عَلَى البَعضِ أَنْ يَقبَلُوا عَلَى الرَّبِّ أنْ يَجوعَ ويَتَخَلَّى، هوَ القَادِرُ عَلَى أَنْ يُصيِّرَ الحِجَارَةَ خُبْزًا (راجع متّى 3:4)، وَيُمْسِكونَهُ عَلَى أَنفُسِهِم! فَفِي صَومِنَا نُشَارِكُ الرَّبَّ في جُوعِهِ ووَجعِه وتَضْحِيَتِهِ، مُتَخَلّيينَ بعضَ الشَّيء عَنْ نَمطِ حَيَاتِنَا الْمُعتَاد، وَسِيلَةً لِلتَّطهيرِ والتَّكفِيرِ عَنِ الآثام. ونَمتَثِلُ لِمَا أَوصَانَا بِهِ الرّبّ، أَدَاةً لِطَردِ الشَّرِّ ومُقَاوَمَةِ الشِّرير، مُسْتَذْكِرينَ قَولَهُ: ï´؟هَذا الجِنسُ مِنَ الشَّيطَان، لا يخرُجُ إلّا بالصَّلاةِ والصَّومï´¾ (متّى 21:17). |
||||
24 - 04 - 2024, 05:21 PM | رقم المشاركة : ( 158672 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الأحد الحادي عشر من زمن السنة ï´؟تُوبُوا، قَدِ اقتَرَبَ مَلكوتُ السَّمواتï´¾ (متّى 2:3) كَلَّمَ يَسوعُ النَّاسَ بالْأمثَال! كَلَّمَهُم مِنْ وَاقِعِهم اليَومِيِّ الْمُعَاش. عَلَّمَهُم مِنْ بِيئَتِهِم الْمُحِيطَة. كَانَ يُلقِي في نُفُوسِهم كَلِمَةَ الله، كَمَا يُلْقي الزَّارِعُ بِذْرَهُ في الأَرض، مُنْتَظِرًا أَنْ تُثْمِرَ فِيهم: ï´؟ثَلاثين وسِتِّين ومِئَةï´¾ (مرقُس 8:4). كَانَ يُحَدِّثُهم حَدِيثًا سَهلًا بَسِيطًا، لا بالْفَلْسَفَةِ وتَعقِيدَاتِها. وفي الوَقتِ عَينِه، حَدِيثًا ثَرِيًّا يَزخَرُ بالْمَعَاني السَّامِيَة، ويحمِلُ كُنوزَ النِّعمَةِ والحِكمَةِ والحَيَاة. مَلَكُوتُ اللهِ هَذا الّذي أَتَى الْمَسيحُ يُعْلِنُهُ لَنَا، أَينَ هُوَ؟! قَرِيبٌ أَمْ بَعيِد، دَانٍ أَمْ قَاصٍ، مُجاوِرٌ أَمْ سَحيق، نَاءٍ أمْ مُلاصِق؟! يُجيبُ الرَّبُّ قَائِلًا: ï´؟هَا إنَّ مَلكوتَ اللهِ بَينَكُمï´¾ (لوقا 21:17). فَمَلَكُوتُ اللهِ يَا أَحِبَّة هُوَ الْمَسيحُ عَينُهُ، كَلِمَةُ اللهِ الصَّائِرُ بَشَرًا، والسَّاكِنُ بَينَنَا، مَنْ جَاءَ يُبَشِّرُنا بِكَلِمَةِ النَّعمَةِ والحَيَاة. مَلَكوتُ اللهِ حَالٌّ فَينَا، كَمَا نَقرَأُ في سِفرِ تَثْنِيةِ الاشتِراع: ï´؟إِنَّ الوَصِيَّةَ الَّتي آَمُرُكَ بِها لَيسَت فَوقَ طَاقَتِكَ ولا بَعيدةً مِنك. لا هيَ في السَّماءِ فتَقول: مَن يَصعَدُ لَنَا إِلى السَّماءِ، فَيَتَناوَلُها لَنَا ويُسْمِعُنا إِيَّاها، فنَعمَلَ بِها؟ ولا هيَ عَبرَ البَحرِ فتَقول: مَن يَعبُرُ لَنا البَحرَ فيَتَنَاوَلُها لَنَا؟ بَلِ الكَلِمَةُ قَريبَةٌ مِنكَ جِدًّا، في فَمِكَ وفي قَلبِكَ لِتَعمَلَ بِهاï´¾ (تث 11:30-14). هَذهِ الآياتُ مِنْ سِفرِ التَّثنِيَة، عِنْدَمَا تَتَرَدَّدُ عَلَى مَسَامِعِنَا، تَنْقُلُنَا مُبَاشَرةً لِلتَّأَمُّلِ في شَخصِ أُمِّنَا مَريمَ العَذرَاء، الّتي: ï´؟كَانَت تَحفَظُ تِلكَ الأُمورَ كُلَّهَا في قَلبِهَاï´¾ (لوقا 51:2). مَلَكوتُ اللهِ يَكونُ فِينَا، بِقَدرِ مَا نَتَفَاعَلُ مَعَهُ، ونَجعَلُهُ يُثْمِرُ فِينَا. فَكَمَا أَنَّ البِذْرَ بِتَكوينِهِ وعَناصِرِهِ، يَتَفَاعَلُ مَعِ الأرضِ بِتَكوينِهَا وعَنَاصِرِهَا، فَيَصيرُ مِنهَا وتَصيرُ مِنه. فَهَكذَا مَلَكوتُ اللهِ كَالبِذَار الطَّيبَة، بِتَعَالِيمِهِ وَوَصَايَاه، يَنْتَظِرُ أَنْ يَجِدَ فِينَا أَرضًا طَيِّبَة تَتَفَاعَلُ مَعَهُ، حَتَّى يَنْمُو فِينَا كَحَبَّةِ الخَردَل، ويُثْمِرَ ثِمَارَ الخَيرِ والصَّلاح. ولَكِن، كَمَا أَنَّ بَعضِ البِذْرِ قَدْ وَقَعَ في أَرضٍ فَاسِدَةٍ غَيرِ صَالِحَة، فَهَكَذَا كَثيرٌ مِنْ نُفُوسِ الْمُعَمَّدينَ مَعِ الأَسَف، أَبَتْ إِلَّا أَنْ تَكونَ أَرضًا حَجِرَةٍ شَائِكَة، تَرفُضُ مَلَكُوتَ الله، مُفَضِّلَةً الفَسَادَ عَلَى الاستِقَامَة، والبَاطِلَ عَلَى الحَقّ، والخُبثَ عَلَى الصَّلاح، والنَّجَاسَةَ عَلَى الطَّهَارَة. تَمامًا كَمَا قَالَ الرَّبّ: ï´؟إِنَّمَا الدَّينُونَةُ هِيَ أنَّ النُّورَ جَاءَ إلى العَالَم، فَفَضَّلَ النّاسُ الظّلامَ عَلى النّور، لِأنَّ أَعمَالَهُم كَانَت سَيِّئَةï´¾ (يوحنّا 19:3). مَلكوتُ اللهِ يَا أَحِبَّة هُوَ مَلَكُوتُ أَعمَالٍ حَقِيقِيَّة، لا مُجرَّدَ أَقْوَالٍ سَفْسَطَائِيَّة. وَعَليهِ أَنْذَرَنا الرَّبُّ بِقَولِهِ في إنجيلِ مَتّى: ï´؟لَيسَ مَنْ يَقولُ لي "يَا رَب، يَا رَب" يَدْخُلُ مَلكوتَ السَّمَوات، بَلْ مَنْ يَعمَلُ بِمَشيئَةِ أَبي الّذي في السَّمَواتï´¾ (مت 21:7). ثُمَّ أَردَفَ يُوحَنَّا في رِسَالَتِهِ الأولَى قَائِلًا: ï´؟يَا بَنِيَّ، لا تَكُنْ مَحَبَّتُنَا بالكَلامِ والِّلسَانِ، بَلْ بالعَمَلِ والحَقّï´¾ (1يو 18:3). هَذهِ الأعمَالُ الصَّالِحةُ الَّتي نَأْتِيهَا ونَصْنَعُهَا، لَهَا فَعَالِيّةٌ كَفَعَاليِّة النُّور، حَيثُ تَقُودُ إلى مَعرِفَةِ اللهِ أَبينَا والإيمانِ بِه، كَمَا قَالَ لَنَا الرَّبّ: ï´؟هَكَذَا فَلْيُضِئ نُورُكُم لِلنَّاس، لِيَروْا أَعمَالَكُمُ الصَّالِحَة، فَيُمَجِّدوا أَباكُمُ الّذي في السَّمَوَاتï´¾ (متّى 16:5). وهَكَذَا، فَإنَّ طُيورَ السَّمَاءِ، أَيْ سَائِرُ النَّاس، عِندَمَا يَرونَ أَعمَالَنَا الحَسَنَة، يَنْجَذِبونَ بِدَورِهم إلى شَجَرَةِ الإيمان، ويَنْعَمونَ بِظِلالِهَا الْمُنعِشَةِ العَلِيلَة، وتَطيبُ نُفوسُهم بالسُّكنَى فِيهَا. يَقولُ لَنَا القِدِّيسُ بُولسُ في رسَالتِهِ إلى أَهلِ رومة: ï´؟لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلًا وَشُرْبًا، بَلْ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِï´¾ (رو 17:14). ولِذَلِكَ، مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكونَ مِنْ بَنِي الْمَلَكوت، وَجَبَ عليهِ أَنْ يَسيرَ بِهَديِ الرُّوحِ القُدس، وأَنْ يَأتيَ ثِمارَ الرُّوحِ، أَي: ï´؟الْمَحبَّةُ والفَرَحُ والسَّلام، والصَّبرُ واللُّطفُ وكَرَمُ الأخلاق، والإيمانُ والوَداعَةُ والعَفَافï´¾ عَلَى حَدِّ قَولِ بولسَ الرَّسول في الرِّسَالةِ إلى أَهلِ غَلاطِيَة (22:5-23). وأَمَّا الْمُعَمَّدونَ الّذينَ يحيونَ حَيَاةَ فَسَادٍ، فَلْيَذكُروا كَلِمَاتِ يُوحنَّا الْمَعمَدان: ï´؟تُوبُوا، قَدِ اقتَرَبَ مَلكوتُ السَّمواتï´¾ (متّى 2:3). فَدَعوَةُ الْمَلكوتِ هِيَ دَعوَةٌ إلى التَّوبَةِ والرُّجوعِ لله، دَعوَةٌ إلى النَّدَامَةِ وطَلَبِ الغُفْرَان. وهِيَ دَعوَةٌ يَرتَفِعُ صَوتُ صَدَاهَا، مُدَوِّيًا في أَعمَاقِنَا، ونحنُ نَقِفُ اليومَ عَلَى مَشَارِفِ زَمنِ الصَّوم. |
||||
24 - 04 - 2024, 05:23 PM | رقم المشاركة : ( 158673 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الأحد العاشر من زمن السنة ï´؟اِغفِرْ لَنَا خَطاياناï´¾ أَيُّها الإخوَةُ والأخواتُ في الْمَسيحِ يَسوع. تَأخذُ الْمُواجَهَةُ بَينَ السَّيدِ الْمَسيحِ وأَعيانِ اليَهودِ مَنْحَىً تَصَاعُديًّا. فَبَعدَ أنْ لَامَهُ الكَتبَةُ عَلَى غُفرانِهِ لخَطَايَا الْمُقعَد، في إِنجيلِ الأحَدِ السَّابِع، ثُمَّ انْتَقَدَهُ الفِرّيسيونَ عَلَى مُخَالَفَتِهِ لِلسَّبت، في إنجيلِ الأحدِ التَّاسِع، نَرَى الكَتَبَةَ يَتَصَدَّرونَ الْمَشهَدَ مُجدَّدًا، مُفْتَرينَ عَلَى الْمَسيحِ كَذِبًا وإفْكًا، بأَقبَحِ الكَلامِ وأَشنَعِ الأوصَاف، إِذْ قَالُوا إنَّهُ: ï´؟بَعلُ زَبول، سيّدُ الشّياطينï´¾ (مر 22:3). فَفِي حينِ أنَّ الْمَلاكَ سَاعَةَ البِشَارَة، قَدْ أَوضَحَ لِلعَذراءِ قَائِلًا: ï´؟إنَّ الرَّوحَ القُدُسَ سَيَنزِلُ عَلَيكِ، وقُدرَةَ العَليِّ تُظَلِّكُ، لِذَلِكَ يَكونُ الْمَولُودُ قُدُّوسًا، وابنَ اللهِ يُدعَىï´¾ (لوقا 35:1). لَمْ يَرَى هَؤلاءِ الأغبِيَاء في الْمَسيح، وقَدْ عُمِيَتْ أَبْصَارُهُم وبَصَائِرُهُم، إِلّا رُوحًا نَجِسًا. وأَسَاؤُوا إلى الصُّورَةِ الإلهيّة، لَمَّا نَعَتُوهُ بهذَا الوَصفِ الْمُشِين "بعلِ زَبول"، الّذي يَليقُ بهم لا بالْمَسيح. فالكَلِمَةُ "بَعلُ زَبول" تَعني سَيّدُ الأقْذَارِ وسَيّدُ الزِّبَالَةِ. والْمَسيحُ الإلهُ والإنْسَان، مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ شَائِبَة. أَمَّا هُمْ فَكَانُوا كَومَةً مِنَ القَذَارَةِ، يَسْتَلِذُّونَ بِنَجَاسَتِهِم، ويُريدونَ أَنْ يُلَطِّخَوا الْمَسيحَ بِهَا، ولكِنَّهُ يَبْقَى سَاميًا عَنْ دَنَاءَتِهم، وسِهَامُهمُ الْمَسمُومَة لم تُصِبْهُ ولا حَتّى بِخَدش. يا أَحِبَّة، نحنُ نِلْنَا رُوحَ اللهِ سَاعَةَ الْمَعمودِيَّة، وهَذَا أَمرٌ لا شَكَّ فيه. ولَكِنَّ السُّؤَالَ الّذي يحتَمِلُ عِدَّةَ إِجَابَاتٍ، هُوَ: هَلْ حَافَظتَ وتُحَافِظُ عَلَى رُوحِ اللهِ سَاكِنًا فِيك، أَمْ أنَّكَ خَسِرتَ الرُّوحَ الإلهيّ، عِندَمَا اختَرتَ أَنْ يَسكُنَكَ "بعلُ زبول"؟ فَصَارَ الفِكرُ مُلَطَّخًا، والقَلبُ مُلَطَّخًا، والعَينُ والِّلسَانُ والجَسَدُ كُلُّهُ مُلَطَّخ. وَاسْتَبدَلتَ رُوحَ النَّقَاوَةِ والقَدَاسَة، بِرُوحِ القَذَارَةِ والنَّجَاسَة! وكَمَا أنَّ مَسْكِنَنَا الأرضِيّ، يحتَاجُ دومًا لِلتَّنظيفِ والتَّنقيَةِ مِنَ الأوسَاخِ والغُبَار، لِيَظَلَّ جميلًا مُرَتَّبًا. فَكَذلِكَ نحنُ، الَّذين نحيَا في هَذَا العَالم، بحَاجَةٍ دَائِمَةٍ للاغتِسَالِ والتَّطهيرِ الْمُستَمِر، مِمَّا يَعلَقُ بِنَا مِن وَسَخِ الخَطَايا وغُبارِ الآثَام. ومَنْ وَحدَهُ القَادِرُ عَلَى أَنْ يَهَبَنا هَذا التَّطهير، سِوَى رُوحِ الله، رُوحِ الغُفرَان؟! ولذلِكَ جَاءَ حُكمُ الْمَسيحِ قَاسِيًا عَلَى الكَتَبَة، وهو حُكْمٌ اتَّخَذوهُ هُمْ عَلَى أَنفُسِهِم، إذْ: ï´؟جَدَّفُوا عَلَى الرُّوحِ القُدس، فَلا غُفرانَ لَهم أبدًا، بلْ هم مُذنِبونَ بِخَطيئةٍ لِلَأبَدï´¾ (مر 29:3). فَالْمَسيحُ بَعدَ القِيامَةِ الْمَجِيدَة، مَنَحَ تَلاميذَهُ رُوحَ الغُفران، قَائِلًا: ï´؟خُذُوا الرُّوحَ القُدُس. مَنْ غَفرتُم لهم خَطَاياهُم تُغفَر لَهم. ومَنْ أَمْسَكتُم عَليهم الغُفرانَ يُمسَكُ عَليهمï´¾ (يوحنّا 22:20-23). لذلِكَ، التَّجديفُ عَلَى الرُّوحِ القُدس، هوَ تَجدِيفٌ عَلَى رُوحِ الغُفرَان، ورَفضٌ قَاطِعٌ للغُفرَان. ومَنْ كَفَرَ بالغُفرانِ الإلهيّ، فَكَيفَ أو مَنْ يُغفَرُ لَه؟! وعَليِهِ لا غُفرانَ لَهُم، إذْ نَبَذوا الغُفرَانَ مِنَ اللهِ الغَفَّار، وجَحَدوهُ مِنَ الْمَصدَرِ والأَسَاس. يا أَحِبَّة، إنْ كَانَ اللهُ يَرحَمُ ويَغفِر، فَعَلَى الإنْسَانِ أَنْ يَتُوبَ ويَندَم. فَالْمَغفِرَةُ والتَّوبَةُ خَطَّانِ يَلْتَقِيَان. والإنسانُ القَادِرُ عَلَى الْتِمَاسِ التَّوبَة، هو إنْسَانٌ مُؤمِنٌ بالغُفران، وعَليهِ يَنَالُ الغُفرَان. وإنْ كَانَ اللهُ يَرحَمُ ويَغفِر، فَعَلَى الإنْسَانِ أيضًا أن يرحَمَ ويغفِر. فالْتِمَاسُ الْمَغفِرَةِ لِنَفسِكَ مِنَ الله، ثُمَّ الاحجَامُ عَنْ مَنحِهَا للآخرين، خَطَّانِ لا يَلتَقيَان! قَدْ لا يَغفِرُ لَكَ البَشرُ ذَنبًا اقْتَرفتَهُ، لَيسَ لِأنَّهُم أَفْضَلُ أو أَنْقَى مِنك، بَلْ لأنَّ غَالِبيَّةَ النَّاس يَرونَ في التَّصلُّبِ والقَسوةِ والإدانَةِ قُوَّةً وبَأسًا، أَمَّا الغُفرانُ والْمُسَامَحَةُ فَهِيَ في نَظَرِهم ضُعفٌ وخُنوع! ولكن، يا صَديقي الْمُتَصَلِّب، كَيفَ لَكَ أَن تَلتَمسَ الْمَغفرةَ مِنَ الله، وأنتَ لا تَرحَمُ ولا تَغفِر؟ وكَيفَ لَكَ يا أَيُّهَا الْمُنَظِّر، أَنْ تحكُمَ وتَرجُمَ غَيرَك، وأَنتَ مِثلُهُ مُتَسَربِلٌ بالضُّعفِ، ورُبّما في سِرِّكَ تَفُوقُهُ إثمًا ونجاسَة؟! مَنْ يَسْكُنُ فيهِ رُوحُ الله، وإنْ رُمِيَ بِسِهَامِ الافتِرَاءِ والبُهتَان، يَظَلُّ سَلِيمًا مُنَزَّهًا، لأنَّهُ يَرتَفِعُ بروحِ اللهِ الّذي يَسمُو بِهِ نحوَ العُلَى. كَمَا يحَثُّنَا الرَّسولُ بُولسُ في الرّسَالةِ إلى أَهلِ قُولِسّي، بِقَولِهِ: ï´؟اِرْغَبوا في الأُمورِ الَّتي في العُلَى، لا في الأُمورِ الَّتي في الأَرض. فَقَدْ خَلَعتُمُ الإِنسانَ القَديم وأَعمَالَهُ، وَلَبِستُمُ الإِنسَانَ الجَديدï´¾ (قول 2:3، 9-10). أَمَّا الّذي يَحيا في القَذَارَة، ويَستَلِذُّ في الْمعصية، ويَسمَحُ لِبعل زبول أَنْ يَستَوطِنَه، فَهُوَ مَنْ يَنطَبِقُ عَليهِ قَول الرُّسولِ بطرسَ في رسالتِهِ الثَّانية: ï´؟قَدْ كَانَ خَيرًا أَلاَّ يَعرِفُوا طَريقَ البِرِّ، مِنْ أَنْ يَعرِفُوُهُ، ثُمَّ يُعْرِضُوا عَنِ الوَصِيَّةِ الْمُقدَّسَة. لَقَدْ صَدَقَ فيهِمِ الْمثَلُ القائِل: مَا اغتَسَلَتِ الخِنزيرةُ حتَّى تَمَرَّغَتْ في الطِّينï´¾ (2بط 21:2-22). |
||||
