منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25 - 03 - 2024, 12:51 PM   رقم المشاركة : ( 155501 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,462

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


تَجْرِبَة يسوع:



يكشف لنا يسوع الّذي يتوجَّه إلى البرِّيَّة ليواجه تَجْربَة إبليس من خلال الصَّلاة -باتحاده بآبيه السَّماوي وبالرُّوح القُدُس وبالصَّوم. لم تكن تَجْرِبَة يسوع رمزيَّة فحسب، إنما أيضا تَجْرِبَة حقيقيَّة. وهي صراع عاشه يسوع خلال إقامته في البرِّيَّة، رافضًا المسيحانيَّة البشريَّة السِّياسيَّة التي عرضها إبليس عليه. في البرِّيَّة يُدرك يسوع وجود صوت آخر يُعاكس صوت الآب، كما حصل في البدء مع آدم وحواء. فحينما يتكلم الآب عن التَّضحية والصَّليب، يتحدث الآخر عن تحقيق الذَّات. وحينما يتكلم الآب عن الخدمة المتواضعة يتحدث الآخر عن القوَّة والنَّجاح. لذلك يدرك يسوع أنه عليه أن يختار إلى من سيصغي، والطَّريق التي سيمشي فيها، وفيمن سيضع ثقته.



بدأت التَّجْرِبَة بعد مَعْمودِيّة يسوع مباشرة (مرقس 1: 11-12) وانتهت بالموت والقيامة. فهناك صِلةٌ ٌوثيقةٌ بين المَعْمودِيّة والتَّجْرِبَة. فبالمَعْمودِيّة كرّس يسوع نفسه عن طريق الصَّليب، وفي التَّجْرِبَة عرض الشَّيطان ليسوع طرقًا لإنجاز رسالته دون إن يتعرّض للصَّليب رمز المسيحانيَّة الرُّوحيَّة. وإن ربط التَّجْرِبَة بالمَعْمودِيّة توضِّح معنى الحياة المسيحيَّة: أي المفروض في كل ابنٍ لله أن ينتصرَ على الشَّيطان.



لم يتكلم القدِّيس مرقس عن محتوى التَّجْرِبَة، ولا عن عددها، ولا الوسائل التي استخدمها يسوع للتغلب عليها، إنَّما الدُّخول فيها، وقام إنْجيل متى بذكر محتوى التَّجارب وعددها، حيث رفض يسوع التَّجارب الثلاث الأولى مع الشَّيطان (متى 4: 1-11) التي تقوده إلى مسيحانيَّة بشريَّة أرضيَّة، انتظارًا إلى التَّجْرِبَة الرَّابعة عند نهائية حياته العلنيَّة في النِّزاع في بستان الزَّيتون.





(ا) التَّجْرِبَة الأولى:

رفض يسوع في التَّجْرِبَة الأولى مسيحانيَّة أرضيَّة التي تُنسِّيه أنَّه إنسانٌ، واجبه أن يعمل بيديه مثل آدم (تكوين 3: 19)؛ فطلب الشَّيطان من يسوع أن يلجا إلى قوى فائقة الطَّبيعة بتحويل الحجارة إلى خبز " فدَنا مِنه المُجَرِّبُ وقالَ له: إِن كُنتَ ابنَ الله، فمُرْ أَن تَصيرَ هذِه الحِجارةُ أَرغِفة "(متى 4: 3). ويُعلق القدّيس غريغوريوس النَّازيانزيّ " إذا عرض الشَّيطان أمامك الحاجة التي ترهقك – فهو لم يمتنع عن فعل هذا مع يسوع -، إذا ذكّرك بأنّك جائع، لا تَبدِ وكأنّك تتجاهل اقتراحاته. علّمه ما لا يعرفه؛ قاومه بكلمة الحياة، بهذا الخبز الحقيقي المُرسل من السَّماء، والذي يمنح الحياة للعالم" (العظة 40، 10).



(ب) التَّجْرِبَة الثانيَّة:
رفض يسوع في التَّجْرِبَة الثانيَّة مسيحانيَّة أرضيَّة تُنسِّيه أنَّ عليه أن يمرَّ في الألم قبل أن يمرّ بالمجد، لذلك رفض اللجوء إلى قوته ليُبهر الجمهور بإلقاء نفسه من شرفة الهيكل كي يحمله الملائكة " إِن كُنتَ ابنَ الله فأَلقِ بِنَفسِكَ إلى الأَسفَل، لأنَّه مَكتوب: يُوصي مَلائكتَه بِكَ فعلى أَيديهم يَحمِلونَكَ لِئَلاَّ تَصدِمَ بِحَجرٍ رِجلَكَ"(متى 4: 5-6). ويُعلق القدّيس غريغوريوس النَّازيانزيّ " إذا نصب لك فخّ الفراغ – فقد استخدمه مع المسيح، عندما جعله يصعد إلى شرفة الهيكل وقال له: "أَلْقِ بِنَفْسِكَ مِن ههُنا إلى الأَسفَل" لكي يظهر له ألوهيّته – انتبهْ ألاّ تقع لمجرّد رغبتك في الارتفاع... " (العظة 40، 10).



(ج) التَّجْرِبَة الثالثة:

رفض يسوع في التَّجْرِبَة الثالثة مسيحانيَّة أرضيَّة التي تُنسِّيه عون الله الذي انتظره، كما انتظره شعبه في البرِّيَّة (خروج17: 2-7) ليساوم مع الشَّيطان لاقتسام العَالَم وثرواته " ثُمَّ مَضى بِه إِبليسُ إلى جَبَلٍ عالٍ جدًّا وأَراهُ جَميعَ مَمالِكِ الدُّنيا ومَجدَها، وقالَ له: "أُعطيكَ هذا كُلَّه إِن جَثوتَ لي سـاجدًا " (متى 4: 8). ويُعلق القدّيس غريغوريوس النَّازيانزيّ " إن جرّبك بالطَّموح، مُظهرًا لك من خلال رؤيا سريعة، كلّ ممالك الأرض وكأنّها تخضع لسلطته، وإذا طلب منك العبادة، أرذله: فهو ليس سوى أخ بائس. قلْ له، واثقًا بالختم الإلهي: "أنا كذلك صورة الله؛ لم أقعْ مثلك من أعلى مجدي بسبب كبريائي! أنا لبستُ المسيح؛ لقد أصبحتُ مسيحًا آخر بمعموديّتي؛ فعليك أنت أن تعبدني". حينها، سيبتعد عنك، أنا متأكّد من ذلك، مهزومًا ومهانًا بهذه الكلمات" (العظة 40، 10). إن يسوع لم يحاور الشيطان أبدًا، بل طرده بكلمات الكتاب المقدس، بكلمة الله. ويعلق البابا فرنسيس "لا يجب أن نتحاور أبدًا مع الشيطان" (27 كانون الأول 2023).



