منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30 - 03 - 2024, 02:14 PM   رقم المشاركة : ( 156091 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,338

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




فافرحوا أنتم وابتهجوا

فيلبّي مدينة في مكدونية (اليونان). أقام فيها قدامى الجيش الرومانيّ. جاء إليها بولس مع سيلا ومع تيموتاوس من آسية الصغرى، بعد أن عبروا البحر الذي يرمز إلى قوى الشرِّ التي تحاول أن تمنع انتشار الرسالة. يوم السبت راح بولس إلى اليهود. لا مجمع لهم. ولكنَّهم يُصلُّون بجانب النهر. هناك بشَّرهم بالمسيح. فآمنت تاجرة كبيرة اسمها ليدية، واعتمدت هي وأهل بيتها. وفي بيتها كانت تجتمع الكنيسة. أرسل بولس هذه الرسالة من أفسس حيثُ كان مسجونًا، ومهدَّدًا بالموت، ومع ذلك دعاهم إلى الفرح، الذي يسيطر في هذه الرسالة حيث نقرأ 2: 14-18.

اعملوا. حياة مسيحيَّة بدون عمل لا قيمة لها. محبَّتنا لا تكون بالقول والكلام بل بالعمل والحقّ. والفرّيسيّ سأل يسوع معلومات، فقال له: اذهب واعمل. أمّا العمل فيكون في الفرح، لأنَّ الربَّ يحبُّ المعطي الفرحان. وعكس هذا الفرح: التذمُّر أوَّلاً، التشكّي، لا شيء يرضينا. نحن عملنا هذا وهذا. يكفي. ليفعل غيرنا. ولكن إذا أعطاك الله خمس وزنات، هل يحقُّ لك أن تردَّ له وزنة أو وزنتين؟ ومع التذمُّر الخصام. وعدم الاتِّفاق، فلا نعمل بعضنا مع بعض، بل الواحد ضدَّ الآخر. والنتيجة دمار الكنيسة.

أنقياء بلا لوم. طوبى لأنقياء القلوب، قال لنا يسوع. لا غشَّ عندهم ولا كذب. هم مثل القطيع الصغير الذي أراد الآب أن يعطيه الملكوت. لا لوم عليكم. ومن الذي يجرؤ أن يلومنا؟ كلُّ واحد حين لا نحمل إليه الإنجيل. طلب الأبناء الخبز وما أعطاهم أحد! قال الرسول: تكون خدمتنا بلا لوم، بلا عيب، لأنَّنا نمثِّل يسوع المسيح. فإذا كنّا في عالم ضالّ، هل نضلُّ نحن أيضًا فنشبه الأعمى الذي يقود أعمى؟ وإذا كان العالم فاسدًا، هل نزيده فسادًا على فساد؟ بل نضيء شمعة في قلب الظلمة، بحياتنا وأعمالنا، فيرى الناس نورَ المسيح من خلالنا. بل أراد لنا يسوع أكثر من ذلك: أن نضيء مثل الكواكب. ولكن يقول لنا الربّ: احذر أن يكونَ النور الذي فيك ظلامًا، فتقود الناس إلى الشرِّ لا إلى الخير!

فرحتُ وابتهجتُ. ما هذا الرسول المستعدُّ لأن يُسفَك دمه؟ ما هذا الرسول المستعدُّ أن يكون ذبيحة على مثال الربِّ يسوع؟ هو تعبَ ويريد أن يرى ثمر تعبه في هذه الكنيسة. حين كان هناك، هنَّأهم على الثمار. أتُرى يتبدَّلون في غيابه؟ يرجو أن يلبثوا في الطاعة للرسول وبالتالي لمن أرسله يسوع المسيح. ذاك هو فرحه. أمّا المنفعة الشخصيَّة، الافتخار الفارغ والتبجَّح، فلا موضع لها عند الرسول. وهو يريد لهذا الفرح أن ينتقل من قلبه ليصل إلى قلوب المؤمنين. افرحوا معي. ونحن نفرح ونجعل الفرح الذي في قلبنا يشعل قلب إخوتنا وأخواتنا. فهل نحن مستعدُّون أن نكون تلك النار التي جاء المسيح يشعلها؟
 
قديم 30 - 03 - 2024, 02:22 PM   رقم المشاركة : ( 156092 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,338

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





تسلكون كما يحقُّ للربِّ ويرضيه

كولوسّي مدينة صغيرة، في تركيّا الحاليَّة وقريبة من أفسس. جاء معلِّمون يقولون: بما أنَّ المسيح أخذ جسدًا، صار أقلَّ من الملائكة الذين هم أرواح بلا جسد. وبالتالي يقتصر عمله على الأرض فقط. فقال الرسول بولس : يسوع هو صورة الله الذي لا يُرى. به خُلق كلُّ شيء، ما يُرى وما لا يُرى. فلماذا العودة إلى التفكير الوثنيّ الذي يحسب الجسد شرٌّا، مع أنَّ الله خلقه وخلقه حسنًا، والذي يمنع الناس عن بعض الأطعمة مع أنَّها كلَّها مخلوقة من أجلِ الإنسان، وهي حسنة لأنَّها خرجت من يد الله. لهذا كانت قراءة كو 1: 9-14.

الله يملأكم. لا مجال لطلب الأمور المادِّيَّة، فالله ذاك الأب الحنون، يعطينا إيّاها قبل أن نسأله، بل الأمور الروحيَّة.

أوَّلاً: معرفة مشيئته. ماذا يشاء الله، ماذا يريد لنا؟ أن نكبر، أن ننمو، بل هو يعمل معنا وفينا. فإذا عرفنا مشيئته، وضعْنا يدنا بيده. والمعرفة لا تكون بالعقل فقط، بل بالقلب. فنحن نلتصق بمشيئته ولا نتخلّى عنها أبدًا.
ثانيًا: الحكمة. أي حسن التصرُّف. هناك الحكمة البشريَّة الباحثة عن منفعتها. وحكمة الصليب التي هي محبَّة وبذل وعطاء.
ثالثًا: الفهم الروحيّ. هناك فهم بشريّ يبقى على مستوى البشر وقد نستعمله استعمالاً سيِّئًا، لا سمح الله. أمّا إذا الروح أعطانا الفهمَ، فمعرفتنا تمضي إلى عمق الأشياء ولا تبقى على سطحها.

حتّى تسلكوا. الله يعطينا المواهب لكي ننمِّيها. لكي نعيش كما هو يريد. نسلك بحسب الربّ. نمشي وراء يسوع ولو طُلب منَّا أن نحمل صليبنا ونتبعه. يقول يسوع: تعلَّموا منّي. فإذا تعلَّمنا من يسوع كما يقول في الإنجيل ويعيش، لا خوف أن نضيع. قال يسوع: من يتبعني لا يمشي في الظلام بل يكون له نور الحياة. حتّى تثمروا. فالشجرة التي لا تثمر تُقطَع وتُلقى في النار. نكون مع المسيح كما الغصن في الكرمة فنثمر. حتّى تنموا. إذا كان يسوع ينمو، فكم يجب علينا نحن أن ننمو! لا في الخارج فقط، وهذا أمر نشكر الله عليه، بل في الداخل، في معرفة الله. هنا نلتقي بالقدّيس شربل وهذه الصلاة العميقة التي جعلته حيٌّا إلى الآن مع أنَّه توفِّي في الجسد منذ قرن ونيِّف.

هو نجّانا. ذاك هو عمل المسيح. كنّا في الظلام (الخطيئة، الموت)، فصرنا في النور. كنّا في ملكوت الشرِّ مع »أركون هذا العالم« بأعمالنا السيِّئة، فانتقلنا إلى الملكوت حيثُ الله هو الكلُّ في الكلِّ. وأخيرًا، كنّا مباعين للشرِّ ويمكن أن نبقى اليوم، مباعين لعوائدنا السيِّئة، فافتدانا يسوع. اشترانا. غفر لنا الخطايا وقال لنا كما قال للزانية: اذهبي ولا تعودي إلى الخطيئة.
 
قديم 30 - 03 - 2024, 02:29 PM   رقم المشاركة : ( 156093 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,338

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





ذاع خبرُ إيمانكم

بشَّر بولس تسالونيكي، عاصمة مكدونية، بعد فيلبّي. ولكنَّه أُجبر على ترك المدينة سريعًا بسبب اضطهاد اليهود له. فخاف أن يكون »المجرِّب« اقتلع حبَّة القمح التي زُرعت في تلك الأرض الوثنيَّة. لهذا ما إن وصل إلى كورنتوس حتّى كتب هذه الرسالة إلى كنيسة تسالونيكي، وذلك سنة 51-52. هم بضعة مسيحيّين ومع ذلك، هم يُؤلِّفون كنيسة. فيها النجاح والفرح كما فيها الصعوبات. فلا بدَّ من تشجيع المؤمنين وإيضاح الأمور المتعلِّقة بإيمانهم. فجاءت 1 تس 1: 4-9.

نعرف. هي معرفة آتية عن خبرة مع الربّ. فالاختبار يظهر في الطريقة التي فيها نتقبَّل كلام الربّ. الله يدعو الجميع ولا يستبعد أحدًا من دعوته وندائه. ولكن يمكن أن يكون النداء مثل غيمة في شهر شباط فلا ترسل مطرًا. ونحن قد يدعونا الربُّ ونحن لا نجيب. لا نسمع، لا نفتح الباب. فنكون في الخارج مثل يهوذا الذي ترك الاثني عشر أو مثل الابن الأكبر الذي توسَّل إليه أبوه فرفض أن يدخل. كان خارج الوليمة والفرح والنور لأنَّه رفض الدعوة، فرُذل كما رُذل عيسو بعد أن باع بكريَّته بصحن من الطبيخ.

تعرفون. كما اختبر الرسول اختبر المؤمنون. البشارة وصلت إليهم. الخبر الطيِّب. الخبر المفرح. هكذا فعل الملائكة: أبشِّركم بفرح عظيم. وامتلأ قلب الرعاة بهذا الفرح فمضوا يخبرون بما سمعوا وشاهدوا. وهكذا نحن وأهل تسالونيكي. وهذه البشارة ليست فقط كلامًا، مثل أخبار هؤلاء الفلاسفة الجوّالين. يتكلَّمون، يخطبون، يجمعون بعض المال ويتركون المدينة إلى مدينة أخرى. كلام يدخل في الأذن ويخرج من الأذن. ولكن كلمة الرسول هي حيَّة. تنطلق من القلب لتصل إلى القلب. وهي فاعلة. لأنَّ القوَّة من الله لا منّا. فما هي كلام بشر وإن كان البشر هم الذين يحملونها. بل يطلقها الروح القدس بأفواهنا بحيث لا يكون تردُّد: هل هي صحيحة أم لا؟ هل هي كلام فارغ يجعلنا أمام الحائط المسدود؟ عرفتم أنَّها اليقين التامّ فتعلَّقتم بها وما تركتموها بالرغم من الاضطهاد الذي نالكم.

خبر إيمانكم. إيمانكم بدا كالنور الذي يوصل إلى البعيد. أو كالنار التي تشعل حولها وتشعل، ولا سيَّما إذا غذَّيناها بمحبَّتنا وبإيماننا. فالخطب الطنّانة الرنّانة لا تمضي بنا بعيدًا، وفي النهاية نمجُّها. أهل تسالونيكي تركوا عالمًا والتحقوا بعالم آخر. تركوا الأوثان، الأصنام التي كانوا يعبدونها، يقبِّلونها ويطلبون منها الصحَّة والخيرات وغلال الأرض. تركوا »الآلهة« وتعلَّقوا بالإله الواحد. تركوا الأصنام الميتة وعبدوا الإله الحيّ. مسكين الإنسان الذي يتعلَّق بالحجر وبالخشب، أو باللحم والدم. وحده الحيُّ يكون قرب الأحياء. وعبدوا الإله الحقّ. مرّات كثيرة يكذبون علينا بالكلام وبأمور أخرى عديدة فنمضي وراءهم مثل عبّاد البعل في زمن إيليّا، الذين نسوا أنَّ الربَّ وحده هو الإله.
 