24 - 04 - 2024, 05:24 PM | رقم المشاركة : ( 158674 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الأحد التّاسع من زمن السنة ï´؟إنْ أَقبَلتَ لخدمَةِ الرّب، فَأعدِد نَفسَك لِلْمِحنَةï´¾ (سي 1:2) أَيُّها الإخوَةُ والأخواتُ في الْمَسيحِ يَسوع. قَرَأتُ ذَاتَ مَرَّةٍ جُملَةً مَفَادُهَا: "إنْ لَمْ تَكُنْ جُزءًا مِنَ الحَلّ، فَلا تَكُنْ جُزءًا مِنَ الْمُشكِلَة". والفِرِّيسيونُ كَعَادَتِهم، في كُلِّ مَوقِفٍ جَرَى بينَهم وبَينَ السّيدِ الْمَسيح، لَمْ يُريدوا حُلُولًا، إنَّمَا كَانُوا هُمُ الْمُشكِلَة، ومُفتَعِلُو الْمَشَاكِل، وَوَاضِعو العُصيِّ في الدُّولَاب، تمامًا كَالفيتو الأمرِيكيّ في مجلسِ الأَمن! أَتَى السَّيدُ الْمَسيحُ حَامِلًا رَايةَ الخَلاصِ لِلنَّاس، جَاءَ طَبيبًا يُريدُ شِفَاءَهم مِنْ عِلَلِهم الجَسَديّةِ والرُّوحِيَّة، فَلَمْ يَرُقُ الأمرُ لِلفِرِّيسين، الَّذينَ: ï´؟تَاهُوا في آَرَائِهم البَاطِلَة، فَأَظلَمَت قُلوبُهم الغَبيَّةï´¾ (رومة 21:1)، فَلَمْ يَروُا في الْمسيحِ إِلَّا عَقَبَةً وخَصمًا، فَكَانَ كُلُّ هَمِّهم أَنْ: ï´؟يُرَاقِبُونَه، ويَتَآمَروا عَليهِ، لِيُهلِكُوهï´¾ (مرقس 2:3، 6). فَمَا هُوَ الجُرمُ الَّذي ارتَكَبَهُ حَتّى يَستَحِقَّ مِثلَ هَذَا القَصَاصِ الرَّهيب؟ أَقَتْلٌ أَم إِفْسَادٌ أَم خِيَانَةٌ عُظْمَى؟! ويُجيبُ الإنجيليُّ مَرقُس في الفَصلِ الخَامِسِ عَشَر، قَائِلًا: ï´؟مِنْ حَسَدِهم أَسلَمُوهï´¾ (مر 10:15). وهَذَا الأمرُ يُرْجِعُنَا إلى صَرخَةِ النّبيِّ إرمِيَا، لَمَّا قَالَ مُتَألِّمًا: ï´؟أَيُجازَى الخَيرُ بِالشَّرّ؟ï´¾ (إر 20:18). نَعَم، يَحدُثُ أَنْ تَصنَعَ خَيرًا وتَلقَى شَرًّا، ويحدُثُ أنْ تُمارِسَ الْمَعروفَ والإحسَان وتُجَازَى بالْمَكروهِ وسِهَامِ الانْتِقَادِ والِّلسَان! وهَذَا يُذَكِّرُني بِما جَاءَ في تَرتيلَةِ (وَا حَبيبي): "يَا حَبيبي، أَيُّ ذَنْبٍ قَدْ صَنَعتَ أَو كَريه؟!". وهَا نَحنُ نَرَى الْمَسيحَ مُخاطِبًا أُولئِكَ العُذَّالَ الَّلائِمين: ï´؟أَعَمَلُ الخيرِ يَحِلُّ في السّبتِ أَمْ عَمَلُ الشَّر؟ أَتخليصُ نَفسٍ أمْ قَتلُهَا؟ï´¾. ومَاذا كَانَ جوابُهُم: ï´؟ظَلُّوا صامِتينï´¾ (مرقس 4:3). في إنجيلِ هَذا الأحدِ يا أَحِبَّة، نَجِدُ أنَّ الشَّلَلَ نَوعَان: شَلَلٌ جَسَديٌّ أَصَابَ الرَّجُلَ في يَدِه، والْمسيحُ صَنَعَ لَهُ خَيرًا وشَفَاه. وشَلَلٌ رُوحِيٌّ أَخطَرُ وأَشَد، أَصَابَ الفِرّيسينَ في قُلوبِهم القَاسيَة وضَمَائِرِهم الْمُظلِمة، فَرَأوُا في الخَيرِ الّذي صَنَعَهُ الْمَسيحُ شَرًّا وبَليّة، فَانْتَقَدوه وحارَبوُه! وَمِنْ أَشكَالِ الشَّلَلِ الرُّوحيّ: الكِبريَاءُ والغُرور، قَسَاوَةُ القَلبِ والظُّلم، الكَذِبُ والرِّيَاء، رَفضُ الخَيرِ ومُقاوَمَةُ الحَق، الإعرَاضُ عَنِ التَّوبَةِ والاحجَامُ عَنِ النَّدامَة، التَّصَلُّبُ عِندَ الخَطَأ والامتِنَاعُ عنِ الاعترافِ بالزَّلات، الإمسَاكُ عَنِ الْمُسامَحةِ والْمُصَالَحَة...إلخ. هَذا الشَّلَلُ الرُّوحيّ، وهَذهِ الرّوحُ الفِرّيسيَّةُ الْمُستَوطِنَةُ فينَا أَحيانًا كَثيرَة، تَجعَلُ عَلاقَتَنَا مَع ِالْمَسيحِ مَشلُولَة، مُتَحَجِّرَة، ويابِسَة! فَإيّانا أَنْ نُطَمئِنَ أَنفُسَنَا وهمًا بِأنَّنَا نُواظِبُ عَلَى حُضورِ القُدّاس، والتَّقرُّبِ مِنَ الْمُنَاوَلَةِ الْمُقَدَّسَة، وقُلوبُنَا مَليئَةٌ بأحقَادٍ وآثامٍ وأحكَامٍ وإدَانَات، نَرفُضُ مُقَاوَمَتَهَا ولا نَسعَى للتَّغلُّبِ عَلَيهَا، ذلِكَ أنَّ السّيدَ سَبَقَ لَهُ أنْ نَبَّهَنا فَقَال: ï´؟لَيسَ مَنْ يَقولُ لي يا رب، يا رب، يَدخُلْ مَلَكوتَ السَّمَوات، بَلْ مَنْ يَعمَل بمشيئةِ أبي الَّذي في السَّمَواتï´¾ (متّى 21:7). ولَعَلَّ الفرّيسيّنَ كَانُوا أَكثَرَ النَّاسِ تَزمُّتًا وتَشدُّدًا، ولَكِنَّهُم كَانُوا أَكثرَهُم بُعْدًا عَنْ مَلكوتِ السَّمَوات. عِندَمَا أَجرَى الْمَسيحُ هَذِهِ الْمُعجِزَة، طَلبَ إلى الرَّجُل، أن يَقِفَ في وَسَطِ الجَمَاعَة. هَذهِ الحَركةُ هي رِسَالَةُ تَحَدّي مِنَ الْمَسيحِ لِلفِرّيسيّن. وقَدْ كَانَ يَعلَمُ أنَّ إجرَاءَهُ لِلشِّفَاء يَعني دُخولًا في مُوَاجَهَةٍ شَرسَةٍ مَع هَذهِ الزُّمرَةِ الْمُتَشَدِّدَة! وعَليه، إنْ أَرَدتَ أنْ تَكونَ تِلميذًا أَمينًا للمَسيح، عَليكَ أَنْ تَقبَلَ التَّحدِّيَات، وأن تخوضَ مُواجَهَاتٍ مَع الآخَرين أحيانًا! فَليسَ الكُلُّ يَقبلُ نهجَ الْمَسيح وتَعَاليمَ الْمَسيح وأَفكَارَ الْمَسيح. تمامًا كَمَا يَقولُ الحَكيمُ يَشوعُ بِنْ سيراخ: ï´؟يا بُنيّ إنْ أَقبَلتَ لخدمَةِ الرّب، فَأعدِد نَفسَك لِلْمِحنَةï´¾ (سي 1:2). لا تَكُنْ سَاذِجًا، فَهُنَاكَ دومًا مَنْ سَيَكرُهُ الخَيرَ الّذي تَصنَع، وسَتجِدُ دَومًا مَنْ يُسيءُ ويَفتَري، ويُراقِبُ ويَتَآَمَر. ومَعْ ذلك، مُتَمَثّلينَ بالرّبِّ يَسوعَ الْمَسيح، ومُتَمسِّكينَ بقولِ الرَّسولِ بولس إلى أهلِ غَلاطية: ï´؟فَمَا دَامَت لَنَا الفُرصَةُ إذًا، فَلْنَصنعِ الخيرَ إلى جَميعِ النّاسï´¾ (غلا 10:6). وأَيضًا بِقَولِه في الرِّسَالةِ إلى أهلِ رومة: ï´؟اِكْرَهوا الشّرَّ والْزَموا الخير. لا تُبادِلوا أحدًا شَرًّا بِشَر. ولكن إذا جاعَ عدوُّكَ فأطعِمه، وإذا عَطِشَ فاسْقِه. لا تَدعِ الشّرَّ يَغلبُكَ، بل اغلبِ الشّرَّ بالخيرï´¾ (رو 9:12، 17، 20-21). |
||||
24 - 04 - 2024, 05:25 PM | رقم المشاركة : ( 158675 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الأحد الخامس من زمن السنة ï´؟أُطلُبوا الرَّبَّ الإله، اِلْتَمِسوا وَجهَهُ كُلَّ حَينï´¾ (مز 4:105) عِندَما وَضَعَ القِدّيسُ بندكتوس (مُبَارك) أُسسُ الحياةِ الرَّهبانِيَّةِ في الغَربِ، رَفعَ شِعَارًا مُؤَلَّفًا مِنْ كَلِمَتَينِ اثْنَتين (:Ora et Labora صَلِّ واعمَل). فَالصَّلاةَ يا أَحِبَّة، الّتي تَربِطُنَا وتَجمَعُنَا باللهِ خَالِقِنَا وأَبينَا، هِيَ مَا يُقدِّسُ حَيَاتَنَا وكُلَّ أَفعَالِنَا. فَمِنْ رَحمِ الصَّلاةِ الْمُستَقيمَة، تُولَدُ الأعمَالُ الصَّالِحَة. وفي وَاحِدةٍ مِنَ الصَّلَوات، نَبتَهِلُ إلى اللهِ قَائِلين: "نَسأَلُكَ يَا رَبّ أَنْ تَسبِقَ أَعمَالَنَا بإلهامِكَ، وتَصحَبَهَا بمعونَتِكَ، لِكَي تَبتَدِأَ مِنْكَ، وتَنتَهي بِكَ". فاللهُ هُوَ البِدَايَةُ وهُوَ الغَايَةُ لِكُلِّ شَيء، وهُوَ الهَدَفُ والْمُنتَهَى والقِبْلَةُ والعَاقِبَةُ الّتي إليها "يُفتَرَضُ أن تَسيرَ وتَتَوَجَّهَ" كُلُّ حَيَاتِنَا نَحنُ الْمُؤمِنين. وهَا هُوَ الرّبُّ في إنجيلِ هَذا الأحدِ الخامِسِ مِن زَمنِ السَّنَة، يُعَلِّمُنَا كَيفَ تَكونُ حَياةُ الْمُؤمِن، مَزيجًا مِنَ العَملِ الصَّالحِ ومِنَ الصَّلاة. فَنَراهُ يُبرِأُ الجُموعَ مِنْ عِلَلِهَا، ويُعَلِّمُهَا ويَرعَاهَا ويُرشِدهَا، ثُمَّ يَنْعَزِلُ في خُلوَة بَعيدًا عَنْ كُلِّ هَذَا الصَّخَب، ليُمضِيَ الوَقتَ في الصَّلاةِ أيضًا، مُعْطِيًا إيّانا مِثالَ الحَياةِ الْمَسيحيّةِ الصَّالِحة، والّتي هيَ: عَلاقَةٌ وثيقَةٌ ثابِتةٌ مَعِ الله، وشَهادَةٌ حَسنَة نُؤَدِّيهَا بِكُلِّ عَمَلٍ وقَولٍ وفَكر صَالحٍ ومُسْتَحَبٍّ وشَريف. ولَعَلَّ واحِدةً مِنْ كُبرَى الْمُعْضِلاتِ الّتي نَختَبِرُهَا، أَنَّنَا لا نُقيمُ أَحيانًا كَثيرةً هَذَا التَّوازُنَ بَينَ حَياتِنَا الإنْسَانِيَّةِ ومُتَطلّبَاتِها العَديدَة، وبينَ الحَاجَةِ إلى الصَّلاةِ والِّلقَاءِ مَعِ الله! فالحياةُ ذاتُ الإيقاعِ الْمُزدَحِمِ بالأعمَالِ والانْشغَالات، كَثيرًا مَا تَجعَلُنَا مُنْصَرِفينَ عَنِ الله، مُنْشَغِلينَ عَنهُ بِكُلِّ شَيء، مُهْمِلينَ بَل وحَتَّى مُهَمِّشينَ اللهَ لِأتفَهِ الأسبَابِ والأمُور. نَجِدُ الوَقتَ لِنذَهبَ ونأتي، ونَعمَلَ ونَدرسَ، ونأكُلَ ونَلهو ونَحتَفِل، ولا نَجِدُ الوَقتَ لِكَي نَختَلي مَع الله، وَاضِعينَ ذَرائِعَ ومُبَرِّراتٍ لا تَنتَهي، وأَغلَبُهَا أقبَحُ وأبشَعُ مِنْ ذَنبِنَا هَذَا. وهَذَا يجعلُني أَتَسَاءَلُ وإيِّاكُم: هل الله مِهمٌّ في حَياتي أَصلًا؟ هَلْ لَهُ فِعلًا الْمَكانَةَ الأولَى في قَلبِي؟ هل عَلاقَتي مَعهُ صَادِقَة، إيماني حَقيقيّ؟ هَل هُوَ الدَّافِعُ والْمُحرِّكُ والغَايَةُ لِوُجُودِي؟ أَمْ أنَّ مَكَانَتَهُ مُتَردِّيَة وضَائِعَة، بَينَ عَشَراتِ الانشِغَالاتِ والأُمور؟! وكَمْ أَخَشَى أنَّها مَكانَةٌ مَفَقودَةٌ عند كَثيرين! لَعَلَّ مَثَلَ الدِّرهَمِ الْمَفقُود، الّذي أَضَاعَتهُ الْمَرأَةُ ذَاتُ الدَّرَاهِمِ العَشرة (راجع لوقا 8:15)، هُوَ اللهُ الَّذي أَضعنَاه! وفي الوَقتِ الَّذي بَحَثَتْ تِلكَ الْمَرأةُ حَتَّى وَجَدَتْ دِرهَمَهَا الثَّمينَ الْمَفقُود، لا نُكَلِّفُ نحنُ أَنْفُسَنَا عَنَاءَ البَحثِ عَنه، لِأنَّنَا بِبَسَاطَةٍ نَملِكُ تِسعةَ دراهمٍ تجعَلُنَا نَحسُّ بالاكتِفَاء والاسْتِغنَاء، فَلا نَشعُرُ بالحاجَةِ إلى الدّرهَمِ العاشِر، أَي إلى الله! ولَكِنْ سَتَأتي سَاعَةٌ فيها نَترُكُ كُلَّ تِلكَ التِّسَعة رَغمًا عَنَّا، لِنُدرِكَ بَعدَ أَنْ يَكونَ قَدْ فَاتَ الأوَان، أنَّ الحَاجَةَ الكُبرَى كَانَتْ للدِّرهم العَاشر، الّذي أَهَملنَاهُ وتَقَاعَسنَا في البَحثِ عَنهُ، فَنُمسِي نحنُ الضَّائِعينَ في الظُّلمَةِ الأبديّة. ï´؟أُطلُبوا الربَّ الإله، اِلْتَمِسوا وَجهَهُ كُلَّ حَينï´¾ (مز 4:105). هَكَذا يُصَلّي صَاحِبُ الْمَزامير، مُعرِبًا عَنْ حَاجَتِهِ الحَقيقيّةِ لله. صَلاةٌ نَابِعَةٌ مِنَ القَلبِ الْمُحبِّ للهِ بِصِدق وفي كُلِّ وَقت، لا تِلكَ الأقوالِ البَالِيَةِ الّتي نَتلُوهَا فَقَطْ عِندَ الْمَواقِفِ والأحَدَاث، أو طَلَبًا لِلرَّغَباتِ والأُمنِيَات. هَذهِ لَيسَت صَلاة، هَذا بِبَسَاطةٍ نِفَاقٌ وكَذِبٌ قَائِمٌ عَلَى مَصلَحَة، وهو شَيءٌ كَريهٌ جِدًّا ومَمقوتٌ لِلغايَة! ï´؟أُطلُبوا مَلكوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، تُزَادُوا هَذَا كُلَّهُï´¾ (متى 33:6). هَكَذا عَلَّمَنا الْمَسيحُ الرّب: الأولَويَّةُ تَكونُ دَومًا لله، فَوقَ كُلِّ الأشياءِ والأمور. هَذا يا أَحِبَّة مَا نَجَحَتْ مَريمُ في فِعلِه، وهَذا مَا فَشِلَتْ مَرتا في أنْ تَفعَلَهُ حَينَها، فَجَاءَها قَولُ الرّبِّ ناصِحًا: ï´؟إنَّكِ في هَمٍّ وارْتِبَاكٍ بِأُمورٍ كَثيرَة، مَع أنَّ الحاجةَ إلى أمرٍ واحِدï´¾ (لوقا 41:10). وعَليه، نحنُ بحاجَةٍ لأنْ نُراجِعَ طَبيعَةِ ومَدَى صِدقِ عَلاقَتِنَا باللهِ وحَاجَتِنَا إليه، عَلَّنَا نَنجَحُ مِثلَ مَريم في اختِيَارِ النَّصيبِ الأفضَل، ونَنجُوَ عِندَمَا تَدنو السَّاعَة، مِنَ الفَشَلِ والإخفاقِ الأبديّ! |
||||
24 - 04 - 2024, 05:30 PM | رقم المشاركة : ( 158676 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الأحد الرّابِع من زمن السنة ï´؟أَتَيتُ لِتَكونَ الحياةُ للنّاسِ، وفيهم تَفيضï´¾ (يوحنّا 10:10) نَعلَمُ جَيِّدًا أَنَّ الآراءَ والاسْتنتاجِاتِ حَولَ شَخصِ الْمَسيحِ ورِسَالتِهِ وأَعمَالِه، كَانَتْ مُتَبَاينَةٍ ومُخْتَلِفَة! فَالْكَتَبَةُ والفِرّيسيون رَؤُوا فيه: ï´؟سَيّد الشّياطين، يَطرُدُ الشّياطينï´¾ (مرقس 22:3). وهيرودسُ أَميرُ الرُّبعِ قَالَ فيه: ï´؟هَذا يُوحَنَّا الْمَعمَدَان، إنَّهُ قَامَ مِنْ بينِ الأمواتï´¾ (متّى 2:14). وعَامَّةُ النَّاسِ أيضًا كَانُوا بِدورِهِم مُنْقَسِمين، فَاعْتَقَدوا بأنَّ الْمَسيحَ هوَ: ï´؟إيليّا، أو إرميا، أو أَحَدُ الأنبياءï´¾ (متّى 14:16). أَمَّا في إنجيلِ هَذَا الأَحَدِ الرّابعِ مِنْ زَمَنِ السّنةِ العَاديّ، فَإنَّنَا عَلَى نَحوٍ غَيرِ مُتَوَقَّع، نَسمَعُ رَأيًا صَائِبًا وقَولًا صَحيحًا في الْمَسيح، عَلَى لِسانِ رُوحٍ نَجِس، يُقِرُّ مُعتَرِفًا بِأنَّ يَسوعَ النَّاصريّ هُوَ قُدّوسُ الله! جَاءَ لِيغلِبَ سَيّدَ هَذَا العَالم، ويُحطِّمَ أَركَانَ الشَّر، ويُهلِكَ إبليسَ مُسَبِّبَ الهَلاك. ولَكِنَّ إبليسَ يا أَحبَّة، لا يَعمَلُ وَحدَهُ، إنَّمَا لَهُ مُعَاوِنونَ بَشَرِيّون تَحَالَفُوا مَعَهُ، ووَضَعُوا أَيديهِم في يَدِه، وصَارُوا حَملةَ شَرّ، ونَاشِري ظَلام، وصَانِعي سُوءٍ وَسطَ هَذا العَالم. فَمَلكوتُ اللهِ الّذي هو مُلْكُ خَيرٍ ورحمَةٍ وسَلام، وعِمَادُهُ الحَقُّ والعَدلُ والحَياة، ولَهُ أَفرَدَ الْمسيحُ رُسلًا ومُبَشِّرين وكَنيسَةً مُقَدَّسَةً رَسُولِيَّة، تُقَابِلُهُ مَملكةُ شَرٍّ وسُوءٍ وظُلمٍ وفَسَاد، تَقومُ عَلَى تَمجيدِ البَاطِلِ والكَذبِ والأضَالِيل، ولَها أَيضًا رُسُلٌ وأنْصَارٌ، يَسعونَ لِإلحاقِ الأذَى وإهلاكِ النَّاس، بِخُبثِهم وأَباطيلِهم وأَعمَالِهم الدَّنيئَةِ الْمُظلِمَة. وكَمَا أَنَّ الْمَسيحَ ضَرَبَ لَنَا مَثلَ القَمحِ والزُّؤان (راجع متّى 24:13-30)، الَّلذينِ نَمَيَا مَعًا في الَحقلِ ذاتِه، جَنبًا إلى جَنبٍ في الأرضِ نَفسِهَا، فَلا نَستَغرِب إذًا مِنْ وُجودِ فِئَاتِ الشَّرِّ مَعَنَا وبينَنا وفي وَسطِنَا، أُولئِكَ الّذينَ: ï´؟يَأتونَ في لِباسِ الخِراف، وهُم في بَاطِنهم ذِئَابٌ خَاطِفَةï´¾ (مت 15:7). الْمَهم، أَلّا تَكونَ أَنت أَيُّها القَارِئُ العَزيز، أَحدَ تِلكَ الذِّئابِ الخَاطِفَة! وفي الوقتِ الَّذي فيهِ نَسمَعُ الرّوحَ النَّجِس، يُخاطِبُ الْمَسيحَ عَلَى لِسانِ الرّجُلِ الْمَمْسُوسِ، قَائِلًا: ï´؟