انصرف إبليس عن المسيح إلى الوقت المُعين، كما جاء في إنْجيل لوقا "فلَمَّا أَنْهى إِبليسُ جمَيعَ مَا عِندَه مِن تَجْرِبَة، اِنصَرَفَ عَنه إلى أَن يَحينَ الوَقْت" أي وقت الآلام والصَّلب (لوقا 4: 13). وهكذا تغلب يسوع على إبليس (مرقس 3: 27). ويعلق التَّعليم المسيحي: "إن انتصار يسوع على المجرّب في البرِّيَّة هو استباق لانتصار الآلام، أي خضوع مَحَبَّة يسوع المُطلقة للآب" (التَّعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكيَّة، 539). ويُعلق البابا يوحنا بولس الثاني: "إنَّ الكنيسة تشارك في انتصار المسيح على الشيطان".



(د) التَّجْرِبَة الرَّابعة والأخيرة:

كانت التَّجْرِبَة الأخيرة نزاعه في بستان الزيتون كما قال يسوع للَّذينَ قَصَدوا إِلَيه مِن عُظَماءِ الكَهَنَة وقادَةِ حَرَسِ الهَيكَلِ والشُّيوخ "كُنتُ كُلَّ يَومٍ مَعَكم في الهَيكَل، فلَم تَبسُطوا أَيدِيَكُم إِليَّ، ولكِن هذه ساعتُكم! وهذا سُلطانُ الظَّلام! "(لوقا 22: 53). فما حدث خلال الأربعين يومًا في البرِّيَّة لم يكن إلا بداية معركة ذُروتها عند الصَّليب والصَّليب هو المِحنة الكبرى (يُوحَنَّا 12 :27-28) التي فيها برهن الله عن حبّه لخلاص الإنْسَان على يد ابنه يسوع المسيح " فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العَالَم حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة. فإِنَّ اللهَ لَم يُرسِلِ ابنَه إلى العَالَم لِيَدينَ العَالَم بل لِيُخَلَّصَ بِه العَالَم " (يُوحَنَّا 3 :16-17).



اشتهى الشَّيطان القضاء على المسيح حيث صُلب، لكن المسيح المَصلوب جرّد خصمَه من كل سلطان، كما جاء في تعليم بولس الرَّسول: "خَلَعَ أَصحابَ الرِّئاسةِ والسُّلْطان وشَهَّرَهم فسارَ بِهِم في رَكْبِه ظافِرا" (قولسي 2: 15). وروايةُ التَّجارب هي بمثابة صورة لكلّ الظروف التي تُمتَحَنُ فيها أمانةُ يسوع لرسالته، حتى الصَّليب كما يوكّده تحدِّي عُظماءُ الكَهَنَةِ والكَتَبَةِ والشُّيوخ بقوله له: " فَليُنقِذْهُ الأنَّ، إِن كانَ راضِيًا عَنه، فقَد قال: أَنا ابنُ الله" (متى 27: 43). وهكذا كان للمسيح حرب مع إبليس انتهت في موت يسوع وقيامته.



نتيجة التَّجارب انتصر يسوع على المُجرّب منذ البداية حتى النِّهاية (لوقا 4: 13). فأعاد البشريَّة إلى وضعها الحقيقيّ وإلى دعوتها في أبّوة الله، كما جاء في تعليم صاحب الرِّسالة إلى العبرانيِّين " لَمَّا كانَ الأَبناءُ شُرَكاءَ في الدَّمِ واللَّحْم، شارَكَهُم هو أَيضًا فيهِما مُشاركةً تامّة لِيَكسِرَ بِمَوتِه شَوكَةَ ذاكَ الَّذي لَه القُدرَةُ على المَوت، أَي إِبليس، ويُحَرِّرَ الَّذينَ ظَلُّوا طَوالَ حَياتِهِم في العُبودِيَّةِ مَخافَةَ المَوت. فإِنَّه كما لا يَخْفى علَيكم، لم يَقُمْ لِنُصرَةِ المَلائِكَة، بل قامَ لِنُصرَةِ نَسْلِ إِبراهيم" (عبرانيِّين 2 :14-15).





(ه) انتصار يسوع في التَّجارب



جُرِّب يسوع كما نُجرب نحن ولكنَّه لم يخطأ " لَقَدِ امتُحِنَ في كُلِّ شَيءٍ مِثْلَنا ما عَدا الخَطِيئَة"(عبرانيِّين 4: 15)، بل خرج يسوع من التَّجْرِبَة منتصرًا، ولم يدع الشَّيطان يفصله عن الله. انتصر يسوع على المُجرِّب في عقر داره (لوقا 11: 18-19). فهو "الإنْسَان" الذي يحيا بكلمة الله وفي الوقت نفسه هو الرَّبّ "المُخلّص"، الذي يُساند شعبه في تجربته (متى 16: 1). فحمل على الصَّليب خطيئة البشر وحوّل تَجْرِبَة التَّجديف إلى شكوى بنويَّة، والموت اللامعقول إلى قيامة " فَوضَعَ نَفْسَه وأَطاعَ حَتَّى المَوت مَوتِ الصَّليب، لِذلِك رَفَعَه اللهُ إلى العُلى ووَهَبَ لَه الاَسمَ الَّذي يَفوقُ جَميعَ الأَسماء" (فيلبي 2: 8-9). وأعاد البشريَّة إلى وضعها الحقيقيّ وإلى دعوتها في أبّوة الله (عبرانيِّين 2 :10-18). وهكذا كل تلميذ المدعو لخدمة الله أن ينتظر مجابهة مماثلة، وان يتمتع بغلبة مماثلة. ويُعلق الرَّاهب الدومنيكاني جان تولي: "في أوقات التَّجْرِبَة، يجب على الإنْسَان الذي لا يريد سوى الله ولا يرغب إلاّ فيه، أن يحتمي به وينتظر بكلّ صبر أن تعود السَّكينة" (العظة 23 للأحد بعد الصُعود). وفي هذا الصَّدد يُوصينا بولس الرسول في جهادنا ضد الأرواح الشرية: "شُدُّوا أَوساطَكم بِالحَقّ والبَسوا دِرْعَ البِرّ. وشُدُّوا أَقْدامَكم بالنَّشاطِ لإِعلانِ بِشارةِ السَّلام، واحمِلوا تُرْسَ الإِيمانِ في كُلِّ حال، فبِه تَستَطيعونَ أَن تُخمِدوا جَميعَ سِهامِ الشِّرِّيرِ المُشتَعِلَة. واتَّخِذوا لَكم خُوذَةَ الخَلاص وسَيفَ الرُّوح، أَي كَلِمَةَ الله." (أفسس 6: 14-17).

