04 - 04 - 2024, 05:58 PM | رقم المشاركة : ( 156541 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
وظَهَرَ غَمَام قد ظَلَّلَهم، وانطَلَقَ صَوتٌ مِنَ الغَمَام يَقول: هذا هُوَ ابنِيَ الحَبيب، فلَهُ اسمَعوا. تشير عبارة "غَمَام " إلى علامة حضور الله حضورًا حِسِّيًّا لتجلِّيه تعالى (2 ملوك 2: 7-8)، كما كان الأمر لدى ظهوره في عمودُ الغَمَام الذي كان يسير أمَام العبرانيّين الهاربين من مصر بقيادة موسى النَّبي في أيام فرعون الظَّالم (الخروج 13: 13) وظهورُهُ لموسى على جَبَل سيناء وهو يتلقّى الوصايا العشر (خروج 20: 1-17)، وعلى خيمة الموعد (خروج 40: 34)، وعلى الهيكل يوم تدشينه في زمن سليمان (1ملوك 8: 10). الغَمَام تدلُّ على الله الخَفيِّ. وهو لا يشعُّ عادة ولا يُرى. إنَّه كالشَّمس خلف الغيوم. فالغَمَام علامة على مجيء الرَّبّ وحضوره. وعندما انتهت خدمة يسوع على الأرض صعد على الغَمَام، كما جاء في أعمال الرُّسل " رُفِعَ بِمَرأىً مِنهُم، ثُمَّ حَجَبَه غَمَام عن أَبصارِهِم" (أعمال 1: 9) وسيأتي ثانيّة على غَمَام المَجْد " تَرى ابنَ الإِنسانِ آتِيًا على غَمَام السَّماء في تَمامِ العِزَّةِ والجَلال " (متى 24: 30). |
||||
05 - 04 - 2024, 09:40 AM | رقم المشاركة : ( 156542 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الشريعة بين بولس ومتّى حين أطلق البابا يوحنّا الثالث والعشرون فكرة المجمع الفاتيكانيّ الثاني، كانت الشريعة هي المسيطرة، فلا تبديل في طرق الصلاة ولا في الليتورجيّا، بل حتّى ولا في اللباس الكهنوتيّ. قوانين وتحذيرات وتهديدات بعض المرّات. الكلّ يسيرون منذ بداية القرن العشرين في خطٍّ رسمه القدّيس بيّوس العاشر مع التحريمات التي لحقت بمدرسة الحداثة. وهكذا كانت تمشي الأمور بحسب الخطِّ المعطى من فوق. وانتهى المجمع فكانت ردَّة فعل واسعة. بدا المؤمنون وكأنَّهم لم يعودوا بحاجة إلى شريعة، إلى قوانين، إلى أمور محدَّدة. الإنجيل وحده يكفي، فلماذا نتقيَّد بقيود والمسيح خلقنا أحرارًا؟ ولكن أطلَّت ضرورة قراءة الكتاب المقدَّس في منظار جديد فكانت عودة خاصَّة إلى رسائل بولس وإلى الإنجيل الأوَّل، إنجيل متّى. ماذا يقول هذان الرسولان عن الشريعة وهل يعارض الواحد الآخر؟ الشريعة تملأ إنجيل متّى من بدايته إلى نهايته مع الخاتمة: »علِّموهم أن يعملوا بما أوصيتكم به« (مت 28: 20)، أي أن يعيشوا بحسب الوصايا. أمّا عند بولس فتسيطر الشريعة في الرسالتين إلى غلاطية ورومة، وتغيب في 1 تس، 2 كو، وتلامَس في 1 كو وفل بشكل عرضيّ: »قوَّة الخطيئة هي الشريعة« (1 كو 15: 56). وفي فل 3: 2ي يطلب الرسول من المؤمنين أن يحترسوا من »الكلاب«، من عمّال السوء، من أهل الختان. نقرأ متّى أوَّلاً ثمَّ بولس، وفي قسم ثالث نكتشف كيف يلتقيان في جذورهما الأنطاكيَّة أو يتباعدان. 1- متّى والشريعة قراءتنا لإنجيل متّى تجعلنا في ثلاثة اتِّجاهات. الأوَّل، الاستمراريَّة والتواصل بين العهد القديم والعهد الجديد، من أجل إيصال الشريعة إلى كمالها. الثاني، تفسير الشريعة لأنَّ سلطة يسوع فوق سلطة موسى. وإذا كانت الشريعة تقدِّم كلمات الله، فيسوع هو الكلمة الذي فيه تصبُّ أقوال الله في العهد القديم، كما الأنهار في البحر. والاتِّجاه الثالث، قطيعة وانقطاع، لأنَّ »الخمرة الجديدة لا تُوضَع في زقاق قديمة...« (مت 9: 17). أ- ما جئتُ لأُبطل بل لأكمِّل ذاك ما قاله الربُّ في عظة الجبل ليشدِّد على أنَّ الشريعة القديمة تتواصل في الإنجيل. أمّا الإطار فهو كلام إلى المؤمنين في كنيسة متّى، الذين حسبوا أنَّ شريعة موسى عتقت وزالت. »ما جئتُ لأُبطل«(1). ردَّ يسوع بالنفي أوَّلاً، وتبع ذلك بالإيجاب: »بل لأكمِّل«(2). وواصل يسوع كلامه: »لن تزول(3) ياء من الناموس. ويبقى فعلان: خالف(4)، عمل(5)، ويقابلهما علَّم(6). وها نحن نورد النصَّ انطلاقًا من الترجمة البيسطريَّة(7): 5: 17لا تظنُّوا أنّي جئتُ لأُبطل الشريعة أو الأنبياء. ما جئتُ لأُبطل بل لأكمِّل. 18 لأنّي الحقَّ أقول لكم: »حتّى تزول السماء والأرض، ياءٌ واحدة أو نقطة واحدة لن تزول من الشريعة حتّى الكلُّ يصير. 19 فمن نقضَ واحدةً من هذه الوصايا الصغرى، وعلَّم الناس هكذا، صغيرًا يُدعى في ملكوت السماوات. ومن عمل وعلَّم، هذا عظيمًا يُدعى في ملكوت السماوات«. ماذا نكتشف في هذه الآيات الثلاث؟ شابه يسوع عددًا من المعلِّمين اليهود، وطلب طاعة تامَّة للكتاب المقدَّس(8). واختلف عن عدد كبير من معاصريه، فما رضيَ عمّا يطلب الكتبة والفرّيسيّون الذين لا تصل بهم الممارسة إلى الخلاص. قال يسوع لتلاميذه: »إذا لم يزَد برُّكم على برِّ الكتبة والفرّيسيّين لن تدخلوا ملكوت السماوات« (آ20)(9). بعد أن لفت يسوع انتباه سامعيه، قدَّم تحديدًا لشريعة الله، لا كما يفعل الشعب بل كما يجب أن يكون(10). واجه يسوع الاتِّهام بأنَّه يعارض الشريعة (12: 2: تلاميذه يعملون ما لا يحلُّ في السبت) وقدَّم جوابًا. وقد يكون متّى شدَّد على هذه النقطة ليضع حاجزًا في وجه التعليم المناوئ للشريعة في الكنيسة(11)، أو قبالة اتِّهامات باللاخلقيَّة من قبل معارضيه(12). وجاء من عارض بشكل جذريّ تعليم متّى هنا وتعليم بولس(13) ولكن ساعة الكاتبان يطرحان مسألتين مختلفتين، راح بعضهم يرفع الصراع. فمع أنَّ بولس أكَّد أيضًا أنَّ الشعب اليهوديّ يقدر أن يحتفظ بعادات ورثها (1 كو 9: 20)، وتحدَّث عن مقاربة صحيحة إلى شريعة الله بالنسبة إلى المؤمنين (رو 3: 27، 31؛ 8: 2؛ 9: 31-10: 13)، حرَّف بعض معاصريه مقاله واعتبروه رافضًا للشريعة (رو 3: 8)(14). لهذا اعتبر بعض الشعب اليهوديّ أنَّ المسيحيّين الأوَّلين يرفضون الشريعة. لهذا جاء كلام يسوع في مت 5: 17-20 يعطي الثقة لليهومسيحيّين في جدالهم مع رؤساء المجمع. وهكذا لاحظ الشرّاح أنَّ يسوع ما أراد إلغاء الشريعة بل توصيلها في المعنى الصحيح وإتمام روحها(15). بدأ يسوع فأعلن سلطة الكتاب المقدَّس لتلاميذه، دون النظر البعيد إلى ما يكون من جدال مع الشعب اليهوديّ. ونحن نفهم من كلامه أربعة أمور. الأوَّل: لغة يسوع تعلن بوضوح ثقته بشريعة موسى. قال: جاء ليكمِّل. وذلك من خلال الطاعة والتوافق. أمّا الإلغاء فيعني رفض نير الشريعة واعتبارها فارغة(16). الثاني: صوَّر يسوع أبديَّة الشريعة بحسب طريقة المعلِّمين اليهود. سبق الأنبياء وأعلنوا أنَّ كلام الله لا يتبدَّل (إش 40: 8؛ زك 1: 5-6)، فتكلَّم يسوع بشكل استعارة: ياء واحدة، نقطة واحدة. هو حرف »يود« العبريّ الذي يكاد لا يُرى. مثل هذه الإشارة الصغيرة لا يمكن أن تُلغى(17). يجب أن يتمَّ كلُّ شيء (5: 18)، إلى أن يتمَّ الملكوت وتزول السماء والأرض(18). ثالثًا: أعلن يسوع أنَّ المؤمنين يُدَانون بالنظر إلى كلام الله: من يحفظ أصغر وصيَّة ويعلِّم الناس أن يفعلوا مثله، ذاك هو العظيم في الملكوت(19). ما تطلَّع يسوع إلى العدد الكبير أو الصغير الذي يحفظ الشريعة أو ينقضها، بل إلى »أكبر« الوصايا و«أصغر« الوصايا. أكبر وصيَّة إكرام الوالدين (خر 20: 12؛ تث 5: 16)، وأصغر وصيَّة حول عشِّ الطير (تث 22: 6-7). وعدٌ واحد: إفعل هذا فتحيا، في حياة الأبد. فالربُّ يجازي الإنسان من أجل كلِّ وصيَّة. رابعًا: شدَّد يسوع في 5: 19 أنَّ الإنسان لا يقدر أن يختار. لأنَّه لا يعرف مستوى الأجر المحفوظ لهذه الوصيَّة أو تلك (أبوت 2: 1)(20). وواصل يسوع كلامه: الله يعاقب من يعلِّم الناس أن يخالف واحدة من هذه الوصايا. هذا لا يعني الطاعة فقط، بل التعليم أيضًا، ممّا يدلُّ على المسؤوليَّة تجاه الأطفال (بابل، يوما 87أ). وحفظُ الشريعة من الخارج لا يكفي. فمن لم يتحوَّل قلبُه من الداخل لا يدخل ملكوت السماوات(21). ب- قيل لكم وأنا أقول لكم بدأ يسوع فشدَّد على أنَّ الشريعة تستمرُّ في شعب الله الجديد، لا تزول منها نقطة واحدة ولو زالت السماء والأرض. ذاك هو المبدأ: لا معارضة للشريعة. ولكن لا بدَّ من تفسيرها، لأنَّ الممارسة في أيّامه لا تفي بالمرام(22). حاولت مجموعاتٌ يهوديَّة مختلفة، في القرن الأوَّل المسيحيّ، أن تربح معاصريها إلى تفسير يدلُّ على الطريق الصحيح لممارسة الشريعة، ولكن لم يكن هناك اتِّفاق. شدَّد اليهود على الوجهة الخلقيَّة(23) فكانت نقاط اتِّصال بينهم وبين يسوع(24). ولكنَّ يسوع راح بعيدًا في التفسير بحيث جعل نفسه موازيًا للشريعة، بل هو جاء يصحِّح الشريعة ويعمِّقها لئلاّ تبقى محصورة في إطار خارجها. انطلق يسوع من ستَّة نصوص مأخوذة من الشريعة كما نقرأ في العهد القديم، وعمل كما يعمل معلِّم كبير في العالم اليهوديّ: فسَّر كلَّ مقطع في شكل نقيضة(25): 5: 21 سمعتم أنَّه قيل للأقدمين: »لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجبًا الحكم« (الدينونة) 22 لكن أنا أقول لكم: »كلُّ من يغضب على أخيه يكون مستوجبًا الحكم«. هكذا يُتمُّ يسوعُ الشريعة على المستوى التعليميّ، فيفسِّرها لا كما يفسِّرها الكتبة، بل يعطي رأيه الشخصيّ. فتفسيرُهُ هو من مستوى آخر. هو لا يُحلُّ فرائض جديدة محلَّ الفرائض القديمة، لا يجعل شريعة جديدة مكان شريعة قديمة. ما جاء يُلغي، بل يعيد الشريعة إلى مكانها الأصيل والجذريّ معًا. بداية احتفاليَّة: قيل... وأنا أقول. كان الرابّينيّون يستعملون »وأنا أقول« ليتَّخذوا موقفًا بالنسبة إلى معلِّمين آخرين. أمّا يسوع فاتَّخذ موقفًا بالنسبة إلى الشريعة. فلو عارض رابّي الشريعة، اعتُبر مجدِّفًا ومنتهك الأقداس. ولكن ما اعتُبر تجديفًا عند »المعلِّمين« صار بالنسبة إلى يسوع إعلانًا نبويٌّا لرسالته. »سمعتم«. كانت التوراة تُقرأ بشكل احتفاليّ في المجامع، يوم السبت. سمعتم وصاياها وفرائضها. والآن، يجب أن تسمعوا أمورًا أخرى. الشريعة آتية من عند الله، ولا يحقُّ لأحد أن يتجاوزها، إلاَّ إذا كان الله. هذا يعني أنَّ عبارة »أمّا أنا فأقول« تشير في شكل من الأشكال إلى ألوهيَّة المسيح. قيل: »لا تقتل«. نقرأ هذا الإيراد الكتابيّ في خر 20: 15 وتث 5: 18. ومن يقتل يستوجب الحكم. حكم الإعدام على ما قال خر 21: 12: »من ضرب إنسانًا فقتله، فالضاربُ حتمًا يموت«. »أمّا أنا فأقول«. ها هو يسوع يُضيف، يعمِّق الوصيَّة: من يغضب. لا نستطيع أن نجعل الغضب على مستوى القتل، ولكنَّ الله يدين الإنسان بحسب نوايا قلبه. فالغضب قد يقود إلى القتل. ودُعيَ في »وصيَّة دانيال« (كتاب منحول، 3: 12): روح بليعال. فالغضب الذي يَخرج من قلب الإنسان، يدلُّ على فراغ القلب من المحبَّة. وهو غضب على »الأخ«، أي المؤمن الذي يؤمن إيماننا، بحيث يكون أبونا السماويّ أباه. ويترافق الغضب مع الكلام الجارح. أقول لأخي: راقا. أي: رأس فارغ، غبيّ، أبله، كما في اللغة العبريَّة. وفي اليونانيَّة: مُدَّع، متبجِّح. أو أقول له: بلا عقل، أبله. واللغة البيبليَّة تتحدَّث هنا عن الكافر، عن الذي يقاوم شريعة الله، على ما نقرأ في تث 12: 6: »أبهذا تكافئون الربّ، أيُّها الشعب الأحمق الغبيّ؟ أليس هو أباكم وخالقكم الذي عملكم وكوَّنكم«؟ من قتل أو غضب أو قال كلامًا نابيًا يستوجب الحكم: الله يحاكمه ويعاقبه. في عقاب أوَّل هو الحكم من قبل الله. في الثاني، يقف المذنب أمام مجلس القضاء، أو السنهدرين. والعقاب الثالث: جهنَّم. في هذه الحالات الثلاث، يقف الإنسان أمام منبر الله العادل(26). هي »نقيضة« أولى حول القتل والغضب. وتبعتها خمس نقائض حول الزنى والنظرة المشتهية، حول الطلاق، حول الحلف، حول الانتقام، حول محبَّة الأعداء. هنا نلاحظ أنَّ الإنجيل لا يروح في خطِّ الشريعة، بل يعارضها وينقضها. لا مكان للطلاق، لا مكان للانتقام، لا مكان للحلف. بل محبَّة الأعداء والأقرباء بحسب القول الرفيع: »كونوا أنتم كاملين، كما أنَّ أباكم السماويّ كامل هو« (5: 48). ج- أريد رحمة لا ذبيحة عبَرَ الرسُل مرَّة وسط الحقول وقطفوا بعض السنابل. هاجمهم الفرّيسيّون لأنَّهم »يعملون ما لا يحلُّ في السبت« (مت 12: 2). ردَّ يسوع: »أريد رحمة لا ذبيحة« (آ7). عاد الربُّ إلى نصٍّ هو 6: 6 وأعطاه معناه بالنسبة إلى الشريعة في تعاملها مع الضعفاء والمساكين: داود لا لوم عليه. هو ملك. الكهنة لا لوم عليهم بسبب فتاويهم. الذبيحة هي في صلب الشريعة، وهي لا تكون الأولى. بل تأتي بعد الرحمة. إن عُذِرَ الكبارُ لأنَّهم تعدَّوا على الشريعة، فلماذا الهجوم على الصغار؟ والسبت أمر أساسيّ في العالم اليهوديّ بحيث إنَّ المشناة كرَّست له أهمَّ الفصول وأطولها (بعد فصل »كليم«)(27). ولكن في نظر متّى، »ابن الإنسان هو ربُّ السبت« (آ8). ابن الإنسان »هو أعظم من الهيكل« (آ6). مِن هذا الهيكل سوف يَطرد الباعة، ومعجزاتٍ عديدةً سوف يُجري »يوم السبت«. في هذا الخبر بان الفرّيسيّون شارحي الكتاب المقدَّس على ما قال يوسيفس(28) وبيّنت الأناجيل (12: 1-2، 4). ويسوع أجابهم انطلاقًا من الكتاب المقدَّس فما استطاعوا أن يجيبوه. قدَّم مثلاً أوَّل عن داود، لا يتعلَّق مباشرة بالسبت، بل بالطريقة التي بها يفسَّر الكتاب وتفسَّر الشريعة(29). والمثل الثاني يرتبط مباشرة بالسبت وبما يعمله الكهنة في هذا اليوم »المقدَّس« الذي يسحق الإنسان ويستعبده. أترى الفرّيسيّون ردُّوا جواب يسوع الأوَّل، فقدَّم جوابًا آخر مأخوذًا من الشريعة(30)؟ الكهنة يعذرون نفوسهم، ولا يعذرون هؤلاء »الرسل«. ذاك كان وضع الكنيسة الأولى تجاه العالم اليهوديّ قبل سنة 70ب.م. ودمار الهيكل. الشريعة قاسية. لهذا قدَّم يسوع »الرحمة« تجاه المرضى والخطأة والعشّارين. سبق له فأورد آية هوشع هذه ردٌّا على الفرّيسيّين الذين رأوه يأكل مع الخطأة، وأضاف: »ما جئتُ لأدعو الأبرار« (مت 9: 13). والأبرار هم اليهود في وجه »الوثنيّين«. صعوبة كبيرة واجهت كنيسة متّى: كيف تستقبل مسيحيّين آتين من العالم الوثنيّ، تجاه تشديد المعلِّمين اليهود وقساوتهم(31)؟ لا سبيل إلى الجدال. إذًا تكون القطيعة. لا مجال لأن توضع الخمرة الجديدة في زقاق عتيقة (مت 9: 17). وهكذا تفرَّد متّى فتحدَّث لا عن المجامع بشكل عامّ، بل عن »مجامعهم« (4: 23؛ 10: 17؛ 12: 9). مجامع اليهود يهجرها المسيحيّون. وبدت القطيعة تامَّة حين الكلام عن الفرّيسيّين المرائين الذين يفسِّرون الشريعة بشكل لا يمكن أن يقبل به الإنجيل: تصفُّون البعوضة وتبلعون الجمل (23: 24). الخارج طاهر والداخل »مملوء خطفًا وشرٌّا« (آ25). 2- بولس والشريعة ما لاحظنا في قراءتنا للأناجيل ولاسيَّما إنجيل متّى أنَّ يسوع لم يحكم على الشريعة. عاشها كما عاشها تلاميذه الأوَّلون، وإن حاول أن يعمِّقها ويعيدها إلى أصولها، على مثال ما فعل في شريعة الزواج. عاد إلى البدء، وترك ما فعله موسى حين أخذ بعين الاعتبار »قساوة القلوب« (مت 19: 8). ولكن طرأت مسألة جديدة حين انتمى إلى الإيمان وثنيّون لامختونون: أراد يهومسيحيّون أتوا من أورشليم، من عند يعقوب أخي الربّ، أن يُكرهوا المهتدين من العالم الوثنيّ، على ممارسة الشريعة (غل 1: 12؛ أع 15: 1ي). في هذا الإطار جاء كلام متّى، ومثله أيضًا كلام بولس الذي بدا قاسيًا، خصوصًا في نظرته السلبيَّة إلى الشريعة: »يتبرَّر الإنسان بالإيمان بيسوع المسيح، لا بأعمال الشريعة« (غل 2: 16؛ رو 3: 28). في هذا الإطار، نتوقَّف أوَّلاً عند الوجهة السلبيَّة للشريعة، ثمَّ نعود إلى الوجهة الإيجابيَّة، أي الوجهة الروحيَّة. أ- الوجهة السلبيَّة بداية نتذكَّر الصعوبة في دراسة الشريعة عند بولس. فالدراسات عديدة وهي تروح في أكثر من اتِّجاه(32). ونبدأ فنورد بعض الآيات: رو 3: 21 ولكن الآن، برُّ الله أُظهر بدون شريعة! وشُهد (له) من الشريعة والأنبياء. 22 فَبِرُّ الله بإيمان يسوع المسيح (هو) إلى كلِّ الذين يؤمنون، لأنَّه ليس هناك فرق. 23 فالجميع خَطئوا وحُرموا مجد الله. (صاروا) مبرَّرين مجّانًا بنعمته. بالنداء الذي في المسيح يسوع. »الآن« νυνι. هي مقابلة مع الماضي حيث كانت أعمال الشريعة تحتلُّ المكان الأوَّل. ففي الحاضر، تبدَّلت الأمور، ولم نعد بحاجة إلى شريعة(33). مثل هذا القول لا يقبل به العالم اليهوديّ، لأنَّ الشريعة هي إحدى عُمُد تقليد العهد. هي ما فُرضت ولا كانت نتيجة تنازل، بل قدَّمها الله الذي أحسَّ بآلام البشر. أعطيَت لا كمجموعة تشريعيَّة، ولا كقوانين لاشخصيَّة، بل بشكل عهد حياة بين الله وشعبه(34). ولكن هكذا كانت في البدء. فماذا فعل »المعلِّمون« بالشريعة؟ أما سيطرت فيها الأعمال الخارجيَّة على روحيَّة العلاقات مع الله ومع القريب؟ »أظهر« . πεφανερωται هي صيغة المجهول. طريقة للدلالة على عمل الله دون ذكر اسمه العليّ. ويتبعه فعل آخر في الصيغة عينها ،μαρτυρουμενη شُهد. عاد الرسول إلى الله نفسه ليبيِّن أنَّ دور الشريعة »زال«. هي لا تنفع بعد لكي ينال الإنسان البرّ. فهي غير قادرة أن تهب الحياة وتقود إلى المسيح. »البر«(35). لفظ يقابل qdc في العبريَّة، الصدق. وفي السريانيَّة ؟؟؟. البرّ قاعدة حياة، جواب الإنسان على نداء من لدن الله. من يعطي هذا البرّ؟ الله، الأمين دومًا على مواعيد الخلاص. والله يعطي هذا الخلاص مجّانًا بواسطة يسوع المسيح الذي تضامن مع البشر فاقتلعهم من الخطيئة ورفعهم إلى الله. وما هو دور الشريعة هنا؟ تكتفي بأن تشهد لبرِّ الله، وهنا الشريعة تعني كلام الله بموازاة أسفار الأنبياء. كان البشر خطأة، فما نالوا الخلاص بأعمال الشريعة. قدَّموا الذبائح العديدة، واحتاجوا أن يكرِّروا هذه الذبائح كلَّ سنة، ولكنَّ النتيجة لبثت سلبيَّة إلى أن قدَّم يسوع نفسه ذبيحة بلا عيب. * * * ونقدِّم النصَّ الثاني من الرسالة إلى رومة، الذي يبدو أكثر سلبيَّة لأنَّه يربط الشريعة بالخطيئة. وها نحن نورد الفصل السابع: 7 فماذا نقول؟ هل الشريعة خطيئة؟ (هذا) لا يكون. ولكن ما عرفتُ الخطيئة إلاَّ بالشريعة، ولأنّي ما عرفتُ الشهوة لو أنَّ الشريعة ما كانت تقول: »لا تشته«. 8 فالخطيئة أخذَتْ فرصة بالوصيَّة فأثارت فيَّ كلَّ شهوة، لأنَّ الخطيئة بدون شريعة ميتة. 9 وأنا كنتُ أحيا قبلاً بدون شريعة. ولمّا أتت الوصيَّة عاشت الخطيئة(36). نبدأ أوَّلاً بالصورة المأخوذة من العالم القضائيّ: أنا لا أعرف الجريمة حتّى يحدِّدها القانون. عندئذٍ يعرف الإنسان الجرم الذي اقترفه ويرتقب العقاب. وكذا نقول بالنسبة إلى الخطيئة في اتِّصالها بالشريعة. والصورة الثانية هي صورة حربيَّة: الخطيئة اتَّخذت فرصة. اتَّخذت المبادرة وقامت بالهجوم على الإنسان. جاءت الشريعة تُنهي الإنسان عن عمل ما، فأراد أن يرى ما وراء النهي، على مثال آدم وحوّاء: وماذا إذا أكلنا من شجرة معرفة الخير والشرّ؟ ألا نصير آلهة؟ وهكذا خُدع الإنسان فاستفادت الخطيئة من الوصيَّة »وقتلتني« (آ12). ويرد لفظان يبدوان مترادفين: الشريعة، الوصيَّة. تحدَّثنا عن الشريعة التي تحاول أن ترسم للإنسان خطٌّا يسير فيه. والوصيَّة بقوَّتها الآمرة، الفارضة، ارتبطت بالعهد القديم (تك 26: 5: إبراهيم حفظ أوامري)، وهي تنطبق على الشرعة والقرارات والتنظيمات(37). وتجاه الخطيئة أطلَّت الشهوة التي هي بداية الطريق. إنَّ επιθυμια هي محرِّك قويّ للعمل، ديناميَّة خلاَّقة. حدَّدها أرسطو: »دفعٌ إلى ما يسرُّنا«. وقال الكتاب: هي الخطيئة النموذجيَّة في البرِّيَّة. ترتبط بالنسمة، بالقلب، بالاحتدام والاضطرام θυμος. نشير هنا إلى أنَّ الشهوة تبقى »حياديَّة«. يمكنها أن تميل إلى الشرِّ كما إلى الخير. والفعل الذي يدعو الإنسان أن لا يشتهي ουκ επιθυμεσεις يذكِّرنا بالوصايا كما في سفر الخروج: أنت لا تشتهِ امرأة قريبك. أنت لا تشتهِ مقتنى غيرك. مثل هذا الفعل يدعو إلى الطاعة. ولكن بما أنَّني ضعيف، اجتذبتني الشهوةُ إلى الخطيئة. فما بقي للرسول سوى أن يقول باسم كلِّ واحد منّا: »الويلُ لي أنا الإنسان الشقيّ، من ينقذني من جسد الموت هذا!«(38) * * * في هذا الإطار السلبيّ، لماذا وُجدت الشريعة؟ أما كان أفضل أن لا توجد؟ فالإنسان قبْلَ الشريعة وبعْدَها يستطيع أن يفعل الخير، سواء كان يهوديٌّا أو يونانيٌّا؟ وُجدت الشريعة لكي تكون لنا »المؤدِّب«. وها نحن نقرأ النصّ الثالث في الرسالة إلى غلاطية (ف 3): 19 فلماذا الشريعة؟ أضيفت بسبب التعدِّيات إلى أن يأتي النسل الذي وُعد له (= لإبراهيم)، معلَنة بالملائكة في يد وسيط. 21 فهل الشريعة ضدَّ وعود الله؟ (هذا) لا يكون. فلو أنَّه أعطيت شريعة قادرة أن تحيي، كان البرُّ بالحقيقة من الشريعة. 23 فقبل أن يأتي الإيمان كنّا محبوسين تحت حراسة شريعة إلى أن يُعلَن الإيمانُ المزمع. 24 إذًا، كانت الشريعة مؤدِّبنا إلى (مجيء) المسيح، لكي نُبرَّر بالإيمان. 25 لكن لمّا أتى الإيمان لا (نكون) بعدُ تحت مؤدِّب. كيف وصلت الشريعة ساعة البشريَّة عاشت أجيالاً وأجيالاً دون الحاجة إليها؟ بسبب التعدِّيات παραβασεωεν هو لفظ يقابل الخطيئة αμαρτια. يقول بولس: أضيفت. نقرأ صيغة المجهول أيضًا وأيضًا. هل الربُّ أضافها؟ ووجودها له حدود إلى أن يأتي النسل، الزرع σπερμα. إذًا، نظام الشريعة مرحلة موقَّتة في تاريخ الخلاص. ومجيء المسيح يضع له حدٌّا. جاءت الشريعة كإضافة، أو بجانب التعدِّيات. هي إذًا على هامش القصد الخلاصيّ، لأنَّ دورها ليس بالدور المحرِّر بشكل مباشر. هي تتدخَّل بسبب التعدِّيات بحيث تزيد على الخاطئ مسؤوليَّة فوق مسؤوليَّة (رو 4: 15؛ 5: 20)، وتُحرّك تعدِّيات أخرى. كلُّ ما تستطيع الشريعة أن تفعله هو أن تكشف للإنسان عبوديَّته: هو عبد وعليه أن ينتظر من يحرِّره من العبوديَّة. هذه الشريعة جاءت بيد الملائكة αγγελων. هذا يعني في نظر بولس أنَّها لا تساوي تلك التي أعلنها الربُّ على جبل سيناء. أمّا اليهود فاعتبروا سلطتها سامية. في نظر بولس، حمل الملائكة الشريعة فاستعبدوا الإنسان الذي احتاج إلى وسيط مثل موسى. ولهذا، حين يحرِّر المسيح البشر من الشريعة، يحرِّرهم أيضًا من هذا الارتباط وهذه العبوديَّة. فإذا كان دور الشريعة أن تقود البشر إلى المسيح، فهي إذًا مؤدِّبة παιδαγωγος. وما هو دورها؟ دور العبد الذي يقود الطفل إلى المدرسة، ما دام قاصرًا. ولكن حين يصير راشدًا فهو لا يحتاج بعدُ إلى مؤدِّب، إلى مربٍّ. إلاَّ إذا أراد أن يبقى قاصرًا، بحيث لا يتميَّز عن العبد في شيء على مستوى الحقوق والواجبات. هل تهب الشريعة البرّ؟ كلاّ. هل تعطي الحياة؟ كلاّ. بل هي سجن للإنسان. فنحن المؤمنون »مسجونون« συγκλειομενοι. نحن في حراسة εφροιρουμθα هي صيغة المجهول. ذاك هو كلُّ دورها. وإن حُبسنا (آ22) تحت الخطيئة، فلكي نسير كلُّنا إلى الخلاص في موكب الربِّ يسوع. إلى متى نُسجَن؟ إلى مجيء المسيح. وهذا المجيء يُدخلنا في نظام الإيمان πιστεως الذي يضع حدٌّا لنظام الشريعة. حينئذٍ لا نكتشف تعليمًا فقط حول قصد الله الذي يتجلَّى ويقدَّم لنا، بل موقفَ انفتاح على عطيَّة الله، على روح ابنه. عندئذٍ لن نكون بعدُ عبيدًا، بل أبناء (وبنات) تبنّانا الله، فهتفنا له: أبّا، أيُّها الآب. ب- الوجه الإيجابيّ تطلَّع بولس إلى عدم فائدة الممارسات المتعلِّقة بالعالم اليهوديّ، من ختان (غل 6: 12) وأعمال أخرى (غل 4: 10). هذا يعني أنَّ الشريعة تنحصر في نُظُم العهد القديم. وندَّد الرسول أيضًا بتمثُّل خاطئ عن التدبير الخلاصيّ، حيث يستحقُّ الإنسان أن يُبرَّر في ممارسته للشريعة، ساعة هو يُبرَّر بواسطة يسوع المسيح. ومع ذلك، هذه الشريعة هي من الله. ومع أنَّها أعطيَت بيد الملائكة، فهي مقدَّسة وروحيَّة، وهي امتياز خاصّ بشعب إسرائيل(39). وها نحن نقرأ النصوص: رو 3: 28 فنعتقد أنَّ الإنسان يبرَّر بالإيمان، لا بأعمال الشريعة. 31 إذًا، أنُبطل الشريعة بالإيمان؟ (هذا) لا يكون، بل نُثبت الشريعة. في إطار كلام عن عصيان البشريَّة كلِّها، يهودًا ويونانيّين، تحدَّث بولس عن البرِّ الذي نناله بالإيمان. ولا فرق في ذلك بين يهوديّ ويونانيّ. هذا يتبرَّر بالإيمان، وذاك يتبرَّر بالإيمان، وإن حَسبَ في وقت من الأوقات أنَّه يَتبرَّر بالأعمال. ويُطرَح السؤال: هل نبطل الشريعة؟ καταργουμεν. هل ننقضها؟ هل نُزيلها؟ والجواب: هذا لا يمكن أن يكون. بل بالعكس: نثبت الشريعة ιστανομεν. إذًا، لا تعارض في العمق بين الشريعة والإيمان. لأنَّ الإيمان يدعونا في النهاية إلى التجاوب مع نداء الله وممارسة الشريعة، شريعة المسيح. ونقرأ نصٌّا آخر في غل 3: 21: »هل الشريعة ضدَّ وعود الله؟« والجواب: »هذا لا يكون«. فشخص إبراهيم هو هنا. نال المواعيد وفي الوقت عينه آمن (من خلال الطاعة) فحُسب له إيمانه برٌّا. وفي الرسالة إلى رومة، تحدَّث بولس عن المسيح الذي تحرَّر من الشريعة. كما تتحرَّر المرأة يوم يموت زوجها، كذلك المؤمن »يموت عن الشريعة بجسد المسيح، ليصير إلى آخر، إلى الذي قام من بين الأموات« (رو 7: 4). فأيُّ دور يبقى للشريعة بعد ذلك؟ هنا يعلن الرسول ولا يتركنا ننتظر: رو 7: 12. إذًا، الشريعة مقدَّسة والوصيَّة مقدَّسة وعادلة وصالحة. صفة ترتبط بالشريعة: مقدَّسة αγιος فالقداسة تنتمي إلى الله، ترتبط باسمه، بتساميه، بكيانه، وتتجلّى في أعماله. هو الذي يجعل الشريعة مقدَّسة، لأنَّها مفصولة عمّا هو دنيويّ، وحاملة ديناميَّة خاصَّة(40). والوصيَّة εντολη تجد نفسها مع ثلاث صفات. هي »مقدَّسة« αγια مثل الشريعة. ثمَّ δικαια عادلة. أي لا انحراف فيها ولا خطأ، لأنَّها من الله. وأخيرًا هي صالحة αγαθη، نافعة، تحمل الخير لكلِّ من يتعامل معها إيجابيٌّا بالطاعة(41). أمّا الصفة »عادلة« فتدلُّ على الحكمة التي يمارسها الإنسان. تعلِّمه العفَّة والفطنة، وتمنحه القوَّة. وهي في النهاية تساعد الإنسان على اجتناب الخطيئة. والصفة »صالحة« ترتبط بالجمال بحسب القول المأثور في اليونانيَّة: جميل وصالح καλος καγαθος. وأخيرًا، نستطيع القول إنَّ البرّ (= العمل بإرادة الله) الذي يرتبط بالشريعة δικαιωμα του νομου يعلِّمنا كيف نسلك بحسب الروح لا بحسب الضعف البشريّ، بحسب اللحم والدم σαρζ. ماذا نستطيع أن نقول، بعد هذا، عن الشريعة عند القدّيس بولس؟ هي أعطيَت لتكشف متطلِّبات وتُبرز تعدِّيات البشر. قبل الشريعة، كان البشر يفعلون الشرّ، ولكن لم تكن تُحسَب لهم الخطيئة خطيئة. ولمّا أتت الشريعة، حرَّكت شهواتهم واجتذبتهم إلى الثمرة المحرَّمة دون أن تعطي القوَّة لطبيعتهم الضعيفة بحيث تصنع الخير. ولمّا بيَّنت الشريعةُ للبشر تجاوزاتهم حكمت عليهم بالموت والدينونة. غير أنَّ عملها موقَّت، حتّى مجيء نسل إبراهيم، يسوع المسيح. إذًا، لعبت دور المربّي، المؤدِّب: هو العبد الذي يكلَّف بتربية الطفل والاعتناء به ما دام قاصرًا. ولكن حين يصبح راشدًا، لن يعود من دور له، كما أنَّ لا دور بعدُ للشريعة حين ننال نعمة التبنّي. فالآن متنا عن الشريعة وتحرَّرنا من »المربّي«، فصرنا للمسيح بعد أن قمنا معه. وإذ نولَد من جديد نستطيع أن نمارس في الروح ما تأمر به الشريعة: هي لم تعُدْ خارجيَّة. ليست مكتوبة على حجر، كما تسلَّمها موسى على جبل سيناء، ولا في كتاب، بل هي محفورة في القلوب. فالابن الذي لم يعد قاصرًا يُتمُّ طوعًا ما كان يفعله في الماضي خوفًا. وهكذا يتحرَّر المؤمن من الشريعة دون أن يقع في الفلتان، لأنَّه يبقى خاضعًا للحبّ. وإذ يحمله الروح، يُتمُّ الشريعة الجديدة، شريعة المسيح(42). 3- المواجهة بين متّى وبولس قرأ الشرّاحُ متّى تجاه بولس فاعتبروه مزيجًا يهومسيحيٌّا حيث إعلان الخلاص تراجَعَ أمام لاهوت من النمط الشريعي(43). أجل، ما أراد متّى أن يتخلّى عن الشريعة ساعة كان بولس قاسيًا معها، إذ لا فائدة منها من أجل الخلاص. هي مواجهة، بل هو تلاقٍ. في الوقت عينه سوف نرى بولس ومتّى ينطلقان من موقع واحد هو أنطاكية. يبتعد الواحد عن الآخر، وفي النهاية يلتقيان ليُعلنا أهميَّة الشريعة بالنسبة إلى الكنيسة. بعد أن نتعرَّف إلى المحيط الأنطاكيّ، نعرف أنَّ الشريعة لا تُفهَم إلاَّ في هدفها الأخير: المحبَّة. وفي النهاية يكون الشعار كما نقرأه في رو 10: 4: »غاية الشريعة هي المسيح«. أ- المحيط الأنطاكيّ نقطة الانطلاق الصراع الذي كان بين بطرس وبولس حول المشاركة في المائدة. هذا ما ترويه الرسالة إلى غلاطية (ف 2). 11 وعندما جاء بطرس إلى أنطاكية، قاومته وجهًا لوجه لأنَّه كان يستحقُّ اللوم. 12 فقبل أن يجيء قوم من عند يعقوب، كان بطرس يأكل مع غير اليهود. فلمّا وصلوا (قومٌ من عند يعقوب) تجنَّبهم (= غيرَ اليهود) وانفصل عنهم خوفًا من دعاة الختان. 13 وجاراه سائر اليهود في ريائه، حتّى إنَّ برنابا نفسه انقاد إلى ريائهم. نلاحظ حالة الصراع بين اليهود المتشيِّعين لشريعة موسى، وبين غير اليهود، أو الأمم، الذين هم محرَّرون من شريعة موسى: لا داعي للختان، لا داعي للاهتمام بالأطعمة الطاهرة وغير الطاهرة، بعد أن صارت جميع الأطعمة طاهرة في المسيح(44)، وخصوصًا لا فصل بين اليهوديّ وغير اليهوديّ. فاليهوديّ يعتبر الأمميّ نجسًا، ولهذا فهو لا يأكل معه(45). وهكذا صارت الشريعة حاجزًا داخل الجماعة الواحدة. وطُرح السؤال في أنطاكية: أيُّ سلطة لشريعة موسى بعد موت يسوع؟ إنَّ الجماعة اليهومسيحيَّة في أورشليم، التي لبثت متعلِّقة بالهيكل(46) وبالشريعة، دام حضورها حتّى موت قائدها، يعقوب أخي الربّ، سنة 62. والجماعة الهلّينومسيحيَّة(47) تألَّفت من يهود آتين من الشتات(48). تحرَّرت من الشريعة وهربت من أورشليم بعد رجم إسطفانس (أع 8: 1). اضطُهد أعضاؤها فلجأوا إلى فينيقية، إلى قبرص، إلى أنطاكية (أع 11: 29)، حيث أسَّسوا كنيسة من اليهود ومن غير اليهود (آ20-21)(49). إلى أنطاكية أتى بولس بعد أن جاء به برنابا من طرسوس (آ15-16). * * * »هاجم« إسطفانس الهيكل (أع 6: 14)(50) وذلك في خطِّ ما فعل الربّ (يو 2: 13ي) وما قال (مر 13: 1-2؛ مت 24: 1-2؛ لو 21: 5-6). وممّا قال لوقا على لسان متَّهمي إسطفانس: »ونحن سمعناه يقول: سيهدم يسوع الناصريّ هذا المكان ويغيِّر التقاليد التي ورثناها من موسى« (أع 6: 14) τα εθη: التقاليد، العادات المرتبطة بموسى μουσης. وسبق لإسطفانس فقيل عنه: »شتم الهيكل المقدَّس والشريعة« (آ13). غير أنَّ هذا الكلام غير صحيح، لأنَّ إسطفانس سوف يقول في خطبته عن الشريعة إنَّها »كلمات حياة« (أع 7: 38) λογια ζωντα(51). هذا يعني أنَّ الشريعة لم تُرذَل في أساسها على أنَّها طريق خلاص، بل أعفيَ بعض المؤمنين من بعض متطلِّباتها مثل الختان والأمور الطقسيَّة. راح بولس في خطِّ الهلِّنيّين، ولكنَّه ما عاد إلى حياة يسوع على الأرض(52)، بل إلى الصليب. قال في غل 3: 13: »والمسيح حرَّرنا من لعنة الشريعة بأن صار لعنة من أجلنا. فالكتاب يقول: ملعون كلُّ من مات معلَّقًا على خشبة«. في آ10، ذكر بولس لعنة الخطيئة بفعل الشريعة (تث 27: 26). وإن هو ذَكَر »الخشبة« الذي يعلَّق عليها الملعون (تث 21: 23)، فلكي يذكر دور الصليب في تخليصنا من الخطيئة، ومن الشريعة التي تُبرز الخطيئة. وقال الرسول في رو 3: 24-25: 24 ولكنَّ الله برَّرهم (البشر كلَّهم) مجّانًا بنعمته، بالمسيح يسوع الذي افتداهم، 25 والذي جعله الله كفّارة في دمه لكلِّ من يؤمن به. »الكفّارة« ιλαστηριον. كيف كانت تتمُّ الكفّارة في العهد القديم؟ يُرَشُّ الدم على المؤمنين فتُغفَر خطاياهم (لا 16: 1ي). ورأى بولس في هذا الطقس صورة عن ذبيحة المسيح. »في دمه« εν τς αυτου αιματι. أي بتقدمة ذاته ذبيحة يمنحنا الله الغفران بواسطة الإيمان (لا بالأعمال، آ27). ما نلاحظه هو أنَّ موقف بولس يرتبط بالكرازة، بيسوع المسيح، لا بالوجهة الخلقيَّة. وهكذا يلتقي مع إسطفانس الذي يحافظ على الشريعة التي هي كلمة الله. وبولس دافع ودافع وما تعب عن سلطة الشريعة، وإن جاء تعليمه عن التبرير بالإيمان، يلغي الشريعة بالنظر إلى الخلاص. * * * ذاك كان جيل إسطفانس وبولس والهلّنيّين، وتجذُّره في أنطاكية قبل أن يصل إلى رومة. أمّا جيل متّى وإنجيله الأنطاكيّ في الثمانينات، فعرف إطارًا لاهوتيٌّا وكنسيٌّا مختلفًا جدٌّا. طُردوا من فلسطين على أثر الحرب اليهوديَّة الأولى (سنة 66-70) فمضوا إلى »سورية« بمعناها الواسع، من سهل البقاع مرورًا بحمص وحماة وصولاً إلى أنطاكية. هم يهومسيحيّون متعلِّقون بالشريعة تعلُّقًا دقيقًا(53)، وبرسالة إسرائيل(54). هو الخطُّ »الناموسي« من νομος(الشريعة). أمّا خطُّ مرقس فهو »أنتيناموسي« antinomiste ، لأنَّ إنجيله لا يتوجَّه فقط إلى العائشين بحسب الشريعة، بل إلى الوثنيّين ولاسيَّما في رومة. ويبدو، بحسب دراسات أخيرة، أنَّ أساسه في أنطاكية(55). هو صراع في مسيحيَّة أنطاكية وامتدادها، يمزِّقها ويجعل فئة ضدَّ فئة، فيمضي المؤمنون تاركين هذه الفئة وتلك. ما يكون موقف متّى؟ بدأ هجومه على المجمع(56). فالعالم اليهوديّ الذي أرعبه دمار الهيكل سنة 70، حاول البقاء فانغلق على ذاته في خطِّ تعليم الفرّيسيّين: لُعن الهراطقة (وأوَّلهم المسيحيّون) وطُردوا من المجمع. فماذا كانت النتيجة؟ عداوة بين اليهود واليهومسيحيّين، وكلُّ فئة تحاول أن تشدَّ بالتوراة إلى صدرها: هل تمرُّ الشريعة وتعاليم الأنبياء عبر الكنيسة أو عبر المجمع؟ أمّا متّى فتحدَّث باسم حركة مسيحيَّة تُجرّد إسرائيل من الوحي التوراتيّ وتُصادره: التوراة ومواعيد الآباء مُلكُ الكنيسة. ومقتل المسيح كرَّس فشل الشعب المختار(57). وتوقيع الله نقرأه في خراب المدينة، بحيث حُذف إسرائيل من خارطة الخلاص وانتُزعت الشريعة منه(58). منعطف تاريخيّ في كنيسة متّى(59). دعا الإنجيليّ الجماعة اليهومسيحيَّة لكي تتخلّى عن إسرائيل الملعون، وتنطلق في الرسالة إلى الوثنيّين(60). في هذا الطريق، تتسلَّم الرسالة بأن تحفظ وصايا يسوع كما أعاد ترتيبها يسوع (مت 28: 20: ما أوصيتكم به). ولكن برز انقباض وتشنُّج داخل الكنيسة، وارثة المواعيد: التشديد على الشريعة لدى اليهومسيحيّين. ولكنَّ متّى أخذ مرقس، فبيَّن حرِّيَّة يسوع تجاه الشريعة(61)، وجاء النداء إلى الحبّ يتساءل حول معنى الفرائض النصوصيَّة. ففي الوضع الصعب الذي يعرفه متّى، كانت الأوَّليَّة للحبِّ الذي يُدمِّر »الناموسيَّة«. وهكذا نفهم أنَّ بولس حافظ على السلطة الخلقيَّة في الشريعة(62). أمّا متّى فقطع كلّ اتِّصال بعقيدة سلطة الفرائض الموسويَّة التي لا تُناقَش، وتطلَّع إلى الشريعة بالنسبة إلى الكنيسة مع ابتعاد عن اليهومسيحيَّة. ب- المحبَّة قمَّة الشريعة حين تحدَّث الرسول عن المواهب في كنيسة كورنتوس، أراد أن يدلَّهم »على أفضل الطرق« (1كو 12: 31). هذه الطريقة هي المحبَّة وهي تُعطي كلَّ أعمال الإنسان معناها. وفي امتداد هذا القول، تَبرز المحبَّةُ التي تُجمِّل الشريعة وكلَّ الوصايا. قال الرسول إلى أهل غلاطية: 5: 13 اخدموا بعضكم بعضًا بالمحبَّة، 14 فالشريعة تكتمل كلُّها في وصيَّة واحدة: أحبب قريبك مثلما تحبُّ نفسك. لا حاجة لكثرة الوصايا بعد أن وصل عددُها في العالم الفرّيسيّ إلى 613 وصيَّة. وصيَّة واحدة، سوف يدعوها بولس في الرسالة عينها: »شريعة المسيح«، قال: 6: 2 ساعدوا بعضكم بعضًا في حمل أثقالكم، وبهذا تتمُّون العمل بشريعة المسيح. وشريعة المسيح هي في النهاية المحبَّة(63) التي تقود إلى الحرِّيَّة. فالمسيح الذي أخرج الذين آمنوا به من كلِّ إكراه خارجيّ، يحوِّلهم إلى أبناء الله، أي أناس حمَلَ إليهم المسيحُ حبَّه البنويّ، كأناس يُلهم هذا الحبُّ كلَّ خياراتهم، ويكون مبدأ نشاطهم كلِّه. فالحبّ الذي يجعل من البشر خدّام إخوتهم، يجعلهم يُفلتون من كلِّ عبوديَّة للشريعة. وكيف تمارَس الشريعةُ إكراهًا على الذي يمارسها بحبّ؟ لهذا قال الرسول: الشريعة تكتمل بوصيَّة واحدة، وصيَّة المحبَّة. ذاك هو الوجه الإيجابيّ. والناحية السلبيَّة تقول: »فإذا كنتم تنهشون وتأكلون بعضكم بعضًا« (آ15). وهكذا نفهم إلى أين تقود عبوديَّة الجسد، وكيف أنَّ الحبَّ يخلِّص من هذه العبوديَّة ومن الانقسامات التي تُنتجها هذه العبوديَّة. وهذه الحرِّيَّة التي تميِّز أبناء الله، هي شيء إيجابيّ، لأنَّها تقول لنا إنَّهم لم يعودوا لأيِّ شريعة، بعد أن صاروا في خدمة إخوتهم. هنا نلاحظ طابع المفارقة في مثل هذه الحرِّيَّة، فهي تجد كمالها في الخدمة. وهذه الخدمة هي التعبير عن المحبَّة، ذات المحبَّة التي جعلت ابن الله يأخذ وضعنا كخادم، ويقبل الموت لكي يحرِّرنا من الموت ويعطينا أن نقاسمه حياته، كالابن الوحيد. ونقرأ في الإطار عينه الرسالة إلى رومة: 13: 8 لا يكن عليكم لأحد دَين إلاَّ محبَّة بعضكم لبعض، فمن أحبَّ غيره أتمَّ العمل بالشريعة. 