مَا لَنَا ولَكَ يا يسوعُ النّاصِريّ؟ أَجِئتَ لِتُهلِكَنا؟ أنا أعرِفُ مَنْ أنتَ: أنتَ قُدوّس اللهï´¾ (مر 24:1)، نَسمَعُ بُطرسَ في الْمُقابِلِ يُخاطِبُ السَّيدَ أيضًا بِقَولِهِ: ï´؟يا رَبّ، إلى مَنْ نَذهَب وكلامُ الحياةِ الأبديِّة عِندَكَ؟ ونَحن آَمَنّا وعَرفنَا أنَّكَ قُدّوسُ اللهï´¾ (يوحنّا 68:6). فالْمسيحُ هوَ قُدُّوسُ اللهِ باعترافِ بُطرَسَ الرّسول وباعترافِ الرُّوحِ النَّجِسِ أيضًا. ولكنَّ الفَرقَ يَكمُنُ في أنَّ الْمسيحَ كانَ لِبُطرسَ ولِكُلِّ مُؤمِنٍ نَزيهٍ وصَادِق، سَبَبَ حَياةٍ ونَجاة. وأَمَّا للرّوحِ القَذِر، ولِمَنْ شَاكَلَهُ في نَجاسَتِهِ وعَاوَنَهُ في قَذَارتِه، فَهُوَ سَبَبُ دينونَةٍ وهَلاكٍ أَبَديّ! فالْمسيحُ لَمْ يَأتِ لِكَي يُهلِكَنا، ذلِكَ أنَّ الّذي يَهلِك، يَختارُ الهَلاكَ بِمَحضِ إِرَادَاتِه، إِنَّمَا الرّبُّ أَتَى: ï´؟لِتَكونَ الحَياةُ لِلنّاسِ، وفيهم تَفيضï´¾ (يوحنّا 10:10). وعَليه، عَقَّبَ الْمَسيحُ عَلَى اعتِرافِ بُطرسَ فَقَال: ï´؟أَمَا أَنا اخترتُكُم أنتُم الاثني عَشر؟ ومعَ ذلِك فواحِدٌ مِنكُم شَيطانï´¾ (يوحنّا 70:6). فَهَل أَنت رَسولٌ لِلمسيحِ أَمين، أم رَسولٌ للشّيطَانِ خَبيث؟! هَؤلاءِ الخُبَثَاء تَوَعَّدَهُم الْمَسيحُ قَال: ï´؟الوَيلُ لِلّذي يَكونُ حَجَرَ عَثرَة، فَأولَى بِه أنْ تُعلَّقَ الرَّحي في عُنُقِهِ، ويُلقَى في البحرï´¾ (متّى 6:18-7). وكَم هو مُؤلِمٌ أنْ تكونَ حِجارَةُ العَثرَة أحيانًا مِنَ الدَّاخِل! أَتُرَى الْمَسيح لَم يَتَألَّم أَنَّ واحِدًا مِنْ رُسلِهِ الأقرَبين، قَدْ انقَلَبَ عَليهِ وخَانَاه؟! أَتُراهُ لا يَتألَّمُ اليومَ أيضًا، جَرَّاءَ مَا يحدُثُ في كَنيستِه، مِنْ بَلْبلَةٍ واضْطِراب، ومُخالَفاتٍ لِمَا عَلّمَ وعَمِل؟! الرُّوحُ النّجِسُ يا أَحِبَّة صَاحَ قَائِلًا: ï´؟أَجِئتَ لِتُهلِكَنا يا يسوعَ النّاصريّ؟ï´¾ (مر 24:1). فالْمَسيحُ بالنِّسبَةِ لَهُ هُوَ الْمُهلِكُ والْمُبِيد، إذْ لا مجَالَ أَمَامَهُ لِكَي يَتُوب، فَقَرارُهُ في الابتِعَادِ عَنِ اللهِ هُوَ قَرارٌ أَبَدِيٌّ لا يَتَغَيّر. أَمَّا لَنَا نحنُ فالْمسيحُ هُوَ الْمُنْقِذُ والْمُخلِّصُ والْمُنَجِّي مِنَ الهَلاك. فَبالرّغمِ مِنْ كَثرَة آثامِنَا، إلّا أنَّ الوَقتَ لا يَزالُ مُتَاحًا أَمَامَنَا نحنُ الأحياء، لِأنْ نَتوبَ ونختارَ اللهَ فَنَحيا. ولِذلكَ نَسمَعُ صَوتَ الرّبِّ يَقولُ عَلَى لِسَانِ نَبيِّه حَزقيال: ï´؟أَلَعَلَّ هَوايَ في مَوتِ الشِّرير؟ أَلَيسَ في أَنْ يَتُوبَ عَنْ شَرِّهِ فَيحيَاï´¾ (حز 23:18). نُخطِئٌ كَثيرًا، ونَزِلُّ كَثيرًا، ونَعصي كَثيرًا، ولكِنَّ تَوبَتَنا شَحيحَةٌ بالنَّظَرِ إلى حَجمِ آَثَامِنَا. نَسمَحُ لِلرّوحِ النَّجِسِ أَنْ يَستَحوِذَ عَلينَا مَرّاتٍ كَثيرَة، وأنْ يَسوقَنا صَوبَ الهلاك، ونَأبى الصِّياحَ طالِبينَ رَحمةَ الْمَسيحِ وغُفرانَهُ ونَجدَتَهُ. ولا نَفطَنُ إلّا وقَدْ صَارَ السّيدُ عَلَى البابِ يَقرَع، طالِبًا مِنَّا الحِسَاب. وعِندَهَا لِلبعضِ يكونُ البُكَاءُ وصَريفُ الأسنَان، حَيثُ لا نَدمٌ يُفيد ولا تَحسُّرٌ يَنفَع. في نَشيدٍ للقدّيسِ أوغسطينوس، يُتلَى في صَلاةِ السّاعات، خلالَ زمنِ الصّوم الكَبير، يكتبُ فَيقول: إنّا أَمَامَكَ ربَّنا بِدمِ الذّنوبِ مُخَضَّبون آَثامُنَا أَودَتْ بِنَا وذُنوبُنَا نُصْبَ العُيون إنّا نُكابِدُ ذَا العِقاب ونَظلُّ نَغرقُ في الذُّنوب وَنَئِنُّ مِن حَرِّ العَذاب والإثمُ باقٍ في القُلوب إنّا لَنَشعُرُ بالألم ورؤوُسُنَا لا تَنحني بُؤسٌ ولَكِن لا نَدَم عَنْ غَيِّنَا لا نَنثَني إنْ جِئتَ تَضرِبُنَا عَلا مِنَّا الصُّراخُ لِرَحمَتِك ونَعودُ مِنْ بَعدِ الرِّضَى فَنُثيرُ عَادِلَ رَحمتِك رَبّي أَمَامَكَ خَاطِئون جَاؤوا إليكَ تَائِبين اِغفِرْ أَراهُم يَهلِكُون إنْ كُنتَ تَعدِلُ يَا مُعين |
||||
24 - 04 - 2024, 05:41 PM | رقم المشاركة : ( 158677 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
في نَشيدٍ للقدّيسِ أوغسطينوس، يُتلَى في صَلاةِ السّاعات، خلالَ زمنِ الصّوم الكَبير، يكتبُ فَيقول: إنّا أَمَامَكَ ربَّنا بِدمِ الذّنوبِ مُخَضَّبون آَثامُنَا أَودَتْ بِنَا وذُنوبُنَا نُصْبَ العُيون إنّا نُكابِدُ ذَا العِقاب ونَظلُّ نَغرقُ في الذُّنوب وَنَئِنُّ مِن حَرِّ العَذاب والإثمُ باقٍ في القُلوب إنّا لَنَشعُرُ بالألم ورؤوُسُنَا لا تَنحني بُؤسٌ ولَكِن لا نَدَم عَنْ غَيِّنَا لا نَنثَني إنْ جِئتَ تَضرِبُنَا عَلا مِنَّا الصُّراخُ لِرَحمَتِك ونَعودُ مِنْ بَعدِ الرِّضَى فَنُثيرُ عَادِلَ رَحمتِك رَبّي أَمَامَكَ خَاطِئون جَاؤوا إليكَ تَائِبين اِغفِرْ أَراهُم يَهلِكُون إنْ كُنتَ تَعدِلُ يَا مُعين |
||||
24 - 04 - 2024, 05:44 PM | رقم المشاركة : ( 158678 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الأحد الثّالِث من زمن السنة ï´؟هَاءَنَذا أَرْسِلْنيï´¾ (أشعيا 8:69) إنَّ اللهَ كُليَّ القُدرَة، الَّذي لا يُعجِزُهُ شَيء، اِرتَأى أَنْ يَدعُوَ بَشَرًا مِثلَنَا، إِلَيهم يَعهَدُ بِحملِ الرِّسَالَةِ لِسَائِرِ النَّاس! وهَذهِ الدَّعوةُ تَرتَبِطُ دَومًا بالْمُنَادَاةِ إلى التَّوبَة، والوَعدِ بالخَلاص. فَهَا هُوَ الرَّبُّ في قِرَاءَةِ هَذا الأحدِ الأُولَى، يُفْرِدُ يُونانَ النَّبيّ، لِيَنطَلِقَ إلى مَدينَةِ نِينَوَى، دَاعِيًا أَهلَهَا إلى التَّوبَةِ والرُّجُوعِ إلى الله. وَمِنْ قَبلِ يُونَان، كَانَتْ دَعوَتُهُ تَعالَى إلى إبراهيمَ الخَليلِ أَبي الآبَاء، ومِنْ بَعدِهِ إلى مُوسَى كَليمِ الله، وإلى إيليَّا نَبيِّهِ الْمُقْتَدِر. وَلَعَلَّ اللهَ الكُليَّ الحِكمَة، والّذي بالرَّغمِ مِنْ عِلْمِهِ الكَامِلِ بِمَدَى ضُعفِنا البَشريِّ، وكَثرَةِ آَثامِنَا، وقِلَّةِ أَمَانَتِنَا، إلّا أَنَّهُ لا يَنْفَكُّ يَدْعُو ويُقيمُ أُناسًا مِنَّا رُسُلًا ومُبَشِّرين. فَعِندَمَا دَعَا اللهُ نَبِيَّهُ أشعيا، كانَ يَعلَمُ بإثمِه، ومَعْ ذلِكَ دَعَاه. فَنَقرَأُ في الفَصلِ السَّادسِ كَيفَ وَصَفَ أَشعيا نَفسَهُ ودَعوَتَهُ، قَائِلًا: ï´؟وَيلٌ لِي لِأَنَّي رَجُلٌ نَجِسُ الشَّفَتَين. فَطَارَ إِلَيَّ أَحَدُ السَّرافين، وبِيَدِه جَمرَةٌ، ومَسَّ بِها فَمِي، وقَال: هَا إنَّ هَذهِ قَدْ مَسَّت شَفَتَيكَ، فأُزيلَ إِثمُكَ وكُفِّرَتْ خَطيئَتُكَ. وسَمِعتُ صَوتَ السَّيِّدِ قَائلًا: مَنْ أُرسِلْ، ومَنْ يَنطَلِقُ لَنَا؟ فَقُلتُ: هَاءَنذا فَأَرسِلْنيï´¾ (أش 5:6-8). أَمَّا في دَعوتِهِ لِإرميا، فَنَرَى كَيفَ أنَّ الرَّبَّ يُشَدِّدُ إرمِيَا، ويَدْعُوهُ إلى نَبذِ الخَوف، لأنَّهُ نَاصِرُهُ، فَيَقول: ï´؟إنَّكَ لِكُلِّ مَا أُرسِلُكَ لَهُ تَذْهَب، وكُلَّ مَا آَمُرُكَ بِهِ تَقول. لا تَخَفْ مِنْ وُجوهِهم، ولَا تَفْزَع. فَإِنِّي جَعَلتُكَ مَدينَةً حَصِينَة، فَيُحَارِبونَكَ ولا يَقوَونَ علَيك، لِأَنِّي مَعَكَ لِأُنقِذَكَï´¾ (راجِع إر 4:1-19). فَاللهُ دَاعِينَا، والعَارِفُ بِمَا فينَا، قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَشفينَا، وبِنعمَتِهِ يُقَوِّينَا، لِلقِيامِ بالرِّسَالةِ الّتي يُوكِلُهَا إِلينَا. وفي العَهدِ الجَديد، عَهدِ النِّعمَةِ والحَق، يَستَمِرُّ اللهُ مِنْ خِلالِ كَلِمتِهِ يَسوعَ الْمَسيح، في نَفسِ نَهجِ الدَّعوَةِ والاختِيَار. فَهَا نحنُ نَراهُ في إنجيلِ هَذا الأحدِ الثَّالِثِ مِن زَمنِ السَّنَة، يَدْعُو بُطرسَ وأَندراوسَ ويَعقوبَ ويُوَحَنَّا. وجَميعُهم كَانُوا رِجَالًا بُسطَاءَ عَادِيّين، صَيَّادي سَمك. لَيسَ ذَلِكَ فَحَسب، بَلْ اختَارَ أَيضًا عَشَّارًا مُحِبًّا لِلمَالِ فِيمَا سَلَف، اسمُهُ مَتّى. واختَارَ أيضًا يَهوذَا الإسخريوطيّ، الّذي رُبَّما كَانَ بإمكَانِهِ أنْ يَتَوبَ ويَرجِع، ولَكِنَّهُ فَضَّلَ اليَأسَ والانتِحَار. بِنَاءً عَلَى كُلِّ هَذا، نَسْتَخلِصُ مَا يَلي: أَوّلًا: صَلُّوا لِأجلِ رُعَاةِ نُفُوسِكُم. فَالرِّسَالَةُ إلى العِبرانيّين تَقول: ï´؟إِنَّ كُلَّ عَظيمِ كَهَنَةٍ يُؤخَذُ مِنْ بَينِ النَّاس، ويُقامُ مِن أَجلِ النَّاس، لِيُقَرِّبَ قَرابينَ وذَبائِحَ كَفَّارَةً لِلخَطايا. وهُوَ نَفْسُهُ مُتَسَربِلٌ بِالضُّعْف، فَعَلَيهِ مِنْ أَجْلِ ذلِكَ الضُّعْف، أَن يُقَرِّبَ كَفَّارَةً لِخَطاياه، كَمَا يُقَرِّبُ كَفَّارةً لِخَطايا الشَّعْبï´¾ (عب 1:5-3). فالأساقِفَةُ والكَهنَة، لَيْسُوا مَلائِكةً هَبَطُوا عَلَينَا مِنَ السَّمَواتِ العُلَى، ولا هُمْ بَشَرٌ خَارِقُون مِنْ جَبلَةٍ أُخرَى، بَلْ بَشرٌ مِثْلُنَا، يُجَرَّبُونَ ويُخطِؤون. وعَلينَا أَنْ نَرفَعَ الدُّعاءَ لأجلِهم باستِمرار، لِيَظَلُّوا أُمَنَاءَ لِلرّسَالةِ الّتي أُعطِيَتْ لَهم. ثانيًا: إيمانُكَ يَقومُ فَقَط عَلَى الْمَسيح، ولَيسَ عَلَى الأشخَاص. فالرُّعاةُ هُمْ وَسيلَةٌ اختَارَهَا اللهُ، لِحملِ الإيمانِ وخِدمَةِ البِشَارَة. لِذَلِك، إنْ أَنكرَ بَعضُ الرُّعاةِ كَبُطرس، أَو خَانَ بَعضُهم كَيَهوذَا، فَلا يَتَزَعزَعَنَّ إيمانُكَ، ولا يَضْطَرِبنَّ قَلبُكَ. وعَلَيه، لا تُعَلِّقْ قَلبَكَ بالرُّعَاة، ولا تَعقِدْ عَلَى البَشَرِ الرَّجَاء، مَهمَا بَلَغُوا مِنَ دَرَجاتِ التَّقوَى والقَدَاسَة، وهوَ أَمرٌ جَيِّدٌ وَصَالِح. ومعْ ذلِكَ، أَلْقِ الاتِّكَالَ والثِّقَةَ فَقَط عَلَى اللهِ وبِهِ وَحَدَهُ، الّذي هُوَ ثَابِتٌ لا يَتَغيّر، حَتّى لا يخيبَ رَجُاؤُكَ يَومًا وتُحبَط. ثالِثًا: ï´؟لا تَدينوا لِئَلَّا تُدَانواï´¾ (متّى 1:7). أُترُكُوا الحُكمَ للحَاكِمِ الْمُطْلَق، والقَضَاءَ لِلْقَاضي الأزَليّ. وعِوَضًا عَنْ إدانَةِ الرُّعاةِ وجَلدِهِم وذَمِّهم عِندمَا يُخطِؤون، اهْتَمُّوا بِتَخليصِ نُفوسِكُم، والدُّعاءِ لأجلِهم، حَتَّى يَتُوبوا ويَرجِعُوا. فَمَا دُمنَا في سِجلِ الأحياءِ عَلى وَجهِ هَذهِ الفانِيَة، فَنحنُ كُلُّنا، رُعَاةٌ ومُؤمِنون، عُرضَةٌ للسَّيرِ في طُرقِ الهَلاك، فَلِكُلٍّ مِنَّا قَدرٌ كَافٍ وَافٍ مِنَ الخَطايا والآثام. ولِذلكَ نحتاجُ جميعُنَا بلا اسْتِثناء لِرَحمةِ اللهِ ونِعمَتِه، لِنُوجَدَ أَهلًا لِلنّجاةِ يَومَ نَمثُلُ أَمَامَ قَضَاءِ اللهِ العَادِلِ يومَ الدَّينُونَة! وعَليه، دَعُوني أَعودُ وإيّاكُم، إلى مَا قَالَهُ أشعيا النّبيّ: ï´؟وَيلٌ لي قَدْ هَلَكتُ، لِأَنَّي رَجُلٌ نَجِسُ الشَّفَتَين، وأَنا مُقيمٌ بَينَ شَعبٍ نَجسِ الشِّفَاهï´¾. (أش 5:6). فَلْنَكُفَّ إذًا عَنِ الْمُزاوَدَةِ عَلَى بَعضِنا البَعض، فَكُلُّنا نحتاجُ إلى التَّوبَة، وكُلُّنا نحتاجُ إلى الارتِداد. وتَذَكَّر يا صَديقي، أَنَّكَ إنْ كُنتَ اليوم تَلعَبُ دَورَ البَطلِ الْمُنزَّه الجَلَّاد، لأنَّكَ تُجيدُ إخفَاءَ مَا عِندِكَ مِنْ قُبحٍ، فَقَد تُصبِحُ غَدًا الضَّحيةَ الْمَعيوبَ الْمُساقَ إلى الجَلد. فَارْحَمُوا علَّكُم تُرْحَمُون. واللهُ مِنْ وراءِ القَصد! |
||||