 
قديم 25 - 03 - 2024, 12:53 PM   رقم المشاركة : ( 155502 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,462

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


قَبِلَ يسوع التَّعرض للتَجْرِبَة لثلاث غايات:
التَّضامن مع الإنْسَان وإعطائه القدوة والعون:



(1) تضامن مع الإنْسَان:
جُرب يسوع كي يتضامن مع الإنْسَان كونه صار إنسانًا. فكان يتوجب عليه أن يتعرض لتجارب الشَّيطان، كما يتعرض لها الإنْسَان. لذا سمح يسوع للتَّعرض للتَجْرِبَة مِثلنا. فعرف تجاربَنا وتغلَّب عليها من أجلنا "لَقَدِ امتُحِنَ في كُلِّ شَيءٍ مِثْلَنا ما عَدا الخَطِيئَة"(عبرانيِّين 4: 15)، ومرّ بكلّ ظروفنا الإنْسَانيَّة، وما من شيء من مشاعرنا وإحساساتنا وأفكارنا وأميالنا غريبة عنه. أحبّنا نحن البشر، فتجسّد وصار مثلنا في كلّ شيء ما عدا الخطيئة، وُيعلق القدّيس أوغسطينوس: " قد مثّلنا الرَّبّ يسوع بشخصه حين أراد أن يجرّبه الشَّيطان. بالحقيقة، إنّك أنت (أيّها الإنْسَان) مَنْ تعرّض للتَّجارب من خلال التَّجارب الّتي تعرّض لها الرَّبّ يسوع المسيح، لأنَّه منكَ قد اتّخذ جَسَده ليُعطيك خلاصه، ومنك أخذ موته لكي يُعطيك حياته، ومنك أخذ حزنه لكي يُعطيك سعادته. فإنّه منك قد أخذ التَّجارب أيضًا لكي يُعطيك انتصاره. فإذا تجرّبنا باسمه، فباسمه أيضًا ننتصر على الشَّيطان" (شرح للمزامير، المزمور 61).



(2) دوة للإنسان:
جرّب يسوع كي يكون قدوة ومثالا في مواقفنا تجاه التَّجْرِبَة والشَّيطان. قد اختبر يسوع مثلنا كل التَّجارب التي نجتازها اليوم. لكنه يختلف عنا، لأنَّه برغم التَّجْرِبَة لم يسقط في الخطيئة، كما جاء الكتاب المقدس " لَقَدِ امتُحِنَ في كُلِّ شَيءٍ مِثْلَنا ما عَدا الخَطِيئَة" (عبرانيِّين 4: 15). فهو الإنْسَان الوحيد الذي لم يقترف إثمًا، ولم يرتكب خطيئة طوال أيام حياته على الأرض. جُرِّب كما نُجرَّب نحن. لكنه لم يخطأ، بل انتصر ولم ينفصل عن الله. واجه المُجرِّب، كما يواجه كل واحد منا، واستعمل سلاحًا يجب أن نستعمله، وهو سلاحُ الرُّوح الذي هو كلام الله (أفسس 6: 17)، وثبت على أمانته لله تجاه التَّجْرِبَة، فكان مثال الثبات للمؤمنين؛ وهكذا أصبح لنا مثالاً في كيفيَّة مواجهة التَّجْرِبَة والتَّغلب عليها. يُعلق البابا فرنسيس "مرّ يسوع بهذا الاختبار، من أجل نفسه، كي يُطيع مشيئة الآب، ومن أجلنا، كي يُعطينا نعمة التَّغلّب على التَّجارب"(عظة 18/2/2018). لو لم يخضع يسوع للتَجْرِبَة، كيف بإمكانه أن يُعلّمنا كيف ننتصر عليها؟



(3) عون للإنسان:
جُرِّب يسوع كي يكون معينًا لنا، لأنَّه يعرف تمامًا كم نحن بحاجة إليه، إذ هو نفسه جاز في نفس الاختبار "لَقَدِ امتُحِنَ في كُلِّ شَيءٍ" (عبرانيِّين 4: 15)، جُرِّب يسوع، وانتصر على التَّجْرِبَة ليَعبر بنا فيها من الهزيمة إلى النصرة، ومن الموت إلى الحياة. ويُعلق القديس أوغسطينوس: " جُرِّبَ يسوعُ على يدِ إبليس. ومع المسيحِ أنتَ جُرِّبْتَ، لأنَّ المسيحَ منكَ أخذَ لذاتِه جسدًا، ومن ذاتِه وهبَ لك الخلاص. منكَ له التَّجْرِبَة، ومنه كان لك النَّصر". فالمسيح الأنَ في السَّماء يتفهم ضُعفنا، ويُدرك تجاربنا ويهبنا المغفرة. بتَجْرِبَة المسيح جُرِّبْنا نحن أيضًا، وبه هَزَمْنا إبليسَ. ويُعلق القديس أمبروسيوس "لو لم يجربه إبليس لما انتصر الرَّبّ لأجلي بطريقة سرِّيَّة ليُحرِّر آدم من السَّبي".



(4) تَجْرِبَة الإنْسَان:
ربط مرقس الإنْجيلي التَّجْرِبَة بالمعمودية ليدلَّ على واجب المؤمن ابن لله أن ينتصر على إبليس منذ عماده. بالمعمودية نصير أبناء الله، وأن نكون أبناءً يعني بالضرورة أن ندخل في تَجْرِبَة. العبد لا يجرّب وليس عليه أن يختار، لأنَّ لا يملك حريَّة، بل عليه فقط أن يُنفذ الأوامر فقط. الابن في المُقابل حرٌ، يستطيع ويجب أن يختار: إن لم يختار الله، يصبح عبدًا. لا يكون الإنْسَان إنسانًا ومسؤولًا مسؤوليَّة كاملة إلاَّ إذا كان له القدرة الدائمة على اختيار الله الذي دعاه أن يكون "على صورته" وان يكون ابنه بالمَعْمودِيّة. ويطلب الله أن يكون جواب الإنْسَان في اختياره على أعظم قدر من الحريَّة. ومن هنا يأتي تَجْرِبَة الإنْسَان هي تَجْرِبَة الإيمان والمَحَبَّة والرَّجاء.