9 فالوصايا التي تقول: لا تزنِ، لا تقتل، لا تسرق، لا تشتهِ، وسواها من الوصايا، تتلخَّص في هذه الوصيَّة: أحببْ قريبك مثلما تحبُّ نفسك. 10 فمن أحبَّ قريبه لا يسيء إلى أحد، لأنَّ المحبَّة تمام العمل بالشريعة. »دين«. حرفيٌّا: ما ينبغي عليكم، ما هو متوجِّب οφειλετε . كانت الشريعة تفرض على المؤمنين أن يقوموا بأعمال ويمتنعوا عن أخرى. أمّا الآن فالمحبَّة هي هنا. ومن أحبَّαγαπων أكمل الشريعة νομον πεπληρωκεν. كانت ناقصة في العهد القديم. وها هي المحبَّة تكمِّلها. وهذا الذي قاله الرسول، ردَّده في آ10: المحبَّة αγαπηهي كمال الشريعة πληρωμα νομου. لا شيء يُطلَب بعد من المؤمن. لهذا كان بولس قاسيًا مع أهل غلاطية، فدعاهم »أغبياء« لأنَّهم أرادوا أن يضيفوا على مثل هذه الشريعة شريعة أخرى: »إذا اختنتم لا يفيدكم المسيح شيئًا« (غل 5: 2). لماذا؟ لأنَّ الختان »لا ينفع شيئًا، ولا عدم الختان، بل الإيمان العامل بالمحبَّة« (آ6). والشيء عينه يقال بالنسبة إلى الشريعة الطعاميَّة. فالشريعة هي المحبَّة. قال بولس: »إذا أسأتَ إلى أخيك بما تأكله، فأنت لا تسلك طريق المحبَّة. فلا تجعل من طعامك سببًا لهلاك من مات المسيح من أجله« (رو 14: 15). قلنا »وصايا عديدة« تتلخَّص، أو بالأحرى »تلخَّص« (في صيغة المجهول): ανακεφαλαιουται: الله يلخِّصها في »كلمة واحدة« εν τω λογω. نتذكَّر هنا أنَّ النصَّ الأصليّ للوصايا كما ورد في التوراة هو zbrsy الكلمات العشر. ذاك هو كلام الرسول: هناك دَين لا يمكن أن نتخلَّص منه مهما فعلنا، هو المحبَّة المتبادلة. فالوصيَّة الجديدة التي أعطاها الربّ، دُوِّنت هنا قبل أن تدوَّن في الأناجيل(64). فعلاقة الأخوَّة في الجماعة المسيحيَّة تكمن في الحبِّ المتبادل بين الأعضاء، بحيث يحبّ كلّ واحد قريبه بالحبِّ الشخصيّ الذي أحبَّه الله: »ونحن عرفنا المحبَّة حين ضحّى المسيح بنفسه لأجلنا، فعلينا أن نضحّي بنفوسنا من أجل الإخوة« (1 يو 3: 16). غير أنَّ المحبَّة المسيحيَّة ليست محبَّة منعزلة، منغلقة على ذاتها، وهي لا تنحصر في القريب القريب، أي الأخ المسيحيّ. فالمحبَّة عند المؤمن تصل إلى كلِّ إنسان لأنَّ كلَّ إنسان قد أحبَّه الله. وهكذا تتمُّ الشريعة. لاحاجة أن نعمل بعدُ شيئًا فوق ذلك(65) إذا كانت الشريعة في حياة الشعب العبرانيّ تعبيرًا ملموسًا عن حبِّ الله لشعبه (رو 9: 4)، فلا يمكن أن يكون كمالها إلاَّ في الحبّ، ممّا يعني أنَّ الربَّ عاد إلى الابتداء، تاركًا »تقاليد البشر التي تحاول أن تُبطل كلام الله« (مت 15: 6). * * * ما طرحه بولس في شأن المحبَّة، سوف يطرحه متّى في شكل آخر. فالمحيط هو هو. والصراع يكون، لا بين الشريعة والإيمان، بل بين الشريعة والمحبَّة. ونقرأ المقطع الأوَّل حيث يُطرَح سؤال على يسوع (مت 22): 35 فسأله واحد منهم، وهو من علماء الشريعة ليُحرجه: 36 »يا معلِّم، ما هي أعظم وصيَّة في الشريعة؟« 37 فأجاب يسوع: »أحبَّ الربَّ إلهك بكلِّ قلبك، وبكلِّ نفسك، وبكلِّ عقلك. 38 هذه هي الوصيَّة الأولى والعظمى. 39 والوصيَّة الثانية مثلها: ''أحبب قريبك مثلما تحبُّ نفسك''. 40 على هاتين الوصيَّتين تقوم الشريعة كلُّها وتعاليم الأنبياء«. يدور الكلام على الوصيَّة εντολη. الوصايا عديدة في الشريعةεν τω νομω. وسأل العالم بالشريعة νομικος ما »أعظم« الوصايا. μεγλα(66). أجاب يسوع فأورد »العظمى«. ثمَّ »الأولى« πρωτη: وصيَّة واحدة في وصيَّتين: محبَّة الله ومحبَّة القريب. بهما يتلخَّص العهد القديم كلُّه. بل بهما تتعلَّق κρεμαται »الشريعة والأنبياء«. في هذا الخطِّ نفهم كلام القدّيس أوغسطين: »أحبب وافعل ما تشاء. فمن يحبَّ لا يفعل سوءًا بالقريب«. ضمَّ يسوع الوصيَّتين في أعظم الوصايا، فكان هذا التعبير أساسًا لعدد من التعابير في العهد الجديد. وحده يسوع يدعو تابعيه ليركِّزوا الخلقيَّة في العمق على هذا الكلام(67): فالأولويَّة المميَّزة التي تلعبها المحبَّة في الخلقيَّة المسيحيَّة، لا يمكن أن تصدر إلاَّ عن فم المعلِّم الذي وحَّد بين محبَّة الله ومحبَّة القريب. وهكذا نادت المسيحيَّة الأولى »بشريعة المحبَّة«(68). إذ أورد متّى هذا الحوار، رسم محبَّة الله كموجز للشريعة (تث 16: 1-7): من يحبُّ الله يُتمُّ الشريعة كلَّها (تث 5: 29). هذا النصُّ حول محبَّة الله هو أرفع ما في العالم اليهوديّ (اسمع يا إسرائيل). وكذا نقول عن محبَّة القريب في لا 19: 18. نصّان من العهد القديم جُعلا في وصيَّة واحدة، ولا حاجة بعدُ إلى الوصايا العديدة(69). وتَبرز هذه المحبَّةُ بشكل يوميّ في ما دُعيَ القاعدة الذهبيَّة: »اعملوا للناس ما تريدون أن يعمله الناس لكم. هذه هي خلاصة الشريعة وتعاليم الأنبياء« (مت 7: 12). ويواصل يسوع كلامه: »إذا كنتَ تقدِّم قربانًا« (مت 5: 23). وأيُّ شيء أعظم من القربان؟ ومع ذلك المحبَّة تمرُّ قبله: »اذهب أوَّلاً وصالح أخاك، ثمَّ تعال وقدِّم قربانك« (آ24). ويُقال الشيء عينه عن محبَّة الأعداء. »سمعتم أنَّه قيل... أمّا أنا فأقول لكم: أحبّوا أعداءكم...« (آ43-44). أجل، المحبَّة تتجاوز الشريعة وفرائضها: أشرنا إلى حادثة التقاط السنابل مع قساوة قلوب الفرّيسيّين تجاه فقراء قطفوا بعض السنابل، فحسبوهم حصدوا حقلاً كاملاً. وكذا نقول عن المعجزات: كيف يمضي يسوع إلى الأبرص، بل »يمدُّ يده ويلمسه« (مت 8: 3) لمسة المحبَّة؟ يا للنجاسة، أين شرائع البرص والعفن كما يتحدَّث عنها سفر اللاويّين؟! والضابط الرومانيّ دعا يسوع إلى بيته من أجل خادم طريح الفراش. ما تردَّد يسوع في الذهاب إلى بيت وثنيّ: »أنا ذاهب لأشفيه« (آ8). والخطيئة الكبرى أنَّ يسوع جلس مع الخطأة والعشّارين! (مت 9: 11). وهذه النازفة، النجسة، التي لا يحقُّ لها أن تمسَّ إنسانًا، لمست يسوع فهنَّأها على ما فعلت: »ثقي يا ابنتي، إيمانك شفاك« (آ22). لا شيء يعلو على المحبَّة، حتّى الإيمان والرجاء. أتُرى الشريعة تبقى خارج المحبَّة؟ حينئذٍ يصيبها ما أصاب الابن الأكبر، ذاك الفرّيسيّ، الذي لا يريد أن يجلس مع أخيه العائش مع البغايا. يصيبها ما أصاب الشعب اليهوديّ حين رفض المسيح باسم الشريعة، فتألَّم بولس وقال: »إنّي حزين جدٌّا وفي قلبي أَلمٌ لا ينقطع« (رو 9: 2). ج- غاية الشريعة المسيح في إطار القسم الخامس (9: 1-11: 36) من الرسالة إلى رومة، يأتي الكلام على برِّ الشريعة وبرِّ الإيمان (10: 1-13): 3 لأنَّهم جهلوا (= اليهود) برَّ الله وطلبوا أن يثبِّتوا برَّهم الخاصّ ιδιαν ، فما خضعوا لبرِّ الله، 4 لأنَّ غاية الشريعة المسيح، برٌّا لكلِّ من يؤمن. »الغاية« τελος. ماذا يعني هذا اللفظ(70)؟ توقُّف الشريعة بحيث لا تعود موجودة، أو غاية الشريعة، أو تتمَّة الشريعة(71). إنَّ النقيضة التي يقدِّمها السياق يدفعنا في خطِّ المعنى الأوَّل: نحن لا نمتلك الحكمة بعد بالشريعة (آ5)، بل بالإيمان (آ6-10). فالشريعة كطريق خلاص تجد نقطة توقُّفها في المسيح. فالمسيح هو الغاية والنهاية. غير أنَّ هذا لا يعني أنَّ العهد القديم صار مهجورًا وقريبًا من الموت. فقرار الرجوع عن الماضي يصيب محاولة المؤمن ليتمسَّك بالشريعة وينال الخلاص. فالطاعة للشريعة خسرت صفتها أهليَّتها، بالنظر إلى السوتيريولوجيّا، أو الكلام عن الخلاص. ولكنَّ التردُّد حول معنىτελος يُبرز الاختلاف في استعمال الشريعة في النصوص البولسيَّة. فالعبارة في 3: 31 (بل نثبت الشريعة)، تدلُّ أنَّ الشريعة لم تنتهِ في كلِّ الأحوال. من جهة، هي باقية كوعدٍ موجَّه نحو المسيح (غل 3: 6-18). ومن جهة ثانية، الإرشادات التي نقرأ في نهاية الرسائل تدلُّ على أنَّ الشريعة الموجزة في متطلِّبة المحبَّة موجَّهة نحو الخلقيَّة. »فالوصيَّة التي هي مقدَّسة وعادلة وصالحة« تَبطل حين ترمز إلى طريق الخلاص لدى اليهود، ولكنَّها تبقى حاضرة حين يسبق الخلاص النداء إلى الطاعة(72). قال الرسول عن اليهود »إنَّ فيهم غيرة الله« (آ2)، ومع ذلك »جهلوا كيف يبرِّر الله البشر« (آ3). لماذا نقصت معرفتهم؟ لماذا جهلوا برَّ الله؟ وجاء الجواب عن غاية الشريعة: الشريعة تسير مع البرّ، هي شريعة من أجل البرّ. تطلَّع بولس إلى شريعة موسى التي فُهمت »بالأعمال«. هل هذه الشريعة انتهت؟ إنَّ المسيح هو نهاية أيَّة وظيفة في الشريعة. هذا يعني أنَّه قبل المسيح كان بعض الأساس لفهم الشريعة. ولكن مع المسيح بدأت حقبة جديدة في تعامل الله مع الشريعة (3: 21). المسيح هو نهاية حقبة قديمة، ومعها امتيازات اليهود الحصريَّة. ولكن هذا يعني أيضًا أنَّ ما بدأ في الحقبة القديمة، يجد تتمَّته مع المسيح، مع توسُّعه إلى أبعد من شعب واحد(73). * * * وماذا قال متّى(74) في هذا المجال؟ يترتَّب كلامه حول طرح واحد يُشرف على عظة الجبل: يجب أن تُفهَم دعوة يسوع كموافقة على الشريعة كلِّها بحيث لا نحذف منها شيئًا (مت 5: 17-19)، وذلك حتّى أقلَّ متطلِّباتها (مت 23: 2). والمسيح وحده الذي أتى إلى إسرائيل، هو »يُتمّ« الشريعة والأنبياء (5: 17). وتصرُّفه يُوافق بدقَّة مواعيدَ الكتاب المقدَّس. في هذا المجال نتذكَّر المرّات التي ورد فيها فعل »تمّ« في إنجيل متّى(75). نقرأ في 2: 23: »لكي يتمَّ ما قيل بالأنبياء«. ما قاله الأنبياء بقي ناقصًا وهو لا يكتمل إلاَّ في المسيح، كما يجد نهايته في يسوع المسيح دون أن يترك هويَّته. وكذا نقول عن الشريعة: تتمُّ فقط في المسيح، »أنا أقول لكم«. هي تحتاج إلى تفسير جديد، بحيث يعود حقُّ الله إلى جذريَّته، بعد أن ضاع في الفتاوى لدى الفرّيسيّين والرابّينيّين. تركَّزت الشريعةُ على وصيَّة المحبَّة في وجهيها فأمَلتْ على المؤمن مضمونَ البرّ، هذا البرّ الذي نعيشه بالأمانة، في طاعة للوصايا تبدو ممارستُها ضروريَّة لمن يريد الدخول إلى ملكوت السماوات(76). فلا خلاص خارج الشريعة كما أوصلها المسيح. هنا نفهم أنَّ الشابَّ الغنيّ لم يكتفِ بالوصايا، بل طلب أكثر. لهذا طلب منه يسوع أن يتبعه »إذا أراد أن يكون كاملا« (مت 19: 21) τελειος الهدف τελος يكون المسيح، وهذا ما يردِّده متّى فيقول إنَّ يسوع هو ربُّ الشريعة(77). يسوع يعلِّم الشريعة، يشرحها، يفرض ممارستها، يتجادل مع المعلِّمين الذين يتهرَّبون من الجواب (مت 22: 41: المسيح ابن داود)، أو يشوِّهونها لكي يتبعوا تقاليد البشر على حساب كلام الله (15: 3-6). وما قيل في 5: 17-19 لا يعلن خضوع يسوع الناصريّ للشريعة، بل سلطة يسوع على الشريعة. فالتوراة تُشرف على المؤمنين لا بسلطتها الذاتيَّة، كما قال اليهود واليهومسيحيّون، فسلطتها في الجماعة تأتي من المسيح. وهذه السلطة لا تُعاد إليها إلاَّ بعد عمليَّة تطهير. فالطريق التي تقود إلى طاعة حقيقيَّة تمرّ في قراءة 5: 21-48، الذي يفرض التخلّي عن طاعة حرفيَّة لكي نستسلم كلِّيٌّا لمتطلِّبات الله غير المشروطة. فالأمانة الحقيقيَّة تمرُّ في تعلُّق بسلطة ربِّ الشريعة. وبعد الآن، جاءت سلطة الشريعة من قرار يمليه يسوع ويعلِّمنا كيف نفهمه. نحن لا نستطيع أن نجهل خضوع الخلقيَّة للكرستولوجيّا عند متّى، وإلاَّ نشوِّه المشروع المتّاويّ اللاهوتيّ، ونُحدره إلى مستوى لاهوت الأعمال (في معارضة مع بولس). حين نقرأ الجدالات في ف 12، 15، 16، 19، 23، والهجوم القاسي على الكتبة والفرّيسيّين المرائين في ف 23، نكتشف أنَّ هذه النصوص لا تكتفي بأن تندِّد بفتاوى المعلِّمين وضيق آفاقها، باحتقارهم لوصيَّة المحبَّة المركزيَّة، بلاتماسك بين القول والعمل (23: 3: يقولون ولا يعملون). وهي لا تكتفي أيضًا بأن تعلن في وجه المجمع، حقّ الكنيسة في فهم الشريعة(78). إنَّ هذه النصوص الموجَّهة إلى قارئي الإنجيل المسيحيّين، تطالب بقراءة صحيحة لمشيئة الله، التي هي الشرط الضروريّ لاستقامة الطاعة. حين يضع المسيح سلطته تجاه سلطة المعلِّمين في العالم اليهوديّ، فلا يمكن تقبُّل حقيقته إلاَّ بالتعلُّق بالمسيح(79). الخاتمة مسيرة طويلة سرناها مع متّى وبولس في قراءتنا للشريعة. انطلقنا من العالم اليهوديّ، فوصلنا إلى المسيح. انطلقنا من تعليم المعلِّمين فوصلنا إلى ذاك الذي هو وحده المعلِّم (مت 23: 8). شريعة موسى ناقصة، بل تشوَّهت حين شرحها الرابّينيّون. فأتى المسيح يكمِّلها ويعيدها إلى أصولها. الأعمال الشريعيَّة لا تكفي لتقود إلى الخلاص. فالإيمان هو الأوَّل، والإيمان العامل بالمحبَّة. وتقاليد الشيوخ لا يمكن أن تمرَّ قبل كلام الله. فمنذ الآن لا نقرأ الشريعة وكأنَّها تحمل سلطانها في ذاتها. الشريعة تُقرأ بحسب شرح المسيح ونحن نتبعها في خطى المسيح. هكذا فعل الرسل الذين رافقوا يسوع وسمعوا كلامه ورأوا معجزاته. وهكذا فعلت الكنيسة الأولى سواء في الستّينات مع بولس أو الثمانينات مع متّى. وهي لا تزال تفعل اليوم فتكتشف مع بولس علاقة البرّ بالحياة الخلقيَّة وتجذُّر الطاعة في الإيمان. ومع متّى، أنَّ الإيمان المسيحيّ لا يكون حقيقيٌّا إلاَّ إذا ترسَّخ في الأمانة للشريعة كما أوصلها إلينا المسيح في كمالها. |
||||
05 - 04 - 2024, 09:41 AM | رقم المشاركة : ( 156543 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الشريعة بين بولس ومتّى حين أطلق البابا يوحنّا الثالث والعشرون فكرة المجمع الفاتيكانيّ الثاني، كانت الشريعة هي المسيطرة، فلا تبديل في طرق الصلاة ولا في الليتورجيّا، بل حتّى ولا في اللباس الكهنوتيّ. قوانين وتحذيرات وتهديدات بعض المرّات. الكلّ يسيرون منذ بداية القرن العشرين في خطٍّ رسمه القدّيس بيّوس العاشر مع التحريمات التي لحقت بمدرسة الحداثة. وهكذا كانت تمشي الأمور بحسب الخطِّ المعطى من فوق. وانتهى المجمع فكانت ردَّة فعل واسعة. بدا المؤمنون وكأنَّهم لم يعودوا بحاجة إلى شريعة، إلى قوانين، إلى أمور محدَّدة. الإنجيل وحده يكفي، فلماذا نتقيَّد بقيود والمسيح خلقنا أحرارًا؟ ولكن أطلَّت ضرورة قراءة الكتاب المقدَّس في منظار جديد فكانت عودة خاصَّة إلى رسائل بولس وإلى الإنجيل الأوَّل، إنجيل متّى. ماذا يقول هذان الرسولان عن الشريعة وهل يعارض الواحد الآخر؟ الشريعة تملأ إنجيل متّى من بدايته إلى نهايته مع الخاتمة: »علِّموهم أن يعملوا بما أوصيتكم به« (مت 28: 20)، أي أن يعيشوا بحسب الوصايا. أمّا عند بولس فتسيطر الشريعة في الرسالتين إلى غلاطية ورومة، وتغيب في 1 تس، 2 كو، وتلامَس في 1 كو وفل بشكل عرضيّ: »قوَّة الخطيئة هي الشريعة« (1 كو 15: 56). وفي فل 3: 2ي يطلب الرسول من المؤمنين أن يحترسوا من »الكلاب«، من عمّال السوء، من أهل الختان. |
||||
05 - 04 - 2024, 09:42 AM | رقم المشاركة : ( 156544 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
متّى والشريعة قراءتنا لإنجيل متّى تجعلنا في ثلاثة اتِّجاهات. الأوَّل، الاستمراريَّة والتواصل بين العهد القديم والعهد الجديد، من أجل إيصال الشريعة إلى كمالها. الثاني، تفسير الشريعة لأنَّ سلطة يسوع فوق سلطة موسى. وإذا كانت الشريعة تقدِّم كلمات الله، فيسوع هو الكلمة الذي فيه تصبُّ أقوال الله في العهد القديم، كما الأنهار في البحر. والاتِّجاه الثالث، قطيعة وانقطاع، لأنَّ »الخمرة الجديدة لا تُوضَع في زقاق قديمة...« (مت 9: 17). أ- ما جئتُ لأُبطل بل لأكمِّل ذاك ما قاله الربُّ في عظة الجبل ليشدِّد على أنَّ الشريعة القديمة تتواصل في الإنجيل. أمّا الإطار فهو كلام إلى المؤمنين في كنيسة متّى، الذين حسبوا أنَّ شريعة موسى عتقت وزالت. »ما جئتُ لأُبطل«(1). ردَّ يسوع بالنفي أوَّلاً، وتبع ذلك بالإيجاب: »بل لأكمِّل«(2). وواصل يسوع كلامه: »لن تزول(3) ياء من الناموس. ويبقى فعلان: خالف(4)، عمل(5)، ويقابلهما علَّم(6). وها نحن نورد النصَّ انطلاقًا من الترجمة البيسطريَّة(7): 5: 17لا تظنُّوا أنّي جئتُ لأُبطل الشريعة أو الأنبياء. ما جئتُ لأُبطل بل لأكمِّل. 18 لأنّي الحقَّ أقول لكم: »حتّى تزول السماء والأرض، ياءٌ واحدة أو نقطة واحدة لن تزول من الشريعة حتّى الكلُّ يصير. 19 فمن نقضَ واحدةً من هذه الوصايا الصغرى، وعلَّم الناس هكذا، صغيرًا يُدعى في ملكوت السماوات. ومن عمل وعلَّم، هذا عظيمًا يُدعى في ملكوت السماوات«. ماذا نكتشف في هذه الآيات الثلاث؟ شابه يسوع عددًا من المعلِّمين اليهود، وطلب طاعة تامَّة للكتاب المقدَّس(8). واختلف عن عدد كبير من معاصريه، فما رضيَ عمّا يطلب الكتبة والفرّيسيّون الذين لا تصل بهم الممارسة إلى الخلاص. قال يسوع لتلاميذه: »إذا لم يزَد برُّكم على برِّ الكتبة والفرّيسيّين لن تدخلوا ملكوت السماوات« (آ20)(9). بعد أن لفت يسوع انتباه سامعيه، قدَّم تحديدًا لشريعة الله، لا كما يفعل الشعب بل كما يجب أن يكون(10). واجه يسوع الاتِّهام بأنَّه يعارض الشريعة (12: 2: تلاميذه يعملون ما لا يحلُّ في السبت) وقدَّم جوابًا. وقد يكون متّى شدَّد على هذه النقطة ليضع حاجزًا في وجه التعليم المناوئ للشريعة في الكنيسة(11)، أو قبالة اتِّهامات باللاخلقيَّة من قبل معارضيه(12). وجاء من عارض بشكل جذريّ تعليم متّى هنا وتعليم بولس(13) ولكن ساعة الكاتبان يطرحان مسألتين مختلفتين، راح بعضهم يرفع الصراع. فمع أنَّ بولس أكَّد أيضًا أنَّ الشعب اليهوديّ يقدر أن يحتفظ بعادات ورثها (1 كو 9: 20)، وتحدَّث عن مقاربة صحيحة إلى شريعة الله بالنسبة إلى المؤمنين (رو 3: 27، 31؛ 8: 2؛ 9: 31-10: 13)، حرَّف بعض معاصريه مقاله واعتبروه رافضًا للشريعة (رو 3: 8)(14). لهذا اعتبر بعض الشعب اليهوديّ أنَّ المسيحيّين الأوَّلين يرفضون الشريعة. لهذا جاء كلام يسوع في مت 5: 17-20 يعطي الثقة لليهومسيحيّين في جدالهم مع رؤساء المجمع. وهكذا لاحظ الشرّاح أنَّ يسوع ما أراد إلغاء الشريعة بل توصيلها في المعنى الصحيح وإتمام روحها(15). بدأ يسوع فأعلن سلطة الكتاب المقدَّس لتلاميذه، دون النظر البعيد إلى ما يكون من جدال مع الشعب اليهوديّ. ونحن نفهم من كلامه أربعة أمور. الأوَّل: لغة يسوع تعلن بوضوح ثقته بشريعة موسى. قال: جاء ليكمِّل. وذلك من خلال الطاعة والتوافق. أمّا الإلغاء فيعني رفض نير الشريعة واعتبارها فارغة(16). الثاني: صوَّر يسوع أبديَّة الشريعة بحسب طريقة المعلِّمين اليهود. سبق الأنبياء وأعلنوا أنَّ كلام الله لا يتبدَّل (إش 40: 8؛ زك 1: 5-6)، فتكلَّم يسوع بشكل استعارة: ياء واحدة، نقطة واحدة. هو حرف »يود« العبريّ الذي يكاد لا يُرى. مثل هذه الإشارة الصغيرة لا يمكن أن تُلغى(17). يجب أن يتمَّ كلُّ شيء (5: 18)، إلى أن يتمَّ الملكوت وتزول السماء والأرض(18). ثالثًا: أعلن يسوع أنَّ المؤمنين يُدَانون بالنظر إلى كلام الله: من يحفظ أصغر وصيَّة ويعلِّم الناس أن يفعلوا مثله، ذاك هو العظيم في الملكوت(19). ما تطلَّع يسوع إلى العدد الكبير أو الصغير الذي يحفظ الشريعة أو ينقضها، بل إلى »أكبر« الوصايا و«أصغر« الوصايا. أكبر وصيَّة إكرام الوالدين (خر 20: 12؛ تث 5: 16)، وأصغر وصيَّة حول عشِّ الطير (تث 22: 6-7). وعدٌ واحد: إفعل هذا فتحيا، في حياة الأبد. فالربُّ يجازي الإنسان من أجل كلِّ وصيَّة. رابعًا: شدَّد يسوع في 5: 19 أنَّ الإنسان لا يقدر أن يختار. لأنَّه لا يعرف مستوى الأجر المحفوظ لهذه الوصيَّة أو تلك (أبوت 2: 1)(20). وواصل يسوع كلامه: الله يعاقب من يعلِّم الناس أن يخالف واحدة من هذه الوصايا. هذا لا يعني الطاعة فقط، بل التعليم أيضًا، ممّا يدلُّ على المسؤوليَّة تجاه الأطفال (بابل، يوما 87أ). وحفظُ الشريعة من الخارج لا يكفي. فمن لم يتحوَّل قلبُه من الداخل لا يدخل ملكوت السماوات(21). ب- قيل لكم وأنا أقول لكم بدأ يسوع فشدَّد على أنَّ الشريعة تستمرُّ في شعب الله الجديد، لا تزول منها نقطة واحدة ولو زالت السماء والأرض. ذاك هو المبدأ: لا معارضة للشريعة. ولكن لا بدَّ من تفسيرها، لأنَّ الممارسة في أيّامه لا تفي بالمرام(22). حاولت مجموعاتٌ يهوديَّة مختلفة، في القرن الأوَّل المسيحيّ، أن تربح معاصريها إلى تفسير يدلُّ على الطريق الصحيح لممارسة الشريعة، ولكن لم يكن هناك اتِّفاق. شدَّد اليهود على الوجهة الخلقيَّة(23) فكانت نقاط اتِّصال بينهم وبين يسوع(24). ولكنَّ يسوع راح بعيدًا في التفسير بحيث جعل نفسه موازيًا للشريعة، بل هو جاء يصحِّح الشريعة ويعمِّقها لئلاّ تبقى محصورة في إطار خارجها. انطلق يسوع من ستَّة نصوص مأخوذة من الشريعة كما نقرأ في العهد القديم، وعمل كما يعمل معلِّم كبير في العالم اليهوديّ: فسَّر كلَّ مقطع في شكل نقيضة(25): 5: 21 سمعتم أنَّه قيل للأقدمين: »لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجبًا الحكم« (الدينونة) 22 لكن أنا أقول لكم: »كلُّ من يغضب على أخيه يكون مستوجبًا الحكم«. هكذا يُتمُّ يسوعُ الشريعة على المستوى التعليميّ، فيفسِّرها لا كما يفسِّرها الكتبة، بل يعطي رأيه الشخصيّ. فتفسيرُهُ هو من مستوى آخر. هو لا يُحلُّ فرائض جديدة محلَّ الفرائض القديمة، لا يجعل شريعة جديدة مكان شريعة قديمة. ما جاء يُلغي، بل يعيد الشريعة إلى مكانها الأصيل والجذريّ معًا. بداية احتفاليَّة: قيل... وأنا أقول. كان الرابّينيّون يستعملون »وأنا أقول« ليتَّخذوا موقفًا بالنسبة إلى معلِّمين آخرين. أمّا يسوع فاتَّخذ موقفًا بالنسبة إلى الشريعة. فلو عارض رابّي الشريعة، اعتُبر مجدِّفًا ومنتهك الأقداس. ولكن ما اعتُبر تجديفًا عند »المعلِّمين« صار بالنسبة إلى يسوع إعلانًا نبويٌّا لرسالته. »سمعتم«. كانت التوراة تُقرأ بشكل احتفاليّ في المجامع، يوم السبت. سمعتم وصاياها وفرائضها. والآن، يجب أن تسمعوا أمورًا أخرى. الشريعة آتية من عند الله، ولا يحقُّ لأحد أن يتجاوزها، إلاَّ إذا كان الله. هذا يعني أنَّ عبارة »أمّا أنا فأقول« تشير في شكل من الأشكال إلى ألوهيَّة المسيح. قيل: »لا تقتل«. نقرأ هذا الإيراد الكتابيّ في خر 20: 15 وتث 5: 18. ومن يقتل يستوجب الحكم. حكم الإعدام على ما قال خر 21: 12: »من ضرب إنسانًا فقتله، فالضاربُ حتمًا يموت«. »أمّا أنا فأقول«. ها هو يسوع يُضيف، يعمِّق الوصيَّة: من يغضب. لا نستطيع أن نجعل الغضب على مستوى القتل، ولكنَّ الله يدين الإنسان بحسب نوايا قلبه. فالغضب قد يقود إلى القتل. ودُعيَ في »وصيَّة دانيال« (كتاب منحول، 3: 12): روح بليعال. فالغضب الذي يَخرج من قلب الإنسان، يدلُّ على فراغ القلب من المحبَّة. وهو غضب على »الأخ«، أي المؤمن الذي يؤمن إيماننا، بحيث يكون أبونا السماويّ أباه. ويترافق الغضب مع الكلام الجارح. أقول لأخي: راقا. أي: رأس فارغ، غبيّ، أبله، كما في اللغة العبريَّة. وفي اليونانيَّة: مُدَّع، متبجِّح. أو أقول له: بلا عقل، أبله. واللغة البيبليَّة تتحدَّث هنا عن الكافر، عن الذي يقاوم شريعة الله، على ما نقرأ في تث 12: 6: »أبهذا تكافئون الربّ، أيُّها الشعب الأحمق الغبيّ؟ أليس هو أباكم وخالقكم الذي عملكم وكوَّنكم«؟ من قتل أو غضب أو قال كلامًا نابيًا يستوجب الحكم: الله يحاكمه ويعاقبه. في عقاب أوَّل هو الحكم من قبل الله. في الثاني، يقف المذنب أمام مجلس القضاء، أو السنهدرين. والعقاب الثالث: جهنَّم. في هذه الحالات الثلاث، يقف الإنسان أمام منبر الله العادل(26). هي »نقيضة« أولى حول القتل والغضب. وتبعتها خمس نقائض حول الزنى والنظرة المشتهية، حول الطلاق، حول الحلف، حول الانتقام، حول محبَّة الأعداء. هنا نلاحظ أنَّ الإنجيل لا يروح في خطِّ الشريعة، بل يعارضها وينقضها. لا مكان للطلاق، لا مكان للانتقام، لا مكان للحلف. بل محبَّة الأعداء والأقرباء بحسب القول الرفيع: »كونوا أنتم كاملين، كما أنَّ أباكم السماويّ كامل هو« (5: 48). ج- أريد رحمة لا ذبيحة عبَرَ الرسُل مرَّة وسط الحقول وقطفوا بعض السنابل. هاجمهم الفرّيسيّون لأنَّهم »يعملون ما لا يحلُّ في السبت« (مت 12: 2). ردَّ يسوع: »أريد رحمة لا ذبيحة« (آ7). عاد الربُّ إلى نصٍّ هو 6: 6 وأعطاه معناه بالنسبة إلى الشريعة في تعاملها مع الضعفاء والمساكين: داود لا لوم عليه. هو ملك. الكهنة لا لوم عليهم بسبب فتاويهم. الذبيحة هي في صلب الشريعة، وهي لا تكون الأولى. بل تأتي بعد الرحمة. إن عُذِرَ الكبارُ لأنَّهم تعدَّوا على الشريعة، فلماذا الهجوم على الصغار؟ والسبت أمر أساسيّ في العالم اليهوديّ بحيث إنَّ المشناة كرَّست له أهمَّ الفصول وأطولها (بعد فصل »كليم«)(27). ولكن في نظر متّى، »ابن الإنسان هو ربُّ السبت« (آ8). ابن الإنسان »هو أعظم من الهيكل« (آ6). مِن هذا الهيكل سوف يَطرد الباعة، ومعجزاتٍ عديدةً سوف يُجري »يوم السبت«. في هذا الخبر بان الفرّيسيّون شارحي الكتاب المقدَّس على ما قال يوسيفس(28) وبيّنت الأناجيل (12: 1-2، 4). ويسوع أجابهم انطلاقًا من الكتاب المقدَّس فما استطاعوا أن يجيبوه. قدَّم مثلاً أوَّل عن داود، لا يتعلَّق مباشرة بالسبت، بل بالطريقة التي بها يفسَّر الكتاب وتفسَّر الشريعة(29). والمثل الثاني يرتبط مباشرة بالسبت وبما يعمله الكهنة في هذا اليوم »المقدَّس« الذي يسحق الإنسان ويستعبده. أترى الفرّيسيّون ردُّوا جواب يسوع الأوَّل، فقدَّم جوابًا آخر مأخوذًا من الشريعة(30)؟ الكهنة يعذرون نفوسهم، ولا يعذرون هؤلاء »الرسل«. ذاك كان وضع الكنيسة الأولى تجاه العالم اليهوديّ قبل سنة 70ب.م. ودمار الهيكل. الشريعة قاسية. لهذا قدَّم يسوع »الرحمة« تجاه المرضى والخطأة والعشّارين. سبق له فأورد آية هوشع هذه ردٌّا على الفرّيسيّين الذين رأوه يأكل مع الخطأة، وأضاف: »ما جئتُ لأدعو الأبرار« (مت 9: 13). والأبرار هم اليهود في وجه »الوثنيّين«. صعوبة كبيرة واجهت كنيسة متّى: كيف تستقبل مسيحيّين آتين من العالم الوثنيّ، تجاه تشديد المعلِّمين اليهود وقساوتهم(31)؟ لا سبيل إلى الجدال. إذًا تكون القطيعة. لا مجال لأن توضع الخمرة الجديدة في زقاق عتيقة (مت 9: 17). وهكذا تفرَّد متّى فتحدَّث لا عن المجامع بشكل عامّ، بل عن »مجامعهم« (4: 23؛ 10: 17؛ 12: 9). مجامع اليهود يهجرها المسيحيّون. وبدت القطيعة تامَّة حين الكلام عن الفرّيسيّين المرائين الذين يفسِّرون الشريعة بشكل لا يمكن أن يقبل به الإنجيل: تصفُّون البعوضة وتبلعون الجمل (23: 24). الخارج طاهر والداخل »مملوء خطفًا وشرٌّا« (آ25). |
||||
05 - 04 - 2024, 09:43 AM | رقم المشاركة : ( 156545 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بولس والشريعة ما لاحظنا في قراءتنا للأناجيل ولاسيَّما إنجيل متّى أنَّ يسوع لم يحكم على الشريعة. عاشها كما عاشها تلاميذه الأوَّلون، وإن حاول أن يعمِّقها ويعيدها إلى أصولها، على مثال ما فعل في شريعة الزواج. عاد إلى البدء، وترك ما فعله موسى حين أخذ بعين الاعتبار »قساوة القلوب« (مت 19: 8). ولكن طرأت مسألة جديدة حين انتمى إلى الإيمان وثنيّون لامختونون: أراد يهومسيحيّون أتوا من أورشليم، من عند يعقوب أخي الربّ، أن يُكرهوا المهتدين من العالم الوثنيّ، على ممارسة الشريعة (غل 1: 12؛ أع 15: 1ي). في هذا الإطار جاء كلام متّى، ومثله أيضًا كلام بولس الذي بدا قاسيًا، خصوصًا في نظرته السلبيَّة إلى الشريعة: »يتبرَّر الإنسان بالإيمان بيسوع المسيح، لا بأعمال الشريعة« (غل 2: 16؛ رو 3: 28). في هذا الإطار، نتوقَّف أوَّلاً عند الوجهة السلبيَّة للشريعة، ثمَّ نعود إلى الوجهة الإيجابيَّة، أي الوجهة الروحيَّة. أ- الوجهة السلبيَّة بداية نتذكَّر الصعوبة في دراسة الشريعة عند بولس. فالدراسات عديدة وهي تروح في أكثر من اتِّجاه(32). ونبدأ فنورد بعض الآيات: رو 3: 21 ولكن الآن، برُّ الله أُظهر بدون شريعة! وشُهد (له) من الشريعة والأنبياء. 22 فَبِرُّ الله بإيمان يسوع المسيح (هو) إلى كلِّ الذين يؤمنون، لأنَّه ليس هناك فرق. 23 فالجميع خَطئوا وحُرموا مجد الله. (صاروا) مبرَّرين مجّانًا بنعمته. بالنداء الذي في المسيح يسوع. »الآن« خ½د…خ½خ¹. هي مقابلة مع الماضي حيث كانت أعمال الشريعة تحتلُّ المكان الأوَّل. ففي الحاضر، تبدَّلت الأمور، ولم نعد بحاجة إلى شريعة(33). مثل هذا القول لا يقبل به العالم اليهوديّ، لأنَّ الشريعة هي إحدى عُمُد تقليد العهد. هي ما فُرضت ولا كانت نتيجة تنازل، بل قدَّمها الله الذي أحسَّ بآلام البشر. أعطيَت لا كمجموعة تشريعيَّة، ولا كقوانين لاشخصيَّة، بل بشكل عهد حياة بين الله وشعبه(34). ولكن هكذا كانت في البدء. فماذا فعل »المعلِّمون« بالشريعة؟ أما سيطرت فيها الأعمال الخارجيَّة على روحيَّة العلاقات مع الله ومع القريب؟ »أظهر« . د€خµد†خ±خ½خµدپد‰د„خ±خ¹ هي صيغة المجهول. طريقة للدلالة على عمل الله دون ذكر اسمه العليّ. ويتبعه فعل آخر في الصيغة عينها ،خ¼خ±دپد„د…دپخ؟د…خ¼خµخ½خ· شُهد. عاد الرسول إلى الله نفسه ليبيِّن أنَّ دور الشريعة »زال«. هي لا تنفع بعد لكي ينال الإنسان البرّ. فهي غير قادرة أن تهب الحياة وتقود إلى المسيح. »البر«(35). لفظ يقابل qdc في العبريَّة، الصدق. وفي السريانيَّة ؟؟؟. البرّ قاعدة حياة، جواب الإنسان على نداء من لدن الله. من يعطي هذا البرّ؟ الله، الأمين دومًا على مواعيد الخلاص. والله يعطي هذا الخلاص مجّانًا بواسطة يسوع المسيح الذي تضامن مع البشر فاقتلعهم من الخطيئة ورفعهم إلى الله. وما هو دور الشريعة هنا؟ تكتفي بأن تشهد لبرِّ الله، وهنا الشريعة تعني كلام الله بموازاة أسفار الأنبياء. كان البشر خطأة، فما نالوا الخلاص بأعمال الشريعة. قدَّموا الذبائح العديدة، واحتاجوا أن يكرِّروا هذه الذبائح كلَّ سنة، ولكنَّ النتيجة لبثت سلبيَّة إلى أن قدَّم يسوع نفسه ذبيحة بلا عيب. * * * ونقدِّم النصَّ الثاني من الرسالة إلى رومة، الذي يبدو أكثر سلبيَّة لأنَّه يربط الشريعة بالخطيئة. وها نحن نورد الفصل السابع: 7 فماذا نقول؟ هل الشريعة خطيئة؟ (هذا) لا يكون. ولكن ما عرفتُ الخطيئة إلاَّ بالشريعة، ولأنّي ما عرفتُ الشهوة لو أنَّ الشريعة ما كانت تقول: »لا تشته«. 8 فالخطيئة أخذَتْ فرصة بالوصيَّة فأثارت فيَّ كلَّ شهوة، لأنَّ الخطيئة بدون شريعة ميتة. 9 وأنا كنتُ أحيا قبلاً بدون شريعة. ولمّا أتت الوصيَّة عاشت الخطيئة(36). نبدأ أوَّلاً بالصورة المأخوذة من العالم القضائيّ: أنا لا أعرف الجريمة حتّى يحدِّدها القانون. عندئذٍ يعرف الإنسان الجرم الذي اقترفه ويرتقب العقاب. وكذا نقول بالنسبة إلى الخطيئة في اتِّصالها بالشريعة. والصورة الثانية هي صورة حربيَّة: الخطيئة اتَّخذت فرصة. اتَّخذت المبادرة وقامت بالهجوم على الإنسان. جاءت الشريعة تُنهي الإنسان عن عمل ما، فأراد أن يرى ما وراء النهي، على مثال آدم وحوّاء: وماذا إذا أكلنا من شجرة معرفة الخير والشرّ؟ ألا نصير آلهة؟ وهكذا خُدع الإنسان فاستفادت الخطيئة من الوصيَّة »وقتلتني« (آ12). ويرد لفظان يبدوان مترادفين: الشريعة، الوصيَّة. تحدَّثنا عن الشريعة التي تحاول أن ترسم للإنسان خطٌّا يسير فيه. والوصيَّة بقوَّتها الآمرة، الفارضة، ارتبطت بالعهد القديم (تك 26: 5: إبراهيم حفظ أوامري)، وهي تنطبق على الشرعة والقرارات والتنظيمات(37). وتجاه الخطيئة أطلَّت الشهوة التي هي بداية الطريق. إنَّ خµد€خ¹خ¸د…خ¼خ¹خ± هي محرِّك قويّ للعمل، ديناميَّة خلاَّقة. حدَّدها أرسطو: »دفعٌ إلى ما يسرُّنا«. وقال الكتاب: هي الخطيئة النموذجيَّة في البرِّيَّة. ترتبط بالنسمة، بالقلب، بالاحتدام والاضطرام خ¸د…خ¼خ؟د‚. نشير هنا إلى أنَّ الشهوة تبقى »حياديَّة«. يمكنها أن تميل إلى الشرِّ كما إلى الخير. والفعل الذي يدعو الإنسان أن لا يشتهي خ؟د…خ؛ خµد€خ¹خ¸د…خ¼خµدƒخµخ¹د‚ يذكِّرنا بالوصايا كما في سفر الخروج: أنت لا تشتهِ امرأة قريبك. أنت لا تشتهِ مقتنى غيرك. مثل هذا الفعل يدعو إلى الطاعة. ولكن بما أنَّني ضعيف، اجتذبتني الشهوةُ إلى الخطيئة. فما بقي للرسول سوى أن يقول باسم كلِّ واحد منّا: »الويلُ لي أنا الإنسان الشقيّ، من ينقذني من جسد الموت هذا!«(38) * * * في هذا الإطار السلبيّ، لماذا وُجدت الشريعة؟ أما كان أفضل أن لا توجد؟ فالإنسان قبْلَ الشريعة وبعْدَها يستطيع أن يفعل الخير، سواء كان يهوديٌّا أو يونانيٌّا؟ وُجدت الشريعة لكي تكون لنا »المؤدِّب«. وها نحن نقرأ النصّ الثالث في الرسالة إلى غلاطية (ف 3): 19 فلماذا الشريعة؟ أضيفت بسبب التعدِّيات إلى أن يأتي النسل الذي وُعد له (= لإبراهيم)، معلَنة بالملائكة في يد وسيط. 21 فهل الشريعة ضدَّ وعود الله؟ (هذا) لا يكون. فلو أنَّه أعطيت شريعة قادرة أن تحيي، كان البرُّ بالحقيقة من الشريعة. 23 فقبل أن يأتي الإيمان كنّا محبوسين تحت حراسة شريعة إلى أن يُعلَن الإيمانُ المزمع. 24 إذًا، كانت الشريعة مؤدِّبنا إلى (مجيء) المسيح، لكي نُبرَّر بالإيمان. 25 لكن لمّا أتى الإيمان لا (نكون) بعدُ تحت مؤدِّب. كيف وصلت الشريعة ساعة البشريَّة عاشت أجيالاً وأجيالاً دون الحاجة إليها؟ بسبب التعدِّيات د€خ±دپخ±خ²خ±دƒخµد‰خµخ½ هو لفظ يقابل الخطيئة خ±خ¼خ±دپد„خ¹خ±. يقول بولس: أضيفت. نقرأ صيغة المجهول أيضًا وأيضًا. هل الربُّ أضافها؟ ووجودها له حدود إلى أن يأتي النسل، الزرع دƒد€خµدپخ¼خ±. إذًا، نظام الشريعة مرحلة موقَّتة في تاريخ الخلاص. ومجيء المسيح يضع له حدٌّا. جاءت الشريعة كإضافة، أو بجانب التعدِّيات. هي إذًا على هامش القصد الخلاصيّ، لأنَّ دورها ليس بالدور المحرِّر بشكل مباشر. هي تتدخَّل بسبب التعدِّيات بحيث تزيد على الخاطئ مسؤوليَّة فوق مسؤوليَّة (رو 4: 15؛ 5: 20)، وتُحرّك تعدِّيات أخرى. كلُّ ما تستطيع الشريعة أن تفعله هو أن تكشف للإنسان عبوديَّته: هو عبد وعليه أن ينتظر من يحرِّره من العبوديَّة. هذه الشريعة جاءت بيد الملائكة خ±خ³خ³خµخ»د‰خ½. هذا يعني في نظر بولس أنَّها لا تساوي تلك التي أعلنها الربُّ على جبل سيناء. أمّا اليهود فاعتبروا سلطتها سامية. في نظر بولس، حمل الملائكة الشريعة فاستعبدوا الإنسان الذي احتاج إلى وسيط مثل موسى. ولهذا، حين يحرِّر المسيح البشر من الشريعة، يحرِّرهم أيضًا من هذا الارتباط وهذه العبوديَّة. فإذا كان دور الشريعة أن تقود البشر إلى المسيح، فهي إذًا مؤدِّبة د€خ±خ¹خ´خ±خ³د‰خ³خ؟د‚. وما هو دورها؟ دور العبد الذي يقود الطفل إلى المدرسة، ما دام قاصرًا. ولكن حين يصير راشدًا فهو لا يحتاج بعدُ إلى مؤدِّب، إلى مربٍّ. إلاَّ إذا أراد أن يبقى قاصرًا، بحيث لا يتميَّز عن العبد في شيء على مستوى الحقوق والواجبات. هل تهب الشريعة البرّ؟ كلاّ. هل تعطي الحياة؟ كلاّ. بل هي سجن للإنسان. فنحن المؤمنون »مسجونون« دƒد…خ³خ؛خ»خµخ¹خ؟خ¼خµخ½خ؟خ¹. نحن في حراسة خµد†دپخ؟خ¹دپخ؟د…خ¼خ¸خ± هي صيغة المجهول. ذاك هو كلُّ دورها. وإن حُبسنا (آ22) تحت الخطيئة، فلكي نسير كلُّنا إلى الخلاص في موكب الربِّ يسوع. إلى متى نُسجَن؟ إلى مجيء المسيح. وهذا المجيء يُدخلنا في نظام الإيمان د€خ¹دƒد„خµد‰د‚ الذي يضع حدٌّا لنظام الشريعة. حينئذٍ لا نكتشف تعليمًا فقط حول قصد الله الذي يتجلَّى ويقدَّم لنا، بل موقفَ انفتاح على عطيَّة الله، على روح ابنه. عندئذٍ لن نكون بعدُ عبيدًا، بل أبناء (وبنات) تبنّانا الله، فهتفنا له: أبّا، أيُّها الآب. ب- الوجه الإيجابيّ تطلَّع بولس إلى عدم فائدة الممارسات المتعلِّقة بالعالم اليهوديّ، من ختان (غل 6: 12) وأعمال أخرى (غل 4: 10). هذا يعني أنَّ الشريعة تنحصر في نُظُم العهد القديم. وندَّد الرسول أيضًا بتمثُّل خاطئ عن التدبير الخلاصيّ، حيث يستحقُّ الإنسان أن يُبرَّر في ممارسته للشريعة، ساعة هو يُبرَّر بواسطة يسوع المسيح. ومع ذلك، هذه الشريعة هي من الله. ومع أنَّها أعطيَت بيد الملائكة، فهي مقدَّسة وروحيَّة، وهي امتياز خاصّ بشعب إسرائيل(39). وها نحن نقرأ النصوص: رو 3: 28 فنعتقد أنَّ الإنسان يبرَّر بالإيمان، لا بأعمال الشريعة. 31 إذًا، أنُبطل الشريعة بالإيمان؟ (هذا) لا يكون، بل نُثبت الشريعة. في إطار كلام عن عصيان البشريَّة كلِّها، يهودًا ويونانيّين، تحدَّث بولس عن البرِّ الذي نناله بالإيمان. ولا فرق في ذلك بين يهوديّ ويونانيّ. هذا يتبرَّر بالإيمان، وذاك يتبرَّر بالإيمان، وإن حَسبَ في وقت من الأوقات أنَّه يَتبرَّر بالأعمال. ويُطرَح السؤال: هل نبطل الشريعة؟ خ؛خ±د„خ±دپخ³خ؟د…خ¼خµخ½. هل ننقضها؟ هل نُزيلها؟ والجواب: هذا لا يمكن أن يكون. بل بالعكس: نثبت الشريعة خ¹دƒد„خ±خ½خ؟خ¼خµخ½. إذًا، لا تعارض في العمق بين الشريعة والإيمان. لأنَّ الإيمان يدعونا في النهاية إلى التجاوب مع نداء الله وممارسة الشريعة، شريعة المسيح. ونقرأ نصٌّا آخر في غل 3: 21: »هل الشريعة ضدَّ وعود الله؟« والجواب: »هذا لا يكون«. فشخص إبراهيم هو هنا. نال المواعيد وفي الوقت عينه آمن (من خلال الطاعة) فحُسب له إيمانه برٌّا. وفي الرسالة إلى رومة، تحدَّث بولس عن المسيح الذي تحرَّر من الشريعة. كما تتحرَّر المرأة يوم يموت زوجها، كذلك المؤمن »يموت عن الشريعة بجسد المسيح، ليصير إلى آخر، إلى الذي قام من بين الأموات« (رو 7: 4). فأيُّ دور يبقى للشريعة بعد ذلك؟ هنا يعلن الرسول ولا يتركنا ننتظر: رو 7: 12. إذًا، الشريعة مقدَّسة والوصيَّة مقدَّسة وعادلة وصالحة. صفة ترتبط بالشريعة: مقدَّسة خ±خ³خ¹خ؟د‚ فالقداسة تنتمي إلى الله، ترتبط باسمه، بتساميه، بكيانه، وتتجلّى في أعماله. هو الذي يجعل الشريعة مقدَّسة، لأنَّها مفصولة عمّا هو دنيويّ، وحاملة ديناميَّة خاصَّة(40). والوصيَّة خµخ½د„خ؟خ»خ· تجد نفسها مع ثلاث صفات. هي »مقدَّسة« خ±خ³خ¹خ± مثل الشريعة. ثمَّ خ´خ¹خ؛خ±خ¹خ± عادلة. أي لا انحراف فيها ولا خطأ، لأنَّها من الله. وأخيرًا هي صالحة خ±خ³خ±خ¸خ·، نافعة، تحمل الخير لكلِّ من يتعامل معها إيجابيٌّا بالطاعة(41). أمّا الصفة »عادلة« فتدلُّ على الحكمة التي يمارسها الإنسان. تعلِّمه العفَّة والفطنة، وتمنحه القوَّة. وهي في النهاية تساعد الإنسان على اجتناب الخطيئة. والصفة »صالحة« ترتبط بالجمال بحسب القول المأثور في اليونانيَّة: جميل وصالح خ؛خ±خ»خ؟د‚ خ؛خ±خ³خ±خ¸خ؟د‚. وأخيرًا، نستطيع القول إنَّ البرّ (= العمل بإرادة الله) الذي يرتبط بالشريعة خ´خ¹خ؛خ±خ¹د‰خ¼خ± د„خ؟د… خ½خ؟خ¼خ؟د… يعلِّمنا كيف نسلك بحسب الروح لا بحسب الضعف البشريّ، بحسب اللحم والدم دƒخ±دپخ¶. ماذا نستطيع أن نقول، بعد هذا، عن الشريعة عند القدّيس بولس؟ هي أعطيَت لتكشف متطلِّبات وتُبرز تعدِّيات البشر. قبل الشريعة، كان البشر يفعلون الشرّ، ولكن لم تكن تُحسَب لهم الخطيئة خطيئة. ولمّا أتت الشريعة، حرَّكت شهواتهم واجتذبتهم إلى الثمرة المحرَّمة دون أن تعطي القوَّة لطبيعتهم الضعيفة بحيث تصنع الخير. ولمّا بيَّنت الشريعةُ للبشر تجاوزاتهم حكمت عليهم بالموت والدينونة. غير أنَّ عملها موقَّت، حتّى مجيء نسل إبراهيم، يسوع المسيح. إذًا، لعبت دور المربّي، المؤدِّب: هو العبد الذي يكلَّف بتربية الطفل والاعتناء به ما دام قاصرًا. ولكن حين يصبح راشدًا، لن يعود من دور له، كما أنَّ لا دور بعدُ للشريعة حين ننال نعمة التبنّي. فالآن متنا عن الشريعة وتحرَّرنا من »المربّي«، فصرنا للمسيح بعد أن قمنا معه. وإذ نولَد من جديد نستطيع أن نمارس في الروح ما تأمر به الشريعة: هي لم تعُدْ خارجيَّة. ليست مكتوبة على حجر، كما تسلَّمها موسى على جبل سيناء، ولا في كتاب، بل هي محفورة في القلوب. فالابن الذي لم يعد قاصرًا يُتمُّ طوعًا ما كان يفعله في الماضي خوفًا. وهكذا يتحرَّر المؤمن من الشريعة دون أن يقع في الفلتان، لأنَّه يبقى خاضعًا للحبّ. وإذ يحمله الروح، يُتمُّ الشريعة الجديدة، شريعة المسيح(42). |