24 - 04 - 2024, 05:44 PM | رقم المشاركة : ( 158679 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الأحد الثّاني من زمن السنة ï´؟طُوبَى لِلْمَدْعويّنَ إلى وَليمَةِ عُرسِ الحَملï´¾ (رؤ 9:19) في كُلِّ ذَبيحةِ قُدّاس، يَرفَعُ الكَاهِنُ أَمامَ أَنْظَارِ السَّاجِدين، الخُبزَ والخمرَ الَّلذينِ تَكرَّسَا لِيَصيرا جَسدَ الْمَسيحِ ودَمَهُ الأقدَسَين، قَائِلًا: "هُوذَا حَملُ الله، هُوذَا الحَامِلُ خَطيئةَ العَالم. طُوبَى لِلْمَدعُويّنَ إلى وَليمةِ الحَمَل". وكَمَا قَرَأنَا وسَمِعنَا في إنجيلِ هَذَا الأحدِ الثّاني مِن زَمنِ السَّنَة، فَإنَّ وَصفَ "حَملِ الله"، كَانَ قَدْ أَطلَقَهُ سَابِقُ الرّبِّ، يُوحَنَّا الْمَعمدان، عَلَى السَّيدِ الْمَسيحِ حِينَ رَآَه. وبِذلِكَ الوَصف، يُؤكِّدُ الْمَعمدانُ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ النّبيُّ أَشعيا، حِينَ تَنبَّأَ فَقَال: ï´؟كَحَمَلٍ سِيقِ إلى الذّبحِ، ولَم يَفتَح فَاهُ... هُوَ حَمَلَ خَطايا الكَثيرين، وَشَفَعَ في مَعَاصِيهمï´¾ (أش 7:53، 12)، قَدْ تحقَّقَ وتمَّ في شَخصِ يَسوعَ الْمَسيح، حَملِ اللهِ، الّذي حَملَ خَطَايانا عَلَى خَشَبةِ الصَّليب، ذَبيحَةَ تَكفيرٍ عَنْ آَثَامِنَا، واستَحَقَّ لَنَا الخلاصَ والنَّجَاة. كَمَا قَالَ أشعيا أيضًا: ï´؟حَمَلَ هوَ آَلامَنَا، واحتَمَلَ أَوجَاعَنَا، نَزَلَ بِهِ العِقَابُ مِنْ أَجلِ سَلامِنَا، وبِجُرحِهِ شُفينَاï´¾ (أش 4:53-5). هَذا الحَمَلُ الّذي ذُبِحَ لأجلِنَا، هوَ نَفسُهُ الحَمَلُ الحَيُّ والقَائِم. هو حَملُ الفِصحِ أَي حَمَلُ العُبورِ مِن الْمَوتِ إلى الحَيَاة. وبَينَ ذَبيحَتِهِ ومَوتِهِ وقِيَامتِهِ الْمَجيدَة، يَكتَمِلُ عَمَلُ خَلاصِنَا! فَنَحنُ، كَمَا يُعلِنُ بُطرسُ الرَّسولُ في رِسَالتِهِ الأولَى، افْتُدِينَا: ï´؟بِدَمِ الحَمَلِ الّذي لا عَيبَ فيهِ ولا دَنَس، دَمِ الْمَسيحï´¾ (1بط 19:1). هَذَا الافتِدَاءُ الّذي تَحقَّقَ لَنَا في السَّيدِ الْمَسيح، والّذي بِواسطَتِهِ نَرجو مَا سَبَقَ لِيُوحَّنَا أنْ كَتَبَهُ في رُؤيَاه: ï´؟طُوبَى لِلْمَدْعويّنَ إلى وَليمَةِ عُرسِ الحَملï´¾ (رؤ 9:19). هذهِ الوَليمَةُ السّماويّةُ الّتي نَتَذوَّقُ أُولَى ثِمارِهَا في ذَبيحَةِ القُدَّاس، والّتي نَرجو بُلوغَهَا في الحياةِ الأبَديَّة. حَمَلُ اللهِ يا أَحِبَّة، يَدعُونا كَمَا دَعَا التَّلمِيذَين، لِأنْ نَتبَعَهُ حَتَّى يَقُودَنا صَوبَ الْمَراعي الأبديَّة. فَهُوَ لَيسَ حمَلًا فَقَط، بل أَيضًا هوَ رَاعِينَا الصَّالِح، الّذي: ï´؟يَبذِلُ نفسَهُ في سَبيلِ الخِراف، لِتَكونَ لَها الحَيَاةï´¾ (راجِع يوحنّا 10:10-11). ومَاذَا يَعني أَنْ نَتبَعَ الْمَسيح، سِوَى أَنْ نَكونَ لَهُ شُهودًا أُمَنَاءَ مُخلِصين، تمامًا كَمَا كَانَ يُوحَنَّا الْمَعمدان، الّذي: ï´؟لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّور، بَلْ جَاءَ لِيَشهَدَ لِلنّورï´¾ (يوحنّا 8:1). التَّتَلمُذُ لِلْمَسيحِ يَعني أنْ نعرِفَ مَنْ نحنُ بالنّظَرِ إلى عَلاقَتِنَا بالْمَسيح، عَلَى مِثالِ يُوحَنَّا الْمَعمَدانِ أَيضًا، الّذي بالرّغمِ مِنْ مَنْزِلَتِهِ الرَّفيعَةِ عِندَ الشَّعب، إلّا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُصَابًا "بِدَاءِ الْمَنصِب وحُمّى الكُرسِيّ"، إنَّما عَرفَ أَنْ يَتَوَاضَعَ ويَتَخَلّى، تَارِكًا الْمَجالَ لِلّذي أَعَدَّ لَهُ الطّريق، فَقَال: ï´؟لا بُدَّ لَهُ مِنْ أنْ يَكبُر، ولا بُدَّ لي مِن أنْ أَصغُرï´¾ (يوحنّا 30:3). واحِدَةٌ مِنْ مُشْكِلاتِنَا الكُبرَى في الكَنيسَة، عَلَى صَعيدِ الرُّعَاةِ والْمُؤمنين، هيَ رُوحُ الكبرياءِ والغُرور، والاعتِدادُ بالذّاتِ، والسَّعيُ وَرَاءَ الْمَراكِزِ والوَجَاهَاتِ، الّذي يَصِلُ أحيانًا حُدودَ التَّمرُّدِ حَتَّى عَلَى الْمَسيحِ وتَعالِيمِهِ، لأكبُرَ أَنَا! في هَذَا الفَصلِ الأوّلِ مِن إنجيلِ القِدّيسِ يُوحنّا، يَسأَلُ التَّلميذَانِ يَسوع: ï´؟أَينُ تُقيم؟ï´¾ (38:1). فَدَعَاهُما الرّبُّ للإقامَةِ عِندَه. وبِنَاءً عَلَى هَذهِ الإقَامَة، تَبِعَا الْمَسيحَ وصَارَا مِنْ تَلامِيذِه. في الْمُقَابِل، نَجِدُ في الفَصلِ الأخيرِ مِنْ إنجيلِ القِدّيسِ لُوقَا، أَنَّ تِلميذيّ عِماوس هُما الّلذينِ بَادَرا إلى دَعوَةِ الْمَسيحِ واسْتِضافَتِه، قَائِلَين: ï´؟أُمْكُثْ مَعَنا، فَدَخَلَ لِيمكُثَ مَعَهُماï´¾ (لو 29:24). وفي كِلتَا الْمَرَّتَين، سَواءً أكَانَ الرّبُّ دَاعِيًا أو مَدعُوًّا، مُضيفًا أو مُسْتَضَافًا، اِستَطَاعَ التَّلاميذُ أنْ يَعرِفُوهُ و"يجِدُوا الْمَسيح"! وهُنَا دَعوَةٌ لَنَا لِأنْ نَتَساءَل، نحنُ الّذينَ عَرفنَا الْمَسيحَ، وسَمِعنَا مِنهُ وعَنهُ الكَثير، خِلالَ مَا مَضَى مِن سِني عُمرِنا، مِنْ خِلالِ الكُتبِ الْمُقَدَّسَةِ والتَّعَاليمِ والعِظَاتِ والتَّنَاولِ الْمُقَدَّس، إنْ كُنَّا حَقًّا نَعرِفُ الْمَسيحَ مَعرِفَةً عَميقَةً أَصيلَةً صَادِقَة، أَسَاسُهَا الْمَحَبَّةُ وحِفظُ الوَصَايا، أمْ أنّها مُجرّدُ مَعرِفَةٍ سَطحيَّةٍ مَعلوماتيَّةٍ، روتينيّةٍ بِحكمِ العَادَة؟! لِذلكَ، مَعرِفَةُ الْمَسيحِ أَمرٌ حَمّالُ أَوجُه! فَقَدْ نكتَشِفُ عِندَ مَوقِفٍ أو حَدَثٍ، أَنَّنَا لا نَعرِفُ عنِ الْمَسيحِ شَيء. وأَنَّ إنْسَانَنَا القَديم، برذائِلهِ ورغباتِهِ الدُّنيويَّة وأطباعِهِ ورُدودِ فِعلِه البَشريّة، هوَ الَّذي يحيَا فِينَا، وليسَ الْمَسيحُ الإنسانُ الجَديد! ولا نَستَغرِب مِنْ ذَلِك، أَلَم يَقُلْ الرّبُّ "لِتلميذِهِ فِيلبُّس القَريبِ إليه"، بِنبرَةٍ كُلُّهَا عَتَبٌ وأَسَى: ï´؟إِنّي مَعَكُم مُنذُ وقتٍ طَويل، أَفَلا تعرِفُني يا فيلبُس؟ï´¾ (يوحنّا 9:14). فَمَعرِفَةُ الْمَسيحِ يا أَحِبَّة، لَيسَتْ مَعلومَاتٍ وادِّعَاءَات، بِقَدرِ مَا هي مَواقِفٌ وظُروفٌ واختِبَارَات، فيها تَظهَرُ أَصالَةُ مَعرِفَتِنَا لِلْمسيحِ أَو زِيفُها. فيهَا قَدْ نَكونُ كَبُطرس الّذي: ï´؟أَخَذَ يَلْعَنُ ويحلِف، إِنّي لا أعرِفُ هَذَا الرّجُلï´¾ (مرقس 70:14). أو فيها نَكونُ ثَابِتينَ أوفِيَاء، بالرّغمِ مِن كُلِّ شَيء، كَمَريمَ ويُوحنّا: ï´؟هُنَاكَ عِندَ صَليبِ يَسوع، رَأَى يَسوعُ أُمَّهُ وإلى جانِبِها التّلميذُ الحَبيبُ إليهï´¾ (يوحنّا 25:19-26). |
||||
24 - 04 - 2024, 05:58 PM | رقم المشاركة : ( 158680 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
شريعة ذي السيل تُعالج هذه الشريعة الإنسان الذي يكون له سيل، ذكرًا كان أم أنثى. وقد جاءت الكلمة العبرية "زَغب" تعني "فيض"، فإن ذا السيل هو الرجل الذي يقذف الحيوان المنوي سواء خلال الطبيعة أو لإصابته بمرض تناسلي، وأيضًا المرأة التي تنزف دمًا سواء خلال الدورة الشهرية (الطمث) أو بسبب مرض، وقد ميزت الشريعة بين الحالات الطبيعية والحالات المرضية. 1. مقدمة في ذي السيل: إن كانت الشريعة قد اهتمت بتقديم تطهير جسدي يخص السيل الذي يفيض من الرجل أو نزف الدم الذي للمرأة في مرضها الشهري أو كحالة مرضية، فإنه يليق بنا توضيح النقاط التالية: أولًا: إن كانت الشريعة قد دعت السيل (الحيوانات المنوية) نجاسة [1]، وأيضًا دم المرأة في أيام طمثها أو عند نزفها... فما عنته الشريعة هو اهتمام الإنسان بنظافة جسده لأجل سلامة صحته وصحة من هم حوله، فكما رأينا في الله أنه اهتم بكل ما يمس أولاده في العهد القديم حتى من جهة أنواع الأطعمة وسلامة الثياب والمسكن، فبالأكثر صحة جسده. ثانيًا: ميزت الشريعة بطريقة واضحة وقاطعة بين ما يحدث للرجل والمرأة خلال الطبيعة وبين ما يتم كحالة مرضية، فالحلة الأولى لا تتطلب تقديم ذبائح ولا تكفير عن خطية وإنما يكتفي بغسل جسده وثيابه أو أي متاع اضطجع عليه الإنسان، أما الحالة الثانية فهي حالة مرضية تحتاج إلى تدقيق صحي لذا تطلبت الشريعة تقديم ذبائح للتكفير عن الإنسان. ثالثًا: السيل الذي يُصيب الرجل أو المرأة يحمل رمزًا للنفس التي بلا ضابط، الساقطة تحت الشهوات الدنسة... لذا يحتاج الأمر إلى تلاق مع القدوس الذي لمسته المرأة نازفة الدم، هذا الذي لم يستنكف منها إذ لا يقدر الدنس أو النجاسة أن يلحق به إنما توقف الدم وبرئت المرأة خلال الإيمان به. 2. الحالة المرضية عند الرجل: 1 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى وَهَارُونَ قَائِلًا: 2 «كَلِّمَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَقُولاَ لَهُمْ: كُلُّ رَجُل يَكُونُ لَهُ سَيْلٌ مِنْ لَحْمِهِ، فَسَيْلُهُ نَجِسٌ. 3 وَهذِهِ تَكُونُ نَجَاسَتُهُ بِسَيْلِهِ: إِنْ كَانَ لَحْمُهُ يَبْصُقُ سَيْلَهُ، أَوْ يَحْتَبِسُ لَحْمُهُ عَنْ سَيْلِهِ، فَذلِكَ نَجَاسَتُهُ. 4 كُلُّ فِرَاشٍ يَضْطَجِعُ عَلَيْهِ الَّذِي لَهُ السَّيْلُ يَكُونُ نَجِسًا، وَكُلُّ مَتَاعٍ يَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا. 5 وَمَنْ مَسَّ فِرَاشَهُ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 6 وَمَنْ جَلَسَ عَلَى الْمَتَاعِ الَّذِي يَجْلِسُ عَلَيْهِ ذُو السَّيْلِ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 7 وَمَنْ مَسَّ لَحْمَ ذِي السَّيْلِ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 8 وَإِنْ بَصَقَ ذُو السَّيْلِ عَلَى طَاهِرٍ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 9 وَكُلُّ مَا يَرْكَبُ عَلَيْهِ ذُو السَّيْلِ يَكُونُ نَجِسًا. 10 وَكُلُّ مَنْ مَسَّ كُلَّ مَا كَانَ تَحْتَهُ يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ، وَمَنْ حَمَلَهُنَّ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 11 وَكُلُّ مَنْ مَسَّهُ ذُو السَّيْلِ وَلَمْ يَغْسِلْ يَدَيْهِ بِمَاءٍ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 12 وَإِنَاءُ الْخَزَفِ الَّذِي يَمَسُّهُ ذُو السَّيْلِ يُكْسَرُ. وَكُلُّ إِنَاءِ خَشَبٍ يُغْسَلُ بِمَاءٍ. 13 وَإِذَا طَهُرَ ذُو السَّيْلِ مِنْ سَيْلِهِ، يُحْسَبُ لَهُ سَبْعَةُ أَيَّامٍ لِطُهْرِهِ، وَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَرْحَضُ جَسَدَهُ بِمَاءٍ حَيٍّ فَيَطْهُرُ. 14 وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يَأْخُذُ لِنَفْسِهِ يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ، وَيَأْتِي إِلَى أَمَامِ الرَّبِّ، إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ، وَيُعْطِيهِمَا لِلْكَاهِنِ، 15 فَيَعْمَلُهُمَا الْكَاهِنُ: الْوَاحِدَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَالآخَرَ مُحْرَقَةً. وَيُكَفِّرُ عَنْهُ الْكَاهِنُ أَمَامَ الرَّبِّ مِنْ سَيْلِهِ. أ. تبدأ هذه الشريعة بالرجل المصاب بمرض تناسلي، فيحدث قذف مستمر للحيوانات المنوية أو احتقان... فقد حذرت الشريعة حتى لا يمس أحد فراشه، ولا يجلس أحد على متاعه الذي يجلس عليه، ولا يمس الشخص نفسه أثناء مرضه، ولا حتى بصاقه، ولا يركب موضعه على دابة... وإلاَّ حُسب الإنسان نجسًا حتى المساء ويلزمه أن يغسل ثيابه ويغتسل. هذا الإجراء وقائي ضد العدوَى من الأمراض التناسلية، إذ كما نعلم أن بعض هذه الأمراض شديدة العدوَى، يمكن أن تنتقل خلال لمس المريض أو ثيابه أو الأدوات التي يستخدمها. أما بقاء الشخص نجسًا طوال اليوم حتى المساء، أي حتى يبدأ يومًا جديدًا، إنما يعني أن من يتلامس مع الخطية ويتدنس بالشر لن يتقدس طوال حياته ما دام مرتبطًا بالدنس حتى يبدأ مع الرب يومًا جديدًا فيه يترك الماضي وينطلق نحو حياة أفضل. أما غسل ثيابه واغتسال جسده، فيعني حاجته إلى الطهارة الخارجية (الثياب) والطهارة الداخلية (الجسد المختفي في الثوب). مادمنا في العالم، إذ نحيا في الجسد، نتعرض للتلامس مع الخطية، لذا يليق بنا أن نتمتع بغسل ثيابنا وأجسادنا بدموع التوبة فنحيا في نقاوة الخارج مع الأعماق الداخلية. ب. هذا بالنسبة لمن يلمس المريض أما بالنسبة لما يستخدمه المريض، فسريره يُحسب نجسًا لا يجوز أحد أن ينام عليه، ومتاعه الذي يجلس عليه دنسًا لا يجوز أن يجلس عليه إنسان طاهر، وبصاقه دنسًا، وما يوضع على حيواناته التي يمتطيها تحسب دنسه، والإناء الخزفي الذي يستخدمه يستحق الكسر، أما الخشبي فيُغسل بماء! هكذا تفعل بنا الخطية إذ تدنس حياتنا الداخلية وتصرفاتنا فيصير نومنا وجلوسنا وسيرنا وأدوات طعامنا دنسة! الإنسان الطاهر حتى في نومه يقول: "أنا نائمة وقلبي مستيقظ" (نش 5: 2)، فإن نام بجسده لكنه متيقظًا بقلبه وفكره، لا يستطيع الشرير أن يمسه بالدنس، أما الخاطئ فإنه وإن تيقظ جسديًا لكنه يكون دنسًا بفراشه الداخلي خلال اتحاده مع الشر وارتباطه بالدنس. ما نقوله عن سرير الشرير أو نومه، نقوله عن متاعه أو جلوسه وكل ممتلكاته وتصرفاته. فإن كان السرير يُشير إلى خمول الشرير روحيًا وإتحاده الخفي مع الشرير كما يتحد الرجل بامرأته خلال سرير الزوجية، فإن المتاع الذي يجلس عليه يُشير إلى حب السلطة والتمتع بالكراسي الأولى، فإن نال الشرير مركزًا حتى ولو كان دينيًا فالمركز لا يشفع فيه بل يدينه. جلوسه على كراسي المسئولية والتعليم يعرضه لدينونة أعظم. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لا أستطيع أن أحمل الكهنوت مسئولية شرور الكهنة، وإلاَّ كان هذا جنونًا منيّ، فالعاقلون لا يلومون السيف الذي في يدّ المجرم ولا الخمر بالنسبة للسكير ولا القوة بالنسبة للمغتصب ولا الشجاعة بالنسبة للمتهور، بل يلقون باللوم على إساءة استخدام العطايا الممنوحة لهم من قبل الله]. أما عن بصاقه الذي يُحسب دَنَسًا فيُشير إلى تعليم الهراطقة الدَّنِس، إذ ينبغي علينا أن نهرب منه كما من بصاق دنس، ونغتسِل من أفكارهم المُحَطِّمَة للإيمان. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [يجب أن نحرم العقائد الهرطوقية التي نجدها عندهم، أما الأشخاص فيجب أن نرحمهم تمامًا ونصلي من أجل خلاصهم]. أما ما يوضع على حيواناته التي يمتطيها مثل السرج والحداجة فتُشير إلى ما يتعلق بجسده من طاقات وأحاسيس، إذ تُحسب دنسة بسبب شره الداخلي. الإناء الخزفي أو الخشبي الذي يأكل فيه يحسب نجسًا، فإن كان خزفيًا يكسر وإن كان خشبيًا يُغسل بماء فيطهر. كسر الإناء الخزفي يُشير إلى ضرورة إماتة الشهوات الجسدية، أما غسل الخشبي فيُشير إلى تقديس الجسد بطاقاته وعوطفه وأحاسيسه. فإن كان يجب أن نموت عن خزفنا أي فكرنا الترابي إنما لا ليهلك الجسد وإنما لكي يتقدس لحساب مملكة الرب، وكما يقول الرسول بولس: "لا تملكن الخطية في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواته، ولا تقدموا أعضاءكم آلات إثم للخطية" (رو 6: 12-13). إذن ليُكسر ما هو خزفي (ترابي) فينا، وليُغسل ما هو خشبي ليصير معينًا للنفس في جهادها الروحي. في اختصار يمكننا أن نقول أن الرجل المصاب بهذا المرض يُشير إلى الخاطئ الذي يفقد حياته ويدنس جسده بكل أحاسيسه وعواطفه وطاقاته ويكون سبب تعب لمن هم حوله، يرون في مرقده وفي مجلسه كما في أكله وشربه دنسًا فيهربون منه. إنه مع الفارق كيونان وهو هارب من الخدمة من وجه الرب، أساء إلى كل من حوله، بسببه اضطرب البحر وهاجت الأمواج وثارت الرياح وفقد النوتية مئونتهم وسلامهم... وصار كل ما حوله في فقدان بسبب تحوله عن وجه الرب! وعلى العكس إذ كان يوسف مع الله كان بركة حتى لبيت سيده وفي وسط السجن وفي بيت فرعون وأنقذ والدهم وإخوته وتمجد في هذا العالم كما يتمجد في الحياة الأبدية. ج. إن شفى الإنسان من هذا المرض يبقى تحت الفحص سبعة أيام حتى يتأكد الكاهن من شفائه، ثم "يغسل ثيابه ويرحض جسده بماء حيّ فيطهر، وفي اليوم الثامن يأخذ لنفسه يمامتين أو فرخي حمام ويأتي إلى الرب إلى باب خيمة الاجتماع ويعطيهما للكاهن فيعملهما الكاهن الواحد ذبيحة خطية والآخر محرقة ويكفر عنه الكاهن أمام الرب من سيله" [13، 14]. هذا الطقس التطهيري كثيرًا ما تحدثنا عنه في الأصحاحات السابقة، لهذا أكتفي هنا بإبراز الخطوط الرئيسية لهذا الطقس، وهي: أولًا: الحاجة إلى اغتسال الثياب كما الجسد بالماء الحيّ أي ماء جارٍ من نهر أو من ينبوع أو بئر مستخدمة غير راكدة... إشارة إلى حاجتنا للتقديس الداخلي (الجسد) والخارجي، وغسلنا في مياه المعمودية لنوال تجديد طبيعتنا بالروح القدس. ثانيًا: مادمنا في الأيام السبعة الأولى لا نقدر أن نقدم الذبيحة، إنما ننتظر اليوم الثامن، بمعنى أننا مادمنا نعيش خاضعين للزمن (سبعة أيام) لا نقدر أن ننعم بذبيحة ربنا يسوع، لكي إذ يرفعنا الروح القدس إلى اليوم الثامن أي إلى الحياة المقامة في الرب ننعم بالذبيحة السماوية ونتمتع بالدخول إلى حضرة الرب وسكنى بيته السماوي. ثالثًا: إن كان الإنسان يتمتع بالتطهير كعطية شخصية توهب له من قبل ربنا، لكنه ينالها خلال عضويته الكنسية، إذ قيل "يأتي إلى الرب إلى باب خيمة الاجتماع"، فما يناله من تطهير أو تقديس إنما يفرح الجماعة كلها بكونه عضوًا فيها، آلامه آلامها وأفراحه أفراحها! رابعًا: يقدم الكاهن عنه ذبيحة خطية وذبيحة محرقة معًا... فلا يكفي لطهارته من دنس السيل أن يتمتع بذبيحة الخطية حيث ينال الغفران عن خطاياه إنما يجب أيضًا أن ينعم بذبيحة المحرقة حيث يقدم حياته ذبيحة طاعة ومحرقة حب للآب في المسيح يسوع. بمعنى آخر إن كانت ذبيحة الخطية تعني الجانب السلبي وهو انتزاع الشر، فذبيحة المحرقة تمثل الجانب الإيجابي وهو ممارسة البر. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [تنقسم الفضيلة إلى أمرين: ترك الشر وعمل الخير. الانسحاب من الشر ليس كافيًا لبلوغ الفضيلة، وإنما هو بداية الطريق الذي يقود إليها. لا تزال تبقى هناك حاجة لنشاط عظيم].3. الحالة الطبيعية للرجل: 16 «وَإِذَا حَدَثَ مِنْ رَجُل اضْطِجَاعُ زَرْعٍ، يَرْحَضُ كُلَّ جَسَدِهِ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 17 وَكُلُّ ثَوْبٍ وَكُلُّ جِلْدٍ يَكُونُ عَلَيْهِ اضْطِجَاعُ زَرْعٍ يُغْسَلُ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 18 وَالْمَرْأَةُ الَّتِي يَضْطَجِعُ مَعَهَا رَجُلٌ اضْطِجَاعَ زَرْعٍ، يَسْتَحِمَّانِ بِمَاءٍ، وَيَكُونَانِ نَجِسَيْنِ إِلَى الْمَسَاءِ. بعد أن عالج تطهير الحالة المرضية عند الرجل تحدث عن حالتين طبيعيتين عند الرجل أيضًا: أولًا: الاحتلام أو "عارِض الليل" (تث 23: 10)، والأمر لا يحتاج إلى تقديم ذبائح تكفير إنما فقط اغتساله وغسل ثيابه والمتاع الذي كان مضطجعًا عليه [16-17]. والكنيسة تعتبر الاحتلام فِطْرًا، فلا يجوز للشخص المُحْتَلِم التمتع بِسِرّ التناول في ذلك اليوم. ثانيًا:المُعَاشَرَة الزوجية، والأمر يحتاج إلى استحمامهما، وَيُحْسَبَان نجسان طوال النهار كالمحتلم فلا يدخلان بيت الرب ولا يمسان المقدسات. 4. الحالة الطبيعية للمرأة: 19 «وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ لَهَا سَيْلٌ، وَكَانَ سَيْلُهَا دَمًا فِي لَحْمِهَا، فَسَبْعَةَ أَيَّامٍ تَكُونُ فِي طَمْثِهَا. وَكُلُّ مَنْ مَسَّهَا يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 20 وَكُلُّ مَا تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ فِي طَمْثِهَا يَكُونُ نَجِسًا، وَكُلُّ مَا تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا. 21 وَكُلُّ مَنْ مَسَّ فِرَاشَهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 22 وَكُلُّ مَنْ مَسَّ مَتَاعًا تَجْلِسُ عَلَيْهِ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 23 وَإِنْ كَانَ عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ عَلَى الْمَتَاعِ الَّذِي هِيَ جَالِسَةٌ عَلَيْهِ عِنْدَمَا يَمَسُّهُ، يَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 24 وَإِنِ اضْطَجَعَ مَعَهَا رَجُلٌ فَكَانَ طَمْثُهَا عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَكُلُّ فِرَاشٍ يَضْطَجِعُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِسًا. يقصد بالسيل هنا المرض الشهري "فترة الطمث"... وقد حسبها نجسة لمدة سبعة أيام لكي تتمتع بفترة راحة جسدية، وقد منع العلاقات الزوجية في تلك الفترة، ربما لسببين: أولًا لأجل راحة الزوجة في فترة تعبها، وثانيًا لكي يقدس العلاقات الزوجية فلا تكون عن شهوة غير مضبوطة خاصة وأن المرأة لا تحمل في هذه الفترة، فتكون العلاقة خارج هدف الإنجاب. 5. الحالة المرضية للمرأة: 25 «وَإِذَا كَانَتِ امْرَأَةٌ يَسِيلُ سَيْلُ دَمِهَا أَيَّامًا كَثِيرَةً فِي غَيْرِ وَقْتِ طَمْثِهَا، أَوْ إِذَا سَالَ بَعْدَ طَمْثِهَا، فَتَكُونُ كُلَّ أَيَّامِ سَيَلاَنِ نَجَاسَتِهَا كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِهَا. إِنَّهَا نَجِسَةٌ. 26 كُلُّ فِرَاشٍ تَضْطَجِعُ عَلَيْهِ كُلَّ أَيَّامِ سَيْلِهَا يَكُونُ لَهَا كَفِرَاشِ طَمْثِهَا. وَكُلُّ الأَمْتِعَةِ الَّتِي تَجْلِسُ عَلَيْهَا تَكُونُ نَجِسَةً كَنَجَاسَةِ طَمْثِهَا. 27 وَكُلُّ مَنْ مَسَّهُنَّ يَكُونُ نَجِسًا، فَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِسًا إِلَى الْمَسَاءِ. 28 وَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ سَيْلِهَا تَحْسُبُ، لِنَفْسِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَطْهُرُ. 29 وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ تَأْخُذُ لِنَفْسِهَا يَمَامَتَيْنِ أَوْ فَرْخَيْ حَمَامٍ، وَتَأْتِي بِهِمَا إِلَى الْكَاهِنِ إِلَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 30 فَيَعْمَلُ الْكَاهِنُ: الْوَاحِدَ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ، وَالآخَرَ مُحْرَقَةً. وَيُكَفِّرُ عَنْهَا الْكَاهِنُ أَمَامَ الرَّبِّ مِنْ سَيْلِ نَجَاسَتِهَا. 31 فَتَعْزِلاَنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ نَجَاسَتِهِمْ لِئَلاَّ يَمُوتُوا فِي نَجَاسَتِهِمْ بِتَنْجِيسِهِمْ مَسْكَنِيَ الَّذِي فِي وَسَطِهِمْ. 32 «هذِهِ شَرِيعَةُ ذِي السَّيْلِ، وَالَّذِي يَحْدُثُ مِنْهُ اضْطِجَاعُ زَرْعٍ فَيَتَنَجَّسُ بِهَا، 33 وَالْعَلِيلَةِ فِي طَمْثِهَا، وَالسَّائِلِ سَيْلُهُ: الذَّكَرِ وَالأُنْثَى، وَالرَّجُلِ الَّذِي يَضْطَجِعُ مَعَ نَجِسَةٍ». يقصد بها النزف المستمر... وقد حسبها نجسة ما دامت تنزف، حتى تدرك خطورة الموقف وتهتم بالعلاج. إذا شفيت تبقى تحت الفحص سبعة أيام وتقدم ما يقدمه الرجل عند التطهير من سيله، وفي اليوم الثامن (راجع الحالة الأولى). يوم الكفار العظيم إن كانت بعض الشعوب قد تعرفت خلال التقليد على الذبائح الدموية، إذ تسلموها عن نوح وبنيه الثلاثة، وقد شوهوا مفاهيمها وغايتها، لكن الشعب اليهودي قد أنفرد بطقس "يوم الكفارة العظيم" الذي عبثًا نجد ما يشبهه لدى أي شعب آخر. كان لهذا اليوم أهميته الخاصة عند اليهود، وله طقسه الفريد، يقدم لنا مفاهيم رائعة عن ذبيحة السيد المسيح وعملها الكفاري كما كشف لنا القديس بولس الرسول في الأصحاح التاسع من رسالته إلى العبرانيين. قبلما أتعرض لتفسير الأصحاح السادس عشر من سفر اللاويين الخاص بهذا اليوم الفريد وددت أن أسجل بعض الملاحظات عن هذا اليوم من جهة أهميته وغايته والاستعداد له وطقوسه. أهميته غايته الاستعداد ليوم الكفارة طقوس يوم الكفارة السيد المسيح والكفارة يوم الكفارة العظيم أهميته: كان لأهمية هذا اليوم وشهرته عند اليهود أن علماء التلمود دعوه "اليوم"، لعله كما جاء في (عب 7: 27)، وأيضًا كما قيل "الصوم" في سفر الأعمال (أع 27: 9)، إذ لا يحتاج إلى تعريف. لعلهم كانوا يتطلعون إليه كما نتطلع نحن إلى يوم "الجمعة العظيمة" بكونه يوم الكفارة العظيم، الذي فيه نرى رئيس كهنتنا الأعظم يشفع بدمه الثمين عن العالم كله، ليدخل بمؤمنيه منهم إلى سماء السموات، فيكون لهم موضع في حضن أبيه السماوي، أو لعله يمثل يوم عماد السيد المسيح الذي فيه أدخلنا إلى التمتع بالسماء المفتوحة خلال اتحادنا مع الآب في ابنه المدفون في مياه المعمودية القائم من الأموات وتمتعنا بالبنوة بروحه القدوس. وتظهر أهميته أيضًا من دعوته "سبت السبوت" أو "سبت الراحة"، وكأن فيه تتحقق الراحة التامة بكونه "عيد الأعياد". يظهر ذلك بارتباطه بعيد المظال الذي يُحسب خاتمة السنة اليهودية الدينية حيث يقيمون فيه فرحهم بالحصاد وشكرهم لله في الخامس عشر من الشهر السبتي أو السابع آخر شهورهم، يسبقه "يوم الكفارة العظيم" في اليوم العاشر حيث يعلن كمال المصالحة بين الله وشعبه، وتقديس كل الجماعة لكي تتهيأ للفرح الكامل وتقدر أن تقدم ذبيحة شكر لله في عيد المظال. وإن عرفنا أن عيد المظال قد صار فيما بعد رمزًا لضم الأمم للعضوية في الكنيسة المقدسة، يكون يوم الكفارة (الصليب) هو الطريق الذي فيه تم هذا العمل العظيم. هذا ويليق بنا أن نذكر أن السنة اليوبيلية، سنة التحرر الكامل "كانت تعلن لنا دائمًا في يوم الكفارة". إن الاحتفال بهذا اليوم في العاشر من الشهر السبتي إنما يُشير إلى الكمال (رقم 10) الذي به يتحقق تقديس الشهر السبتي أو الشهر المقدس. ولأهمية هذا اليوم كان شيوخ السنهدريم السبعون يدربون الكهنة الجديدة على طقوسه وتحفيظه جميع الأمور المتعلقة به. هذا وسنرى خلال طقوسه الفريدة التي يمارسها رئيس الكهنة بنفسه خلال تطهيرات مستمرة غير منقطعة مع صوم الشعب اليوم كله كيف يكشف عن دور هذا اليوم في حياة الشعب القديم وما حمله إلينا من رموز روحية نبوية تمس علاقتنا بالله وخلالصنا الأبدي. غايته: "كفارة" في العبرية "كبوديت"، تعني "تغطية" أو "ستر"، إذ في هذا اليوم تغفر الخطايا ويستر على الإنسان بالدم الثمين، فيكفر رئيس الكهنة عن نفسه وعن الكهنة وعن كل الجماعة بل وعن الخيمة وكل محتويتها تكفيرًا عامًا وجماعيًا عن كل ما سقطت فيه الجماعة ككل أو كأعضاء طوال العام. تختم شريعة هذا اليوم بالقول: "ويكفر الكاهن الذي يمسحه... ويكفر عن مقدس القدس، وعن خيمة الاجتماع والمذبح يكفر، وعن الكهنة وكل شعب الجماعة يكفر، وتكون هذه لكم فريضة دهرية للتكفير عن بني إسرائيل من جميع خطاياهم مرة في السنة" [32-34]. كان رئيس الكهنة وحده يقوم بخدمة ذلك اليوم في طقس طويل بعد استعداد طويل، يساعده أكثر من خمسمائة كاهن. كان رئيس الكهنة يقضي السبعة أيام السابقة ليوم الكفارة في حجرة داخل الهيكل خارج بيته. وفي مدة هيكل سليمان كان شيوخ السنهدريم يلازمونه ويقرأون عليه أوامر الرب الخاصة بهذا اليوم مرارًا وتكرارًا. وكان يستظهرها حتى يحفظها جيدًا ويتدرب على أدائها... وفي الليلة السابقة لليوم كان يظل مستيقظًا حتى الصباح حتى لا يتعرض لحلم أو عارض ليل يدنس جسده، وكان الكهنة والشيوخ حوله حتى لا يغفل أو ينعس. ولما كان رئيس الكهنة يقوم بالخدمة وحده دون أن يراه أحد في قدس الأقداس، لذلك كان الكهنة والشيوخ يستحلفونه هكذا: "نستحلفك بمن أسكن اسمه في بيته أنك لا تغير شيئًا من كل ما نقوله لك". طقوس يوم الكفارة: يقوم رئيس الكهنة بأربع خدمات: أ. خدمة الصباح اليومية أو الدائمة على مدار السنة، وهي خاصة بالكهنة، لكنه في هذا اليوم يقوم بها رئيس الكهنة بنفسه. عند منتصف الليل تُلقى قرعة ليقوم الكهنة برفع الرماد عن المذبح حتى لا تقدم ذبائح يوم الكفارة على رماد قديم، ولتمييز هذا اليوم عن الأيام العادية. ثم يأخذون رئيس الكهنة إلى المغسل لغسل جسده ثم يغسل يديه ورجليه. يذكر التقليد اليهودي أن رئيس الكهنة يغتسل 5 مرات في هذا اليوم وعشر مرات يغسل يديه ورجليه، وأنه لا يغتسل