![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 155961 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() جميعنا قد تشوهنا بقبح الخطيئة، ولكن الله أرسل ابنه فلمسنا ومنحنا الفرصة للشفاء. اليوم لنا فرصة اللقاء بالمسيح، إنَّه يدنو منَّا برحمته وشفقته. وليس لنا سبيل للشِّفاء إلاَّ أن ندنو بدورنا منه كما دنا منه أبْرَص الإنجيل ونطلب شفاء لمن له القدرة على الشِّفاء، وكلنا إيمانٌ بسلطان يسوع على بَرَص الخطيئة وشفاء الجسد والنَّفس والرُّوح. ويسوع لا يشترط علينا إلاَّ أن نعلن حاجتنا ونطلب الرَّحمة والغفران والشِّفاء شأن كل طبيب حكيم لا يُقبل على معالجة مرضاه بغير رضاه. فلنقل له مع الأبْرَص" أَنتَ قادِرٌ على أَن تُبرِئَني". |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 155962 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() البابا فرنسيس: "إن يسوع بشفائه الأبْرَص لم يتسبب في أي ضررٍ لمن هو سليم، بل على العكس حرَّره من الخوف؛ لم يقدِّم له أي خطر، بل منحه أخًا؛ لم يزدرِ بالشَّريعة، إنَّما قدَّر الإنسان الذي من أجله أٌعطيت الشَّريعة". "مَن قالَ إِنَّه مُقيمٌ في (المسيح) وَجَبَ علَيه أَن يسِيرَ هو أَيضًا كما سارَ يَسوع" (1 يوحنا 2: 6). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 155963 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() يدعونا يسوع بشفائه الأبْرَص أن نقبل جميع الذين يعانون من أي نوع من الإقصاء، ويعلق البابا فرنسيس: "إن يسوع بشفائه الأبْرَص لم يتسبب في أي ضررٍ لمن هو سليم، بل على العكس حرَّره من الخوف؛ لم يقدِّم له أي خطر، بل منحه أخًا؛ لم يزدرِ بالشَّريعة، إنَّما قدَّر الإنسان الذي من أجله أٌعطيت الشَّريعة". "مَن قالَ إِنَّه مُقيمٌ في (المسيح) وَجَبَ علَيه أَن يسِيرَ هو أَيضًا كما سارَ يَسوع" (1 يوحنا 2: 6). يدعونا الأبْرَص إلى طلب الشفاء الخلاص، وبالتحديد إلى الشِّفاء النَّفسي الجَسدي والرُّوحي. وشفاء الأبْرَص هي إشارة إلى شفاء يسوع له، شفاء حقيقي يُعيد الإنسان إلى عالم الصَّحة الذي نصبو إليه كلنا. ولكن شفاء البَرص له أيضا بُعد رمزي روحي: حين يشفى يسوع الأبْرَص الذي كان نجسًا ومبعدًا عن الجماعة دلالة على تحرير روحي حمله إلى هذا المريض، كما أعلن رفضه لاستبعاد أي إنسان وتهمشيه، لأنَّ لكل إنسان كرامته. إن علامتنا الفارقة هي استعدادنا الكامل لخدمة الآخرين. وفي خدمتنا للآخرين يكمن عنوان شرفنا الأوحد! لذلك لنتساءل مَن هو الأبْرَص الذي أتجنّبهُ في حياتي، الذي لا أُخاطبهُ بكلمة، والذي قطعتُ كلّ علاقة معهُ؟ هل أنا مستعد أن ألمس أخي أو أختي المُصابين بالمرض والذين لا أكترث بهم، وأن أتعاطف معهم وأرغب في مسامحتهم؟ |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 155964 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() أيها الآب السَّماوي، نطلب إليك، باسم يسوع ابنك الحبيب، إيمان الأبْرَص لأنَّك أنت القادر على منحنا نعمة الشِّفاء الكاملة من كل ما نعاني منه من أمراض جسديَّة ونفسيَّة وروحيَّة |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 155965 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() أيها الآب السَّماوي، نطلب إليك، باسم يسوع ابنك الحبيب، ساعدنا بمدِّ يد المساعدة للآخرين دون أن نستنكف اشمئزازا من أي شخص آمين |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 155966 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() باسم يسوع ابنك الحبيب، ساعدنا بمدِّ يد المساعدة للآخرين وأن نرى فيه خليقة الله المباركة ونساعده كأخٍ كي يتخلص من شر خطيئة والمرض آمين |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 155967 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() باسم يسوع ابنك الحبيب، أيَّها الاله أعمل معنا وفينا لتساعدنا وترحمنا فليس لنا سواك لك المجد والإكرام والقدرة ابد الدُّهور آمين |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 155968 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() قصة: أبْرَص مازال على قيد الحياة في مستشفى خاص بمرضى البَرَص، أثار فضول إحدى الرَّاهبات الممرضات رجلٌ كان قد تآكل وجهه تقريبًا بهذا المرض، وبقيَ بالرُّغم من ذلك يحتفظ بابتسامة مُشرقة. وفي سعيها لمعرفة سرّهِ، اكتشفت الرَّاهبة أنّ هذا الأبْرَص يذهب كلّ يوم، بعد الغذاء إلى موضع حيث يصعد على بعض الحجارة لينظر من فوق السُّور. وكان يبقى في هذه الوضعيَّة لمدّة عشر دقائق ثم ينزل وقد أضاءت وجهه ابتسامة مُشرقة. وعندما سألته الرَّاهبة عن ذلك، أجابها بأنّ زوجته – التي اعتنت به حتى لم يعُد ذلك ممكنًا – تأتي لتراه كلّ يوم. وأضاف "إنّ حبُّها الذي يجعلني أعلم بأنّني ما زلتُ على قيد الحياة". ويحثُنا بولس الرَّسول " لِيَحمِلْ بَعضُكم أَثْقالَ بَعض وأَتِمُّوا هكذا العَمَلَ بِشَريعةِ المسيح " (غلاطية 6: 2) وفي مكان آخر يقول " أُناشِدُكم، أَنا السَّجينَ في الرَّبّ، أَن تَسيروا سيرةً تَليقُ بِالدَّعوَةِ الَّتي دُعيتُم إِلَيها، سيرةً مِلؤُها التَّواضُعُ والوَداعَةُ والصَّبْر، مُحتَمِلينَ بَعضُكُم بَعضًا في المَحبَّة " (أفسس 4: 2). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 155969 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() أبْرَص يَشفي القدّيس فرنسيس في يوم من الأيّام، بينما كان فرنسيس الشَّاب يمتطي حصانه قُرب مدينة أسيزي، أقبل إليه أبْرَص. وكان فرنسيس على عادته يرتعب من مرضى البَرَص. لهذا، غالب نفسه وترجّل عن مطيته وأعطى الأبْرَص قطعة من الفضَّة مُقبّلًا يده في آنٍ معًا. وبعد أن تلقّى من الأبْرَص قبلة السَّلام، عاد وامتطى حصانه ومضى متابعًا سيره. من تلك اللحظة، بدأ فرنسيس يتغلّب على نفسه حتّى حقّق انتصارًا كاملًا على نفسه بفضل الله. وبعد بضعة أيّام، توجّه القدّيس فرنسيس إلى مأوى مرضى البَرَص متزوّدًا بكميّة كبيرة من المال، وبعد أن جمعهم حوله، تصدّق على كلٍّ منهم بقطعة نقديَّة مُقبّلاً أياديهم. وبعد عودته، شُفي مِمّا كان يبدو له مريرًا – أي خوفه من رؤية أو لمس أيّ أبْرَص– وتحوّل إلى عذوبة وحلاوة. فقد كانت رؤيته البَرَص، كما كان يحدث له أن يقول، مؤلمة لدرجة أنّه كان يرفض أن يراهم، لا بل كان أيضًا يرفض حتّى الاقتراب من مقرّهم. وإن كان يصدف له أن يراهم أحيانًا أو أن يمرّ من أمام بيت البَرَص، كان يشيح بوجهه بعيدًا عنه سادًّا أنفه. لكن نعمة الله جعلته ملازمًا لمرضى البَرَص إلى درجة أنّه، كما شهد في وصيّته، كان ينزل بينهم ويخدمهم بكلّ تواضع. فكان لزيارته إلى مرضى البَرَص الأثر الكبير في تحوّله. (سيرة حياة القدّيس فرنسيس الأسيزي كما رواها ثلاثة من رفاقه، 11). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 155970 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() يسوع يَغْفِر خطايا مُقْعَد ويَشْفيه في كفرناحوم الأحد السَّابع للسَّنة: يسوع يَغْفِر خطايا مُقْعَد ويَشْفيه في كفرناحوم (مرقس 2: 1-12) النَّص الإنجيلي مرقس 2: 1--12) 1 وعادَ بَعدَ بِضعَةِ أَيَّامٍ إلى كَفَرناحوم، فسَمِعَ النَّاسُ أَنَّهُ في البَيت. 2 فاجتَمَعَ مِنهُم عَدَدٌ كثير، ولَم يَبقَ موضِعٌ خالِيًا حتَّى عِندَ الباب، فأَلقى إِلَيهِم كلِمةَ الله، 3 فأَتَوه بمُقعَدٍ يَحمِلُه أربَعَة رِجال. 4 فلَم يَستَطيعوا الوُصولَ بِه إِليه لِكَثرَةِ الزِّحام. فَنَبشوا عنِ السَّقفِ فَوقَ المَكانِ الَّذي هو فيه، ونَقَبوه. ثُمَّ دَلَّوا الفِراشَ الَّذي كانَ عليه المُقعَد. 5 فلَمَّا رأَى يسوعُ إِيمانَهم، قالَ لِلمُقعَد ![]() مقدمة يُقدِّم إنجيل مرقس أولَّ خمسة جِدالات يصف فيها مقاومة الكتبة والفِريسيِّين التَّصاعديَّة لرسالة يسوع وهويته؛ وتدور هذه الجدالات حول مغفرة خطايا الرَّجُل المُعَقد (مرقس 2: 1-12)، واستقبال العشّارين والخطأة وتناول الطَّعام معهم (مرقس 2: 13 -17)، والصَّوم (مرقس 2: 18 -22)، ويوم السَّبت (مرقس 2: 23 -28؛ 3/ 1 -6). فمن خلال المجادلة الأولى، يُظهر يسوع حقيقة هويّته الكرستولوجيَّة وصِحّة تعليمه ومصدره الإلهيّ؛ إنَّه صاحبُ سُلطان مغْفِرة الخطايا تجاه المُقْعَد وتجاه الكتبة وتجاهنا نحن الخطأة. فالأهم في رسالة يسوع، هو علاقة الإنسان مع الله الرَّحيم. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النَّص الإنجيلي وتطبيقاته. أولًا: وقائع النَّص الإنجيلي (مرقس 2: 1--12) 1 وعادَ بَعدَ بِضعَةِ أَيَّامٍ إلى كَفَرناحوم، فسَمِعَ النَّاسُ أَنَّهُ في البَيت تشير عبارة " وعادَ بَعدَ بِضعَةِ أَيَّامٍ " في الأصل باليوناني εἰσελθὼν πάλιν (معناها دخل من جديد) إلى عودة يسوع إلى كفرناحوم بعد خروجه إلى القرى المجاورة كي يكرز في مجامعهم ويطرد الشَّياطين. وفي القواقع، بعدما شفى الأبرص (مرقس 1: 40-45) وتابع عمله في أماكن عديدة، ها هو يعود إلى كفرناحوم. أمَّا عبارة "كَفَرناحوم" فتشير إلى مدينة يسوع التي اختارها مركزًا له طيلة مدة ة تبشيره في الجليل (متى 9: 1)، خاصة في بداية حياته العلنيَّة. وعلَم في مجمعها، ودفع فيها الجزية (متى 17: 24-27)، ويُعلق العلامة أوغسطينوس "أن كفرناحوم أشبه بعاصمة الجليل، وقد حسب السَّيد المسيح الجليل ككل مدينته أو وطنه الخاص". فكانت كفرناحوم المدينة الأولى، التي يُظهرُ فيها يسوعُ قدرتَه في التَّعليم وفي طرد الأرواح النَّجسة، وفي شِفَاء المرضى، وذلك في برنامج أوّل يوم سبت (مرقس 1: 21-34). كانت كفرناحوم مدينة كثيفة السُّكان وغنيَّة بسبب صيد السَّمك والتَّجارة فيها، وكان بها حاميَّة رومانيَّة مُهمتها حفظ السَّلام والنِّظام في المنطقة. إن ما فعله يسوع في الماضي، يفعله اليوم في كل مدينة تقيم فيها جماعة مسيحيَّة. أمَّا عبارة "فسَمِعَ النَّاسُ " فتشير إلى دخول يسوع المدينة سرًّا، وخروجه منها (مرقس 1: 35) لئلا يزدحم النَّاس عليه، كما تدلُّ الآية السَّابقة "لا يَستَطيعُ يسوع أَن يَدخُلَ مَدينةً عَلانِيَّة، بل كانَ يُقيمُ في ظاهِرِها في أَماكِنَ مُقفِرَة، والنَّاسُ يَأتونَه مِن كُلِّ مَكان (مرقس 1: 45). أمَّا عبارة " البَيت " فتشير إلى "بَيتِ سِمعانَ وأَندَراوس"، حيث يجد يسوع نفسه في بيته، وهناك شفى يسوع حماة بطرس، هو البيت الوحيد المذكور سابقًا في كفرناحوم (مرقس 1: 29). وصار هذا البيت بمثابة مركز ليسوع في أثناء إقامته في الجليل (مرقس 2: 1، 3: 19و9: 33). ثم أصبح بيت – كنيسة، Domus Ecclesia موضع اجتماع المسيحيِّين الأوَّلين (1 قورنتس 11: 34)، وفي أيامنا الحاضرة تحوّل هذا البيت إلى كنيسة عظيمة على شكل قارب. ولكن مفهوم "البيت " اتخذ في الجماعة المسيحيَّة الأولى دلالة كنسيَّة حيث كانت الكنيسة تجتمع في البيت لتأمّل كلمة الله ولكسر الخبز. ويُعلق القديس أمبروسيوس "لفظة البيت يمكن أن نفهمها على أنَّها " بيت الكنيسة" أو "بيتنا الباطني "حين نتكلم في داخلنا" (شرحه في سفر المزامير 36: 65-66). 2 فاجتمع مِنهُم عَدَدٌ كثير، ولَم يَبقَ موضِعٌ خالِيًا حتَّى عِندَ الباب، فأَلقى إِلَيهِم كلِمةَ الله تشير عبارة "عَدَدٌ كثير" إلى أشخاص كثيرين، في حين أنَّ متى الإنجيلي لا يحُدِّد العدد بل يقول "فإِذا أُناسٌ يَأتونَه"(متى 9: 2). أمَّا لوقا فيذكر أنَّ "بَينَ الحاضِرينَ بَعضُ الفَرِّيسيِّنن ومُعَلِّمي الشَّريعة أَتَوا مِن جَميعِ قُرى الـجَليلِ واليَهوديَّةِ ومِن أُورَشَليم" (لوقا 5: 17). وسبق واجتمعت الجماهير حول يسوع (مرقس 1: 32-34). وفي الآيات اللاحقة نجد أيْضًا تحلّق الشَّعب حوله (مرقس 3: 20) حيث يدل هذا المشهد الجماهيري على مدى شُهرة يسوع المُتنامية. أمَّا عبارة "أَلقى إِلَيهِم " في الأصل باليوناني ἐλάλει αὐτοῖς (معناها يخاطبهم) فتشير إلى مخاطبة يسوع الجمهور المُحتشد في بيت بطرس وعند باب بيته. فالمناداة بكلمة الرَّبّ ليست بالضرورة أن تكون محصورة في المجامع والكنائس وفي يوم الرَّبّ، بل يجب أن نغتنم كل فرصة مناسبة لذلك اقتداء بالمسيح الذي يُبشِّر في البيت وعلى الجبل وفي البرِّيَّة وفي السَّفينة وعند بير يعقوب. وأمَّا عبارة " كلِمةَ الله " في الأصل اليوناني λόγον (معناها الكلمة) فتشير إلى البشرى السَّارة التي حملها يسوع إلى البشر، وهي جوهر رسالة يسوع (مرقس 4: 14 و33)، إنّها الكلمة التي تعلّم وتشفي وتطرد الأرواح النَّجسة وتغفر (مرقس 2: 2). "المخاطبة بالكلمة" تبدو وكأنّها عبارة من التَّقليد، وتعني البشارة المسيحيَّة، وما الوعظ أو الكرازة المسيحيَّة إلاّ امتداد لتعليم وعمل يسوع في الكنيسة، كما ورد في سفر أعمال الرسل "فأَخَذوا يُعلِنونَ كلِمَةَ اللهِ بِجُرأة. (أعمال الرسل 4: 29)؛ وكانت الكنيسة الأولى تستعمل عبارة "كلمة الله " للدلالة على رسالة المسيح. 3 فأَتَوه بمُقْعَد يَحمِلُه أربَعَة رِجال تشير عبارة "فأَتَوه بمُقْعَد" إلى مُقْعَد من يساعده ليأتي إلى يسوع عكس مُقعَد بركة بيت حسدا الذي كان ينتظر إنسانًا كي يساعده على النزول إلى البركة (يوحنا 5: 5). وكان هذا المُقْعَد لا شِفَاء له مُلقى على سريره. وبعد أن استنفذ جهد الأطباء، أتى محمولًا على أكتاف أهله، إلى الطبيب الحقيقي الوحيد، يسوع المسيح تاركين يسوع يفعل ما يشاء. أمَّا عبارة "مُقعَد" في الأصل اليوناني παραλυτικός (معناها كسيح) فتشير إلى رجل عاجز عن المشي، قد يكون كسيحًا أو مُخلَّعًا أو مفلوجًا، غير قادر على الحركة والتَّحكّم بمكان وجوده؛ ومن أسبابه السَّكتة الدِّماغيَّة، وهو أنواع، منها الشَّلل النِّصفي وهو المشهور، وكذلك الشَّلل الرَّبّاعي ومن أعراضه أيْضًا صعوبة الكلام. وهو الرَّجُل الّذي انغلق وجوده على فراشه لا يغادره، وعلى صدقة يطلبها، متعلّق كليًّا بحسنة الآخرين ومساعدتهم في رفعه ونقله. قد كان هذا المُقْعَد ربما في حجر صحي لكن أربعة أشخاص حملوا المُقْعَد وساروا به ليصل إلى يسوع، شافي النفس وطبيب الجسد. أمَّا عبارة " يَحمِلُه " فتشير إلى حاجة المُقعَد للآخرين ليأتوا به إلى يسوع. هذا هو مفهوم الشَّفاعة؛ والشَّفاعة والصَّلاة والتَّضرعات من أجل الآخرين مقبولة عند الله ومستجابة لديه. ولم يذكر عدد الحملة سوى إنجيل مرقس، وأمَّا إنجيل متى (9: 1-8) ولوقا (5: 17-26) فيذكران انَّهم كانوا يحملونه على فراش، وهذا يدل على المرض أصاب كلَّ جسده فلم يستطع الحركة. مدح القديس يوحنا الذهبي الفم هؤلاء الرِّجَال، قائلًا" وضعوا المريض أمام المسيح ولم ينطقوا بشيء بل تركوا كلَّ شيء له". وأصبحت مسألة حمل المرضى إلى يسوع عادة نجدها مع الأصمّ (مرقس 7: 32)، والأعمى (مرقس 8: 22)، والصَّبي المُصاب بالصَّرع (مرقس 9: 20). يُظهر مرقس الإنجيلي البُعد الكنسيّ مشدداً على دور الجماعة، وهو حمل الأكثر ضعفًا وفقرًا ومرضًا أمام يسوع الشَّافي والغَافر. وما أروع خدمة نقدِّمها لإنسان، بوضعه أمام المسيح الذي يعرف احتياجاته. وما أجمل أن تكون صلواتنا عرضًا أمام الله وكلنا إيمان وثقة أنَّه يهتم بنا ويهبنا أكثر مِمَّا نسأل وفوق ما نحتاج! أمَّا عبارة " أربَعَة رِجال " فتشير إلى أصدقاء المُقعَد حيث ألّف بين قلوبهم عمل الرحمة المُشترك؛ ولو لم يكن المُقْعَد محبوبًا وعزيزًا على أصدقائه لما تكبُّدوا بحمله ليأتوا به إلى السَّيد المسيح، وكان هناك إيمان وثقة بين المريض وأصدقائه بأن يسوع المسيح سيشفي صديقهم. فالله يسخّر كل شيء من أجل أحبائه (رومة 8: 28). ويرى بعض المفسِّرين في رقم أربَعَة دلالة على الإمبراطوريّات الأربَعَة الوارد ذكرها في نبوءة دانيال (دنيال 7)، إذ ورد في النَّص الإنجيلي أن يسوع كابن الإنسان ذكر أيْضًا في سفر دانيال. ورأى البعض الآخر أنَّ الرِّجَال الأربَعَة يُمثلون أقطار المسكونة الأربَعَة التي تحمل مرضى العَالَم إلى يسوع، وآخرون يقولون أنّ أربَعَة رِجال يُمثلون بإيمانهم موقف التَّلاميذ الأربَعَة الذي اختارهم يسوع في بداية رسالته وهم: بطرس واخوه اندراوس، ويعقوب ويوحنا اخوه (مرقس 1: 14-20). ويرى البعض الآخر أنَّ هؤلاء الرِّجَال الأربَعَة يشيرون إلى الكنيسة كلها: كهنة (3 رتب: الأسقفيَّة، الكهنوتيَّة، الشَّماسيَّة) وشعبًا، إذ يلتزم أن يعمل الكل معًا بروح واحد لكي يقدِّموا كل نفس مُصابة بالمرض للسَّيد المسيح. فالكنيسة هي أمّ ومعلّمة. هي الأمّ التي تتحنّن على ابنها، فتعطيه الغذاء المناسب، وتحمله إلى كلّ مصدر أمان وخلاص له. لقد حرَّكت حالة المُقْعَد هؤلاء الرِّجَال الأربَعَة، هل تحركنا حاجة الإنسان لأعمال الرحمة؟ هل نبحث عن فرص سانحة كي نحضر أصدقاءنا المحتاجين أو المرضى أو الخطأة إلى المسيح؟ إنها فرصة ذهبيَّة لنقرِّب الخطأة إلى ربِّهم وشافيهم. فهل نعلم أنّ عند الرَّبّ تتبدّل حياتنا، وهل نتعلّم أن نكون مُحبّين فنحمل الآخرين إلى الرَّبّ. لنسأل أنفسنا: بأيّ طريقة يُمكننا أن نساعد في شِفَاء عَالَمنا اليوم؟ 4 فلَم يَستَطيعوا الوُصولَ بِه إِليه لِكَثرَةِ الزِّحام. فَنَبشوا عنِ السَّقفِ فَوقَ المَكانِ الَّذي هو فيه، ونَقَبوه. ثُمَّ دَلَّوا الفِراشَ الَّذي كانَ عليه المُقعَد تشير عبارة "كَثرَةِ الزِّحام" إلى البيت المُزْدحم لوجود فيه يسوع وتلاميذه والفَرِّيسيِّنن والكتبة والجمهور، كما يلاحظ إنجيل لوقا "بَينَ الحاضِرينَ بَعضُ الفَرِّيسيِّنن ومُعَلِّمي الشَّريعة أَتَوا مِن جَميعِ قُرى الـجَليلِ واليَهوديَّةِ ومِن أُورَشَليم" (لوقا 5: 17). ونتيجة الزِّحام أيضًا هو أنَّ يسوع " كانَ يَتَكَلَّمُ بِسُلطان " (لوقا 4: 32)، وكان له سُمْعة بشِفَاء المرضى وإخراج الشَّياطين. أَمَّا عبارة " نَبشوا" في الأصل اليوناني ἀπεστέγασαν (معناها كشفوا) فتشير إلى الكشف عن السَّقف المصنوع من الطَّين والقَشِّ وجذوع أغصان الشَّجر. إذ صعدوا على السَّطح إمَّا من خارج البيت عن طريق الدَّرج أو من خلال بيت أحد الجيران (لوقا 5: 19). من يريد الوصول للرِّبِّ يسوع يلزمه التَّعب والمثابرة وتجنُّب اليأس والإحباط. أَمَّا عبارة " نَقَبوه" في الأصل اليوناني ἐξορύξαντες (معناها ثقب) فتشير إلى إزالة جزء من الطَّين والقَشِّ لفَتْح ثُغْرة في السَّقف. فقد كانت جدران البيوت في كَفرْناحوم أيام المسيح تُبنى بالحجارة، ولها سقوفٌ مُسطَّحة من الطَّين والقّشِّ، وفي السَّقف فتحةٌ مغطَّاة وتُفتح وقت الحاجة لكي يدخل النُّور وأشعة الشمس إلى البيت. وكان ضيف الشَّرف يجلس هناك. وكان هناك درجٌ خارجي يؤدي إلى السَّطح. وهكذا استطاع هؤلاء الرِّجَال بعزمهم وتصميمهم أن يحملوا المُقعَد على الدَّرج الخَارجي إلى السَّطح ويحفروا فتحة، ثم يدلوا منها صاحبهم المُقعَد إلى أمام يسوع (لوقا 5: 18). وكان هذا العمل دليلًا حِسّيًّا على إيمانهم وشِدَّة رغبتهم في شفاء مريضهم المُقَعد بالرُّغم من الموانع الكثيرة. وأمَّا لوقا الإنجيلي فيتحدث عن قرميد في السَّطح، ودلَّوْهُ بِسَريرِه مِن بَينِ القِرْميد κεράμων " (لوقا 5: 19)، لأنه يتخيل هذا البيت على نمط البيوت اليونانيَّة. ويدل هذا المشهد أيْضًا على أنَّ النَّاس يُحاولون الاقتراب من يسوع بجميع الوسائل المُتاحة، لذلك يتجاوب يسوع معهم في الحال. ويُعلق القديس أوغسطينوس " إذا أردْتَ أن تصلَ إلى الطَّبيبِ لتشرحَ له ما هو خافٍ، انقُبِ السَّقفَ وضَعِ المُقْعَد أمامَ الرَّبّ، (أي انقُبْ سقفَ نفسِك وادخُلْ) لأنَّ الطَّبيبَ مختفٍ في داخلِكَ"(العظة 46، 13). هل فينا الرَّغبة والأيمان مثل هؤلاء الرِّجَال في طلب من يسوع الشِّفاء الجسدي والرُّوحي لنا ولأصْحابنا؟ 5 فلَمَّا رأَى يسوعُ إِيمانَهم، قالَ لِلمُقعَد: يا بُنَيَّ، غُفِرَت لكَ خَطاياك: تشير عبارة "لَمَّا رأَى يسوعُ إِيمانَهم" إلى إيمان الخمسة جميعهم حيث أنَّ طريقة وصولهم إلى يسوع كانت بوسيلة غير منتظرة وتُعبّر عن إيمان المريض وحامليه دون أن يتفوَّهوا بكلمة. فكان يأتون النَّاس إليه من أجل الشِّفاء، وكان هو بدوره يتطلع إلى إيمانهم يكتشفه. ويُعلق القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم " يقولُ الإنجيل: "فلمّا رأى يسوع إيمانَهم"، أيّ إيمان أولئك الذين حَمَلوا المُقْعَد ... كان للمريضِ أيْضًا إيمانٌ كبيرٌ. فلو لم يكنْ واثقًا بيسوع، لما سمحَ لهم أن يَحملوه إليه" (عظات عن القدّيس متّى). والإيمان هو فعل تسليم. نؤمن بالأمر يعني نُسلّم به. الإيمان ليس ثقة بأنّ ما نريده سيتمّ، وإنّما ثقة بأنّ ما يريده الله سيتمّ. إن إيماننا يؤثر على الآخرين في مختلف الظروف. أمَّا عبارة " إِيمانَهم" فتشير إلى إيمان حاملي المُقعَد، وكلهم ثقةٍ بقدرته الإلهيَّة التي تعمل عن يده (لوقا 9: 2). وشُفِيَ المُقْعَد بفضل إيمان الآخرين. ويُعلق القدّيس بطرس خريزولوغُس "لا يرفض يسوع أن يلبّي طلب إيمان الآخرين. هذا الإيمان هو نعمة، وهو يتطابق مع إرادة الله". وهنالك أحيانًا يطلب يسوع الإيمان قبل أن يتدخل، كما حدث مع يائِيرس، رئيسِ المَجمَع لإحياء ابنته "لا تَخَفْ، آمِنْ فقط" (مرقس 5: 36)، وأحيانًا يربط يسوع الشِّفاء بالإيمان، كما حدث مع المرأة المنزوفة حيث قالَ لها يسوع "يا ابنَتي، إِيمانُكِ خَلَّصَكِ" (مرقس 5: 34). ويُعلق بطريرك الإسكندريَّة القدّيس كيرِلُّس " شُفِيَ المُقعَد بفضل إيمان الآخرين (متى 9: 2) (تعليم مسيحيّ عن العماد: الرَّقم 5). أمَّا عبارة " قالَ لِلمُقعَد " فتشير إلى كلمة يسوع المُوجّهة فقط للمُقعَد، إذ اعتبر يسوع أعمال أولئك الذين حملوا المُعَقد صلاةً له فأظهر بذلك استعدادًا لمساعدة الذين يلجؤون إليه. وكلمة المسيح تدلُّ على قدرته وسُلطانه، إذ شفى المُعَقد روحيًا وجسديًا. أمَّا عبارة " يا بُنَيَّ" فتشير إلى الحَنان الذي يحمله يسوع إلى المُقْعَد كونه هو أيضًا ابن المواعيد المسيحانيّة التي تنبئ بأنّ "العُرْج يَمشون" (مخيا 7: 4). إنَّها أبوَّة الله للبشريَّة حيث يشتاق الله أن يردَّ كلَّ نفسٍ إليه. والمسيح حين يغفر الخطايا فهو يشفى النَّفس، ويُعيدها لحالة البُنوَّة لله. الله الّذي رفضناه وأغلقنا باب قلوبنا أمامه، هو نفسه يُنادينا "يا بنيّ"، فالله لا ينسى محبّته ولا يتراجع في خلاصه، بل ينتظرنا دومًا. أمَّا عبارة " غُفِرَت " فتشير إلى المجهول أي غفرها الله، فيسوع يُعلن مغْفِرة الله حيث انه يستمدَّ سلطانه من الله، وبالتَّالي فإن كلمة يسوع تصدر عن الله نفسه. وفي هذا الصَّدد يقول القدّيس أوغسطينوس أن "فَم المسيح هو الإنجيل. إنه يَملِكُ في السَّماء، لكنّه لا يكفّ عن التَّكلّم على الأرض" (عظة 85، 1 ![]() 6 وكانَ بينَ الحاضِرينَ هُناكَ بَعضُ الكَتَبَة، فقالوا في قُلوِبهم تشير عبارة "الحاضِرينَ" في الأصل اليوناني καθήμενοι (معناها الجالسون) إلى جالسين، بمعنى أنّهم يتربّصون بيسوع من اجل التَّصدّي لأعمال يسوع وتعليمه. فيهيّئ جلوسُهم هنا، جلوسَهم في المجمع للحُكم على يسوع بالموت (مرقس 14: 53؛ 15 1). أمَّا عبارة "الكتبة" فلا تشير إلى مُعلمي الشَّريعة وبعض الفريسييِّن فحسب إنَّما أيْضًا إلى خصوم يسوع الذين كانوا من اليهوديَّة ممن امتلأت قلوبهم حسدًا وبغضًا له (لوقا 5: 17). وللمرّة الأولى في إنجيل مرقس، ظهرت هذه الفئات المُعادية الذين كانوا يتتبَّعون تحركات يسوع ويتقصُّون أخباره ليتصيَّدوه بكلمة، (مرقس 2: 6؛ 16: 11)، فيتّهمونه مُدَّعين أن أعماله ليست من عند الله (مرقس 3: 22) ويهزؤون منه في آلامه (مرقس 15: 31). وهم موضوع انتقاد يسوع، لأنّهم مراؤون يكرّمون الله بشفاههم، أمّا قلوبهم فبعيدة عنه (مرقس 7: 1 -13؛ 12: 38). وينبئ يسوع أنّه سوف يتألّم على يدهم (مرقس 8: 31؛ 10: 33). أمَّا عبارة "فقالوا في قُلوِبهم" في الأصل اليوناني διαλογιζόμενοι ἐν ταῖς καρδίαις αὐτῶν (معناها مُفكرين في قلوبهم) فتشير إلى دلالة سلبيَّة، تنمّ عن عدم فهم أو عن عنادهم رافضين لما يحدث (مرقس 11: 31). إنّهم يفكّرون، لا ليحصلوا على جواب، بل لأنّهم معترضون على ما يحدث. وفي هذا الصَّدد قال يسوع "مِن باطِنِ النَّاس، مِن قُلوبِهم، تَنبَعِثُ المَقاصِدُ السَّيِّئةُ " (مرقس 7: 21). 