قديم 30 - 03 - 2024, 02:32 PM   رقم المشاركة : ( 156094 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,338

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





عند ظهور ربِّنا

الرسالة الثانية إلى تسالونيكي تبدو معارضة للرسالة الأولى. في الأوَّلى، انتظر المؤمنون مجيء الربِّ الذي اعتبروه قريبًا. فتساءلوا: ما هو مصير الذين ماتوا قبل عودة الربِّ ومجيئه الثاني. وفي الثانية، اعتبروا أنَّ المسيح جاء وما انتبهوا إلى مجيئه. لهذا لا يبقى لنا شيء ننتظره. فلماذا العمل ولماذا لا نعيش في الكسل؟ ولماذا عمل الخير بعدُ، إذا كان يسوع لن يأتي ويجازي أحبّاءه؟ هي تجربة كبيرة نقع فيها. لماذا عملُ الخير؟ ماذا انتفعنا منه؟ هل الله يرانا ويجازي؟ والأغنياء الذين يظلموننا هم بألف خير! لهذا نقرأ 2 تس 1: 3-7.

نحمد الله. نشكره. ولماذا؟ بسبب هذه الجماعة الرائعة. هي نظرة تشجِّع ولا تهبط العزائم. هي نظرة الفرح لا البكاء والتباكي على الماضي بحيث نزرع اليأس في النفوس. لا مقابلة بين الماضي والحاضر: في الماضي، أمّا اليوم! مثل هذا الرجوع إلى الوراء يعني الموت. ماذا اكتشف الرسول؟ إيمان الجماعة. وكيف رآه؟ الكنيسة تنتشر وتنتشر، وعدد المؤمنين يتكاثر. ذاك ما كان يتحدَّث عنه القدّيس لوقا في سفر الأعمال. أمّا إذا كانت الجماعة لا تتطوَّر والأشخاص هم هم، فهذا يعني أنَّ الإيمان يموت أو هو مثل سراج يكاد ينطفئ. والمحبَّة التي جعلت اللامؤمنين يقولون: أنظروا كم يحبُّ بعضهم بعضًا. يا ليتنا نعيش مثلهم، ونكون معهم! وأخيرًا، الصبر أمام الشدائد. فالذين لا يعرفون أن يصبروا، هم أولئك الذين يريدون أن يمشوا وحدهم. بحيث لا يمسكون بيد الربّ. ثمَّ يرون أنَّهم سقطوا لأنَّهم استندوا إلى قصبة مرضوضة.

حكم الله العادل. في الكتاب المقدَّس يشتكي المؤمن إلى الله حين يرى الأشرار في نجاح وفي بحبوحة. حين يراهم يظلمون الآخرين ويأكلون مال اليتيم والأرملة، وهو لا يفعل شيئًا. أين هو؟ أغائب أو نائم أو هو غير راغب في التدخُّل؟ وانتبهَ المؤمنُ إلى خطئه فقال: كدتُ أغدر بجيل محبِّيك وأكون خائنًا لهم: أمّا هنا، فالكلام على الربِّ العادل. الذي يجازي كلَّ واحد بحسب أعماله على ما قال الرسول في الرسالة إلى رومة: بالحياة الأبديَّة لمن يواظبون على العمل الصالح، وبالويل والعذاب لمن يعمل الشرّ. نحن لا نرى هذا بعيوننا البشريَّة. ولكنَّنا متأكِّدون أنَّ الله يعرف أن يجازي.

يجازي بالراحة. أنتم الآن تتعبون، تحسُّون بثقل الأعمال. ولكن حين تمضون إلى يسوع فهو يريحكم. مع يسوع لن يعود الضيق ضيقًا، والصليب لا يبقى أداة عارٍ بل إشارة افتخار. ومتى يكون هذا؟ عند ظهور ربِّنا. في الدينونة التي تبدأ منذ الآن وتتواصل عند دخولنا في الأبديَّة. والنصُّ يشير إلى الدينونة حيث يجلس الربُّ مع ملائكته ويجمع الخراف مع الذئاب، الأبرار مع الأشرار. لهؤلاء يقول: ابعدوا عنّي. ولأولئك: تعالوا يا مباركي أبي.
 
قديم 30 - 03 - 2024, 02:40 PM   رقم المشاركة : ( 156095 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,338

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





الجندي الصالح

في رسالة أولى إلى تيموتاوس، تعرَّفنا إلى تنظيم الكنيسة في أفسس وفي سائر المدن، حيثُ يتصرَّف الأسقف (وكلُّ مسؤول) مثل الأب والأخ والابن للشيوخ والأمَّهات العجائز. في الرسالة الثانية إلى تيموتاوس، بدا بولس قريبًا من الموت. يبدو أنَّه في السجن، في رومة، وهو يرسل وصيَّته الأخيرة إلى ابنه الحبيب تيموتاوس، ويشجِّعه على المضيّ في حمل البشارة كشاهد للربِّ وكرسوله. وها نحن نقرأ معه 2 تم 2: 1-7.

يا ابني، كن قويٌّا. تلك هي علاقة الأب بأبنائه، وعلاقة الرسول بالذين تتلمذوا على يده وشاركوه في عمل البشارة. كن قويٌّا. يبدو أنَّ تيموتاوس كان بعدُ شابٌّا وما مارس بعد السلطة. فهو يحتاج إلى النعمة. وفي نهاية المقطع يقول المعلِّم للتلميذ: »الله يجعلك قادرًا«. أولاً تفهم الأمور في مناخ الكنيسة التي هي جسد المسيح بأعضائه المتنوِّعين والحاملين المواهب المختلفة الآتية من الروح الواحد. والقوَّة الضروريَّة هي من أجل العمل. وهي ضروريَّة للمحافظة على وديعة الإيمان، بالنسبة إلى الراعي كما بالنسبة إلى الرعيَّة التي أوكله بها. فيكون مِثل الراعي الصالح، لا مثل الأجير الذي لا يهمُّه أمر الخراف.

احتمال الآلام. الرسول يتألَّم وهو في السجن. وتيموتاوس المسؤول يتألَّم من أجل رعيَّته. الصعوبات أمامه. الشقاقات داخل الجماعة، الخصوم العديدون. وخصوصًا أنَّ بولس هو بعيد عنه وهو سيخسره بشكل نهائيّ. هذا يعني الجهاد بلا كلل لكي يستحقَّ »العاملُ« الإكليل المهيَّأ له. هذا يعني أنَّه يزرع لكي يحصد.

هو جنديّ. يضع حياته على كفِّه ولا يخاف الحرب. وسلاحه غير سلاح البشر. هو سلاح إلهي »قادر على هدم الحصون«. تلك هي قوَّة كلام الله. الجدال يسقط حالاً وتنكشف معرفة الله. وكلُّ فكر يفرح بأن يُؤسَر لكي يعيش في طاعة المسيح. وكلُّ سلاح غير هذا السلاح لا يكون لخير الكنيسة. سلاحه اللطف، طول الأناة، القبول بالآخر مهما كان الآخر. هو مصارع. هكذا صارع إبليس يسوع ولا سيَّما في التجارب. وإبليس هذا يلبس لباس النور، فماذا يكون تلاميذه؟! فيقف الأسقف مثل جنديّ عند الثغرة لكي يدافع عن الكنيسة. وهو أخيرًا الفلاّح الذي ينتظر الغلَّة. زرعَ مثل بولس. وسقى مثل أبلُّوس، والله أنمى. وبما أنَّ الحقول ابيضَّت للحصاد، فلا يبقى له سوى أن يأخذ حصَّته من الغلَّة، فرَحًا يملأ قلبه، وجماعةً حيَّة.
 
قديم 30 - 03 - 2024, 02:48 PM   رقم المشاركة : ( 156096 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,338

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




نعمة الله

تيطس هو تلميذ بولس، شأنه شأن تيموتاوس. كان وثنيٌّا فعمَّده بولس وأخذه معه إلى »مجمع أورشليم.« وحين كانت الصعوبات بين الرسول وكنيسة كورنتوس، مضى تيطس فقبلته الكنيسة وعاد إلى معلِّمه حاملاً الأخبار الطيِّبة. يقول التقليد إنَّه كان أسقفًا على كريت، وهي جزيرة يونانيَّة تقابل أثينة. رسالة متأخِّرة فيها يتمنّى الرسول أن يكون تيطس بقربه. ولكن بانتظار ذلك، يكمِّل تدبير الأمور ويقيم شيوخًا أو كهنة يواصلون العمل الرعائيّ. ذاك ما قيل لهذا الأسقف في تي 2: 11-14.

النعمة. هي عطيَّة الله. وموهبة من لدنه. هي »كاريس« أساس كلّ »كرسما« أو موهبة في الكنيسة. ليست شيئًا خارجيٌّا يأتي إلينا ويتركنا. هي إقامة الله فينا بكلِّ غناه وبركته. بل هي ينبوع يتفجَّر من قلب الهيكل فيصل إلى البحر الميت ليعيد إليه الحياة وإلى البحر المتوسِّط فيصلح مياهه. هي ينبوع في قلب المؤمن بحيث إن من يشرب منه لا يعطش إلى الأبد. كما يتفجَّر في كلِّ إنسان، لأنَّ هذه النعمة حاملة المواهب تُعطى للبشر جميعًا، فهم كلُّهم على صورة الله ومثاله.

ما عمل هذه النعمة؟ تُعلِّمُ. نستطيع أن نقابلها مع الروح القدس الذي يعلِّمنا بعد صعود يسوع إلى السماء. في الوجه السلبيّ، هناك الامتناع عن اثنين: الكفر أي التخلّي عن الإيمان، الابتعاد عن الشرّ، وهذا ما يقابل الاعتراف بالله والإقرار بفضله في حياتنا. ونمتنع أيضًا عن شهوات هذه الدنيا. فهي تنسينا غنى الملكوت. نلتصق بالأرض ولا نعرف كيف نرفع عيوننا إلى السماء. شهوة السلطة والكبرياء وسحق الآخرين. شهوة المال الذي يدفعنا لكي نستغني عن الآخرين ونعتبر أنَّ السعادة تقوم في الطعام والشراب واللباس. شهوة الجسد وما فيه من ميل إلى الزنى والفجور.

ننتظر. في هذا الروح نحن ننتظر بدالَّة الأبناء الأحبّاء، لا بخوف العبيد. ننتظر ورؤوسنا مرفوعة، كما قال الربّ، لأنَّ خلاصنا قريب. ننتظر ذلك اليوم. اليوم هو يوم النصر والظفر والإكليل. هو يوم مجيء الملك إلى مدينته. واليوم بالنسبة إلى المؤمن هو يوم ظهور الله. أو بالأحرى مجده، أي عمله في الخلق وعمله في الخلاص. ما تمنِّينا أن نكون، يُتمُّه الربُّ يسوع بصليبه. ما بدأ العمل فيه، يجد كماله بقدرة الربِّ الذي يحوِّلنا لكي نكون معًا شعبه الخاصّ. نصبح له كما هو أراد أن يكون لنا.
 
