منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 10 - 01 - 2017, 04:52 PM   رقم المشاركة : ( 15741 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,106

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس البار أخيلا الإسقيطي‎ ‎‏(القرن5م)‏
17 كانون الثاني غربي (30 كانون الثاني شرقي)
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ناسك في إسقيط مصر. امتاز بتشدّده مع نفسه وبرفقه بالخطأة. ينقل عنه أنه مضى إلى قلاية الأب إشعياء في الإسقيط فوجده يأكل. كان هذا قد وضع في القصعة ملحاً وماء. فلما أحسّ إشعياء بقدوم الأب أخيلا قام وخبّأ الوعاء وراء الحبال. فقال له هذا الأخير: قل لي، ماذا كنت تأكل؟ فاستسمح الأب إشعياء وقال: فيما كنت أقطع الأغصان ارتفعت حرارتي، فجعلت في فمي خبزاً مع قليل من الملح. وإذ جفّ حلقي من شدّة الحرّ ولم أقدر أن أبتلع الخبز، صببت قليلاً من الماء في الملح لأتمكن من تناول الطعام. فقال أخيلا: تعالوا انظروا إشعياء يحتسي الشوربة في الإسقيط! إذا كنت تريد الشوربة فاذهب إلى مصر!
ومرة، زار أحد الشيوخ الأب أخيلا فرآه يتفل دماً، فسأله: ما هذا يا أبت؟ أجابه: إنه قول أحد الإخوة أحزنني، فجاهدت لكي لا أعلمه به، وتضرّعت إلى الله أن يرفعه عني. فصار الكلام في فمي دماً، فتفلته واسترحت ونسيت ما أنا فيه من ضيق.
مرة أخرى زار ثلاثة شيوخ الأب أخيلا وكان أحدهم سيء السمعة. فقال له الأول: اصنع لي شبكة يا أبت. فأجابه: لا أصنع لك! وقال له الثاني: اصنع لي معروفاً فأذكرك في الدير. فأجابه: كلا لأنه ليس لدي وقت! وقال له الثالث، صاحب السمعة السيّئة: اصنع لي شبكة يا أبت ليكون لي شيء من صنع يديك فأجابه لطلبه للحال. فسأله الأولان على حدة: لماذا امتنعت عن تلبية طلبنا ورضيت أن تصنع له ما أراد؟ فأجاب: قلت لن أصنع لكما ولم تحزنا لأنه لا وقت لدي. أما ذاك فقبلت طلبه لئلا يقول في نفسه لم يرد الشيخ أن يصنع لي شبكة لأنه عرف بخطيئتي، فلو لم ألبّه لانقطع رجاؤه ومات من شدّة الحزن.
كذلك أخبر عن القدّيس أن الأبوين أموناس وسميوس مضيا إليه فوجداه قد عمل في الليل ضفائر كثيرة. فسألاه كلمة منفعة فأجاب: لقد ضفرتُ منذ البارحة عشرين سلاً. وصدّقاني، لست بحاجة إلى كل ذلك، لكني أخاف أن يقول لي الرب: لماذا لا تعمل ما دمت تقوى على العمل؟ من أجل ذلك أعمل وأتعب بكل قوتي.
واشتكى أخ لدى البار أخيلا، مرة، من جبروت الشيطان على الناس فأجاب: لا سلطان لهم علينا سوى إرادتنا المختلّة التي يستعملونها كفأس يصرعوننا به.
 
قديم 10 - 01 - 2017, 05:04 PM   رقم المشاركة : ( 15742 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,106