(ا) تَجْرِبَة الإيمان:
الإنْسَان مدعو إلى الالتزام تجاه وعد الله بالتَّعبير عن إيمانه بطاعة حرة، كما حصل لإبراهيم ويوسف وموسى ويشوع (عبرانيِّين 11: 1-40). وتُشكِّل ذبيحة إسحاق الاختبار الأمثل (تكوين 22). وههنا قد يمرّ الإنْسَان بتَجْرِبَة إيمان عندما يتدخل الشَّيطان ويجعل الإنْسَان أن يشكَّ في حضور الله الخلاصي، وهذا ما حدث مع الشَّعب الإسرائيلي أثناء محنته في البرِّيَّة (خروج 17: 7).



(ب) تَجْرِبَة المَحَبَّة:
يختبر الله أمانة الشَّعب للعهد. اختار شعب العهد القديم أن يخدم إلهه (يشوع 24: 18)، لكن كان قلبه مُنقسمًا. الاختبار يُلزم الشَّعب بإعلان محبته لله وإثباتها بالفعل، ويعمل على تنقية القلب من كلّ شوائبه. ولا يفرض الله محبته على الإنْسَان فرضًا، بل يتطلب منه قبولها بحريَّة. المَحَبَّة تعني الاختيار. ومن هنا لا بد من الاختبار، فاختار آدم نفسه كإله (تكوين (3:5)، ذلك أنَّ بين الاختبار والاختيار حدثت التَّجْرِبَة من خلال الشَّيطان (تكوين 3) وهنا يظهر الشَّيطان بمظهر المُضل لإغراء قلب الإنْسَان ليكون بعيدًا عن الله. في حين أن تَجْرِبَة يسوع هي تَجْرِبَة ِّمَحَبَّة تساعدنا في مَحَبَّة الله والقريب، لأنَّ المَحَبَّة هي حركة تُركِّز الانتباه َ على الآخر “معتبرة إيّاه واحدًا مع الشَّخص نفسه" (البابا فرنسيس، الرِّسالة العامة Fratelli tutti، عدد 93). ولا يكفي اختيار أولي بل يجب أن نواصل اختياراتنا وتفضيلنا لله، في المواقف الجديدة التي تقدِّمها الحياة.



(ج) تَجْرِبَة الرَّجاء:
إنَّ مَلَكوت الله يبدو متأخرًا في ظهوره. فتأتي التَّجْرِبَة اللحظة الحاضرة، تَجْرِبَة العِلمانيَّة، أي العيش دون الله، إنَّها تَجْرِبَة هذا العصر، تَجْرِبَة الاندماج والاستقرار في هذا العَالَم بناء على إغراء الشَّيطان، سيِّد هذا العَالَم (أيوب 1-2). وهي التَّجْرِبَة التي مرّ بها الشَّعب العِبري في الصَّحراء لمَّا تخلَّ عن الله ووعوده وتمسك بالعِجل الذَّهبي (خروج 32: 4). وكلما قرب مجيء الرَّبّ كلما زادت المُقاومة بين النُّور والظلمات حيث تتقوّى الأمانة في الاضِّطهاد (لوقا 8: 13-15)، وحيث يخرج الإنْسَان من الشدّة "مُمحَّصًا". بهذا المعنى يبلغ الاختبار والرِّسالة ذروتهما في الاستشهاد (لوقا 22: 31، رؤيا 2: 10). ويعلق البابا فرنسيس أنَّ تَجْرِبَة المسيح تعلمنا: "أن نقبل رجاءَ المسيح الذي يبذل حياته على الصَّليب والذي أقامه الله في اليوم الثالث، وأن نكون "مُستَعِدِّينَ لأنَّ نَرُدّ على مَن يَطلُبُ مِنا دَليلَ ما نحن علَيه مِنَ الرَّجاء" (1 بطرس 3، 15). (رسالة قداسة البابا فرنسيس بمناسبة الصَّوم الأربعيني 2021، 2).
 
قديم 25 - 03 - 2024, 01:29 PM   رقم المشاركة : ( 155503 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,462

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


كان قيام هيكل الرب في أورشليم يعني حلول الله وسط شعبه، يملك عليهم ويقدّسهم ويملأ حياتهم فرحًا وبهجة، الأمور التي حُرموا منها عشرات السنين في أرض السبي.
عاد زربابل من السبي ومعه خمسون ألفًا من اليهود ليعيدوا بناء الهيكل ويردّوا لإسرائيل بهجته في الرب، لكنّهم إذ وجدوا مقاومة توقّفوا فاستكان البعض للموقف وانشغل كل واحد ببناء بيته الخاص تاركين بيت الرب خرابًا. فجاء هذا السفر يحثّ الكل على العودة إلى العمل، وكأنّه دعوة إلهيّة موجّهة إلى كل نفس لتستعيد في الرب بهجة خلاصها بالتمتّع بسكنى الرب فيها وإعلان قلبها هيكلًا للرب وأعماقها مقدّسا له.
إنه حديث إلهي فيه يُعاتب النفس المتراخية في قبول ملكوته داخلها والمرتبكة بأمور هذه الحياة.




الأصحاح الأول (دعوة لبناء بيت الرب)
الأصحاح الثاني (نبوّات ثلاث متلاحقة)




حجي:

* اسم عبري "عيدي"، ربّما سُمي هكذا لأجل توقّع العودة من السبي بفرح، أو لأنه ولد في يوم عيد، وقد جاء اسمه متناسبًا مع مضمون السفر. فالسفر في أعماقه هو دعوة للحياة المفرحة أو إلى الدخول في عيد غير منقطع خلال إعادة بناء هيكل الرب فينا بروحه القدّوس.
يقول القديس جيروم: ["حجي" يعني (مبهج أو مفرح)، هذا الذي يزرع بالدموع ويحصد بالابتهاج (مز 126: 5)، قد انشغل بإعادة بناء الهيكل(1)].
* ُلد حجّي في أرض السبي، وصعد إلى يهوذا مع زربابل في الرجوع الأوّل عام 536 ق.م. (عز 2: 1)، ويعتبر هو وزكريّا وملاخي أنبياء ما بعد السبي.
* يرى البعض أنّه كان كاهنًا، إذ ركز اهتمامه العظيم على الهيكل مقدّمًا لنا مفهومًا عميقًا بنائه. وقد رأى البعض في كلماته "اسأل الكهنة عن الشريعة" (حج 2: 11)، دليلًا أكيدًا على أنّه لم يكن كاهنًا(2).
* مارس حجّي عمله النبوي حوالي عام 520 ق.م.، في السنة الثانيّة لداريوس ثالث ملوك الفرس، وهي السنة التي فيها اشتهر الفيلسوف الصيني كونفشيوس. وقد بدأ عمله قبل زكريّا النبي بشهرين، ارتبط معه بصداقة قويّة ووحدة في الهدف، وقد جاء في التقليد اليهودي إنهما دفنا في قبر واحد. وقد تنبأ زكريّا لمدّة 3 سنوات أما حجّي فلمدّة 3 شهور 24 يومًا.


