![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 156551 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() يسوع المسيح هو ابن الله ويتواصل النؤمن: »ابن الله المولود الوحيد monogenes من الآب، أي من جوهر الآب«. ثمَّ »هو إله، إله حقّ، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآبِ في الجوهر«. هنا برزت بدعة أريوس بسبب أفكاره حول الابن، فطرده سينودس محلِّيٌّ من الجماعة الكنسيَّة، بانتظار أن يُرسَل إلى المنفى بعد مجمع نيقية سنة 325. لخَّص الإسكندر، بطريرك الإسكندريَّة تعليم أريوس والأريوسيّين كما يلي: يقولون * الله لم يكن دومًا الآب، بل كان زمنٌ لم يكن فيه الآب. * والكلمة لم يُوجَد دومًا، بل جاء إلى الوجود من اللاموجود. * والله الذي وُجد، صنع ذاك الذي لم يوجد انطلاقًا من اللاموجود. * لهذا كان زمن لم يكن الكلمة فيه موجودًا. * الابن هو خليقة الآب وعمله. ولا يشبه الآب في الجوهر، ولا هو كلمته الحقيقيُّ بحسب الطبيعة، ولا هو حكمته الحقيقيَّة، بل هو شيء من الأشياء التي صُنعت وأُحدثت. * يُدعى الابن والحكمة بشطط (وإفراط) بعد أن أنتجه كلمة الله الخاصّ وحكمته الخاصَّة. إذًا هو متغيِّر ومتحوِّل بطبعه مثل كلِّ الكائنات العاقلة. ذاك ما أورده سقراط في التاريخ الكنسيّ 2-3 (الآباء اليونان 67: 45ب). وفي الخطِّ عينه راح »الهوميون« الذين اعتبروا الابن شبيهًا homoios بالآب، لا من ذات جوهر الآب. أمّا الأنوميّون فقالوا إنَّ الابن غير شبيه homoios بالآب. هنا نفهم لماذا قال الآباء في مجمع نيقية: ''أمّا الذين يقولون: ''كان زمان ولم يكن فيه'' و''قبل أن يُولَد لم يكن'' و''إنَّه صار ممّا لم يكن''... مؤكِّدين أنَّ ابن الله مخلوق، أو قابل للتغيُّر أو التحوُّل، فهؤلاء تحرمهم الكنيسة الجامعة«. ولكن ما هو إسناد آباء المجمع؟ هنا نعود إلى العهد الجديد، ولاسيَّما إلى الرسائل البولسيَّة. »في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله« (يو 1: 1). ميَّز يوحنّا هنا بين »تيوس« مع ال التعريف ho theos التي تدلُّ على الآب، و»تيوس« بدون أل التعريف theos التي تشير إلى اللاهوت. وكان منطقيٌّا مع هذا الاستعمال. فقال في آ2: »هذا كان في البدء عند الله«. فحين الكلام عن علاقة الآب بالابن، فأل التعريف حاضرة. مثلاً: »أنتم تؤمنون بالله (الآب)، فآمنوا بي« (يو 14: 1). أو في 16: 27: »لأنَّ الآب نفسه يحبُّكم، لأنَّكم أحببتموني وآمنتم أنّي من عند الله. خرجتُ من عند الآب وأتيت إلى العالم...«. هكذا نفهم التمييز بين الآب والابن، كما نعرف أنَّ الابن يشارك الآب في الألوهة. هو أمر واضح عند القدِّيس بولس حين يتحدَّث عن »الله الآب« و»الربِّ الابن«. نقرأ مثلاً ما ورد في الرسالة إلى تيطس: »منتظرين الرجاء السعيد makarios وظهور مجد إلهنا العظيم ومخلِّصنا يسوع المسيح« (2: 13). هو كلام واضح عن يسوع الذي هو المخلِّص والله، على أثر ما قيل عن تجلّي نعمة الله. ما نلاحظ في الرسائل الرعائيَّة، أي الرسالتين إلى تيموتاوس والرسالة إلى تيطس، هو أنَّ صفة المخلِّص تُعطى تارة للآب وطورًا للابن. ففي الأولى إلى تيموتاوس، نقرأ منذ البداية: »بولس رسول يسوع المسيح، بحسب أمر الله مخلِّصنا، وربِّنا يسوع المسيح« (1: 1). وتعود العبارة عينها في 2 تم 1: 1 ولكن مطبَّقة على الابن: »النعمة... أُظهرت الآن بظهور مخلِّصنا يسوع المسيح الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود«. أمّا في الرسالة إلى تيطس فترد لفظة »مخلِّص« مرتبطة بالآب والابن: »أظهر كلمته... بالكرازة التي أؤتمنتُ أنا عليها بأمر مخلِّصنا الله... نعمة ورحمة وسلام من الله الآب والربِّ يسوع المسيح مخلِّصنا« (1: 3-4). وتعود البنية عينها في كلام عن »الله مخلِّصنا« (تي 3: 4) ثمَّ عن »يسوع المسيح مخلِّصنا« (آ6). الآب هو المخلِّص والابن هو المخلِّص. الآب هو الله. إذًا الابن هو الله، وما يعمله الآب يعمله الابن مثله. »كما أنَّ الآبَ يقيم الموتى ويُحييهم كذلك الابن أيضًا يحيي من يشاء« (يو 5: 21). وما نقوله عن القيامة، نقوله عن الدينونة: »الآب لا يدين أحدًا، بل أعطى الدينونة للابن، لكي يكرم الجميعُ الابنَ كما يكرمون الآب. فمن لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله« (آ22-23). ويتواصل مثلُ الكلام في هذا الفصل من إنجيل يوحنّا حيث يتساوى الآب والابن: »كما أنَّ الآب له الحياة في ذاته، كذلك أعطى الابن أيضًا أن تكون له الحياة في ذاته« (آ26). ونورد ما كتبه الإنجيل عن شفاء المخلَّع. بدأ يسوع وقال للمريض: »مغفورة لك خطاياك« (مر 2: 5). اعتبر الحاضرون أنَّ هذا »الرجل« يجدِّف: »من يقدر أن يغفر الخطايا إلاَّ الله وحده؟« (آ7). ولكنَّ يسوع بيَّن أنَّه الله حين أرفق غفران الخطايا بالشفاء: »لكي تعلموا أنَّ لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا«، قال للمخلَّع: »قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك« (آ11). وماذا كانت النتيجة؟ »فقام للوقت وحمل سريره وخرج قدَّام الجميع« (آ12). فهذا الابن هو »في صورة الله« en morphê theou. وهو »معادل لله«، مساوٍ لله. فكيف يأتي من يقول إنَّه أدنى من الله. هو صار بشرًا، وأطاع حتّى الموت على الصليب. ولكنَّ الله رفعه »لكي تجثو باسم يسوع كلُّ ركبة في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض، ويعترف كلُّ لسان أنَّ يسوع المسيح هو ربٌّ لمجد الله الآب« (فل 2: 6-11). إذا كانت الوصيَّة واضحة بأنَّ السجود واجب لله وحده، فهذا يعني أنَّ يسوع المسيح هو الله. نحن هنا على مستوى الإيمان، والعقل البشريّ لا يستطيع أن »يفهم« انطلاقًا من الأمور الفلسفيَّة. هنا نفهم كلام الرسول في معرض كلامه عن المواهب: »لا يقدر أحد أن يقول »يسوعُ ربّ« إلاَّ بالروح القدس. يسوع المسح هو الله، مساوٍ لله الآب. الآب لا يُرى، ولكنَّ الابن الذي هو »صورة الله« (كو 1: 15) eikôn tou theou، جعل الله منظورًا. طلب منه فيلبُّس: »أرنا الآب وكفانا«، فكان جواب يسوع: »من رآني رأى الآب. ألا تؤمن أنّي في الآب والآب فيَّ« (يو 14: 8-10). وكان الإنجيليُّ تحدَّث عن »الله الذي لم يره أحد قطُّ« (يو 1: 18). ولكنَّه أسرع فقال: الابن الذي في حضن الآب أخبر عنه«. فهذا الابن الوحيد الذي يقاسم الآب حياته مقاسمة لا حدود لها، يستطيع وحده أن يقود الناس إلى معرفة الله: بشخصه، بما يقوله، بما يعمله. وهناك صورة ترد مرارًا في سفر الرؤيا في الكلام عن العرش الذي يدلُّ على موضع الله. في 21: 5 نقرأ: »وقال الجالس على العرش«. هو الله الآب الذي يصنع كلَّ شيء جديدًا، وفي 22: 3 نعرف أنَّ العرش هو عرش الله والحمل، أي يسوع المسيح »الذي هو في حضن الآب«. ويسوع هو الابن، هو ابن الله. ونبدأ بقراءة النصوص البولسيَّة. فيسوع »ابنه الذي صار من نسل داود من جهة الجسد، تعيَّن ابن الله بقوَّة من جهة روح القداسة، بالقيامة من بين الأموات« (رو 1: 13-14). وفي غل 4: 4: »ولكن لمّا جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة«. نقول في النؤمن عن يسوع إنَّه »ابن الله«. هي تسمية تتكرَّر عند القدّيس بولس. فحين يذكر صدق الرسل، يقول: »لأنَّ ابن الله يسوع المسيح، الذي نكرز به بينكم بواسطتنا... لم يكن نعم ولا...« (2 كو 1: 19). وفي الرسالة إلى غلاطية التي هي رسالة البنوَّة والحرِّيَّة، يعلن الرسول: »مع المسيح صلبتُ. فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ. فما أحياه الآن في (الجسم) البشريّ، فإنَّما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبَّني وأسلم نفسه لأجلي« (غل 2: 20). هكذا يُذكر ابن الله. أو يرد لفظ »الابن« مع ضمير الغائب، فيقال: ابنه. ففي الرسالة عينها، يقول الرسول: »ولكن لمّا سُرَّ الله... أن يعلن ابنه فيَّ لأبشِّر به بين الأمم...« (1: 15-16). وفي 4: 6: »ثمَّ بما أنَّكم أبناء، أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم«. أمّا في الرسالة إلى كولوسّي، فنقرأ عبارة خاصَّة: »شاكرين الآب الذي... نقلنا إلى ملكوت ابن محبَّته« (1: 13). ما معنى أن يكون يسوع »ابن الله« أو: »ابن الآب«؟ حين نتذكَّر أنَّ الميتولوجيّات القديمة عرفت زواج الآلهة، وأبناء وبنات الآلهة، نرى التحدِّي الكبير أن تكون عبارة »ابن الله« وردت أوَّل ما وردت في الرسائل البولسيَّة، وفي العالم اليونانيّ. لا شكَّ في أنَّ هذه العبارة استُعملت في العهد القديم، ولكنَّها لم تحمل إلاَّ المعنى الرمزيّ، لأنَّ العالم اليهوديِّ شدَّد على وحدانيَّة الله، وما تخيَّل يومًا أن يكون لله »ابن«. أمّا ما نقرأ في الأناجيل الإزائيَّة عن »ابن الله«، ففهمه اليهود عن الملك، كما في العبارة اليوحنّاويَّة التي جاءت بلسان نتنائيل: »أنتَ ابن الله! أنت ملك إسرائيل!« (يو 1: 49). ولن يُفهَم في المعنى المسيحيّ إلاَّ على ضوء القيامة. وكان جدال بين يسوع واليهود. اعتبروه مجدِّفًا: »فإنَّك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهًا« (يو 10: 33). إذًا فهموا مقاله. فعاد إلى المزامير (82: 6) ليبيِّن أنَّه ليس مجدِّفًا. »إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله، ولا يمكن أن يُنقَضَ الكتاب، فالذي قدَّسه الآب وأرسله إلى العالم، أتقولون له: إنَّك تجدِّف، لأنّي قلتُ: إنّي ابن الله؟« (آ35-36). أمّا البرهان بأنَّ هذا »المجدِّف« هو ابن الله، هو أنَّه يعمل أعمال الآب. وهكذا »تعرفون وتؤمنون أنَّ الآب فيَّ وأنا في الآب«. مثل هذا الاتِّحاد الحميم لا يمكن أن نقبل به إذا كنّا لا نؤمن. وإذا كان الله أراد أن يرفع »الأبناء« إلى مستوى ابن الله عن طريق التبنّي، فكيف نسمح لنفوسنا بأن نُحدر ابن الله إلى مستوى البشر، بدلاً من أن نرفع البشر إلى مستوى ابن الله. على ما قال الآباء: »صار ابن الله إنسانًا ليجعل الإنسان ابن الله«. فتحدَّثت الرسالة إلى العبرانيّين عن يسوع الذي »وُضع قليلاً عن الملائكة، ولكنَّنا نراه مكلَّلاً بالمجد والكرامة« (2: 9). »لاق بذاك الذي من أجله الكلّ وبه الكلّ، وهو آتٍ بأبناء كثيرين إلى المجد، أن يكمِّل رئيس خلاصهم بالآلام، لأنَّ المقدِّس (يسوع) والمقدَّسين (المؤمنين) جميعهم من واحد (هو تضامن بين المسيح والبشر)، فلهذا لا يستحي أن يدعوهم إخوة« (آ10-11). وما يتفرَّد به يوحنّا هو أنَّه يدعو يسوع المسيح »الابن« بدون مضاف إليه: »الآب يحبُّ الابن ودفع كلَّ شيء في يده« (3: 35). هكذا لم يبقَ للآب شيء يعمله. »الآب يحبُّ الابن ويريه جميع ما يعمله« (5: 20). كما الآب... كما الابن (آ21، 22، 23، 24). هناك ابن واحد، وليس سواه، كما كان إشعيا مثلاً يقول: »أنا هو الربُّ ولا إله غيري«. ويقول يوحنّا أيضًا: الابن الوحيد (1: 18) monogenês. ذاك هو التعبير في قانون الإيمان. والبرديَّة 46 قدَّمت قراءة رائعة: ما من أحد رأى الله. الله theos الابن الوحيد... وهكذا تبرز العبارة الإيمانيَّة: إله من إله. الابن الوحيد من الله الآب. هذا الابن الوحيد بذله الآب (3: 16) لكي تكون للبشريَّة الحياة الأبديَّة. فمن يؤمن بالآب لا يُدان، والذي لا يؤمن يُدان »لأنَّه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد« (آ18). إيمان بالآب، إيمان بالابن. أمثلُ هذا الابن يتبدَّل؟ قالت لنا الرسالة إلى العبرانيّين: »يسوع المسيح هو هو، أمسِ واليوم وإلى الأبد« (13: 8). وجاءت المقابلة بين الخلائق والابن مع استناد إلى الكتاب المقدَّس: »أنت يا ربُّ في البدء أسَّست الأرض، والسماوات هي عمل يديك. هي تزول وأنت تبقى، وكلُّها كثوب تبلى، وكرداء تطويها فتتغيَّر. أمّا أنت فسنوك لا تفنى« (عب 1: 10-12). وفي مقابلة للابن مع الملائكة، يأتي فعل صنع poieô: »الصانع ملائكته أرواحًا« (آ7). فالملائكة الذين اعتُبروا، في بعض البدع، أرفع من الابن هم »مصنوعات« الابن. كما »يسجدون له« (آ6) على أنَّه ربُّهم وإلههم. وتبدأ الرسالة إلى العبرانيّين بوصف الابن الذي جعله الآب »وارثًا لكلِّ شيء« (آ2)، الذي به صنع الله »الدهور« aiônas. إذا هو قبل الدهور والعوالم، ومن يكون هذا إلاَّ الله وابن الله: »أنت ابني وأنا اليوم ولدتك« (آ15). ثمَّ: »أكون له أبًا ويكون لي ابنًا«. ذاك هو معنى المولود كما في قانون الإيمان gegonnêmenon. وقال الآباء في نيقية: هو غير مخلوق. أيُعقل أنَّ الذي بيده خُلق كلُّ شيء أن يكون مخلوقًا. En auto ektisthé (كو 1: 16). وتحدَّثت الرسالة إلى أفسس عن »الله خالق الجميع بيسوع المسيح« (3: 9). ويلتقي يوحنّا مع بولس الرسول: »به كان كلُّ شيء، وبدونه ما كان شيء ممّا كان« (1: 3). ثمَّ »فيه كانت الحياة«. كلُّ هذا يُفهمنا أن يكون الابن »بهاء مجدُ الآب ورسمُ جوهره« hypostaseôs. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 156552 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() يسوع المسيح الكلمة المتجسِّد »بعد أن كلَّم الله الآباء بالأنبياء قديمًا... كلَّمنا في هذه الأيّام الأخيرة بابنه« (عب 1: 1). تعرَّفنا إلى يسوع المسيح الذي هو الربُّ كيريوس، في كلام إلى العالم الوثنيّ، وتعرَّفنا إلى من هو الله وابن الله في كلام إلى العالم اليهوديّ، حيث الابن واحد مع الآب ومتميِّز عن الآب في ما سوف يُدعى في اللاهوت المسيحيّ سرَّ الثالوث الأقدس. يبقى علينا أن نقرأ ما تبقّى من قانون الإيمان النيقاويّ القسطنطينيِّ في ما يتعلَّق بالتدبير الخلاصيّ خ؟خ¹خ؛خ؟خ½خ؟خ¼خ¹خ± الذي تحدَّث عنه الرسول فوهب لفظًا من العالم (تدبير البيت) معنى لاهوتيٌّا. في الرسالة إلى أفسس ندخل في مسيرة الخلاص التي هي »تدبير ملء الأزمنة حيث يجمع (الله) كلَّ شيء في المسيح، ما في السماوات وما على الأرض« (1: 10). هذا ما ندعوه سرَّ التجسُّد وسرَّ الفداء. »فلأجلنا نحن البشر، ولأجل خلاصنا« تمَّ عملُ الابن. وتُذكَر ستَّة أفعال: نزل، تجسَّد، تألَّم، قام، صعد. وأخيرًا »سيأتي ليدين الأحياء والأموات«. ذاك ما أعلنه الآباء في نيقية. وأضاف الآباء في القسطنطينيَّة توضيحات: تجسَّد »من الروح القدس ومن مريم العذراء«. ثمَّ »صُلب عنّا على عهد بونتيوس بيلاطس«. وبعد فعل »تألَّم« قيل »ودُفن«. وأخيرًا كان التوسُّع الأخير في ما يتعلَّق بالروح القدس والكنيسة والمعموديَّة وقيامة الموتى. ونقرأ الأفعال: الأوَّل، نزل katabainô. ينطلق الرسول من المزمور 68: 19: »إذ صعد إلى العلاء سبى سبيًا«. ثمَّ يطبِّق الكلام على يسوع: »وأمّا أنَّه صعد، فما هو إلاَّ أنَّه نزل... الذي نزل هو الذي صعد أيضًا فوق جميع السماوات لكي يملأ الكلّ« (أف 4: 8-10). kata تقابل ana. ذاك هو الانحدار الذي أنشده القدّيس بولس في كنيسة فيلبّي. فالذي »كان في صورة الله... أخلى نفسه آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس« (فل 2: 6-7). هذا ما نفهمه في لفظ »تجسَّد،، أخذ جسدًا. ثمَّ »تأنَّس« صار إنسانًا، على ما يقول يوحنّا: »والكلمة صار بشرًا وسكن بيننا، فأبصرنا مجده« (1: 14). في هذا التجسُّد، أدخلنا الرسول مع أهل غلاطية: »ولكن لمّا جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبنّي« (4: 4-5). وُلد ابن الله من امرأة. هذا يعني أنَّه إنسان كامل مثل كلِّ إنسان حيث يُقال: »شابهنا في كلِّ شيء ما عدا الخطيئة«. وأضافت الرسالة إلى العبرانيّين: »فإذ تشارك الأولاد في اللحم والدم، اشترك هو أيضًا كذلك فيهما لكي يبيد الموت« (2: 14). فالابن ما أتى إلى مساعدة الملائكة، بل إلى مساعدة البشر، لهذا »كان ينبغي أن يكون شبيهًا بإخوته في كلِّ شيء« (آ17). فهذا الذي صار حبرًا رحيمًا هو قادر أن يرثي لضعفنا، وهو مجرَّب في كلِّ شيء مثلنا، ولكنَّه بدون خطيئة« (عب 4: 15). نلاحظ هنا: الدم واللحم aimatos kai sarkos. أخذ لحمنا ودمنا، وبعد ذلك، كيف نجسر أن نقول إنَّ الابن لم يكن إنسانًا حقيقيٌّا، بل تظاهر مع فعل dokeô؟ وإذ كان إنسانًا بكلِّ ما في الإنسان من ضعف، اعتبروه أقلَّ من الملائكة، بسبب اتِّحاده بالمادَّة التي اعتبرها الغنوصيّون سافلة إن لم تكن شرٌّا. وبما أنَّ الابن صار إنسانًا، عرف الألم. تفرَّد القدّيس بولس في استعمال لفظ patêma ليتحدَّث عن آلام المسيح. في الرسالة الثانية إلى كورنتوس، انطلق بولس من الآلام التي يعانيها هو والتي تعانيها الجماعة، فعاد إلى آلام المسيح: »لأنَّه كما تكثر آلام المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا« (1: 5). ويعلن ثقته بالمؤمنين: »فرجاؤنا من أجلكم ثابت، عالمين أنَّكم كما أنتم شركاء في الآلام، كذلك في التعزية أيضًا«. وفي الخطِّ عينه، رفض الرسول اتِّكاله على الجسد وأعلن أنَّه تخلِّى عن كلِّ شيء »لأعرفه (= أي المسيح) وقوَّة قيامته، وشركة آلامه، متشبِّهًا بموته، لعلّي أبلغ إلى قيامة الأموات« (فل 3: 10-11). وإذ عرف أهل رومة الآلام فوجب عليهم الصبر والجهاد (عب 10: 32)، قدَّم لهم الرسول وجه المسيح المتألِّم. ذكر »ألم الموت« (عب 2: 9) لأجل كلِّ واحد منّا. أمّا كمال الخلاص فلا يكون إلاَّ بالآلام (آ10). فإذا كان يسوع امتُحن وتألَّم، فلكي يستطيع أن يكون بقربنا، ويعيننا (آ18). وتتلاقى هذه الرسالة مع الرسالة إلى فيلبّي في كلام عن الطاعة. فالابن »في أيّام جسده (حين كان في اللحم والدم، sarx، خلال حياته البشريَّة) قدَّم بصراخ شديد ودموع، طلبات وتضرُّعات للقادر أن يخلِّصه من الموت، سُمع له من أجل تقواه (مخافته وارتهابه وخضوعه). ومع أنَّه الابن تعلَّم الطاعة بما به تألَّم، وإذ كمُلَ صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبديّ« (عب 5: 7-9). أجل، كمل يسوع بالآلام، لأنَّ هذه الآلام تقود إلى المجد والقيامة. أما هكذا قال لوقا تلميذ بولس لتلميذَيْ عمّاوس: »كان ينبغي على المسيح أن يتألَّم هذه الآلام ويدخل في مجده« (24: 26). والابن »الذي وضع نفسه وأطاع حتّى الموت والموت على الصليب، رفعه الله« (فل 2: 8). وهنا يرد الكلام عن القيامة مع صيغتين: إمّا الله أقام ابنه، وإمّا الابن قام بقدرته الإلهيَّة. »نحن نؤمن بمن أقام يسوع ربَّنا من بين الأموات، الذي أُسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا« (رو 4: 24-25). جاءت صيغة المعلوم: الله أقام. وصيغة المجهول أي المجهول الإلهيّ، حيث نتحاشى الكلام عن ذكر الله الفاعل. »أقيم«، أي الله أقامه. وحين الكلام عن المعموديَّة تُذكَر القيامة: »كلُّ من اعتمد يسوع المسيح اعتمد لموته، فدُفنّا معه بالمعموديَّة للموت، حتّى كما أُقيم المسيحُ من الأموات بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضًا في جدَّة الحياة، لأنَّه إن كنّا صرنا متَّحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته« (رو 6: 4-5). والصيغة الثانية: قام egeirô التي جاءت في قانون الإيمان. لمَّا سئل بولس عن قيامة الموتى، عاد إلى التقليد الرسوليّ وتكلَّم عن المسيح كلامًا نتلوه في جماعاتنا: »المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنَّه دُفن، وأنَّه قام في اليوم الثالث حسب الكتب« (1 كو 15: 3-4). فإذا كان الله أقام ابنه لأنَّه الله، فالابن قام بقدرته لأنَّه الله، ومثلُ هذه القيامة تسند قيامتنا. لهذا قال الرسول بعد جدال: »قام المسيح من بين الأموات وصار باكورة الراقدين« (آ20). ولماذا كلُّ هذه المسيرة من نزول من السماء katabainô وصعود anabainô »لأجلنا ولأجل خلاصنا«؟ ذاك ما أعلنه النؤمن الذي ذكر بيلاطس البنطيّ كما سبق وذكره بولس الرسول حين كتب إلى تلميذه تيموتاوس (1 تم 6: 13: المسيح يسوع شهد لدى بيلاطس) جاءت ألفاظ بولسيَّة: خلاصنا، تبريرنا، الفداء، التكفير. قرأنا في الرسالة إلى رومة لفظ »تبرير« dikaiosynê. فهو التبرير يرتبط بالقيامة. نحن نبرَّر لأنَّنا نشارك منذ الآن في حياة المسيح القائم من الموت. كنّا خطأة فصرنا أبرارًا. مات المسيح من أجلنا يوم كنّا خطأة وهكذا نلنا الخلاص والمصالحة. كنّا معادين لله، وها هو الله يصالحنا بموت ابنه. ومع التبرير الفداء apolytrosin. نقرأ هذا اللفظ في الرسائل البولسيَّة، ما عدا مرَّة واحدة في إنجيل لوقا (21: 28). بما أنَّ الجميع خطأة، فهم يبرَّرون مجّانًا بنعمة الله »بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدَّمه الله كفّارة بدمـه...« hilastêrion. فهذا الفداء الذي لنا بدم يسوع أي غفران الخطايا، نلناه يوم العماد (أف 1: 7)، فخُتمنا به (أف 4: 30) لينزع منّا »كلَّ مرارة وسخط وغضب« ويجعلنا »لطفاء بعضنا مع بعض« (أف 4: 31-32). فالمسيح يفتدينا من لعنة الشريعة (غل 3: 13)، كما يفتدي الذين هم تحت الشريعة (غل 4: 5). فشريعة المسيحيّ هي المسيح. فالمسيح هو الفدية antilytron، وهو الذي بذل نفسه لأجل الجميع (1تم 2: 6) هذا ما يعود بنا إلى الأناجيل وكلام يسوع ردٌّا على الرسل الذين يتزاحمون على المراكز الأولى: »فابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدم، وليَبذل نفسه فدية عن كثرين« (مت 20: 28؛ مر 10: 45). تحدَّث بولس عن المسيح »الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا« (تي 2: 14)، وأوضح بطرس: »افتُديتم لا بأشياء تفنى، بفضَّة أو ذهب... بل بدمٍ كريم، كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح« (1 بط 1: 18-19). حين »دفع« الربُّ الفدية، نجّانا من عبوديَّة الخطيئة، فما عدنا نمتلك نفوسنا، بل صرنا لله، بعد أن اشتُرينا بثمن (1 كو 6: 20). بعد أن صرنا »عبيدًا« للمسيح، لماذا نريد أن نصير »عبيدًا للناس«؟ (1 كو 7: 22-23). نحن صرنا أبناء، بالغين، فلماذا نريد أن نبقى قاصرين يقودنا »عبد« يكون وصيٌّا علينا ووكيلاً (غل 4: 2)، ولماذا فعل يسوع كلَّ ما فعل من أجل البشر؟ لأنَّه أحبَّنا غاية المحبَّة (يو 13: 1) وقال: »ما من حبٍّ أعظم من حبِّ من يبذل نفسه من أجل أحبّائه« (يو 15: 13). وفي خطِّ هذا الكلام، كتب يوحنّا رسالته الأولى المبنيَّة على المحبَّة: »الله محبَّة. بهذا أُظهرت (المجهول الإلهيّ) محبَّة الله فينا، أنَّ الله أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به. في هذا هي المحبَّة: ليس أنَّنا نحن أحببنا الله، بل هو أحبَّنا وأرسل ابنه كفّارة لخطايانا« (4: 8-10). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 156553 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() تعليم الكنيسة عن يسوع المسيح، كما أعلنه الآباء في نيقية وفي القسطنطينيَّة. ونحن أوجزنا »قانون الإيمان« حول الابن في ثلاث محطّات: يسوع هو الربّ، هو الله وابن الله. وأخيرًا هو الكلمة المتجسِّد الذي قاد تدبير الله إلى كماله. واستندنا في كلامنا إلى القدّيس بولس، دون أن ننسى مراجع أخرى من العهد الجديد. ولماذا التشديد على الرسائل البولسيَّة الأربع عشرة بعد أن كان الشرق المدافع الرئيسيَّ عن الرسالة إلى العبرانيّين وارتباطها ببولس؟ لأنَّ بولس قدَّم لنا أوَّل نصوص العهد الجديد التي نمتلكها، فجاءت رسائله سابقة لتدوين الأناجيل. كما أنَّه أخرج تعليم يسوع من إطار ضيِّق هو الجليل أوَّلاً ثمَّ اليهوديَّة، فأوصله إلى رحب العالم، وما حصر كلام الإنجيل في لهجة من لهجات هذا الشرق، بل دوَّن البشارة في لغة عالميَّة مثل اليونانيَّة، فوصل الإنجيل اليوم إلى أكثر من ألفي لغة ولهجة في عالمنا. ونتساءل: من أين نال بولس كلَّ هذه المعرفة عن يسوع؟ حين عاش مع الجماعات المسيحيَّة المنتشرة في دمشق وحوران وشرق الأردنّ. فعلومه الرفيعة، ومعرفته بالكتب المقدَّسة وطرق التفسير، وعبقريَّته الفذَّة قدَّمت لنا أسس اللاهوت المسيحيِّ الذي استقت منه المجامع المسكونيَّة وما زلنا نحن نستقي منه لكي نتعرَّف إلى ربِّنا وإلهنا يسوع المسيح الذي له المجد الآن وإلى دهر الدهور. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 156554 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() العماد عند القديس بولس حين نتحدَّث عن اللاهوت المسيحيّ في كلِّ أبعاده، سواء العقيديّ أو الخلقيّ أو الأسراريّ، طريق البداية هي واحدة: بولس الرسول والرسائل البولسيَّة الأربع عشرة دون نسيان ما نُسب إلى بطرس وإلى يعقوب من رسائل. فأوَّل كلمات العهد الجديد التي وصلت إلينا هي ما وصل إلى كنيسة تسالونيكي سنة 51 وآخر ما وصل إلينا رسالة تيموتاوس الأوَّلى ورسالة تيطس. بحيث إنَّ هذه الرسائل أحاطت بالأناجيل الأربعة ففرضت اللغة اليونانيَّة، تلك اللغة العالميَّة حينذاك، على الأناجيل التي كان بالإمكان أن تدوَّن لا في اللغة الآراميَّة بشكل عامّ، بل في آراميَّة الجليل التي عُرف بطرس(1) بها خلال محاكمة يسوع. وإذ نحن ندرس الليتورجيّا في رفقة القدّيس بولس، كما أعدَّ البرنامج مشكورًا الأب الدكتور أيّوب شهوان، مدير معهد الليتورجيّا، مع الفريق العامل معه، نكون حقٌّا في الطريق الذي دعانا إليه المجمعا لفاتيكانيّ الثاني، حيث الكتاب المقدَّس هو النبع ومنه تخرج الدروس المسيحيَّة بأشكالها، ولا يكون سندًا للاهوت الذي هو »الأوَّل« كما أراد الفاتيكانيّ الثاني جماعةٌ من العائشين في زمن توما الأكوينيّ أو بعده(2). وها نحن نتحدَّث عن العماد بعد كلام عن عشاء الربِّ عند القدّيس بولس. ويأتي كلامنا في ثلاث محطّات: العماد اغتسال، العماد موت وقيامة، العماد استنارة. 1. العماد اغتسال »اغتسلتم، تقدَّستم، تبرَّرتم باسم الربِّ يسوع المسيح وبروح إلهنا« (1 كو 6: 1). العماد أو المعموديَّة، لفظ يأتي من السريانيَّة ولا أساس له في اللغة العربيَّة الأولى. فاللفظ العربيّ »عمد« يعني دعم (السقف مثلاً) ومنه العمود. أو يعني: قصد. أمّا الجذر السريانيّ ܥܡܕ (3) فيعني غاص في الماء، اغتسل، انغمس، اصطبغ. وهكذا جاء التحديد العربيّ المرتبط بالسريانيّ: غسله بماء المعموديَّة ܡܥܡܘܕܝܬܐ(4). ونجد أيضًا ܥܡܕܐ الذي صار في العربيَّة: العماد. قال الأب لويس معلوف في المنجد: اللفظة سريانيَّة الأصل أو مولَّدة مأخوذة من العُمد أي البلل. والفعل عَمِدَ: بلَّل المطرُ (الثرى). فالعماد المسيحيّ هو قبل كلِّ شيء اغتسال. فالفعل الأوَّل βαπτω يعني غطس، غاص، انغمس في الماء. εν υδατι ثمَّ: بلَّل، رطَّــب. والفعـل الثاني βαπτισμα الذي يعني الشيء عينه(5). أمّا المعنى المسيحيّ فسوف يأتي فيما بعد: اعتمد، العماد أو المعموديَّة(6). لهذا فالاسم βαπτισμα الذي يعني المعموديَّة لا نقرأه في الأدب العاديّ، بل في العهد الجديد ثمَّ في الآباء في امتداد العهد الجديد. قال الرسول في إطار كلام عن الموت والحياة: »دُفنّا معه في المعموديَّة δια του βαπτισματος وشاركناه في موته« (رو 6: 4). وقال هو أو تلاميذه في أف 4: 5: »إيمان واحد، معموديَّة واحدة« εν βαπτισμα و μια πιστιω. أمّا βαπτισμος الذي يعني الاغتسال الطقسيّ كما في مر 7: 4، فيرد في رسالة القدّيس بولس إلى العبرانيّين: »وشعائر المعموديَّة βαπτισμων ووضع الأيدي« (عب 6: 2). نشير هنا إلى أنَّ βαπτισμος سوف يصبح الاستعمال العاديّ للكلام عن المعموديَّة، منذ القرن الثالث المسيحيّ، وذلك بجانبβαπτισμα(7). من هذه الألفاظ انطلق الرسول، وتطلَّع إلى ما يتمُّ في العالم اليهوديّ كما في العالم غير اليهوديّ. فالماء عنصر هامّ في العالم اليهوديّ من أجل التطهير الطقسيّ، كما يطلب سفر اللاويّين (لا 14: 8 بالنسبة إلى الأرض؛ 15: 16-18 بالنسبة إلى النجاسة الجنسيَّة) وسفرُ العدد (19: 19: لمس جثَّة ميت). وأورد مر 7: 1-5 ردٌّا على ما قال سفر اللاويّين بالنسبة إلى الآنية التي تُغسَل قبل أن تُستعمل. أمّا المشناة (نظام طهوروت) فتتحدَّث عن طهارة طقسيَّة تُتيح للإنسان أن ينتقل من المجال العاديّ profane إلى المجال القدسيّ sacré. وهكذا يحقُّ له أن يدخل إلى الهيكل ويشارك في الذبيحة. وفي جماعة قمران، الاغتسال اليوميّ مطلوب في رغبة عميقة بالتطهير(8): »يرشّ عليه ماء التطهير ويتقدَّس بالمياه الجارية«. وفي القرن الأوَّل المسيحيّ، اعتاد اليهود أن يمارسوا »عماد المهتدين الجدد« بجانب الختان، لكي يتطهَّر الوثنيّون قبل الدخول في الديانة اليهوديَّة(9). ولا ننسى خصوصًا الحركة العماديَّة(10) التي سبقت يوحنّا المعمدان بقرن من الزمان(11)، وتواصلت بعده قبل أن تصبَّ في الحركة المندائيَّة(12). كانت هناك تيّارات عديدة، ودخل خطُّ المعمدان في أحد هذه التيّارات فكان عمادُه مميَّزًا لأنَّه يطلب توبة حقيقيَّة ولا يكتفي بالطقوس الخارجيَّة. وإذا تركنا العالم اليهوديّ، ندخل في تاريخ كبير ينطلق من الهند ليصل إلى بلاد الرافدين ومصر مرورًا بآسية الصغرى واليونان ورومة. هو الاستحمام المقدَّس، والاغتسال الطقسيّ. فالاغتسال يمحو النجاسة الطقسيَّة، ويضيف قوَّة الحياة، ويهب الخلود(13). مصر اغتسلت في النيل، وبابل في الفرات، والهند في الغانج. وكلُّ بلد وجدَ نهرًا يغتسل فيه. وحين أتى بولس إلى فيلبّي في رحلته الرسوليَّة الثانية، خرج والفريق الرسوليّ إلى ضفَّة النهر »متوقِّعين أن نجد هناك مكانًا يهوديٌّا للصلاة« (أع 16: 13). ذاك هو الجوّ الذي نقرأ فيه كلام الرسول: »اغتسلتم، تقدَّستم، تبرَّرتم«(14). أنَّب بولس جماعة كورنتوس لأنَّهم يتخاصمون ويمضون إلى محاكم وقضاة وثنيّين. دعاهم »ظالمين«، »فجّارًا« αδικων, أي لم يتبرَّروا بالإيمان بيسوع المسيح ولم يتقدَّسوا بالعماد. فلا هؤلاء »الظالمون« αδικοι ولا الزناة ولا عبّاد الأوثان... يرثون ملكوت الله (1 كو 6: 9-10). فهل تريدون أنتم أن تكونوا منهم؟ ولكنَّ الرسول استعاد كلامه في آ11: »بعضكم«، لا كلّكم. ثمَّ »كنتم« في الماضي، لا الآن. لا يمكن أن يكون المسيحيّون على هذا المستوى من »الانفلات« الخلقيّ. أنتم اغتسلتم. فالاغتسال بالنسبة إلى المسيحيّ هو الاعتماد. هو التنقية من الخطايا. ولمَ لا نستعيد تقاليد العالم السابق للمسيح؟ هي الحياة الجديدة كما قال الربُّ في إنجيل يوحنّا: الولادة من فوق. أو: الولادة مرَّة ثانية، الولادة الجديدة (يو 3: 3-5). هذا ما يجعلنا في إطار »الجديد« و«العتيق« الذي يردِّده بولس مرارًا. بالمعموديَّة صرنا »الخليقة الجديدة« (غل 6: 15)، بالمعموديَّة لبسنا »الإنسان الجديد الذي خلقه الله على صورته في البرِّ وقداسة الحق« (أف 4: 24). وفي الرسالة الأولى إلى كورنتوس يدعونا بولس إلى أن نترك القديم ونأخذ بالجديد، فيربط هذا الموقف »بالخمير«. قال: »تطهَّروا من الخميرة القديمة لتصيروا عجينًا جديدًا« (1 كو 5: 7). كانت بداية التجديد حين اعتمدنا بروح واحد، وينبغي أن نعبِّر عن هذا التجديد في الحياة اليوميَّة. إذًا »نسلك في حياة جديدة« (رو 6: 4). لا بحسب العنصر البشريّ فينا، بحسب اللحم والدم والضعف البشريّ والميل إلى الخطيئة، بل بحسب الروح πνευμα. هنا تنطلق الثمار من المحبَّة فتصل إلى الفرح والسلام والصبر واللطف والصلاح والأمانة والوداعة والعفاف (غل 5: 22-23). أمّا الأعمال بحسب الميل البشريّ فينا σαρζ فهي الزنى والدعارة والفجور... (آ19ي). تحدَّث القدّيس يوحنّا مرَّتين عن هذا الاغتسال، مرَّة أولى حين شفاء الأعمى منذ مولده (يو 9: 7، 11، 15)، ومرَّة ثانية حين غسل أرجل تلاميذه (يو 13: 5، 6، 8، 10، 12، 14)، وفي الحالين الإشارة إلى المعموديَّة واضحة. اغتسل الأعمى »فاستنار«. وبطرس اغتسل »ليكون له نصيب مع الربّ« (يو 13: 8). هل من علاقة بين الإنجيل الرابع وبين الرسالة إلى أفسس التي تحدَّثت عن ماء الاغتسال؟ المسيح »يقدِّس الكنيسة ويطهِّرها بغسل الماء« (أف 5: 26). حينئذٍ صارت له »كنيسة مجيدة لا عيب فيها ولا تجعُّد« (آ27). اغتسل، تعمَّد، نال الحياة الجديدة، وهكذا صار جميع المعمَّدين إخوة وأخوات في الربّ. هنا نقرأ الرسالة إلى غلاطية حيث الختان شكَّل انتماء اليهوديّ إلى الديانة. أمّا مع المسيح، فالختان لا يزيدنا شيئًا. وإذا لم نُختتَن لا ينقصنا شيء. فبالمعموديَّة ننال انتماء جديدًا. نصبح أعضاء في الكنيسة، في جسد المسيح السرّيّ. قال الرسول: »فأنتم كلُّكم أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع، لأنَّكم تعمَّدتم جميعًا في المسيح فلبستم المسيح، ولا فرق الآن بين يهوديّ وغير يهوديّ (أو: يونانيّ)، بين عبد وحرّ، بين رجل وامرأة (أو: ذكر وأنثى)، فأنتم كلُّكم واحد في المسيح يسوع« (غل 4: 26-28). مثل هذا الكلام يفهمنا موقف الرسول في أنطاكية، حيث كان انفصال بين المسيحيّين الآتين من العالم اليهوديّ، وآخرين آتين من العالم اليونانيّ (الوثنيّ). كان جميع المعمَّدين معًا يشاركون في عشاء المحبَّة بانتظار الإفخارستيّا. كان هناك بطرس وبولس وبرنابا وآخرون غيرهم. »وجاء قوم من عند يعقوب« (غل 2: 12أ)، فانفصل بطرس »عنهم خوفًا من دعاة الختان« (آ12ب)، وواصل بولس كلامه: »وجاراه سائرُ اليهود في ريائه حتّى إنَّ برنابا نفسه انقاد إلى ريائهم« (آ13). اعتبر بولس أنَّ مثل هذا التصرُّف لا يدلُّ على »سيرة مستقيمة مع حقيقة البشارة« (آ13). وفي كورنتوس اعتاد المؤمنون أن يأتوا إلى عشاء الربّ. هل يكون الأغنياء مع الفقراء، والأسياد مع العبيد؟ مبدأيٌّا الأمرُ هكذا. ولكن عمليٌّا، يأتي الأغنياء والأسياد باكرًا، والآخرون يأتون بعد ساعات العمل المضنية. هل يقبل بولس بهذا الوضع؟ كلاّ. أين المعموديَّة الواحدة والإيمان الواحد؟ قال: »لا أهنِّئكم، لا أمتدحكم، لأنَّ اجتماعاتكم تضرُّ أكثر ممّا تنفع« (1 كو 11: 17). وإذا تناسى أعضاءُ الكنيسة هذه التعليمة »يكون اجتماعكم سببًا للحكم عليكم وللدينونة« (آ24). وكذا نقول عن العلاقة بين المرأة والرجل. قال التقليد المرتبط بسفر التكوين: المرأة هي من الرجل (تك 2: 22)، فقال الرسول: »لا تكون المرأة بدون الرجل، ولا الرجل من دون المرأة. لأنَّه إذا كانت المرأة من الرجل، فالرجل تلده المرأة، وكلُّ شيء من الله« (1 كو 11: 11-12). وعن العلاقة بين العبد والسيِّد. فالرسول يطلب من فيلمون، السيِّد الغنيّ الذي تجتمع الكنيسة في بيته، أن لا يحسب أونسيمس بعدُ »عبدًا« اشتراه كما اشترى غيره بحسب عادة ذلك الزمان: »لا يكون عبدًا بعد اليوم، بل أفضل من عبد، أي أخًا حبيبًا« (فلم 16). * * * تقدَّستم υγιασθητε. هي صيغة المجهول. قُدِّستم. أي الله قدَّسكم. ما قال الرسول لأهل كورنتوس: سوف تُغسَلون بل اغتسلتم. في الماضي. ولا قال: سوف تقدَّسون. بل »قدِّستم« في الماضي. سبق الربُّ وعمل فيكم الأعمال العجيبة. أمّا التقديس فيعني الانفصال المرتبط بالتكريس. نكرِّس موضعًا لله فيصبح مفصولاً عن الاستعمال الدنيويّ. ويكرَّس الكاهن فلا تعود حرِّيَّته له بأن يفعل ما يشاء. وكذا نقول عن الراهب والراهبة، بل عن المؤمنين. فبطرس حين أعلن محبَّته للربّ، قال له الربّ: في الماضي كنتَ تذهب حيث تريد... والآن يأخذونك إلى حيث لا تريد (يو 21: 18). بالعماد، بالاعتماد، ينتقل المعمَّد الجديد من عالم إلى عالم. مرّات يقول الرسول: كنتم. أمّا الآن فلا: »لا تملك الخطيئة في جسدكم σωματι المائت لكي تطيعوا شهواته، ولا تجعلوا من أعضائكم سلاحًا في سبيل الخطيئة... فلا يكون للخطيئة سلطان عليكم بعد الآن...