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس أثناسيوس الكبير معلّم المسكونة‎ ‎‏(+373م)‏
18 كانون الثاني غربي (31 كانون الثاني شرقي)
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
في الخدمة الليتورجية
‏في خدمتنا الليتورجية اليوم تبرز ملامح صورة معبِّرة ترسمها الكنيسة لهذا القديس العظيم. فهو ذو الجلادة والراعي الحقيقي والقاعدة غير المتزعزعة لكنيسة المسيح. وهو الملهم من الله وخادم الأسرار والذهب الخالص الذي كانت له الأحزان ومصارعات الأعداء بودقة كريمة، والذي صاغته كلمة الله خاتماً ليمينها المقدّسة. وهو بوق الكنيسة وقاطع مواكب البدع بقوة الروح والمتكلّم باللاهوت شاروبيمياً. وهو روْض أقوال الكتب الملهمة من الله الذي نقّى نفسه وجسده من كل دنس فظهر هيكلاً لائقاً بالله. في قانون السحر قال عنه ثاوفانس المرنم: "إنني بتقديمي المديح لأثناسيوس، كأني أمدَحُ الفضيلة، أظهرُ بالحري مقدِّماً النشيد لله، الذي من لدنه قد مُنح هو للبشر موضوعاً مستوجباً الثناء للفضيلة التي أصبح لها مثالاً حيّاً ونموذجاً". وقد أحرز المسيح وتكلّم بلسانه وجلا كلمة الإيمان ونفى الضلالة لما نُفي بتواتر من أجل الثالوث. دافع عن مساواة الابن والروح القدس للآب في الجوهر وأقصى ضلالة آريوس ذات الإلحاد. وهو بهجة رؤساء الكهنة وعمود النور وقاعدة الكنيسة والكاتب المدقِّق عن شريعة العيشة الانفرادية.
‏فمن هو، تفصيلاً، هذا الذي استحق أن تسبغ عليه الكنيسة المقدّسة كل هذه الأوصاف الجليلة وأكثر؟
وسطه ونشأته
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
‏لا نعرف تماماً متى كانت ولادته. نعرف فقط إنها كانت في حدود العام 295‏م. كذلك لا نعرف أين كانت. ثمة ما يبعث على الظن إنه ربما ولد في مكان ما بقرب مدينة الإسكندرية، مما يفسِّر إلفته بآباء البرِّية وتعلّقه بمثالهم. أنّى يكن الأمر فالبادي أنه كان قبطياً أكثر مما كان يونانياً. وقد أشار القدامى إلى السمرة غير العادية لبشرته. كان يقرأ ويكتب ويعظ بالقبطية. هذا لا شك فيه. لم يعرض لاضطهاد المسيحيّين في سنواته الخمسة العشر الأولى من حياته. حملة ذيوكليسيانوس قيصر على المسيحيّين امتدَّت من السنة 303 ‏إلى السنة 311 ‏م. ماذا كان وقعها عليه؟ لا نعلم بالتدقيق، لكن، هناك من يميل إلى الربط بعامة بين تشبّث الشهداء بالإيمان وصلابتهم، من ناحية، وما أبداه أثناسيوس في صراعه ضد الآريوسية، من ناحية أخرى، من أمانة وصلابة وطول باع. فالواضح أن نفسه كانت مطبوعة على روح الشهادة للرب يسوع. وقد سرى عنه، عبر العصور، في هذا الشأن، قول جرى مجرى المثل الشائع يوم كادت الآريوسية تبلع العالم: "أثناسيوس ضد العالم". Athanasios contra mundum.
‏ماذا عن علمه وثقافته؟ ‏لا نعرف الكثير. يبدو أنه لم يتثقّف بثقافة اليونانيين نظير كبار القدّيسين كباسيليوس الكبير و الذهبي الفم و غريغرريوس اللاهوتي. الكنيسة تعلّمها، بصورة خاصة، من الكأس المقدّسة، من المعلّمين المسيحيّين وأوساط المؤمنين والدوائر الأسقفية في الإسكندرية حيث يبدو أنه انضمّ حدثاً إلى حاشية القديس ألكسندروس، أسقف المدينة. بعض معلّميه، على ما أورد هو عبوراً، قضى في زمن الاضطهاد. هذا ربما فسّر حدَّة روح الشهادة لديه.
‏وقد شاعت عن كيفية التصاقه بأسقف الإسكندرية، ألكسندروس، رواية مفادها أنه فيما كان الأسقف، يوماً، في دارته المطلّة على البحر، لاحظ، في المدى المنظور، على الشاطئ، حفنة من الأولاد يلعبون. كان واحد منهم يقف في الماء فيما كان رفاقه يتقدّمون واحداً واحداً كما في زيّاح، فيصبّ عليهم الماء وينصرفون. فأخذ الأسقف يتساءل: ترى ماذا يفعلون؟ وبدافع الفضول أرسل في طلب الولد وسأله ماذا يعمل؟ لماذا يصبّ الماء على رؤوس الأولاد الآخرين؟ فأجابه: أعمّدهم! - وهل تعلم كيف؟ - نعم! علّمتهم أسرار إيماننا ولقّنتهم الصلوات وكيف يستعدّون لاقتبال المعمودية ثم عمدّتهم! الأولاد، بالمناسبة، كانوا وثنيّين. فتعجّب الأسقف وأكبر ما فعله الصبي. وإذ مال إليه ورغب في تبنّيه استأذن والديه وضمّه إليه. وبعد سنوات قليلة أضحى مقدَّماً عنده كابن لأبيه وحافظ سرّه.
ملامحه
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
‏كيف بدا للعيان ذاك الذي أبدى من الجرأة والصلابة ما أدهش العالم؟ كان نحيف البنية، قصير القامة. أعداؤه دعوه قزماً. وكان معكوف الأنف، صغير الفم، ذا لحية قصيرة محمرّة وبشرة تميل إلى السواد وعينين صغيرتين... وقد اعتاد أن يمشي بانحناءة بسيطة إلى الأمام ولكن برشاقة ولباقة كأنه أحد أمراء الكنيسة.
أثناسيوس وآريوس: أول الغيث!
‏سنة 318‏م، وبناء لطلب ألكسندروس، كتب أثناسيوس، وهو بعد في أوائل العشرينات من عمره، مقالتين إحداهما ضدّ الوثنيّين والأخرى بشأن تجسّد كلمة الله. تضمّنت المقالتان لبّ الرسالة التي شاء الرب الإله لأثناسيوس أن يفتّقها وينقلها إلى العالم. وحدث في السنة 319 أن دعا ألكسندروس إلى اجتماع لكهنته عرض فيه لوحدة الآب والابن والروح القدس في الجوهر، فلم يرق كلام الأسقف لأحد الكهنة الحاضرين، وهو آريوس، الذي اعترض وطعن في وحدة الجوهر الإلهي قائلاً: "إذا كان الآب قد ولد الابن فلا بد من أن يكون المولود ذا بداءة في الوجود، وهذا معناه أنه كان هناك وقت لم يكن فيه الابن موجوداً. ومعناه أيضاً أن الابن اقتبل جوهراً من العدم". قول آريوس هذا استتبعه اعتبار الابن دون الآب ولو سما على الإنسان، ومن جوهر غير جوهر الآب، وأن دوره بين الله والإنسان لا يتعدّى دور الوسيط. وكل ما أُسبغ عليه من تسميات، كالسيّد والمخلّص والإله، إنما أُسبغ عليه مجازاً، من باب التوسّع. ألكسندروس استفظع وحاول ردّ آريوس عن غيّه عبثاً. كثيرون، محلياً، تدخّلوا ولكن على غير طائل. آريوس عاند وتمادى. وقليلاً قليلاً بدأ أثناسيوس يلعب الدور الأبرز في الصراع. تكلم عن ألكسندروس. واجه آريوس بقوة ودون هوادة. أما ألكسندروس فأطال أناته على آريوس بما فيه الكفاية، ولما تبيّن له أنه لم يعد هناك مجال للعلاج جمع أساقفة مصر وليبيا وحكم بقطع آريوس. كان الموضوع خطيراً. كل وحدة الله كانت مهدّدة. كل التدبير الخلاصي بيسوع المسيح أضحى بلا معنى. استقامة الرأي باتت في خطر!
‏من كان آريوس؟
‏كان آريوس ليبياً، راعياً لكنيسة بوكاليس. لا نعرف عنه الكثير. كتاباته أكثرها أتلف أو ضاع. كان حاد الذهن، ضليعاً في الفلسفة، خبيراً في الاستدلال المنطقي. وقد وُصف بأنه طويل القامة، نحيف، متنسّك، واثق من نفسه، يتكلّم كمن له سلطان. كان في الثالثة والستين حين قاوم الأسقف ألكسندروس. وقد سبق له أن التصق، لبعض الوقت، بجماعة منشقّة تمتّ إلى أسقف يدعى ملاتيوس بلبلت الكنيسة في الإسكندرية. وثمة من يقول إنه كان رجل طموحات ويطلب المعالي، فلما خاب عن بلوغ سدّة الأسقفية الأولى على مصر، تحوّل إلى مقاوم ومعاند إثباتاً لنفسه. أنّى يكن الأمر فقد تعاطى آريوس الحقائق الإيمانية كما لو كانت مسائل فلسفية. الموضوع بالنسبة إليه كان موضوع منطق واستنتاجات منطقية، على مذهب بعض التيّارات الفلسفية في زمانه. ولكي يجعل آراءه على كل شفة ولسان نظم بعضها على الموسيقى فأضحت أغان تردِّدها العامة في كل مكان.
‏البدعة تنتشر
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
‏وشاعت البدعة هنا وثمة. كان فيها ما يستهوي. كثيرون تعاطوا المسيحية أو كانوا مستعدّين لأن يتعاطوها كفلسفة جديدة. وكثيرون سعوا إلى المزاوجة بين المسيحية وهذا التيار الفلسفي أو ذاك وفشلوا. عشرات الهرطقات تولّدت وعشرات المذاهب نشأت كان يمكن أن تودي بالكنيسة الفتيّة إلى التهلكة أو تجنح بها إلى الفساد لو لم يكن روح الرب حافظها وعاصمها. هذا إذن كان المناخ الفكري العام، آنذاك، لاسيما في أوساط المفكّرين المسيحيّين. فلما نزلت هرطقة آريوس إلى سوق الأفكار، وهي أسوأ وأخطر ما ظهر، تلقّفها العديدون. تجدر الإشارة، على رأي بعض الدارسين، أن للآريوسية بصورة أساسية، علاقة بالغنوصية التي يبعد فيها الكائن الأعظم عن المخلوقات، وبالأفلاطونية الجديدة التي تبدو فيها الكلمة في وضع الوسيط بين الواحد والمتعدّد، بين الروح والمادة، وبالمخفضين، أمثال أوريجنيس المعلّم، الذين خفّضوا مرتبة الابن ومرتبة الروح القدس فقالوا بثالوث متدرّج غير متساوٍ في الجوهر الواحد. إلى ذلك احتضن آريوس وقدّمه عددّ من المتنفّذين نظير أفسافيوس، أسقف قيصرية فلسطين، وأفسافيوس أسقف نيقوميذية، العاصمة الشرقية للإمبراطورية قبل القسطنطينية، وبولينوس، أسقف صور، وأثناسيوس، أسقف عين زربة، وغريغوريوس، أسقف بيروت، وماريس، أسقف خلقيدونية. آريوس خرج من مصر إلى قيصرية فلسطين ومنها إلى نيقوميذية. ومن هناك أخذ يبثّ سمومه يميناً ويساراً فاحتدم الصراع. مصر، ليبيا، فلسطين، آسيا الصغرى وسواها كلها اضطربت. قطبا الصراع كانا مصر ونيقوميذية. لكن، شيئاً فشيئاً كل الأساقفة دخلوا في جدل فيما بينهم. دخلوا في صراع. والصراع طال الشعب. في بعض الأمكنة تحوّل الجدل إلى صدام فتضارب الناس وتقاتلوا وسالت الدماء. هكذا لاح في الأفق، بصورة جدّية، خطر الحرب الأهلية، فكان لا بد للسلطة الحاكمة من أن تتحرّك لتحسم الأمر وتضع حدّاً للجدل.