جاء في التلمود أن حجّي وزكريّا وملاخي كانوا أعضاء في المجمع العظيم.
* بالرغم من تأثره بحزقيال النبي في جوانب متعدّدة لكنّه كان رجل عمل ركّز كل اهتمامه على إعادة بناء الهيكل، ولم يشترك مع حزقيال في إنكبابه على الرؤى (حز 1: 4)، ولا في ممارسة أعمال رمزيّة (حز 4: 53)، ولا في مواهبه الشعريّة (حز 17، 19، 27، 28).



ظروفه:

عاش حجّي النبي في ذات الظروف التي عاشها زكريّا النبي، يحمل ذات مشاعره، فنحن نعلم أن أنبياء ما قبل السبي كثيرًا ما هدّدوا بالسبي قبل حدوثه (586 ق.م)، وقد تحقّقت هذه النبوّات، لكن الله لم يترك الأمر هكذا وإنّما سبق فأعلن بالأنبياء عن العودة من السبي البابلي بعد سبعين عامًا (إر 25: 11-12؛ دا 9: 2)، وقد تحقّق ذلك أيضًا عندما انهارت المملكة البابليّة أمام الفرس فسمح كورش ملك الفرس لزربابل الذي من نسل داود أن يرجع إلى أورشليم ليُعيد بناء الهيكل. وإذ وضع زربابل الأساسات قام السامريّون بمقاومتهم (حج 4: 5)، فتوقّف العمل كما سبق لنا الحديث في مقدّمة سفر زكريّا.
وإذ مرّ أكثر من خمس عشر عامًا والعمل متوقّف دون إبطال رسمي للمنشور الذي أصدره كورش، وإذ ملك داريوس حان الوقت للعمل من جديد. هنا جاءت المقاومة لا من الخارج بل من الداخل، إذ انشغل كل واحد ببناء بيته الخاص. فقام حجّي النبي ومن بعده بشهرين زكريّا ينذران الشعب ويحثّانهم على العمل في بيت الرب بقوّة وغيرة قلبيّة.
عندما بدأ العمل بالفعل للأسف قام بين الشيوخ الذين شاهدوا الهيكل الأوّل يثبّطون الهمم إذ حسبوا الهيكل الجديد كلا شيء بمقارنته بالهيكل القديم، ولولا حكمة النبيّان لتوقّف العمل تمامًا وتحوّل الفرح إلى حزن خلال روح اليأس الذي بثّه هؤلاء المسنّين.



غايته:

لم يكن دور حجّي النبي مجرّد الحث على إعادة بناء الهيكل ولكنه دخل بهم إلى مفاهيم روحيّة عميقة تمس علاقتهم بالله على مستوى القلب الداخلي، فقد أبرز النبي الآتي:
1. الحاجة عن التخلّي عن الذات لإقامة بيت الرب داخل النفس، أي صلب الأنا ليعلن السيّد المسيح ملك على القلب كما في هيكله المقدّس.
2. تأكيد أن "الله أولًا"، فأن كان الشعب قد انهمك في بناء بيوت خاصة متجاهلين العمل في بيت الرب، فأن هذا التصرّف يكشف عن حالهم الخطير إذ حسبوا الله ثانويًّا في حياتهم. الله لا يسكن في بيوت ولا يطلب أمجادًا زمنيّة لكنّه يطلب أن يكون الأوّل في حياة أولاده الذين أعطاهم الأوّلويّة بين خليقته، فيردون مبادرته بالحب لهم بمبادرتهم بالحب له. إن كان من أجل تنازله قبل أن يكون له هيكل وسط شعبه إنّما ليؤكّد حلوله في وسطهم، لهذا يليق بهم الاهتمام بالهيكل لا من أجل فخامته وإنّما علامة حب داخلي وشوق وفرح بالله الساكن في وسطهم.
الله لا يطلب الذهب ولا الفضة ولا حتى العمل في ذاته، ولكنه يود قلوبهم مسكنًا له!
3. نجح حجّي النبي لا في نقل أفكارهم من البناء الحجري إلى القلب كبيت داخلي للرب وإنّما أيضًا في الكشف عن مجد البيت الجديد الذي يقوم خلال تجسّد الكلمة، أي بظهور مشتهى كل الأمم. بقيامته وصعوده أعطانا المجد الأبدي في هيكله الذي هو جسده. لقد تحدّث عن هذا الهيكل مع اليهود قائلًا: "انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه" (يو 2: 19). يُكمل الإنجيلي: "فقال اليهود في ست وأربعون سنة بُني هذا الهيكل أفأنت في ثلاثة أيام تقيمه؟! وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده، فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه إنّه قال هذا فآمنوا".



أقسامه:

يضم هذا السفر أربع نبوّات نطق بها النبي:
1. النبوّة الأولى (حج 1): أعلنها في اليوم الأوّل من الشهر السادس في السنة الثانيّة من ملك داريوس، فيها يوبخهم على تركهم الهيكل خرابًا، وقد جاءت النبوّة بالثمر إذ تحمّس الكل للعمل.
2. النبوّة الثانيّة (حج 2: 1-9): أُعلنت في اليوم الحادي والعشرين من الشهر السابع، فيها يشجّع العاملين على الاستمرار في العمل دون الحزن على مجد الهيكل القديم، مؤكّدًا رفض الأفكار المحطّمة للنفس، معلنا ظهور هيكل جديد فائق في مجده.
3. النبوّة الثالثة (حج 2: 10-19): أُعلنت في اليوم الرابع والعشرين من الشهر التاسع، وتُعتبر كملحق للنبوّة السابقة. في هذه النبوّة يؤكّد أن تجاهلهم لأولويّة الله في حياتهم يفقدهم البركة، مشجّعًا إيّاهم على المثابرة في الحياة الروحيّة بغيّرة متّقدة.
4. النبوّة الرابعة (حج 2: 20-23): أُعلنت في نفس اليوم الذي أُعلنت فيه النبوّة السابقة. في هذه النبوّة يؤكّد الرب إنّه يهز الأمم ويثبت زربابل كخاتم له.
 