||||
05 - 04 - 2024, 09:45 AM | رقم المشاركة : ( 156546 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المواجهة بين متّى وبولس قرأ الشرّاحُ متّى تجاه بولس فاعتبروه مزيجًا يهومسيحيٌّا حيث إعلان الخلاص تراجَعَ أمام لاهوت من النمط الشريعي(43). أجل، ما أراد متّى أن يتخلّى عن الشريعة ساعة كان بولس قاسيًا معها، إذ لا فائدة منها من أجل الخلاص. هي مواجهة، بل هو تلاقٍ. في الوقت عينه سوف نرى بولس ومتّى ينطلقان من موقع واحد هو أنطاكية. يبتعد الواحد عن الآخر، وفي النهاية يلتقيان ليُعلنا أهميَّة الشريعة بالنسبة إلى الكنيسة. بعد أن نتعرَّف إلى المحيط الأنطاكيّ، نعرف أنَّ الشريعة لا تُفهَم إلاَّ في هدفها الأخير: المحبَّة. وفي النهاية يكون الشعار كما نقرأه في رو 10: 4: »غاية الشريعة هي المسيح«. أ- المحيط الأنطاكيّ نقطة الانطلاق الصراع الذي كان بين بطرس وبولس حول المشاركة في المائدة. هذا ما ترويه الرسالة إلى غلاطية (ف 2). 11 وعندما جاء بطرس إلى أنطاكية، قاومته وجهًا لوجه لأنَّه كان يستحقُّ اللوم. 12 فقبل أن يجيء قوم من عند يعقوب، كان بطرس يأكل مع غير اليهود. فلمّا وصلوا (قومٌ من عند يعقوب) تجنَّبهم (= غيرَ اليهود) وانفصل عنهم خوفًا من دعاة الختان. 13 وجاراه سائر اليهود في ريائه، حتّى إنَّ برنابا نفسه انقاد إلى ريائهم. نلاحظ حالة الصراع بين اليهود المتشيِّعين لشريعة موسى، وبين غير اليهود، أو الأمم، الذين هم محرَّرون من شريعة موسى: لا داعي للختان، لا داعي للاهتمام بالأطعمة الطاهرة وغير الطاهرة، بعد أن صارت جميع الأطعمة طاهرة في المسيح(44)، وخصوصًا لا فصل بين اليهوديّ وغير اليهوديّ. فاليهوديّ يعتبر الأمميّ نجسًا، ولهذا فهو لا يأكل معه(45). وهكذا صارت الشريعة حاجزًا داخل الجماعة الواحدة. وطُرح السؤال في أنطاكية: أيُّ سلطة لشريعة موسى بعد موت يسوع؟ إنَّ الجماعة اليهومسيحيَّة في أورشليم، التي لبثت متعلِّقة بالهيكل(46) وبالشريعة، دام حضورها حتّى موت قائدها، يعقوب أخي الربّ، سنة 62. والجماعة الهلّينومسيحيَّة(47) تألَّفت من يهود آتين من الشتات(48). تحرَّرت من الشريعة وهربت من أورشليم بعد رجم إسطفانس (أع 8: 1). اضطُهد أعضاؤها فلجأوا إلى فينيقية، إلى قبرص، إلى أنطاكية (أع 11: 29)، حيث أسَّسوا كنيسة من اليهود ومن غير اليهود (آ20-21)(49). إلى أنطاكية أتى بولس بعد أن جاء به برنابا من طرسوس (آ15-16). * * * »هاجم« إسطفانس الهيكل (أع 6: 14)(50) وذلك في خطِّ ما فعل الربّ (يو 2: 13ي) وما قال (مر 13: 1-2؛ مت 24: 1-2؛ لو 21: 5-6). وممّا قال لوقا على لسان متَّهمي إسطفانس: »ونحن سمعناه يقول: سيهدم يسوع الناصريّ هذا المكان ويغيِّر التقاليد التي ورثناها من موسى« (أع 6: 14) د„خ± خµخ¸خ·: التقاليد، العادات المرتبطة بموسى خ¼خ؟د…دƒخ·د‚. وسبق لإسطفانس فقيل عنه: »شتم الهيكل المقدَّس والشريعة« (آ13). غير أنَّ هذا الكلام غير صحيح، لأنَّ إسطفانس سوف يقول في خطبته عن الشريعة إنَّها »كلمات حياة« (أع 7: 38) خ»خ؟خ³خ¹خ± خ¶د‰خ½د„خ±(51). هذا يعني أنَّ الشريعة لم تُرذَل في أساسها على أنَّها طريق خلاص، بل أعفيَ بعض المؤمنين من بعض متطلِّباتها مثل الختان والأمور الطقسيَّة. راح بولس في خطِّ الهلِّنيّين، ولكنَّه ما عاد إلى حياة يسوع على الأرض(52)، بل إلى الصليب. قال في غل 3: 13: »والمسيح حرَّرنا من لعنة الشريعة بأن صار لعنة من أجلنا. فالكتاب يقول: ملعون كلُّ من مات معلَّقًا على خشبة«. في آ10، ذكر بولس لعنة الخطيئة بفعل الشريعة (تث 27: 26). وإن هو ذَكَر »الخشبة« الذي يعلَّق عليها الملعون (تث 21: 23)، فلكي يذكر دور الصليب في تخليصنا من الخطيئة، ومن الشريعة التي تُبرز الخطيئة. وقال الرسول في رو 3: 24-25: 24 ولكنَّ الله برَّرهم (البشر كلَّهم) مجّانًا بنعمته، بالمسيح يسوع الذي افتداهم، 25 والذي جعله الله كفّارة في دمه لكلِّ من يؤمن به. »الكفّارة« خ¹خ»خ±دƒد„خ·دپخ¹خ؟خ½. كيف كانت تتمُّ الكفّارة في العهد القديم؟ يُرَشُّ الدم على المؤمنين فتُغفَر خطاياهم (لا 16: 1ي). ورأى بولس في هذا الطقس صورة عن ذبيحة المسيح. »في دمه« خµخ½ د„د‚ خ±د…د„خ؟د… خ±خ¹خ¼خ±د„خ¹. أي بتقدمة ذاته ذبيحة يمنحنا الله الغفران بواسطة الإيمان (لا بالأعمال، آ27). ما نلاحظه هو أنَّ موقف بولس يرتبط بالكرازة، بيسوع المسيح، لا بالوجهة الخلقيَّة. وهكذا يلتقي مع إسطفانس الذي يحافظ على الشريعة التي هي كلمة الله. وبولس دافع ودافع وما تعب عن سلطة الشريعة، وإن جاء تعليمه عن التبرير بالإيمان، يلغي الشريعة بالنظر إلى الخلاص. * * * ذاك كان جيل إسطفانس وبولس والهلّنيّين، وتجذُّره في أنطاكية قبل أن يصل إلى رومة. أمّا جيل متّى وإنجيله الأنطاكيّ في الثمانينات، فعرف إطارًا لاهوتيٌّا وكنسيٌّا مختلفًا جدٌّا. طُردوا من فلسطين على أثر الحرب اليهوديَّة الأولى (سنة 66-70) فمضوا إلى »سورية« بمعناها الواسع، من سهل البقاع مرورًا بحمص وحماة وصولاً إلى أنطاكية. هم يهومسيحيّون متعلِّقون بالشريعة تعلُّقًا دقيقًا(53)، وبرسالة إسرائيل(54). هو الخطُّ »الناموسي« من خ½خ؟خ¼خ؟د‚(الشريعة). أمّا خطُّ مرقس فهو »أنتيناموسي« antinomiste ، لأنَّ إنجيله لا يتوجَّه فقط إلى العائشين بحسب الشريعة، بل إلى الوثنيّين ولاسيَّما في رومة. ويبدو، بحسب دراسات أخيرة، أنَّ أساسه في أنطاكية(55). هو صراع في مسيحيَّة أنطاكية وامتدادها، يمزِّقها ويجعل فئة ضدَّ فئة، فيمضي المؤمنون تاركين هذه الفئة وتلك. ما يكون موقف متّى؟ بدأ هجومه على المجمع(56). فالعالم اليهوديّ الذي أرعبه دمار الهيكل سنة 70، حاول البقاء فانغلق على ذاته في خطِّ تعليم الفرّيسيّين: لُعن الهراطقة (وأوَّلهم المسيحيّون) وطُردوا من المجمع. فماذا كانت النتيجة؟ عداوة بين اليهود واليهومسيحيّين، وكلُّ فئة تحاول أن تشدَّ بالتوراة إلى صدرها: هل تمرُّ الشريعة وتعاليم الأنبياء عبر الكنيسة أو عبر المجمع؟ أمّا متّى فتحدَّث باسم حركة مسيحيَّة تُجرّد إسرائيل من الوحي التوراتيّ وتُصادره: التوراة ومواعيد الآباء مُلكُ الكنيسة. ومقتل المسيح كرَّس فشل الشعب المختار(57). وتوقيع الله نقرأه في خراب المدينة، بحيث حُذف إسرائيل من خارطة الخلاص وانتُزعت الشريعة منه(58). منعطف تاريخيّ في كنيسة متّى(59). دعا الإنجيليّ الجماعة اليهومسيحيَّة لكي تتخلّى عن إسرائيل الملعون، وتنطلق في الرسالة إلى الوثنيّين(60). في هذا الطريق، تتسلَّم الرسالة بأن تحفظ وصايا يسوع كما أعاد ترتيبها يسوع (مت 28: 20: ما أوصيتكم به). ولكن برز انقباض وتشنُّج داخل الكنيسة، وارثة المواعيد: التشديد على الشريعة لدى اليهومسيحيّين. ولكنَّ متّى أخذ مرقس، فبيَّن حرِّيَّة يسوع تجاه الشريعة(61)، وجاء النداء إلى الحبّ يتساءل حول معنى الفرائض النصوصيَّة. ففي الوضع الصعب الذي يعرفه متّى، كانت الأوَّليَّة للحبِّ الذي يُدمِّر »الناموسيَّة«. وهكذا نفهم أنَّ بولس حافظ على السلطة الخلقيَّة في الشريعة(62). أمّا متّى فقطع كلّ اتِّصال بعقيدة سلطة الفرائض الموسويَّة التي لا تُناقَش، وتطلَّع إلى الشريعة بالنسبة إلى الكنيسة مع ابتعاد عن اليهومسيحيَّة. ب- المحبَّة قمَّة الشريعة حين تحدَّث الرسول عن المواهب في كنيسة كورنتوس، أراد أن يدلَّهم »على أفضل الطرق« (1كو 12: 31). هذه الطريقة هي المحبَّة وهي تُعطي كلَّ أعمال الإنسان معناها. وفي امتداد هذا القول، تَبرز المحبَّةُ التي تُجمِّل الشريعة وكلَّ الوصايا. قال الرسول إلى أهل غلاطية: 5: 13 اخدموا بعضكم بعضًا بالمحبَّة، 14 فالشريعة تكتمل كلُّها في وصيَّة واحدة: أحبب قريبك مثلما تحبُّ نفسك. لا حاجة لكثرة الوصايا بعد أن وصل عددُها في العالم الفرّيسيّ إلى 613 وصيَّة. وصيَّة واحدة، سوف يدعوها بولس في الرسالة عينها: »شريعة المسيح«، قال: 6: 2 ساعدوا بعضكم بعضًا في حمل أثقالكم، وبهذا تتمُّون العمل بشريعة المسيح. وشريعة المسيح هي في النهاية المحبَّة(63) التي تقود إلى الحرِّيَّة. فالمسيح الذي أخرج الذين آمنوا به من كلِّ إكراه خارجيّ، يحوِّلهم إلى أبناء الله، أي أناس حمَلَ إليهم المسيحُ حبَّه البنويّ، كأناس يُلهم هذا الحبُّ كلَّ خياراتهم، ويكون مبدأ نشاطهم كلِّه. فالحبّ الذي يجعل من البشر خدّام إخوتهم، يجعلهم يُفلتون من كلِّ عبوديَّة للشريعة. وكيف تمارَس الشريعةُ إكراهًا على الذي يمارسها بحبّ؟ لهذا قال الرسول: الشريعة تكتمل بوصيَّة واحدة، وصيَّة المحبَّة. ذاك هو الوجه الإيجابيّ. والناحية السلبيَّة تقول: »فإذا كنتم تنهشون وتأكلون بعضكم بعضًا« (آ15). وهكذا نفهم إلى أين تقود عبوديَّة الجسد، وكيف أنَّ الحبَّ يخلِّص من هذه العبوديَّة ومن الانقسامات التي تُنتجها هذه العبوديَّة. وهذه الحرِّيَّة التي تميِّز أبناء الله، هي شيء إيجابيّ، لأنَّها تقول لنا إنَّهم لم يعودوا لأيِّ شريعة، بعد أن صاروا في خدمة إخوتهم. هنا نلاحظ طابع المفارقة في مثل هذه الحرِّيَّة، فهي تجد كمالها في الخدمة. وهذه الخدمة هي التعبير عن المحبَّة، ذات المحبَّة التي جعلت ابن الله يأخذ وضعنا كخادم، ويقبل الموت لكي يحرِّرنا من الموت ويعطينا أن نقاسمه حياته، كالابن الوحيد. ونقرأ في الإطار عينه الرسالة إلى رومة: 13: 8 لا يكن عليكم لأحد دَين إلاَّ محبَّة بعضكم لبعض، فمن أحبَّ غيره أتمَّ العمل بالشريعة. 9 فالوصايا التي تقول: لا تزنِ، لا تقتل، لا تسرق، لا تشتهِ، وسواها من الوصايا، تتلخَّص في هذه الوصيَّة: أحببْ قريبك مثلما تحبُّ نفسك. 10 فمن أحبَّ قريبه لا يسيء إلى أحد، لأنَّ المحبَّة تمام العمل بالشريعة. »دين«. حرفيٌّا: ما ينبغي عليكم، ما هو متوجِّب خ؟د†خµخ¹خ»خµد„خµ . كانت الشريعة تفرض على المؤمنين أن يقوموا بأعمال ويمتنعوا عن أخرى. أمّا الآن فالمحبَّة هي هنا. ومن أحبَّخ±خ³خ±د€د‰خ½ أكمل الشريعة خ½خ؟خ¼خ؟خ½ د€خµد€خ»خ·دپد‰خ؛خµخ½. كانت ناقصة في العهد القديم. وها هي المحبَّة تكمِّلها. وهذا الذي قاله الرسول، ردَّده في آ10: المحبَّة خ±خ³خ±د€خ·هي كمال الشريعة د€خ»خ·دپد‰خ¼خ± خ½خ؟خ¼خ؟د…. لا شيء يُطلَب بعد من المؤمن. لهذا كان بولس قاسيًا مع أهل غلاطية، فدعاهم »أغبياء« لأنَّهم أرادوا أن يضيفوا على مثل هذه الشريعة شريعة أخرى: »إذا اختنتم لا يفيدكم المسيح شيئًا« (غل 5: 2). لماذا؟ لأنَّ الختان »لا ينفع شيئًا، ولا عدم الختان، بل الإيمان العامل بالمحبَّة« (آ6). والشيء عينه يقال بالنسبة إلى الشريعة الطعاميَّة. فالشريعة هي المحبَّة. قال بولس: »إذا أسأتَ إلى أخيك بما تأكله، فأنت لا تسلك طريق المحبَّة. فلا تجعل من طعامك سببًا لهلاك من مات المسيح من أجله« (رو 14: 15). قلنا »وصايا عديدة« تتلخَّص، أو بالأحرى »تلخَّص« (في صيغة المجهول): خ±خ½خ±خ؛خµد†خ±خ»خ±خ¹خ؟د…د„خ±خ¹: الله يلخِّصها في »كلمة واحدة« خµخ½ د„د‰ خ»خ؟خ³د‰. نتذكَّر هنا أنَّ النصَّ الأصليّ للوصايا كما ورد في التوراة هو zbrsy الكلمات العشر. ذاك هو كلام الرسول: هناك دَين لا يمكن أن نتخلَّص منه مهما فعلنا، هو المحبَّة المتبادلة. فالوصيَّة الجديدة التي أعطاها الربّ، دُوِّنت هنا قبل أن تدوَّن في الأناجيل(64). فعلاقة الأخوَّة في الجماعة المسيحيَّة تكمن في الحبِّ المتبادل بين الأعضاء، بحيث يحبّ كلّ واحد قريبه بالحبِّ الشخصيّ الذي أحبَّه الله: »ونحن عرفنا المحبَّة حين ضحّى المسيح بنفسه لأجلنا، فعلينا أن نضحّي بنفوسنا من أجل الإخوة« (1 يو 3: 16). غير أنَّ المحبَّة المسيحيَّة ليست محبَّة منعزلة، منغلقة على ذاتها، وهي لا تنحصر في القريب القريب، أي الأخ المسيحيّ. فالمحبَّة عند المؤمن تصل إلى كلِّ إنسان لأنَّ كلَّ إنسان قد أحبَّه الله. وهكذا تتمُّ الشريعة. لاحاجة أن نعمل بعدُ شيئًا فوق ذلك(65) إذا كانت الشريعة في حياة الشعب العبرانيّ تعبيرًا ملموسًا عن حبِّ الله لشعبه (رو 9: 4)، فلا يمكن أن يكون كمالها إلاَّ في الحبّ، ممّا يعني أنَّ الربَّ عاد إلى الابتداء، تاركًا »تقاليد البشر التي تحاول أن تُبطل كلام الله« (مت 15: 6). * * * ما طرحه بولس في شأن المحبَّة، سوف يطرحه متّى في شكل آخر. فالمحيط هو هو. والصراع يكون، لا بين الشريعة والإيمان، بل بين الشريعة والمحبَّة. ونقرأ المقطع الأوَّل حيث يُطرَح سؤال على يسوع (مت 22): 35 فسأله واحد منهم، وهو من علماء الشريعة ليُحرجه: 36 »يا معلِّم، ما هي أعظم وصيَّة في الشريعة؟« 37 فأجاب يسوع: »أحبَّ الربَّ إلهك بكلِّ قلبك، وبكلِّ نفسك، وبكلِّ عقلك. 38 هذه هي الوصيَّة الأولى والعظمى. 39 والوصيَّة الثانية مثلها: ''أحبب قريبك مثلما تحبُّ نفسك''. 40 على هاتين الوصيَّتين تقوم الشريعة كلُّها وتعاليم الأنبياء«. يدور الكلام على الوصيَّة خµخ½د„خ؟خ»خ·. الوصايا عديدة في الشريعةخµخ½ د„د‰ خ½خ؟خ¼د‰. وسأل العالم بالشريعة خ½خ؟خ¼خ¹خ؛خ؟د‚ ما »أعظم« الوصايا. خ¼خµخ³خ»خ±(66). أجاب يسوع فأورد »العظمى«. ثمَّ »الأولى« د€دپد‰د„خ·: وصيَّة واحدة في وصيَّتين: محبَّة الله ومحبَّة القريب. بهما يتلخَّص العهد القديم كلُّه. بل بهما تتعلَّق خ؛دپخµخ¼خ±د„خ±خ¹ »الشريعة والأنبياء«. في هذا الخطِّ نفهم كلام القدّيس أوغسطين: »أحبب وافعل ما تشاء. فمن يحبَّ لا يفعل سوءًا بالقريب«. ضمَّ يسوع الوصيَّتين في أعظم الوصايا، فكان هذا التعبير أساسًا لعدد من التعابير في العهد الجديد. وحده يسوع يدعو تابعيه ليركِّزوا الخلقيَّة في العمق على هذا الكلام(67): فالأولويَّة المميَّزة التي تلعبها المحبَّة في الخلقيَّة المسيحيَّة، لا يمكن أن تصدر إلاَّ عن فم المعلِّم الذي وحَّد بين محبَّة الله ومحبَّة القريب. وهكذا نادت المسيحيَّة الأولى »بشريعة المحبَّة«(68). إذ أورد متّى هذا الحوار، رسم محبَّة الله كموجز للشريعة (تث 16: 1-7): من يحبُّ الله يُتمُّ الشريعة كلَّها (تث 5: 29). هذا النصُّ حول محبَّة الله هو أرفع ما في العالم اليهوديّ (اسمع يا إسرائيل). وكذا نقول عن محبَّة القريب في لا 19: 18. نصّان من العهد القديم جُعلا في وصيَّة واحدة، ولا حاجة بعدُ إلى الوصايا العديدة(69). وتَبرز هذه المحبَّةُ بشكل يوميّ في ما دُعيَ القاعدة الذهبيَّة: »اعملوا للناس ما تريدون أن يعمله الناس لكم. هذه هي خلاصة الشريعة وتعاليم الأنبياء« (مت 7: 12). ويواصل يسوع كلامه: »إذا كنتَ تقدِّم قربانًا« (مت 5: 23). وأيُّ شيء أعظم من القربان؟ ومع ذلك المحبَّة تمرُّ قبله: »اذهب أوَّلاً وصالح أخاك، ثمَّ تعال وقدِّم قربانك« (آ24). ويُقال الشيء عينه عن محبَّة الأعداء. »سمعتم أنَّه قيل... أمّا أنا فأقول لكم: أحبّوا أعداءكم...« (آ43-44). أجل، المحبَّة تتجاوز الشريعة وفرائضها: أشرنا إلى حادثة التقاط السنابل مع قساوة قلوب الفرّيسيّين تجاه فقراء قطفوا بعض السنابل، فحسبوهم حصدوا حقلاً كاملاً. وكذا نقول عن المعجزات: كيف يمضي يسوع إلى الأبرص، بل »يمدُّ يده ويلمسه« (مت 8: 3) لمسة المحبَّة؟ يا للنجاسة، أين شرائع البرص والعفن كما يتحدَّث عنها سفر اللاويّين؟! والضابط الرومانيّ دعا يسوع إلى بيته من أجل خادم طريح الفراش. ما تردَّد يسوع في الذهاب إلى بيت وثنيّ: »أنا ذاهب لأشفيه« (آ8). والخطيئة الكبرى أنَّ يسوع جلس مع الخطأة والعشّارين! (مت 9: 11). وهذه النازفة، النجسة، التي لا يحقُّ لها أن تمسَّ إنسانًا، لمست يسوع فهنَّأها على ما فعلت: »ثقي يا ابنتي، إيمانك شفاك« (آ22). لا شيء يعلو على المحبَّة، حتّى الإيمان والرجاء. أتُرى الشريعة تبقى خارج المحبَّة؟ حينئذٍ يصيبها ما أصاب الابن الأكبر، ذاك الفرّيسيّ، الذي لا يريد أن يجلس مع أخيه العائش مع البغايا. يصيبها ما أصاب الشعب اليهوديّ حين رفض المسيح باسم الشريعة، فتألَّم بولس وقال: »إنّي حزين جدٌّا وفي قلبي أَلمٌ لا ينقطع« (رو 9: 2). ج- غاية الشريعة المسيح في إطار القسم الخامس (9: 1-11: 36) من الرسالة إلى رومة، يأتي الكلام على برِّ الشريعة وبرِّ الإيمان (10: 1-13): 3 لأنَّهم جهلوا (= اليهود) برَّ الله وطلبوا أن يثبِّتوا برَّهم الخاصّ خ¹خ´خ¹خ±خ½ ، فما خضعوا لبرِّ الله، |
||||