‏مجمع نيقية
‏بلغت أصداء الصراع الناشب أسماع قسطنطين الملك فتنبّه وتخوّف. لم يدرِ تماماً ما الذي كان القوم يتجادلون في شأنه. استعان ببعض أصدقائه ومستشاريه العارفين أمثال هوسيوس، أسقف قرطبة. وبعد التداول معهم استقرّ رأيه على الدعوة إلى مجمع يضمّ أساقفة المعمورة يكون دورهم، بصورة أساسية، أن يحدِّدوا له موقف الكنيسة الجامعة من المسائل المطروحة ‏وهو يلتزمه ويكفل فرضه بالقوّة. همّ قسطنطين الأول كان الحفاظ على الهدوء والنظام ووحدة الإمبراطورية.
‏على هذا الأساس، تقرّر أن يكون مكان الاجتماع مدينة صغيرة تدعى نيقية، وهي إزنيق الحديثة، في القسم الشمالي من آسيا الصغرى، على بعد أميال قليلة من مدينة نيقوميذية. كما وجِّهت الدعوة إلى ألف وثمانمائة ‏أسقف لحضور المجمع، ووضعت وسائل النقل الرسمية في تصرّفهم. لا نعرف تماماً عدد الذين لبّوا. في تراثنا إنهم 318 ‏على عدد الخدّام الذين تمكّن إبراهيم الخليل بهم من فك أسر ابن أخيه لوط، في سفر التكوين (14:14).
‏التأم المجمع في 14حزيران سنة 325‏م. عدد كبير من الكهنة والشمامسة رافقوا الأساقفة. ستة أساقفة وكاهنان أتوا من الغرب والباقون كانوا شرقيين. بعض الذين حضروا كانوا معترفين حملوا في أجسادهم سمات الآلام لأجل اسم الرب يسوع: بولس أسقف قيصرية ما بين النهرين، ذو اليدين المحروقتين المعطوبتين، وبفنوتيوس الصعيدي المقلوع العين اليمنى والمعطوب الرجل اليسرى، وبوتامون الهرقلي الأعور. كما حضر أساقفة عرفوا بقداسة السيرة كسبيريدون القبرصي ويعقوب النصيبيني. القديس أثناسيوس الكبير كان رئيس شمامسة ورافق أسقف الإسكندرية ألكسندروس وتكلّم باسمه. من رأس المجمع؟ لا نعرف تماماً. ربما هوسيوس أسقف قرطبة وربما أفستاتيوس، أسقف أنطا كية. في خطبة افتتاحية، دعا قسطنطين الملك الحاضرين لإزالة أسباب الشقاق من بينهم وتوطيد السلام.
‏عرض آريوس أفكاره، فتصدّى له الفريق الأرثوذكسي. أثناسيوس، ولو شماساً، كان الأبرز في الردّ على آراء آريوس والتصدّي لحججه وتبيان عطبها. ساد اللغط. تبلبلت الآراء. احتدم الجدال. اقترح هوسيوس وضع دستور إيمان يكون أساساً للإيمان القويم. في ضوء تعاليم الآباء، جرى اعتماد نص يشكّل أساس دستور الإيمان النيقاوي القسطنطيني الذي نتلوه اليوم. الفريق الآريوسي تقزّم. استبانت مفسدة آريوس جلية للعيون. حكم المجمع بقطع آريوس. تبنّى قسطنطين الملك قرارات المجمع وأصدر قراراً، على ما ورد عند المؤرّخ سقراط، قضى بحرق كتب آريوس وحذّر من يقتنيها سراً ويروّج لها بالموت. انفضّ المجمع بعد حوالي سبعة أسابيع من انعقاده، يوم الخامس والعشرين من تموز.
‏يومها ظُنّ أن ملف آريوس طوي وإن الكنيسة استراحت والإمبراطورية استكانت إلى وحدتها من جديد. ولكن، أثبتت الأيام إن ما جرى لم يكن سوى حلقة في مسلسل الآلام التي حلّت بالكنيسة الجامعة وبالقديس أثناسيوس الكبير كرمز لها، إن لم يكن رمزها الأوحد، على امتداد سنين طويلة.
قول أثناسيوس
‏التركيز في دفاع أثناسيوس كان على تراث الكنيسة وتعليمها وإيمانها كما سلّمه السيد وكرز به الرسل وحفظه الآباء. في مقابل ميول مناهضيه العقلانية قدّم قدّيسنا الإيمان على العقل. أرسى أسس الفكر اللاهوتي القويم كما لم يفعل أحد من قبله. من هنا فضله ومن هنا تسميته في تراثنا بـ "أب الأرثوذكسية" أو كما دعاه القديس غريغرريرس اللاهوتي "عمود الكنيسة". كلمة الله، عند آريوس مولود فهو إذن مخلوق، من نتاج مشيئة الآب السماوي. عند أثناسيوس، كلمة الله مولود ولكنه غير مخلوق لأنه نابع من جوهر الآب لا من مشيئته. هو منه كالشعاع من الضوء. ليس فقط إن كل ما للابن هو للآب بل كل ما للآب هو للابن أيضاً. كل مل ء اللاهوت هو في الابن كما في الآب. الواحد لا ينفصم عن الآخر. من رآى الابن فقد رأى الآب في آن. ليس الآب من دون الابن ولا الابن من دون الآب. كما الضوء والشعاع واحد، الآب والابن واحد. لذلك لم يكن هناك وقت أبداً لم يكن فيه الابن موجوداً وإذا كان الآب والابن واحداً فالآب مميّز عن الابن والابن مميّز عن الآب. ثم وحدانية الآب والابن في الجوهر مرتبطة بتجسّد الابن وبالتالي بخلاصنا لأن الذي اتخذ بشرتنا واتحد بها إنما أعطانا أن نتّحد به وأن نتّخذ ألوهته. من هنا كلام القديس بطرس في رسالته الثانية (4:1‏) عن صيرورتنا "شركاء الطبيعة الإلهية"، وكلام القديس أثناسيوس نفسه عن كون: "الله صار إنساناً لكي يصير الإنسان إلهاً". لو لم يكن الابن من جوهر الأب لما كان بإمكانه أن يجعلنا على مثال الآب. وكما الابن كذلك الروح القدس. الروح ‏القدس أيضاً من جوهر الآب وإلاّ ما أمكنه البتة أن يؤلهنا، أن يجعلنا شركاء الطبيعة الإلهية.
‏الموضوع، بالنسبة للقديس أثناسيوس، كان موضوع الخلاص برمّته. قول آريوس يتعدّى كونه مجرّد رأي لأن اقتباله معناه ضرب المسيحية في الصميم. فلا مجال للمساكنة أو المهادنة. الزغل في الآراء، في هذا الشأن، قضاء على الكنيسة. أثناسيوس وعى دقّة المسألة وخطورتها حتى العظم، فأتت حياته، في كل ما عانى على مدى ست وأربعين سنة، تعبيراً عن تمسّك لا يلين بكلمة حقّ الإنجيل والإيمان القويم.
أثناسيوس بطريرك
‏إثر انفضاض مجمع نيقية، عاد ألكسندروس الإسكندري إلى دياره فسام أثناسيوس كاهناً وسلّمه مقاليد الإرشاد والوعظ وشرح تعاليم المجمع النيقاوي. ثم بعد ثلاث سنوات رقد ألكسندروس (328‏) فاختير أثناسيوس ليحلّ محلّه. لم يكن الاختيار من دون صعوبات. أثناسيوس كان له مناهضوه، لأسباب عديدة بينها أسباب شخصية كفتوّته. كان في الثلاثين يومذاك. ثم إن البعض اعتبروه متصلباً قاسياً تنقصه المرونة في التعاطي مع الآخرين. أنّى يكن الأمر فقد ورد أن قديسنا لجأ إلى أحد الديورة هرباً من الأسقفية لكنه رضخ، بعد لأي، للأمر الواقع.
‏أولى مهام أثناسيوس كرئيس أساقفة على الإسكندرية وتوابعها، كانت استعادة الوحدة والنظام في أبرشيته الشاسعة التي عانت لا من الهرطقة الآريوسية وحسب بل من جماعة ملاتيوس المنشقّة أيضاً وكذلك من الانحطاط الخلقي وانحلال الانضباط الكنسي. وعلى مدى سنوات جال أثناسيوس في كل الأنحاء المصرية، حتى الحدود الحبشية، يسيم الأساقفة ويختلط بالمؤمنين الذين اعتبروه، إلى النهاية، أباً لهم. كما تفقّد الأديرة، حتى التي في برّية الصعيد، وأقام، لبعض الوقت، في دير القديس باخوميوس (15‏أيار). باخوميوس كان يقدّر أثناسيوس كثيراً، وقد سمّاه "‏أب الإيمان الأرثوذكسي بالمسيح".
‏أقام أثناسيوس الأسقف في شيء من الهدوء يرعى شعبه سنتين. ثم ‏انفجر الصراع مع الآريوسية من جديد وعلى أخطر مما كان قبل مجمع نيقية.
مسلسل النفي: الحلقة الأولى
فيما كان القديس أثناسيوس يتابع اهتمامه بشعبه كأسقف جديد عليهم، كان الآريوسيون يحيكون خيوط المؤامرة عليه. حقدهم تفاقم وكيدهم لم يخبُ. أفسافيوس النيقوميذي كانت له معارفه في البلاط. أبرز معارفه قسطنسيا، أخت قسطنطين الملك. فسعى لديها لتسعى لدى أخيها لردّ الاعتبار لآريوس. وكان أن صوّر المصوِّرون لقسطنطين أن قرارات مجمع نيقية لم تأتِ بالثمار المرجوّة لها لا على صعيد استتباب الأمن ولا على صعيد شيوع السلام والاتفاق. لذلك من الأوفق للعرش أن يكون متسامحاً ويدعو إلى التسامح. هذا يهدِّئ النفوس ويساهم في الحفاظ على وحدة الشعب بشكل أفضل. تبنى قسطنطين هذا المنطق وأعاد لآريوس الاعتبار وسمح له بمزاولة نشاطاته من جديد. إزاء هذا الموقف الإمبراطوري المفاجئ، كان رد أثناسيوس فورياً وحاسماً: لا! هذا مرفوض! في جوابه إلى الإمبراطور قال: "من المستحيل للكنيسة أن تستعيد من يقاومون الحقيقة ويشيِّعون الهرطقة وقد سبق لمجمع عام أن قطعهم". قسطنطين استاء لأنه ظنّ أن كلمته لا ترد، بالنسبة للدولة كما بالنسبة للكنيسة. أما أثناسيوس فلم يكن همّه الطاعة لقيصر دون قيد أو شرط بل الطاعة لله أولاً وأخيراً. كان مستعداً للتعاون مع القيصر طالما كان قيصر في خط الحقيقة الإلهية. أما وقد حاد عنها فهو الملوم. ليس أثناسيوس مستعداً للرضوخ للأمر الواقع. الحقيقة الإلهية فوق كل اعتبار.
‏على هذا نجح الآريوسيون في نقل الصراع من المستوى اللاهوتي إلى ‏المستوى السياسي. لم ينجحوا في محاربة أثناسيوس باللاهوت فتحوّلوا إلى محاربته بالسلطة السياسية. أخذوا يصوّرونه كمشاغب، كمن يشكّل خطراً على أمن الدولة. فلا عجب إن قال عنه قسطنطين الملك إنه "رجل وقح ومتعجرف ومفسِد". وطبعاً عرف الآريوسيون بما أوتوه من حقد وكيد كيف يغيرون صدر قسطنطين عليه بالأكثر. قالوا عنه إنه يعرقل نقل القمح المصري إلى القسطنطينية، وقالوا إنه يفرض الضريبة على السفن المسافرة إلى هناك ليدفع لكهنته. وإمعاناً في تشويه صورة أثناسيوس أمام القيصر والعامة، وجّهوا إليه تهماً عدّة بينها الزنى والسِحر والقتل. قالوا إنه اغتصب امرأة واستبدّ بعفافها. وقالوا إنه قتل أسقفاً من المنشقّين الملاتيين يدعى أرسانيوس. والآريوسيون تظاهروا وهم يحملون ذراعاً سوداء يابسة قالوا إنها لأرسانيوس.