« (رو 6: 12-14). إذا كان المدلول الأوَّل للقداسة يعني الانقطاع عمّا هو دنيويّ والانفصال، فالمدلول الإيجابيّ يجعلنا تجاه ديناميَّة، تجاه سرٍّ وبهاء حيث نرى ما هو فوق الطبيعة، فيحسُّ الإنسان برهبة وسحر معًا، ويشعر أنَّه صغير أمام تجلّي العظمة الإلهيَّة. أمّا المعمَّد فيعرف أنَّه مدعوٌّ إلى هذه القداسة، إلى أن يتجاوب مع هذه القداسة التي منحه الله إيّاها. لهذا كان »الاغتسال« لا بالماء فقط، بل بالماء والروح، والمسيرة إلى البرِّ والطاعة والمحبَّة: »كونوا قدّيسين لأنّي أنا قدّوس« (لا 19: 2؛ 20: 26). تبرَّرتم. وهكذا نصل إلى البرّ δικαιοσυνη الذي هو عطاء مجّانيّ من لدن الله. فأعمال البشر، ولاسيَّما أعمال الشريعة، لا تبرِّر الإنسان، بل هي لقاء مع الربِّ الذي سبق وبرَّرنا. لهذا كان الفعل هنا في صيغة المجهول εδικαιωθητε: بُرِّرتم. أي الله برَّركم، جعلكم أبرارًا. فالبرُّ يجعلنا في طريق الخلاص، في »النجاة« من الغضب الاتي. تلك مرحلة أولى. وفي مرحلة ثانية، البرُّ الحقيقيّ نعمة يمنحها الله الآن. من هنا تكون الحياة المسيحيَّة برّ الله وارتباطًا بالخلاص والملكوت. حياة البرِّ تقوم في إرضاء الله، والدخول في حياة حميمة معه. هنا نأخذ في عين الاعتبار أمرين: وضعُ الخطيئة حيث البشر غاطسون، يجعلهم غير قادرين على الدخول والمشاركة مع الله. هم لا يستطيعون أن يتحرَّروا من النظرة المشوَّهة، من الضعف، من فساد الإرادة. والأمر الثاني هو أنَّ الله حرٌّ كلَّ الحرِّيَّة. فلا أحد يُكرهه أو يُقنعه لكي يعمل بهذه الطريقة أو تلك. فإذا أردنا أن نجد حظوة لديه، فهذا عطاء يتعلَّق به وحده(15). ولكنَّنا في العماد دخلنا في هذه الحياة مع الله، فقال لنا الرسول: »فالذين سبق فاختارهم، سبق فعيَّنهم ليكونوا على مثال صورة ابنه حتّى يكون الابنُ بكرًا لإخوة كثيرين. وهؤلاء الذين سبق فعيَّنهم، دعاهم أيضًا، والذين دعاهم برَّرهم أيضًا، والذين برَّرهم مجدَّهم أيضًا« (رو 8: 29-30). أجل، ذروة التبرير التي ننال من الربِّ تصل بنا إلى المجد (آ18) بعد أن كان لنا التبنّي وافتداء أجسادنا. وكلُّ هذا يكون »باسم الربِّ يسوع المسيح وبروح إلهنا« (1 كو 6: 11). 2. العماد موت وقيامة كيف كان يتمُّ العماد في الاحتفال الليتورجيّ؟ ينزل طالب المعموديَّة بسلِّم تحت الأرض، يخلع ثيابه، ينزل في الماء وكأنَّه يروح في الموت، لأنَّ المياه مدمِّرة قبل أن تكون محيية. بعد ذلك، يخرج من الماء وكأنَّه نال حياة جديدة فيلبس ثوبًا أبيض علامة القيامة والانتصار على الموت. وفي معنى ثانٍ، علامة الطهارة والنقاوة التي نالها هذا المؤمن الجديد، لا بالماء فقط، بل وأيضًا بالكلمة الخلاّقة (أف 5: 26). تلك هي انطلاقة اللاهوت العماديّ عند القدّيس بولس: الليتورجيّا التي بها يعبِّر الإنسان عن علاقته الدينيَّة بالله. كان الاغتسال في العالم القديم عمل استعداد للدخول إلى »الهيكل« من أجل العبادة. فأعطيَ معنى جديدًا، وكذلك ممارسة العماد في الكنيسة الأولى جعلت الرسول يتطلَّع إلى المعموديَّة على أنَّها موت وقيامة مع المسيح. إذا كانت الرسالة الأولى إلى كورنتوس شدَّدت على الاغتسال(16)، فالرسالة إلى رومة تُبرز المعموديَّة في إطار لاهوتيّ يجعلها في قلب سرِّ الخلاص على الصليب. قال الرسول: »ألا تعلمون أنَّنا حين تعمَّدنا لنتَّحد بالمسيح يسوع تعمَّدنا لنموت معه، فدُفنّا معه في المعموديَّة وشاركناه في موته، حتّى كما أقامه الآب بقدرته المجيدة من بين الأموات، نسلك نحن أيضًا في حياة جديدة. فإذا كنّا اتَّحدنا به في موتٍ يشبه موته، فكذلك نتَّحد به في قيامته« (رو 6: 3-5). ماذا كان الموت في العالم القديم؟ نهاية الحياة. في العالم العبريّ ينال الإنسان جزاء أعماله في هذه الدنيا من مال وفير وأبناء عديدين وعمر طويل ينعم فيه »البارّ« بالصحَّة والعافية. وسوف ننتظر القرن الثاني ق.م. ليقول لنا دانيال: »الكثير من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون...« (دا 12: 2). وفي العالم اليونانيّ، يُغلَق القبر على باب الموتى ويلبثون هناك ولا يخرجون، فيصيرون في أفضل الحالات مثل أشباح. ولهذا تساءل أهل كورنتوس: »كيف يقوم الموتى وفي أيِّ جسد يعودون؟« (1 كو 15: 35). فشرح لهم بولس أنَّ ما يزرعونه لا يحيا إلاَّ إذا مات (آ36). والقيامة؟ المسيح قام ونحن نقوم معه. بدأ الرسول فأعلن قيامة الربّ: »الحقيقة هي أنَّ المسيح قام من بين الأموات وهو بكر من قام من رقاد الموت« (آ20). هو فعل إيمان يستند إلى شهادة الذين ظهر لهم. ونعود هنا إلى النصِّ الذي أوردناه من الرسالة إلى رومة. نحن تعمَّدنا لكي نتَّحد بيسوع فيصبح موتُه موتَنا وقيامتُه قيامتَنا وحياتُه حياتَنا. البداية هي الموت، ثمَّ الدفن. ذاك ما حصل ليسوع، كما ورد في أوَّل قانون إيمان: »المسيح مات من أجل خطايانا، كما جاء في الكتب، ودُفن وقام في اليوم الثالث كما جاء في الكتب« (1 كو 15: 3-4). وما عاشه يسوع في الحقيقة نعيشه نحن في السرّ، في الرمز، إلى أن يصبح بالنسبة إلينا حقيقة وواقعًا. نحن نموت حين »تنتهي« حياتنا، هذا ما يُرى. أمّا القيامة مع الربّ فهي لا تُرى. وهكذا تكون قيامتُنا دخولَنا إلى حضرة الآب من أجل حياة لا تنتهي. وكيف نموت نحن؟ أوَّلاً نواصل المشاركة في آلام المسيح حتّى نهاية العالم (كو 1: 24). وفي العمل الرسوليّ نرافق بولس الذي عرف الخطر طوال حياته الرسوليَّة. ونورد ما يقول الكتاب: »من أجلك نعاني الموت طوال النهار ونُحسَب كغنم للذبح« (رو 8: 36؛ مز 44: 23). أمّا الموت الأساسيّ، فهو ذاك الذي نترك فيه الحياة العتيقة بشهواتها ونأخذ بالحياة الجديدة. فنحن لا ندمِّر الجسد لأنَّه مخلوق للقيامة. فالجسد هو للربّ والربُّ هو للجسد (1 كو 6: 13). فإن كان الجسد هو للموت، فالأمر ليس كذلك في عالم الإيمان. »وإذا كان روح الله الذي أقام يسوع من بين الأموات يسكن فيكم، فالذي أقام يسوع المسيح من بين الأموات يُحيي أجسادكم المائتة بروحه الذي يسكن فيكم« (رو 8: 11). ذاك ما قال الرسول لأهل رومة بعد أن أفهمهم أنَّه إن كان الجسد يموت فذلك بسبب الخطيئة. ولكنَّه موت عابر، لأنَّ الروح يعيد إليه الحياة بعد أن ننال التبرير (آ10). في هذا الإطار، كان كلام إلى الكورنثيّين مع صورتين متداخلتين: الأولى الخيمة والبيت. وما يجمع الصورتين هو المسكن οικιαν. لنا مسكن على الأرض، επιγειος هو مجرَّد خيمة σκηνους يمكن أن تقتلعها الرياح في أيِّ وقت. فالموت يفاجئنا مثل لصٍّ كما قال الربّ (مت 24: 43؛ لو 12: 39)، وتبعه الرسول في كلامه إلى التسالونيكيّين (1 تس 5: 2: كلصٍّ في الليل). ولنا مسكن آخر οικοδομνη. الله عمِلَه، ومرجعه اللهεκ θεου. هو بيت أبديّ في السماوات »غير مصنوع بالأيدي« (2 كو 5: 1). والصورة الثانية هي اللباس والعري. فاللباس يعطي الإنسان هويَّته، والعري يجعله بلا هويَّة. فكأنَّه غير موجود. من هنا العري بالموت يجب أن يتبعه حالاً اللباس بالحياة. وما نلاحظ هو أنَّنا »نلبس« البيت، وننتقل من لباس إلى لباس، كما ينتقل الإنسان من بيت إلى بيت. »فمتى لبسنا البيت السماويّ لا نكون عراة« (آ3). ماذا ينتظر المؤمن؟ أن يلبس البيت السماويّ، أن يكون له الجسد الممجَّد. وما الذي يتبعه؟ هذا الجسد الذي يمكن أن يتعرَّى في كلِّ وقت، يرتاحُ »حين يلبس فوق الجسد الأرضيّ الجسد السماويّ حتّى تبتلع الحياةُ ما هو زائل فينا« (آ4). هذا يعني أنَّ المؤمن يرغب في الموت ويشتهيه. ولهذا قال الرسول: »أرغب في أن أترك هذه الحياة لأكون مع المسيح« (فل 1: 23). فالموت هو المحطَّة الحاسمة قبل القيامة. ويتواصل الكلام: »ما دُمنا مقيمين في هذا الجسد، فنحن مغتربون عن الرب« (آ6)، لهذا نفضِّل أن نغترب عن هذا الجسد لنقيم مع الرب« (آ7). إذا كان الجسد لا يفنى لأنَّه للقيامة، فما الذي يجب أن يفنى فينا؟ ما يرتبط باللحم والدم، بالعنصر البشريّ الضعيف. هنا فرق شاسع بين σωμα و σαρζ اللذين يترجمان في العربيَّة بلفظ واحد الجسد. فمتى نميِّز بين الاثنين كما فعلت اللغة الفرنسيَّة مثلاً. هناك le corps :σωμα. ثمَّ la chair: σαρζ لا يمكن المزج بينهما. وكانت اقتراحات بأن نترجم σαρζ: البدن أو العنصر البشريّ... ولكن لا لفظ فرض نفسه حتّى الآن. في إطار الكلام عن الشريعة التي تحرَّر منها المسيح، حدَّثنا الرسول عن هذا »البدن« الذي يجب أن يموت. »حين كنّا في »اللحم (والدم)« σαρζ، كانت الأهواء الخاطئة التي أثارتها الشريعة تعمل في أعضائنا لتُثمر للموت. ولكنَّا الآن تحرَّرنا من الشريعة لأنَّنا متنا عمّا كان يقيِّدنا، حتّى نعبد الله في النظام الجديد، نظام الروح، لا له النظام القديم، نظام الحرف« (رو 7: 5-6). أجل، يجب أن يموت البدن σαρζ بأعماله الضعيفة ليحيا الروح πνευμα. فبسببه لا يعمل المؤمن ما يريد، بل ما لا يريد. السبب: الخطيئة تسكن فيَّ (آ17). عندئذٍ يهتف الرسول: »من ينجِّيني من جسد الموت هذا!« (آ24). ويتقابل »البدن« مع الروح. لا الجسد مع الروح بحيث نكون في أكبر هرطقة. فالجسد هو الإنسان في اتِّصاله بالعالم الخارجيّ. والروح هو الإنسان في حياته الحميمة مع الربّ، التي لا يراها أحد. أمّا النفس فتدلُّ على »الأنا« في شخصيَّتي، ولا تقابل الجسد في أيِّ حال، وإلاَّ نكون في الفلسفة اليونانيَّة حيث الجسد هو وعاء موقَّت للنفس التي تستطيع أن تنتقل من جسد إلى جسد. يا ليتنا نقرأ هنا أفرام السريانيّ فيصحِّح الكثير من أخطائنا في هذه الأيّام(17). قال الرسول إلى أهل رومة: »أرسل الله ابنه في شبه بشريَّة σαρκος الخطيئة αμαρτιας، فحكم على الخطيئة في بشريَّتنا (رو 8: 3). وتحدَّث عن المؤمنين الذين يسلكون سبيل الروح لا سبيل اللحم والدم (آ4). »فالذين يسلكون السلوك البشريّ (البدن) يهتمُّون بأمور البدن، والذين يسلكون سبيل الروح يهتمُّون بأمور الروح. فالاهتمام بالبدن (اللحم والدم) موت، وأمّا الاهتمام بالروح فحياة وسلام. لأنَّ الاهتمام بالبدن تمرُّد على الله...« (آ5-6). »والذين يسلكون السلوك البشريّ لا يمكنهم أن يرضوا الله« (آ8). فيبقى على المؤمنين أن يعرفوا أنَّهم لا يخضعون للبدن، للحم والدم، بل يخضعون للروح، »لأنَّ روح الله يسكن فيهم« (آ9). ماذا يموت فينا؟ الأغصان اليابسة. أو العضو الذي يحمل الضرر إلى الكنيسة. ويدعونا الرسول: »أميتوا إذًا أعضاءكم الأرضيَّة، أميتوا ما هو أرضيّ فيكم كالزنى والفسق والهوى والشهوة الرديئة والفجور« (كو 3: 5). أميتوا. ثمَّ »تخلَّصوا من كلِّ ما فيه غضب ونقمة وخبث وشتيمة« (آ8). تعمَّدتم »فخلعتم الإنسان القديم وكلَّ أعماله، ولبستم الإنسان الجديد الذي يتجدَّد في المعرفة على صورة خالقه« (آ9-10). بدأنا في إطار حفلة العماد كما كانوا يحتفلون بها في الكنيسة الأولى مع دور كبير للشمّاس والشمّاسة، وها نحن ننتهي باللباس الذي يخلعه المؤمن ليلبس ثوبًا جديدًا، هو أبعد من لباس خارجيّ نلبسه ونخلعه. إنَّه لباس الحياة المسيحيَّة: »أنتم الذين اعتمدتم بالمسيح لبستم المسيح« (غل 3: 27). 