في الحمام العادي وإنما في إناء ذهبي مخصص لهذا الغرض. هذا وإن كان شيخًا يحتاج إلى مياه دافئة، يسكبون في الإناء ماءً ساخنًا للتدفئة أو يضعون في المياه حديدًا ساخنًا لذات الغرض. يلبس رئيس الكهنة الملابس الفاخرة التي للمجد والبهاء (خر 28)، ويدخل القدس ويصلح السرج ويرفع البخور، ثم يقدم المحرقة الدائمة خروفًا حوليًا مع تقدمة عشر من الدقيق الملتوت بربع الهين من الزيت المرضوض وسكيبه ربع الهين من الخمر (خر 29: 38-42)، وكانت هذه تضاعف إن كان اليوم سبتًا (عد 28: 9-10). ب. خدمة الكفارة العظيم... وهي الخدمة التي وردت تفاصيلها في الأصحاح الذي بين أيدينا، نتعرض لها أثناء التفسير. ج. خدمة تقديم الذبائح الإضافية المقررة لهذا اليوم (عد 29: 7-11) حيث يُقدم رئيس الكهنة محرقات إضافية وهي ثور وكبش وسبع خراف حولية وتقدمتها ثلاثة أعشار دقيق ملتوت بالزيت عن الثور وعشران عن الكبش وعشر عن كل خروف، وسكائبها من الخمر نصف الهين عن الثور وثلث الهين عن الكبش وربع الهين عن الخروف الواحد. كما يقدم ذبيحة خطية أخرى من تيس من المعز. د. خدمة المساء اليومية أو الدائمة تماثل خدمة الصباح، يقوم بها رئيس الكهنة بملابسه الفاخرة. إذ حمل كلمة الله جسدنا جاء إلينا في عالمنا ليعيش في وسطنا وكأنه قضى عامًا يختمه بيوم الكفارة العظيم، فيكفر عن خطايانا ويحملنا إلى حضن أبيه، مستشفعًا فينا كرئيس الكهنة السماوي لا خلال دم ثيران وتيوس بل بدمه. يقول العلامة أوريجانوس: [تأمل أن الكاهن الحقيقي هو الرب يسوع المسيح (عب 4: 14) الحامل الجسد كمن يقضي عامًا كاملًا مع شعبه، إذ يقول بنفسه: "رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ" (إش 61: 1-2). في هذه السنة دخل في يوم الكفارة مرة واحدة إلى قدس الأقداس (خر 30: 10) عندما أكمل رسالته وصعد إلى السموات (عب 4: 14) عن يمين الآب، لحساب الجنس البشري، يشفع في كل المؤمنين به. يتحدث الرسول يوحنا عن هذه الكفارة التي لحساب البشر فيقول: "يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا، وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا" (1 يو 2: 1-2). ويعلن القديس بولس الرسول أيضًا عن هذه الكفارة بقوله عن المسيح: "الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره" (رو 3: 25). إذ يمتد يوم الكفارة حتى الغروب، أي حتى نهاية العالم، نقف أمام الباب ننتظر كاهننا الذي تَأَخَّر داخل قدس الأقداس، أي أمام الآب (1 يو 2: 1-2) يشفع في خطايا الذين ينتظرونه (عب 9: 28). لكنه لا يشفع في خطايا الجميع، إذ لا يشفع فمن هم من طرف التيس المرسل في البرية (لا 16: 9-10) بل الذين هم من طرف الرب وحدهم، الذين ينتظرونه أما الباب، لا يفارقون الهيكل عابدين بأصوام وطلبات ليلًا ونهارًا (لو 2: 37). أتظن أنك وأنت تأتي إلى الكنيسة في يوم العيد بكل أناقة (وترف) دون الإصغاء إلى الصوت الإلهي ولا مراعاة لوصاياه أنك من طرف الرب؟! إنيّ أود أن تسمعوا هذا وتجتهدوا لا في الإنصات لصوت الله في الكنيسة فحسب وإنما في ممارسة كلام الله في منازلكم، واللهج في ناموس الرب ليلًا ونهارًا (مز 1: 2)... هذا هو بالحق الانتظار أمام باب الكاهن الذي يتأخر داخل قدس الأقداس، به نُحسب من نصيب الرب]. إذ رأينا أهمية هذا اليوم العظيم وغايته وارتباطه بعمل السيد المسيح الكفاري، نتأمل في طقوسه كما وردت في سفر اللاويين مع الإشارة إلى الطقس اليهودي كما جاء في التقليد. 1. الدخول إلى قدس الأقداس: 1 وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى بَعْدَ مَوْتِ ابْنَيْ هَارُونَ عِنْدَمَا اقْتَرَبَا أَمَامَ الرَّبِّ وَمَاتَا. 2 وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «كَلِّمْ هَارُونَ أَخَاكَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ كُلَّ وَقْتٍ إِلَى الْقُدْسِ دَاخِلَ الْحِجَابِ أَمَامَ الْغِطَاءِ الَّذِي عَلَى التَّابُوتِ لِئَلاَّ يَمُوتَ، لأَنِّي فِي السَّحَابِ أَتَرَاءَى عَلَى الْغِطَاءِ. 3 بِهذَا يَدْخُلُ هَارُونُ إِلَى الْقُدْسِ: بِثَوْرِ ابْنِ بَقَرٍ لِذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ، وَكَبْشٍ لِمُحْرَقَةٍ. إذ خرجت نار من عند الرب وأكلت ابنيّ هرون ناداب وأبيهوا لأنهما قدما نارًا غريبة (لا 10) حدث رعب شديد عند هرون وابنيه الآخرين، إذ خاف الكل من اللقاء مع الله، فجاءت شريعة يوم الكفارة العظيم تعلن عن الاستعدادات اللازمة لرئيس الكهنة ليدخل باسم الجماعة كلها إلى قدس الأقداس مرة واحدة، إذ قيل: "وقال الرب لموسى: كلم هرون أخاك أن لا يدخل كل وقت إلى القدس داخل الحجاب أمام الغطاء الذي على التابوت لئلا يموت، لأنيّ في السحاب أتراءى على الغطاء" [2]. لم يكن ممكنًا حتى لرئيس الكهنة أن يدخل قدس الأقداس ليقف أمام غطاء تابوت العهد حيث يتراءى الله هناك على الغطاء، بين الكاروبين، على "كرسي الرحمة"... إنما يدخل مرة واحدة فقط كل سنة بعد ممارسة طقس طويل ودقيق واستعدادات ضخمة حتى لا يحسب مقتحمًا للموضع الإلهي ويموت. هذا العجز سره ليس إنحجاب الله عن شعبه أو كهنته، إنما هو ثمر طبيعي لفسادنا البشري الذي أعاقنا عن اللقاء مع القدوس. وكما يقول الرسول بولس: "معلنًا الروح القدس بهذا أن طريق الأقداس لم يظهر بعد" (عب 9: 8). كان الأمر يحتاج إلى تغيير جذري في طبيعتنا الفاسدة حتى تقدر خلال الدم الثمين أن تخترق الحجاب الذي انشق بالصليب وتدخل إلى الأقداس الإلهية تنعم بمعاينة المجد الإلهي والإتحاد مع الله. هذا هو ما تحقق بالمسيح يسوع ربنا رئيس الكهنة الأعظم الذي دخل بنا إلى مقدسه السماوي، قدس الأقداس الحقيقي. فطقس يوم الكفارة بكل دقائقه هو ظل لعمل السيد المسيح الذي شق حجاب الهيكل ونزع العداوة بين السماء والأرض، وصالحنا مع أبيه القدوس. كان الشعب كله يشتاق طول العام إلى هذه اللحظات التي يدخل فيها رئيس الكهنة إلى قدس الأقداس لمعاينة مجد الله فوق غطاء التابوت، وكأن الكل قد تمتع بما يناله رئيس الكهنة خلال هذه اللحظات. ونحن أيضًا إذ شق رئيس كهنتنا المصلوب حجاب الهيكل بالصليب وهب لنا فيه لا أن ندخل قدس أقداس في أورشليم الأرضية وإنما إلى السموات عينها لنتمتع بجسد الرب ودمه حياة أبدية. لم يكن ممكنًا لرئيس الكهنة أن يدخل إلاَّ خلال الذبيحة، إذ قيل "بهذا يدخل هرون إلى القدس، بثور ابن بقر لذبيحة خطية وكبش محرقة" [3]، يلزمه أن يكفر عن نفسه كما عن الشعب. وقد التحمت هنا ذبيحة الخطية بكبش المحرقة، وكما سبق فرأينا في دراستنا لطقس تطهير ذي السيل أن ذبيحة الخطية تُشير إلى غفران خطايانا، وذبيحة المحرقة تُشير إلى تقديم حياتنا ذبيحة طاعة للرب، فيلتحم الجانب السلبي مع الجانب الإيجابي. ندخل إلى الأقداس خلال الصليب الذي ينتزع عنا خطايانا ويهبنا برّ المسيح وطاعته! كان رئيس الكهنة ملتزمًا بشراء الثور والكبش من ماله الخاص... فما يقدمه للتكفير عن نفسه يقدمه من ماله، وما عن الكهنة من صندوق الكهنة، وأما ما عن الشعب فمن الصندوق العام للهيكل. كان رئيس الكهنة محتاجًا إلى دم آخر يشفع فيه وفي إخوته الكهنة وبنيه حتى يقدر أن يدخل قدس الأقداس، أما ربنا يسوع المسيح فقدم دمه هو عنا إذ لم يكن محتاجًا إلى تكفير. يتحدث القديس أغسطينوس عن تقديم الكهنة الذبائح عن أنفسهم، قائلًا: [الذبائح تدين الكهنة، فإذا ما ادعى أحدهم أنه بار وبلا خطية تجيبه: إننيّ لا أتطلع إلى ما تقوله بل إلى ما تقدمه، فذبيحتك تحكم عليك. لماذا تقدم ذبيحة عن خطاياك لو كنت بل خطية؟! هل تكذب على الله بتقديمك ذبيحتك...؟! إننيّ يا أخوة كاهن الله، أنا خاطئ، أقرع معكم صدري، وأطلب معكم الصفح، أترجى معكم مراحم الله]. 4 يَلْبَسُ قَمِيصَ كَتَّانٍ مُقَدَّسًا، وَتَكُونُ سَرَاوِيلُ كَتَّانٍ عَلَى جَسَدِهِ، وَيَتَنَطَّقُ بِمِنْطَقَةِ كَتَّانٍ، وَيَتَعَمَّمُ بِعِمَامَةِ كَتَّانٍ. إِنَّهَا ثِيَابٌ مُقَدَّسَةٌ. فَيَرْحَضُ جَسَدَهُ بِمَاءٍ وَيَلْبَسُهَا. إذ ينتهي رئيس الكهنة من الخدمة الصباحية الدائمة ليبدأ طقس يوم الكفارة يخلع ملابسه الذهبية التي للمجد ويرحض جسده ثم يرتدي ملابس كتانية خاصة بهذا اليوم تتكون من: قميص، سروال، منطقة، عمامة (خر 28: 40-42)، وهي ملابس كهنة عادية، ربما لكي لا يتعالَى أو يستكبر، أو ليشعر أن طقس هذا اليوم إنما لنزع خطاياه مع خطايا إخوته وبنيه من الكهنة والشعب. رئيس كهنتنا ربنا يسوع لم يكن في حاجة إلى غسالات جسدية أو روحية، فهو القدوس الذي بلا خطية، الذي يقدسنا بدمه. إنه لا يلبس ثيابًا كتانية في ذلك اليوم بل سلم ثيابه يقتسمها الجند فيما بينهم ليُرفع على الصليب عريانًا، فيكسونا بثوب بره. يهبنا ذاته كثوب بر نرتديه، كقول الرسول: "لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح" (غلا 3: 27). سبق لنا الحديث عن الثياب الكهنوتية في دراستنا لسفر الخروج وأيضًا في تفسيرنا للأصحاح الثامن من هذا السفر، والآن نكتفي بتعليق العلامة أوريجانوس عن هذه الثياب التي يرتديها المؤمن بكونه كاهنًا عامًا (سبق لنا في أكثر من موضع التمييز بين الكهنوت العام الذي نناله في سرّ العماد حيث نحسب أعضاء في جسد ربنا يسوع لنا حق تقديم ذبائح الحمد والشكر... وبين الكهنوت الذي نناله لممارسة الأسرار الكنسية والعمل الرعوي). يقول العلامة أوريجانوس: [إن دخلنا في كل ساعة إلى القدس بغير استعداد دون أن نرتدي الثياب الكهنوتية وإن نقدم الذبائح التي أُمرنا بها، من غير أن نجعل الله أولًا في حياتنا نموت، لأننا لا نتمم ما يلزم عمله عند الاقتراب من مذبح الرب. فالشريعة الواردة هنا تخصنا جميعًا، إذ تقدم لنا الطريق الذي به نقترب من مذبح الرب. يوجد مذبح عليه نقدم صلواتنا، يليق بنا أن نعرف كيف نقدمها. لنعرف أنه يجب أن تنزع "الثياب القذرة" (زك 3: 4)، أي دنس الجسد ورذيلة السلوك وقذارة الشهوات... إن كان لك كهنوت (عام) ملوكي، إذن "فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ للهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ" (عب 13: 15)، ذبيحة الصلاة، ذبيحة الرحمة، ذبيحة الطهارة والبر والقداسة. ولكي تقدمها باستحقاق يلزمك أن ترتدي ثيابًا طاهرة مميزة عن ثياب بقية الناس، وأن تكون لك نار إلهية وليست نار غريبة عن الرب، بل تلك التي يهبها الرب للبشر كقول ابن الله: "جئت لألقي نارًا على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت؟!" (لو 12: 49). من يستخدم نارًا غير هذه مضادة لها كتلك التي قيل عنها: "يغير شكله إلى شبه ملاك نور" (2 كو 11: 14)، يتعرض للسقوط تحت ذات العقوبة التي سقط تحتها ناداب وأبيهو (لا 10)]. ["يلبس قميص كتان مقدسًا" [4]. الكتان يأتي عن الأرض (كنبات مزروع)، فهو إذًا قميص مقدس لبسه المسيح الكاهن الحقيقي عندما حمل طبيعة الجسد الأرضي، إذ قيل عن الجسد: "أنت تراب وإلى تراب تعود" (تك 3: 19). لقد أراد الرب أن يقيم الجسد الذي صار ترابًا فأخذ الجسد الترابي لكي يرفعه عن الأرض ويحمله إلى السماء... بالحقيقة إن قميص جسد المسيح المقدس، لأنه لم يُحبل به من زرع بشر لكنه مولود بالروح القدس. "وتكون سراويل كتان على جسده" [4]. عادة السراويل تغطي أجزاء الجسم التناسلية. لنتأمل في مخلصنا الذي أخذ جسدًا به تمم الأعمال البشرية من أكل وشرب وما شبه ذلك لكنه لم يتزوج... وأيضًا يليق بكل إنسان يحيا زاهدًا أن يلبس سروال كتان مقدسًا تحيط بأعضائه التي بلا كرامة لتعطيها كرامة أعظم... "يتمنطق بمنطقة كتان" [4]. وقد سبق فأظهرنا أن يوحنا المعمدان وإيليا كان لهما منطقة من جلد حول متنيهما... تُشير إلى إماتة هذا الجزء، أي إلى العفة والطهارة... "ويتعمم بعمامة كتان" [4]. ما نسميه عمامة هو زينة توضع على الرأس، يستخدمها الكاهن عند تقديم التقدمات... هكذا ليُزين كل منا رأسه بزينة كهنوتية. فإن كان المسيح هو رأس الرجل (1 كو 11: 3) يليق بنا أن نسلك بطريقة بها ننعم بمجد المسيح]. 3. ذبائح عن نفسه وعن الشعب: 5 وَمِنْ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَأْخُذُ تَيْسَيْنِ مِنَ الْمَعْزِ لِذَبِيحَةِ خَطِيَّةٍ، وَكَبْشًا وَاحِدًا لِمُحْرَقَةٍ. 6 وَيُقَرِّبُ هَارُونُ ثَوْرَ الْخَطِيَّةِ الَّذِي لَهُ، وَيُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ بَيْتِهِ. 7 وَيَأْخُذُ التَّيْسَيْنِ وَيُوقِفُهُمَا أَمَامَ الرَّبِّ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ. 8 وَيُلْقِي هَارُونُ عَلَى التَّيْسَيْنِ قُرْعَتَيْنِ: قُرْعَةً لِلرَّبِّ وَقُرْعَةً لِعَزَازِيلَ. 9 وَيُقَرِّبُ هَارُونُ التَّيْسَ الَّذِي خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ لِلرَّبِّ وَيَعْمَلُهُ ذَبِيحَةَ خَطِيَّةٍ. 