‏وإذ صادف مرور ثلاثين سنة على تولي قسطنطين العرش، أراد الاحتفال ‏بالمناسبة بتكريس كنيسة القيامة في أورشليم. ثم تمهيداً لذلك دعا الأساقفة إلى مجمع يُعقد أولاً في صور للنظر في التّهم الموجّهة إلى أثناسيوس. لم يكن أمام أثناسيوس أي خيار، فركب إلى صور هو وخمسون من أساقفته. لكن المجمع لم يكن مجمعاً بل محكمة. لذلك لم يسمح للأساقفة المصريين بالدخول. فقط أثناسيوس دخل، ودخل كمتّهم وعومل كذلك. كل أعدائه اجتمعوا عليه. وُجّهت إليه شتّى التّهم. ظنّوا أنهم قضوا عليه. الخناق كان شديداً. لم يأتوا به ليستمعوا إليه بل ليدينوه. لكن نعمة الله أعانته. قالوا إنه زان وأتوا بامرأة قالت إنه اعتدى عليها. لكن المرأة فشلت في الدلالة عليه،‏ وتبيّن أنه لم يسبق لها أن شاهدته في حياتها. قالوا إنه قتل أرسانيوس، فإذا بأرسانيوس الذي وصل إلى صور في اليوم السابق لانعقاد المحكمة، يظهر ذاته فتظهر التهمة باطلة. قالوا إن اليد اليابسة التي حملوها هي يد أرسانيوس، فإذا بأرسانيوس يظهر كامل اليدين. إزاء هذه الشهادات انحلّ عقد المجتمعين على أثناسيوس دون أن ينحل حقدهم. وهكذا تمكّن قدّيسنا من التواري قبل أن يصدروا في شأنه حكمهم الأخير.
‏واختفى أثناسيوس. ثم فجأة ظهر في القسطنطينية. أقام في منزل في الشارع المؤدّي إلى القصر الملكي. وإذ كان قسطنطين عائداً، ذات يوم، إلى قصره، نزل أثناسيوس إلى الشارع وتقدّم منه، وقسطنطين غير منتبه، وقبض على زمام الجواد الذي امتطاه وأوقفه عن سيره. لم يكن قسطنطين معتاداً أن يوقفه أحد، فنظر مستغرباً متعجباً منزعجاً، فإذا به أمام الرجل القصير القامة الذي لم يعرفه أول الأمر يقول له: "الله يحكم بيني وبينك بعدما انضممت إلى صفوف المغترين عليّ!" وبدا قسطنطين كأنه لا يريد أن يسمع المزيد لكن، أردف أثناسيوس: "أطلب منك فقط إما أن تدعو إلى مجمع شرعي أو أن تدعو محاكميّ إلى مواجهتي في حضورك". وانصرف قسطنطين. بعد أيام طلب ملف القضية على أثناسيوس ومعرفة الحكم الصادر في حقّه، كما دعا عدداً من متّهميه لمواجهته لديه، فحضروا وحضر أثناسيوس. أكالوا له تهماً عدّة لاسيما فيما يختص بالقمح والسفن المسافرة إلى القسطنطينية. دافع أثناسيوس بمنطق رجل الله لا بمنطق أهل العالم. ولكن بدا قسطنطين أكثر استعداداً للإصغاء لمنطق من يتحدثون بلغة السياسة والأمن والدولة وما إلى ذلك. موقف أثناسيوس بان ضعيفاً. لم يرد ‏قسطنطين أن يبتّ في أمره بصورة نهائية، فأبقى عليه أسقفاً للإسكندرية لكنه حكم بنفيه إلى "تريف" عاصمة بلاد الغال (فرنسا) حيث بقي إلى أن رقد قسطنطين في أيار 337‏م. ‏يذكر أن آريوس، أثناء غياب أثناسيوس عن الديار المصرية، حاول العودة إلى الإسكندرية فصدّه الشعب الحسن العبادة فتحوّل إلى القسطنطينية. هناك رغب أفسافيوس النيقوميذي ومن لفّ لفّه في حشد الجموع احتفالاً بإعادة الاعتبار لآريوس. وإذ خرج آريوس وأصحابه إلى الشارع قاصدين الكنيسة بزهو وأبّهة وحماس، حدث فجأة ما لم يكن في الحسبان. شعر آريوس بألم في أحشائه، فانتحى جانباً لقضاء حاجة نفسه فوقع مغشياً عليه ومات.
الحلقة الثانية
‏في غضون سنة من وفاة قسطنطين عاد أثناسيوس إلى كرسيّه. القديس غريغوريرس اللاهوتي كان حاضراً ووصف ما جرى. كل الإسكندرية استقبلته. مشى على السجّاد. اشتعلت أمام البيوت قناديل الزيت. صدحت المدينة بالعيد والتمجيد. "لا شيء يفصلنا عن المسيح". هكذا علّق أثناسيوس. الصلاة والعبادة اجتاحت مدن مصر في حركة عفوية جامعة شاملة. وفي طفرة الحماس مئات وآلاف الإسكندرانيين خرجوا ليترهّبوا. الجيّاع أطعموا. اليتامى احتُضنوا. واستحال كل بيت كنيسة.
‏ومع ذلك، وفي أقل من ثلاث سنوات (340‏م)، عاد أثناسيوس إلى المنفى من جديد.
‏فإثر وفاة قسطنطين الملك توزّعت الإمبراطورية على أولاده الثلاثة، فملك قسطنطين الثاني على بريطانيا وغاليا وأسبانيا، وقسطنس على ‏اليونان وإيطاليا وإفريقيا وقسطنديوس على آسيا وسوريا ومصر. الأولان ‏مالا إلى الأرثوذكسية والأخير إلى الآريوسية. وقع تحت تأثير أفسافيوس النيقوميذي الذي جرى نقله إلى القسطنطينية وصار أسقفاً عليها. قسطنديوس كان شاباً في العشرين ملأته شهوة السلطة. قال عنه مرسلّينوس المؤرّخ أنه كان يربك الكنيسة بخرافاته وأوهامه. وقال عنه أثناسيوس: "إنه قُلَّب لا رأي له من ذاته. يأخذ بنصيحة الخصي إذا حدث إن كان قريباً منه. لذلك لا أظنه سيّئاً. فقط عاجز وسخيف".
‏وصدر لأثناسيوس من القسطنطينية أمر بمغادرة الإسكندرية، كما جرى تعيين أسقف آريوسي جديد محلّه هو غريغوريوس الكبّادوكي. دخل غريغوريوس بمواكبة عسكرية. وصل في آذار 340‏م. وبوصوله شاع جو إرهابي. فدُنِّست الكنائس ولُوِّثت المذابح وأُوقف رهبان وعذارى وأودعوا السجون وعُذِّبوا. الإسكندرية الكنيسة خضعت للاحتلال العسكري. أما أثناسيوس فتوارى. استقل سفينة برفقة أمونيوس وإيسيدوروس الراهبين وارتحل. إلى أين؟ ‏إلى رومية حيث استقبله يوليوس الأول أسقفها استقبالاً طيّباً. هذا فيما أُوعز لحكّام الإسكندرية أن يقطعوا رأس أثناسيوس إذا تجرّأ ‏فعاد إلى الديار المصرية.
‏بقي قدّيسنا في المنفى ست سنوات. تلك كانت سنوات مخصبة. أخذ ‏ينتقّل في الغوب بحرّية. كان محترماً ومقدَّراً من الجميع. وعظ، خاطب الأساقفة، علّم عن نيقية، وقيل كتب، آنذاك، سيرة القديس أنطونيوس الكبير التي كان لها أثر بارز على الغرب وعلى شيوع الرهبنة فيه. وتأكيداً لدعم يوليوس الأسقف لأثناسيوس، دعا إلى مجمع في رومية في تشرين الثاني 342 ‏زكّى الإيمان النيقاوي وأعلن أنه لا يعترف بغير أثناسيوس أسقفاً على الإسكندرية. ولم يطل رد فعل الآريوسيين حتى ورد، فعقدوا مجمعاً مضاداً في أنطاكية وضع دستور إيمان جديد واتخذ تدابير قانونية خاصة للحؤول دون إمكان عودة أثناسيوس إلى كرسيّه. على هذا بدا العالم المسيحي مقسّماً إلى غرب أرثوذكسي وشرق يرزح تحت نير الآريوسية. أخيراً، سنة 345‏، اندلعت الثورة في الإسكندرية وقُتل غريغوريوس المغتصب. وإذ تنبّه قسطنديوس إلى خطر اندلاع حرب أهلية هناك تراجع وسمح لأثناسيوس بالعودة، فعاد خلال العام 346م وقيل 348م.
الحلقة الثالثة
‏ولم ينم الآريوسيون على الضيم ولا نام قسطنديوس الملك. خيوط المؤامرة كانت ما تزال بعد قيد الحياكة. همّ الفريق الآريوسي ما فتئ تصوير أثناسيوس كعنصر شغب وأن استمراره في سدّة المسؤولية الكنسية خطر على أمن الدولة. فبقي قسطنديوس مشدوداً. سنة 353م أُطيح بقسطنس، الإمبراطور في الغرب، وكان قد أًطيح بقسطنطين الثاني قبله، فخلت الساحة لقسطنديوس بالتمام والكمال. أضحى إمبراطور الشرق والغرب معاً. هاجسه كان أن يحفظ الوحدة السياسية للإمبراطورية بأي ثمن. هذه الوحدة، بنظره كانت آريوسية الطابع، وأثناسيوس أحد الذين يتهدّدونها. فجأة وجّهت التهمة إلى أثناسيوس بالتآمر على سلامة الدولة من جديد. فلقد زعموا أن أثناسيوس كاتب أحد الساعين إلى اغتصاب إمبراطورية الغرب، وأن رسالة، في هذا الشأن، وقعت في أيدي عملاء قسطنديوس. عليه وصل، صيف العام 355م، إلى الإسكندرية مبعوث ملكي وطلب من أثناسيوس تسليم سلطاته فرفض. استمرّت محاولات إقناعه ستة أشهر من دون نتيجة. قالوا لأثناسيوس: اخرج لتسلم مصر، فأجاب: لن يكون لها سلام إذا غادرتها! أخيراً وصلت الأزمة إلى حد المواجهة العسكرية. دخل الجنرال سيريانوس الإسكندرية على رأس خمسة آلاف عسكري. جاء ليخرج أثناسيوس بالقوة. وفي 9شباط 356‏م كان أثناسيوس ورعيته يقيمون السهرانة في كنيسة القديس ثيوناس استعداداً لسر الشكر في اليوم التالي. فجأة أحاط العسكر بالكنيسة واقتحموها. كان أثناسيوس في كرسيِّه والترانيم تملأ المكان. انبعثت الأصوات. تعالى الصراخ. التمعت السيوف. وسقط قتلى وجرحى وديسوا. وقف سيريانوس أمام الهيكل فيما انتشر عسكره بين الناس يميناً ويساراً. همّهم الأوّل كان التعرّف إلى أثناسيوس والقبض عليه. لكن الجند استباحوا سرقة الأواني الذهبية وتعرّضوا للعذارى. أما أثناسيوس فإذ كان صغير القامة فقد غطّاه عدد من الرهبان والإكليروس وحملوه ثم خرجوا به من الباب دون أن يلاحظهم العسكر وسط المعمعة واختفوا تحت جنح الظلام. خرج أثناسيوس إلى الصحراء. الرهبان حفظوه، وعامة المؤمنين أيضاً. لكنه أخذ يظهر من وقت إلى آخر في الإسكندرية طلباً لرعاية شعبه بصورة خفيّة. في تلك الفترة بدا كأن الكنيسة، شرقاً وغرباً، وقعت تحت نير الآريوسية بالكامل لاسيما وأن قسطنديوس كان قد سعى إلى عقد مجمع لصالحها في ميلان ونفى، على أثره، 147 ‏أسقفاً أرثوذكسياً رفضوا الرضوخ له. القديس إيرونيموس كتب عن تلك المرحلة قائلاً: "العالم كلّه كان يئن ‏ويعجب لأنه ألفى نفسه آريوسياً!".
‏ست سنوات قضاها أثناسيوس متخفياً، لا شك أنها تركت بصماتها عليه. فلقد شاخ! لكنه لم يلن ولم يحد عن قوله الأول، عن إيمان الكنيسة القويم، عن عقيدة نيقية، شعرة واحدة. قدرته، بنعمة الله، على الصمود كانت خارقة. كانت فيه شعلة إلهية لا تخبو. أخيراً مات قسطنديوس وعاد أثناسيوس مظفّراً، بعون الله، إلى الإسكندرية في 21‏شباط 362‏م. يوليانوس الوثني الجاحد تولّى العرش. وفي سعيه إلى ضرب المسيحية أعاد الأساقفة الأرثوذكسيين إلى ديارهم آملاً في تأجيج الصراع بين الأرثوذكسيين والآريوسيين، ومن ثم في إضعافهما معاً لتقوى الوثنية على حسابهما وتعود إلى الواجهة من جديد. لكن حساب البيدر لم يكن على حساب الحقلة، فكان نصيب أثناسيوس التواري والنفي مرة أخرى.