3. العماد استنارة في لوحة موجزة تستعيد الحياة المسيحيَّة إبّان التنشئة، نقرأ ما تركه لنا تلاميذ القدّيس بولس في الرسالة إلى العبرانيّين التي هي رسالة انطلقت من الإسكندريَّة فتسلَّمتها رومة، وتمسَّكت بها كنيسة أنطاكية، وقدَّم الذهبيّ الفم عنها تسعًا وثلاثين عظة في السنوات الأخيرة من حياته الأسقفيَّة(18)، كما حسبها تيودور أسقف المصيصة بين الرسائل البولسيَّة الكبار مع الرسائل إلى رومة وكورنتوس(19). ماذا تقول هذه الرسالة البولسيَّة؟ »فالذين أنيروا مرَّة، وذاقوا الموهبة السماويَّة، وصاروا مشاركين في الروح القدس، واستطابوا كلمة الله الصالحة ومعجزات العالم المقبل، ثمَّ سقطوا، يستحيل تجديدهم وإعادتهم إلى التوبة لأنَّهم يصلبون ابن الله ثانيًا لخسارتهم ويعرِّضونه للعار« (عب 6: 4-6)(20). ذكر النصُّ عطايا الله. الاستنارة أو المعموديَّة المقدَّسة. القربان المقدَّس أو الموهبة السماويَّة. وأخيرًا، سرّ التثبيت أو المشاركة في الروح القدس، وكلُّ هذا يترافق مع كلمة الله θεου ρημα أي الإنجيل الذي تقبَّلته الجماعة الجديدة في خطِّ التوراة والأنبياء والمزامير. أُنيروا. أو: استناروا φωτισθευτας. ذاك ما حصل للمعمَّدين الجدد. هو موضوع النور الذي يُشرف على العهد الجديد بشكل خاصّ. فمنذ مطلع الإنجيل الرابع يُقال لنا: »حياة يسوع (الكلمة) هو نور الناس to φως των ανθρωπων، والنور يشرق في الظلمة، والظلمة لا تقوى عليه« (يو 1: 14). ويتواصل المطلع في المعنى ذاته: الكلمة الذي هو النور الحقيقيّ αληθινον جاء إلى العالم لينير كلَّ إنسان (آ9). راحت الرسالة إلى أفسس في هذا الخطِّ فطلبت من المؤمنين الذين هم »أبناء النور« (لو 16: 8) أن يسيروا »سيرة أبناء النور« (أف 5: 6). وقابلت بين الظلمة التي كان فيها أبناء الجماعة قبل أن يتقبَّلوا العماد، وبين النور الذي صاروا فيه. فالظلمة هي موت، والنور حياة. الظلمة خطيئة، والنور مسيرة »في المحبَّة، مسيرة المسيح الذي أحبَّنا وضحَّى بنفسه من أجلنا قربانًا وذبيحة لله طيِّبة الرائحة« (آ2). أبناء الظلمة أعمالهم معروفة: »الزنى، الفسق، الفجور (آ3)، ثمَّ السفاهة والسخافة والهزل (آ4). كلُّ هؤلاء هم عابدو أوثان، لا ميراث لهم في ملكوت المسيح والله« (آ5). أبناء النور، المعمَّدون، هم »قدّيسون« أي منفصلون عن هذه الأعمال، بل هم لا يذكرون أسماءها (آ3). وبالتالي لا يشاركون الذين يعملون بها (آ7). فإن شاركوا صاروا من أبناء الظلمة، وما عادوا من أبناء النور، فيحلُّ عليهم حكم الرسالة إلى العبرانيّين بما فيه من قساوة: »يستحيل تجديدهم وإعادتهم إلى التوبة« (عب 6: 16). فهذه الاستنارة تتمُّ مرَّة واحدة απαζ ولا يمكن أن تتكرَّر. إلى مثل هذا المصير المرعب تقود الظلمة σκοτος والعودة إلى الوراء: »هم ωابن الله ثانية لخسارتهم ويعرِّضونه للعار« (آ6ب). أمّا النور φως فثمرُه مخالفٌ كلِّيٌّا لثمر الظلمة. يورده الرسول هنا: »ثمر النور يكون في كلِّ صلاح αγαθωσυνη وتقوى (أو: برّ، عيش بحسب مشيئة الله) δικαιοσυνηوحقّ αληθεια« (آ9). وهكذا تدعو الرسالة المعمَّدين: »بالأمس كنتم ظلامًا، واليوم أنتم نور في الربّ، فسيروا سيرة أبناء النور« (أف 5: 8). السائرون في النور هم حكماء σοφοι والسائرون في الظلمة تنقصهم الحكمة. هم ασοφοι (آ15). هم نيام، لا ساهرون. هم راقدون لا قائمون من بين الأموات. كانوا أمواتًا في زلاّتهم وخطاياهم وما زالوا (أف 2: 1) إذًا هم أشقى الناس (1 كو 15: 19) لأنَّهم ما زالوا راقدين رقاد الموت (آ20). أوردت الرسالةُ نصٌّا مسيحيٌّا(21) قد يكون استلهم إشعيا النبيّ(22): »انهض أيُّها النائم وقمْ من بين الأموات وعليك يُضيء المسيح« (أف 5: 14). استنار المعمَّد فصار ابن الحياة. هذا يفرض عليه أن يكون ساهرًا، صاحيًا. أن لا يكون مع النيام، مع السكارى، أن لا يعيش في الظلام. بهذا الكلام توجَّه بولس في أولى رسائله إلى التسالونيكيّين: »أمّا أنتم، أيُّها الإخوة، فلا تعيشون في الظلام، لأنَّكم جميعًا أبناء النور وأبناء النهار. فما نحن من الليل ولا من الظلام. فلا ننَمْ كسائر الناس، بل يجب أن نسهر ونصحو. فالذين ينامون في الليل ينامون، والذين يسكرون في الليل يسكرون. أمّا نحن أبناء النهار فلنكن صاحين، لابسين درع الإيمان والمحبَّة وخوذة رجاء الخلاص« (إش 5: 4-8). استعاد بولس في الآية الأخيرة إشعيا النبيّ (59: 17)، فنبَّه المؤمنين الذين برَّرهم الله وقدَّسهم، أن يحيوا في الفضائل الإلهيَّة الثلاث: الإيمان، والمحبَّة والرجاء. لا حاجة بعد إلى سلاح بشريّ، بل نتطلَّع إلى السلاح الإلهيِّ، لأنَّ النور الذي غمر حياتنا أعطانا نظرة جديدة إلى الواقع الذي نعيشه. فالنور هو نور الإيمان، يفيضه الله في القلب فيجعلنا نكتشف »إنجيل مجد المسيح« (2 كو 4: 4ب). وتجاه هذا النور الحقيقيّ، الذي يفتح لنا الإنجيل، فهناك لدى الهالكين ظلمة تجعل الإنجيل محجوبًا بالنسبة إليهم (آ3). هم »اللامؤمنون الذين أعمى إله هذا العالم بصائرهم حتّى لا يشاهدوا النور الذي يضيء لهم« (آ4أ). هذا النور يعطينا معرفة الإله الحقيقيّ، ليقدِّم لنا تعليمًا (عب 10: 26) في خطِّ الكلمة، التي سمعناها. هنا نورد ما قاله يوستين الشهيد (القرن الثاني) في الدفاع الأوَّل حيث تحدَّث عن العماد والدخول في الحياة المسيحيَّة فقال: »هذا الاستحمام يُدعى استنارة، لأنَّ الذين يتلقَّون هذه العقيدة تمتلئ روحُهم نورًا. ويغتسل المستنير أيضًا باسم يسوع المسيح الذي صُلب على عهد بيلاطس البنطيّ، وباسم الروح القدس الذي تنبَّأ في الأنبياء عن حياة يسوع بأسرها«(23). الذين نسوا أنَّهم »استناروا«، أنَّهم »ذاقوا« الموهبة، الذين نسوا تلك الخبرة الروحيَّة الأولى حين تقبَّلوا سرَّ العماد، هل يعرفون فظاعة عملهم في السقوط والارتداد عن الإيمان؟ وننتقل من المؤمن والمرتدّ عن الإيمان إلى الأرض الصالحة والأرض الطالحة مع أنَّ الاثنتين نزل عليهما المطر: الأولى تعطي نباتًا صالحًا فتنال البركة. والأرض الطالحة تعود بنا إلى الأرض التي مضى الإنسان الأوَّل إليها بعد الخطيئة: تُنبتُ شوكًا وعشبًا ضارٌّا. النتيجة: »هي مرفوضة تهدِّدها اللعنة ويكون الحريقُ عاقبتها« (عب 6: 8). أمّا التي نالت البركة، فتشمل أولئك »الذين يؤمنون ويصبرون فيرثون ما وعد الله« (آ12). الخاتمة رافقنا بولس الرسول في الكلام عن المعموديَّة، واكتشفنا مفاهيم سابقة للمسيحيَّة أخذ بها الإيمان الجديد. ونقطة الانطلاق كانت الليتورجيّا. فالاغتسال الذي يغرز جذوره في العالم القديم الممتدّ من الهند إلى الشرق الأوسط وبلاد اليونان، حمل معنى جديدًا، صرنا أنقياء لا في الصورة بل في الحقيقة. تقدَّسنا، تبرَّرنا، ولبسنا المسيح. والموت والقيامة مفهوم لاهوتيّ نجد عنه صورة حسِّيَّة في ممارسة المعموديَّة في الكنيسة الأولى. والاستنارة نقرأ عنها في شفاء الأعمى منذ مولده (يو 9: 6ي) الذي مضى واغتسل فانفتحت عيناه وصار يبصر، كما في فلسفات قديمة حيث الإنسان يبحث عن النور. ويبقى أنَّ الفاعل الأوَّل في العماد ليس الإنسان مهما كانت أعماله حسنة، بل الله الذي بادر »فاختارنا قبل إنشاء العالم لنكون عنده قدّيسين بلا لوم في المحبَّة« (أف 1: 4). فيا ليتنا نتجاوب مع هذا الاختيار ونعرف أنَّ »مشيئة الله هي تقديسنا« (1 تس 4: 3). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 156555 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() العماد عند القديس بولس حين نتحدَّث عن اللاهوت المسيحيّ في كلِّ أبعاده، سواء العقيديّ أو الخلقيّ أو الأسراريّ، طريق البداية هي واحدة: بولس الرسول والرسائل البولسيَّة الأربع عشرة دون نسيان ما نُسب إلى بطرس وإلى يعقوب من رسائل. فأوَّل كلمات العهد الجديد التي وصلت إلينا هي ما وصل إلى كنيسة تسالونيكي سنة 51 وآخر ما وصل إلينا رسالة تيموتاوس الأوَّلى ورسالة تيطس. بحيث إنَّ هذه الرسائل أحاطت بالأناجيل الأربعة ففرضت اللغة اليونانيَّة، تلك اللغة العالميَّة حينذاك، على الأناجيل التي كان بالإمكان أن تدوَّن لا في اللغة الآراميَّة بشكل عامّ، بل في آراميَّة الجليل التي عُرف بطرس(1) بها خلال محاكمة يسوع. وإذ نحن ندرس الليتورجيّا في رفقة القدّيس بولس، كما أعدَّ البرنامج مشكورًا الأب الدكتور أيّوب شهوان، مدير معهد الليتورجيّا، مع الفريق العامل معه، نكون حقٌّا في الطريق الذي دعانا إليه المجمعا لفاتيكانيّ الثاني، حيث الكتاب المقدَّس هو النبع ومنه تخرج الدروس المسيحيَّة بأشكالها، ولا يكون سندًا للاهوت الذي هو »الأوَّل« كما أراد الفاتيكانيّ الثاني جماعةٌ من العائشين في زمن توما الأكوينيّ أو بعده(2). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 156556 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() العماد اغتسال »اغتسلتم، تقدَّستم، تبرَّرتم باسم الربِّ يسوع المسيح وبروح إلهنا« (1 كو 6: 1). العماد أو المعموديَّة، لفظ يأتي من السريانيَّة ولا أساس له في اللغة العربيَّة الأولى. فاللفظ العربيّ »عمد« يعني دعم (السقف مثلاً) ومنه العمود. أو يعني: قصد. أمّا الجذر السريانيّ ـ¥ـ،ـ• (3) فيعني غاص في الماء، اغتسل، انغمس، اصطبغ. وهكذا جاء التحديد العربيّ المرتبط بالسريانيّ: غسله بماء المعموديَّة ـ،ـ¥ـ،ـکـ•ــ¬ـگ(4). ونجد أيضًا ـ¥ـ،ـ•ـگ الذي صار في العربيَّة: العماد. قال الأب لويس معلوف في المنجد: اللفظة سريانيَّة الأصل أو مولَّدة مأخوذة من العُمد أي البلل. والفعل عَمِدَ: بلَّل المطرُ (الثرى). فالعماد المسيحيّ هو قبل كلِّ شيء اغتسال. فالفعل الأوَّل خ²خ±د€د„د‰ يعني غطس، غاص، انغمس في الماء. خµخ½ د…خ´خ±د„خ¹ ثمَّ: بلَّل، رطَّــب. والفعـل الثاني خ²خ±د€د„خ¹دƒخ¼خ± الذي يعني الشيء عينه(5). أمّا المعنى المسيحيّ فسوف يأتي فيما بعد: اعتمد، العماد أو المعموديَّة(6). لهذا فالاسم خ²خ±د€د„خ¹دƒخ¼خ± الذي يعني المعموديَّة لا نقرأه في الأدب العاديّ، بل في العهد الجديد ثمَّ في الآباء في امتداد العهد الجديد. قال الرسول في إطار كلام عن الموت والحياة: »دُفنّا معه في المعموديَّة خ´خ¹خ± د„خ؟د… خ²خ±د€د„خ¹دƒخ¼خ±د„خ؟د‚ وشاركناه في موته« (رو 6: 4). وقال هو أو تلاميذه في أف 4: 5: »إيمان واحد، معموديَّة واحدة« خµخ½ خ²خ±د€د„خ¹دƒخ¼خ± و خ¼خ¹خ± د€خ¹دƒد„خ¹د‰. أمّا خ²خ±د€د„خ¹دƒخ¼خ؟د‚ الذي يعني الاغتسال الطقسيّ كما في مر 7: 4، فيرد في رسالة القدّيس بولس إلى العبرانيّين: »وشعائر المعموديَّة خ²خ±د€د„خ¹دƒخ¼د‰خ½ ووضع الأيدي« (عب 6: 2). نشير هنا إلى أنَّ خ²خ±د€د„خ¹دƒخ¼خ؟د‚ سوف يصبح الاستعمال العاديّ للكلام عن المعموديَّة، منذ القرن الثالث المسيحيّ، وذلك بجانبخ²خ±د€د„خ¹دƒخ¼خ±(7). من هذه الألفاظ انطلق الرسول، وتطلَّع إلى ما يتمُّ في العالم اليهوديّ كما في العالم غير اليهوديّ. فالماء عنصر هامّ في العالم اليهوديّ من أجل التطهير الطقسيّ، كما يطلب سفر اللاويّين (لا 14: 8 بالنسبة إلى الأرض؛ 15: 16-18 بالنسبة إلى النجاسة الجنسيَّة) وسفرُ العدد (19: 19: لمس جثَّة ميت). وأورد مر 7: 1-5 ردٌّا على ما قال سفر اللاويّين بالنسبة إلى الآنية التي تُغسَل قبل أن تُستعمل. أمّا المشناة (نظام طهوروت) فتتحدَّث عن طهارة طقسيَّة تُتيح للإنسان أن ينتقل من المجال العاديّ profane إلى المجال القدسيّ sacré. وهكذا يحقُّ له أن يدخل إلى الهيكل ويشارك في الذبيحة. وفي جماعة قمران، الاغتسال اليوميّ مطلوب في رغبة عميقة بالتطهير(8): »يرشّ عليه ماء التطهير ويتقدَّس بالمياه الجارية«. وفي القرن الأوَّل المسيحيّ، اعتاد اليهود أن يمارسوا »عماد المهتدين الجدد« بجانب الختان، لكي يتطهَّر الوثنيّون قبل الدخول في الديانة اليهوديَّة(9). ولا ننسى خصوصًا الحركة العماديَّة(10) التي سبقت يوحنّا المعمدان بقرن من الزمان(11)، وتواصلت بعده قبل أن تصبَّ في الحركة المندائيَّة(12). كانت هناك تيّارات عديدة، ودخل خطُّ المعمدان في أحد هذه التيّارات فكان عمادُه مميَّزًا لأنَّه يطلب توبة حقيقيَّة ولا يكتفي بالطقوس الخارجيَّة. وإذا تركنا العالم اليهوديّ، ندخل في تاريخ كبير ينطلق من الهند ليصل إلى بلاد الرافدين ومصر مرورًا بآسية الصغرى واليونان ورومة. هو الاستحمام المقدَّس، والاغتسال الطقسيّ. فالاغتسال يمحو النجاسة الطقسيَّة، ويضيف قوَّة الحياة، ويهب الخلود(13). مصر اغتسلت في النيل، وبابل في الفرات، والهند في الغانج. وكلُّ بلد وجدَ نهرًا يغتسل فيه. وحين أتى بولس إلى فيلبّي في رحلته الرسوليَّة الثانية، خرج والفريق الرسوليّ إلى ضفَّة النهر »متوقِّعين أن نجد هناك مكانًا يهوديٌّا للصلاة« (أع 16: 13). ذاك هو الجوّ الذي نقرأ فيه كلام الرسول: »اغتسلتم، تقدَّستم، تبرَّرتم«(14). أنَّب بولس جماعة كورنتوس لأنَّهم يتخاصمون ويمضون إلى محاكم وقضاة وثنيّين. دعاهم »ظالمين«، »فجّارًا« خ±خ´خ¹خ؛د‰خ½, أي لم يتبرَّروا بالإيمان بيسوع المسيح ولم يتقدَّسوا بالعماد. فلا هؤلاء »الظالمون« خ±خ´خ¹خ؛خ؟