7 ما بالُ هذا الرَّجُل يَتَكَلَّمُ بِذلك؟ إِنَّه لَيُجَدِّف. فمَن يَقدِرُ أَن يَغفِرَ الخَطايا إِلاَّ اللهُ وَحدَه؟ تشير عبارة " هذا الرَّجُل" إلى ازدراء الكتبة ليسوع في كلامهم، وهو يشابه إنكار بطرس ليسوع، كما جاء في إنجيل متى "أَخَذَ يَلعَنُ ويَحلِفُ قال: إِنَّي لا أَعرِفُ هذا الرَّجُل" (متى 26: 74). أمَّا عبارة "لَيُجَدِّف" تشير إلى كَفَرَ يسوع بِنِعمَة الله في نظر الكتبة لادعائه أن له سلطان مغْفِرة الخطايا، وهو خاص لله وحده. إنه يدَّعي بعمل ما لا يقدر عمله إلاَّ الله، وهو مغْفِرة الخطايا (مرقس 14: 64). وبهذا الادِّعاء ينسب لنفسه مقام منزلة إلهيَّة حيث اعتبر نفسه مساوي لله (متى 26: 65)؛ وحسب الشَّريعة اليهوديَّة كانت تُهمة التَّجديف تستوجب الموت (الأحبار 24: 15). والتَّجديف هو أكبر خطيئة يقترفها الإنسان في نظر الكتبة والفَرِّيسيِّين والكهنة، كما جاء في شهادة عظيم الكهنة في مجلس ضد يسوع " لَقَد سَمِعتُمُ التَّجْديف، فما رَأيُكُم؟)) فأَجمَعوا على الحُكمِ بِأَنَّه يَستَوجِبُ المَوت" (مرقس 14: 64). والواقع لم يكن يسوع يُجدّف، للأنَّ ن دعواه كانت صحيحة، فيسوع هو الله. وقد أثبت دعواه بشِفَاء المُقعَد (مرقس 2: 9-11)، وبيّن أنّهم هم أصحاب التَّجديف، لأنَّ كلّ من ينسب عمل يسوع إلى غير الله، هو مُجدّف لا يُغفر له، كما ورد في الكتاب " وأمَّا مَن جَدَّفَ على الرُّوح القُدُس، فلا مغْفِرة له أبدًا، بل هو مُذنِبٌ بِخَطيئةٍ لِلأَبَد، ذلك بأَنَّهم قالوا إِنَّ فيه رُوحًا نَجِسًا " (مرقس 3: 29-30). فالكتبة يتصدّون للحق من أجل الحفاظ على مبادئ معيّنة عندهم، ومن أجل الحفاظ على موقعهم في مجتمعهم. أَمَّا موقف المؤمن فهو التَّواضع أمام الحقيقة، ويُقِرُّ بها، ويعملُ لها، ويدافع عنها. أمَّا عبارة " فمَن يَقدِرُ أَن يَغفِرَ الخَطايا إِلاَّ اللهُ وَحدَه؟" فتشير موقف الكتبة الذين اعتبروا أنَّ يسوع مُجدّفًا (أي كافر)؛ وهذا موقف صحيح حيث لا يغفر الخطايا إلاّ الله. (الخروج 34: 7 ومزامير 32: 1 – 5 وأشعيا 6: 7 وزكريا 3: 4)، ولكن عليهم أن يتحققوا: هل يسوع هو على صواب (لوقا 5: 21). إنّ الله وحده يغفر الخطايا، ويسوع، كونه الله، يغفر أيْضًا الخطايا على الأرض. لذلك شِفَاء يسوع لرجل مُقعَد لهو دليل على سلطان على "مغفرة الخطايا"، وبما أنه أجرى معجزة الشِّفاء، فهذا يدلُّ حقًّا على أنه غفر خطايا المُقعَد، ومغفرة الخطايا دلالة على لاهوت المسيح. ويعلق القديس كيرلس، بطريرك الإسكندريَّة " مغْفِرة الخطايا لا تراه أعيننا البشريَّة لذا عندما قام المقعّد ومشى، بيّن بوضوح أن الرَّبّ يسوع المسيح يمتلك قدرة الله" (شرح لإنجيل القدّيس لوقا، 5). وبناء على ذلك يعتبر اتهامه بالتَّجديف لا أساس له. أمَّا عبارة " اللهُ وَحدَه " في الأصل اليوناني εἷς ὁ θεός (معناها الله واحد) تشير إلى الصِّيغة المستخدمة في سفر التَّثنية " اِسمَعْ يا إِسْرائيل: إِنَّ الرَّبّ إِلهَنا هو رَبٌّ واحِد" (ثنية الاشتراع 6: 4)، فهذا تأكيد على وحدانيَّة الله إله إسرائيل. إنَّ استخدام كلمة εἷς بدلًا من μόνος المستخدمة في إنجيل لوقا μόνος ὁ θεός (لوقا 5: 21) يشمل دفاع عن العقيدة اليهوديَّة أنَّ الرَّبّ واحد. وبعبارة أخرى، يتَّهم الكتبة يسوع بالتَّجديف على الله من خلال زعمه انه يفعل ما يفعله الله وحده. ولكن القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم يعلق: "بسلطتِه الإلهيَّة، غفرَ يسوع خطايا المريض، مُثبِتًا بذلك مساواته مع أبيه السَّماوي" (عظات عن القدّيس متّى). 8 فَعَلِمَ يسوعُ عِندَئِذٍ في سِرِّهِ أَنَّهم يقولونَ ذلك في أَنفُسِهم، فسأَلَهم: ((لماذا تقولونَ هذا في قُلوبِكم؟ تشير عبارة "فَعَلِمَ يسوعُ عِندَئِذٍ" في الأصل اليوناني καὶ εὐθὺς ἐπιγνοὺς (معناها حالما عرف) إلى تعبير مرقس الإنجيلي الذي تكرر 41 مرة. ويعطيه مرقس الإنجيلي أهميَّة كبرى حيث عرف يسوع بروحه ما يفكرون في الحال. ويريد مرقس الإنجيلي أن يُبيّن فوريَّة معرفة يسوع. أمَّا عبارة " فَعَلِمَ يسوعُ عِندَئِذٍ في سِرِّه" فتشير إلى قدرة غير طبيعيَّة لدى يسوع التي تمكنه معرفة الغيب، وما يجول في أفكارهم، لأنه فاحص القلوب. وتعتبر قدرة معرفة الغيب في العهد القديم من الصَّفات الإلهيَّة، كما ورد في سفر المزامير "إِنَّكَ فاحِص القُلوبِ والكُلى أيّها الإِلهُ البارّ" (مزمور 7: 10)، ويؤكد ذلك الحكيم يشوع بن سيراخ "إِنَّه سَبَرَ الغَمرَ والقَلْب ونَفَذَ إلى مَقاصِدِها لأَنَّ العَليَّ يَعلَمُ كُلَّ عِلْم ونَظره على عَلاماتِ الأَزمِنَة. يُخبِرُ بِالماضي والمُستَقبَل وَيكشِفُ عن آثارِ الخَفايا. لا يَفوتُه فِكر ولا يَخْفى علَيه كَلام" (يشوع بن سيراخ 42: 18-20). أمَّا عبارة "لماذا تقولونَ هذا في قُلوبِكم؟" فتشير إلى السُّؤال الذي يُبيّن رَفض الكتبة المُسبق يطرحه يسوع علانيَّة كجواب على سؤال الكتبة الذين فكّر به الكتبة في قلوبهم " ما بالُ هذا الرَّجُل يَتَكَلَّمُ بِذلك؟" علّ الكتبة يدركون من يفحص القلوب ويعرف الأفكار (مزمور 33: 15). فلا بدَّ من أنَّ الكتبة تعجبوا من معرفة يسوع أسرار قلوبهم بسبب حسدهم وبغضهم إياه. إنّ هذا الرّفض الذي بدأ في الرِّواية، وفي الجدالات الخمس (مرقس 2: 1 -3: 6)، سوف يجد ذروته في رفض يسوع حتّى إهلاكه، بالموت على الصَّليب. وبالرُّغم ذلك يسوع يريد خلاصهم، ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم: " يريد الله أن يتوب ويخلص حتى أولئك الذين لا يؤمنون به. هو نفسه يقول: "ما جِئتُ لأَدعُوَ الأَبْرارَ، بَلِ الخاطِئين" (متى 9: 13)، وحتى عندما لا يريدون إصلاح حالهم ومعرفة الحقيقة، فإنه لا يتركهم، مع أنهم بإرادتهم يُحرمون أنفسهم من الحياة السَّماويَّة، يمنحهم الله كل الأشياء الضروريَّة للحياة الأرضيَّة، مشرقًا شمسه على الأشرار والأبرار، مرسلاً المطر للأبرار والظالمين وواهبًا الجميع كل ما يحتاجون إليه للعيش" (قوال الحياة، الجزء الأول). 9 فأَيُّما أَيسَر؟ أَن يُقالَ لِلمُقعَد: غُفِرَت لكَ خَطاياك، أَم أَن يُقال: قُم فَاحمِلْ فِراشَكَ وَآمشِ؟ تشير عبارة "فأَيُّما أَيسَر؟ أَن يُقالَ لِلمُقعَد" إلى جواب يسوع لخصومه من الكتبة. في نظر النَّاس أن الأيسر هو أن يُقال مغفورة لك خطاياك من أن يقال قُم فَاحمِلْ فِراشَكَ وامش. فإنه إذا قال "غُفِرَت لكَ خَطاياك ". فلن يرى أحد الخطايا وهي تغفر، ولكن لو قال "قُم فَاحمِلْ فِراشَكَ" فهنا سيُظهر صِدقَه إن قام الرَّجُل وحمل فراشه. وبهذا يكون قوله "غُفِرَت لكَ خَطاياك"، هو الأصعب لأنه يشتمل على مغْفِرة الخطايا والشِّفاء الجسدي. وأوضح لوقا الإنجيلي عمل يسوع المزدوج بقوله “فأَيُّمَا أَيْسَر؟ أَن يُقال: غُفِرَت لَكَ خَطاياك أَم أَن يُقال: قُم فَامشِ. فلِكَي تَعلَموا أَنَّ ابنَ الإِنسانِ لَه في الأَرضِ سُلطانٌ يَغفِرُ بِه الـخَطايا" (لوقا 5: 24-25). إنَّ الكلام أسهل من العمل. وان الكلام يفقد معناه إن لم تكن الأفعال تؤيده. وهكذا سال يسوع سؤالا سديدًا فتُرك السُّؤال بدون جواب والجواب ليس سهلا. أمَّا عبارة " غُفِرَت لكَ خَطاياك، أَم أَن يُقال: قُم فَاحمِلْ فِراشَكَ وامش" فتشير إلى عملين قام بهما يسوع ليُفهم الكتبة مساواته لله. إذا كان يستطيع أن يغفر الخطايا، فإذن هو مساوٍ لله. ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم" لقد أربكهم بنفس كلماتهم بقوله: لقد اعترفتم أن مغْفِرة الخطايا خاص بالله وحده، إذن لم تعد شخصيتي موضع تساؤل"، وأمَّا العمل الثاني فبكلمته شفى المُقعَد. يقوم يسوع بأعجوبة شِفَاء محسوسة يسهل مراقبتها، حتى يُثبت الشِّفاء الآخر الرُّوحي، شِفَاء النَّفس الخاطئة. قام المسيح بتصحيح مفاهيم الكتبة، إذ حسبوا أن شِفَاء الجسد أصعب من شِفَاء النَّفس، لهذا أوضح لهم أنه يشفي الجسد المنظور لكي يتأكدوا من شفائه للنفس غير المنظور بمغْفِرة الخطايا، وهو الأمر الأصعب. سبق أن شفى رجال الله في العهد القديم بعض المرضى (مثلًا إيليّا وأليشاع)، ولكن لم يسبق لأحد منهم انه غفر الخطايا، فالله وحده يغفر. أمَّا عبارة " قُم فَاحمِلْ فِراشَكَ وَآمشِ" فتشير إلى ثلاثة أفعال تُبيّن الشِّفاء: قُم فَاحمِلْ فِراشَكَ وامش، وهذا الشِّفاء هو العلامة الخارجيَّة لشِفَاء النَّفس من الخطيئة. وبدون الشِّفاء الجسد، كيف كان بإمكان المُقعَد التَّحقق من مغْفِرة خطاياه؟ النَّاس عادة يركزون عادة على قوة الله في شِفَاء الأمراض الجسديَّة، أكثر مما على قوته في مغْفِرة المرض الرُّوحي، أي الخطيئة، أمَّا يسوع فانه يهتم في المقام الأول بحالة المُقعَد الرُّوحيَّة. ويُعلق القديس برنادس " كنّا مُقْعَدين ومُضجعين على فراشنا، عاجزين عن إدراك مسكن الله العالي. لذلك، نزل من علياه المُخلّص يسوع، الكثير الصَّلاح، وشافي النُّفوس الوديع" (العظة الأولى عن المجيء). ربما يسال المرء نفسه: أيّهما أسهل: أن أتغيّر من الخارج أي أشفى من مرضي الجسدي أم أن أومن أنّني كما أنا، محبوب والرَّبّ يغفر خطاياي ويمكنني أن أكون سعيدًا؟ 10 فلِكَي تَعلَموا أَنَّ ابنَ الإِنسانِ له سُلطانٌ يَغفِرُ بِه الخَطايا في الأَرض، ثُمَّ قالَ لِلمُقعَد تشير عبارة "فلِكَي تَعلَموا" إلى شِفَاء المُقعَد الذي كان بمثابة برهان على أنّ يسوع يتقلّد سلطان مغْفِرة الخطايا، بمعنى أنّه لو لم يعترض الكتبة على كلامه، من المحتمل ألاّ يشفي يسوع المُقعَد جسديًّا. أمَّا عبارة "ابنَ الإِنسانِ" فتشير إلى أحد ألقاب يسوع الذي لا يَرد إلاّ في الإنجيل وعلى لسان يسوع. وهذه أوَّل مرَّة يُطلق يسوع على نفسه "ابنَ الإنسان" في إنجيل مرقس. وجدت الجماعة المسيحيَّة الأولى في هذا اللقب إحدى العبارات الممّيزة ليسوع النَّاصري، ففضَّلتها على سائر الألقاب التي أطلقتها علي يسوع المسيح. وقد وردت هذه العبارة سابقًا في سفر حزقيال (2: 1 -3) كما وردت في سفر دانيال (1: 13؛ 7) مبيِّنًة أنَّ "ابن الإنسان" سيحكم على جميع الشُّعوب ولم يزُلْ سلطانه، ومملكته لم تمتْ، وهذه إشارة بديهيَّة إلى سلطان يسوع علي الأرض. وهذا اللقب، بارتباطه بالوصف النَّبوي لعبد الله المتألم، يتَّخذ معنى جديدًا، وهو توحيدًا فريدًا بين الصَّليب والمَجد (مرقس 8: 31). أمَّا آباء الكنيسة فقد فهموا لقب "ابن الإنسان" على المستوى الحرفي، فقالوا" انه الإنسان الحق مُمثل البشريَّة، أمَّا المسيحيون الأوَّلون فكان يهمهم الأصل السَّماوي لابن الإنسان والعمل الإلهي الذي يُتمَّه. وعندما مُجدَّ يسوع فإنَّ لقب "ابن الإنسان" دلَّ على تقليد يعول إلى أصول الإيمان المسيحي، بل إلى كلمات يسوع بالذات. أمَّا عبارة سُلطانٌ يَغفِرُ بِه الخَطايا في الأَرض" فتشير إلى يسوع كابن الله الذي له السُّلطان أن يغفر الخطايا، فالسُّلطان المُعطى للكنيسة لمغفرة الخطايا مرتبط بسلطة يسوع نفسها، كما جاء في إنجيل متى في معجزة شِفَاء المُقعَد " فلَمَّا رأَتِ الجُموعُ ذلِكَ، خافوا ومَجَّدوا اللهَ الَّذي أَولى النَّاسَ مِثلَ هذا السُّلطان " (متى 9: 8). وهكذا ارتبط سلطان مغْفِرة الخطايا في الكنيسة بيسوع المسيح " مَن غَفَرتُم لَهم خَطاياهم تُغفَرُ لَهم، ومَن أَمسَكتُم عليهمِ المغْفِرة يُمسَكُ علَيهم " (يوحنا 20: 23). فقد وهب الرَّبّ يسوع المسيح -القائم من الموت – سلطته الإلهيَّة بمغْفِرة الخطايا من خلال إعطاء الرُّوح القدس للرُّسل: "نَفَخَ فيهم وقالَ لَهم: خُذوا الرُّوح القُدُس، مَن غَفَرتُم لَهم خَطاياهم تُغفَرُ لَهم، ومَن أَمسَكتُم عليهمِ الغُفْران يُمسَكُ علَيهم" (يوحنا 20: 22-23). كما أنَّ يسوع هو العلامة المحسوسة لمغْفِرة الآب كذلك الكنيسة هي علامة المنظورة لمغْفِرة يسوع للبشر. أن الرَّبّيَّين كانوا يعلمون أنَّ الإنسان لا يمكن شفاؤه من مرض إلاّ إذا غُفرت خطاياه كلها. وبهذا يكون السَّيد المسيح حين قام بشِفَاء المُقعَد قد أثبت أنه غفر خطاياه، كما قال. ولا شَكّ أنّ مرقس الإنجيليّ يعلم أنّه في أزمنة الخلاص الأخيرة التي تكلّم عنها الأنبياء، سوف تُغفر الخطايا (إرميا 31: 31-34؛ حزقيال 36: 25-28). 11 أَقولُ لكَ: قُمْ فَاحمِلْ فِراشَكَ وَاذهَبْ إلى بيتِكَ. تشير عبارة "قُمْ فَاحمِلْ فِراشَكَ وَاذهَبْ إلى بيتِكَ" إلى علامة منظورة التي تكمن في أمرٍ وإعلانٍ. الأمر الذي يُشفي، والإعلان الذي يُخبر أنَّ ّالشِّفاء قد تمَّ. صار هذا المريض المُقعَد إنسانَا سويًا بعد أن شُفيت عاهته. وقدرة يسوع المنظورة في الشِّفاء تدلُّ على قدرته غير المنظورة في مغْفِرة الخطايا. فقدرة يسوع على المعجزة الظاهرة في الجسد برهان قدرته على المعجزة الباطنيَّة في النَّفس. فمن له السُّلطان على مغفرة الآثام يجب عليه أن يبرهن صحة دعواه بإزالة نتيجة الإثم الوقتيَّة المنظورة في الجسد. إن شِفَاء المريض رمز إلى خلاص الخاطئ من الخطيئة. وما شِفَاء المُقْعَد إلا دليل قاطع على سلطان الآب الذي أعطاه لابنه يسوع، كما يقول دانيال النَّبي: " وأُوتِيَ سُلْطانًا ومَجدًا ومُلكًا …وسُلْطانُه سُلْطانٌ أَبَدِيّ لا يَزول ومُلكُه لا يَنقَرِض" (دانيال 7: 14). أمَّا عبارة " َاذهَبْ إلى بيتِكَ" فتشير إلى بيته الأول وهو أحضان الآب، ويُعلق القديس أمبروسيوس "لم يأمره فقط بحمل الفراش، وإنما أمره أن يذهب إلى بيته، أي يرجع إلى الفردوس، الوطن الحقيقي". وأنّه يستطيع مغادرة المكان الذي أتى إليه ليطلب الشِّفاء. ففي ذلك المكان، يستطيع أن يترك حالته الواهية السَّابقة وينطلق إلى بيته، إلى خاصّته، ليعيش معهم حالته الجديدة. 12 فقامَ فحَمَلَ فِراشَه لِوَقتِه، وخَرَجَ بِمَرْأًى مِن جَميعِ النَّاس، حتَّى دَهِشوا جَميعًا ومَجَّدوا اللهَ وقالوا: ما رَأَينا مِثلَ هذا قَطّ. تشير عبارة "فقامَ" في الأصل اليوناني Ἔγειρε (معناها قام) إلى قيامة المريض كما يقوم الإنسان من الموت، وذلك بفضل كلمة الله. فكان شِفَاء جسده برهانًا على شِفَاء نفسه. لقد قام هذا المُقعَد بصحة وعافية وكأنَّنا أمام مُعجزة خلقٍ من جديد. وهكذا يحدث مع كل تائب عندما ينال من الله نعمة، إذ يصير في المسيح خليقة ًجديدةً. وفي الواقع، فهذا الفعل هو نفس الفعل الذي استخدمه يسوع في إحياء ابنة يائيرس (مرقس 5: 41)، وهو الفعل ذاته الذي يصف قيامة الرَّبّ من بين الأموات (مرقس 16: 4). إنّها "قيامة" بالنِّسبة إلى هذا المُقعَد، قيامة من حالة المرض وحالة الخطيئة. إنّها قصّة قيامة، ينتصر فيها الرَّبّ على المرض والموت وكلّ أشكاله. بإرادة من يسوع، شُفِيَ المُعَقد فورًا. أمَّا عبارة " فحَمَلَ فِراشَه لِوَقتِه " فتشير إلى علامة واضحة أنّه أصبح المُقعَد مستقلًا، يتّكل على ذاته وقوته، حاملًا فراشه بعد أن حمله فراشه سنين مديدة. ويعلق البابا فرنسيس " لم يَشفِ يسوع شلل المُقعد فحسب، بل شفاه بالكامل، وغفر خطاياه وجَدَّد حياته وحياة أصدقائه. يسوع يجعل الإنسان يولد من جديد. الشِّفاء الجسدي والرُّوحي معًا هو ثمرة لقاء شخصي واجتماعي" (تعليم في شفاءِ العَالَم 5/8/2020). أمَّا عبارة " فِراشَكَ " فتشير إلى سرير بسيط جدًا، لأنَّ هذا المريض مُقعَد وفقير. ويرى القديس أوغسطينوس في هذا الفراش "رمزًا لضعف الجسد حيث كنَّا في خطايانا محمولين بشهوات الجسد وزلاَّته، مربوطة نفوسنا ومُقيَّدة عن الحركة، لكنَّنا إذ نحمل قوة الحياة الجديدة تحمل النَّفس الجسد بكل أحاسيسه وطاقاته لتقوده بالرُّوح لحساب مملكة الله وتدخل به إلى بيتها، أي الحياة المقدس". أمَّا عبارة "لِوَقتِه" في الأصل