قديم 30 - 03 - 2024, 02:51 PM   رقم المشاركة : ( 156097 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,338

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

Rose رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة







يا تيموتاوس تعال إليَّ سريعًا

عجيب أمرٌ هذا الرسول. هو في السجن وفي السجن القاسي، ولكنّه ليس محبوسًا. آفاقه العالم كله. ومع أنّه وحده، فحوْلَه العديدون العديدون. فبَعْد سجنٍ أوّل تحرّرَ منه سنة 63، مضى إلى اسبانية (رو 5: 23-28)، وعاد إلى كريت حيث ترك تيطس (تي 1: 5). من هناك مضى إلى نيكوبوليس في الإبير وفيه قضى فصل الشتاء (أف 3: 12). بعد ذلك، أتى إلى أفسس وسلّم الكنيسة إلى تيموتاوس (1تم 1: 3) قبل أن ينطلق إلى مكدونية. وإذ أُجبر بولس أن يترك أفسس بشكل نهائيّ، أَرسل تيخيكس (2 تم 4: 12)، ومرّ في ترواس لدى كاربوس؛ عنده نسي عباءته والكتب، تلك البرديّات التي ترافقه (2 تم 4: 17). قد يكون أتى بحرًا إلى ميليتس (آ 20) ساعة ما استطاع تروفيمس أن يواصل الطريق. ويبقى أنّ »الملاحقين« قبضوا على بولس في آسية: في ترواس أو في أفسس، ومن هناك نقلوه إلى رومة، وفيها دوَّن 2 تم وهو عارف أنّ موته قريب. كلّ جماعة آسية تخَلَّوا عنه، وها هو يموتُ وحده لولا وجود لوقائ؟ئ؟ئ؟(1)ئ؟.

هكذا يمكن أن نعيد تصوّر مسيرة بولس حين تركه لوقا في السجن، »يبشّر بملكوت الله، مُعلنًا بكل جرأة وحرّيّة تعليمه في الربّ يسوع« (أع 28: 31). نشير هنا إلى أنّ السجن الأوّل سنة 61-63 لم يكن قاسيًا. فيه أقام بولس سنتين كاملتين في المنزل(2) الذي استأجره، يرحِّب بكلّ من يزوره« (آ 30). أمّا السجن الثاني فكان قاسيًا جدٌّا؛ فالرسول هو »في القيود« (2 تم 1: 16) مثل »مجرم« (2: 19)، لا يسمحون لأحد أن يزوره إلاّ بصعوبة (1: 17). وهو يعــرف أنّ »ساعــة رحيلــه اقتربت« (4: 6).

في مثل هذه الظروف يبقى بولسُ بولسَ، وفي قلبه »الاهتمام بجميع الكنائس« (2كو 11: 28). فمن سجنه أرسل نظره إلى مناطق عديدة مرَّ فيها وتذكّر الرسالة. وبعينَيْ قلبه رأى الذين رافقوه هنا وهناك، مع أنّه لم يستطع أن يذكرهم كلّهم. أَمَا سبق له أن ذكرهم في الفصل الأخير من الرسالة إلى رومة؟ وفي النهاية، أعلن ألمَه القريبَ من ألم يسوع الذاهب إلى المحاكمة: الأعداء يهاجمون، والأصدقاء تركوه، وإن جاؤوا فهم بعيدون. وربّما أنشد ما أنشد يسوع على صليبه: »إلهي إلهي، لماذا تركتني« (مت 27: 46)، وابتعدتَ عن نجدتي وسماع أنيني؟ إلهي، في النهار أدعو فلا تجيب، وفي الليل فلا تحرّك ساكنًا« (مز 22: 2-3).

1- الرسول لا تقف في وجهه المسافات

بولس هو في رومة (2 تم 1:17). كان معه عددٌ من كنيسة آسية. والآن »تخلّوا عنه«. ماذا كانت رومة في ذلك الوقت؟ عاصمة الامبراطورية الرومانيّة. بدأت أسوارها تمتدّ على أحد عشر كيلومترًا. وسوف تتوسّع وتتوسّع فتضم مليون نسمة. وماذا يكون بولس في هذا الخضمّ؟ هو في سجن صغير. ربّما تحت الأرض، بالقرب من الكابّيتول، أو في مقاطع لاوتومية المحفوظة للعبيد. من يهتمّ به؟ لا أحد. وحين يُقطع رأسه على طريق أوستيا، لا تتغيّر الحياة في عاصمة الأمبراطوريّة. أمّا بولس فلا يمكن أن يُسجَن في رومة، ولا داخل جدران سجنه.

مضى نظر الرسول إلى تسالونيكي، تلك المدينة التي أسّسها كاسندري، بحسب تقليد رواه ستربوان (63 ق. م. - 25 ب. م.)، سنة 316 ق. م. تقريبًا، ودعاها باسم امرأته. كانت عاصمةَ مكدونية. تذكّر بولس لمّا جاء إليها مع الفريق الرسوليّ، ولا سيّما سيلا، خلال الرحلة الرسوليّة الثانية. وجدها مدينة حرّة يسوسها حكّام(3). وفعلَ كما يفعل كلّ مرّة: مضى إلى المجمع: »جادل اليهود ثلاثة سبوت، مستعينًا بالكتب المقدّسة، يشرحها ويبيّن لهم كيف كان يجب على المسيح أن يتألّم ويقوم من بين الأموات. وقال: يسوع هذا الذي أبشّركم به هو المسيح« (أع 17: 2-3). تذكّر بولس تلك المدينة التي أُجبر على تركها بسبب »الرعاع« الذين جمعهم اليهود (آ 5)؛ وتذكّر أنّه كتب إليهم أوّل رسائله: »صرتم مثالاً لجميع المؤمنين في مكدونية وآخائية، لأنّ كلام الربّ انتشر من عندكم، لا إلى مكدونية وبلاد أخائية وحدهما، بل ذاع خبرُ إيمانكم بالله في كلّ مكان« (1 تس 1: 7-8). أيّ استقبال استُقبل الرسول من قبل المؤمنين! واهتدوا فتركوا الأوثان...، ولبثوا على إيمانهم وما تزعزعوا(4).

ترك بولس تسالونيكي بسرعة، ولكنّ تيموتاوس لبث فيها (1 تم 3: 2) ساعة كان الرسول في أثينة. ويبدو أنّ بولس عاد إلى أثينة خلال الرحلة الرسوليّة الثالثة، وذلك بعد أن ترك أفسس بسبب الصياح كرامة للإلاهة أرطاميس (أع 20: 1). أحبّ بولس تسالونيكي حبٌّا جعل كورنتوس تغار (2 كــــو 2: 13)، فكان »لوم« من قِبَل عاصمة أخائية، وأنّ هذا الرجل يتبدّل: تارة يقول أنا آتٍ، وطورًا هو لا يأتي. قال لهم: »أمرُّ بكم في طريقي إلى مكدونية، ثم أَرجع من مكدونية إليكم...« (2 كو 1: 16). أمرٌ لا يطاق. فأُجبر الرسول أن »يعتذر«: »امتنعتُ عن المجيء إلى كورنتوس شفقة عليكم« (آ 23).

كيف يمكن أن ينسى تسالونيكي، وابنَها البارّ أرسترخس الذي رافقه في البحر، في رحلته الأخيرة إلى سجن رومة (أع 27: 2)، وأصابه ما أصاب بولس حين تحطّمت السفينة عند شاطئ مالطا. وسبق له أن رافقه مع سكوندوس المكدونيّ إلى ترواس (أع 20: 4)، مع آخرين من أماكن مختلفة.

بعد تسالونيكي ذكر بولس غلاطية (2 تم 4: 9). هذه المنطقة الجبليّة، حيث يعيش أناس جاؤوا من أوروبا الغربيّة، وأقاموا حول »أنقيرة« التي هي أنقرة الحاليّة. ما كان الرسول متوجّهًا إليها في الأصل، بل عابرًا عبورًا، ولكن أقعده المرض، فأُجبر على البقاء، وهناك حمل الإنجيل في عدد من القبائل التي حافظت على حياتها القشفة.

تذكّر بولس كيف استقبله السكّان هناك: »مثل ملاك الله، بل المسيح يسوع« (غل 4:14). اعتاد الناس أن يتطيّروا من المرض وسائر المصائب، ولكنّ الغلاطيّين لم يشعروا هذا الشعور، فقال لهم بولس: »كانت حالتي الجسديّة محنة لكم، فما احتقرتموني ولا كرهتموني، بل قبلتموني« (آ 14). أجل، كان الرسول مريضًا (آ 13)، فاهتمّوا به واستعدّوا أن يضحّوا بكلّ شيء من أجله. كتب إليهم: »أنا أشهد أنّه، لو أمكن الأمر، لكنتم تقتلعـون عيونكــم وتُعطــوني إيّـاها« (آ 15).

كنيسة غلاطية جعلها بولس عند الصليب، فسارت معه، ولكنّها ضلّت كما ضلّت »حوّاء« (2 كو 11: 13). ففي غلاطية كما في كورنتوس، جاء من يشوّش على الرسول: هو ما عرف المسيح بالجسد. إذًا يحتاج إلى رسائل توصية. هو ليس على مستوى العُمُد، أي بطرس ويعقوب ويوحنا. وأهمّ من كل هذا، رجع الغلاطيّون إلى الوراء؛ بعد أن صاروا مسيحيّين، ها هم يعودون إلى الممارسات اليهوديّة.

هم أبناء سارة، صاروا أبناء هاجر. هم أبناء الحرّة، عادوا إلى العبوديّة، فكان الرسول قاسيًا معهم: »أيّها الغلاطيّون الأغبياء! مَن الذي سحر عقولكم، أنتم الذين ارتسم المسيح أمام عيونكم مصلوبًا؟« (غل 3: 1).

هل اقتنعوا منه، أم ارتضوا أن يبقوا قاصرين؟ كان العبدُ يقود الولد إلى المدرسة؛ فهل يبقى الولدُ ولدًا؟ والشريعة هي »مربّية« تقود الناس إلى المسيح، فهل يبقى الغلاطيّون تحت الوصاية أم يتذكّرون أقوال الرسول: »فلما تمّ ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا لامرأة، وعاش في حكم الشريعة، ليفتدي الذين هم في حكم الشريعة، حتى نصير نحن أبناء الله« (غل 4: 4-5)؟ أنت ابن، فهل تتخلّى عن البنوّة؟ أنت وارث، فهل تحتاج بعدُ إلى وكيل؟ أنت تدعو الله »أبّا« كما الطفل يدعو والده، فلماذا تخاف خوف العبيد وتضع النير على كتفك؟(5).

***

دلماطية. هي مقاطعة رومانيّة. تُجاور الليريكون الواقع بين البحر الأدرياتيكيّ والساف، ذاك النهر الذي يولَد في سلوفينيا، ويصبّ في الدانوب في بلغراد، عاصمة يوغوسلافيا القديمة. هذه المقاطعة المتوسّطيّة التي تأثّرت باكرًا بالحضارة اليونانيّة (منذ القرن السابع ق. م.)ئ؟(6)، وصل إليها الرسول الذي تحدّث عن امتداد الرسالة، رسالته والفريق العامل معه، من أورشليم إلى الليريكون. يبدو أنّ بولس بشّر هذه المنطقة السلافيّة خلال الرحلة الرسوليّة الثالثة (أع 20: 1-3).