الحلقة الرابعة
‏بين شباط وخريف العام 362‏م، حقّق القديس أثناسيوس نجاحات ملفتة. ‏التفّ الشعب الأرثوذكس حوله. أقام اتصالات بعدد من الأساقفة الأرثوذكسيين. بدى لناظريه كلولب لتوحيد الكنيسة. أقام جسوراً مع الفريق نصف الآريوسي الذي وقف وسطاً بين الأرثوذكسية والآريوسية. أبدى حياله مرونة وتفّهماً عميقين. لمّا فهموا حقيقة موقفه تغيّروا وانضمّوا إليه. كل هذا وغيره أقلق يوليانوس الجاحد. وحتى لا يفسح لأثناسيوس في المزيد من المجال لإفساد خططه عليه اتخذ في حقّه تدابير احترازية. وجّه إلى شعب الإسكندرية رسالة ذكّر فيها بأن أثناسيوس سبق أن صدر في حقّه عدد من المراسيم الملكية التي قضت بنفيه. سجل الرجل، إذاً، غير نظيف، وها هو الآن يهين القانون والنظام ويتصرّف كأنه لا قانون. كذلك أكدّ يوليانوس إنه لم يسمح لا لأثناسيوس ولا لسائر من أسماهم بـ "الجليليّين"، وعنى بهم المسيحيّين، بالعودة إلى كنائسهم بل إلى بيوتهم وحسب. وبعد أن أشار إلى ما اعتبره "الوقاحة المعهودة" لأثناسيوس الذي اغتصب، على حد قوله، "ما يدعى بالكرسي الأسقفي"، أنذره بمغادرة الإسكندرية حال تسلّمه إشعاراً بذلك، وإلا فإن عقاباً صارماً سوف يُتخذ بحقّه.
‏لم يجد قدّيسنا أمامه خياراً غير الانسحاب من الإسكندرية. تركها في ‏تشرين الأول 362‏م. وإذ رأى الرهبان الذي رافقوه إلى المركب يبكون قال لهم: "لا تحزنوا! ليست هذه سوى غيمة صغيرة وتعبر!" أحد مراكب العسكر الملكي لاحقه واقترب منه. سألوا "أين أثناسيوس؟" أجاب: "ليس بعيداً عنكم!" ولكن بدل أن يفتّشوا المركب انصرفوا. أما أثناسيوس فوُجد بين رهبان صعيد مصر، لكنه كان ينزل إلى الإسكندرية حيثما دعته الحاجة. عملاء ‏يوليانوس كانوا يعرفون ذلك لذلك لاحقوه. مرة كان في مركب يصلّي وكاد أن يقع في أيدي مضطهديه. قال للأنبا بامون الذي رافقه:"أشعر بالهدوء في زمن الاضطهاد أكثر مما أشعر في زمن السلم". وإذ أردف موجِّهاً كلامه إلى صحبه:"إذا ما قُتلت..." قاطعه بامون قائلاً: "في هذه اللحظة بالذات قضى ‏يوليانوس عدوّك في الحرب الفارسية!" هذا، كما تبيّن فيما بعد، كان صحيحاً. ففي تموز 323‏م خرج يوليانوس إلى الحرب ضد الفرس فقضى بسهم طائش من أحد عسكريّيه ولم يعد.
الحلقة الخامسة والأخيرة
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
‏بعد يوليانوس الجاحد تولّى الحكم الإمبراطور جوفيانوس الذي كان ‏أرثوذكسياً. هذا ثبّت أثناسيوس على كرسي الإسكندرية وعامله بإجلال كبير. لكن عمر جوفيانوس كان قصيراً. ففي أوائل العالم التالي، 364‏م، خرج على رأس عسكره إلى حدود بيثينيا، حيث قضى مسموماً بدخان الفحم الذي أُشعل في غرفة نومه لتدفئته. على الأثر تولّى الحكم إمبراطوران: والنتنيانوس على الغرب ووالنس على الشرق. والنس كان آريوسياً. والفريق الآريوسي كان أضعف من ذي قبل. انتظر والنس إلى العام 367م ليبادر إلى نفي الأساقفة الأرثوذكسيين من جديد. أثناسيوس كان من بينهم. توارى مرة أخرى. وقيل اختبأ أربعة أشهر في مقبرة. ولكن اهتاجت مصر فتوجّس والنس خيفة وأمر باستعادة أثناسيوس فعاد، هذه المرة، ليبقى.
‏ساس قدّيسنا رعيّته بسلام سبع سنوات إلى أن رقد في الرب في 2أيار عام 373م. جملة سنواته أسقفاً كانت ستّاً وأربعين، قضى عشرين منها في المنفى. لم يعاين نصرة الأرثوذكسية في كل مكان، لكنها تحقّقت بعد سنوات قليلة من وفاته، زمن الإمبراطور ثيوديوس الكبير.
حياة المغبوط أنطونيوس الكبير
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
‏من أهم ما ترك لنا القديس أثناسيوس، كتابة، سيرة القديس أنطونيوس ‏الكبير الذي قال إنه رآه مراراً ولازمه طويلاً وسكب في يديه الماء. تاريخ السيرة حدود العام 357م، بعد وفاة القديس أنطونيوس بقليل. الكتاب موجّه إلى رهبان غير مصريّين، ربما غربيّين، طلبوا من أثناسيوس أن يكتب لهم عن حياة المغبوط لأنهم رغبوا في أن يعرفوا منه كيف بدأ نسكه، من كان قبل ذلك، كيف كانت نهاية حياته، وهل إن كل ما يروى عنه صحيح. غرضهم، كما بدا لأثناسيوس، كان الإقتداء بغيرة أنطونيوس. وقد قبل أثناسيوس طلبهم ولبّى رغبتهم لأن ربحه كبير حتى لمجرد ذكر اسم أنطونيوس، على حد تعبيره، ولأن حياة المغبوط، كما ورد في مقدّمته، "نموذج كاف للنسك". ويبدو أن مراسلي أثناسيوس ضمّنوا كتابهم إليه بعض الأخبار التي سمعوها عن أنطونيوس. هذه أكدّ أثناسيوس صحّتها مشيراً إلى أنها مجرّد غيض من فيض. كما حرص أثناسيوس على جمع معلومات إضافية عن أنطونيوس من الرهبان الذين اعتادوا زيارته بشكل متواتر، أولاً ليتعلّم وينتفع هو نفسه وثانياً ليكون له أن يكتب عنه المزيد. كذلك سعى أثناسيوس إلى التدقيق في أخبار المغبوط ما أمكنه لكي تكون كل الأمور بشأنه حقيقية، على حد تعبيره. ثم ختم بالقول: "إذا ما سمع أحدكم شيئاً أكثر فلا يشك في الرجل، أما إذا سمع أقلّ فعليه ألا يحتقره".
‏هذا والسيرة أهم وثيقة معروفة عن بداءة الحياة الرهبانية. علّق القديس غريغوريوس اللاهوتي عليها بالقول إنها "قاعدة للحياة الرهبانية في شكل سردي". كتبت أول ما كتبت باليونانية وترجمها أفغريوس الأنطاكي إلى اللاتينية تحت عنوان "من أثناسيوس الأسقف إلى الإخوة الذين في البلاد الأجنبية". هذا ربما كان إشارة إلى الرهبان الغربيّين. أنّى تكن حقيقة الأمر فإن السيرة ساهمت مساهمة فعّالة في نشر المثال الرهباني وأدخلت الرهبنة إلى الغرب. أوغسطينوس المغبوط أشار في اعترافاته إلى التأثير الحاسم الذي كان للسيرة عليه، بالنسبة لهدايته، كما أشار إلى اجتذابها العديدين إلى الحياة الرهبانية.
‏والى السيرة باليونانية واللاتينية وردت أقدم نصوصها بالسريانية والقبطية أيضاً.
قالوا عنه
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
‏لقد قيل الكثير عن أثناسيوس الكبير. القديس غريغوريوس اللاهوتي قال "إن الله به حمى الإيمان الأرثوذكسي وحفظه، في حقبة من أشد الحقب التاريخية حرجاً". وعن كتاباته قال يوحنا موخوس، في القرن السادس‏ للميلاد، "إذا وجدت مقطعاً للقديس أثناسيوس ولم يكن لديك ورق لتنقله فاكتبه على ثيابك". كذلك كتب القديس غريغوريوس اللاهوتي عنه قائلاً: "إذا كنت أثني على القديس أثناسيوس فإنما أثني على الفضيلة نفسها لأنه حوى كل أنواع الفضائل. كان عمود الكنيسة ولا يزال مثال الأساقفة. ليس ‏إيمان أحد صادقاً إلا بقدر ما يستنير بإيمان أثناسيوس". هكذا وصف غريغوريوس خُلقَه: "كان متواضعاً حتى لم يجاره أحد في تلك الفضيلة... حليماً، لطيف المعشر يسهل على الجميع الوصول إليه... طيِّب القلب حنوناً عطوفاً على الفقراء... أحاديثه لذيذة تأخذ بمجامع القلوب. توبيخاته بلا مرارة. ومتى أثنى على أحد فلحمله على الكمال... كثير التسامح من دون ضعف، شديد الحزم من دون قسوة... كثير الحرارة والمواظبة على الصلاة، شديداً في حفظ الأصوام. لا يكلّ عن الأسهار ولا عن تلاوة المزامير... يعطف على الصغار ولا يهاب مقاومة عظماء الدنيا وما يأتون من مظالم".
‏أثناسيوس، بكلمة، مصارع. لم يخش الضربات وكان مستعداً أن يتقبّلها. دافع عن الإيمان القويم في وجه الأباطرة كما في وجه اللاهوتيين السياسيين. كان واثقاً من ربّه وغلبته، ثابتاً في إيمانه وعزمه. لم يردّه عن قول الحق ضيق ولا أسكتته عن الشهادة قوّة. تمثّل الأرثوذكسية قولاً وعملاً. قريباً من الشعب كان لا أرستقراطياً. أسقفاً للمقاومة، بتعبير عصري. حريصاً على إتمام رعايته وتقدّم سامعيه في سبل الحياة الإنجيلية. لا يتسّم لاهوته بالتأملية الفلسفية بل بالصلابة العقدية. لاهوته تأكيد للحق الإلهي لا تفكّر نظري فيه. لاهوته حي. حتى البلاغة عنده مظهر من مظاهر الالتزام بعمل الله الخلاصي.
كان أثناسيوس كلّياً في قولته وتصميمه. اتهموه بالتصلّب وقلّة المداراة. والحق إنه كان صلباً لا متصلّباً. أحدياً في توجّهه على نحو حاد واضح، لا يراوغ ولا يناور ولا يداور. الشعب المؤمن والرهبان أدركوا أنه يقول الحق. لم ‏يؤخذوا بفتنته. أخذوا بشهوة الحق لديه. أقنعهم لا بمنطقه، بل لأنهم وثقوا به. هذا كان سر بلاغته النفّاذة.
‏صنع أثناسيوس الكثير. ترك على الفكر اللاهوتي عبر العصور بصمات لا تمّحى. ولعلّ أبرز ما تركه أنه حال دون تحوّل المسيحية عن خطّها الخلاصي ‏التأليهي إلى فلسفة. كما حرّر الكنيسة من ربقة القوى السياسية، لاسيما وقد اعتاد الأباطرة الرومان، إلى زمانه، الاستبداد بشؤون العبادة كما بشؤون العباد. كذلك ربط اللاهوت بالتأله وبالنسك، وقدّم في شأنه أنطونيوس ‏المغبوط نموذجاً للإنسان الجديد، فكان أثناسيوس مفصلاّ بين الكنيسة كما آلت إليه بكل التحديات التي نزلت بها، والكنيسة كما استودعها سيّدها حقّه ونفسه لمئات السنين، بعدما انفتح بابها للدنيا على مصراعيه، حتى إلى يومنا هذا.
 