قديم 25 - 03 - 2024, 01:32 PM   رقم المشاركة : ( 155504 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,462

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يقول القديس جيروم:


["حجي" يعني (مبهج أو مفرح)،
هذا الذي يزرع بالدموع ويحصد بالابتهاج
(مز 126: 5)،
قد انشغل بإعادة بناء الهيكل].
 
قديم 25 - 03 - 2024, 01:32 PM   رقم المشاركة : ( 155505 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,462

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





حجي:

* اسم عبري "عيدي"، ربّما سُمي هكذا لأجل توقّع العودة من السبي بفرح، أو لأنه ولد في يوم عيد، وقد جاء اسمه متناسبًا مع مضمون السفر. فالسفر في أعماقه هو دعوة للحياة المفرحة أو إلى الدخول في عيد غير منقطع خلال إعادة بناء هيكل الرب فينا بروحه القدّوس.
يقول القديس جيروم: ["حجي" يعني (مبهج أو مفرح)، هذا الذي يزرع بالدموع ويحصد بالابتهاج (مز 126: 5)، قد انشغل بإعادة بناء الهيكل].
* ُلد حجّي في أرض السبي، وصعد إلى يهوذا مع زربابل في الرجوع الأوّل عام 536 ق.م. (عز 2: 1)، ويعتبر هو وزكريّا وملاخي أنبياء ما بعد السبي.
* يرى البعض أنّه كان كاهنًا، إذ ركز اهتمامه العظيم على الهيكل مقدّمًا لنا مفهومًا عميقًا بنائه. وقد رأى البعض في كلماته "اسأل الكهنة عن الشريعة" (حج 2: 11)، دليلًا أكيدًا على أنّه لم يكن كاهنًا.
* مارس حجّي عمله النبوي حوالي عام 520 ق.م.، في السنة الثانيّة لداريوس ثالث ملوك الفرس، وهي السنة التي فيها اشتهر الفيلسوف الصيني كونفشيوس. وقد بدأ عمله قبل زكريّا النبي بشهرين، ارتبط معه بصداقة قويّة ووحدة في الهدف، وقد جاء في التقليد اليهودي إنهما دفنا في قبر واحد. وقد تنبأ زكريّا لمدّة 3 سنوات أما حجّي فلمدّة 3 شهور 24 يومًا.


جاء في التلمود أن حجّي وزكريّا وملاخي كانوا أعضاء في المجمع العظيم.
* بالرغم من تأثره بحزقيال النبي في جوانب متعدّدة لكنّه كان رجل عمل ركّز كل اهتمامه على إعادة بناء الهيكل، ولم يشترك مع حزقيال في إنكبابه على الرؤى (حز 1: 4)، ولا في ممارسة أعمال رمزيّة (حز 4: 53)، ولا في مواهبه الشعريّة (حز 17، 19، 27، 28).
 
قديم 25 - 03 - 2024, 01:33 PM   رقم المشاركة : ( 155506 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,462

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



عاش حجّي النبي في ذات الظروف التي عاشها زكريّا النبي، يحمل ذات مشاعره، فنحن نعلم أن أنبياء ما قبل السبي كثيرًا ما هدّدوا بالسبي قبل حدوثه (586 ق.م)، وقد تحقّقت هذه النبوّات، لكن الله لم يترك الأمر هكذا وإنّما سبق فأعلن بالأنبياء عن العودة من السبي البابلي بعد سبعين عامًا (إر 25: 11-12؛ دا 9: 2)، وقد تحقّق ذلك أيضًا عندما انهارت المملكة البابليّة أمام الفرس فسمح كورش ملك الفرس لزربابل الذي من نسل داود أن يرجع إلى أورشليم ليُعيد بناء الهيكل. وإذ وضع زربابل الأساسات قام السامريّون بمقاومتهم (حج 4: 5)، فتوقّف العمل كما سبق لنا الحديث في مقدّمة سفر زكريّا.
وإذ مرّ أكثر من خمس عشر عامًا والعمل متوقّف دون إبطال رسمي للمنشور الذي أصدره كورش، وإذ ملك داريوس حان الوقت للعمل من جديد. هنا جاءت المقاومة لا من الخارج بل من الداخل، إذ انشغل كل واحد ببناء بيته الخاص. فقام حجّي النبي ومن بعده بشهرين زكريّا ينذران الشعب ويحثّانهم على العمل في بيت الرب بقوّة وغيرة قلبيّة.
عندما بدأ العمل بالفعل للأسف قام بين الشيوخ الذين شاهدوا الهيكل الأوّل يثبّطون الهمم إذ حسبوا الهيكل الجديد كلا شيء بمقارنته بالهيكل القديم، ولولا حكمة النبيّان لتوقّف العمل تمامًا وتحوّل الفرح إلى حزن خلال روح اليأس الذي بثّه هؤلاء المسنّين.


 
قديم 25 - 03 - 2024, 01:34 PM   رقم المشاركة : ( 155507 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,462

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




لم يكن دور حجّي النبي مجرّد الحث على إعادة بناء الهيكل ولكنه دخل بهم إلى مفاهيم روحيّة عميقة تمس علاقتهم بالله على مستوى القلب الداخلي، فقد أبرز النبي الآتي:
1. الحاجة عن التخلّي عن الذات لإقامة بيت الرب داخل النفس، أي صلب الأنا ليعلن السيّد المسيح ملك على القلب كما في هيكله المقدّس.
2. تأكيد أن "الله أولًا"، فأن كان الشعب قد انهمك في بناء بيوت خاصة متجاهلين العمل في بيت الرب، فأن هذا التصرّف يكشف عن حالهم الخطير إذ حسبوا الله ثانويًّا في حياتهم. الله لا يسكن في بيوت ولا يطلب أمجادًا زمنيّة لكنّه يطلب أن يكون الأوّل في حياة أولاده الذين أعطاهم الأوّلويّة بين خليقته، فيردون مبادرته بالحب لهم بمبادرتهم بالحب له. إن كان من أجل تنازله قبل أن يكون له هيكل وسط شعبه إنّما ليؤكّد حلوله في وسطهم، لهذا يليق بهم الاهتمام بالهيكل لا من أجل فخامته وإنّما علامة حب داخلي وشوق وفرح بالله الساكن في وسطهم.
الله لا يطلب الذهب ولا الفضة ولا حتى العمل في ذاته، ولكنه يود قلوبهم مسكنًا له!
3. نجح حجّي النبي لا في نقل أفكارهم من البناء الحجري إلى القلب كبيت داخلي للرب وإنّما أيضًا في الكشف عن مجد البيت الجديد الذي يقوم خلال تجسّد الكلمة، أي بظهور مشتهى كل الأمم. بقيامته وصعوده أعطانا المجد الأبدي في هيكله الذي هو جسده. لقد تحدّث عن هذا الهيكل مع اليهود قائلًا: "انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه" (يو 2: 19). يُكمل الإنجيلي: "فقال اليهود في ست وأربعون سنة بُني هذا الهيكل أفأنت في ثلاثة أيام تقيمه؟! وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده، فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه إنّه قال هذا فآمنوا".