إلى هناك مضى بولس، وتمنّى أن يصل إلى حدود الأرض المعروفة إلى جبل طارق، الذي دُعيَ في الماضي عمود هرقل. هكذا تكون البشارة وصلت إلى أقاصي الأرض. هذه التسميات تدلّ على أنّ الرسول قضى زمن رسالته في رواح ومجيء، لأنّه ما أراد أن يبني على أساس غيره، ولا هو اعتبر نفسه يعمل عملاً عظيمًا حين يحمل البشارة. قال عن نفسه: »الويل لي إن لم أبشّر«. وهكذا رأيناه يبشّر حتى في سجن رومة، كما في السفينة التي كانت تُقلّه سجينًا بعد أن رَفع دعواه إلى قيصر.

وها نحن نصل إلى أفسس. ذكريات في أفسس عاشها الرسول، وكأنّي به توقّف عن السفر، فلبث في تلك المدينة ثلاث سنوات، وهكذا امتدّت الرسالة إلى البعيد. أفسس هي سلجوك اليوم، في تركيا؛ مدينة تغوص في القدم، وتعود إلى الألف الثاني. عرفت باكرًا الحضارة اليونانيّة، وإن احتلّها الفرس فترة من الزمن. منذ سنة 129 ق. م.، هي عاصمة آسية(7) الصغرى المشهورة بغناها.

تذكّر بولس خبرته الرائعة في هذه المدينة المشهورة بمعبدها المكرّس للإلاهة أرطاميس. قال رئيس الصاغة: »تعرفون، أيّها الإخوان، أنّ رخاءنا يقوم على هذه الصناعة« (أع 19: 25)، صناعة تماثيل صغيرة لأرطاميس يحملها »الحجّاج« إلى بيوتهم. وهكذا »سقطت« أرطاميس ومعها سائر الأصنام، إن لم يكن الآن، فبعد وقت قصير أو طويل. وستصبح أفسس مدينة العذراء مريم.

وتذكّر بولس ما حدث له مع »أبناء سكاوا«: في الأصل، هو شرّ يضرّ بالرسالة. ولكن في النهاية، الله يحوّل الشرّ إلى خير. ماذا كانت النتيجة؟ »سمع أهل أفسس كلّهم، من يهود ويونانيّين بهذه الحادثة، فملأهم الخوف، وتعظّم اسمُ الربّ يسوع« (آ 17). هؤلاء الذين يتاجرون باسم يسوع ويستخدمون اسمه (آ 13) نالوا عقابهم. الربّ هو الذي دافع عن اسمه؛ فقال الروح الشرير: »أنا أعرف يسوع وأعلم من هو بولس« (آ 15). أمّا الخوف فهو خوف مقدّس من قدرة الله التي تعمل بواسطة مرسَليه. وفي أيّ حال، عاد المجد لله، لا للبشر. وكما »دُمّرت« الأوثان، سوف تزول أعمال السحر: »فجاء الكثير من المؤمنين يعترفون ويُقرّون بما يمارسون من أعمال السحر، وجَمَع كثيرٌ من المشعوذين كتبهم وأحرقوها أمام أنظار الناس كلهم، وحسبوا ثمن هذه الكتب، فبلغ خمسين ألف درهم« (آ 19).

آمنوا فما تأخّروا في التعبير عن إيمانهم. أناس تركوا أصنامهم، وآخرون تركوا هذه »الترهّات« التي هي أعمال السحر بما فيها من كذب وتدجيل. زالت الحواجز أمام البشارة، فاستخلص القديس لوقا: »بقدرة الربّ، كانت الكلمة تنمو وتتقوّى« (آ 20). الكلمة هي يسوع المسيح كما نقرأ في أع 6: 7 في خطّ الإنجيل: »وكان الطفل يسوع ينمو ويتقوّى ويمتلئ حكمة« (لو 2: 40).

طالت إقامة الرسول، ثلاث سنوات، ففتح »مدرسة«، وكان يعلّم كلّ يوم، »من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر إلى الساعة الرابعة بعد الظهر«، أي ساعة الغداء والقيلولة، وهو وقت لا يقدر صاحبُها أن يعلّم فيه. مدرسة تخصّ تيرانوس، أحد معلّمي البلاغة في المدينة، أو هو قدّمها، أو هو أجَّرها. ومهما يكن من أمر، كان لهذه »المدرسة« إشعاع كبير، »حتّى سمع جميع سكان آسية من يهود ويونانيين كلام الربّ« (أع 19: 10 ).

كلّ هذا تذكّره بولس من غياهب سجنه. كما تذكّر أولئك الذين وسّعوا الرسالة، فما انحصرت في أفسس، بل امتدّت إلى كولوسّي، مع »إبّفراس رفيقِنا الحبيب في العمل والخادم الأمين للمسيح عندكم« (كو 1: 7). ولا شكّ في أن أرخبُّس كان أيضًا من كولوسي (فلم 13؛ كو 4: 17)، فعمل مع العاملين، وصولاً إلى لاودكية، تلك المدينة (التركيّة اليوم، قرب دنيزلي) التي بناها أنطيوخس الثاني خلال القرن الثالث، وربّما إلى هيرابّوليس القريبة.

وفي النهاية، يتذكّر الرسول ترواس، تلك المدينة الواقفة على الشاطئ الآسيويّ لمضيق الدردنيل. أسّسها الإسكندر تذكّرًا لملحمة هومير (الألياذة، واسم المدينة: طروادة). كانت مدينة حرّة ومرفأ هامٌّا. أبحر منه بولس مرّة أولى (أع 16: 8، 11) من أجل الدخول إلى أوروبّا في نيابّوليس. ومرّة ثانية حين أراد الذهاب إلى كورنتوس، فإذا هو يُجبَر على الذهاب إلى مكدونية، لأنّه ما وجد تيطس أخاه (2 كو 2: 12).

ذكرياتٌ في ترواس، ثمّ في ميليتس، تلك المدينة التي استوطنها منذ القدم أناس من جزيرة كريت. توقّف فيها بولس »لأنّه رأى أن يتجاوز أفسس في البحر لئلاّ يتأخّر في آسية، وهو يريد السرعة لعلّه يصل إلى أورشليم في يوم الخمسين« (أع 20: 15-16).

في ترواس التأمت الجماعة يوم الأحد »لكسر الخبز«، أي للاحتفال بالإفخارستيّا. القسم الأول هو قسم الكلمة؛ تكلّم بولس »وأطال الكلام إلى منتصف الليل« (آ 7)؛ في ذلك الوقت، سقط »فتى اسمه أفتيخوس كان جالسًا عند النافذة وأخذه النعاس« (آ 8). هنا تصرّف الرسول كما تصرّف معلّمُه حين أتى إلى بيت يائيرس رئيس المجمع: »ما ماتت الصبيّة، لكنّها نائمة!« (مر 5: 39). وبولس قال: »لا تقلقوا، فهو حيّ« (أع 20: 10أ). وفعل كما فعل إيليّا: »ارتمى على الولد وحضنه« (آ 10ب).

وتابع الرسول »القداس«، انتقل من »مائدة الكلمة« إلى »مائدة القربان«. »صعد إلى الغرفة العليا وكسر الخبز، وحدّثهم طويلاً إلى الفجر ومضى« (آ 11). في ذلك الوقت »جاؤوا بالفتى حيٌّا« (آ 12).

وفي ميليتس مشهد الوداع ووصيّة بولس الأخيرة. »أنا أعرف أنّكم لن تروا وجهي بعد الآن« (آ 25). ذكّرهم برسالته بينهم، باندفاعه، بتجرّده. نبَّههم من التعاليم الضالّة: »أنا أعرف أنّ الذئاب الخاطفة ستدخل بينكم بعد رحيلي ولا تشفق على الرعيّة. ويقوم من بينكم أناس ينطقون بالأكاذيب ليضلِّلوا التلاميذ فيتبعوهم« (آ 29-30).

»ولمّا ختم بولس كلامه، سجد معهم كلّهم وصلّى.وبكوا كثيرًا وعانقوا بولس وقبّلوه« (آ 36). كانت تلك آخر مرّة يلتقي شيوخ أفسس والمسؤولين فيها. وكانت كلمته الأخيرة: »والآن أَستودعُكم الله وكلمة نعمته« (آ 32). وهو الآن يصلّي معهم ولأجلهم. في الماضي، سلّمهم إلى الله، وهو اليوم يسلّمهم كما يسلّم جميع الكنائس التي مرّ فيها وأسَّسها، ولا سيّما كورنتوس حيث بقي أراستس (2 تم 4: 20)، أحد معاونيه (أع 19: 21)، والذي يُرسل سلامَه في نهاية الرسالة إلى رومة مع »غايس وكوارتُس« (رو 16: 23).

2- أنتم دائمًا في قلبي

حين كان بولس في سجن أفسس وهو مهدَّد بالموت(8)، كتب إلى أهل فيلبّي وقال لهم: »أنتم دائمًا في قلبي، وكلّكم شركائي في نعمة الله، سواء في السجن أو في الدفاع عن البشارة وتأييدها« (فل 1: 7). يُمنَع الرسول من رؤية مشاركيه في العمل بالجسد، فيكون معهم بالقلب. وما قرأناه في سجن أفسس، يمكن بالأحرى أن نقرأه في سجن رومة: جميع الذين شاركوه في العمل هم في قلبه؛ فالرسالة جزء من حياة بولس، فكيف يتخلّى عنها وفيه بعضُ الرمق من حياته. هو الذي تمنّى أن يأتي إلى رومة لكي يحمل البشارة إلى أهلها (رو 1: 15)، فوصل إليها سجينًا. أتراه ينسى البشارة؟ كلاّ. إذًا، ها هو ينظّم الأمور من عمق سجنه.

من هم الأشخاص الذين كانوا مع بولس في سجنه الثاني؟

أولّهم ديماس. هو تصغير ديمتريوس. مسيحيّ من رومة، شارك بولس في الرسالة، وأرسل تحيّاته من رومة إلى كنيسة كولوسّي (كو 4: 14). أمّا هنا فنراه يترك بولس »حبٌّا بهذه الدنيا« (2 تم 4: 9)، حبٌّا بالعالم الحاضر. أتراه استقال من الرسالة؟ أتُراه خاف كما خاف مرقس في أوّل رحلة رسوليّة مع بولس وبرنابا؟ أمّا مرقس فحاول العودة إلى الرسالة، فكان بولس قاسيًا معه، ولكنّنا سوف نجده مع بولس في سجنه الأوّل: »يسلّم عليكم أرسترخس، رفيقي في السجن، ومرقس ابن عمّ برنابا، وهو الذي طلبتُ منكم أن ترحِّبوا به« (كو 4:9). إذًا، هو بولس يرسل مرقس في مهمّة إلى كولوسّي، كما أرسل في حالات مشابهة تيطس وتيموتاوس. ويبدو أنّ ديماس عاد إلى نفسه بعد الخوف، وإن هو ترك بولس فلم يترك الرسالة. قال فيه يوحنّا الذهبيّ الفمّ: »هرب من الخطر باحثًا عن الهدوء والراحة. وإن هو ترك الأمانة، فهو ما ترك الإيمان«(9).

ولكنّ التقليد اللاحق سوف يكون قاسيًا بالنسبة إليه؛ فإنّ أعمال بولس جعلت ديماس مع هرموجينيس، كخصم بولس الحسود والمرائي(10). وقال بعض الشرّاح: »جحد إيمانه وترك الرسالة« (1 تم 6: 17؛ تي 2: 12). فضّل محبّة هذا الدهر على محبّة الربّ في تجلّيه (2 تم 4: 8). ووُجد في مخطوط في فلورنسا: »صار كاهنًا في هيكل وثنيّ، في تسالونيكي«.