خ¹ ولا الزناة ولا عبّاد الأوثان... يرثون ملكوت الله (1 كو 6: 9-10). فهل تريدون أنتم أن تكونوا منهم؟ ولكنَّ الرسول استعاد كلامه في آ11: »بعضكم«، لا كلّكم. ثمَّ »كنتم« في الماضي، لا الآن. لا يمكن أن يكون المسيحيّون على هذا المستوى من »الانفلات« الخلقيّ. أنتم اغتسلتم. فالاغتسال بالنسبة إلى المسيحيّ هو الاعتماد. هو التنقية من الخطايا. ولمَ لا نستعيد تقاليد العالم السابق للمسيح؟ هي الحياة الجديدة كما قال الربُّ في إنجيل يوحنّا: الولادة من فوق. أو: الولادة مرَّة ثانية، الولادة الجديدة (يو 3: 3-5). هذا ما يجعلنا في إطار »الجديد« و«العتيق« الذي يردِّده بولس مرارًا. بالمعموديَّة صرنا »الخليقة الجديدة« (غل 6: 15)، بالمعموديَّة لبسنا »الإنسان الجديد الذي خلقه الله على صورته في البرِّ وقداسة الحق« (أف 4: 24). وفي الرسالة الأولى إلى كورنتوس يدعونا بولس إلى أن نترك القديم ونأخذ بالجديد، فيربط هذا الموقف »بالخمير«. قال: »تطهَّروا من الخميرة القديمة لتصيروا عجينًا جديدًا« (1 كو 5: 7). كانت بداية التجديد حين اعتمدنا بروح واحد، وينبغي أن نعبِّر عن هذا التجديد في الحياة اليوميَّة. إذًا »نسلك في حياة جديدة« (رو 6: 4). لا بحسب العنصر البشريّ فينا، بحسب اللحم والدم والضعف البشريّ والميل إلى الخطيئة، بل بحسب الروح د€خ½خµد…خ¼خ±. هنا تنطلق الثمار من المحبَّة فتصل إلى الفرح والسلام والصبر واللطف والصلاح والأمانة والوداعة والعفاف (غل 5: 22-23). أمّا الأعمال بحسب الميل البشريّ فينا دƒخ±دپخ¶ فهي الزنى والدعارة والفجور... (آ19ي). تحدَّث القدّيس يوحنّا مرَّتين عن هذا الاغتسال، مرَّة أولى حين شفاء الأعمى منذ مولده (يو 9: 7، 11، 15)، ومرَّة ثانية حين غسل أرجل تلاميذه (يو 13: 5، 6، 8، 10، 12، 14)، وفي الحالين الإشارة إلى المعموديَّة واضحة. اغتسل الأعمى »فاستنار«. وبطرس اغتسل »ليكون له نصيب مع الربّ« (يو 13: 8). هل من علاقة بين الإنجيل الرابع وبين الرسالة إلى أفسس التي تحدَّثت عن ماء الاغتسال؟ المسيح »يقدِّس الكنيسة ويطهِّرها بغسل الماء« (أف 5: 26). حينئذٍ صارت له »كنيسة مجيدة لا عيب فيها ولا تجعُّد« (آ27). اغتسل، تعمَّد، نال الحياة الجديدة، وهكذا صار جميع المعمَّدين إخوة وأخوات في الربّ. هنا نقرأ الرسالة إلى غلاطية حيث الختان شكَّل انتماء اليهوديّ إلى الديانة. أمّا مع المسيح، فالختان لا يزيدنا شيئًا. وإذا لم نُختتَن لا ينقصنا شيء. فبالمعموديَّة ننال انتماء جديدًا. نصبح أعضاء في الكنيسة، في جسد المسيح السرّيّ. قال الرسول: »فأنتم كلُّكم أبناء الله بالإيمان بالمسيح يسوع، لأنَّكم تعمَّدتم جميعًا في المسيح فلبستم المسيح، ولا فرق الآن بين يهوديّ وغير يهوديّ (أو: يونانيّ)، بين عبد وحرّ، بين رجل وامرأة (أو: ذكر وأنثى)، فأنتم كلُّكم واحد في المسيح يسوع« (غل 4: 26-28). مثل هذا الكلام يفهمنا موقف الرسول في أنطاكية، حيث كان انفصال بين المسيحيّين الآتين من العالم اليهوديّ، وآخرين آتين من العالم اليونانيّ (الوثنيّ). كان جميع المعمَّدين معًا يشاركون في عشاء المحبَّة بانتظار الإفخارستيّا. كان هناك بطرس وبولس وبرنابا وآخرون غيرهم. »وجاء قوم من عند يعقوب« (غل 2: 12أ)، فانفصل بطرس »عنهم خوفًا من دعاة الختان« (آ12ب)، وواصل بولس كلامه: »وجاراه سائرُ اليهود في ريائه حتّى إنَّ برنابا نفسه انقاد إلى ريائهم« (آ13). اعتبر بولس أنَّ مثل هذا التصرُّف لا يدلُّ على »سيرة مستقيمة مع حقيقة البشارة« (آ13). وفي كورنتوس اعتاد المؤمنون أن يأتوا إلى عشاء الربّ. هل يكون الأغنياء مع الفقراء، والأسياد مع العبيد؟ مبدأيٌّا الأمرُ هكذا. ولكن عمليٌّا، يأتي الأغنياء والأسياد باكرًا، والآخرون يأتون بعد ساعات العمل المضنية. هل يقبل بولس بهذا الوضع؟ كلاّ. أين المعموديَّة الواحدة والإيمان الواحد؟ قال: »لا أهنِّئكم، لا أمتدحكم، لأنَّ اجتماعاتكم تضرُّ أكثر ممّا تنفع« (1 كو 11: 17). وإذا تناسى أعضاءُ الكنيسة هذه التعليمة »يكون اجتماعكم سببًا للحكم عليكم وللدينونة« (آ24). وكذا نقول عن العلاقة بين المرأة والرجل. قال التقليد المرتبط بسفر التكوين: المرأة هي من الرجل (تك 2: 22)، فقال الرسول: »لا تكون المرأة بدون الرجل، ولا الرجل من دون المرأة. لأنَّه إذا كانت المرأة من الرجل، فالرجل تلده المرأة، وكلُّ شيء من الله« (1 كو 11: 11-12). وعن العلاقة بين العبد والسيِّد. فالرسول يطلب من فيلمون، السيِّد الغنيّ الذي تجتمع الكنيسة في بيته، أن لا يحسب أونسيمس بعدُ »عبدًا« اشتراه كما اشترى غيره بحسب عادة ذلك الزمان: »لا يكون عبدًا بعد اليوم، بل أفضل من عبد، أي أخًا حبيبًا« (فلم 16). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 156557 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() قال بولس الرسول لأهل كورنتوس: سوف تُغسَلون بل اغتسلتم. في الماضي. ولا قال: سوف تقدَّسون. بل »قدِّستم« في الماضي. سبق الربُّ وعمل فيكم الأعمال العجيبة. أمّا التقديس فيعني الانفصال المرتبط بالتكريس. نكرِّس موضعًا لله فيصبح مفصولاً عن الاستعمال الدنيويّ. ويكرَّس الكاهن فلا تعود حرِّيَّته له بأن يفعل ما يشاء. وكذا نقول عن الراهب والراهبة، بل عن المؤمنين. فبطرس حين أعلن محبَّته للربّ، قال له الربّ: في الماضي كنتَ تذهب حيث تريد... والآن يأخذونك إلى حيث لا تريد (يو 21: 18). بالعماد، بالاعتماد، ينتقل المعمَّد الجديد من عالم إلى عالم. مرّات يقول الرسول: كنتم. أمّا الآن فلا: »لا تملك الخطيئة في جسدكم دƒد‰خ¼خ±د„خ¹ المائت لكي تطيعوا شهواته، ولا تجعلوا من أعضائكم سلاحًا في سبيل الخطيئة... فلا يكون للخطيئة سلطان عليكم بعد الآن...« (رو 6: 12-14). إذا كان المدلول الأوَّل للقداسة يعني الانقطاع عمّا هو دنيويّ والانفصال، فالمدلول الإيجابيّ يجعلنا تجاه ديناميَّة، تجاه سرٍّ وبهاء حيث نرى ما هو فوق الطبيعة، فيحسُّ الإنسان برهبة وسحر معًا، ويشعر أنَّه صغير أمام تجلّي العظمة الإلهيَّة. أمّا المعمَّد فيعرف أنَّه مدعوٌّ إلى هذه القداسة، إلى أن يتجاوب مع هذه القداسة التي منحه الله إيّاها. لهذا كان »الاغتسال« لا بالماء فقط، بل بالماء والروح، والمسيرة إلى البرِّ والطاعة والمحبَّة: »كونوا قدّيسين لأنّي أنا قدّوس« (لا 19: 2؛ 20: 26). تبرَّرتم. وهكذا نصل إلى البرّ خ´خ¹خ؛خ±خ¹خ؟دƒد…خ½خ· الذي هو عطاء مجّانيّ من لدن الله. فأعمال البشر، ولاسيَّما أعمال الشريعة، لا تبرِّر الإنسان، بل هي لقاء مع الربِّ الذي سبق وبرَّرنا. لهذا كان الفعل هنا في صيغة المجهول خµخ´خ¹خ؛خ±خ¹د‰خ¸خ·د„خµ: بُرِّرتم. أي الله برَّركم، جعلكم أبرارًا. فالبرُّ يجعلنا في طريق الخلاص، في »النجاة« من الغضب الاتي. تلك مرحلة أولى. وفي مرحلة ثانية، البرُّ الحقيقيّ نعمة يمنحها الله الآن. من هنا تكون الحياة المسيحيَّة برّ الله وارتباطًا بالخلاص والملكوت. حياة البرِّ تقوم في إرضاء الله، والدخول في حياة حميمة معه. هنا نأخذ في عين الاعتبار أمرين: وضعُ الخطيئة حيث البشر غاطسون، يجعلهم غير قادرين على الدخول والمشاركة مع الله. هم لا يستطيعون أن يتحرَّروا من النظرة المشوَّهة، من الضعف، من فساد الإرادة. والأمر الثاني هو أنَّ الله حرٌّ كلَّ الحرِّيَّة. فلا أحد يُكرهه أو يُقنعه لكي يعمل بهذه الطريقة أو تلك. فإذا أردنا أن نجد حظوة لديه، فهذا عطاء يتعلَّق به وحده(15). ولكنَّنا في العماد دخلنا في هذه الحياة مع الله، فقال لنا الرسول: »فالذين سبق فاختارهم، سبق فعيَّنهم ليكونوا على مثال صورة ابنه حتّى يكون الابنُ بكرًا لإخوة كثيرين. وهؤلاء الذين سبق فعيَّنهم، دعاهم أيضًا، والذين دعاهم برَّرهم أيضًا، والذين برَّرهم مجدَّهم أيضًا« (رو 8: 29-30). أجل، ذروة التبرير التي ننال من الربِّ تصل بنا إلى المجد (آ18) بعد أن كان لنا التبنّي وافتداء أجسادنا. وكلُّ هذا يكون »باسم الربِّ يسوع المسيح وبروح إلهنا« (1 كو 6: 11). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 156558 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() العماد موت وقيامة كيف كان يتمُّ العماد في الاحتفال الليتورجيّ؟ ينزل طالب المعموديَّة بسلِّم تحت الأرض، يخلع ثيابه، ينزل في الماء وكأنَّه يروح في الموت، لأنَّ المياه مدمِّرة قبل أن تكون محيية. بعد ذلك، يخرج من الماء وكأنَّه نال حياة جديدة فيلبس ثوبًا أبيض علامة القيامة والانتصار على الموت. وفي معنى ثانٍ، علامة الطهارة والنقاوة التي نالها هذا المؤمن الجديد، لا بالماء فقط، بل وأيضًا بالكلمة الخلاّقة (أف 5: 26). تلك هي انطلاقة اللاهوت العماديّ عند القدّيس بولس: الليتورجيّا التي بها يعبِّر الإنسان عن علاقته الدينيَّة بالله. كان الاغتسال في العالم القديم عمل استعداد للدخول إلى »الهيكل« من أجل العبادة. فأعطيَ معنى جديدًا، وكذلك ممارسة العماد في الكنيسة الأولى جعلت الرسول يتطلَّع إلى المعموديَّة على أنَّها موت وقيامة مع المسيح. إذا كانت الرسالة الأولى إلى كورنتوس شدَّدت على الاغتسال(16)، فالرسالة إلى رومة تُبرز المعموديَّة في إطار لاهوتيّ يجعلها في قلب سرِّ الخلاص على الصليب. قال الرسول: »ألا تعلمون أنَّنا حين تعمَّدنا لنتَّحد بالمسيح يسوع تعمَّدنا لنموت معه، فدُفنّا معه في المعموديَّة وشاركناه في موته، حتّى كما أقامه الآب بقدرته المجيدة من بين الأموات، نسلك نحن أيضًا في حياة جديدة. فإذا كنّا اتَّحدنا به في موتٍ يشبه موته، فكذلك نتَّحد به في قيامته« (رو 6: 3-5). ماذا كان الموت في العالم القديم؟ نهاية الحياة. في العالم العبريّ ينال الإنسان جزاء أعماله في هذه الدنيا من مال وفير وأبناء عديدين وعمر طويل ينعم فيه »البارّ« بالصحَّة والعافية. وسوف ننتظر القرن الثاني ق.م. ليقول لنا دانيال: »الكثير من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون...« (دا 12: 2). وفي العالم اليونانيّ، يُغلَق القبر على باب الموتى ويلبثون هناك ولا يخرجون، فيصيرون في أفضل الحالات مثل أشباح. ولهذا تساءل أهل كورنتوس: »كيف يقوم الموتى وفي أيِّ جسد يعودون؟« (1 كو 15: 35). فشرح لهم بولس أنَّ ما يزرعونه لا يحيا إلاَّ إذا مات (آ36). والقيامة؟ المسيح قام ونحن نقوم معه. بدأ الرسول فأعلن قيامة الربّ: »الحقيقة هي أنَّ المسيح قام من بين الأموات وهو بكر من قام من رقاد الموت« (آ20). هو فعل إيمان يستند إلى شهادة الذين ظهر لهم. ونعود هنا إلى النصِّ الذي أوردناه من الرسالة إلى رومة. نحن تعمَّدنا لكي نتَّحد بيسوع فيصبح موتُه موتَنا وقيامتُه قيامتَنا وحياتُه حياتَنا. البداية هي الموت، ثمَّ الدفن. ذاك ما حصل ليسوع، كما ورد في أوَّل قانون إيمان: »المسيح مات من أجل خطايانا، كما جاء في الكتب، ودُفن وقام في اليوم الثالث كما جاء في الكتب« (1 كو 15: 3-4). وما عاشه يسوع في الحقيقة نعيشه نحن في السرّ، في الرمز، إلى أن يصبح بالنسبة إلينا حقيقة وواقعًا. نحن نموت حين »تنتهي« حياتنا، هذا ما يُرى. أمّا القيامة مع الربّ فهي لا تُرى. وهكذا تكون قيامتُنا دخولَنا إلى حضرة الآب من أجل حياة لا تنتهي. وكيف نموت نحن؟ أوَّلاً نواصل المشاركة في آلام المسيح حتّى نهاية العالم (كو 1: 24). وفي العمل الرسوليّ نرافق بولس الذي عرف الخطر طوال حياته الرسوليَّة. ونورد ما يقول الكتاب: »من أجلك نعاني الموت طوال النهار ونُحسَب كغنم للذبح« (رو 8: 36؛ مز 44: 23). أمّا الموت الأساسيّ، فهو ذاك الذي نترك فيه الحياة العتيقة بشهواتها ونأخذ بالحياة الجديدة. فنحن لا ندمِّر الجسد لأنَّه مخلوق للقيامة. فالجسد هو للربّ والربُّ هو للجسد (1 كو 6: 13). فإن كان الجسد هو للموت، فالأمر ليس كذلك في عالم الإيمان. »وإذا كان روح الله الذي أقام يسوع من بين الأموات يسكن فيكم، فالذي أقام يسوع المسيح من بين الأموات يُحيي أجسادكم المائتة بروحه الذي يسكن فيكم« (رو 8: 11). ذاك ما قال الرسول لأهل رومة بعد أن أفهمهم أنَّه إن كان الجسد يموت فذلك بسبب الخطيئة. ولكنَّه موت عابر، لأنَّ الروح يعيد إليه الحياة بعد أن ننال التبرير (آ10). في هذا الإطار، كان كلام إلى الكورنثيّين مع صورتين متداخلتين: الأولى الخيمة والبيت. وما يجمع الصورتين هو المسكن خ؟خ¹خ؛خ¹خ±خ½. لنا مسكن على الأرض، خµد€خ¹خ³خµخ¹خ؟د‚ هو مجرَّد خيمة دƒخ؛خ·خ½خ؟د…د‚ يمكن أن تقتلعها الرياح في أيِّ وقت. فالموت يفاجئنا مثل لصٍّ كما قال الربّ (مت 24: 43؛ لو 12: 39)، وتبعه الرسول في كلامه إلى التسالونيكيّين (1 تس 5: 2: كلصٍّ في الليل). ولنا مسكن آخر خ؟خ¹خ؛خ؟خ´خ؟خ¼خ½خ·. الله عمِلَه، ومرجعه اللهخµخ؛ خ¸خµخ؟د…. هو بيت أبديّ في السماوات »غير مصنوع بالأيدي« (2 كو 5: 1). والصورة الثانية هي اللباس والعري. فاللباس يعطي الإنسان هويَّته، والعري يجعله بلا هويَّة. فكأنَّه غير موجود. من هنا العري بالموت يجب أن يتبعه حالاً اللباس بالحياة. وما نلاحظ هو أنَّنا »نلبس« البيت، وننتقل من لباس إلى لباس، كما ينتقل الإنسان من بيت إلى بيت. »فمتى لبسنا البيت السماويّ لا نكون عراة« (آ3). ماذا ينتظر المؤمن؟ أن يلبس البيت السماويّ، أن يكون له الجسد الممجَّد. وما الذي يتبعه؟ هذا الجسد الذي يمكن أن يتعرَّى في كلِّ وقت، يرتاحُ »حين يلبس فوق الجسد الأرضيّ الجسد السماويّ حتّى تبتلع الحياةُ ما هو زائل فينا« (آ4). هذا يعني أنَّ المؤمن يرغب في الموت ويشتهيه. ولهذا قال الرسول: »أرغب في أن أترك هذه الحياة لأكون مع المسيح« (فل 1: 23). فالموت هو المحطَّة الحاسمة قبل القيامة. ويتواصل الكلام: »ما دُمنا مقيمين في هذا الجسد، فنحن مغتربون عن الرب« (آ6)، لهذا نفضِّل أن نغترب عن هذا الجسد لنقيم مع الرب« (آ7). إذا كان الجسد لا يفنى لأنَّه للقيامة، فما الذي يجب أن يفنى فينا؟ ما يرتبط باللحم والدم، بالعنصر البشريّ الضعيف. هنا فرق شاسع بين دƒد‰خ¼خ± و دƒخ±دپخ¶ اللذين يترجمان في العربيَّة بلفظ واحد الجسد. فمتى نميِّز بين الاثنين كما فعلت اللغة الفرنسيَّة مثلاً. هناك le corps :دƒد‰خ¼خ±. ثمَّ la chair: دƒخ±دپخ¶ لا يمكن المزج بينهما. وكانت اقتراحات بأن نترجم دƒخ±دپخ¶: البدن أو العنصر البشريّ... ولكن لا لفظ فرض نفسه حتّى الآن. في إطار الكلام عن الشريعة التي تحرَّر منها المسيح، حدَّثنا الرسول عن هذا »البدن« الذي يجب أن يموت. »حين كنّا في »اللحم (والدم)« دƒخ±دپخ¶، كانت الأهواء الخاطئة التي أثارتها الشريعة تعمل في أعضائنا لتُثمر للموت. ولكنَّا الآن تحرَّرنا من الشريعة لأنَّنا متنا عمّا كان يقيِّدنا، حتّى نعبد الله في النظام الجديد، نظام الروح، لا له النظام القديم، نظام الحرف« (رو 7: 5-6). أجل، يجب أن يموت البدن دƒخ±دپخ¶ بأعماله الضعيفة ليحيا الروح د€خ½خµد…خ¼خ±. فبسببه لا يعمل المؤمن ما يريد، بل ما لا يريد. السبب: الخطيئة تسكن فيَّ (آ17). عندئذٍ يهتف الرسول: »من ينجِّيني من جسد الموت هذا!« (آ24). ويتقابل »البدن« مع الروح. لا الجسد مع الروح بحيث نكون في أكبر هرطقة. فالجسد هو الإنسان في اتِّصاله بالعالم الخارجيّ. والروح هو الإنسان في حياته الحميمة مع الربّ، التي لا يراها أحد. أمّا النفس فتدلُّ على »الأنا« في شخصيَّتي، ولا تقابل الجسد في أيِّ حال، وإلاَّ نكون في الفلسفة اليونانيَّة حيث الجسد هو وعاء موقَّت للنفس التي تستطيع أن تنتقل من جسد إلى جسد. يا ليتنا نقرأ هنا أفرام السريانيّ فيصحِّح الكثير من أخطائنا في هذه الأيّام(17). قال الرسول إلى أهل رومة: »أرسل الله ابنه في شبه بشريَّة دƒخ±دپخ؛خ؟د‚ الخطيئة خ±خ¼خ±دپد„خ¹خ±د‚، فحكم على الخطيئة في بشريَّتنا (رو 8: 3). وتحدَّث عن المؤمنين الذين يسلكون سبيل الروح لا سبيل اللحم والدم (آ4). »فالذين يسلكون السلوك البشريّ (البدن) يهتمُّون بأمور البدن، والذين يسلكون سبيل الروح يهتمُّون بأمور الروح. فالاهتمام بالبدن (اللحم والدم) موت، وأمّا الاهتمام بالروح فحياة وسلام. لأنَّ الاهتمام بالبدن تمرُّد على الله...« (آ5-6). »والذين يسلكون السلوك البشريّ لا يمكنهم أن يرضوا الله« (آ8). فيبقى على المؤمنين أن يعرفوا أنَّهم لا يخضعون للبدن، للحم والدم، بل يخضعون للروح، »لأنَّ روح الله يسكن فيهم« (آ9). ماذا يموت فينا؟ الأغصان اليابسة. أو العضو الذي يحمل الضرر إلى الكنيسة. ويدعونا الرسول: »أميتوا إذًا أعضاءكم الأرضيَّة، أميتوا ما هو أرضيّ فيكم كالزنى والفسق والهوى والشهوة الرديئة والفجور« (كو 3: 5). أميتوا. ثمَّ »تخلَّصوا من كلِّ ما فيه غضب ونقمة وخبث وشتيمة« (آ8). تعمَّدتم »فخلعتم الإنسان القديم وكلَّ أعماله، ولبستم الإنسان الجديد الذي يتجدَّد في المعرفة على صورة خالقه« (آ9-10). بدأنا في إطار حفلة العماد كما كانوا يحتفلون بها في الكنيسة الأولى مع دور كبير للشمّاس والشمّاسة، وها نحن ننتهي باللباس الذي يخلعه المؤمن ليلبس ثوبًا جديدًا، هو أبعد من لباس خارجيّ نلبسه ونخلعه. إنَّه لباس الحياة المسيحيَّة: »أنتم الذين اعتمدتم بالمسيح لبستم المسيح« (غل 3: 27). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 156559 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() العماد موت وقيامة كيف كان يتمُّ العماد في الاحتفال الليتورجيّ؟ ينزل طالب المعموديَّة بسلِّم تحت الأرض، يخلع ثيابه، ينزل في الماء وكأنَّه يروح في الموت، لأنَّ المياه مدمِّرة قبل أن تكون محيية. بعد ذلك، يخرج من الماء وكأنَّه نال حياة جديدة فيلبس ثوبًا أبيض علامة القيامة والانتصار على الموت. وفي معنى ثانٍ، علامة الطهارة والنقاوة التي نالها هذا المؤمن الجديد، لا بالماء فقط، بل وأيضًا بالكلمة الخلاّقة (أف 5: 26). تلك هي انطلاقة اللاهوت العماديّ عند القدّيس بولس: الليتورجيّا التي بها يعبِّر الإنسان عن علاقته الدينيَّة بالله. كان الاغتسال في العالم القديم عمل استعداد للدخول إلى »الهيكل« من أجل العبادة. فأعطيَ معنى جديدًا، وكذلك ممارسة العماد في الكنيسة الأولى جعلت الرسول يتطلَّع إلى المعموديَّة على أنَّها موت وقيامة مع المسيح. إذا كانت الرسالة الأولى إلى كورنتوس شدَّدت على الاغتسال(16)، فالرسالة إلى رومة تُبرز المعموديَّة في إطار لاهوتيّ يجعلها في قلب سرِّ الخلاص على الصليب. قال الرسول: »ألا تعلمون أنَّنا حين تعمَّدنا لنتَّحد بالمسيح يسوع تعمَّدنا لنموت معه، فدُفنّا معه في المعموديَّة وشاركناه في موته، حتّى كما أقامه الآب بقدرته المجيدة من بين الأموات، نسلك نحن أيضًا في حياة جديدة. فإذا كنّا اتَّحدنا به في موتٍ يشبه موته، فكذلك نتَّحد به في قيامته« (رو 6: 3-5). ماذا كان الموت في العالم القديم؟ نهاية الحياة. في العالم العبريّ ينال الإنسان جزاء أعماله في هذه الدنيا من مال وفير وأبناء عديدين وعمر طويل ينعم فيه »البارّ« بالصحَّة والعافية. وسوف ننتظر القرن الثاني ق.م. ليقول لنا دانيال: »الكثير من الراقدين في تراب الأرض يستيقظون...« (دا 12: 2). وفي العالم اليونانيّ، يُغلَق القبر على باب الموتى ويلبثون هناك ولا يخرجون، فيصيرون في أفضل الحالات مثل أشباح. ولهذا تساءل أهل كورنتوس: »كيف يقوم الموتى وفي أيِّ جسد يعودون؟« (1 كو 15: 35). فشرح لهم بولس أنَّ ما يزرعونه لا يحيا إلاَّ إذا مات (آ36). والقيامة؟ المسيح قام ونحن نقوم معه. بدأ الرسول فأعلن قيامة الربّ: »الحقيقة هي أنَّ المسيح قام من بين الأموات وهو بكر من قام من رقاد الموت« (آ20). هو فعل إيمان يستند إلى شهادة الذين ظهر لهم. ونعود هنا إلى النصِّ الذي أوردناه من الرسالة إلى رومة. نحن تعمَّدنا لكي نتَّحد بيسوع فيصبح موتُه موتَنا وقيامتُه قيامتَنا وحياتُه حياتَنا. البداية هي الموت، ثمَّ الدفن. ذاك ما حصل ليسوع، كما ورد في أوَّل قانون إيمان: »المسيح مات من أجل خطايانا، كما جاء في الكتب، ودُفن وقام في اليوم الثالث كما جاء في الكتب« (1 كو 15: 3-4). وما عاشه يسوع في الحقيقة نعيشه نحن في السرّ، في الرمز، إلى أن يصبح بالنسبة إلينا حقيقة وواقعًا. نحن نموت حين »تنتهي« حياتنا، هذا ما يُرى. أمّا القيامة مع الربّ فهي لا تُرى. وهكذا تكون قيامتُنا دخولَنا إلى حضرة الآب من أجل حياة لا تنتهي. وكيف نموت نحن؟ أوَّلاً نواصل المشاركة في آلام المسيح حتّى نهاية العالم (كو 1: 24). وفي العمل الرسوليّ نرافق بولس الذي عرف الخطر طوال حياته الرسوليَّة. ونورد ما يقول الكتاب: »من أجلك نعاني الموت طوال النهار ونُحسَب كغنم للذبح« (رو 8: 36؛ مز 44: 23). أمّا الموت الأساسيّ، فهو ذاك الذي نترك فيه الحياة العتيقة بشهواتها ونأخذ بالحياة الجديدة. فنحن لا ندمِّر الجسد لأنَّه مخلوق للقيامة. فالجسد هو للربّ والربُّ هو للجسد (1 كو 6: 13). فإن كان الجسد هو للموت، فالأمر ليس كذلك في عالم الإيمان. »وإذا كان روح الله الذي أقام يسوع من بين الأموات يسكن فيكم، فالذي أقام يسوع المسيح من بين الأموات يُحيي أجسادكم المائتة بروحه الذي يسكن فيكم« (رو 8: 11). ذاك ما قال الرسول لأهل رومة بعد أن أفهمهم أنَّه إن كان الجسد يموت فذلك بسبب الخطيئة. ولكنَّه موت عابر، لأنَّ الروح يعيد إليه الحياة بعد أن ننال التبرير (آ10). في هذا الإطار، كان كلام إلى الكورنثيّين مع صورتين متداخلتين: الأولى الخيمة والبيت. وما يجمع الصورتين هو المسكن οικιαν. لنا مسكن على الأرض، επιγειος هو مجرَّد خيمة σκηνους يمكن أن تقتلعها الرياح في أيِّ وقت. فالموت يفاجئنا مثل لصٍّ كما قال الربّ (مت 24: 43؛ لو 12: 39)، وتبعه الرسول في كلامه إلى التسالونيكيّين (1 تس 5: 2: كلصٍّ في الليل). ولنا مسكن آخر οικοδομνη. الله عمِلَه، ومرجعه اللهεκ θεου. هو بيت أبديّ في السماوات »غير مصنوع بالأيدي« (2 كو 5: 1). والصورة الثانية هي اللباس والعري. فاللباس يعطي الإنسان هويَّته، والعري يجعله بلا هويَّة. فكأنَّه غير موجود. من هنا العري بالموت يجب أن يتبعه حالاً اللباس بالحياة. وما نلاحظ هو أنَّنا »نلبس« البيت، وننتقل من لباس إلى لباس، كما ينتقل الإنسان من بيت إلى بيت. »فمتى لبسنا البيت السماويّ لا نكون عراة« (آ3). ماذا ينتظر المؤمن؟ أن يلبس البيت السماويّ، أن يكون له الجسد الممجَّد. وما الذي يتبعه؟ هذا الجسد الذي يمكن أن يتعرَّى في كلِّ وقت، يرتاحُ »حين يلبس فوق الجسد الأرضيّ الجسد السماويّ حتّى تبتلع الحياةُ ما هو زائل فينا« (آ4). هذا يعني أنَّ المؤمن يرغب في الموت ويشتهيه. ولهذا قال الرسول: »أرغب في أن أترك هذه الحياة لأكون مع المسيح« (فل 1: 23). فالموت هو المحطَّة الحاسمة قبل القيامة. ويتواصل الكلام: »ما دُمنا مقيمين في هذا الجسد، فنحن مغتربون عن الرب« (آ6)، لهذا نفضِّل أن نغترب عن هذا الجسد لنقيم مع الرب« (آ7). إذا كان الجسد لا يفنى لأنَّه للقيامة، فما الذي يجب أن يفنى فينا؟ ما يرتبط باللحم والدم، بالعنصر البشريّ الضعيف. هنا فرق شاسع بين σωμα و σαρζ اللذين يترجمان في العربيَّة بلفظ واحد الجسد. فمتى نميِّز بين الاثنين كما فعلت اللغة الفرنسيَّة مثلاً. هناك le corps :σωμα. ثمَّ la chair: σαρζ لا يمكن المزج بينهما. وكانت اقتراحات بأن نترجم σαρζ: البدن أو العنصر البشريّ... ولكن لا لفظ فرض نفسه حتّى الآن. في إطار الكلام عن الشريعة التي تحرَّر منها المسيح، حدَّثنا الرسول عن هذا »البدن« الذي يجب أن يموت. »حين كنّا في »اللحم (والدم)« σαρζ، كانت الأهواء الخاطئة التي أثارتها الشريعة تعمل في أعضائنا لتُثمر للموت. ولكنَّا الآن تحرَّرنا من الشريعة لأنَّنا متنا عمّا كان يقيِّدنا، حتّى نعبد الله في النظام الجديد، نظام الروح، لا له النظام القديم، نظام الحرف« (رو 7: 5-6). أجل، يجب أن يموت البدن σαρζ بأعماله الضعيفة ليحيا الروح πνευμα. فبسببه لا يعمل المؤمن ما يريد، بل ما لا يريد. السبب: الخطيئة تسكن فيَّ (آ17). عندئذٍ يهتف الرسول: »من ينجِّيني من جسد الموت هذا!« (آ24). ويتقابل »البدن« مع الروح. لا الجسد مع الروح بحيث نكون في أكبر هرطقة. فالجسد هو الإنسان في اتِّصاله بالعالم الخارجيّ. والروح هو الإنسان في حياته الحميمة مع الربّ، التي لا يراها أحد. أمّا النفس فتدلُّ على »الأنا« في شخصيَّتي، ولا تقابل الجسد في أيِّ حال، وإلاَّ نكون في الفلسفة اليونانيَّة حيث الجسد هو وعاء موقَّت للنفس التي تستطيع أن تنتقل من جسد إلى جسد. يا ليتنا نقرأ هنا أفرام السريانيّ فيصحِّح الكثير من أخطائنا في هذه الأيّام(17). قال الرسول إلى أهل رومة: »أرسل الله ابنه في شبه بشريَّة σαρκος الخطيئة αμαρτιας، فحكم على الخطيئة في بشريَّتنا (رو 8: 3). وتحدَّث عن المؤمنين الذين يسلكون سبيل الروح لا سبيل اللحم والدم (آ4). »فالذين يسلكون السلوك البشريّ (البدن) يهتمُّون بأمور البدن، والذين يسلكون سبيل الروح يهتمُّون بأمور الروح. فالاهتمام بالبدن (اللحم والدم) موت، وأمّا الاهتمام بالروح فحياة وسلام. لأنَّ الاهتمام بالبدن تمرُّد على الله...« (آ5-6). »والذين يسلكون السلوك البشريّ لا يمكنهم أن يرضوا الله« (آ8). فيبقى على المؤمنين أن يعرفوا أنَّهم لا يخضعون للبدن، للحم والدم، بل يخضعون للروح، »لأنَّ روح الله يسكن فيهم« (آ9). ماذا يموت فينا؟ الأغصان اليابسة. أو العضو الذي يحمل الضرر إلى الكنيسة. ويدعونا الرسول: »أميتوا إذًا أعضاءكم الأرضيَّة، أميتوا ما هو أرضيّ فيكم كالزنى والفسق والهوى والشهوة الرديئة والفجور« (كو 3: 5). أميتوا. ثمَّ »تخلَّصوا من كلِّ ما فيه غضب ونقمة وخبث وشتيمة« (آ8). تعمَّدتم »فخلعتم الإنسان القديم وكلَّ أعماله، ولبستم الإنسان الجديد الذي يتجدَّد في المعرفة على صورة خالقه« (آ9-10). بدأنا في إطار حفلة العماد كما كانوا يحتفلون بها في الكنيسة الأولى مع دور كبير للشمّاس والشمّاسة، وها نحن ننتهي باللباس الذي يخلعه المؤمن ليلبس ثوبًا جديدًا، هو أبعد من لباس خارجيّ نلبسه ونخلعه. إنَّه لباس الحياة المسيحيَّة: »أنتم الذين اعتمدتم بالمسيح لبستم المسيح« (غل 3: 27). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 156560 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() العماد استنارة في لوحة موجزة تستعيد الحياة المسيحيَّة إبّان التنشئة، نقرأ ما تركه لنا تلاميذ القدّيس بولس في الرسالة إلى العبرانيّين التي هي رسالة انطلقت من الإسكندريَّة فتسلَّمتها رومة، وتمسَّكت بها كنيسة أنطاكية، وقدَّم الذهبيّ الفم عنها تسعًا وثلاثين عظة في السنوات الأخيرة من حياته الأسقفيَّة(18)، كما حسبها تيودور أسقف المصيصة بين الرسائل البولسيَّة الكبار مع الرسائل إلى رومة وكورنتوس(19). ماذا تقول هذه الرسالة البولسيَّة؟ »فالذين أنيروا مرَّة، وذاقوا الموهبة السماويَّة، وصاروا مشاركين في الروح القدس، واستطابوا كلمة الله الصالحة ومعجزات العالم المقبل، ثمَّ سقطوا، يستحيل تجديدهم وإعادتهم إلى التوبة لأنَّهم يصلبون ابن الله ثانيًا لخسارتهم ويعرِّضونه للعار« (عب 6: 4-6)(20). ذكر النصُّ عطايا الله. الاستنارة أو المعموديَّة المقدَّسة. القربان المقدَّس أو الموهبة السماويَّة. وأخيرًا، سرّ التثبيت أو المشاركة في الروح القدس، وكلُّ هذا يترافق مع كلمة الله خ¸خµخ؟د… دپخ·خ¼خ± أي الإنجيل الذي تقبَّلته الجماعة الجديدة في خطِّ التوراة والأنبياء والمزامير. أُنيروا. أو: استناروا د†د‰د„خ¹دƒخ¸خµد…د„خ±د‚. ذاك ما حصل للمعمَّدين الجدد. هو موضوع النور الذي يُشرف على العهد الجديد بشكل خاصّ. فمنذ مطلع الإنجيل الرابع يُقال لنا: »حياة يسوع (الكلمة) هو نور الناس to د†د‰د‚ د„د‰خ½ خ±خ½خ¸دپد‰د€د‰خ½، والنور يشرق في الظلمة، والظلمة لا تقوى عليه« (يو 1: 14). ويتواصل المطلع في المعنى ذاته: الكلمة الذي هو النور الحقيقيّ خ±خ»خ·خ¸خ¹خ½خ؟خ½ جاء إلى العالم لينير كلَّ إنسان (آ9). راحت الرسالة إلى أفسس في هذا الخطِّ فطلبت من المؤمنين الذين هم »أبناء النور« (لو 16: 8) أن يسيروا »سيرة أبناء النور« (أف 5: 6). وقابلت بين الظلمة التي كان فيها أبناء الجماعة قبل أن يتقبَّلوا العماد، وبين النور الذي صاروا فيه. فالظلمة هي موت، والنور حياة. الظلمة خطيئة، والنور مسيرة »في المحبَّة، مسيرة المسيح الذي أحبَّنا وضحَّى بنفسه من أجلنا قربانًا وذبيحة لله طيِّبة الرائحة« (آ2). أبناء الظلمة أعمالهم معروفة: »الزنى، الفسق، الفجور (آ3)، ثمَّ السفاهة والسخافة والهزل (آ4). كلُّ هؤلاء هم عابدو أوثان، لا ميراث لهم في ملكوت المسيح والله« (آ5). أبناء النور، المعمَّدون، هم »قدّيسون« أي منفصلون عن هذه الأعمال، بل هم لا يذكرون أسماءها (آ3). وبالتالي لا يشاركون الذين يعملون بها (آ7). فإن شاركوا صاروا من أبناء الظلمة، وما عادوا من أبناء النور، فيحلُّ عليهم حكم الرسالة إلى العبرانيّين بما فيه من قساوة: »يستحيل تجديدهم وإعادتهم إلى التوبة« (عب 6: 16). فهذه الاستنارة تتمُّ مرَّة واحدة خ±د€خ±خ¶ ولا يمكن أن تتكرَّر. إلى مثل هذا المصير المرعب تقود الظلمة دƒخ؛خ؟د„خ؟د‚ والعودة إلى الوراء: »هم د‰ابن الله ثانية لخسارتهم ويعرِّضونه للعار« (آ6ب). أمّا النور د†د‰د‚ فثمرُه مخالفٌ كلِّيٌّا لثمر الظلمة. يورده الرسول هنا: »ثمر النور يكون في كلِّ صلاح خ±خ³خ±خ¸د‰دƒد…خ½خ· وتقوى (أو: برّ، عيش بحسب مشيئة الله) خ´خ¹خ؛خ±خ¹خ؟دƒد…خ½خ·وحقّ خ±خ»خ·خ¸خµخ¹خ±« (آ9). وهكذا تدعو الرسالة المعمَّدين: »بالأمس كنتم ظلامًا، واليوم أنتم نور في الربّ، فسيروا سيرة أبناء النور« (أف 5: 8). السائرون في النور هم حكماء دƒخ؟د†خ؟خ¹ والسائرون في الظلمة تنقصهم الحكمة. هم خ±دƒخ؟د†خ؟خ¹ (آ15). هم نيام، لا ساهرون. هم راقدون لا قائمون من بين الأموات. كانوا أمواتًا في زلاّتهم وخطاياهم وما زالوا (أف 2: 1) إذًا هم أشقى الناس (1 كو 15: 19) لأنَّهم ما زالوا راقدين رقاد الموت (آ20). أوردت الرسالةُ نصٌّا مسيحيٌّا(21) قد يكون استلهم إشعيا النبيّ(22): »انهض أيُّها النائم وقمْ من بين الأموات وعليك يُضيء المسيح« (أف 5: 14). استنار المعمَّد فصار ابن الحياة. هذا يفرض عليه أن يكون ساهرًا، صاحيًا. أن لا يكون مع النيام، مع السكارى، أن لا يعيش في الظلام. بهذا الكلام توجَّه بولس في أولى رسائله إلى التسالونيكيّين: »أمّا أنتم، أيُّها الإخوة، فلا تعيشون في الظلام، لأنَّكم جميعًا أبناء النور وأبناء النهار. فما نحن من الليل ولا من الظلام. فلا ننَمْ كسائر الناس، بل يجب أن نسهر ونصحو. فالذين ينامون في الليل ينامون، والذين يسكرون في الليل يسكرون. أمّا نحن أبناء النهار فلنكن صاحين، لابسين درع الإيمان والمحبَّة وخوذة رجاء الخلاص« (إش 5: 4-8). استعاد بولس في الآية الأخيرة إشعيا النبيّ (59: 17)، فنبَّه المؤمنين الذين برَّرهم الله وقدَّسهم، أن يحيوا في الفضائل الإلهيَّة الثلاث: الإيمان، والمحبَّة والرجاء. لا حاجة بعد إلى سلاح بشريّ، بل نتطلَّع إلى السلاح الإلهيِّ، لأنَّ النور الذي غمر حياتنا أعطانا نظرة جديدة إلى الواقع الذي نعيشه. فالنور هو نور الإيمان، يفيضه الله في القلب فيجعلنا نكتشف »إنجيل مجد المسيح« (2 كو 4: 4ب). وتجاه هذا النور الحقيقيّ، الذي يفتح لنا الإنجيل، فهناك لدى الهالكين ظلمة تجعل الإنجيل محجوبًا بالنسبة إليهم (آ3). هم »اللامؤمنون الذين أعمى إله هذا العالم بصائرهم حتّى لا يشاهدوا النور الذي يضيء لهم« (آ4أ). هذا النور يعطينا معرفة الإله الحقيقيّ، ليقدِّم لنا تعليمًا (عب 10: 26) في خطِّ الكلمة، التي سمعناها. هنا نورد ما قاله يوستين الشهيد (القرن الثاني) في الدفاع الأوَّل حيث تحدَّث عن العماد والدخول في الحياة المسيحيَّة فقال: »هذا الاستحمام يُدعى استنارة، لأنَّ الذين يتلقَّون هذه العقيدة تمتلئ روحُهم نورًا. ويغتسل المستنير أيضًا باسم يسوع المسيح الذي صُلب على عهد بيلاطس البنطيّ، وباسم الروح القدس الذي تنبَّأ في الأنبياء عن حياة يسوع بأسرها«(23). الذين نسوا أنَّهم »استناروا«، أنَّهم »ذاقوا« الموهبة، الذين نسوا تلك الخبرة الروحيَّة الأولى حين تقبَّلوا سرَّ العماد، هل يعرفون فظاعة عملهم في السقوط والارتداد عن الإيمان؟ وننتقل من المؤمن والمرتدّ عن الإيمان إلى الأرض الصالحة والأرض الطالحة مع أنَّ الاثنتين نزل عليهما المطر: الأولى تعطي نباتًا صالحًا فتنال البركة. والأرض الطالحة تعود بنا إلى الأرض التي مضى الإنسان الأوَّل إليها بعد الخطيئة: تُنبتُ شوكًا وعشبًا ضارٌّا. النتيجة: »هي مرفوضة تهدِّدها اللعنة ويكون الحريقُ عاقبتها« (عب 6: 8). أمّا التي نالت البركة، فتشمل أولئك »الذين يؤمنون ويصبرون فيرثون ما وعد الله« (آ12). الخاتمة رافقنا بولس الرسول في الكلام عن المعموديَّة، واكتشفنا مفاهيم سابقة للمسيحيَّة أخذ بها الإيمان الجديد. ونقطة الانطلاق كانت الليتورجيّا. فالاغتسال الذي يغرز جذوره في العالم القديم الممتدّ من الهند إلى الشرق الأوسط وبلاد اليونان، حمل معنى جديدًا، صرنا أنقياء لا في الصورة بل في الحقيقة. تقدَّسنا، تبرَّرنا، ولبسنا المسيح. والموت والقيامة مفهوم لاهوتيّ نجد عنه صورة حسِّيَّة في ممارسة المعموديَّة في الكنيسة الأولى. والاستنارة نقرأ عنها في شفاء الأعمى منذ مولده (يو 9: 6ي) الذي مضى واغتسل فانفتحت عيناه وصار يبصر، كما في فلسفات قديمة حيث الإنسان يبحث عن النور. ويبقى أنَّ الفاعل الأوَّل في العماد ليس الإنسان مهما كانت أعماله حسنة، بل الله الذي بادر »فاختارنا قبل إنشاء العالم لنكون عنده قدّيسين بلا لوم في المحبَّة« (أف 1: 4). فيا ليتنا نتجاوب مع هذا الاختيار ونعرف أنَّ »مشيئة الله هي تقديسنا« (1 تس 4: 3). |
||||