10 وَأَمَّا التَّيْسُ الَّذِي خَرَجَتْ عَلَيْهِ الْقُرْعَةُ لِعَزَازِيلَ فَيُوقَفُ حَيًّا أَمَامَ الرَّبِّ، لِيُكَفِّرَ عَنْهُ لِيُرْسِلَهُ إِلَى عَزَازِيلَ إِلَى الْبَرِّيَّةِ. 11 «وَيُقَدِّمُ هَارُونُ ثَوْرَ الْخَطِيَّةِ الَّذِي لَهُ وَيُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ بَيْتِهِ، وَيَذْبَحُ ثَوْرَ الْخَطِيَّةِ الَّذِي لَهُ، إذ سبق فقدم رئيس الكهنة ذبيحتي خطية ومحرقة عن نفسه [3] قل ارتدائه الملابس الكهنوتية، نجده الآن يأخذ تيسين من المعز لذبيحة الخطية واحدًا كمحرقة من مال الجماعة. عند تقديمه ثور الذبيحة عن نفسه وعن الكهنة يعترف رئيس الكهنة بخطاياه وخطايا الكهنة، قائلًا: "أيها الإله (يهوه)، لقد أخطأت وعصيت أنا وبيتي. لذلك أتوسل إليك يا الله (يهوه) أن تكفر عن خطاياي وآثامي ومعاصي التي ارتكبتها أمامك أنا وبيتي- كما كتب في ناموس موسى عبدك: لأنه في ذلك اليوم يكفر عنكم ويغسلكم، من كل معاصيكم أمام يهوه تغسلون". ويلاحظ أنه في هذا الاعتراف يذكر اسم "يهوه" ثلاث مرات. ويكرر الاسم "يهوه" ثلاث مرات أخرى حين يعترف على نفس الثور باسم الكهنة، مرة سابعة يذكر اسم يهوه عندما يعمل قرعة على التيسين ليكون أحدهما من نصيب يهوه. ثم يعترف ذاكرًا الاسم ثلاث مرات أخرى حين يعترف وهو يضع يده على رأس التيس الذي يحمل خطايا الشعب. في هذه المرات العشرة التي ينطق فيها اسم يهوه، إذ ينطق بالاسم يسقط الواقفون بجواره بوجوههم إلى الأرض بينما تردد الجموع العبارة: "مبارك هو الاسم، المجد لملكوته إلى أبد الأبد". بعد ذلك "يأخذ التيسين ويوقفهما أمام الرب لدى باب خيمة الاجتماع، ويلقي هرون على التيسين قرعتين: قرعة للرب وقرعة لعزازيل" [7-8]. يقدم هذين التيسين كذبيحة واحدة عن الخطية، واحد يُذبح عن خطايا الشعب والآخر يُطلق في البرية لإعلان حمل الخطية ورفعها. كانت القرعة تتم هكذا بأن يوقفهما رئيس الكهنة أمام باب خيمة الاجتماع ووجهيهما إلى الغرب، ويقف كاهنان واحد عن يمين رئيس الكهنة والآخرعن يساره، وكذلك يُوقف التيسان. ويهز رئيس الكهنة صندوقًا صغيرًا به قطعتان رقيقتان صغيرتان من الأبنوس (صارتا بعد ذلك من الذهب) كتب على الواحدة "ليهوه"، وعلى الأخرى "لعزازيل"، ويضع الواحدة على أحد التيسين والأخرى على الآخر، وهو يقول "للرب ذبيحة خطية، وتُقرأ الكتابة على كل قطعة، فإن كانت التي على يمينه "ليهوه" يقول الكاهن الذي على يمين رئيس الكهنة: "إرفع يمينك للعلى"، وإن كانت التي على يساره يقول الكاهن الآخر "إرفع يسراك"، ويميز التيس الذي ليهوه عن الآخر، بوضع خيط أحمر من الصوف حول رأس التيس الذي للرب أو على قرنيه، بينما يميز الآخر بخيط قرمزي. يلاحظ أن التيسين كانا متشابهين في الحجم والشكل والقيمة، وإن أمكن يشتريا في وقت واحد، هذا وكان الاتجاه العام إلى التفاؤل إن جاء التيس الذي على يمين يهوه والآخر لعزازيل. هناك تفاسير كثيرة لكلمة "عزازيل"، يمكن اختصارها في الآتي: أولًا: يرى البعض أن عزازيل اسم شخص، يعني به الشيطان. إن انطلاق التيس في البرية يُشير إلى قوة الذبيحة التي تتحدى الشيطان، وكأن السيد المسيح الذبيح قد جاء ليُحطم إبليس في عقر داره. ثانيًا: الرأي الغالب إن كلمة "عزازيل" تعني "الإقصاء التام" أو العزل الكامل، وكأن ذبح التيس الأول يُشير إلى حمل السيد للخطية للتكفير عنها، أما إطلاق الآخر فيُشير إلى انتزاعها تمامًا وإقصائها بعيدًا عن الشعب. ثالثًا: يرى البعض في التيس الذي يطلق في البرية باسم عزازيل أي "العزل الكامل" رمزًا لعجز الذبيحة الحيوانية عن تحقيق الخلاص الحقيقي، فإطلاق التيس في البرية يعني أن التيس قد انطلق إلى مكان غير مسكون حتى يأتي حمل الله الحقيقي القادر وحده أن يرفع خطايانا كقول إشعياء النبي أن يهوه قد وضع إثمنا عليه (إش 53: 6). يرى العلامة أوريجانوس في عمل القرعة على التيسين ليكون أحدهما للرب والآخر لعزازيل إشارة إلى وجود أبرار وأشرار في وسط الجماعة، الأبرار من نصيب الرب والأشرار من نصيب عزازيل، إذ يقول: [لو كان كل الشعب قديسين ومطوبين لما كانت تصنع قرعة على التيسين، ويرسل أحدهما إلى البرية بينما يُقدم الآخر للرب، إذ يكون الكل نصيبًا واحدًا للرب الواحد. بالحقيقة يوجد في الجماعة التي تقترب من الرب من هم منتسبون للرب بينما يلزم إرسال آخرين إلى البرية، إذ يستحقون الطرد والعزل عن تقدمة الرب. لهذا السبب يُقدم نصيب من التقدمة أي تيس للرب، أما الآخر فيطلق خارجًا، يرسل إلى البرية، ويُسمى التيس المطلق]. مرة أخرى يقول بأن التيسين يمثلان فريقين، يتأهل أحدهما أن يدخل دمه إلى المقدسات الإلهية ويكون من نصيب الرب، أما الفريق الآخر فيلقى في البرية الجافة عن كل فضيلة والقفرة من كل صلاح. هذا التمايز يظهر عندما تنتهي حياة كل واحٍد منا، إذ قيل: "فَمَاتَ الْمِسْكِينُ وَحَمَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ. وَمَاتَ الْغَنِيُّ أَيْضًا وَدُفِنَ، فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ فِي الجَحِيمِ..." (لو 16: 22-23). الأول حملته الملائكة كخدام الرب كما إلى مذبحه المقدس، بكونه نصيب الرب، والثاني انطلق إلى الهاوية إلى أماكن العذاب كمن يُترك في البرية. يقول: [أتريد أن تعرف أن هذا الكلام يخصنا نحن؟ الحيوانان اللذان يُلقى عليهما القرعة ليسا دنسين ولا هما بغريبين عن هيكل الرب، وإنما هما طاهران وكان يمكن استخدامهما كذبائح عادية. إنهما يمثلان من هم ليسوا خارج الإيمان بل داخله، لأن التيس حيوان طاهر يجوز تقديمه على المذبح الإلهي. أنت أيضًا مكرس بنعمة المعمودية لمذبح الرب، إنك طاهر! لكنك إن لم تحفظ وصايا الرب تسمع: "ها أنت قد برئت، فلا تخطئ لئلا يكون لك أشر" (يو 5: 14). لقد تطهرت فلا تتدنس مرة أخرى بدنس الخطايا، ولا تتحول من الفضيلة إلى التراخي، ومن الطهارة إلى الدنس خلال الرذيلة، لئلا وأنت طاهر تُسلم كالتيس الحيّ نصيبًا للبرية]. [أتُريد أن ترى صورة للقرعة؟ تأمل اللصين اللذين كانا عند الصليب معلقين "وَاحِدًا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ" (لو 23: 33). أنظر، الذي اعترف بإيمانه بالرب صار من نصيب الرب وانقاد لا شعوريًا إلى الفردوس، أما الذي جدف فصار نصيبه كالتيس الحيّ الذي انقاد إلى برية الجحيم. أيضًا قيل: "بِالصَّلِيبِ.. جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ" (كو 2: 14-15)... أين جردهم إلاَّ في البرية، في الأماكن القفرة؟! ]. [قُدم التيس الأول ذبيحة للرب بينما طُرد الثاني حيًا. إسمع في الأناجيل يقول بيلاطس للكهنة وللشعب اليهودي: "من تريدون أن أطلق لكم: باراباس أم يسوع الذي يُدعى المسيح؟!" (مت 27: 17). حينئذ صرخ كل الشعب أن يطلق باراباس لكي يُسلم يسوع للموت]. 12 وَيَأْخُذُ مِلْءَ الْمَجْمَرَةِ جَمْرَ نَارٍ عَنِ الْمَذْبَحِ مِنْ أَمَامِ الرَّبِّ، وَمِلْءَ رَاحَتَيْهِ بَخُورًا عَطِرًا دَقِيقًا، وَيَدْخُلُ بِهِمَا إِلَى دَاخِلِ الْحِجَاب 13 وَيَجْعَلُ الْبَخُورَ عَلَى النَّارِ أَمَامَ الرَّبِّ، فَتُغَشِّي سَحَابَةُ الْبَخُورِ الْغِطَاءَ الَّذِي عَلَى الشَّهَادَةِ فَلاَ يَمُوتُ. يملأ رئيس الكهنة المجمرة الذهبية الخاصة به من جمر النار عن مذبح المحرقة، وهي النار التي من لدن الرب (لا 9: 24)، ثم يضع ملء حفنتيه من البخور العطر الدقيق "الناعم" (خر 30: 34-37) في إناء صغير ذهبي، وإذ كانت العادة أن يمسك البخور بيمينه والمجمرة بيساره، ففي هذه المناسبة لضخامة حجم المجمرة يُصرح له بالعكس أن يمسك المجمرة بيمينه والبخور بيساره ليدخل للمرة الأولى إلى قدس الأقداس بجنبه كي لا يتطلع بعينيه إلى تابوت العهد، هنا يختفي رئيس الكهنة عن الأنظار ليبقى وحده في قدس الأقداس. يضع المجمرة على الأرض على حجر ضخم ويملأها بخورًا فيمتلئ قدس الأقداس بسحابة البخور لتحجب تابوت العهد عن عينيه فلا يموت. يُقدم رئيس الكهنة الصلاة التالية بسرعة دون إطالة حتى لا يقلق الشعب عليه: [إن حسن في عينيك أيها الرب إلهنا. وإله آبائنا، ألا يحل بنا سبي في هذا اليوم ولا خلال هذا العام. نعم وإن حلّ بنا سبي هذا اليوم أو هذا العام فيكون إلى موضع فيه تمارس الشريعة. إن حسن في عينيك أيها الرب إلهنا وإله آبائنا ألا يحل بنا عوز هذا اليوم ولا هذا العام. وإن حلّ بنا عوز هذا اليوم أو هذا العام فليكن هذا عن جود أعمالنا المحبة. إن حسن في عينيك أيها الرب إلهنا وإله آبائنا أن يكون هذا العام عام رخاء وفيض ومعاملات وتجارة، عام مطر غزير وشمس وندى، فلا يحتاج فيه شعبك إسرائيل عونًا من آخر. ولا تسمع لصلاة المسافرين (ربما بامتناع المطر). أما من جهة شعبك إسرائيل فليته لا يتعظم عدو عليه. إن حسن في عينيك أيها الرب إلهنا وإله آبائنا ليت بيوت أهل شرون لا تكون قبورًا لهم (ربما لأجل تعرضهم للفيضانات المفاجئة)]. يخرج رئيس الكهنة من قدس الأقداس بظهره حتى يكون وجهه متجهًا أمام الرب. نستطيع أن نرى في النار التي حملها رئيس الكهنة في المجمرة إشارة إلى تجسد الكلمة، إذ حلّ بملء لاهوته في أحشاء البتول، المجمرة الذهب. وقد وضع ملء يديه من البخور الدقيق إشاره إلى حمله أعماله المقدسة التي قدمها السيد المسيح بيديه المبسوطتين على الصليب لتفيح رائحته الذكية فينا. يمتلئ قدس الأقداس برائحته الذكية، وكأن السموات تشتم رائحة المسيح الذكية فينا فيتمجد الآب بنا نحن أعضاء جسد ابنه وحيد الجنس، فإن ما يُقدمه رئيس الكهنة السماوي أي ربنا يسوع المسيح من أعمال مقدسة تحمل رائحته، إنما يقدمها باسمنا. ولحسابنا، واهبًا إيانا نحن أيضًا أن نحمل إلى قدس الأقداس أعماله ورائحته. يقول العلامة أوريجانوس: [أتعتقد أن ربنا -الكاهن الحقيقي- يتنازل ويأخذ منيّ أنا أيضًا نصيبًا من محتوى البخور الرقيق ليحمله معه إلى الآب؟! أتظن أنه يجد فيَّ قليلًا من الشعلة والمحرقة المنيرة فيتنازل ويأخذ هذا الفحم المملوء بخورًا ويقدمه للآب رائحة ذكية؟! طوبى لمن وجد عنده فحم المحرقة ملتهبًا بالنار المنعشة فيحكم عليه أنه مستحق أن يوضع على مذبح البخور! طوبى لمن كان قلبه رقيقًا وروحانيًا لديه الفضائل المذكاه فيتنازل الرب ويملأ يديه ليقدم للآب منه رائحة ذكية! وبالعكس الويل للنفس التي انطفأ فيها نار الإيمان وبردت فيها شعلة المحبة، إذ يأتي كاهننا الحقيقي ليطلب منها الفحم الملتهب المضيء ليقدم بخورًا للآب فلا يجد إلاَّ رمادًا يابسًا ونارًا منطفئة! هذا هو حال الذين يبتعدون عن كلام الرب وينسحبون منه حتى لا يسمعون فيلتهبوا بالإيمان عند سماعهم للكلمات الإلهية ويحترقوا بالحب. أتريد أن أظهر لك النار النابعة عن كلمات الروح القدس التي تشعل قلوب المؤمنين؟ إسمع داود النبي يقول في المزمور [كلام الرب ألهب قلبي] (مز 119: 140). أيضًا مكتوب في الإنجيل أن كلوباس بعدما تحدث معه الرب قال: "ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب؟!" (لو 24: 32). وأنت أيضًا من أين تأتيك الحرارة؟ كيف تجد فحم النار في داخلك إن لم تحترق دومًا بكلام الرب وتلتهب بكلمات الروح القدس؟! إسمع داود أيضًا يقول: "حَمِيَ قَلْبِي فِي جَوْفِي. عِنْدَ لَهَجِي اشْتَعَلَتِ النَّارُ" (مز 39: 3)]. 14 ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْ دَمِ الثَّوْرِ وَيَنْضِحُ بِإِصْبَعِهِ عَلَى وَجْهِ الْغِطَاءِ إِلَى الشَّرْقِ. وَقُدَّامَ الْغِطَاءِ يَنْضِحُ سَبْعَ مَرَّاتٍ مِنَ الدَّمِ بِإِصْبَعِهِ. يتسلم رئيس الكهنة إناء الدم من الكاهن ويدخل للمرة الثانية إلى قدس الأقداس، وينضح بأصبعه مرة واحدة على غطاء التابوت من ناحيته الشرقية، أي المواجهة للخارج، ثم ينضح سبع مرات على أرضية قدس الأقداس أمام التابوت. بعد هذا يخرج إلى القدس ويترك إناء الدم في مكان معد لذلك على قاعدة ذهبية ثم يخرج خارجًا. يقول العلامة أوريجانوس: [ليكن النضح من جانب الشرق [14]، لا تظن أن هذا الكلام لغو، فمن الشرق تأتيك الكفارة، من ذاك الذي دعى "الشرق" [(زك 6: 12) - الترجمة السبعينية]، ذاك الذي هو وسيط بين الله والناس" (1 تي 2: 5). فالدعوة موجهة إليك لكي تنظر إلى الشرق أبديًا (با 4: 36)، لكي يشرق عليك شَمْسُ الْبِرِّ (ملا 3: 2؛ 4: 2) واهبًا إياك النور فلا تسلك في الظلام قط (يو 12: 35). فلا يمسك بك الظلام في الأيام الأخيرة، ولا يستخدمك الليل المظلم، إنما تكون على الدوام في النور، في بهاء المعرفة، يكون لك الإيمان العظيم بدون توقف وتتمتع بنور المحبة والسلام بلا انقطاع]. 6. تقديم التيس الأول: 15 «ثُمَّ يَذْبَحُ تَيْسَ الْخَطِيَّةِ الَّذِي لِلشَّعْبِ، وَيَدْخُلُ بِدَمِهِ إِلَى دَاخِلِ الْحِجَابِ. وَيَفْعَلُ بِدَمِهِ كَمَا فَعَلَ بِدَمِ الثَّوْرِ: يَنْضِحُهُ عَلَى الْغِطَاءِ وَقُدَّامَ الْغِطَاءِ، 16 فَيُكَفِّرُ عَنِ الْقُدْسِ مِنْ نَجَاسَاتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَمِنْ سَيِّئَاتِهِمْ مَعَ كُلِّ خَطَايَاهُمْ. وَهكَذَا يَفْعَلُ لِخَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ الْقَائِمَةِ بَيْنَهُمْ فِي وَسَطِ نَجَاسَاتِهِمْ. 