كريسكيس، أو كريسانس، اسم لاتينيّ. هو شخص حرّره نيرون. يبدو أنّه كان خزّافًا من غالية (فرنسا الحاليّة)، كما تقول كتابة يونانيّة. انطلق من رومة إلى غالية، لا إلى غلاطية الواقعة في تركيا. هنا نتذكّر تيودور أسقف المصِّيصة: »يسمّي بولس غلاطية ما يُسمّى الآن غالية«. وهكذا يكون هذا التلميذ عاد إلى بلده، إلى غالية، ليحمل الانجيل الذي حمله بولس إلى إسبانية. أتُرى بولس أرسله إلى هناك؟ الأمر معقول.

إن غالية التي احتلّها يوليوس قيصر خلال القرن الأول ق. م.، توسّعت في سيطرة رومانيّة سريعة، وفرضت اللغة اللاتينيّة نفسها، فدُوِّنت فيها الأعمال الإداريّة بحيث غابت اللغة القلتيّة شيئًا فشيئًا. هنا نفهم أن يكون كريسكيس مضى يبشّر في بلاد غالية، لأنّهم يفهمون عليه ويفهم عليهم(11).

أمّا المسيحيّة فأتت باكرًا إلى غالية، ولكنّ أوّل إشارة إليها نقرأها في »رسالة خدّام المسيح المتجوّلين في فيان وليون (فرنسا) إلى إخوتهم في آسية (الصغرى) وفي فريجية (تركيا الحاليّة). في هذه الرسالة كلام عن الاضطّهاد، وبين الأسماء عدد من اليونان والشرقيّين«(12).

مضى كريسكيس إلى غلاطية أو بالأحرى غالية، وتيطس إلى دلماطية، على البحر الأدرياتيكيّ، واحد إلى الغرب من رومة، وآخر إلى الشرق. فتيطس هو صديق بولس ورفيقه في الرسالة. لا يُذكَر في سفر الأعمال، بل في الرسائل. إسمه اسم لاتينيّ، أمّا هو فيونانيّ، هداه بولس فرافقه إلى مجمع أورشليم. ما ختَنَهُ بولس كما ختن تيموتاوس، بالرغم من الضغوط التي جاءت من هنا وهناك. قال الرسول: »وبعد أربع عشرة سنة، صعدتُ ثانية إلى أورشليم مع برنابا وأخذت معي تيطس« (غل 2: 1).

تذكّر بولس تيطس الذي لعب دورًا كبيرًا في العلاقات بين الرسول والكورنثيّين، خلال إقامة بولس في أفسس، فكان الوسيطَ قبل وصول الرسول إلى كورنتوس. وإذا قرأنا 2 كو 7: 14-15، نفهم أنّ المهمّة التي كلّفه بها الرسول كانت ناجحة، بحيث عاد بولس إلى كورنتوس واستُقبل استقبالاً لائقًا. وتذكّر بولس كيف اهتمّ تيطس بجمع الإعانات من أجل كنيسة أورشليم (2 كو 2:13؛ 8: 6، 16، 23؛ 12: 18). رأى الرسول في تيطس صفات المحاور الجامد والصبور، الذي يعرف أن يجد الكلمات والتصرّف اللازم لإقناع الآخرين. يحمل المصالحة، ويستطيع أن يتدخّل في الأمور الدقيقة.

»ويُضاف إلى عزائنا هذا ازديادُ سرورنا كثيرًا بفرح تيطس، لأنّه لقي منكم جميعًا ما أراح باله. وإذا كنتُ أظهرتُ له افتخاري بكم، فأنا لا أخجل به. فكما صدَقْنا في كلّ ما قلناه لكم، فكذلك صدَقْنا في كلّ افتخارنا بكم لدى تيطس. ويزداد قلبه محبّة لكم، كلَّما تذكّر طاعتكم جميعًا وكيف قبلتموه بخوف ورعدة« (2 كو 7: 13-16)(13).

مرقس ولوقا الإنجيليّان. لوقا هو قرب الرسول، ولا بدّ أن يأتي مرقس. يبدو أنّ هناك أيقونتَين أرمنيَّتَيين، واحدة تصوّر بولس قرب مرقس لكي يكتب إنجيله، فيشدّد بشكل خاصّ على التحرّر من الشريعة الطعاميّة، ولا سيّما حين ينهي جدال يسوع مع اليهود: »وفي قوله هذا جعل يسوع الأطعمة كلّها طاهرة« (مر7: 19). والأيقونة الثانية تقدّم بولس وهو »يُمْلي« على لوقا إنجيله؛ فمنذ القديم ربط التقليدُ الأناجيلَ بالرسل، سواء بشكل مباشر كما هو الأمر مع متّى ويوحنّا، أو بشكل غير مباشر. قيل ارتبط مرقس ببطرس، ولوقا ببولس؛ فإنجيل لوقا هو إنجيل الأمم بامتياز، بل إنجيل البشريّة، الذي يربط يسوع بآدم، أبي البشر (لو 3: 38). عن يسوع قال يوحنّا المعمدان مُوردًا كلام أشعيا: »صوت صارخ في البرّيّة« (لو 3: 4). ولكنّه ما توقّف في منتصف الطريق، بل قال: »ويرى كلّ بشر خلاص الله« (آ 6).

مرقس رافق بولس في الرحلة الرسوليّة الأولى، وكان بعد شابٌّا لا خبرة له. ولكن ما شجّعه هو وجود ابن عمّـه برنــابـا في الفريــق الرسوليّ (كو 4: 10). غير أنّه خاف من العبور في جبال طورس الصعبة المسالك المليئة باللصوص وقطّاع الطرق. عاد إلى أورشليم حيث يجد بعض »الأمان والراحة«. وحرّكه مجمعُ أورشليم، فأراد مرافقة الرسول في الرحلة الرسوليّة الثانية، ولكنّه في النهاية، رافق ابن عمّه إلى قبرص. وتذكرُ أعمال برنابا(14) بعضًا من »سيرة« مرقس: »أنا يوحنّا، رفيق الرسولَين القدّيسَين برنابا وبولس...، حصلتُ الآن على نعمة الروح القدس«.

وعاد مرقس في النهاية إلى بولس. أمّا لوقا فتصغير لوقيان، والقريب من لوقيوس. هو رفيق النور. قال عنه التقليد: هو سوريّ من أصل وثنيّ. مهنته طبيب (كو 4: 14)، ولكنّه انتقل من طبّ إلى طبّ. رافق الرسول في رحلاته الرسوليّة، وها هو الآن بقربه. الجميع تركوا ذاك السجين المتألّم في قرارة نفسه، فقال: »لوقا وحده بقيَ معي« (2 تم 4: 11) يُقال إنّ لوقا كتب إنجيله إلى الطبقة المثقّفة في العالم اليونانيّ. كتبه من كورنتوس، تلك المدينة العزيزة على قلب بولس، التي خطبها للمسيح، التي ولدها، فتميّز عن عدد من المعلّمين أتوا إليها. أتُرى هذا الإنجيليّ شارك في اجتماعات المؤمنين، فخرجت من تأمّلهم الرسالة إلى رومة؟ ربّما.

في مناخ بولس كتب لوقا إنجيله: فالمسيح هو كلمة نعمة الله (أع 20: 24). جاء يزور البشر ويدشّن في وسطهم ملكوت الله، ويقول لهم: اليوم هو يوم الخلاص. أمّا الإله الذي يكرز به فهو إله الرحمة. يسوع محرّر البشر، جاء كذلك المخلّص الذي صار صديقَ الخطأة والعشّارين، الذي تضامن مع البشر حتى نهاية حياته على الأرض، فما رفض اللصَّ المرفوع قربه على الصليب: »اليوم تكون معي في الفردوس« (لو 23: 43).

وزّع بولس المهمّات، فبقي تيخيكس وتيموتاوس. تيخيكس اسم يونانيّ يعني »الطارئ«، ما لا يُنتظر. هو مسيحيّ من آسية الصغرى، رافق بولس في رحلته الرسوليّة إلى أورشليم (أع 20: 4) مع عدد من المرسلين. أرسله بولس إلى أفسس (أف 6: 2) وإلى كولوسّي (كو 4: 7) لكي يحمل اليه الأخبار من عند كنائس آسية. وها هو يرسله الآن، لأنّ باله مشغول على هذه الكنائس التي تتعرّض للأخطار، على ما يشير سفر الرؤيا.

»يا تيموتاوس«، »تعالَ إليّ سريعًا«. الرسول يكتب من قلبه إلى ابنه العزيز. أوّل مرة يُذكَر تيموتاوس (= الذي يخاف الله) الذي يرافق الرسول في الرحلة الثانية، المدعوّة الرحلة الكبرى التي فيها وصل بولس إلى دلماطية (في يوغوسلافيا)، في أع 16: 1-2: »وكان في لسترة تلميذ اسمه تيموتاوس، وهو ابن يهوديّة مؤمنة وأبوه يونانيّ. وكان الإخوة في لسترة يشهدون له شهادة حسنة. فأراد بولس أن يأخذه معه، فختنه لأنّ جميع اليهود هناك كانوا يعرفون أنّ أباه يونانيّ«.

تيموتاوس الرفيق المفضّل، رافق بولس إلى تسالونيكي وبيرية، ولكنّه لبث مدّة في بيرية مع سيلا، بانتظار أن يلتحق ببولس بأسرع وقت (أع 17: 14-15). انتظرهما الرسول في أثينة (آ 16)، ولكنّهما لحقاه في كورنتوس (أع 18: 5). من كورنتوس كتب بولس رسالة إلى أهل تسالونيكي ووقَّعها مع »سلوانس (أو سيلا) وتيموتاوس« (1 تس 1: 1). ما حدث لبولس في تسالونيكي وبيرية، عرفه تيموتاوس، وكذلك ما حصل له في أفسس (أع 19: 22).

تسلّم هذا التلميذُ المهمّات من الرسول. أوّلها في تسالونيكي. أُجبر بولس على الهرب، فأرسل تيموتاوس »أخانا العامل مع الله (sunergon tou qeou) في بشارة المسيح ليشجّعكم ويقوّي إيمانكم« (1تس 3: 2). هو يعمل مع الله، يدًا بيد، فكيف لا ينجح؟ ويتابع الرسول كلامه: »الآن رجع إلينا تيموتاوس من عندكم وبشّر بما أنتم عليه من إيمان ومحبّة، وقال لنا إنّكم تذكروننا بالخير، وتشتاقون إلى رؤيتنا كما نشتاق إلى رؤيتكم« (آ 6).

وقبل أن يكتب بولس إلى كنيسة كورنتوس، مهّد لكتابته ببعثة تيموتاوس. قال: »ولذلك أرسلت إليكم ابني الحبيب الأمين في الربّ، وهو يذكّركم بمسيرتي في المسيح يسوع، كما أُعلّمها في كلّ مكان وفي جميع الكنائس« (1 كو 4: 17). لماذا الكلام عن »سيرة« بولس؟ لأنّ الهجوم بدأ عليه: هو رسول من الدرجة الثانية. هو ما رافق الربّ في حياته على الأرض، شأنه شأن بطرس ويعقوب ويوحنّا. وما يدلّ على ذلك ردّة الفعل لدى هؤلاء الخصوم: »انتفخوا من الكبرياء« (آ 18)، فودّ بولس أن يعرف »لا ما يقوله هؤلاء المتكّبرون، بل ما يفعلونه؛ فملكوت الله لا يكون بالكلام، بل بالفعل. أيّما تفضّلون؟ أن أجيء إليكم بالعصا أم بالمحبّة وروح الوداعة؟« (آ 19-21).