 
قديم 25 - 03 - 2024, 01:36 PM   رقم المشاركة : ( 155508 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,462

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



أقسام سفر حجي

يضم أربع نبوّات نطق بها النبي:
1. النبوّة الأولى (حج 1): أعلنها في اليوم الأوّل من الشهر السادس في السنة الثانيّة من ملك داريوس، فيها يوبخهم على تركهم الهيكل خرابًا، وقد جاءت النبوّة بالثمر إذ تحمّس الكل للعمل.
2. النبوّة الثانيّة (حج 2: 1-9): أُعلنت في اليوم الحادي والعشرين من الشهر السابع، فيها يشجّع العاملين على الاستمرار في العمل دون الحزن على مجد الهيكل القديم، مؤكّدًا رفض الأفكار المحطّمة للنفس، معلنا ظهور هيكل جديد فائق في مجده.
3. النبوّة الثالثة (حج 2: 10-19): أُعلنت في اليوم الرابع والعشرين من الشهر التاسع، وتُعتبر كملحق للنبوّة السابقة. في هذه النبوّة يؤكّد أن تجاهلهم لأولويّة الله في حياتهم يفقدهم البركة، مشجّعًا إيّاهم على المثابرة في الحياة الروحيّة بغيّرة متّقدة.
4. النبوّة الرابعة (حج 2: 20-23): أُعلنت في نفس اليوم الذي أُعلنت فيه النبوّة السابقة. في هذه النبوّة يؤكّد الرب إنّه يهز الأمم ويثبت زربابل كخاتم له.
 
قديم 25 - 03 - 2024, 01:42 PM   رقم المشاركة : ( 155509 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,462

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




دعوة لبناء بيت الرب

إذ فتر الشعب في غيرته نحو بناء بيت الرب صاروا يقولون: "إن الوقت لم يبلغ بعد لبنائه"، فصار النبي يحثّهم على العمل، وجاء حديثه بالثمر المطلوب.

1. موضوع النبوّة

1 فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِدَارِيُوسَ الْمَلِكِ، فِي الشَّهْرِ السَّادِسِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ، كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ عَنْ يَدِ حَجَّي النَّبِيِّ إِلَى زَرُبَّابِلَ بْنِ شَأَلْتِيئِيلَ وَالِي يَهُوذَا، وَإِلَى يَهُوشَعَ بْنِ يَهُوصَادَاقَ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ قَائِلًا: 2 « هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلًا: هذَا الشَّعْبُ قَالَ إِنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَبْلُغْ وَقْتَ بِنَاءِ بَيْتِ الرَّبِّ».