اليوناني εὐθὺς (معناها في الحال أو للوقت) فتشير إلى تعبير مرقس الإنجيلي الذي تكرَّر 41 مرة. ويعطيه مرقس الإنجيلي أهميَّة كبرى حيث تمّ الشِّفاء في الحال. ويريد مرقس، بذلك، إظهار فوريَّة مفاعيل الخلاص لعمل يسوع (مرقس 10: 52). في الحال، حمل فراشه وخرج أمام الجميع. ويلمِّح شِفَاء المُقعَد إلى الأزمنة المسيحانيَّة: " وحينَئذٍ يَقفِزُ الأَعرَجُ كالأَيِّل" (أشعيا 35: 6). المغْفِرة والشِّفاء هما على حدّ سواء عند يسوع. أنه ابن الإنسان الذي له سلطان أن يغفر على هذا الأرض ويشفي في الأزمنة الأخيرة. أمَّا فعل "خرج" في الأصل اليونانيّ ἐξῆλθεν فتشير إلى انطلاقة جديدة على دروب هذه الحياة حيث أعطاه الرَّبّ نعمة الشِّفاء. يبدو أنَّ خروج المُقعَد له مكانً محوريّ في إنجيل مرقس ليعرف الجميع هويَّة يسوع الحقيقيَّة. أمَّا عبارة " بِمَرْاى مِن جَميعِ النَّاس " فتشير إلى خروج المُقعَد الذي لم يتمّ في عزلة، بل أمام الجميع. يسوع يعلم كيف يكشف عن هويّته، إنّه هو المسيح. يريد يسوع، من خلال كلّ ذلك، أن يغوص الإنسان في سرّه أكثر، وأن يفهم حقًّا من هو. أمَّا عبارة "مَجَّدوا الله" فتشير إلى تمجيد الله آبيه لأجل أعماله التي بها شفى المُقعَد وغفر خطاياه " كَي يُكرِمَ الابنَ جَميعُ النَّاس، كما يُكرِمونَ الآب: فمَن لم يُكرِم الابن لا يُكرِمِ الآبَ الَّذي أَرسَلَه" (يوحنا 5: 23). وتمجيد الله هو اعتراف بعظمته. انفجر الحاضرون من التَّلاميذ والمُحبِّين والمُعجبين وأتباعه بعواطفهم تمجيدًا بعكس الكتبة والفِريسيِّين الذين استنكروا المعجزة واتَّهموا يسوع بالتَّجديف. المُقْعَد يقبل غُفْران الخطايا والشِّفاء، ليس كالكتبة، الذين يتعنّتون في الخطيئة المُتمثّلة برفض يسوع وقدرته. ويذكر الإنجيل غالبا أنَّ الحاضرين "يمجِّدون الله" على أثر التَّجليات الإلهيَّة، ولا سيما المعجزات (لوقا 5: 25-26 و7: 16 , 13: 13 و17: 15 و18: 43). وهكذا يُقِرُّ المؤمن أنّ الله يتدخّل، أحيانًا، ليُحدث الأعجوبة، فيقف بخشوع أمام الله، عَاِلَمًا أنّه خلق الكون بحكمته، وبالحكمة عينها يجترح الأعجوبة. فهل موقفنا هو موقف المتأمّل بعمل الله، المعترف بقدرته وبحكمته وبمحبّته، والمُسلّم الذات له تعالى كونه مخلّصنًا؟ أمَّا عبارة " ما رَأَينا مِثلَ هذا قَطّ" فتشير إلى الاعتراف بعظمة يسوع. إذ أُعجب الجموع من معجزة يسوع في شِفَاء المُقعَد، كما أعجب من شِفَاء أخرس ممسوس " فلَمَّا طُرِدَ الشَّيطانُ تَكَلَّمَ الأَخرَس، فأُعجِبَ الجُموعُ وقالوا: ((لَمْ يُرَ مِثْلُ هذا قطُّ في إِسْرائيل!" (متى 9: 33). أمَّا متى حاول أن يوضِّح نصّ إنجيله الإزائي أنّ الكنيسة تغفر الخطايا على الأرض، كما غفر يسوع لهذا المُقعَد "فلَمَّا رأَتِ الجُموعُ ذلِكَ، خافوا ومَجَّدوا اللهَ الَّذي أَولى النَّاسَ مِثلَ هذا السُّلطان"(متى 9: 8)، وأكد متى الإنجيلي هذه الحقيقة في قول يسوع لبطرس لاحقًا " سأُعطيكَ مَفاتيحَ مَلَكوتِ السَّمَوات. فما رَبَطتَهُ في الأَرضِ رُبِطَ في السَّمَوات. وما حَلَلتَه في الأَرضِ حُلَّ في السَّمَوات" (متى 16: 19). ثانيًا: تطبيقات النَّص الإنجيلي (مرقس 2: 1-12) بعد دراسة موجزة عن وقائع النَّص الإنجيلي (مرقس 2: 1-12)، يمكن الاستنتاج أن النَّص يتمحور حول ثلاثة نقاط؛ وهي: مغفرة الخطايا، وسلطان مغفرة الخطايا والمُقعَد، وموقف سيدنا يسوع المسيح. 1) مغفرة الخطايا المغفرة هي صفة من صفات الله المقدسة. وهي تعني ستر الخطيئة للمؤمن التَّائب والصَّفح عنه، وبالعبريَّة סָלַח (عدد 14: 19)، وكأنَّه تعالى قد نبذها وراء ظهره، كما ورد في نشيد حزقيا الملك "نَبَذتَ جَميعَ خَطايايَ وَراءَ ظَهرِكَ" (أشعيا 38: 17)، أو رفعها بالعبريَّة (תִּשָּׂ֣א) (خروج 32: 32)، وكفّر عنها وأزالها (أشعيا 6: 7) ولم يحسبها الله "طوبى لِمَن مَعصِيَته غُفِرَت وخَطيئَته سُتِرَت. طوبى لِمَن لا يَحسُبُ علَيه الرَّبّ" (مزمور32: 1-2). تعني المغفرة أيْضًا محو المعاصي والآثام كما جاء في سفر أشعيا "أَنا الماحي مَعاصِيَكَ لِأَجْلي، وخَطاياكَ لا أَذكُرُها" (أشعيا 43: 25) وتعني أيضا ستر وجه الله عن الخطايا وعدم تذكرها وطرحها في أعماق البحر ودَوْسها كما قال ميخا النَّبي" يَرأَفُ بِنا وَيدوسُ آثامَنا وتَطرَحُ في أَعْمَاقِ البَحرِ" (ميخا7: 19). وفي هذا الصَّدد يقول شكسبير " الأنسان يغفر والله ينسى". وهناك مفردات أخرى مثل طَهّر وغَسَل وبَرّر، هي مرادفة للمغفرة كما ورد في رسالة يوحنا "فبدمه نتطهّر، ونغتسل من خطايانا" (1 يوحنا 1: 7). ولا مغفرة إلاَّ به سبحانه تعالى، كما يُصرِّح صاحب المزامير "إِنَّ المَغفِرَةَ عِندَكَ" (مزمور130: 4). وهو عطيَّة الله للمؤمن على يد يسوع المسيح "أَنَّكم عن يَدِه تُبَشَّرونَ بِمغْفِرة الخَطايا"(أعمال الرسل 13: 38)؛ وذلك نتيجة غنى نعمة الله للإنسان ومحبَّته "الَّتي أَنعَمَ بِها علَينا في الحَبيب فكانَ لَنا فيه الفِداءُ بدَمِه أَيِ الصَّفْحُ عنِ الزَّلاَّت على مِقدارِ نِعمَتِه الوافِرة" (أفسس1: 6)؛ إذ كفّر المسيح عن بني البشر، كما يؤكد صاحب الرِّسالة إلى العبرانيِّين "المسيحُ قُرِّبَ مَرَّةً واحِدة لِيُزيلَ خَطايا جَماعَةِ النَّاس" (عبرانيين 9: 28). وها إنّ يسوع يُعلن للمُقْعَد "غُفِرَت لكَ خَطاياك"(مرقس 2: 9). ويُعلق بطريرك الإسكندريَّة القدّيس كيرِلُّس " عندما قال الرَّبّ يسوع: "غُفِرَت لكَ خَطاياك"، ترك المجال مفتوحًا أمام ريبة الجموع؛ فمغْفِرة الخطايا لا تراه أعيننا البشريَّة لذا عندما قام المُقْعَد ومشى، بيّن بوضوح أن الرَّبّ يسوع المسيح يمتلك قدرة الله " (شرح لإنجيل القدّيس لوقا، 5). يبدو الربّ يسوع طيّبًا للغاية إلى المعقد الذي نال منه ليس مغفرة الخطايا فحسب، إنّما أيضًا الشِّفاء. ولا عجب، المسيح دُعي يسوع Ἰησοῦς المشتق من العبريَّة יֵשׁוּעַ لأنه " هوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم" (متى 1: 21). وهذا تحقيق لما ورد في المزامير عن الله: إِنَّ عِندَ الرَّبّ الرَّحمَة وعِندَه وَفرَةَ الفِداء. وهو يَفتَدي شعبه مِن جَميعِ آثامِهم" (مزمور 130: 7-8) وهو يجسّد الإله " الَّذي يَغفِرُ جَميعَ آثامِنا ويَشْفي جَميعَ أَمْراضِنا" (مزمور103: 3). يعلق القدّيس أوغسطينوس: "إن جاء لمغفرة الخطايا، فهذا يعني أنّ الله رحوم؛ وعلى الإنسان أن يعترف بذلك. لأنّ تواضع الإنسان هو اعترافه، وعظمة الله هي رحمته" (مقالة عن القدّيس يوحنّا). وهب المسيح القائم من الموت سلطانه الإلهي في مغفرة الخطايا للرُّسل بمنحه إياهم الرُّوح القدس قائلا: " خُذوا الرُّوحَ القُدُس. مَن غَفَرتُم لَهم خَطاياهم تُغفَرُ لَهم، ومَن أَمسَكتُم عليهمِ الغُفْران يُمسَكُ علَيهم" (يوحنا 20: 22-23). وقد أرسل رُسله " وتُعلَنُ بِاسمِه التَّوبَةُ وغُفْران الخَطايا لِجَميعِ الأُمَم " (لوقا 24: 47). ومن هذا المنطلق، تتركز الكِرازة المسيحيَّة الأولى حول نيْل موهبة الرُّوح القدس، وغُفْران الخطايا الذي هو أول ثمار الرُّوح (أعمال الرسل 22: 38). ويُعلق بطريرك الإسكندريَّة القدّيس كيرِلُّس "ومن يمتلك هذه القدرة أيْضًا؟ هو وحده أو نحن أيْضًا؟ نحن أيْضًا معه. فهو يغفر الخطايا لأنَّه الإنسان والإله، وربّ الشَّريعة. أمَّا نحن فقد تلقّينا هذه النِّعمة الرّائعة والعجيبة، لأنه أراد أن يعطي الإنسان هذه المَقدرة. وقد قال فعلًا للرُّسل، ما رَبطتُم في الأَرضِ رُبِطَ في السَّماء، وما حَلَلتُم في الأَرضِ حُلَّ في السَّماء (متى 18: 18). واجب الإنسان أن يطلب الغُفْران، بإيمان ونيَّة صادقة، وإن الله يصفح عن الخاطئ الذي يعترف بخطاياه "أَبَحتُكَ خَطيئَتي وما كَتَمت إِثْمي قُلتُ: أَعْتَرِفُ لِلرَّبِّ بِمَعاصِيَّ)) وأنتَ رَفَعتَ وِزْرَ خطيئَتي "(مزمور32: 5). إنَّ واجب الإنسان أيضًا أن يُبشّر الآخرين به. وما غُفْران المؤمن لأخيه باسم الرَّبّ إلاّ دلالة على وجود الرَّبّ في المؤمنين في كل أعمالهم الصَّادرة عن إيمانهم. وعلى هذا الأساس طلب الله من المؤمنين أن يغفروا لأخوتهم المُسيئين إليهم، وفي هذا الصَّدد قال يسوع "فإِن تَغفِروا لِلنَّاسِ زلاتِهِم يَغْفِرْ لكُم أَبوكُمُ السَّماوِيّ وإِن لَم تَغفِروا لِلنَّاس لا يَغْفِرْ لكُم أَبوكُم زلاَّتِكُم" (متى 6: 14-15). اكتشف ابن سيراخ الحكيم الرابطة بين غُفْران الإنسان لأخيه، وبين الغُفْران الذي يلتمسه الإنسان من الله: اغْفِرْ لِقَريبِكَ ظُلْمَه فإِذا تَضَرَّعتَ تُمْحى خَطاياكَ. أَيَحقِدُ إِنسانٌ على إِنْسان ثُمَّ يَلتَمِسُ مِنَ الرَّبّ الشِّفاء أَم لا يَرحَمُ إِنْسانًا مِثلَه ثُمَّ يَطلُبُ غُفْران خَطاياه؟ (سيراخ 28: 2-3). ويُعلِّم يسوع أنَّ الله لا يُمكن أن يغفر لِمَن لا يغفر لأخيه، وأنَّه حتى نطلب الغُفْران لنا، ينبغي أن نغفر لأخينا. ولكيلا ننسى هذه الحقيقيَّة طلب منَّا الرَّبّ أن نُردِّدها كل يوم في الصَّلاة الرَّبّانيَّة " أَعْفِنا مِمَّا علَينا فَقَد أَعْفَينا نَحْنُ أيْضًا مَن لنا عَلَيه"(متى 6: 12). وعلى هذا الأساس طلب الله أيْضًا أن يستمر الإنسان في الغُفْران ولا يمِلُّ بدافع المحبة، كما أوصى يسوع بطرس أن يغفر لقريبه "لا أَقولُ لكَ: سَبعَ مرَّات، بل سَبعينَ مَرَّةً سَبعَ مَرَّات "(متى 18: 22) اقتداء بالرَّبّ كما يقول الرسول بولس "كما صَفَحَ عَنكُمُ الرَّبّ، اِصفَحوا أَنتُم أيْضًا" (قولسي 3: 13). إن كان إلقاء كلمة الله إلى البشر هي جوهر رسالة يسوع، فإن مغفرة الخطايا هي جوهر إلقاء كلمة الله. ومن هنا نبحت عن مغفرة الخطايا لمُقْعَد في كفرناحوم. 2) سلطان مغْفِرة الخطايا والمُقْعَد: قالَ يسوع لِلمُقْعَد: يا بُنَيَّ، غُفِرَت لكَ خَطاياك (مرقس 1: 5) وبهذا دلَّ يسوع على معنى رسالته، وهي مغْفِرة الخطايا على الأرض " فلِكَي تَعلَموا أَنَّ ابنَ الإِنسانِ له سُلطانٌ يَغفِرُ بِه الخَطايا في الأَرض " (مرقس 2: 10). يعلق القدّيس بطرس خريزولوغُس "لقد أراد الرّب يسوع بهذه الكلمات أن يُعرَف بأنّه الرّبّ فيما كان خافيًا عن العيون البشريّة بجسده البشري. مغفرة الخطايا ليست عملاً يستطيع الإنسان أن يقوم به، إنّما هي علامة خاصّة بالربّ " (العظة 50). نرى يسوع يتوجّه إلى الإنسان كله نفسًا وجسدًا كي يشفيه من مرضه ويُحرّره من خطيئته. ويُعلّق القديس كليمنس الإسكندري "إنّ فنّ الطَّبيب، بحسب الفيلسوف ديموقريطوس، يشفي مرض الجسد؛ وتحرّر الحكمة النَّفس من هواجسها. لكن المعلّم الصَّالح، الحكمة، الّذي هو كلمة الرَّبّ الّذي اتّخذ جسدًا بشريًّا، يعالج كل طبيعة خلائقه. إنّه طبيب البشريَّة كليّ القدرة، المخلّص، يشفي كلّ من الجسد والنَّفس معٍا". قد يُقال لي: إنّ هذا الرَّجُل أراد أن يُشفى من مرضه، فلماذا أعلن الرَّبّ يسوع المسيح إذًا مغْفِرة خطاياه؟" فعلق القديس كيرلس، بطريرك الإسكندريَّة " إن الرَّبّ يسوع قد فعل ذلك ليُعلّمك أن الله يرى قلب الإنسان في صمتٍ ومن غير ضجيج، وأنه يتأمل سُبل الأحياء جميعهم. ويقول الكتاب المقدّس، "فإِنَّ طرقَ الإِنْسانِ تُجاهَ عَينَيِ الرَّبّ وهو يَتَبَصَّر ُفي جَميعِ سُبُلِه" (أمثال 5: 21) (شرح لإنجيل القدّيس لوقا، )5. يُشدِّد يسوع -وراء مهمته بصنع العجائب -على الإيمان وإنجاز عمل مسيحاني داخلي وبالتَّحديد مغْفِرة الخطايا. وفي الواقع قال يسوع للمُقْعَد " "يا بُنَيَّ، غُفِرَت لكَ خَطاياك" (مرقس 2: 5)، ويُعلق القديس أوغسطينوس "فشفى الرَّبّ يسوع هذا الرَّجُل من الشَّلل الدَّاخلي: لقد غفر له خطاياه وشدّد إيمانه". فمغْفِرة الخطايا هو علامة على الأزمنة المسيحانيَّة (أشعيا 40: 2، يوئيل 2: 32). يسوع يتطلع إلى الإيمان، وينظر نظرة إعجاب وعطف إلى المُقْعَد الذي يرزح تحت نير الألم والمرض. وينفعل يسوع كسائر الرِّجَال، ويكتشف جوهر النَّفس. كان النَّاس يأتون إليه من اجل شِفَاء جسدي، أمَّا يسوع فكان يكتشف إيمانهم الثابت ويغفر لهم. يسوع هو الإله الذي يرى الخطيئة، لكنه لا يدين الخاطئ، إنه جاء لا يحكم على الخاطئ بل يغفر له كما صرّح: " ما جِئتُ لأُدعُوَ الأَبرار، بَلِ الخاطِئينَ إلى التَّوبَة " (لوقا 5: 32). "إن الرَّبّ يسوع المسيح، طبيبُ نفوسِنا وأجسادِنا الذي غفر للمُقْعَد خطاياه وأعاد إليه صحة الجسد، وأراد لكنيسته أن تواصل، في قوة الرُّوح القدس، عمل الشِّفاء والخلاص حتى لأعضائها أنفسهم. وهذا ما يهدف إليه سرا الشِّفاء: سر التَّوبة وسر مسحه المرضى. (التَّعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيَّة، بند 1421). نستنتج مما سبق أنَّ لكل إنسان قيمته في نظر يسوع الذي يقترب منه ويُحدِّثه ويحمل إليه كلمة الخلاص والسَّلام والحق والحياة. ويعلق القديس يوحنا فيانِّيه "ليس الخاطئ هو من يعود إلى الله كي يطلب منه الغُفْران، بل الله ذاته هو الذي يركض وراء الخاطئ ويجعله يعود إليه". ولم يكتفِ يسوع بإعلان مغْفِرة الخطايا الذي قبله منه المُقْعَد المؤمن المتواضع، بل مارس منح المغْفِرة وأثبت بعمله أنَّه يملك هذا السُّلطان الخاص بالله وحده. فمغفرة الخطايا ليست عملًا يستطيع الإنسان أن يقوم به، إنّما هي علامة خاصّة بالرَّبّ وهي رسالة يحملها المُقْعَد، الّذي غفر له الله خطاياه، بأن ينقل ما ناله إلى خاصّته، وأن يكون رسول الشِّفاء والمّغفرة بناء على قول يسوع له "أَقولُ لكَ: قُمْ فَاحمِلْ فِراشَكَ وَاذهَبْ إلى بيتِكَ" (مرقس 2: 11). 3) سُلطان مغْفِرة الخطايا والكتبة: إن كان المسيح قد جاء خادمًا للعَالَم كله، يبسط يديه للعمل في حبه الإلهي بلا حدود، فقد قُوبلت أعمال محبته بمقاومة من جهة سلطانه في مغفرة الخطايا. وهذا ما أغضب الكتبة الذين يعتبرون نفوسهم المدافعين عن الله فبدأوا بدهشة يتساءلون " ما بالُ هذا الرَّجُل يَتَكَلَّمُ بِذلك؟ ثم حكموا على كلمات يسوع " إِنَّه لَيُجَدِّف. وكان سبب حكمهم هو " فمَن يَقدِرُ أَن يَغفِرَ الخَطايا إِلاَّ اللهُ وَحدَه؟ (مرقس 2: 7). يعلق القدّيس بطرس خريزولوغُس " إذا كان الربّ هو مَن يغفر الخطايا، فلم لا تتقبّل إذًا ألوهيّة المسيح؟" (العظة 50). لكن سؤالهم كان تحديًا للاهوت المسيح، وقد أجاب يسوع عن ذلك؛ أولا بإجابته عن أفكارهم التي لم يجاوبوا عنها " لماذا تقولونَ هذا في قُلوبِكم؟ فأَيُّما أَيسَر؟ أَن يُقالَ لِلمُقْعَد: غُفِرَت لكَ خَطاياك، أَم أَن يُقال: قُم فَاحمِلْ فِراشَكَ وَآمشِ؟"(مرقس 2: 8). إن الذي يقرأ أفكار النَّاس يستطيع أن يغفر خطاياهم. وثانيا: قدّم يسوع لهم برهانًا. إنَّ الادعاء بمغْفِرة الخطايا لا يمكن أن تدعمه نتائج، ولكن القدرة على الشِّفاء يمكن إثباتها عمليًا حيث استطاع يسوع إن يجعل ذلك الرَّجُل المُقْعَد أن يمشي. ويُعلق القديس أوغسطينوس على الكتبة "كانوا يؤمنون بأنّ الله يملك قدرة مغْفِرة الخطايا، لكنّهم لم يروا أنّ الله حاضر فيما بينهم. لذا، عمل يسوع أيْضًا على جسد المُقْعَد ليشفي الشَّلل الدَّاخليّ عند أولئك الّذين كانوا يتكلّمون عليه بالتَّجذيف. فقام بأمر يُمكنهم أن يروه لكي يؤمنوا هم أيْضًا". الله وحده يقدر أن يغفر خطيئة الإنسان، والمسيح جاء يُجسِّد هذه الحقيقة. إزاء رفض الكتبة لهذه الحقيقة، أعطاهم يسوع تأكيدًا، هو تأكيد الأسهل بواسطة الأصعب. فمن السَّهل أن يقال للمرء أن خطيئته قد غُفرت، إنّما هذه المَغفرة لا يُمكن أن نلمسها ونؤكّدها، لان مغفرة الخطايا لا تُرى بالعَين البَشريَّة، بل هي موضوع إيمانٍ وثقةٍ بالله الغافر، أمّا الشِّفاء فهو مرئي ومحسوس، ولا يُمكن أن ننكره. وما كان الشِّفاء إلاَّ دليل، وهو ليس الأهم ولا العمل المِحوريّ في هذا النَّص. شِفَاء الإنسان من خطيئته هو الهدف الأعمق، أمّا الشِّفاء الجسديّ فتمّ من أجل إيمان الجماعة الحاضرة، كإعلان لقدرة المسيح على مغفرة الخطيئة ونتائجها: الموت والمرض والألم، وبالتَّالي المسيح لم يُجذّف بل هو الله المُتجسد