لا بدّ من شخص يأتي إلى الكورنثيّين »بـــروح الـــــوداعــة« (pneumati te prauthtoV). هو تيـموتـاوس يأتـي إليـهـم بالمحبـّة (agaph). نحـتـاج إلى شـخــص »حبيــب«: »فهو لي ولدٌ حبيب« teknon agaphton)). يتردّد ما يتعلّق بالمحبّة: نحتاج إلى مرسل أمين (pistoV). هل هي فقط أمانة بشرية؟ كلا، بل هي أيضًا أمانة نابعة من أمانة الرب .en kuriw هل هناك مسافة بين الرسول وتلميذه؟ كلاّ؛ فبولس نفسه قال: »هو يعمل مثلي wV kagw)) عمل الرب« (1 كو 16: 10).

هل انتهت مهمّة تيموتاوس؟ كلاّ. بولس يحتاج إليه. وضَعَه في الصورة: هو وحده مع لوقا. يُحسّ بالبرد فيحتاج إلى »عباءته« (2 تم 4: 13)، وحدّد له أين تركها: في ترواس عند كاربس. كما يحتاج إلى »الكتب«. لا مجال للبقاء محرومًا من الكتب المقدّسة، من »مصاحف الجلد«. فهي النور في خطانا والسراج في سبيلنا (مز 119: 105).

3- تركني ديماس، ما وقف أحدٌ معي

في نهاية حياته، ها هو يتطلّع إلى حياة يسوع. الفعل الأول »ترك« ((egkataleipw ديماسُ بولسَ، تخلّى عنّي. مثل يسوع في بستان الزيتون: الجميع تركوه وهربوا. أمّا ديماس فربّما ترك الرسالة، خان المهمّة، ولو كان هربه موقّتًا. وكما يسوع صرخ: »إلهي إلهي لماذا تركتني؟« (مز 22: 2)، الفعل عينه egkatelipeV، أما يكون بولس صلّى هذا المزمور وهو في زنزانته، ليكون في ليلة موته شبيهًا بيسوع؟ فهذا المزمور الذي تلاه يسوع، يتحدّث عن الضيــق.لم يَعُـد لـدى الانسـان قـوّة. قال المرتّل الذي أحسّ بالوحدة: »يَبِست كالخزف قوّتي، ولساني لصق بحنكي« (آ 16). وسبق له فقال: »كالماء سالت قواي، وتفكّكت جميعُ عظامي. صار قلبي مثل الشمع يذوب في داخل صدري« (آ 15).

ولمــــاذا هــــذا الضـــعف؟ بسبب الأعداء. هم شرسون، وحوش متعطّشة إلى الدماء، يُشبهون الأسد ساعة يزأر على فريسته ويزأر: »أشدّاء كثيرون يطوّقونني، كثيران باشان يُحيطون بي، فاغرين أفواههم عليّ، كأَسد مفترس مزمجر« (آ 13-14).

تحدّث بولس في 2 تم عن »الأسد« (leontoV) الذي نجا من فمه (4: 17) (errusqhn ek stomatoV). الألفاظ هي هي كما في مز 22. ومن هو الأسد هنا الذي يهدّد بولس في سجنه؟ الجنود أوّلاً الذين سوف يقطعون رأسه. وخصوصًا، هناك يهوذا (يوضاس) آخـر اسمـه »إسكندر النحّاس« (آ 14) .

عُرف الإسكندر في أماكن عديدة، ولا بدّ أن تكون الكنيسة الأولى عرفته، وبالأحرى تيموتاوس. هل هو ذلك المذكور في 1 تم 1: 20؟ فالرسول يجمعه مع هيمينايس »اللذين أسلمهما إلى الشيطان ليتعلّمَا أن لا يجدّفَا«، أي ألقى عليهما »الحرم« وأخرجهما من الجماعة بحيث لا يحقّ لهما ممارسة الأسرار مع الكنيسة (رج 1 كو 5: 5). نشير إلى أن هيمينايس ذُكر في 2 تم 2: 17 مع فيليتُس. »ماذا نقول عن الاسكندر هذا؟ هو نحّاس أو حدّاد؟ كان مسؤولاً عن توقيف بولس، إن لم يكن عن الشهادة ضدّه، بحيث اتّخذ الاتهام منحى مأساويٌّا. نقرأ الفعل endeiknumai في 2 تم 4: 14: قدّم البرهان، وشى إلى السلطات، لاحق في القضاء. وشى الإسكندر ببولس، ولحق به إلى رومة ليشهد عليه(15).

قال يسوع عن الخائن: »الويل للإنسان الذي به يُسلَّم ابن الانسان؟« وتذكّر التلميذ: »ليس تلميذ أفضل من معلّمه« (مت 10: 25). لهذا قرأ مز 52: 13أ: »أَفِقْ، يا سيّد، فتجازي كلّ إنسان حسب أعماله«. وقرأ مز 48: 4: »عاملْهم يا ربّ حسب سلوكهم وحسب شرّ أعمالهم«. وقال الرسول: »الربّ يجازيه حسب أعماله« (2 تم 4: 14). يبقى على تيموتاوس أن يحترس منه (آ 15)، لئلاّ يكون ضحيّة الكذب، شأنه شأن معلمه.

أتُرى الرسول هو وحده في المحنة؟ كلاّ. سبق وقال: »ما وقف أحد معي« (2 تم 4: 16أ) (oudeiV moi paregeneto). وأضاف: »تـركونـــي كلّهم ((egkatelipon. سامحهم الله« (آ 16ب). ويسوع أيضًا، يقول عنه إنجيل مرقس: »تركوه كلّهم وهربوا« (مز 14: 50).

البشر تركوا الرسول، لكن لا الله. قال بولس: »الربّ وقف معي وقوّاني« (paresth 2 تــم 4: 17). المسبق هو في الفعلين: isthmi ثمّ ginomai.

ويضيف الرسول إلى هذا »الحضور«، الوقوفَ بجانبه في »السجن«، وكأنّه يريد أن يرافع عنه ويحميه: »وقوّاني« (enedunamwsen). جعل قوّة (dunamiV) في داخلي.

هنا نعود إلى مز 22 الذي ينتهي بكلام عن الرجاء وعن الاستعداد للانطلاق من أجل البشارة. أوّلاً هي النجاة مع الفعل ruomai الذي يرد مرّة أولى في الماضي المبهم (aoriste): نجوتُ أو نُجِّيت (في صيغة المجهول، errusqhn. والذي فَعل مرّة أولى يتمّم في ما بعد. لهذا جاء الفعل مرّة أخرى ولكن في صيغة المضارع: »سوف ينجّيني« .(rusetai) مثل هذا الكلام يرد في مز 22. نقرأ في آ 20 صيغة الأمر rusai: »نجّني«. وفي آ 21، فعلاً آخر في الأمر، يحمل المعنى عينه: swson. وكما أنّ المرتّل الذي نجا من الموت »يُخبر باسم الرب إخوته، ويهلّل له بين الجماعة« (آ 23)، هكذا يفعل الرسول. به تتمّ ((plhpojorhqh، أو صيغة المجهول: »تُكمَّل«. هو الربّ يُتمّمها بواسطة سجينه. ولا يقول الرسول كما قيل في المزمور: أهلّل (umnhsw): »أنشد مدائح«، بل هو يعلن نشيده (doxa): »له المجد إلى أبد الدهور«.

وما هو هدف البشارة والدعوة؟ »ليسمع جميعُ الأمم« (ta eqnh) (2 تم 4: 17). أمَا هذا الذي يقوله مز 22: »جميع الأمم تتذكّر الربّ، وترجع إليه من أقاصي الأرض. أمام وجهه تسجد جميع الشعوب« (آ 28). هذا يعني أنّ الإنجيل، الخبر الحلو، يجب أن يصل إلى جميع البشر. يذكر نصُّ المزمور كلَّ أقاصي الأرض (panta ta perata thV ghV). يرد لفظ »كلّ« مرّة أولى مع »الأقاصي«، ومرّة ثانيّة pasai مع الأمـــم: pasai ai patriai twn eqnwn. وفي النهاية، الربّ هو مَن يخلّص رسوله، مع الفعل الذي قرأناه في مز 22: swsei. تلك هي ثقة بولس: يعيش في الرجاء مع أنّه عالم بأنّه »ذبيحة يُراق دمُها، وساعة رحيله اقتربت« (2 تم 4: 6). فماذا ينتظر؟ »إكليل البرّ الذي سيكافئني به الربّ الديّان العادل فـــــي ذلك اليوم« (آ 8). ''البرّ (dikaiosunhV)، هذا البرّ الذي عمل ((epoihsen في البشريّة، وبالتالي في تقيّ الله، سوف يُصبح موضوع بشارة: (مـز 22: 32).

قُبض على بولس بوشاية من اليهود أو من اليهومسيحيّين. وبدأت المحاكمة في وجود الفضوليّين الكثيرين، مع الأقارب والأصحاب، فلا يحسّ المتّهم »أنّه وحده في وجه أشخاص يريدون أن يأكلوا لحمه«، كما يقول المزمور. ولكن بولس وحده. لا أحد بقربه. لا أحد معه. أحسّ بالحزن والمرارة. لماذا هربوا؟ خافوا على أنفسهم، أو هم رأوا أن لا فائدة من البقاء هنا بعد أن انتهى كلّ شيء. هل حقد الرسول على أحد؟ كلاّ، بل طلب الصفح لهم قبل موته على مثال الربّ (لو 23: 34: »يا أبتِ، إغفر لهم«)، وإسطفانس (أع 7: 60). فالمحبّة لا تُضمر سوءًا، كما قال الرسول نفسه في 1 كو 13: 5.

غاب كلّ شاهد يخفّف من الحكم على بولس، فصار وضعُ الرسول ميؤوسًا منه. هذا على مستوى البشر، ولكن لا على مستوى الله؛ فالمسيح القائم من الموت هو هنا. كان قرب إسطفانس حين كان يُرجَم، فناداه الشهيد: »أيّها الربّ يسوع، تقبّل روحي« (أع 7: 59). وحين كان بطرس في السجن، أرسل الرب ملاكه فنجّاه، فأعلن: »الآن تأكّد لي أنّ الربّ أرسل ملاكه فأنقذني« (أع 12: 11). وعد يسوع تلاميذه حين يكونون أمام الولاة والحكّام: »لا يهمّكم كيف تدافعون عن أنفسكم أو ماذا تقولون« (لو 12: 11). ثم إنّ الربّ طلب من بولس أن يستعدّ ليشهد له في رومة، وذلك خلال السفر بحرًا: »تشجَّعْ! مثلما شهدتَ لي في أورشليم، هكذا يجب أن تَشهد لي في رومة« (أع 23: 11). مرّة أولى شهد بولس ليسوع. والآن سيكون الشاهدَ والشهيد، ويسوعُ يكون بقربه فيعطيه القوّة والعزاء. قوّة البشر ضعيفة، وعزاء الناس يبقى في الخارج، أمّا الربّ فهو من يملأ القلوب بالفرح في وقت الشدّة ويمنحهم السلام العميم. وهكذا فعل مع بولس الذي تمنّى أن ينحلّ ليكون سريعًا مع المسيح.