قديم 10 - 01 - 2017, 05:06 PM   رقم المشاركة : ( 15743 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,106

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القدّيسة‎ ‎أفراسيا النيقوميذية (+303م)‏‎ ‎
19 كانون الثاني غربي (1 شباط شرقي)
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كانت القدّيسة أفراسيا امرأة مؤمنة تقيّة نبيلة من نيقوميذية. أوقفوها لايمانها بالمسيح خلال حملة الأمبراطور الروماني مكسيميانوس على المسيحيين. اعترفت بالمسيح وواجهت التعذيب بشجاعة وأمانة. سلّمت لأحد البرابرة لطعنها في عفتها. أوهمت البرابري أن لديها سائلاً إذا ما ادّهن به حفظ نفسه من كلّ أذية، من طعن الحراب وضرب السيوف. ولكي تقدّم له البرهان على صدق ادّعائها دعته إلى التأكد بنفسه. ادّهنت بالسائل وقالت له أن يضرب عنقها بالسيف بكلّ قوّته فلن تؤثر ضربة السيف بها، انطلت الحيلة على الرجل، فضربها بحد السيف فقطع رأسها فانحفظت بتوليتها وتكمّلت شهادتها
 
قديم 10 - 01 - 2017, 05:12 PM   رقم المشاركة : ( 15744 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,106