17 وَلاَ يَكُنْ إِنْسَانٌ فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ مِنْ دُخُولِهِ لِلتَّكْفِيرِ فِي الْقُدْسِ إِلَى خُرُوجِهِ، فَيُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ بَيْتِهِ وَعَنْ كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ. 18 ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الْمَذْبَحِ الَّذِي أَمَامَ الرَّبِّ وَيُكَفِّرُ عَنْهُ. يَأْخُذُ مِنْ دَمِ الثَّوْرِ وَمِنْ دَمِ التَّيْسِ وَيَجْعَلُ عَلَى قُرُونِ الْمَذْبَحِ مُسْتَدِيرًا. 19 وَيَنْضِحُ عَلَيْهِ مِنَ الدَّمِ بِإِصْبَعِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ، وَيُطَهِّرُهُ وَيُقَدِّسُهُ مِنْ نَجَاسَاتِ بَنِي إِسْرَائِيلَ. يُذبح التيس الأول الذي وقعت قرعته إنه ليهوه، ويفعل بدمه كما فعل بدم الثور، إذ ينضح على الغطاء وقدام الغطاء على الأرض، ثم يخرج ليضع الوعاء على قاعدة ذهبية. "فيكفر عن القدس من نجاسات بني إسرائيل ومن سيآتهم مع كل خطاياهم. وهكذا يفعل لخيمة الاجتماع القائمة بينهم في وسط نجاساتهم" [16]. يكفر رئيس الكهنة بالدم عن القدس لئلا يكون قد أساء إليه أحد من بني إسرائيل كهنة أو شعبًا - طالبًا مراحم الله على البيت حتى لا يتركه الرب بسبب خطاياهم. فقد أسلم الرب تابوت العهد لأيدي الفلسطينيين (1 صم 4: 11)، كما أسلم الهيكل وأوانيه للبابليين (2 مل 25: 8-17) بسبب رجاسات بني إسرائيل المتكررة. يتم هذا التكفير بمزج دم الثور بدم التيس في القدس، ثم ينضح رئيس الكهنة على القدس ومشتملاته ثم يخرج خارجًا لينضح على الدار الخارجية. وكأن رئيس الكهنة يعترف أنه هو والكهنة والشعب يخطئون في حق الله وبيته ويطلبون المغفرة في استحقاقات الذبيحة حتى يبقى الله حالًا في وسطهم خلال بيته المقدس. يتم ذلك في الوقت الذي فيه ينتظر الكهنة مع الشعب في الدار الخارجية، بينما يقوم رئيس الكهنة بالعمل في قدس الأقداس بمفرده، إشارة إلى السيد المسيح الذي وحده دخل إلى الأقداس السماوية بدمه لتقديسنا، وكما يقول الرسول: "لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة وصار أعلى من السموات" (عب 7: 26). بقوله: "لاَ يَكُنْ إِنْسَانٌ فِي خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ مِنْ دُخُولِهِ لِلتَّكْفِيرِ فِي الْقُدْسِ إِلَى خُرُوجِهِ، فَيُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ بَيْتِهِ وَعَنْ كُلِّ جَمَاعَةِ إِسْرَائِيلَ" [17]. يعلن أنه لا يستطيع أحد من البشر أن يقوم بدور الكفارة إنما الحاجة إلى رئيس الكهنة الفريد ربنا يسوع المسيح. يقول القديس أغسطينوس: [اعتاد رئيس الكهنة أن يدخل قدس الأقداس بمفرده لكي يطلب عن الشعب ولا يدخل معه أحد إلى المقدس الداخلي هكذا يدخل رئيس كهنتنا الأماكن السرية للسموات في قدس الأقداس الحقيقي، أما نحن فلازلنا هنا نصلي]. ويقدم لنا العلامة أوريجانوس تعليقًا روحيًا على هذه العبارة بقوله: [أظن أن الذي يتبع المسيح يخترق معه إلى داخل الخيمة ويصعد معه إلى أعلى السموات، لا يكون بعد إنسانًا وإنما يكون كالقول "كملاك الله" (مت 22: 30)، وتكمل فيه كلمات الرب: "أنا قلت إنكم آلهة وبنو العلي كلكم" (مز 82: 6). إذن لنكن مع الرب بروح واحد، وفي مجد قيامته نعبر إلى طقس الملائكة، وبهذا لا يكون هناك إنسان]. بمعنى آخر إذ انطلق ربنا يسوع المسيح إلى الأقداس يكفر عنا، لا يقدر إنسان أن يكون معه ما لم يتحد فيه كعضو في جسده المقدس فنُحسب كسمائيين، نحمل حياته السماوية فينا! 7. تقديم التيس الثاني: 20 «وَمَتَى فَرَغَ مِنَ التَّكْفِيرِ عَنِ الْقُدْسِ وَعَنْ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَعَنِ الْمَذْبَحِ، يُقَدِّمُ التَّيْسَ الْحَيَّ. 21 وَيَضَعُ هَارُونُ يَدَيْهِ عَلَى رَأْسِ التَّيْسِ الْحَيِّ وَيُقِرُّ عَلَيْهِ بِكُلِّ ذُنُوبِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَكُلِّ سَيِّئَاتِهِمْ مَعَ كُلِّ خَطَايَاهُمْ، وَيَجْعَلُهَا عَلَى رَأْسِ التَّيْسِ، وَيُرْسِلُهُ بِيَدِ مَنْ يُلاَقِيهِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ، 22 لِيَحْمِلَ التَّيْسُ عَلَيْهِ كُلَّ ذُنُوبِهِمْ إِلَى أَرْضٍ مُقْفِرَةٍ، فَيُطْلِقُ التَّيْسَ فِي الْبَرِّيَّةِ. بعد تقديم التيس الأول بذبحه والتكفير بدمه، يأتي دور التيس الثاني الذي لعزازيل [20]، الذي يوقف أمام الباب خيمة الاجتماع ليعرضه أمام الله ثم يضع رئيس الكهنة يديه على رأسه وكأنه يلقي بكل الخطايا عليه، ويعترف عن خطاياه وخطايا الشعب كما سبق فرأينا قبلًا وبنفس العبارات. يُرسل التيس مع أحد الكهنة يعينه رئيس الكهنة ليطلقه في البرية عند صخرة تسمى "زك" على جبل عالٍ، تبعد حوالي 12 ميلًا من أورشليم بينما يوجد عشرة أكواخ على بعد ميل من كل كوخ وآخر، وعندما يصل الكاهن إلى كوخ يخرج منه رجل يصحبه في الطريق حتى الكوخ التالي وهكذا، وإذ يصل الكاهن إلى الصخرة يقطع الخيط القرمزي المربوط به التيس إلى جزئين، يربط جزءًا منه في الصخرة، والآخر بقرني التيس، ثم يلقى بالتيس من أعلى الصخرة ليسقط ميتًا فلا يستخدمه أحد. وإن كان الطقس حسب الكتاب المقدس أمر بإطلاقه لا بقتله. إذ يلقي الكاهن التيس من الصخرة يُعطي إشارة بعلم خاص يراها من هو بالكوخ الأخير، وذاك يعطي إشارة يراها الذي قبله، وهكذا في لحظات يصل الخبر إلى أورشليم في الهيكل أن التيس قد طرد... فيشعر الشعب كله براحة خاصة، كأن خطاياهم طوال العام قد طردت عنهم. يُقدم لنا العلامة أوريجانوس تفسيرًا رمزيًا للتيس الحيّ الذي يطلق في البرية، إذ يقول: [التيس الحيّ المطلق يخفي وراءه معنى الطرد أو الرفض. تستطيع أن تفهم ذلك بمثال: إن صعد في قلبك فكر رديء كاشتهاء امرأة قريبك أو امتلاك ما هو لجارك، اعلم أن هذا الفكر من نصيب التيس المطلق. القه عنك دفعة واحدة، أطرده من قلبك! تقول: كيف ألقه عني؟ إن كان فيك استقامة الرجل المستعد، أي أن كان بين يديك النص الإلهي، وكانت وصايا الرب أمام عينيك، فبالحقيقة تكون مستعدًا أن تلقي عنك ما هو نصيب الغريب وتطرده عنك. أيضًا إن صعد إلى قلبك غضب أو حقد أو حسد أو شراسة لكي تتعقب أخاك (هو 12: 3)، كن مستعدًا أن تلقي هذه الأمور وتطردها في البرية. وعلى العكس إن صعد إلى قلبك أفكار من الرب (1 كو 7: 34) من تسامُح وتقوى وسلام فلترتفع لكي تقدم على المذبح إذ هي نصيب الرب، يأخذها الكاهن وتتصالح مع الرب]. نختم حديثنا عن هذا التيس المطلق كمن هو مرفوض ومطرود في البرية بما جاء في رسالة برناباس في القرن الثاني الميلادي إنه يمثل السيد المسيح الذي حمل اللعنة وصار من أجلنا مطرودًا، أما الخيط القرمزي الذي يتوج به رأسه فيُشير إلى ظهوره في اليوم العظيم أما الذين سخروا به وطعنوه ويدركون أنهم صلبوا ابن الله. هذا وإن وجود هذا الخيط القرمزي على رأسه هو إعلان عن التزام تابعيه أن يحتملوا الألم حتى الموت من أجله. هذا ويرى العلامة ترتليان في التيس المطلق تكميلًا لعمل التيس الأول الذي ذُبح، فالمقدم على المذبح كذبيحة خطية يُشير إلى ذبيحة المسيح التي يتناولها الكهنة الروحيون الساكنون في بيت الرب، أما التيس المطلق فيُشير إلى ذات الذبيحة بكون السيد المسيح الذبيح قد طُرد خارج المحلة. 8. تقديم المحرقات وذبيحة الخطية: 23 ثُمَّ يَدْخُلُ هَارُونُ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَيَخْلَعُ ثِيَابَ الْكَتَّانِ الَّتِي لَبِسَهَا عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى الْقُدْسِ وَيَضَعُهَا هُنَاكَ. 24 وَيَرْحَضُ جَسَدَهُ بِمَاءٍ فِي مَكَانٍ مُقَدَّسٍ، ثُمَّ يَلْبَسُ ثِيَابَهُ وَيَخْرُجُ وَيَعْمَلُ مُحْرَقَتَهُ وَمُحْرَقَةَ الشَّعْبِ، وَيُكَفِّرُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنِ الشَّعْبِ. 25 وَشَحْمُ ذَبِيحَةِ الْخَطِيَّةِ يُوقِدُهُ عَلَى الْمَذْبَحِ. 26 وَالَّذِي أَطْلَقَ التَّيْسَ إِلَى عَزَازِيلَ يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَرْحَضُ جَسَدَهُ بِمَاءٍ، وَبَعْدَ ذلِكَ يَدْخُلُ إِلَى الْمَحَلَّةِ. 27 وَثَوْرُ الْخَطِيَّةِ وَتَيْسُ الْخَطِيَّةِ اللَّذَانِ أُتِيَ بِدَمِهِمَا لِلتَّكْفِيرِ فِي الْقُدْسِ يُخْرِجُهُمَا إِلَى خَارِجِ الْمَحَلَّةِ، وَيُحْرِقُونَ بِالنَّارِ جِلْدَيْهِمَا وَلَحْمَهُمَا وَفَرْثَهُمَا. 28 وَالَّذِي يُحْرِقُهُمَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَرْحَضُ جَسَدَهُ بِمَاءٍ، وَبَعْدَ ذلِكَ يَدْخُلُ إِلَى الْمَحَلَّةِ. إذ ينتهي رئيس الكهنة من خدمة يوم الكفارة يدخل إلى القدس ويخلع الثياب الكتانية ويستعد لارتداء الملابس التي للمجد (خر 28) ويقوم بتقديم المحرقات عن نفسه وعن الشعب بعد أن يرحض جسده. لم يكن ممكنًا لرئيس الكهنة أن يقدم المحرقات التي هو موضوع سرور الله إلاَّ بعد التكفير عن نفسه والكهنة وعن كل الشعب خلال ذبيحة الخطية. إذ لا يقدر المؤمن أن يُقدم ذبيحة التسبيح والفرح إلاَّ بعد تقديم التوبة لنوال المغفرة في استحقاقات الدم. كان رئيس الكهنة أيضًا يلتزم بتقديم محرقات إضافية للعيد وهي ثور وكبش وسبعة خراف حوليه (عد 29: 7-11) مع تقدماتها وسكائبها (عد 28: 12-14). وإن كان بعض الدارسين يرون أن هذه الذبائح الإضافية تُقدم بعد المحرقة الصباحية الدائمة قبل البدء في طقس يوم الكفارة. يقدم رئيس الكهنة أيضًا ذبيحة خطية إضافية هي تيس من المعز (عد 29: 10-11). ربما خشية أن تكون هناك أخطاء قد ارتكبها سهوًا أثناء خدمة اليوم سواء من جانب رئيس الكهنة أو الكهنة أو الشعب. أما الذي أطلق التيس الحيّ إلى عزازيل فيغسل ثيابه ويرحض جسده بماء، وبعد ذلك يدخل المحلة... هذا العمل ربما يُشير إلى ما فعله ربنا يسوع المسيح الذي غسل طبيعتنا بدمه على الصليب في وقت المساء حتى يدخل بنا إلى مقدسه السماوي. أما بالنسبة للحم ثور الخطية وتيس الخطية وجلدهما مع فرثهما (بقايا الطعام الذي في الأمعاء) فتخرج خارجًا وتحرق بالنار [27] مع أن لحم ذبيحة الخطية العادية وجلدها من نصيب الكهنة. في أيام هيكل سليمان كان يحملهما أربعة كهنة شبان، يحمل كل اثنين واحدة منهما على عصوين، وبعد إحراقهما خارجًا يغسلون ثيابهم وأجسادهم ويعودون إلى الهيكل ليقرأوا على الشعب الفصول الخاصة بيوم الكفارة من سفر اللاويين (لا 23: 26-32)، ومن سفر العدد (عد 29: 7-11) والشعب واقفًا يسمع. ثم يباركون الشعب بالبركة الكهنوتية ويطلبون في النهاية من أجل الشريعة والخدمة والاعتراف ومغفرة الخطايا وأورشليم والهيكل وشعب إسرائيل والكهنوت المقدس. أخيرًا يُقدم رئيس الكهنة ذبيحة المساء اليومية أو الدائمة بنفسه. 29 «وَيَكُونُ لَكُمْ فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً، أَنَّكُمْ فِي الشَّهْرِ السَّابعِ فِي عَاشِرِ الشَّهْرِ تُذَلِّلُونَ نُفُوسَكُمْ، وَكُلَّ عَمَل لاَ تَعْمَلُونَ: الْوَطَنِيُّ وَالْغَرِيبُ النَّازِلُ فِي وَسَطِكُمْ. 30 لأَنَّهُ فِي هذَا الْيَوْمِ يُكَفِّرُ عَنْكُمْ لِتَطْهِيرِكُمْ. مِنْ جَمِيعِ خَطَايَاكُمْ أَمَامَ الرَّبِّ تَطْهُرُونَ. 31 سَبْتُ عُطْلَةٍ هُوَ لَكُمْ، وَتُذَلِّلُونَ نُفُوسَكُمْ فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً. 32 وَيُكَفِّرُ الْكَاهِنُ الَّذِي يَمْسَحُهُ، وَالَّذِي يَمْلأُ يَدَهُ لِلْكَهَانَةِ عِوَضًا عَنْ أَبِيهِ. يَلْبَسُ ثِيَابَ الْكَتَّانِ، الثِّيَابَ الْمُقَدَّسَةَ، 33 وَيُكَفِّرُ عَنْ مَقْدِسِ الْقُدْسِ. وَعَنْ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ وَالْمَذْبَحِ يُكَفِّرُ. وَعَنِ الْكَهَنَةِ وَكُلِّ شَعْبِ الْجَمَاعَةِ يُكَفِّرُ. 34 وَتَكُونُ هذِهِ لَكُمْ فَرِيضَةً دَهْرِيَّةً لِلتَّكْفِيرِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ جَمِيعِ خَطَايَاهُمْ مَرَّةً فِي السَّنَةِ». فَفَعَلَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى. جعل الله "يوم الكفارة" فريضة دهرية يلتزم بها رئيس الكهنة اللاوي حتى يأتي رئيس الكهنة الأعظم ربنا يسوع فيتممه في جسده ذبيحة فريدة تدخل بنا إلى المقدسات السماوية أبديًا. مع هذا الطقس الرهيب الذي كان اليهود يمارسونه بمهابة ورهبة كل عام كانوا يشعرون بالعجز، إذ يمارسون الرمز لا الحق ذاته. يظهر ذلك من نغمة ليتورجيتهم في ذلك اليوم، إذ جاء فيها: [بينما المذبح والهيكل قائمان في موضعهما يكفر عنا تيسان خلال القرعة، لكن الآن بسبب خطايانا لو أن يهوه يود هلاكنا فإنه لا يقبل من أيدينا محرقة أو ذبيحة]. |
||||