هل كان بولس وحده؟ كلاّ. فالربّ بقربه. هل كان أحبّاؤه قربه؟ بل أعداؤه. ولكن على مستوى الإيمان، الكنيسة كلّها كانت بقربه؛ فبالإضافة إلى الذين ذكرهم، هناك برسكلّة وأكيلا (2 تم 4: 19). بدأ معهما الرسالة ولا يزالان في قلبه. ثم أونيسيفورس الذي جاء إلى رومة وبحث عن الرسول في كلّ مكان حتّى وجده. قال عنه في 2 تم 1: 16: »رحم الله بيت أونيسفورس لأنه شجّعني كثيرًا وما خجل من قيودي، بل أخذ يبحث عنّي عند وصوله إلى رومة حتّى وجدني«. وتطّلع الرسول إلى أرِستُس (أع 19: 22). هو يواصل الرسالة في كورنتوس؛ فعملُ الإنجيل يجب أن يتواصل وهو لا يرتبط بشخص. تروفيمس هو مريض في ميليتس. وقد يكون زار بولسَ في سجنه بعضُ الأصحاب، وكأنّهم لا يزالون حاضرين معه: هم أعضاء في كنيسة رومة. أوبولس هو صاحب المشورة والفطنة. بوديس هو المتواضع والمتحلّي بالبساطة. جعل التقليدُ من أوبولس عضوًا في مجلس الشيوخ؟ هداه بطرس فصار عضوًا فاعلاً في الكنيسة. أمّا كلودية فهي زوجته. وهكذا نكون أمام عائلة مسيحيّة تعمل في الرسالة، على مثال أكيلا وبرسكلّة. وأخيرًا لِينُس هو ابن كلودية، ويبدو أنّه كان أوّل خلفٍ لبطرس على كرسيّ رومة(16).

الخاتمة

هكذا جلسنا بعض الوقت مع بولس في سجنه الثاني الذي فيه تنتهي حياته. سجنٌ قاسٍ لا يزوره إلاّ بصعوبة من يريد أن يزوره. ولكنّ الإيمان يرفع الرسول إلى ما وراء الجدران، فلا تقف بوجهه الحواجز ولا المسافات ولا بُعد الأشخاص أو تخلّيهم عنه. وإن هو قال: »لا أحد معي«، ففي الواقع الله معه، يعزّيه، يقوّيه، لا يدع اليأس يدخل إلى قلبه. ومن يكون سائرًا مع الله، مسجونًا مع الربّ يسوع، لا يمكن أن يكون وحده؛ فالكنيسة كلّها معه. وإن هو صلّى كما الربّ صلّى في بستان الزيتون، أو على الصليب، فلا بدّ أن يقول: لتكن مشيئتك يا ربّ. وفي النهاية: »يا أبتاه في يديك أستودع روحي، تمَّ كلُّ شيء«. ذاك كان وضع بولس في غروب حياته. ولكن مثلُ هذا الرسول لا يُلقي السلاح بسهولة؛ فهو الجنديّ الجالس على صهوة حصانه يوجّه الرسالة من عمق سجنه، بل يريد »مصاحف« الأسفار المقدّسة لكي يدعو الأمم إلى الإيمان، كما اعتاد أن يفعل. وإن هو مُنع، أَرسل هذا إلى هنا، وذاك إلى هناك. هكذا يتمجّد الله، فتهتف الكنيسة مع رسولها نحو الربّ: »له المجد إلى أبد الدهور. آمين«.

 
قديم 30 - 03 - 2024, 02:52 PM   رقم المشاركة : ( 156098 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,338

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




يا تيموتاوس تعال إليَّ سريعًا

عجيب أمرٌ هذا الرسول. هو في السجن وفي السجن القاسي، ولكنّه ليس محبوسًا. آفاقه العالم كله. ومع أنّه وحده، فحوْلَه العديدون العديدون. فبَعْد سجنٍ أوّل تحرّرَ منه سنة 63، مضى إلى اسبانية (رو 5: 23-28)، وعاد إلى كريت حيث ترك تيطس (تي 1: 5). من هناك مضى إلى نيكوبوليس في الإبير وفيه قضى فصل الشتاء (أف 3: 12). بعد ذلك، أتى إلى أفسس وسلّم الكنيسة إلى تيموتاوس (1تم 1: 3) قبل أن ينطلق إلى مكدونية. وإذ أُجبر بولس أن يترك أفسس بشكل نهائيّ، أَرسل تيخيكس (2 تم 4: 12)، ومرّ في ترواس لدى كاربوس؛ عنده نسي عباءته والكتب، تلك البرديّات التي ترافقه (2 تم 4: 17). قد يكون أتى بحرًا إلى ميليتس (آ 20) ساعة ما استطاع تروفيمس أن يواصل الطريق. ويبقى أنّ »الملاحقين« قبضوا على بولس في آسية: في ترواس أو في أفسس، ومن هناك نقلوه إلى رومة، وفيها دوَّن 2 تم وهو عارف أنّ موته قريب. كلّ جماعة آسية تخَلَّوا عنه، وها هو يموتُ وحده لولا وجود لوقائ؟ئ؟ئ؟(1)ئ؟.

هكذا يمكن أن نعيد تصوّر مسيرة بولس حين تركه لوقا في السجن، »يبشّر بملكوت الله، مُعلنًا بكل جرأة وحرّيّة تعليمه في الربّ يسوع« (أع 28: 31). نشير هنا إلى أنّ السجن الأوّل سنة 61-63 لم يكن قاسيًا. فيه أقام بولس سنتين كاملتين في المنزل(2) الذي استأجره، يرحِّب بكلّ من يزوره« (آ 30). أمّا السجن الثاني فكان قاسيًا جدٌّا؛ فالرسول هو »في القيود« (2 تم 1: 16) مثل »مجرم« (2: 19)، لا يسمحون لأحد أن يزوره إلاّ بصعوبة (1: 17). وهو يعــرف أنّ »ساعــة رحيلــه اقتربت« (4: 6).

في مثل هذه الظروف يبقى بولسُ بولسَ، وفي قلبه »الاهتمام بجميع الكنائس« (2كو 11: 28). فمن سجنه أرسل نظره إلى مناطق عديدة مرَّ فيها وتذكّر الرسالة. وبعينَيْ قلبه رأى الذين رافقوه هنا وهناك، مع أنّه لم يستطع أن يذكرهم كلّهم. أَمَا سبق له أن ذكرهم في الفصل الأخير من الرسالة إلى رومة؟ وفي النهاية، أعلن ألمَه القريبَ من ألم يسوع الذاهب إلى المحاكمة: الأعداء يهاجمون، والأصدقاء تركوه، وإن جاؤوا فهم بعيدون. وربّما أنشد ما أنشد يسوع على صليبه: »إلهي إلهي، لماذا تركتني« (مت 27: 46)، وابتعدتَ عن نجدتي وسماع أنيني؟ إلهي، في النهار أدعو فلا تجيب، وفي الليل فلا تحرّك ساكنًا« (مز 22: 2-3).
 
قديم 30 - 03 - 2024, 02:55 PM   رقم المشاركة : ( 156099 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,338

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




الرسول لا تقف في وجهه المسافات

بولس هو في رومة (2 تم 1:17). كان معه عددٌ من كنيسة آسية. والآن »تخلّوا عنه«. ماذا كانت رومة في ذلك الوقت؟ عاصمة الامبراطورية الرومانيّة. بدأت أسوارها تمتدّ على أحد عشر كيلومترًا. وسوف تتوسّع وتتوسّع فتضم مليون نسمة. وماذا يكون بولس في هذا الخضمّ؟ هو في سجن صغير. ربّما تحت الأرض، بالقرب من الكابّيتول، أو في مقاطع لاوتومية المحفوظة للعبيد. من يهتمّ به؟ لا أحد. وحين يُقطع رأسه على طريق أوستيا، لا تتغيّر الحياة في عاصمة الأمبراطوريّة. أمّا بولس فلا يمكن أن يُسجَن في رومة، ولا داخل جدران سجنه.

مضى نظر الرسول إلى تسالونيكي، تلك المدينة التي أسّسها كاسندري، بحسب تقليد رواه ستربوان (63 ق. م. - 25 ب. م.)، سنة 316 ق. م. تقريبًا، ودعاها باسم امرأته. كانت عاصمةَ مكدونية. تذكّر بولس لمّا جاء إليها مع الفريق الرسوليّ، ولا سيّما سيلا، خلال الرحلة الرسوليّة الثانية. وجدها مدينة حرّة يسوسها حكّام(3). وفعلَ كما يفعل كلّ مرّة: مضى إلى المجمع: »جادل اليهود ثلاثة سبوت، مستعينًا بالكتب المقدّسة، يشرحها ويبيّن لهم كيف كان يجب على المسيح أن يتألّم ويقوم من بين الأموات. وقال: يسوع هذا الذي أبشّركم به هو المسيح« (أع 17: 2-3). تذكّر بولس تلك المدينة التي أُجبر على تركها بسبب »الرعاع« الذين جمعهم اليهود (آ 5)؛ وتذكّر أنّه كتب إليهم أوّل رسائله: »صرتم مثالاً لجميع المؤمنين في مكدونية وآخائية، لأنّ كلام الربّ انتشر من عندكم، لا إلى مكدونية وبلاد أخائية وحدهما، بل ذاع خبرُ إيمانكم بالله في كلّ مكان« (1 تس 1: 7-8). أيّ استقبال استُقبل الرسول من قبل المؤمنين! واهتدوا فتركوا الأوثان...، ولبثوا على إيمانهم وما تزعزعوا(4).

ترك بولس تسالونيكي بسرعة، ولكنّ تيموتاوس لبث فيها (1 تم 3: 2) ساعة كان الرسول في أثينة. ويبدو أنّ بولس عاد إلى أثينة خلال الرحلة الرسوليّة الثالثة، وذلك بعد أن ترك أفسس بسبب الصياح كرامة للإلاهة أرطاميس (أع 20: 1). أحبّ بولس تسالونيكي حبٌّا جعل كورنتوس تغار (2 كــــو 2: 13)، فكان »لوم« من قِبَل عاصمة أخائية، وأنّ هذا الرجل يتبدّل: تارة يقول أنا آتٍ، وطورًا هو لا يأتي. قال لهم: »أمرُّ بكم في طريقي إلى مكدونية، ثم أَرجع من مكدونية إليكم...« (2 كو 1: 16). أمرٌ لا يطاق. فأُجبر الرسول أن »يعتذر«: »امتنعتُ عن المجيء إلى كورنتوس شفقة عليكم« (آ 23).

كيف يمكن أن ينسى تسالونيكي، وابنَها البارّ أرسترخس الذي رافقه في البحر، في رحلته الأخيرة إلى سجن رومة (أع 27: 2)، وأصابه ما أصاب بولس حين تحطّمت السفينة عند شاطئ مالطا. وسبق له أن رافقه مع سكوندوس المكدونيّ إلى ترواس (أع 20: 4)، مع آخرين من أماكن مختلفة.

بعد تسالونيكي ذكر بولس غلاطية (2 تم 4: 9). هذه المنطقة الجبليّة، حيث يعيش أناس جاؤوا من أوروبا الغربيّة، وأقاموا حول »أنقيرة« التي هي أنقرة الحاليّة. ما كان الرسول متوجّهًا إليها في الأصل، بل عابرًا عبورًا، ولكن أقعده المرض، فأُجبر على البقاء، وهناك حمل الإنجيل في عدد من القبائل التي حافظت على حياتها القشفة.

تذكّر بولس كيف استقبله السكّان هناك: »مثل ملاك الله، بل المسيح يسوع« (غل 4:14). اعتاد الناس أن يتطيّروا من المرض وسائر المصائب، ولكنّ الغلاطيّين لم يشعروا هذا الشعور، فقال لهم بولس: »كانت حالتي الجسديّة محنة لكم، فما احتقرتموني ولا كرهتموني، بل قبلتموني« (آ 14). أجل، كان الرسول مريضًا (آ 13)، فاهتمّوا به واستعدّوا أن يضحّوا بكلّ شيء من أجله. كتب إليهم: »أنا أشهد أنّه، لو أمكن الأمر، لكنتم تقتلعـون عيونكــم وتُعطــوني إيّـاها« (آ 15).