الذي يغفر الخطايا. إن سُلطان مغفرة الخطايا تتعلّق بالله، ويسوع ينسب هذه السُّلطان إلى شخصه، كما أعلن:" أَنَّ ابنَ الإِنسانِ له سُلطانٌ يَغفِرُ بِه الخَطايا في الأَرض " (مرقس 2: 10)، ومعنى ذلك أن المسيح هو على الأرض مُرسلًا من الله الآب، ويعمل كلّ شيء باسمه ولمجده؛ ومغفرة الخطايا والشِّفاء الجسديّ ما هو إلاّ تتميم لإرادة الله الخالق وإعادة الخليقة إلى جمالها الأوّل. قدَّم يسوع برهانًا آخرًا أنَّه قادرٌ على مغفرة الخطايا بقوله " أَنَّ ابنَ الإِنسانِ له سُلطانٌ يَغفِرُ بِه الخَطايا في الأَرض" (مرقس 2: 10). يُعلن المسيح هنا أنه ابن الإنسان الذي جاء محملًا بقوة مغْفِرة الخطايا ليخلِّص البشر من خطاياهم، كما بشَّر الملاك جبرائيل مريم العذراء "هوَ الَّذي يُخَلِّصُ شَعبَه مِن خَطاياهم "(متى 1: 21). وفي هذا التَّقليد سيأتي ابن الإنسان على سِحاب السَّماء في اليوم الأخير ليَدين البشر الخاطئين ويخلّص الأبرار. ويستبق مرقس الإنجيل هنا تلك الدَّينونة بسُلطانه مُخلصًا الخاطئين (متى 9: 6) وفاتحًا الزَّمن المسيحاني (مرقس 12: 8). يذكرنا لقب "ابن الإنسان" بنَّبوءات العهد القديم، لا سيّما بنبوءة دانيال " رَأيتُ في مَنامي ذلِكَ اللَّيلَ، فإذا بِمِثلِ اَبْنِ إنسانٍ آتيًا على سَحابِ السَّماءِ، فأسرَعَ إلى الشَّيخ الطَّاعِنِ في السِّنِ. فقُرِّبَ إلى أمامِهِ وأُعطِيَ سُلطانًا ومَجدًا ومُلْكًا حتى تعبُدَهُ الشُّعوبُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ ولِسانٍ ويكونَ سُلطانُهُ سُلطانًا أبديُا لا يَزولُ، ومُلْكُهُ لا يتَعَدَّاهُ الزَّمنُ" (دانيال 7: 13-14)، وهذا هو إعلان غير مباشر أن بيسوع المسيح قد ابتدأ الخلاص، وهذا الخلاص هو ثمرة المُلك الأبديّ الّذي سوف يكون ليسوع المسيح، ابن الإنسان. يؤكد لقب "ابن الإنسان" أنَّ يسوع إنسانٌ كاملٌ حقا، وكإنسان يستطيع أن يتحد بنا ويُعيينا لنتغلب على الخطيئة، في حين يؤكد لقب "ابن الله" أن يسوع هو الله بالحق وقادر أن يغفر الخطايا. إن مغفرة يسوع للخطايا دليلٌ على لاهوته، مِمَّا يدلُّ على أنَّه بالتَّجسد لم يخلِ نفسه من امتيازاته الإلهيَّة. وبالفعل قال يسوع كلمته "يا بُنَيَّ، غُفِرَت لكَ خَطاياك". لقد أراد الرَّبّ يسوع بهذه الكلمات أن يُعرَف بأنّه الرَّبّ فيما كان خافيًا عن العيون البشريَّة بجسده البشري. ومن ملء سُلطانه في السَّماء وعلى الأرض، منح المسيح القائم من بين الأموات رُسله السُّلطة لغفران الخطايا (يوحنا 20: 22-23). وأرسل الرسل للكرازة بمغفرة الخطايا (أعمال الرسل 2: 38). كان شِفَاء المُقْعَد بركةً للمريض نفسه الذي تمتع بغُفْران خطاياه، كما بصحة جسده، وفرصة لكي يتحدَّث الرَّبّ مع الكتبة مُعلنًا لهم أنه المسيح، وأيْضًا للجماهير التي بهتت، قائلة: "ما رأينا مثل هذا قط". لقد جاء يسوع ليُبرئ الإنسان كله، جسدًا وروحًا. ويُشفيه من مرضه، ويُحرِّره من خطيئته ومِن ما يُبعده عن سِماع نداء الله. إنَّه الطَّبيب الذي يحتاجه المرضى (مرقس 17: 2). وقد أوصلت به شفقته على كل المرضى المتألمين إلى حد التَّماهي وأياهم: "كنت مريضا فعدتموني" (متى 25:36). جاء يسوع ليكون لنا الحياة. هل نحن نشعر بحاجة إلى الشِّفاء الرُّوحي والجسدي كما شعر المُقْعَد وأصحابه؟ نختتم مع كلمات البابا فرنسيس: "لا تزال الجائحة تَتَسبب في جروحٍ عميقة، وتكشف عن ضعفنا. الموتى كثيرون، والمرضى كثيرون، وفي جميع القارات. وكثيرون، أفرادًا وعائلاتٍ، يعيشون في القلق، بسبب المشاكل الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة، ولا سيما الذين هم أكثرهم فقرًا. لهذا السَّبب يجب أن نثَبِّت نظرنا في يسوع (العبرانيين 12: 2). ومع هذا الإيمان، نتمسك برجاء ملكوت الله الذي يَحمله لنا يسوع نفسه (مرقس 1: 5). إنّه ملكوت الشِّفاء والخلاص، وهو موجود بيننا بالفعل (لوقا 10: 11) (تعليم في شِفَاء العَالَم 5/8/2020). فإنّ يسوع، لا يشفي المرَضَ الجسدي فقط، بل الإنسان بكامله. وبهذه الطَّريقة يُعيد الإنسان أيْضًا إلى الجماعة معافًا ويُحرره من عزلته لأنّه شفاه. الخلاصة روت كلّ الأناجيل الأربَعَة معجزة المُقْعَد، لأنّه أمرٌ يتعلّق بالأزمنة المسيحانيَّة. يذكر كل من إنجيل متى (9: 1 -8)، ولوقا (5: 17 -26) الحدث ذاته الذي يرويه مرقس. أمّا يوحنّا، فيبدو مُهتمًّا بحدثٍ آخر، مع سياق رواية مختلفة (يوحنا 5: 1 -18). يروي لنا إنجيل مرقس كيف شفى الرَّبّ المُقْعَد وغفر له خطاياه، فقام أمام الجميع وخرج، فانطلق، من جديد، على دروب هذه الحياة. شفاه يسوع فصار بمقدوره أن يمشي. وغفر له، فأعاد له حُسْنَ العلاقة مع الله. ويروي أيْضًا كيف قَبلَ البعض يسوع وأخذ يُمجِّده، ورفضه البعض الآخر. وهكذا حالة المُقْعَد تعكس حالة الكثيرين منّا. نعلم تمامًا أنّ الرَّبّ يبدّل واقع البشر، لكن هناك تصدّيًا لعمله، من جهة، وتمجيدًا له، من جهة ثانيَّة. فالموقف الذي يوصل الإنسان إلى الخلاص هو الاتجاه نحو يسوع. يطلق يسوع على نفسه في النَّص الإنجيلي انه "ابن الإنسان". ولقب ابن الإنسان يؤكد أن يسوع إنسانٌ كاملٌ، بينما يؤكِّد لقب "ابن الله" (يوحنا 20: 30)، وكابن الله كان ليسوع السُّلطان أن يغفر الخطايا، وكإنسان يستطيع أن يتَّحد بنا في إنسانيتنا وضُعفنا وأمراضنا، وأن يُعيننا لتغلُّب على الخطيئة. فيسوع لم يكن ليملك سلطان الشِّفاء وحسب، بل سلطان مغفرة الخطايا أيْضًا (مرقس 2:5-12). وفي الواقع، هو وحده يمكنه أن يغفر خطايانا، وقد بذل حياته الخاصَّة لمغفرة الخطايا، كما صرّح في العشاء الأخير: "هُوَ دَمي، دَمُ العَهد يُراقُ مِن أَجْلِ جَماعةِ النَّاس لِغُفْران الخَطايا" (متى 28:26). ولذلك يقول رسول الأمم "لنا الفداء ومغفرة الخطايا" (قورنتس 14:1) يعلمنا يسوع أن نطلب منه الخلاص بجرأة وإيمان المُعقد وحامليه وألاَّ نمِل من الصَّلاة مُجاهدين ومثابرين حتى ننال الغُفْران منه، فنقوم كالمُقْعَد فَرحين مهللين أمام دهشة جميع النَّاس الذين لم يستطيعوا إلا أن يمجّدوا الله قائلين: "ما رأينا مثل هذا قط". ونبتعد عن عناد الكتبة والفريسيين ورفضهم ليسوع، ابن الإنسان، ويعلق القدّيس بطرس خريزولوغُس " آه يا أيّها الفرّيسي، تظنّ أنّك تعرف وأنت لست سوى جاهل! تظنّ أنّك تعترف بالألوهيَّة فيما أنت تنكرها! تظنّ أنّك تحمل الشِّهادة فيما أنت تضطهد! إذا كان الرَّبّ هو مَن يغفر الخطايا، فلمَ لا تتقبّل إذًا ألوهيَّة المسيح؟ كونه استطاع منح المغفرة لخطيئة واحدة، فهذا يعني أنّه محى خطايا العَالَم أجمع. "هُوَذا حَمَلُ اللهِ الذي يَرفَعُ خَطيئَةَ العَالَم" (يوحنا 1: 29). أصغِ إليه كي تكتسب علامات ألوهيّته. نعم، لقد دخل إلى أعماق قلبك. أنظر إليه، لقد وصل إلى أعماق أفكارك. افهم أنّه يعرف النَّوايا الخفيَّة لقلبك". ونستنتج مما سبق أن هناك طريقان مفتوحتين لكلّ واحد منّا لاستقبال عمل يسوع في حياتنا: الطَّريق الأوّل: القبول بأنّنا مُقْعَدون بسبب شلل من أمراضنا الجسديَّة والرُّوحيَّة ونذهب إلى المسيح مع عيالنا ونعرض له نفوسنا كما نحن، وأن نثق فعليًا بالله الّذي يستقبل ظلماتنا وزوايا حياتنا كما هي. والطَّريق الثاني هو أن نقوم بدورنا كأصحاب المُعَقد فنتخطى الحواجز، والأحكام المُسبقة، والإقصاء بكل أشكاله في العائلة، والحّي، والمدرسة أو في العمل ونضع حاجات أحبائنا الجسديَّة والنَّفسيَّة والاجتماعيَّة والروحيَّة أمام يسوع المسيح وفي صلاة كلها ثقة نقول له: بالقرب منك توجد المغفرة، وكل شِفَاء وكل نعمة. دعاء "أيّها الرَّبّ يسوع، طبيب النَّفس والجسد، أنت تحمل الشِّفاء والتَّجدّد للجَسد والنَّفس، من خلال رحمتك وغُفْرانك. المس بقوّتك الشَّافية كل جانب من جوانب حياتنا – أفكارنا ومشاعرنا ومواقفنا وذكرياتنا. اغفر خطايانا وحوّلنا بقوّة روحِك القدّوس لخليقة جديدة فنعيش جِدّة حياة المحبّة في الغُفْران، آمين. |
||||