05 - 04 - 2024, 09:46 AM | رقم المشاركة : ( 156547 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لأنَّ غاية الشريعة المسيح، برٌّا لكلِّ من يؤمن. »الغاية« د„خµخ»خ؟د‚. ماذا يعني هذا اللفظ(70)؟ توقُّف الشريعة بحيث لا تعود موجودة، أو غاية الشريعة، أو تتمَّة الشريعة(71). إنَّ النقيضة التي يقدِّمها السياق يدفعنا في خطِّ المعنى الأوَّل: نحن لا نمتلك الحكمة بعد بالشريعة (آ5)، بل بالإيمان (آ6-10). فالشريعة كطريق خلاص تجد نقطة توقُّفها في المسيح. فالمسيح هو الغاية والنهاية. غير أنَّ هذا لا يعني أنَّ العهد القديم صار مهجورًا وقريبًا من الموت. فقرار الرجوع عن الماضي يصيب محاولة المؤمن ليتمسَّك بالشريعة وينال الخلاص. فالطاعة للشريعة خسرت صفتها أهليَّتها، بالنظر إلى السوتيريولوجيّا، أو الكلام عن الخلاص. ولكنَّ التردُّد حول معنىد„خµخ»خ؟د‚ يُبرز الاختلاف في استعمال الشريعة في النصوص البولسيَّة. فالعبارة في 3: 31 (بل نثبت الشريعة)، تدلُّ أنَّ الشريعة لم تنتهِ في كلِّ الأحوال. من جهة، هي باقية كوعدٍ موجَّه نحو المسيح (غل 3: 6-18). ومن جهة ثانية، الإرشادات التي نقرأ في نهاية الرسائل تدلُّ على أنَّ الشريعة الموجزة في متطلِّبة المحبَّة موجَّهة نحو الخلقيَّة. »فالوصيَّة التي هي مقدَّسة وعادلة وصالحة« تَبطل حين ترمز إلى طريق الخلاص لدى اليهود، ولكنَّها تبقى حاضرة حين يسبق الخلاص النداء إلى الطاعة(72). قال الرسول عن اليهود »إنَّ فيهم غيرة الله« (آ2)، ومع ذلك »جهلوا كيف يبرِّر الله البشر« (آ3). لماذا نقصت معرفتهم؟ لماذا جهلوا برَّ الله؟ وجاء الجواب عن غاية الشريعة: الشريعة تسير مع البرّ، هي شريعة من أجل البرّ. تطلَّع بولس إلى شريعة موسى التي فُهمت »بالأعمال«. هل هذه الشريعة انتهت؟ إنَّ المسيح هو نهاية أيَّة وظيفة في الشريعة. هذا يعني أنَّه قبل المسيح كان بعض الأساس لفهم الشريعة. ولكن مع المسيح بدأت حقبة جديدة في تعامل الله مع الشريعة (3: 21). المسيح هو نهاية حقبة قديمة، ومعها امتيازات اليهود الحصريَّة. ولكن هذا يعني أيضًا أنَّ ما بدأ في الحقبة القديمة، يجد تتمَّته مع المسيح، مع توسُّعه إلى أبعد من شعب واحد(73). * * * وماذا قال متّى(74) في هذا المجال؟ يترتَّب كلامه حول طرح واحد يُشرف على عظة الجبل: يجب أن تُفهَم دعوة يسوع كموافقة على الشريعة كلِّها بحيث لا نحذف منها شيئًا (مت 5: 17-19)، وذلك حتّى أقلَّ متطلِّباتها (مت 23: 2). والمسيح وحده الذي أتى إلى إسرائيل، هو »يُتمّ« الشريعة والأنبياء (5: 17). وتصرُّفه يُوافق بدقَّة مواعيدَ الكتاب المقدَّس. في هذا المجال نتذكَّر المرّات التي ورد فيها فعل »تمّ« في إنجيل متّى(75). نقرأ في 2: 23: »لكي يتمَّ ما قيل بالأنبياء«. ما قاله الأنبياء بقي ناقصًا وهو لا يكتمل إلاَّ في المسيح، كما يجد نهايته في يسوع المسيح دون أن يترك هويَّته. وكذا نقول عن الشريعة: تتمُّ فقط في المسيح، »أنا أقول لكم«. هي تحتاج إلى تفسير جديد، بحيث يعود حقُّ الله إلى جذريَّته، بعد أن ضاع في الفتاوى لدى الفرّيسيّين والرابّينيّين. تركَّزت الشريعةُ على وصيَّة المحبَّة في وجهيها فأمَلتْ على المؤمن مضمونَ البرّ، هذا البرّ الذي نعيشه بالأمانة، في طاعة للوصايا تبدو ممارستُها ضروريَّة لمن يريد الدخول إلى ملكوت السماوات(76). فلا خلاص خارج الشريعة كما أوصلها المسيح. هنا نفهم أنَّ الشابَّ الغنيّ لم يكتفِ بالوصايا، بل طلب أكثر. لهذا طلب منه يسوع أن يتبعه »إذا أراد أن يكون كاملا« (مت 19: 21) د„خµخ»خµخ¹خ؟د‚ الهدف د„خµخ»خ؟د‚ يكون المسيح، وهذا ما يردِّده متّى فيقول إنَّ يسوع هو ربُّ الشريعة(77). يسوع يعلِّم الشريعة، يشرحها، يفرض ممارستها، يتجادل مع المعلِّمين الذين يتهرَّبون من الجواب (مت 22: 41: المسيح ابن داود)، أو يشوِّهونها لكي يتبعوا تقاليد البشر على حساب كلام الله (15: 3-6). وما قيل في 5: 17-19 لا يعلن خضوع يسوع الناصريّ للشريعة، بل سلطة يسوع على الشريعة. فالتوراة تُشرف على المؤمنين لا بسلطتها الذاتيَّة، كما قال اليهود واليهومسيحيّون، فسلطتها في الجماعة تأتي من المسيح. وهذه السلطة لا تُعاد إليها إلاَّ بعد عمليَّة تطهير. فالطريق التي تقود إلى طاعة حقيقيَّة تمرّ في قراءة 5: 21-48، الذي يفرض التخلّي عن طاعة حرفيَّة لكي نستسلم كلِّيٌّا لمتطلِّبات الله غير المشروطة. فالأمانة الحقيقيَّة تمرُّ في تعلُّق بسلطة ربِّ الشريعة. وبعد الآن، جاءت سلطة الشريعة من قرار يمليه يسوع ويعلِّمنا كيف نفهمه. نحن لا نستطيع أن نجهل خضوع الخلقيَّة للكرستولوجيّا عند متّى، وإلاَّ نشوِّه المشروع المتّاويّ اللاهوتيّ، ونُحدره إلى مستوى لاهوت الأعمال (في معارضة مع بولس). حين نقرأ الجدالات في ف 12، 15، 16، 19، 23، والهجوم القاسي على الكتبة والفرّيسيّين المرائين في ف 23، نكتشف أنَّ هذه النصوص لا تكتفي بأن تندِّد بفتاوى المعلِّمين وضيق آفاقها، باحتقارهم لوصيَّة المحبَّة المركزيَّة، بلاتماسك بين القول والعمل (23: 3: يقولون ولا يعملون). وهي لا تكتفي أيضًا بأن تعلن في وجه المجمع، حقّ الكنيسة في فهم الشريعة(78). إنَّ هذه النصوص الموجَّهة إلى قارئي الإنجيل المسيحيّين، تطالب بقراءة صحيحة لمشيئة الله، التي هي الشرط الضروريّ لاستقامة الطاعة. حين يضع المسيح سلطته تجاه سلطة المعلِّمين في العالم اليهوديّ، فلا يمكن تقبُّل حقيقته إلاَّ بالتعلُّق بالمسيح(79). الخاتمة مسيرة طويلة سرناها مع متّى وبولس في قراءتنا للشريعة. انطلقنا من العالم اليهوديّ، فوصلنا إلى المسيح. انطلقنا من تعليم المعلِّمين فوصلنا إلى ذاك الذي هو وحده المعلِّم (مت 23: 8). شريعة موسى ناقصة، بل تشوَّهت حين شرحها الرابّينيّون. فأتى المسيح يكمِّلها ويعيدها إلى أصولها. الأعمال الشريعيَّة لا تكفي لتقود إلى الخلاص. فالإيمان هو الأوَّل، والإيمان العامل بالمحبَّة. وتقاليد الشيوخ لا يمكن أن تمرَّ قبل كلام الله. فمنذ الآن لا نقرأ الشريعة وكأنَّها تحمل سلطانها في ذاتها. الشريعة تُقرأ بحسب شرح المسيح ونحن نتبعها في خطى المسيح. هكذا فعل الرسل الذين رافقوا يسوع وسمعوا كلامه ورأوا معجزاته. وهكذا فعلت الكنيسة الأولى سواء في الستّينات مع بولس أو الثمانينات مع متّى. وهي لا تزال تفعل اليوم فتكتشف مع بولس علاقة البرّ بالحياة الخلقيَّة وتجذُّر الطاعة في الإيمان. ومع متّى، أنَّ الإيمان المسيحيّ لا يكون حقيقيٌّا إلاَّ إذا ترسَّخ في الأمانة للشريعة كما أوصلها إلينا المسيح في كمالها. |
||||
05 - 04 - 2024, 09:48 AM | رقم المشاركة : ( 156548 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يسوع المسيح في اللاهوت البولسيّ بعد صعود يسوع المسيح إلى السماء وانطلاقة الكنيسة، بدأ التساؤل حول هويَّة يسوع المسيح. وبرزت سريعًا الهرطقات التي نجد ردٌّا عليها في العهد الجديد. قال يوحنّا في إنجيله: »والكلمة صار بشرًا وسكن بيننا« (1: 14). أي من لحم ودم sarx. وفي رسالته الأولى: »كلُّ روح يعترف أنَّ يسوع جاء في (جسم) بشريِّ، في اللحم (والدم)، يكون من الله، وكلُّ روح لا يعترف بـ homologei... أو بالأحرى: كلُّ روح يقسم luei (اليونانيَّة) solvit (اللاتينيَّة) يسوع، يمزِّق يسوع، لا يكون من الله« (4: 2-3). وتحدَّثت رسالة يوحنّا الثانية عن المضلِّلين الذين »لا يعترفون بمجيء يسوع المسيح في (جسم بشريِّ)، في اللحم (والدم)« (آ7). هي ردَّة فعل من قبل الفكر الهلِّينيِّ المطبوع بالثنائيَّة والمهتم بالحفاظ على تعالي اللاهوت بالنسبة إلى المادَّة وعلى لافساديَّته. فالمسيح الكائن الروحيُّ لا يمكن أن يأتي في اللحم والدم sarx، بل هو روح اتَّخذ ظاهر »الجسم البشريّ«. هنا بذور الفكر الغنوصيِّ مع تلاميذ ولنطين ومرقيون، الذي ردَّ عليه إيرينه وترتليان في تشديد على وحدة المسيح في انضمام اللوغوس الإلهيِّ والساركس أو العنصر البشريِّ. وفي خطِّ الغنوصيَّة عينها، اعتُبر يسوع أدنى من الملائكة لأنَّه اتَّخذ جسمًا بشريٌّا. فقدَّمت الرسالة البولسيَّة إلى العبرانيّين البراهين على سموِّ الابن، موردةً عددًا من نصوص العهد القديم. وأنشدت الرسالة إلى كولوسّي ذلك »الذي به خُلق كلُّ شيء في السماوات وفي الأرض، ما يُرى وما لا يُرى، أأصحاب عرش كانوا أم سيادة أم رئاسة أم سلطان« (1: 16). الملائكة هم خدَّام، أمّا يسوع فهو الابن. كما أطلَّت هرطقة تعلن أنَّ يسوع صار ابنًا لله ساعة عماده في الأردنِّ. ونتذكَّر هنا بعض الأسماء مثل بولس الشميشاطيّ وصولاً إلى أريوس ذاك الآتي من ليبيا إلى الإسكندريَّة، والذي علَّم أنَّ ابن الله أدنى من الآب، مُبرزًا تراتبيَّة الوظائف داخل الثالوث الأقدس، ثمَّ أونوميوس الذي ردَّ عليه آباء الكنيسة في أنطاكية والكبادوك. في وجه كلِّ هذه التيّارات، أُعلن قانون الإيمان النيقاويِّ القسطنطينيِّ الذي وجد جذوره في الرسائل البولسيَّة. ونحن نقدِّم مطالعتنا في ثلاث محطّات: يسوع المسيح هو الربّ. يسوع المسيح هو ابن الله، هوموأوسيوس. فالابن والآب هما من جوهر واحد. وأخيرًا، يسوع المسيح هو الكلمة المتجسِّد »الذي لأجلنا نحن البشر، ولأجل خلاصنا، نزل وتجسَّد وتأنَّس وتألَّم وقام في اليوم الثالث« كما قال مجمع نيقية المنعقد سنة 325، أو كما يقول مجمع القسطنطينيَّة الأوَّل المنعقد سنة 381: »الذي لأجلنا نحن البشر ولأجل خلاصنا، نزل من السماوات وتجسَّد من الروح القدس ومن مريم العذراء، وتأنَّس، وصُلب عنّا على عهد بونتيوس بيلاطس، وتألَّم ودُفن. وقام في اليوم الثالث بحسب الكتب...«. 1. يسوع المسيح هو الربُّ اعتادت الرسائل البولسيَّة أن تذكر في بدايتها الله الآب والربَّ يسوع المسيح. ففي الرسالة الأولى إلى كورنتوس نقرأ: »عليكم النعمة والسلام من الله أبينا والربِّ يسوع المسيح« (1: 3). وتتكرَّر العبارة عينها في الرسالة الثانية إلى كورنتوس (1: 2) وفي الرسالة إلى أفسس (1: 2). ونشير إلى أنَّ لفظ »الربّ« kyrios في كلام عن الربِّ يسوع يرد مرّات ومرَّات في الرسائل البولسيَّة. ففي الرسالة إلى رومة وحدها نقرأ العبارة عشرين مرَّة تقريبًا، ولا نقول شيئًا عن سائر الرسائل. هذا ما أتاح لآباء المجمع في نيقية أن يقولوا: »وبربٍّ واحد يسوع المسيح«. ماذا تعني كلمة الربّ kyrios؟ هذا الموصوف اليونانيّ kyrios تكوَّن في القرن الرابع ق.م. انطلاقًا من الصفة التي صارت موصوفًا to kyrios: سيِّد فلان أو فلانة، من له سلطة، السلطان. مثلاً، سيِّد المدينة. وتوسَّع المعنى: السيِّد، مالك العبد، مالك البيت. وما عتَّم هذا اللفظ أن اتَّخذ المدلول الدينيّ: فالإله هو الربُّ kyrios. وما نلاحظ في الشرق هو أنَّ الملك يُدعى الربَّ والإله. ذاك ما قيل عن بطليمس الثالث عشر (51-47 ق.م.): الربُّ الملك الإله. ودُعيَ بطليمس الرابع عشر (47-44 ق.م.) مع امرأته كليوبترا kyrioi theoi megisthoi الربّان الإلهان العظيمان جدٌّا. وفي رومة أُلِّه الإمبراطور. فدُعيَ أوغسطس سنة 12 ق.م. theos kai kyrios kaisar autocrator: الإله والربّ القيصر الحاكم بأمره. وحافظ خلفاؤه على اللقب kyrios وخصوصًا نيرون Kyrios Nero. ومن خلال هذا، نجد الكلام عن العظمة والجلالة وارتباط بالمسكونة oikoumené. هنا نفهم ما قاله لوقا في مقدِّمة خبر ميلاد الربِّ يسوع: »وفي تلك الأيّام صدر أمرٌ من أوغسطس قيصر بأن يُكتَب كلُّ المسكونة« (2: 1). الثورة الأولى بدأت مع الترجمة اليونانيَّة المدعوَّة السبعينيَّة. ما استعملت كيريوس فقط في المعنى العاديِّ والمعروف: سيِّد البيت (قض 19: 22-23) أو الثور (خر 21: 28-29) أو بئر (خر 21: 34)، بل ترجمت المربَّع الإلهيَّ (ي هـ و ه)، بحيث إنَّ إله موسى هو »الربّ« kyrios. قال المزمور 68: 5: اسمه الربّ kyrios onoma autô (مز 148: 13). والله قال عن نفسه: »يعرف المصريّون أنّي أنا الربّ« egô eimi kyrios. وهكذا يصاغ لاهوت بالنظر إلى سيادة هذا الإله القدير والمتسامي، الذي يجب أن يخافه الإنسان ويحبَّه. عرشُه في السماوات (مز 103: 19؛ سي 1: 8). هو »العليُّ على كلِّ الأرض« kyrios hypsistos (مز 97: 9؛ سي 16: 1؛ دا 2: 19)، ومجده يدوم إلى الأبد (خر 16: 7، 10؛ عد 14: 10). إله الشعب العبرانيِّ هو الربُّ الملك، الربُّ الذي يملك إلى الدهر والأبد« (خر 15: 18؛ مز 146: 10). هو الربُّ والله (إر 31: 18؛ با 2: 27؛ 3: 6). هو »الربُّ وإله الآلهة« (مز 50: 1؛ 95: 3؛ 96: 4). وقال المرتِّل: »أنا عرفتُ أنَّ الربَّ عظيم megas، وربُّنا فوق جميع ِpara pantas الآلهة« (مز 135: 5). في الإسكندريَّة بآلهتها المتعدِّدة ومعابدها، أعلن الكتاب المقدَّس أنَّ الله هو الربُّ المتسامي، المتعالي، وهو وحده الله في العالم. والثورة الثانية قام بها بولس الرسول في أوَّل ما نعرف من كتب العهد الجديد. فأعطى لقب الربِّ ليسوع المسيح. ففي سنة 51، دوَّن الرسالة الأولى إلى تسالونيكي فكتب: »بولس وسلوانس وتيموتاوس، إلى كنيسة التسالونيكيّين، في الله الآب والربِّ يسوع المسيح« kai kyrio Iesou Christô. ثمَّ أضاف العبارة عينها في الآية ذاتها: »نعمة لكم وسلام من الله أبينا والربِّ يسوع المسيح« (1 تس 1: 1). وعاد وقال في آ3: »نذكر أمام إلهنا وأبينا ما أنتم عليه بربِّنا يسوع المسيح«. بالنسبة إلى الشعب اليهوديِّ، أعلن بولس أنَّ يسوع هو كيريوس، هو يهوه، الإله الذي هو. أو كما قال اليونان: الكائن. أنا هو »الكائن« egô eimi hô ôn. ممّا يعني المساواة التامَّة بين ما قيل عن الله وما يُقال عن يسوع المسيح. سوف يقول »النؤمن«: إله من إله، نور من نور، إله حقٌّ من إله حقٍّ«. رفض الشعب اليهوديُّ أن يعلن يسوع عن نفسه أنَّه »الله«، وأرادوا أن يرجموه أكثر من مرَّة. مرَّة أولى، قال لهم يسوع: »الحقَّ أقول لكم: قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن« (يو 8: 58). أو: أنا هو. وماذا كانت ردَّة الفعل: »رفعوا حجارة ليرجموه«. ومرَّة ثانية قال: »أنا والآب واحد« (يو 10: 31). فجاؤوا بحجارة ليرجموه. وبولس شدَّد على أنَّ يسوع هو الملك الإلهيّ والمسيح الآتي من أجل خلاص البشر. لهذا كتب تلميذه القدّيس لوقا موردًا كلام الملاك: »وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلِّص هو المسيح الربُّ« sôter hos estin christos kyrios (2: 11). وطرح الشعب الرومانيُّ: من هو الربُّ وسيِّدُ المسكونة؟ هل هو الإمبراطور؟ وجاء الجواب: كلاَّ. ففي مشهد الميلاد، الطفل الإلهيُّ هو سيِّد المسكونة، لا ذاك الذي اعتبروه حاملاً السلام على الأرض بعد الحروب العديدة التي خاضها. حامل السلام هو ذاك الذي أنشده الملائكة: »المجدُ لله في العلى وعلى الأرض السلام« (آ14). والله أراد أن يجمع في ابنه »في المسيح كلَّ شيء، ما في السماوات وما على الأرض« (أف 1: 10). وقال بولس في الأولى إلى تيموتاوس: »صادقة هي الكلمة ومستحقَّةٌ كلَّ قبول أنَّ المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلِّص الخطأة الذين أوَّلهم أنا«. أجل، لخلاص العالم كلِّه. وفي هذا نقرأ إنجيل يوحنّا: »هكذا أحبَّ الله العالم حتّى بذل ابنه الوحيد« (يو 3: 16). وبما أنَّنا في الإطار اليوحنّاويّ، نلاحظ هذا الصراع بين المسيحيّين الذين يعلنون يسوع كيريوس، الربَّ، وبين السلطة الرومانيَّة التي تعتبر الإمبراطور هو كيريوس الذي يجب أن يُخضع له الجميعُ ويسجد ويقدِّم البخور. فمنذ بداية سفر الرؤيا يرد فعل إيمان بالمسيح: »هوذا يأتي مع السحاب (كابن الإنسان، دا 7: 13؛ مت 24: 30)، وستنظره كلُّ عين، والذين طعنوه (يو 19: 34)، وينوح عليه جميع قبائل الأرض (زك 12: 10، 14). أنا الألف والياء (أي البداية والنهاية، مخطوط جبل أتوس، القرن التاسع)، قال الربُّ الإله، الكائن والذي كان والذي يأتي، القادر على كلِّ شيء« (1: 7-8). ماذا بقي لأوغسطس الذي وُلد سنة 63 ق.م. وتوفِّي سنة 14 ب.م. والذي حكم من سنة 27 ق.م. إلى سنة 14 ب م؟ له بداية وله نهاية. ثمَّ إنَّ قدرته تقف عند حدٍّ من الحدود، أمّا الابن فلا حدود لسلطانه .pantokrator لهذا دعاه سفر الرؤيا: ملك الملوك وربُّ الأرباب (19: 16) basileus basilôen kai kyrios kyriôn. وسبق وقال: »ملك الربِّ الإله القادر على كلِّ شيء« (آ6). وربط سفر الرؤيا كلامه بما قيل عن »يهوه« في ترجوم العهد القديم، الذي هو من الأزل إلى الأبد: »الكائن والذي كان والذي يكون« فيسوع هو »الذي يأتي« erchomenos ممّا يدلُّ على المجيء الثاني. »يهوه« العهد القديم هو يسوع المسيح، الربّ. وكيريوس، اسم الإمبراطور، صار اسم يسوع المسيح، الحمل الوديع، »ربُّنا الذي صُلب« (رؤ 11: 8) وقيل عنه: »صارت ممالك العالم لربِّنا ومسيحه فيملك إلى أبد الأبدين« (آ15). نلاحظ صيغة المفرد »يملك«، لا المثنّى: فما يعمله الآب يعمله الابن أيضًا، كما قال يوحنّا (يو 5: 19). وأخيرًا، يسوع المسيح هو وحده الربُّ تجاه »أرباب« مزعومين. قال الرسول إلى أهل كورنتوس: »يُوجَد آلهة كثيرون وأرباب كثيرون« (1 كو 8: 5). هم يُسمَّون هكذا، يُقَال عنهم. فمن هم هؤلاء الكثيرون؟ آلهة الوثنيّين وأبطالهم. وفي أيِّ حال، سوف يدعوهم الرسول: الشياطين: »ما يذبحه الأمم (للأوثان) إنَّما يذبحونه للشياطين« (1 كو 10: 20). تجاه هذا الاعتقاد في العالم اليونانيّ، أعلن الرسول إيمان الكنيسة: »أمّا نحن فلنا إله واحد، الآب الذي فيه جميع الأشياء، ونحن له، وربٌّ واحد، يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن له« (1 كو 8: 6). ما قيل عن الآب قيل عن الربِّ يسوع: واحد heis. ثمَّ ta panta (كلُّ الأشياء) هي للآب والابن. فالآب خلق كلَّ شيء بالابن، على ما نقرأ في الرسالة إلى كولوسّي: »به خُلق كلَّ شيء« (1: 16). بربِّنا يسوع المسيح لنا السلام مع الله بعد أن تبرَّرنا بالإيمان (رو 5: 1). آمنّا، تعلَّقنا بالربِّ، غابت العداوة بيننا وبين الله، فعرفنا السلام مع الله وملء البركات، بيسوع صار لنا الدخول إلى النعمة والثبات فيها، بانتظار المجد الذي نرجوه منذ الآن (آ2). فلم يبقَ مجال للخوف ولا للارتياب، بل نحن »نفتخر بربِّنا يسوع المسيح الذي نلنا به الآن المصالحة« (آ11). في الماضي، ملكت الخطيئة وحملت إلينا الموت، أمّا الآن فلنا النعمة والحياة وكلُّ هذا »بيسوع المسيح ربِّنا« (آ21). ويُفهمنا الرسولُ دور الربِّ في عبورنا من الموت إلى الحياة في هذه الرسالة عينها: »احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطيئة ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربِّنا« (رو 6: 11). في الماضي، كانت أجرة الخطيئة الموت، أمّا الآن »فهبة الله حياة أبديَّة بالمسيح ربِّنا« (آ23). في هذا الإطار نفهم أنَّ الخلاص يرتبط بالاعتراف بيسوع المسيح. »فإن اعترفتَ بفمك بالربِّ يسوع، وآمنتَ بقلبك أنَّ الله أقامه من بين الأموات، خلصت« (رو 10: 9). والرسالة إلى تيطس تعلن في بدايتها: »نعمة ورحمة وسلام من الله الآب والربِّ يسوع المسيح مخلِّصنا« (1: 4). أجل، الربُّ يسوع »خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا« (تي 4: 5-6). 