كنيسة غلاطية جعلها بولس عند الصليب، فسارت معه، ولكنّها ضلّت كما ضلّت »حوّاء« (2 كو 11: 13). ففي غلاطية كما في كورنتوس، جاء من يشوّش على الرسول: هو ما عرف المسيح بالجسد. إذًا يحتاج إلى رسائل توصية. هو ليس على مستوى العُمُد، أي بطرس ويعقوب ويوحنا. وأهمّ من كل هذا، رجع الغلاطيّون إلى الوراء؛ بعد أن صاروا مسيحيّين، ها هم يعودون إلى الممارسات اليهوديّة.

هم أبناء سارة، صاروا أبناء هاجر. هم أبناء الحرّة، عادوا إلى العبوديّة، فكان الرسول قاسيًا معهم: »أيّها الغلاطيّون الأغبياء! مَن الذي سحر عقولكم، أنتم الذين ارتسم المسيح أمام عيونكم مصلوبًا؟« (غل 3: 1).

هل اقتنعوا منه، أم ارتضوا أن يبقوا قاصرين؟ كان العبدُ يقود الولد إلى المدرسة؛ فهل يبقى الولدُ ولدًا؟ والشريعة هي »مربّية« تقود الناس إلى المسيح، فهل يبقى الغلاطيّون تحت الوصاية أم يتذكّرون أقوال الرسول: »فلما تمّ ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا لامرأة، وعاش في حكم الشريعة، ليفتدي الذين هم في حكم الشريعة، حتى نصير نحن أبناء الله« (غل 4: 4-5)؟ أنت ابن، فهل تتخلّى عن البنوّة؟ أنت وارث، فهل تحتاج بعدُ إلى وكيل؟ أنت تدعو الله »أبّا« كما الطفل يدعو والده، فلماذا تخاف خوف العبيد وتضع النير على كتفك؟(5).

***
 
قديم 30 - 03 - 2024, 02:57 PM   رقم المشاركة : ( 156100 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,338

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






دلماطية هي مقاطعة رومانيّة وصل إليها بولس الرسول


دلماطية. هي مقاطعة رومانيّة. تُجاور الليريكون الواقع بين البحر الأدرياتيكيّ والساف، ذاك النهر الذي يولَد في سلوفينيا، ويصبّ في الدانوب في بلغراد، عاصمة يوغوسلافيا القديمة. هذه المقاطعة المتوسّطيّة التي تأثّرت باكرًا بالحضارة اليونانيّة (منذ القرن السابع ق. م.)ئ؟(6)، وصل إليها بولس الرسول الذي تحدّث عن امتداد الرسالة، رسالته والفريق العامل معه، من أورشليم إلى الليريكون. يبدو أنّ بولس بشّر هذه المنطقة السلافيّة خلال الرحلة الرسوليّة الثالثة (أع 20: 1-3).

إلى هناك مضى بولس، وتمنّى أن يصل إلى حدود الأرض المعروفة إلى جبل طارق، الذي دُعيَ في الماضي عمود هرقل. هكذا تكون البشارة وصلت إلى أقاصي الأرض. هذه التسميات تدلّ على أنّ الرسول قضى زمن رسالته في رواح ومجيء، لأنّه ما أراد أن يبني على أساس غيره، ولا هو اعتبر نفسه يعمل عملاً عظيمًا حين يحمل البشارة. قال عن نفسه: »الويل لي إن لم أبشّر«. وهكذا رأيناه يبشّر حتى في سجن رومة، كما في السفينة التي كانت تُقلّه سجينًا بعد أن رَفع دعواه إلى قيصر.

وها نحن نصل إلى أفسس. ذكريات في أفسس عاشها الرسول، وكأنّي به توقّف عن السفر، فلبث في تلك المدينة ثلاث سنوات، وهكذا امتدّت الرسالة إلى البعيد. أفسس هي سلجوك اليوم، في تركيا؛ مدينة تغوص في القدم، وتعود إلى الألف الثاني. عرفت باكرًا الحضارة اليونانيّة، وإن احتلّها الفرس فترة من الزمن. منذ سنة 129 ق. م.، هي عاصمة آسية(7) الصغرى المشهورة بغناها.

تذكّر بولس خبرته الرائعة في هذه المدينة المشهورة بمعبدها المكرّس للإلاهة أرطاميس. قال رئيس الصاغة: »تعرفون، أيّها الإخوان، أنّ رخاءنا يقوم على هذه الصناعة« (أع 19: 25)، صناعة تماثيل صغيرة لأرطاميس يحملها »الحجّاج« إلى بيوتهم. وهكذا »سقطت« أرطاميس ومعها سائر الأصنام، إن لم يكن الآن، فبعد وقت قصير أو طويل. وستصبح أفسس مدينة العذراء مريم.

وتذكّر بولس ما حدث له مع »أبناء سكاوا«: في الأصل، هو شرّ يضرّ بالرسالة. ولكن في النهاية، الله يحوّل الشرّ إلى خير. ماذا كانت النتيجة؟ »سمع أهل أفسس كلّهم، من يهود ويونانيّين بهذه الحادثة، فملأهم الخوف، وتعظّم اسمُ الربّ يسوع« (آ 17). هؤلاء الذين يتاجرون باسم يسوع ويستخدمون اسمه (آ 13) نالوا عقابهم. الربّ هو الذي دافع عن اسمه؛ فقال الروح الشرير: »أنا أعرف يسوع وأعلم من هو بولس« (آ 15). أمّا الخوف فهو خوف مقدّس من قدرة الله التي تعمل بواسطة مرسَليه. وفي أيّ حال، عاد المجد لله، لا للبشر. وكما »دُمّرت« الأوثان، سوف تزول أعمال السحر: »فجاء الكثير من المؤمنين يعترفون ويُقرّون بما يمارسون من أعمال السحر، وجَمَع كثيرٌ من المشعوذين كتبهم وأحرقوها أمام أنظار الناس كلهم، وحسبوا ثمن هذه الكتب، فبلغ خمسين ألف درهم« (آ 19).

آمنوا فما تأخّروا في التعبير عن إيمانهم. أناس تركوا أصنامهم، وآخرون تركوا هذه »الترهّات« التي هي أعمال السحر بما فيها من كذب وتدجيل. زالت الحواجز أمام البشارة، فاستخلص القديس لوقا: »بقدرة الربّ، كانت الكلمة تنمو وتتقوّى« (آ 20). الكلمة هي يسوع المسيح كما نقرأ في أع 6: 7 في خطّ الإنجيل: »وكان الطفل يسوع ينمو ويتقوّى ويمتلئ حكمة« (لو 2: 40).

طالت إقامة الرسول، ثلاث سنوات، ففتح »مدرسة«، وكان يعلّم كلّ يوم، »من الساعة الحادية عشرة قبل الظهر إلى الساعة الرابعة بعد الظهر«، أي ساعة الغداء والقيلولة، وهو وقت لا يقدر صاحبُها أن يعلّم فيه. مدرسة تخصّ تيرانوس، أحد معلّمي البلاغة في المدينة، أو هو قدّمها، أو هو أجَّرها. ومهما يكن من أمر، كان لهذه »المدرسة« إشعاع كبير، »حتّى سمع جميع سكان آسية من يهود ويونانيين كلام الربّ« (أع 19: 10 ).

كلّ هذا تذكّره بولس من غياهب سجنه. كما تذكّر أولئك الذين وسّعوا الرسالة، فما انحصرت في أفسس، بل امتدّت إلى كولوسّي، مع »إبّفراس رفيقِنا الحبيب في العمل والخادم الأمين للمسيح عندكم« (كو 1: 7). ولا شكّ في أن أرخبُّس كان أيضًا من كولوسي (فلم 13؛ كو 4: 17)، فعمل مع العاملين، وصولاً إلى لاودكية، تلك المدينة (التركيّة اليوم، قرب دنيزلي) التي بناها أنطيوخس الثاني خلال القرن الثالث، وربّما إلى هيرابّوليس القريبة.

وفي النهاية، يتذكّر الرسول ترواس، تلك المدينة الواقفة على الشاطئ الآسيويّ لمضيق الدردنيل. أسّسها الإسكندر تذكّرًا لملحمة هومير (الألياذة، واسم المدينة: طروادة). كانت مدينة حرّة ومرفأ هامٌّا. أبحر منه بولس مرّة أولى (أع 16: 8، 11) من أجل الدخول إلى أوروبّا في نيابّوليس. ومرّة ثانية حين أراد الذهاب إلى كورنتوس، فإذا هو يُجبَر على الذهاب إلى مكدونية، لأنّه ما وجد تيطس أخاه (2 كو 2: 12).

ذكرياتٌ في ترواس، ثمّ في ميليتس، تلك المدينة التي استوطنها منذ القدم أناس من جزيرة كريت. توقّف فيها بولس »لأنّه رأى أن يتجاوز أفسس في البحر لئلاّ يتأخّر في آسية، وهو يريد السرعة لعلّه يصل إلى أورشليم في يوم الخمسين« (أع 20: 15-16).

في ترواس التأمت الجماعة يوم الأحد »لكسر الخبز«، أي للاحتفال بالإفخارستيّا. القسم الأول هو قسم الكلمة؛ تكلّم بولس »وأطال الكلام إلى منتصف الليل« (آ 7)؛ في ذلك الوقت، سقط »فتى اسمه أفتيخوس كان جالسًا عند النافذة وأخذه النعاس« (آ 8). هنا تصرّف الرسول كما تصرّف معلّمُه حين أتى إلى بيت يائيرس رئيس المجمع: »ما ماتت الصبيّة، لكنّها نائمة!« (مر 5: 39). وبولس قال: »لا تقلقوا، فهو حيّ« (أع 20: 10أ). وفعل كما فعل إيليّا: »ارتمى على الولد وحضنه« (آ 10ب).

وتابع الرسول »القداس«، انتقل من »مائدة الكلمة« إلى »مائدة القربان«. »صعد إلى الغرفة العليا وكسر الخبز، وحدّثهم طويلاً إلى الفجر ومضى« (آ 11). في ذلك الوقت »جاؤوا بالفتى حيٌّا« (آ 12).

وفي ميليتس مشهد الوداع ووصيّة بولس الأخيرة. »أنا أعرف أنّكم لن تروا وجهي بعد الآن« (آ 25). ذكّرهم برسالته بينهم، باندفاعه، بتجرّده. نبَّههم من التعاليم الضالّة: »أنا أعرف أنّ الذئاب الخاطفة ستدخل بينكم بعد رحيلي ولا تشفق على الرعيّة. ويقوم من بينكم أناس ينطقون بالأكاذيب ليضلِّلوا التلاميذ فيتبعوهم« (آ 29-30).

»ولمّا ختم بولس كلامه، سجد معهم كلّهم وصلّى.وبكوا كثيرًا وعانقوا بولس وقبّلوه« (آ 36). كانت تلك آخر مرّة يلتقي شيوخ أفسس والمسؤولين فيها. وكانت كلمته الأخيرة: »والآن أَستودعُكم الله وكلمة نعمته« (آ 32). وهو الآن يصلّي معهم ولأجلهم. في الماضي، سلّمهم إلى الله، وهو اليوم يسلّمهم كما يسلّم جميع الكنائس التي مرّ فيها وأسَّسها، ولا سيّما كورنتوس حيث بقي أراستس (2 تم 4: 20)، أحد معاونيه (أع 19: 21)، والذي يُرسل سلامَه في نهاية الرسالة إلى رومة مع »غايس وكوارتُس« (رو 16: 23).
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 12:57 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024