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس البار أفثيميوس الكبير‎ ‎‏(+473م)‏
20 كانون الثاني غربي (2 شباط شرقي)
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الكاتب
كتب سيرة القديس البار أفثيميوس الكبير أحد تلامذة القديس سابا، ‏الراهب كيرللس البيساني (سكيثوبوليس)، بناء لطلب القديس يوحنا الهدوئي (8كانون الثاني) وإثر معاينته القدّيسين أفثيميوس وسابا في رؤيا وتلقّيه العون والبركة من القديس أفثيميوس، على ما روى. أخذ الورق وجلس فلم يُؤْتَ الكتابة. كانت الساعة الثانية، أو الثامنة صباحاً حسب ترتيبنا اليوم. فجأة أتاه القدّيسان في رؤيا متجلببين بالجلباب عينه فقال سابا لأفثيميوس: "هوذا كيرللس يمسك بالدّرج ولمّا يباشر الكتابة بعد!"، فأجابه أفثيميوس: "أنّى له أن يُتمّ واجباً كهذا ولم تنزل عليه بعد نعمة إلهية ترشد خطاه؟" فأردف سابا: "هبه أنت نعمة، كهذه، أيها الأب القدّيس!" فجعل أفثيميوس يده في حضنه وأخرج إناء مرمرياً فضياً ناعماً وغمس فيه أداة في طرفها ريشة ثلاث مرّات ومدّها إلى كيرللس. فبدت في فمه سائلاً كزيت الزيتون، مذاقه من الحلاوة بحيث لو شُبِّه بالعسل لبخسه العسل حقّه. ثم صحا وكانت نكهة السائل بعد في فمه. وإذ امتلأ من مسرّة الله باشر بكتابة السيرة.
مولود العقر
‏ولد أفثيميوس قرابة العام 377م في ملاطية الأرمنية، قريباً من نهر الفرات، زمن الإمبراطور غراتيانوس. اسم أبيه بولس واسم أمّه ديونيسيا. كلاهما كان بارزاً وفاضلاً. لكنهما أقاما مكتئبين سنوات لأنهما كانا من دون ذرّية. وإذ اعتادا التردّد على كنيسة القديس بوليفاكتوس الملاطي (9كانون الثاني) دأبا على الابتهال إلى الله أن يمنّ عليهما بثمرة البطن ويسكِّن لوعتهما. فقُبلت طلبتهما وأنعم عليهما الرب الإله بمولود ذكر أسمياه أفثيميوس أي المسرّة. هذا نذراه لله من قبل أن يولد. فلما بلغ الثالثة رقد أبوه وقدّمته أمّه للكنيسة نظير حنّة أم صموئيل واقتبلت هي الشموسية.
راهب ومدبّر
قضى أفثيميوس سنوات الفتوّة في عشرة الكتاب المقدّس وأخبار القدّيسين ملتصقاً بأكاكيوس معلّمه، أسقف ملاطية العتيد، خادماً له، سالكاً في السيرة الملائكية بحرص وانتباه. وقد سامه معلّمه كاهناً وكلّفه العناية بالأديرة التابعة لأبرشيته.
‏أحبّ أفثيميوس الهدوء والتردّد على كنيسة القديس بوليفاكتوس. فيها اعتاد قضاء سحابة أيامه كلّما وجد إلى ذلك سبيلاً. وكان يترك المدينة مرة ‏في السنة، بعد الظهور الإلهي، ليعتزل في بعض الجبال في البرّية إلى عيد الشعانين.
‏أضنت القديس مهمّة الإشراف على الأديرة فيما اشتاقت نفسه إلى المزيد من الهدوء والسكينة فخرج سرّاً إلى أورشليم وهو في التاسعة والعشرين. همّه كان أن يحجّ إلى هناك وأن يحادث الآباء القدّيسين ويتعلّم منهم. فبعدما تزوّد بأمثلة العديدين ونصائحهم مال إلى مكان يبعد سبعة أميال عن أورشليم، إلى الجهة الشمالية الشرقية، يدعى فارا فأقام بقرب عين الماء وأشجار النخيل في هدوء. هناك تعرّف إلى ناسك في الجوار هو القديس البار ثيوكتيستوس (3 ‏أيلول) الذي أضحى وإيّاه كنفس واحدة.
‏من فارا إلى المغارة
‏بقي أفثيميوس في فارا خمس سنوات انتقل بعدها ورفيقه إلى صحراء كوتيلا، صوب البحر الميت، ناحية قمران. هناك هداهما الرب الإله إلى مغارة فسيحة كانت ملاذاً للوحوش، فأقاما فيها زمناً طويلاً يقتاتان من الأعشاب البرّية ولا يباليان بغير الرجاء بالله إلى أن كشف مكانهما رعيان من بيت عنيا.
‏وسمع بالمجاهدين رهبان فارا فأخذوا يتردّدون عليهما. فلما ذاع صيتهما وكثر طلاّب الرهبنة عليهما حوّل أفثيميوس الكهف كنيسة وابتنى فوقها لافرا عهد بعنايتها إلى ثيوكتيستوس. اللافرا، في الأساس، مجموعة قلالٍ للمتوحّدين حول مركز يضمّ كنيسة وفرناً. واستعمال اللفظة فلسطيني أولاً. المتوحّدون كانوا يمضون أيامهم في قلاليهم، إلا السبت والأحد ليشتركوا في سر الشكر ومائدة المحبة وتبادل كلام المنفعة. أما أفثيميوس فاختلى في المغارة وكان يرشد المقبلين إليه والمعترفين لديه معلّماً إيّاهم الزهد والطاعة والاتضاع وأن يجعلوا ذكر الموت حيّاً فيهم ويحصّلوا طعامهم بتعبهم ويحفظوا الصمت.
البدو
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
‏‏وحدث، في ذلك الزمان، أنه كان لأحد زعماء البدو ابن يدعى ترافون عانى من ضغطة شيطانية فانشلّ نصفه الأيمن. وأتت الصبي رؤيا قيل له فيها أن يذهب إلى مغارة أفثيميوس الراهب وهو يشفيه. فقام ووالده وصحبه وذهبوا إلى الموضع كما أُشير به إليهم في الرؤيا. فلما وصلوا طالعهم ثيوكتيستوس فأخبروه بما أتوا من أجله وما حدث لهم. وكان أفثيميوس منكفئاً على عادته. فقال ترافون: "لقد التجأت إلى السحرة وأطبّاء العربية وأنفقت مالاً جزيلاً ولمّا أنتفع شيئاً، فأيقنت أن ما نوليه قيمة لا يعدو كونه حكايات وأوهاماً. فصلّيت إلى الإله الحقيقي وأخذت على نفسي أن أصير مسيحياً إن برئت. وفيما كنت أصلّي على هذا النحو عاينت شيخاً راهباً طويل اللحية يسألني عن علّتي فكشفتها له، فقال لي: لو شُفيتَ لكان عليك أن تتمّم ما وعدت به. فقلت: أجل يا سيّد! سوف أفعل ذلك! إذ ذاك كشف لي عن نفسه قائلاً: "أنا أفثيميوس. أقيم في ناحية السيول، على بعد عشرة أميال عن أورشليم. فلو رغبت في أن تُشفى فأتِ إليّ والرب يشفيك". وتابع ترافرن كلامه قائلاً: لما علمتُ أنا بذلك أخبرت والدي، وأتينا ‏إليك. فأدرك ثيوكتيستوس أن في الأمر تدبيراً إلهياً فنقل الخبر إلى أفثيميوس الذي خرج من المغارة لتوّه وقابل البدو وصلّى على الصبي فأبرأه باسم الرب يسوع.
‏تعجّب البدو جداً وآمنوا بالمسيح وطلبوا العماد بيد قدّيس الله. للحال جعل أفثيميوس من زاوية الكهف مكاناً للمعمودية. فاعتمد والد الصبي ودعي بطرس وكذلك ماريس، زوج أخته، وكان فهيماً فاضلاً، ثم ترافون والباقون. وقد علّمهم القديس ووعظهم أن يحفظوا التقوى وصاموا أربعين يوماً، ثم قاموا وارتحلوا إلا ماريس الذي ترهّب ودخل في طاعة القدّيس، وهو الذي صار، فيما بعد، رئيساً للافرا. وقد ورد أن العديد من البدو اهتدوا ‏واعتمدوا بفضل بطرس وبركة القديس أفثيميوس وتعليمه وإن بطرس سيم أسقفاً عليهم.
‏إلى قمة مردان
‏وتقاطر الناس إلى قديس الله من كل صوب وطلب الكثيرون البر، على يديه. فلما اشتدّت وطأتهم غادر موضعه سرّاً لأنه أحب السكون، ورافقه راهب فاضل يدعى دوميتيانوس. وقد قصدا مكاناً بقرب روبا وصعدا قمّة مردان التي هي مسعدا المعروفة في تاريخ بني إسرائيل. هناك وجدا ماء وبعض الخرائب، فأصلحا لنفسيهما كنيسة وأقاما فيها. هناك أيضاً اهتدى الناس إلى أفثيميوس فأخذوا يتردّدون عليه. وإذ شفى، باسم الله، ولداً عذّبه الشيطان، كثر عليه القادمون وابتنوا لأنفسهم ديراً بعنايته.
إلا أن أفثيميوس عاد بعد حين إلى الكهف وإلى رهبان اللافرا، لكنه أقام ‏على بعد ثلاثة أميال منهم وصار يتردّد عليهم بانتظام.
ضيوف ومائدة
‏في ذلك الزمان تاه أربعمائة من الأرمن نزلوا من أورشليم إلى الأردن ‏فبلغوا لافرا القديس أفثيميوس. فلما رآهم المغبوط دعا تلميذه دومتيانوس وطلب استضافتهم. فأجابه دومتيانوس: ولكن، لا طعام لنا ولا ليوم واحد! فقال له أفثيميوس: اذهب يا بني وانظر كم تختلف أفكار الناس عن نعمة الله وقدرته!" فخرج دومتيانوس إلى المخزن. ولما رام فتح الباب لم يقدر. فصاح بآخرين فأتوا وساعدوه. فلما فتحوا الباب وجدوا الخير في المخزن فائضاً. كل ما يمكن أن يحتاجوا إليه من الطعام كان موجوداً في الداخل: خبز وخمر وزيت وخلافه! فعاد دومتيانوس إلى معلّمه وسجد عند قدميه فأقامه القديس قائلاً: من يزرع بالبركات، فبالبركات أيضاً يحصد! من يخدم الغرباء ويقبل الفقراء ينفع نفسه بالأكثر. هذا ما يجب أن تفعله إذا ما اشتهيت بركة الله عليك وأن تقوى ما فيه الكفاية في الدهر الحاضر وتنعم بالحياة الأبدية في الدهر الآتي.
عدم الطاعة
‏وبلغ عدد الرهبان في اللافرا قرابة الخمسين. أحدهم، أوكسنديوس، حافظ البهائم، لم يكن مطيعاً. فنبّهه الإخوة ونبّهه القديس فلم يرعو. فقال له القديس: سوف تلقى ثمرة عصيانك بعد قليل! وإذا بروح الخوف يستبدّ به لدرجة أن قواه خارت وسقط أرضاً. فأقامه قديس الله وشفاه، بنعمة الله، ووعظه فاتعظ واستقامت قناته.
راهبان يطلبان ترك الدير
‏مرة أخرى، طلب راهبان، مارون وكليماتيوس، ترك الدير. فعرف القديس بروحه أن الشيطان لجم رأسيهما وطلب إسقاطهما، فحذّرهما مبيّناً لهما، بأمثلة عديدة عن الطاعة، أنه إذا أراد أحد ترك مكانه راغباً في الفضيلة يخطأ لأن تغيير طريقة الحياة هي التي تخلّص الإنسان لا تغيير موضعه. وكما أن الشجرة التي تُقلع وتزرع من جديد في موضع آخر لا تزدهر كذلك الراهب لا ينجح في حياة الفضيلة إذا أدام التنقّل من موضع إلى آخر. فلم يشأ الراهبان أن يفهما إلى أن سمح الله بروح رعدة استبدت بهما فتابا.
جهادات القديس
‏ونقل كيرياكوس الناسك الذي رافق القديس وعرف صرامة عيشه أنه لم يره مرة يأكل أو يتلفّظ بكلمة واحدة، خمسة أيام في الأسبوع، إلاّ عند الضرورة القصوى، ولا اعتاد النوم ممدّداً بل جالساً أو معلّقاً بحبل في زاوية القلاّية. كان لا ينام إلا قليلاً وينادي النوم قائلاً: "هيا، أيها العبد الشرير!"
كذلك سلك أفثيميوس في خطى أرسانيوس (8‏أيار)، اعتزالاً واتضاعاً وصمتاً وفقراً في الملبس وإمساكاً وأسهاراً ونخس قلب ودموعاً واحتمالاً.
أمليانوس الراهب
‏‏أحد إخوة اللافرا واسمه أمليانوس سلك في الفضيلة منذ صباه وكان طاهراً حكيماً، فحسده الشيطان وهاجمه بحرب جسدية رهيبة لم يحتملها. وإذ مال إلى تلك الأفكار قبلها أخيراً. فلما خرج القديس عند الفجر إلى صلاة السحر مرّ بذلك الأخ فاشتم رائحة كريهة تنبعث منه فأدرك أن في الأمر فخاً من الشيطان فانتهره. وإذا بالأخ يسقط على الأرض ويتشنّج ويزبد فطلب القديس ضوءاً لأن المكان كان مظلماً وقال للآباء: "انظروا يا إخوة هذا الذي كان منذ الطفولية حكيماً وفاضلاً كيف هو الآن مغلوب لأفكار النجاسة. إنه لأمر مخيف مبك! لذلك أقول لكم ليحطم كل واحد منكم أفكاره الشرّيرة ويطردها أولاً بأول، حين لا تكون بعد قوية. أما إذا لاطفناها ودخلنا في وصال معها وتمتعنا بها، حتى ولو لم نعرف جسداً فإن النفس تكون قد خطئت. إذ في ذاك، كما علّمنا ربّنا، ندان كزناة يوم تكشف دواخلنا.
‏وبعدما نبّه الإخوة إلى ضرورة الحذر والتأمل في خروج النفس على الدوام، صلّى على أمليانوس فخرجت منه رائحة نتنة لا تحتمل. وإذا بصوت يقول: "أنا هو روح الزنى!"
‏بعد ذلك عاد أمليانوس إلى صوابه وتأدّب.
القدّاس الإلهي
‏لما بلغ القديس السادسة والسبعين نزل من الروبا إلى اللافرا وخدم سرّ الشكر، القدّاس الإلهي، وكان سبتاً. بضعة أشخاص كانوا محتفّين به كتلميذه دومتيانوس وترافون البدوي. فلما بلغت الخدمة حدّ الترنيمة المثلثة التقديس، فجأة نزلت نار من السماء وغلّفت القديس وتلميذه دومتيانوس،‏ من تلك اللحظة وإلى نهاية القدّاس الإلهي.
‏كذلك أفاد عارفو القديس أن الرب الإله منّ عليه بنعمة خاصة أتاحت له معرفة الجميع، واحداً واحداً، من مجرّد منظرهم، كما في مرآة. كان يعرف حركات قلوبهم وأهواء نفوسهم ويميِّز الهوى الذي سقط فيه الأخ، وكذا الأهواء التي لم ينغلب لها. من هذا المنطلق، كان ينظر بعض المقبلين إلى الكأس المقدّسة حسني المنظر، ذوي بهاء، فيما كان سواهم مسودّاً، كئيباً.
‏وقد لاحظ بعض الإخوة إن ملائكة مخوفين كانوا يأتون إليه في الخدمة الإلهية ويعاونونه كشمامسة.
عن القديس سابا
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
‏لما بلغ القديس أفثيميوس الثانية والثمانين أتى المغبوط سابا المتقدّس راغباً في الانضمام إليه، فعرف القدّيس بروحه على أية قامة سوف يكون سابا في حياته. وإذ لم يقبله لصغر سنّه بعث به إلى ثيوكتيستوس قائلاً: "اقبل هذا الشاب وأرشده وقده باهتمام في دروب النسك والرهبنة بدقّة، لأنه يبدو لي إنه سوف يتقدّم تقدّماً كبيراً في الحياة النسكية وسيشعّ على العديدين بإنجازاته الفائقة العجيبة".
وداعية القدّيس
‏إذ كانت للقدّيس دالة عند الله فقد عرف وخبّر عن خروجه العتيد إلى ربّه وما سوف يحدث للافرا التي أنشأها بتعب جزيل. فبعد ثمانية أيام من عيد الظهور الإلهي، اجتمع إليه العديد من الآباء، بعضهم ليودّعه وآخرون ليذهبوا معه إلى الصحراء. كانوا يظنّون إنه سوف يخرج كعادته إلى خلوته السنوية. وإذ لاحظوا إنه لم يعدّ العدّة للذهاب سألوه، فأجابهم: "أنا باق معكم كل هذا الأسبوع. ثم أغادركم يوم السبت في نصف الليل". كلّمهم عن مغادرته لهم لا إلى الصحراء بل إلى ربّه فلم يفطنوا.
‏بعد ثلاثة أيام، كان عيد القديس أنطونيوس الكبير فأمرهم أن يقيموا السهرانة ففعلوا. في نهايتها، دعا الخدّام وقال لهم: "اعلموا هذا، يا إخوة، إن الرب دعاني من هذه الحياة إلى الحياة الآتية. فليجتمع الإخوة كلّهم غداً فأخبركم كيف تسلكون بعد رحيلي عنكم".
‏في الصباح، اجتمع الإخوة ففتح فاه وكلّمهم قائلاً: "أيها الآباء والإخوة المحبوبون في الرب، يا أولادي الأعزاء! في ثلاثة أيام أطأ نهاية طريق آبائي. لذا عليكم أن تحفظوا الوصايا التي أستودعكم إيّاها لكي تستبين تقواكم ومحبّتكم لي. أهمّ الفضائل التي عليكم اقتناؤها المحبة التي بدونها لا يمكن لأحد أن يحقّق شيئاً. كل الفضائل تعرف بالمحبة والتواضع. التواضع يرفع الفاضل إلى قمم الإنجاز فيما تعصمه المحبة عن السقوط منها. علينا دائماً أن نعترف بخطايانا أمام الله... اثبتوا أنقياء في النفس والجسد. احفظوا القانون الذي وضعته لكم وداوموا على التمجيد في اجتماعاتكم. اهتمّوا بالمتألّمين قدر طاقتكم. على كل الإخوة القلقين من أفكار فاسدة كريهة أن يعترفوا بها للحال وأن يصلحهم الآباء الأكثر خبرة بالوعظ والمثال الصالح حتى لا يطيح بهم الشيطان. بهذا أوصيكم فاحفظوه بحرص: لا توصدوا الباب في وجه المقبلين إليكم! ليكن مفتوحاً للمسافرين المنهوكين وللفقراء. ضعوا ما تقتنون في خدمة المحتاجين إذا ما رغبتم إلى الله في أن يزوّدكم بما تحتاجون إليه بوفرة...". ثم ختم القديس بالقول: "وأنا إذا أذن لي الرب فلسوف أسأله أن أكون مع الشركة دائماً في الروح".
‏فلما قال هذا صرف الجميع إلا دومتيانوس الذي بقي معه ثلاثة أيام. ثم في مساء السبت، كما سبق فخبّر، رقد في سلام بالرب ممتلئاً أياماً، ستة وتسعين عاماً. كان ذلك في 20‏كانون الثاني من السنة 473م.
ملامح القديس
‏كيف بدا القديس أفثيميوس لناظره؟
‏ثمة وصف له أورده كيرللس البيساني الراهب. قال: كان القديس ‏بطبعه لطيف المعشر، موطّد العزم، مليح التقاسيم، وسيماً، دائري الوجه، بهج الطلعة، حلو الشمائل، ممدود اللحية إلى وسطه ويزيد. كل ما فيه كان صحيحاً سليماً. وكان كامل الأعضاء، حتى أسنانه لا نقص فيها.
‏عجائبه:
‏ينقل كيرللس الراهب للقديس عن تلاميذه عجائب جمّة بينها أشفية وطرد للأرواح الشرّيرة. من أخباره هذه الحادثة الفريدة التي جرت بعد وفاته. في قرية تدعى فاران، إلى الشرق، كان راع اسمه كيرياكوس أمّنه جار له فقير على عشر خراف يرعاها. بعد حين عضّت الفقير الحاجة ورغب في بيعها، فلما جاء إلى كيرياكوس وطلبها منه لم يعترف إلا بثمانية واحتفظ لنفسه بخروفين. فتجادل وإياه ولكن دون جدوى. فقال له الفقير: "إذا كنت مستعداً أن تقسم عند قبر القديس أفثيميوس فلا بأس عندي إن خسرتها !" فقبل كيرياكوس العرض. وإذ دنا الاثنان من قبر القديس رأى المُسُاء إليه أن كيرياكوس على وشك أن يحلف يميناً كاذبة فخشي الإثم وقال له: "لنعد يا أخي وأنا أعتبر كأنك أقسمت!" فلم يرض كيرياكوس، وكأن الحق بجانبه، وأصرّ، بوقاحة، على أخذ القسم. وإذ اقترب من القبر تجاسر وحلف يميناً كاذبة، ثم عاد إلى بيته. في تلك الليلة، فيما كان كيرياكوس في السرير، بدا له كأن الباب انفتح ودخل راهب في يده عصا ومعه خمسة فتيان. فجأة امتلأ البيت نوراً. كان الراهب هو القديس أفثيميوس بالذات وكان متجهِّم الوجه. وإذا به يصرخ في وجه كيرياكوس قائلاً: "أيها البطّال، كيف تجرؤ على حلف يمين كاذبة عند قبر أفثيميوس؟" فخرس كيرياكوس ولم يستطع جواباً. فأمر القديس أربعة من الفتيان أن يضربوه بالسوط والخامس بالعصا قائلاً: "اضربه بكل قوّتك حتى لا يجرأ على إهانة الله مرة أخرى ويقسم قسماً كاذباً ويأخذ ما ليس له!" وبعدما ضربوه ما فيه الكفاية ‏أوقفهم القديس وقال للمفتري: "ألم تعلم، أيها الأثيم، أن هناك إلهاً يدين الأرض بعدل؟ وهو جعل هذا العقاب عليك، لا لخيرك، لأنك غداً تموت وآخرون يأخذون ما جمعته بغير حق، بل لإصلاح سواك، حتى يفروّا من خطر القسم الكاذب ويجتنبوا حتى القسم بحق!" قال القديس هذا وانصرف. كانت آلام كيرياكوس لا تطاق. وإذ صرخ اجتمع عليه الجيران فأراهم جراحه واعترف بأنه أقسم يميناً كاذبة. ثم رجاهم أن يأخذوه إلى قبر القديس ليسترحم لديه. فلمّا أحاطوا به خافوا أن يلمسوه من كثرة جراحه. فاحضروا كيسين من القش وضعوه بينهما وأخذوه إلى الدير وأخبروا بما جرى. وكل الذين سمعوا انتابتهم القشعريرة وخافوا خوفاً عظيماً، فلم يعد أحد يجرؤ، مذ ذاك، على حلف يمين، لا فرق صادقة أو كاذبة. وبعد يومين ساءت حال كيرياكوس وانفتحت معدته وكان يتقيأ باستمرار فجاء أقرباؤه وأخذوه إلى البيت. وفي اليوم الثالث مات.
طروبارية القديس البار أفثيميوس الكبير باللحن الرابع
افرحي أيتها البريَّة التي تَلد، اطربي يا مَن لم تُمارس طَلْقَاً، لأن رجل رغائب الروح قد كثَّر أولادكِ، إذ قد غرسهم بحسب العبادة، وعالهم بالإمساك, لكمال الفضائل، فبتوسُّلاته أيها المسيح الإله سلم حياتنا.
 