2. يسوع المسيح هو ابن الله ويتواصل النؤمن: »ابن الله المولود الوحيد monogenes من الآب، أي من جوهر الآب«. ثمَّ »هو إله، إله حقّ، مولود غير مخلوق، مساوٍ للآبِ في الجوهر«. هنا برزت بدعة أريوس بسبب أفكاره حول الابن، فطرده سينودس محلِّيٌّ من الجماعة الكنسيَّة، بانتظار أن يُرسَل إلى المنفى بعد مجمع نيقية سنة 325. لخَّص الإسكندر، بطريرك الإسكندريَّة تعليم أريوس والأريوسيّين كما يلي: يقولون * الله لم يكن دومًا الآب، بل كان زمنٌ لم يكن فيه الآب. * والكلمة لم يُوجَد دومًا، بل جاء إلى الوجود من اللاموجود. * والله الذي وُجد، صنع ذاك الذي لم يوجد انطلاقًا من اللاموجود. * لهذا كان زمن لم يكن الكلمة فيه موجودًا. * الابن هو خليقة الآب وعمله. ولا يشبه الآب في الجوهر، ولا هو كلمته الحقيقيُّ بحسب الطبيعة، ولا هو حكمته الحقيقيَّة، بل هو شيء من الأشياء التي صُنعت وأُحدثت. * يُدعى الابن والحكمة بشطط (وإفراط) بعد أن أنتجه كلمة الله الخاصّ وحكمته الخاصَّة. إذًا هو متغيِّر ومتحوِّل بطبعه مثل كلِّ الكائنات العاقلة. ذاك ما أورده سقراط في التاريخ الكنسيّ 2-3 (الآباء اليونان 67: 45ب). وفي الخطِّ عينه راح »الهوميون« الذين اعتبروا الابن شبيهًا homoios بالآب، لا من ذات جوهر الآب. أمّا الأنوميّون فقالوا إنَّ الابن غير شبيه homoios بالآب. هنا نفهم لماذا قال الآباء في مجمع نيقية: ''أمّا الذين يقولون: ''كان زمان ولم يكن فيه'' و''قبل أن يُولَد لم يكن'' و''إنَّه صار ممّا لم يكن''... مؤكِّدين أنَّ ابن الله مخلوق، أو قابل للتغيُّر أو التحوُّل، فهؤلاء تحرمهم الكنيسة الجامعة«. ولكن ما هو إسناد آباء المجمع؟ هنا نعود إلى العهد الجديد، ولاسيَّما إلى الرسائل البولسيَّة. »في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله« (يو 1: 1). ميَّز يوحنّا هنا بين »تيوس« مع ال التعريف ho theos التي تدلُّ على الآب، و»تيوس« بدون أل التعريف theos التي تشير إلى اللاهوت. وكان منطقيٌّا مع هذا الاستعمال. فقال في آ2: »هذا كان في البدء عند الله«. فحين الكلام عن علاقة الآب بالابن، فأل التعريف حاضرة. مثلاً: »أنتم تؤمنون بالله (الآب)، فآمنوا بي« (يو 14: 1). أو في 16: 27: »لأنَّ الآب نفسه يحبُّكم، لأنَّكم أحببتموني وآمنتم أنّي من عند الله. خرجتُ من عند الآب وأتيت إلى العالم...«. هكذا نفهم التمييز بين الآب والابن، كما نعرف أنَّ الابن يشارك الآب في الألوهة. هو أمر واضح عند القدِّيس بولس حين يتحدَّث عن »الله الآب« و»الربِّ الابن«. نقرأ مثلاً ما ورد في الرسالة إلى تيطس: »منتظرين الرجاء السعيد makarios وظهور مجد إلهنا العظيم ومخلِّصنا يسوع المسيح« (2: 13). هو كلام واضح عن يسوع الذي هو المخلِّص والله، على أثر ما قيل عن تجلّي نعمة الله. ما نلاحظ في الرسائل الرعائيَّة، أي الرسالتين إلى تيموتاوس والرسالة إلى تيطس، هو أنَّ صفة المخلِّص تُعطى تارة للآب وطورًا للابن. ففي الأولى إلى تيموتاوس، نقرأ منذ البداية: »بولس رسول يسوع المسيح، بحسب أمر الله مخلِّصنا، وربِّنا يسوع المسيح« (1: 1). وتعود العبارة عينها في 2 تم 1: 1 ولكن مطبَّقة على الابن: »النعمة... أُظهرت الآن بظهور مخلِّصنا يسوع المسيح الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود«. أمّا في الرسالة إلى تيطس فترد لفظة »مخلِّص« مرتبطة بالآب والابن: »أظهر كلمته... بالكرازة التي أؤتمنتُ أنا عليها بأمر مخلِّصنا الله... نعمة ورحمة وسلام من الله الآب والربِّ يسوع المسيح مخلِّصنا« (1: 3-4). وتعود البنية عينها في كلام عن »الله مخلِّصنا« (تي 3: 4) ثمَّ عن »يسوع المسيح مخلِّصنا« (آ6). الآب هو المخلِّص والابن هو المخلِّص. الآب هو الله. إذًا الابن هو الله، وما يعمله الآب يعمله الابن مثله. »كما أنَّ الآبَ يقيم الموتى ويُحييهم كذلك الابن أيضًا يحيي من يشاء« (يو 5: 21). وما نقوله عن القيامة، نقوله عن الدينونة: »الآب لا يدين أحدًا، بل أعطى الدينونة للابن، لكي يكرم الجميعُ الابنَ كما يكرمون الآب. فمن لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله« (آ22-23). ويتواصل مثلُ الكلام في هذا الفصل من إنجيل يوحنّا حيث يتساوى الآب والابن: »كما أنَّ الآب له الحياة في ذاته، كذلك أعطى الابن أيضًا أن تكون له الحياة في ذاته« (آ26). ونورد ما كتبه الإنجيل عن شفاء المخلَّع. بدأ يسوع وقال للمريض: »مغفورة لك خطاياك« (مر 2: 5). اعتبر الحاضرون أنَّ هذا »الرجل« يجدِّف: »من يقدر أن يغفر الخطايا إلاَّ الله وحده؟« (آ7). ولكنَّ يسوع بيَّن أنَّه الله حين أرفق غفران الخطايا بالشفاء: »لكي تعلموا أنَّ لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا«، قال للمخلَّع: »قم احمل سريرك واذهب إلى بيتك« (آ11). وماذا كانت النتيجة؟ »فقام للوقت وحمل سريره وخرج قدَّام الجميع« (آ12). فهذا الابن هو »في صورة الله« en morphê theou. وهو »معادل لله«، مساوٍ لله. فكيف يأتي من يقول إنَّه أدنى من الله. هو صار بشرًا، وأطاع حتّى الموت على الصليب. ولكنَّ الله رفعه »لكي تجثو باسم يسوع كلُّ ركبة في السماء وعلى الأرض وتحت الأرض، ويعترف كلُّ لسان أنَّ يسوع المسيح هو ربٌّ لمجد الله الآب« (فل 2: 6-11). إذا كانت الوصيَّة واضحة بأنَّ السجود واجب لله وحده، فهذا يعني أنَّ يسوع المسيح هو الله. نحن هنا على مستوى الإيمان، والعقل البشريّ لا يستطيع أن »يفهم« انطلاقًا من الأمور الفلسفيَّة. هنا نفهم كلام الرسول في معرض كلامه عن المواهب: »لا يقدر أحد أن يقول »يسوعُ ربّ« إلاَّ بالروح القدس. يسوع المسح هو الله، مساوٍ لله الآب. الآب لا يُرى، ولكنَّ الابن الذي هو »صورة الله« (كو 1: 15) eikôn tou theou، جعل الله منظورًا. طلب منه فيلبُّس: »أرنا الآب وكفانا«، فكان جواب يسوع: »من رآني رأى الآب. ألا تؤمن أنّي في الآب والآب فيَّ« (يو 14: 8-10). وكان الإنجيليُّ تحدَّث عن »الله الذي لم يره أحد قطُّ« (يو 1: 18). ولكنَّه أسرع فقال: الابن الذي في حضن الآب أخبر عنه«. فهذا الابن الوحيد الذي يقاسم الآب حياته مقاسمة لا حدود لها، يستطيع وحده أن يقود الناس إلى معرفة الله: بشخصه، بما يقوله، بما يعمله. وهناك صورة ترد مرارًا في سفر الرؤيا في الكلام عن العرش الذي يدلُّ على موضع الله. في 21: 5 نقرأ: »وقال الجالس على العرش«. هو الله الآب الذي يصنع كلَّ شيء جديدًا، وفي 22: 3 نعرف أنَّ العرش هو عرش الله والحمل، أي يسوع المسيح »الذي هو في حضن الآب«. ويسوع هو الابن، هو ابن الله. ونبدأ بقراءة النصوص البولسيَّة. فيسوع »ابنه الذي صار من نسل داود من جهة الجسد، تعيَّن ابن الله بقوَّة من جهة روح القداسة، بالقيامة من بين الأموات« (رو 1: 13-14). وفي غل 4: 4: »ولكن لمّا جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة«. نقول في النؤمن عن يسوع إنَّه »ابن الله«. هي تسمية تتكرَّر عند القدّيس بولس. فحين يذكر صدق الرسل، يقول: »لأنَّ ابن الله يسوع المسيح، الذي نكرز به بينكم بواسطتنا... لم يكن نعم ولا...« (2 كو 1: 19). وفي الرسالة إلى غلاطية التي هي رسالة البنوَّة والحرِّيَّة، يعلن الرسول: »مع المسيح صلبتُ. فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ. فما أحياه الآن في (الجسم) البشريّ، فإنَّما أحياه في الإيمان، إيمان ابن الله، الذي أحبَّني وأسلم نفسه لأجلي« (غل 2: 20). هكذا يُذكر ابن الله. أو يرد لفظ »الابن« مع ضمير الغائب، فيقال: ابنه. ففي الرسالة عينها، يقول الرسول: »ولكن لمّا سُرَّ الله... أن يعلن ابنه فيَّ لأبشِّر به بين الأمم...« (1: 15-16). وفي 4: 6: »ثمَّ بما أنَّكم أبناء، أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم«. أمّا في الرسالة إلى كولوسّي، فنقرأ عبارة خاصَّة: »شاكرين الآب الذي... نقلنا إلى ملكوت ابن محبَّته« (1: 13). ما معنى أن يكون يسوع »ابن الله« أو: »ابن الآب«؟ حين نتذكَّر أنَّ الميتولوجيّات القديمة عرفت زواج الآلهة، وأبناء وبنات الآلهة، نرى التحدِّي الكبير أن تكون عبارة »ابن الله« وردت أوَّل ما وردت في الرسائل البولسيَّة، وفي العالم اليونانيّ. لا شكَّ في أنَّ هذه العبارة استُعملت في العهد القديم، ولكنَّها لم تحمل إلاَّ المعنى الرمزيّ، لأنَّ العالم اليهوديِّ شدَّد على وحدانيَّة الله، وما تخيَّل يومًا أن يكون لله »ابن«. أمّا ما نقرأ في الأناجيل الإزائيَّة عن »ابن الله«، ففهمه اليهود عن الملك، كما في العبارة اليوحنّاويَّة التي جاءت بلسان نتنائيل: »أنتَ ابن الله! أنت ملك إسرائيل!« (يو 1: 49). ولن يُفهَم في المعنى المسيحيّ إلاَّ على ضوء القيامة. وكان جدال بين يسوع واليهود. اعتبروه مجدِّفًا: »فإنَّك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهًا« (يو 10: 33). إذًا فهموا مقاله. فعاد إلى المزامير (82: 6) ليبيِّن أنَّه ليس مجدِّفًا. »إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله، ولا يمكن أن يُنقَضَ الكتاب، فالذي قدَّسه الآب وأرسله إلى العالم، أتقولون له: إنَّك تجدِّف، لأنّي قلتُ: إنّي ابن الله؟« (آ35-36). أمّا البرهان بأنَّ هذا »المجدِّف« هو ابن الله، هو أنَّه يعمل أعمال الآب. وهكذا »تعرفون وتؤمنون أنَّ الآب فيَّ وأنا في الآب«. مثل هذا الاتِّحاد الحميم لا يمكن أن نقبل به إذا كنّا لا نؤمن. وإذا كان الله أراد أن يرفع »الأبناء« إلى مستوى ابن الله عن طريق التبنّي، فكيف نسمح لنفوسنا بأن نُحدر ابن الله إلى مستوى البشر، بدلاً من أن نرفع البشر إلى مستوى ابن الله. على ما قال الآباء: »صار ابن الله إنسانًا ليجعل الإنسان ابن الله«. فتحدَّثت الرسالة إلى العبرانيّين عن يسوع الذي »وُضع قليلاً عن الملائكة، ولكنَّنا نراه مكلَّلاً بالمجد والكرامة« (2: 9). »لاق بذاك الذي من أجله الكلّ وبه الكلّ، وهو آتٍ بأبناء كثيرين إلى المجد، أن يكمِّل رئيس خلاصهم بالآلام، لأنَّ المقدِّس (يسوع) والمقدَّسين (المؤمنين) جميعهم من واحد (هو تضامن بين المسيح والبشر)، فلهذا لا يستحي أن يدعوهم إخوة« (آ10-11). وما يتفرَّد به يوحنّا هو أنَّه يدعو يسوع المسيح »الابن« بدون مضاف إليه: »الآب يحبُّ الابن ودفع كلَّ شيء في يده« (3: 35). هكذا لم يبقَ للآب شيء يعمله. »الآب يحبُّ الابن ويريه جميع ما يعمله« (5: 20). كما الآب... كما الابن (آ21، 22، 23، 24). هناك ابن واحد، وليس سواه، كما كان إشعيا مثلاً يقول: »أنا هو الربُّ ولا إله غيري«. ويقول يوحنّا أيضًا: الابن الوحيد (1: 18) monogenês. ذاك هو التعبير في قانون الإيمان. والبرديَّة 46 قدَّمت قراءة رائعة: ما من أحد رأى الله. الله theos الابن الوحيد... وهكذا تبرز العبارة الإيمانيَّة: إله من إله. الابن الوحيد من الله الآب. هذا الابن الوحيد بذله الآب (3: 16) لكي تكون للبشريَّة الحياة الأبديَّة. فمن يؤمن بالآب لا يُدان، والذي لا يؤمن يُدان »لأنَّه لم يؤمن باسم ابن الله الوحيد« (آ18). إيمان بالآب، إيمان بالابن. أمثلُ هذا الابن يتبدَّل؟ قالت لنا الرسالة إلى العبرانيّين: »يسوع المسيح هو هو، أمسِ واليوم وإلى الأبد« (13: 8). وجاءت المقابلة بين الخلائق والابن مع استناد إلى الكتاب المقدَّس: »أنت يا ربُّ في البدء أسَّست الأرض، والسماوات هي عمل يديك. هي تزول وأنت تبقى، وكلُّها كثوب تبلى، وكرداء تطويها فتتغيَّر. أمّا أنت فسنوك لا تفنى« (عب 1: 10-12). وفي مقابلة للابن مع الملائكة، يأتي فعل صنع poieô: »الصانع ملائكته أرواحًا« (آ7). فالملائكة الذين اعتُبروا، في بعض البدع، أرفع من الابن هم »مصنوعات« الابن. كما »يسجدون له« (آ6) على أنَّه ربُّهم وإلههم. وتبدأ الرسالة إلى العبرانيّين بوصف الابن الذي جعله الآب »وارثًا لكلِّ شيء« (آ2)، الذي به صنع الله »الدهور« aiônas. إذا هو قبل الدهور والعوالم، ومن يكون هذا إلاَّ الله وابن الله: »أنت ابني وأنا اليوم ولدتك« (آ15). ثمَّ: »أكون له أبًا ويكون لي ابنًا«. ذاك هو معنى المولود كما في قانون الإيمان gegonnêmenon. وقال الآباء في نيقية: هو غير مخلوق. أيُعقل أنَّ الذي بيده خُلق كلُّ شيء أن يكون مخلوقًا. En auto ektisthé (كو 1: 16). وتحدَّثت الرسالة إلى أفسس عن »الله خالق الجميع بيسوع المسيح« (3: 9). ويلتقي يوحنّا مع بولس الرسول: »به كان كلُّ شيء، وبدونه ما كان شيء ممّا كان« (1: 3). ثمَّ »فيه كانت الحياة«. كلُّ هذا يُفهمنا أن يكون الابن »بهاء مجدُ الآب ورسمُ جوهره« hypostaseôs. 3. يسوع المسيح الكلمة المتجسِّد »بعد أن كلَّم الله الآباء بالأنبياء قديمًا... كلَّمنا في هذه الأيّام الأخيرة بابنه« (عب 1: 1). تعرَّفنا إلى يسوع المسيح الذي هو الربُّ كيريوس، في كلام إلى العالم الوثنيّ، وتعرَّفنا إلى من هو الله وابن الله في كلام إلى العالم اليهوديّ، حيث الابن واحد مع الآب ومتميِّز عن الآب في ما سوف يُدعى في اللاهوت المسيحيّ سرَّ الثالوث الأقدس. يبقى علينا أن نقرأ ما تبقّى من قانون الإيمان النيقاويّ القسطنطينيِّ في ما يتعلَّق بالتدبير الخلاصيّ οικονομια الذي تحدَّث عنه الرسول فوهب لفظًا من العالم (تدبير البيت) معنى لاهوتيٌّا. في الرسالة إلى أفسس ندخل في مسيرة الخلاص التي هي »تدبير ملء الأزمنة حيث يجمع (الله) كلَّ شيء في المسيح، ما في السماوات وما على الأرض« (1: 10). هذا ما ندعوه سرَّ التجسُّد وسرَّ الفداء. »فلأجلنا نحن البشر، ولأجل خلاصنا« تمَّ عملُ الابن. وتُذكَر ستَّة أفعال: نزل، تجسَّد، تألَّم، قام، صعد. وأخيرًا »سيأتي ليدين الأحياء والأموات«. ذاك ما أعلنه الآباء في نيقية. وأضاف الآباء في القسطنطينيَّة توضيحات: تجسَّد »من الروح القدس ومن مريم العذراء«. ثمَّ »صُلب عنّا على عهد بونتيوس بيلاطس«. وبعد فعل »تألَّم« قيل »ودُفن«. وأخيرًا كان التوسُّع الأخير في ما يتعلَّق بالروح القدس والكنيسة والمعموديَّة وقيامة الموتى. ونقرأ الأفعال: الأوَّل، نزل katabainô. ينطلق الرسول من المزمور 68: 19: »إذ صعد إلى العلاء سبى سبيًا«. ثمَّ يطبِّق الكلام على يسوع: »وأمّا أنَّه صعد، فما هو إلاَّ أنَّه نزل... الذي نزل هو الذي صعد أيضًا فوق جميع السماوات لكي يملأ الكلّ« (أف 4: 8-10). kata تقابل ana. ذاك هو الانحدار الذي أنشده القدّيس بولس في كنيسة فيلبّي. فالذي »كان في صورة الله... أخلى نفسه آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس« (فل 2: 6-7). هذا ما نفهمه في لفظ »تجسَّد،، أخذ جسدًا. ثمَّ »تأنَّس« صار إنسانًا، على ما يقول يوحنّا: »والكلمة صار بشرًا وسكن بيننا، فأبصرنا مجده« (1: 14). في هذا التجسُّد، أدخلنا الرسول مع أهل غلاطية: »ولكن لمّا جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبنّي« (4: 4-5). وُلد ابن الله من امرأة. هذا يعني أنَّه إنسان كامل مثل كلِّ إنسان حيث يُقال: »شابهنا في كلِّ شيء ما عدا الخطيئة«. وأضافت الرسالة إلى العبرانيّين: »فإذ تشارك الأولاد في اللحم والدم، اشترك هو أيضًا كذلك فيهما لكي يبيد الموت« (2: 14). فالابن ما أتى إلى مساعدة الملائكة، بل إلى مساعدة البشر، لهذا »كان ينبغي أن يكون شبيهًا بإخوته في كلِّ شيء« (آ17). فهذا الذي صار حبرًا رحيمًا هو قادر أن يرثي لضعفنا، وهو مجرَّب في كلِّ شيء مثلنا، ولكنَّه بدون خطيئة« (عب 4: 15). نلاحظ هنا: الدم واللحم aimatos kai sarkos. أخذ لحمنا ودمنا، وبعد ذلك، كيف نجسر أن نقول إنَّ الابن لم يكن إنسانًا حقيقيٌّا، بل تظاهر مع فعل dokeô؟ وإذ كان إنسانًا بكلِّ ما في الإنسان من ضعف، اعتبروه أقلَّ من الملائكة، بسبب اتِّحاده بالمادَّة التي اعتبرها الغنوصيّون سافلة إن لم تكن شرٌّا. وبما أنَّ الابن صار إنسانًا، عرف الألم. تفرَّد القدّيس بولس في استعمال لفظ patêma ليتحدَّث عن آلام المسيح. في الرسالة الثانية إلى كورنتوس، انطلق بولس من الآلام التي يعانيها هو والتي تعانيها الجماعة، فعاد إلى آلام المسيح: »لأنَّه كما تكثر آلام المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا« (1: 5). ويعلن ثقته بالمؤمنين: »فرجاؤنا من أجلكم ثابت، عالمين أنَّكم كما أنتم شركاء في الآلام، كذلك في التعزية أيضًا«. وفي الخطِّ عينه، رفض الرسول اتِّكاله على الجسد وأعلن أنَّه تخلِّى عن كلِّ شيء »لأعرفه (= أي المسيح) وقوَّة قيامته، وشركة آلامه، متشبِّهًا بموته، لعلّي أبلغ إلى قيامة الأموات« (فل 3: 10-11). وإذ عرف أهل رومة الآلام فوجب عليهم الصبر والجهاد (عب 10: 32)، قدَّم لهم الرسول وجه المسيح المتألِّم. ذكر »ألم الموت« (عب 2: 9) لأجل كلِّ واحد منّا. أمّا كمال الخلاص فلا يكون إلاَّ بالآلام (آ10). فإذا كان يسوع امتُحن وتألَّم، فلكي يستطيع أن يكون بقربنا، ويعيننا (آ18). وتتلاقى هذه الرسالة مع الرسالة إلى فيلبّي في كلام عن الطاعة. فالابن »في أيّام جسده (حين كان في اللحم والدم، sarx، خلال حياته البشريَّة) قدَّم بصراخ شديد ودموع، طلبات وتضرُّعات للقادر أن يخلِّصه من الموت، سُمع له من أجل تقواه (مخافته وارتهابه وخضوعه). ومع أنَّه الابن تعلَّم الطاعة بما به تألَّم، وإذ كمُلَ صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبديّ« (عب 5: 7-9). أجل، كمل يسوع بالآلام، لأنَّ هذه الآلام تقود إلى المجد والقيامة. أما هكذا قال لوقا تلميذ بولس لتلميذَيْ عمّاوس: »كان ينبغي على المسيح أن يتألَّم هذه الآلام ويدخل في مجده« (24: 26). والابن »الذي وضع نفسه وأطاع حتّى الموت والموت على الصليب، رفعه الله« (فل 2: 8). وهنا يرد الكلام عن القيامة مع صيغتين: إمّا الله أقام ابنه، وإمّا الابن قام بقدرته الإلهيَّة. »نحن نؤمن بمن أقام يسوع ربَّنا من بين الأموات، الذي أُسلم من أجل خطايانا وأقيم لأجل تبريرنا« (رو 4: 24-25). جاءت صيغة المعلوم: الله أقام. وصيغة المجهول أي المجهول الإلهيّ، حيث نتحاشى الكلام عن ذكر الله الفاعل. »أقيم«، أي الله أقامه. وحين الكلام عن المعموديَّة تُذكَر القيامة: »كلُّ من اعتمد يسوع المسيح اعتمد لموته، فدُفنّا معه بالمعموديَّة للموت، حتّى كما أُقيم المسيحُ من الأموات بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضًا في جدَّة الحياة، لأنَّه إن كنّا صرنا متَّحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته« (رو 6: 4-5). والصيغة الثانية: قام egeirô التي جاءت في قانون الإيمان. لمَّا سئل بولس عن قيامة الموتى، عاد إلى التقليد الرسوليّ وتكلَّم عن المسيح كلامًا نتلوه في جماعاتنا: »المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنَّه دُفن، وأنَّه قام في اليوم الثالث حسب الكتب« (1 كو 15: 3-4). فإذا كان الله أقام ابنه لأنَّه الله، فالابن قام بقدرته لأنَّه الله، ومثلُ هذه القيامة تسند قيامتنا. لهذا قال الرسول بعد جدال: »قام المسيح من بين الأموات وصار باكورة الراقدين« (آ20). ولماذا كلُّ هذه المسيرة من نزول من السماء katabainô وصعود anabainô »لأجلنا ولأجل خلاصنا«؟ ذاك ما أعلنه النؤمن الذي ذكر بيلاطس البنطيّ كما سبق وذكره بولس الرسول حين كتب إلى تلميذه تيموتاوس (1 تم 6: 13: المسيح يسوع شهد لدى بيلاطس) جاءت ألفاظ بولسيَّة: خلاصنا، تبريرنا، الفداء، التكفير. قرأنا في الرسالة إلى رومة لفظ »تبرير« dikaiosynê. فهو التبرير يرتبط بالقيامة. نحن نبرَّر لأنَّنا نشارك منذ الآن في حياة المسيح القائم من الموت. كنّا خطأة فصرنا أبرارًا. مات المسيح من أجلنا يوم كنّا خطأة وهكذا نلنا الخلاص والمصالحة. كنّا معادين لله، وها هو الله يصالحنا بموت ابنه. ومع التبرير الفداء apolytrosin. نقرأ هذا اللفظ في الرسائل البولسيَّة، ما عدا مرَّة واحدة في إنجيل لوقا (21: 28). بما أنَّ الجميع خطأة، فهم يبرَّرون مجّانًا بنعمة الله »بالفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدَّمه الله كفّارة بدمـه...« hilastêrion. فهذا الفداء الذي لنا بدم يسوع أي غفران الخطايا، نلناه يوم العماد (أف 1: 7)، فخُتمنا به (أف 4: 30) لينزع منّا »كلَّ مرارة وسخط وغضب« ويجعلنا »لطفاء بعضنا مع بعض« (أف 4: 31-32). فالمسيح يفتدينا من لعنة الشريعة (غل 3: 13)، كما يفتدي الذين هم تحت الشريعة (غل 4: 5). فشريعة المسيحيّ هي المسيح. فالمسيح هو الفدية antilytron، وهو الذي بذل نفسه لأجل الجميع (1تم 2: 6) هذا ما يعود بنا إلى الأناجيل وكلام يسوع ردٌّا على الرسل الذين يتزاحمون على المراكز الأولى: »فابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدم، وليَبذل نفسه فدية عن كثرين« (مت 20: 28؛ مر 10: 45). تحدَّث بولس عن المسيح »الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا« (تي 2: 14)، وأوضح بطرس: »افتُديتم لا بأشياء تفنى، بفضَّة أو ذهب... بل بدمٍ كريم، كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح« (1 بط 1: 18-19). حين »دفع« الربُّ الفدية، نجّانا من عبوديَّة الخطيئة، فما عدنا نمتلك نفوسنا، بل صرنا لله، بعد أن اشتُرينا بثمن (1 كو 6: 20). بعد أن صرنا »عبيدًا« للمسيح، لماذا نريد أن نصير »عبيدًا للناس«؟ (1 كو 7: 22-23). نحن صرنا أبناء، بالغين، فلماذا نريد أن نبقى قاصرين يقودنا »عبد« يكون وصيٌّا علينا ووكيلاً (غل 4: 2)، ولماذا فعل يسوع كلَّ ما فعل من أجل البشر؟ لأنَّه أحبَّنا غاية المحبَّة (يو 13: 1) وقال: »ما من حبٍّ أعظم من حبِّ من يبذل نفسه من أجل أحبّائه« (يو 15: 13). وفي خطِّ هذا الكلام، كتب يوحنّا رسالته الأولى المبنيَّة على المحبَّة: »الله محبَّة. بهذا أُظهرت (المجهول الإلهيّ) محبَّة الله فينا، أنَّ الله أرسل ابنه الوحيد إلى العالم لكي نحيا به. في هذا هي المحبَّة: ليس أنَّنا نحن أحببنا الله، بل هو أحبَّنا وأرسل ابنه كفّارة لخطايانا« (4: 8-10). الخاتمة ذاك هو تعليم الكنيسة عن يسوع المسيح، كما أعلنه الآباء في نيقية وفي القسطنطينيَّة. ونحن أوجزنا »قانون الإيمان« حول الابن في ثلاث محطّات: يسوع هو الربّ، هو الله وابن الله. وأخيرًا هو الكلمة المتجسِّد الذي قاد تدبير الله إلى كماله. واستندنا في كلامنا إلى القدّيس بولس، دون أن ننسى مراجع أخرى من العهد الجديد. ولماذا التشديد على الرسائل البولسيَّة الأربع عشرة بعد أن كان الشرق المدافع الرئيسيَّ عن الرسالة إلى العبرانيّين وارتباطها ببولس؟ لأنَّ بولس قدَّم لنا أوَّل نصوص العهد الجديد التي نمتلكها، فجاءت رسائله سابقة لتدوين الأناجيل. كما أنَّه أخرج تعليم يسوع من إطار ضيِّق هو الجليل أوَّلاً ثمَّ اليهوديَّة، فأوصله إلى رحب العالم، وما حصر كلام الإنجيل في لهجة من لهجات هذا الشرق، بل دوَّن البشارة في لغة عالميَّة مثل اليونانيَّة، فوصل الإنجيل اليوم إلى أكثر من ألفي لغة ولهجة في عالمنا. ونتساءل: من أين نال بولس كلَّ هذه المعرفة عن يسوع؟ حين عاش مع الجماعات المسيحيَّة المنتشرة في دمشق وحوران وشرق الأردنّ. فعلومه الرفيعة، ومعرفته بالكتب المقدَّسة وطرق التفسير، وعبقريَّته الفذَّة قدَّمت لنا أسس اللاهوت المسيحيِّ الذي استقت منه المجامع المسكونيَّة وما زلنا نحن نستقي منه لكي نتعرَّف إلى ربِّنا وإلهنا يسوع المسيح الذي له المجد الآن وإلى دهر الدهور. |
||||
05 - 04 - 2024, 09:49 AM | رقم المشاركة : ( 156549 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يسوع المسيح في اللاهوت البولسيّ بعد صعود يسوع المسيح إلى السماء وانطلاقة الكنيسة، بدأ التساؤل حول هويَّة يسوع المسيح. وبرزت سريعًا الهرطقات التي نجد ردٌّا عليها في العهد الجديد. قال يوحنّا في إنجيله: »والكلمة صار بشرًا وسكن بيننا« (1: 14). أي من لحم ودم sarx. وفي رسالته الأولى: »كلُّ روح يعترف أنَّ يسوع جاء في (جسم) بشريِّ، في اللحم (والدم)، يكون من الله، وكلُّ روح لا يعترف بـ homologei... أو بالأحرى: كلُّ روح يقسم luei (اليونانيَّة) solvit (اللاتينيَّة) يسوع، يمزِّق يسوع، لا يكون من الله« (4: 2-3). وتحدَّثت رسالة يوحنّا الثانية عن المضلِّلين الذين »لا يعترفون بمجيء يسوع المسيح في (جسم بشريِّ)، في اللحم (والدم)« (آ7). هي ردَّة فعل من قبل الفكر الهلِّينيِّ المطبوع بالثنائيَّة والمهتم بالحفاظ على تعالي اللاهوت بالنسبة إلى المادَّة وعلى لافساديَّته. فالمسيح الكائن الروحيُّ لا يمكن أن يأتي في اللحم والدم sarx، بل هو روح اتَّخذ ظاهر »الجسم البشريّ«. هنا بذور الفكر الغنوصيِّ مع تلاميذ ولنطين ومرقيون، الذي ردَّ عليه إيرينه وترتليان في تشديد على وحدة المسيح في انضمام اللوغوس الإلهيِّ والساركس أو العنصر البشريِّ. وفي خطِّ الغنوصيَّة عينها، اعتُبر يسوع أدنى من الملائكة لأنَّه اتَّخذ جسمًا بشريٌّا. فقدَّمت الرسالة البولسيَّة إلى العبرانيّين البراهين على سموِّ الابن، موردةً عددًا من نصوص العهد القديم. وأنشدت الرسالة إلى كولوسّي ذلك »الذي به خُلق كلُّ شيء في السماوات وفي الأرض، ما يُرى وما لا يُرى، أأصحاب عرش كانوا أم سيادة أم رئاسة أم سلطان« (1: 16). الملائكة هم خدَّام، أمّا يسوع فهو الابن. كما أطلَّت هرطقة تعلن أنَّ يسوع صار ابنًا لله ساعة عماده في الأردنِّ. ونتذكَّر هنا بعض الأسماء مثل بولس الشميشاطيّ وصولاً إلى أريوس ذاك الآتي من ليبيا إلى الإسكندريَّة، والذي علَّم أنَّ ابن الله أدنى من الآب، مُبرزًا تراتبيَّة الوظائف داخل الثالوث الأقدس، ثمَّ أونوميوس الذي ردَّ عليه آباء الكنيسة في أنطاكية والكبادوك. في وجه كلِّ هذه التيّارات، أُعلن قانون الإيمان النيقاويِّ القسطنطينيِّ الذي وجد جذوره في الرسائل البولسيَّة. ونحن نقدِّم مطالعتنا في ثلاث محطّات: يسوع المسيح هو الربّ. يسوع المسيح هو ابن الله، هوموأوسيوس. فالابن والآب هما من جوهر واحد. وأخيرًا، يسوع المسيح هو الكلمة المتجسِّد »الذي لأجلنا نحن البشر، ولأجل خلاصنا، نزل وتجسَّد وتأنَّس وتألَّم وقام في اليوم الثالث« كما قال مجمع نيقية المنعقد سنة 325، أو كما يقول مجمع القسطنطينيَّة الأوَّل المنعقد سنة 381: »الذي لأجلنا نحن البشر ولأجل خلاصنا، نزل من السماوات وتجسَّد من الروح القدس ومن مريم العذراء، وتأنَّس، وصُلب عنّا على عهد بونتيوس بيلاطس، وتألَّم ودُفن. وقام في اليوم الثالث بحسب الكتب...«. |
||||
05 - 04 - 2024, 09:50 AM | رقم المشاركة : ( 156550 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يسوع المسيح هو الربُّ اعتادت الرسائل البولسيَّة أن تذكر في بدايتها الله الآب والربَّ يسوع المسيح. ففي الرسالة الأولى إلى كورنتوس نقرأ: »عليكم النعمة والسلام من الله أبينا والربِّ يسوع المسيح« (1: 3). وتتكرَّر العبارة عينها في الرسالة الثانية إلى كورنتوس (1: 2) وفي الرسالة إلى أفسس (1: 2). ونشير إلى أنَّ لفظ »الربّ« kyrios في كلام عن الربِّ يسوع يرد مرّات ومرَّات في الرسائل البولسيَّة. ففي الرسالة إلى رومة وحدها نقرأ العبارة عشرين مرَّة تقريبًا، ولا نقول شيئًا عن سائر الرسائل. هذا ما أتاح لآباء المجمع في نيقية أن يقولوا: »وبربٍّ واحد يسوع المسيح«. ماذا تعني كلمة الربّ kyrios؟ هذا الموصوف اليونانيّ kyrios تكوَّن في القرن الرابع ق.م. انطلاقًا من الصفة التي صارت موصوفًا to kyrios: سيِّد فلان أو فلانة، من له سلطة، السلطان. مثلاً، سيِّد المدينة. وتوسَّع المعنى: السيِّد، مالك العبد، مالك البيت. وما عتَّم هذا اللفظ أن اتَّخذ المدلول الدينيّ: فالإله هو الربُّ kyrios. وما نلاحظ في الشرق هو أنَّ الملك يُدعى الربَّ والإله. ذاك ما قيل عن بطليمس الثالث عشر (51-47 ق.م.): الربُّ الملك الإله. ودُعيَ بطليمس الرابع عشر (47-44 ق.م.) مع امرأته كليوبترا kyrioi theoi megisthoi الربّان الإلهان العظيمان جدٌّا. وفي رومة أُلِّه الإمبراطور. فدُعيَ أوغسطس سنة 12 ق.م. theos kai kyrios kaisar autocrator: الإله والربّ القيصر الحاكم بأمره. وحافظ خلفاؤه على اللقب kyrios وخصوصًا نيرون Kyrios Nero. ومن خلال هذا، نجد الكلام عن العظمة والجلالة وارتباط بالمسكونة oikoumené. هنا نفهم ما قاله لوقا في مقدِّمة خبر ميلاد الربِّ يسوع: »وفي تلك الأيّام صدر أمرٌ من أوغسطس قيصر بأن يُكتَب كلُّ المسكونة« (2: 1). الثورة الأولى بدأت مع الترجمة اليونانيَّة المدعوَّة السبعينيَّة. ما استعملت كيريوس فقط في المعنى العاديِّ والمعروف: سيِّد البيت (قض 19: 22-23) أو الثور (خر 21: 28-29) أو بئر (خر 21: 34)، بل ترجمت المربَّع الإلهيَّ (ي هـ و ه)، بحيث إنَّ إله موسى هو »الربّ« kyrios. قال المزمور 68: 5: اسمه الربّ kyrios onoma autô (مز 148: 13). والله قال عن نفسه: »يعرف المصريّون أنّي أنا الربّ« egô eimi kyrios. وهكذا يصاغ لاهوت بالنظر إلى سيادة هذا الإله القدير والمتسامي، الذي يجب أن يخافه الإنسان ويحبَّه. عرشُه في السماوات (مز 103: 19؛ سي 1: 8). هو »العليُّ على كلِّ الأرض« kyrios hypsistos (مز 97: 9؛ سي 16: 1؛ دا 2: 19)، ومجده يدوم إلى الأبد (خر 16: 7، 10؛ عد 14: 10). إله الشعب العبرانيِّ هو الربُّ الملك، الربُّ الذي يملك إلى الدهر والأبد« (خر 15: 18؛ مز 146: 10). هو الربُّ والله (إر 31: 18؛ با 2: 27؛ 3: 6). هو »الربُّ وإله الآلهة« (مز 50: 1؛ 95: 3؛ 96: 4). وقال المرتِّل: »أنا عرفتُ أنَّ الربَّ عظيم megas، وربُّنا فوق جميع ِpara pantas الآلهة« (مز 135: 5). في الإسكندريَّة بآلهتها المتعدِّدة ومعابدها، أعلن الكتاب المقدَّس أنَّ الله هو الربُّ المتسامي، المتعالي، وهو وحده الله في العالم. والثورة الثانية قام بها بولس الرسول في أوَّل ما نعرف من كتب العهد الجديد. فأعطى لقب الربِّ ليسوع المسيح. ففي سنة 51، دوَّن الرسالة الأولى إلى تسالونيكي فكتب: »بولس وسلوانس وتيموتاوس، إلى كنيسة التسالونيكيّين، في الله الآب والربِّ يسوع المسيح« kai kyrio Iesou Christô. ثمَّ أضاف العبارة عينها في الآية ذاتها: »نعمة لكم وسلام من الله أبينا والربِّ يسوع المسيح« (1 تس 1: 1). وعاد وقال في آ3: »نذكر أمام إلهنا وأبينا ما أنتم عليه بربِّنا يسوع المسيح«. بالنسبة إلى الشعب اليهوديِّ، أعلن بولس أنَّ يسوع هو كيريوس، هو يهوه، الإله الذي هو. أو كما قال اليونان: الكائن. أنا هو »الكائن« egô eimi hô ôn. ممّا يعني المساواة التامَّة بين ما قيل عن الله وما يُقال عن يسوع المسيح. سوف يقول »النؤمن«: إله من إله، نور من نور، إله حقٌّ من إله حقٍّ«. رفض الشعب اليهوديُّ أن يعلن يسوع عن نفسه أنَّه »الله«، وأرادوا أن يرجموه أكثر من مرَّة. مرَّة أولى، قال لهم يسوع: »الحقَّ أقول لكم: قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن« (يو 8: 58). أو: أنا هو. وماذا كانت ردَّة الفعل: »رفعوا حجارة ليرجموه«. ومرَّة ثانية قال: »أنا والآب واحد« (يو 10: 31). فجاؤوا بحجارة ليرجموه. وبولس شدَّد على أنَّ يسوع هو الملك الإلهيّ والمسيح الآتي من أجل خلاص البشر. لهذا كتب تلميذه القدّيس لوقا موردًا كلام الملاك: »وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلِّص هو المسيح الربُّ« sôter hos estin christos kyrios (2: 11). وطرح الشعب الرومانيُّ: من هو الربُّ وسيِّدُ المسكونة؟ هل هو الإمبراطور؟ وجاء الجواب: كلاَّ. ففي مشهد الميلاد، الطفل الإلهيُّ هو سيِّد المسكونة، لا ذاك الذي اعتبروه حاملاً السلام على الأرض بعد الحروب العديدة التي خاضها. حامل السلام هو ذاك الذي أنشده الملائكة: »المجدُ لله في العلى وعلى الأرض السلام« (آ14). والله أراد أن يجمع في ابنه »في المسيح كلَّ شيء، ما في السماوات وما على الأرض« (أف 1: 10). وقال بولس في الأولى إلى تيموتاوس: »صادقة هي الكلمة ومستحقَّةٌ كلَّ قبول أنَّ المسيح يسوع جاء إلى العالم ليخلِّص الخطأة الذين أوَّلهم أنا«. أجل، لخلاص العالم كلِّه. وفي هذا نقرأ إنجيل يوحنّا: »هكذا أحبَّ الله العالم حتّى بذل ابنه الوحيد« (يو 3: 16). وبما أنَّنا في الإطار اليوحنّاويّ، نلاحظ هذا الصراع بين المسيحيّين الذين يعلنون يسوع كيريوس، الربَّ، وبين السلطة الرومانيَّة التي تعتبر الإمبراطور هو كيريوس الذي يجب أن يُخضع له الجميعُ ويسجد ويقدِّم البخور. فمنذ بداية سفر الرؤيا يرد فعل إيمان بالمسيح: »هوذا يأتي مع السحاب (كابن الإنسان، دا 7: 13؛ مت 24: 30)، وستنظره كلُّ عين، والذين طعنوه (يو 19: 34)، وينوح عليه جميع قبائل الأرض (زك 12: 10، 14). أنا الألف والياء (أي البداية والنهاية، مخطوط جبل أتوس، القرن التاسع)، قال الربُّ الإله، الكائن والذي كان والذي يأتي، القادر على كلِّ شيء« (1: 7-8). ماذا بقي لأوغسطس الذي وُلد سنة 63 ق.م. وتوفِّي سنة 14 ب.م. والذي حكم من سنة 27 ق.م. إلى سنة 14 ب م؟ له بداية وله نهاية. ثمَّ إنَّ قدرته تقف عند حدٍّ من الحدود، أمّا الابن فلا حدود لسلطانه .pantokrator لهذا دعاه سفر الرؤيا: ملك الملوك وربُّ الأرباب (19: 16) basileus basilôen kai kyrios kyriôn. وسبق وقال: »ملك الربِّ الإله القادر على كلِّ شيء« (آ6). وربط سفر الرؤيا كلامه بما قيل عن »يهوه« في ترجوم العهد القديم، الذي هو من الأزل إلى الأبد: »الكائن والذي كان والذي يكون« فيسوع هو »الذي يأتي« erchomenos ممّا يدلُّ على المجيء الثاني. »يهوه« العهد القديم هو يسوع المسيح، الربّ. وكيريوس، اسم الإمبراطور، صار اسم يسوع المسيح، الحمل الوديع، »ربُّنا الذي صُلب« (رؤ 11: 8) وقيل عنه: »صارت ممالك العالم لربِّنا ومسيحه فيملك إلى أبد الأبدين« (آ15). نلاحظ صيغة المفرد »يملك«، لا المثنّى: فما يعمله الآب يعمله الابن أيضًا، كما قال يوحنّا (يو 5: 19). وأخيرًا، يسوع المسيح هو وحده الربُّ تجاه »أرباب« مزعومين. قال الرسول إلى أهل كورنتوس: »يُوجَد آلهة كثيرون وأرباب كثيرون« (1 كو 8: 5). هم يُسمَّون هكذا، يُقَال عنهم. فمن هم هؤلاء الكثيرون؟ آلهة الوثنيّين وأبطالهم. وفي أيِّ حال، سوف يدعوهم الرسول: الشياطين: »ما يذبحه الأمم (للأوثان) إنَّما يذبحونه للشياطين« (1 كو 10: 20). تجاه هذا الاعتقاد في العالم اليونانيّ، أعلن الرسول إيمان الكنيسة: »أمّا نحن فلنا إله واحد، الآب الذي فيه جميع الأشياء، ونحن له، وربٌّ واحد، يسوع المسيح الذي به جميع الأشياء ونحن له« (1 كو 8: 6). ما قيل عن الآب قيل عن الربِّ يسوع: واحد heis. ثمَّ ta panta (كلُّ الأشياء) هي للآب والابن. فالآب خلق كلَّ شيء بالابن، على ما نقرأ في الرسالة إلى كولوسّي: »به خُلق كلَّ شيء« (1: 16). بربِّنا يسوع المسيح لنا السلام مع الله بعد أن تبرَّرنا بالإيمان (رو 5: 1). آمنّا، تعلَّقنا بالربِّ، غابت العداوة بيننا وبين الله، فعرفنا السلام مع الله وملء البركات، بيسوع صار لنا الدخول إلى النعمة والثبات فيها، بانتظار المجد الذي نرجوه منذ الآن (آ2). فلم يبقَ مجال للخوف ولا للارتياب، بل نحن »نفتخر بربِّنا يسوع المسيح الذي نلنا به الآن المصالحة« (آ11). في الماضي، ملكت الخطيئة وحملت إلينا الموت، أمّا الآن فلنا النعمة والحياة وكلُّ هذا »بيسوع المسيح ربِّنا« (آ21). ويُفهمنا الرسولُ دور الربِّ في عبورنا من الموت إلى الحياة في هذه الرسالة عينها: »احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطيئة ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربِّنا« (رو 6: 11). في الماضي، كانت أجرة الخطيئة الموت، أمّا الآن »فهبة الله حياة أبديَّة بالمسيح ربِّنا« (آ23). في هذا الإطار نفهم أنَّ الخلاص يرتبط بالاعتراف بيسوع المسيح. »فإن اعترفتَ بفمك بالربِّ يسوع، وآمنتَ بقلبك أنَّ الله أقامه من بين الأموات، خلصت« (رو 10: 9). والرسالة إلى تيطس تعلن في بدايتها: »نعمة ورحمة وسلام من الله الآب والربِّ يسوع المسيح مخلِّصنا« (1: 4). أجل، الربُّ يسوع »خلَّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس الذي سكبه بغنى علينا« (تي 4: 5-6). |
||||