قديم 10 - 01 - 2017, 05:22 PM   رقم المشاركة : ( 15745 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,106

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس البار أفثيميوس الكهفي الكييفي (القرن14م)
20 كانون الثاني غربي (2 شباط شرقي)
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كان راهباً بالاسكيم الكبير . قضى عمره هدوئياً لا يغتذي إلا من البقول المجففة . أُهل للتحدث الى الملائكة . المؤمنون الذين كانوا يضعون صليبه الجلدي حول أعناقهم كانوا يشفون للحال من أدوائهم .
 
قديم 10 - 01 - 2017, 05:23 PM   رقم المشاركة : ( 15746 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,106

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديسين الشهداء أفجانيوس وفاليريانوس وكنديدوس وأكيلا(+القرن3م)‏
21 كانون الثاني غربي (3 شباط شرقي)
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
اختبأ فاليريانوس وكنديديوس وأكيلا في الدبال هربًا من الحكّام الذين حملوا على المسيحيين في زمن الأمبراطور الروماني ذيوكليسيانوس. قبض عليهم واستيقوا إلى تريبيزوند حيث مثلوا أمام الوالي ليسياس الظالم. عُرّضِوا للتعذيب وضُربوا ولم يتزحزحوا عن ايمانهم. في تلك الفترة جرى ايقاف أفجانيوس الذي اعترف بالايمان بالمسيح. لما أُتي به إلى معبد الأوثان قلب الأصنام بقوّة صلاته. تعرّض الأربعة للمزيد من التعذيب ثم جرى قطع هاماتهم.
 
قديم 10 - 01 - 2017, 05:24 PM   رقم المشاركة : ( 15747 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,106

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديسة البارة أبولينارية التي نسكت باسم دوروثيوس (القرن5م)
4 كانون الثاني غربي (17 كانون الثاني شرقي)
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ابنة أحد الولاة في رومية، المدعو أنثيموس، أيام الإمبراطور البيزنطي لاون الأول (457 -474م). فاقت الكثيرات من أترابها جمالاً وحكمة. فتنها الرب يسوع المسيح فأصرت على والديها إلى أن أذعنا أن تكون له بتولاً وأن تحج إلى الأماكن التي وطأتها قدماه. في أورشليم أطلقت عبيدها ووزعت ثيابها على الفقراء وزينتها ومالها وتوجهت إلى مصر التي كانت فردوس النساك. برفقة خصي وخادم مسن. ما إن وصلت إلى الإسكندرية حتى غادرتهما واستقرت في برية قريبة. بقيت هناك سنين طويلة تُخضع الجسد للنفس بكل أنواع النسك صابرة على غارات البعوض المتواصلة عليها. وخز البعوض كان من الكثافة والحدة بحيث أضحى جلدها، بعد حين، قاسياً كذبل السلحفاة. من هناك انتقلت إلى الإسقيط بضفتها خصي وتحت اسم مستعار وهو دوروثيوس. أعطيت قلاية فأقامت فيها مثابرة على الصلاة ليل نهار. في تلك الأثناء، كان لأنثيميوس، أبيها، الذي تألم عليها أشد الألم، ابنة ثانية فيها شيطان. فلما يئس من كل عون بشري، بعث بها إلى آباء برية الإسقيط طالباً صلواتهم عليها. فما كان منهم سوى أن حولوها إلى الراهب الخصي دوروثيوس الذي سأل من أجلها بإلحاح ثم ردها سالمة معافاة. ولكن تبين، بعد حين، أن الابنة حبلى فحامت الشبهة حول دوروثيوس الراهب. فلما استطلع أنثيموس الأمر ودقق فيه تبين له أن دوروثيوس امرأة وأنها عزيزته أبولينارية بالذات. غير أن القديسة عادت إلى قلايتها بعد أيام بعدما تمكنت من إقناع ذويها بحفظ خبرها مستوراً. وقد بقي سر القديسة مصوناً إلى أن تكملت في الفضيلة ورقدت في الرب. إذ ذاك اكتشف آباء الإسقيط بإعجاب كبير ورهبة بالغة أنها امرأة
 
قديم 10 - 01 - 2017, 05:25 PM   رقم المشاركة : ( 15748 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,106

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس البار أفثيميوس رئيس دير فاتوبيذي (جبل أثوس)‏
4 كانون الثاني غربي (17 كانون الثاني شرقي)
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
قضى القديس أفثيميوس هذا غرقاً في البحر لتمسكه بالإيمان القويم في وجه الغزاة اللاتين الذين حطّوا في الجبل المقدّس (آثوس ) في أواخر القرن الثالث عشر. كذلك تعرض أثنا عشر من رهبانه للتعذيب ثم جرى شنقهم .
 
قديم 10 - 01 - 2017, 05:26 PM   رقم المشاركة : ( 15749 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,106

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس البار أفثيموس الصغير
4 كانون الثاني غربي (17 كانون الثاني شرقي)
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
استقرت رفاته في كنيسة القديس موكيوس في القسطنطينية .
و هو غير القديس أفثيميوس الصغير المعيد له في 15 تشرين الأول.
 
قديم 10 - 01 - 2017, 05:27 PM   رقم المشاركة : ( 15750 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,352,106

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس البار أفسطاتيوس رئيس أساقفة صربيا (+1286م)‏
4 كانون الثاني غربي (17 كانون الثاني شرقي)
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
من ناحية الجبل الأسود . ترهب فتى في دير زيتا ثم في دير خليلندار الآثوسي . تميز بفضائله . اختير رئيساً للدير هناك .
استدعي الى صربيا حيث تسقف على زيتا ثم صار رئيس أساقفة على صربيا كلها سنة 1279م . ساس رعيته بهمة و محبة الى أن رقد بسلام . رفاته محفوظة الى اليوم .
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 10:51 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025