في مقدّمة النبوّة حدّد تاريخها، ولمن سُلّمت، ولمن وُجّهت، وموضوعها:
أولًا: فمن جهة تاريخها، نطق بها النبي في أول يوم من الشهر السادس (أيلول) في السنة الثانية لملك داريوس الفارسي. لعلّه اجتمع مع المحتفلين بالعيد الشهري، حيث اعتاد اليهود (إلى يومنا هذا بالنسبة للأرثوذكس منهم) أن يجتمعوا في أول الشهر القمري لممارسة العبادة الجماعيّة. استغل النبي الاجتماع ليعلن كلمة الرب الصريحة والفعّالة.
ثانيًا: سُلّمت النبوّة "عن يد حجي النبي"... كيف تُسلّم النبوّة في اليد؟ يقول القديس أغسطينوس: [إن كلمة "يد" هنا تعني "قوة"، وأن كلمة النبويّة قد سلّمت في أيدي الأنبياء كسيف قوي يُحطّم الشرّ. لقد قبلوا في أيديهم كلمة الله في قوّة لينطقوا ما أرادوا لمن يريدوا الحديث معهم، فلا يهابون قوّة ولا يستخفون فقرًا. في أيديهم سيف (روحي) يستلّونه حينما أرادوا، يمسكون به ويضربون. هذا كلّه في سلطان الكارزين].
ثالثًا: وجّه النبي الكلمة النبويّة إلى الوالي والكاهن اللذين كانا متحمّسين للعمل لكن المقاومات الخارجيّة والداخليّة قد أوقفتهما. أما الوالي فيدعى "زربابل" وهو حفيد يهوياكين الملك من نسل داود، اسمه يعني (مولود في بابل). ويدعى أيضًا شيشبصر أقامه كورش الفارسي واليًا على يهوذا (عز 5: 14). أما يهوشع بن يهوصادق الكاهن العظيم، فأسمه يعني (يهوه خلاص) واسم والده يعني (يهوه برّ)، وقد سبق لنا الحديث عنه كرمز للكاهن الأعظم يسوع المسيح خلاصنا وبرّنا في الآب.
في دراستنا لسفر زكريّا رأينا الوالي يرمز للإرادة الإنسانيّة التي أقامها الله في الإنسان لكي تدير الحياة في الرب كملك صاحب سلطان على النفس والجسد والفكّر والأحاسيس، بينما الكاهن يُشير إلى القلب الذي يتقدس لله بالروح القدس فيسكن فيه مسيحنا بكونه أسقف نفوسنا وشفيعنا بدمه لدى أبيه. فإن كان الحديث النبوي هناك موجّهًا نحو الوالي والكاهن، إنّما لأن كلمة الله تُحدّث الإرادة الإنسانيّة والقلب معًا. فإنه لن يُبنى هيكل الرب فينا ما لم تنحن إرادتنا ويخضع قلبنا أمام الله قائلين: "أنا أمة الرب ليكن ليّ كقولك". بمعنى آخر يليق بنا لكي ننعم بالمقدس الإلهي الذي أُقيمت أساساته في مياه المعمودية بالروح القدس بل وتشكل في داخلنا ليزداد مجدًا يومًا فيومًا بعمل الله فينا، يليق بنا أن نُسلّم زربابلنا الداخلي ويهوشعنا بين يديه، أي نسلّمه الإرادة الحيّة العاملة مع القلب بكل مشاعره.
حقًا إن إرادتنا هي "زربابل"، إذ وُلدت في بابل حيث كنا تحت سبي الخطيّة، لكن الرب وحدة يُحرّرها من سبيها ويطلقها إلى أورشليم العليا لا لتقود خمسين ألفًا من الرجال للعمل، وإنّما تحمل في داخلها طاقات وإمكانيّات الرب نفسه فيها ليعمل بها وبكل مواهبها وأحاسيسها... لحساب ملكوته.
وكما نحتاج إلى تقديس الإرادة بتحريرها من سبيها العنيف بعمل الصليب، هكذا نحتاج إلى تقديس القلب أيضًا، حتى يسكنه يهوشع الحقيقي أي يسوعنا الذي هو "الله مخلصنا" وفي نفس الوقت هو "يهوصادقنا" أي (الله برّنا).
رابعًا: أما موضوع النبوّة فهو: "هكذا قال رب الجنود قائلًا: هذا الشعب قال إن الوقت لم يبلغ، وقت بناء بيت الرب".
يبدأ حديثة مع الشعب بقوله: "قال رب الجنود"، وكأنّه أراد أن يؤكّد لهم أنهم إن كانوا يعملون لحساب ملكوته فهم جنوده وهو قائدهم الذي لا يعرف سوى الجهاد الروحي بلا رخاوة، إنّه رب الجنود! ولعلّه قصد أيضًا توبيخهم إنهم إن كانوا قد تركوا العمل في رخاوة واستهتار فهو في غير حاجة إلى أيدي عاملة، إذ هو رب الجنود السماويّة... لكنّه يطلبهم للعمل لأنه يحبّهم ويشتاق للعمل خلالهم.
وفي بداية حديثة لا يقل "شعبي" بل "هذا الشعب" ففي دراستنا لسفر الخروج وبعض أسفار الأنبياء لاحظنا أنّه متى أخطأ الشعب لا يدعوه: "شعبه" أي لا ينسبه إلى نفسه، وذلك كما حدث في حديثة مع موسى، إذ قال له: "قد فسد شعبك" (خر 32: 7)، ناسبًا الشعب لموسى لا لنفسه. أما حينما يتقدّس الشعب فيحلو له أن يفتخر به حاسبًا إيّاه شعبه، وسبوتهم سبوته، وأعيادهم أعياده، وتقدماتهم تقدماته.
أما سرّ حزن الله على هذا الشعب فهو أنهم أقاموا الحجج والتبريرات للامتناع عن العمل، قائلين: لم يبلغ الوقت لبناء بيت الرب. لقد تعلّلوا بأن المقاومات الخارجيّة هي إشارة إلهيّة بأن وقت العمل لم يحن، ولعلّهم أيضًا برّروا ذلك بأنه يليق بهم أولًا أن يهتمّوا ببيوتهم حتى تستريح عائلاتهم، وعندئذ يعملون لحساب بيت الرب بقلب مستريح، ولم يدركوا أنّه يليق أن يكون الله أولًا في حياتهم، كقول السيّد: "اطلبوا أولًا ملكوت الله وبرّه وهذه كلها تزاد لكم" (مت 6: 33).
حياتنا في الواقع هي مجموعة من الفرص، إن ضاعت فرصة قد لا تتكرّر، فلا يليق بنا القول: "إن الوقت لم يبلغ بعد" لئلا نصير كفيلكس الوالي الذي أرجأ فرصة التوبة إلى أن يجد الوقت المناسب (أع 24: 25) فلم نسمع أنّه وجد الوقت، إنّما يليق بنا القول: "عظوا أنفسكم كل يوم ما دام الوقت يُدعى اليوم لكي لا يقسَّى أحد منكم بغرور الخطيّة" (ع 3: 13)، "مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة" (أف 5: 16).





2. توبيخ على الاهتمام بالزمنيّات:

3 فَكَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ عَنْ يَدِ حَجَّي النَّبِيِّ قَائِلًا: 4 «هَلِ الْوَقْتُ لَكُمْ أَنْتُمْ أَنْ تَسْكُنُوا فِي بُيُوتِكُمُ الْمُغَشَّاةِ، وَهذَا الْبَيْتُ خَرَابٌ؟ 5 وَالآنَ فَهكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: اجْعَلُوا قَلْبَكُمْ عَلَى طُرُقِكُمْ. 6 زَرَعْتُمْ كَثِيرًا وَدَخَّلْتُمْ قَلِيلًا. تَأْكُلُونَ وَلَيْسَ إِلَى الشَّبَعِ. تَشْرَبُونَ وَلاَ تَرْوُونَ. تَكْتَسُونَ وَلاَ تَدْفَأُونَ. وَالآخِذُ أُجْرَةً يَأْخُذُ أُجْرَةً لِكِيسٍ مَنْقُوبٍ. 7 « هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: اجْعَلُوا قَلْبَكُمْ عَلَى طُرُقِكُمْ. 8 اِصْعَدُوا إِلَى الْجَبَلِ وَأْتُوا بِخَشَبٍ وَابْنُوا الْبَيْتَ، فَأَرْضَى عَلَيْهِ وَأَتَمَجَّدَ، قَالَ الرَّبُّ. 9 انْتَظَرْتُمْ كَثِيرًا وَإِذَا هُوَ قَلِيلٌ. وَلَمَّا أَدْخَلْتُمُوهُ الْبَيْتَ نَفَخْتُ عَلَيْهِ. لِمَاذَا؟ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. لأَجْلِ بَيْتِي الَّذِي هُوَ خَرَابٌ، وَأَنْتُمْ رَاكِضُونَ كُلُّ إِنْسَانٍ إِلَى بَيْتِهِ. 10 لِذلِكَ مَنَعَتِ السَّمَاوَاتُ مِنْ فَوْقِكُمُ النَّدَى، وَمَنَعَتِ الأَرْضُ غَلَّتَهَا. 11 وَدَعَوْتُ بِالْحَرِّ عَلَى الأَرْضِ وَعَلَى الْجِبَالِ وَعَلَى الْحِنْطَةِ وَعَلَى الْمِسْطَارِ وَعَلَى الزَّيْتِ وَعَلَى مَا تُنْبِتُهُ الأَرْضُ، وَعَلَى النَّاسِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ أَتْعَابِ الْيَدَيْنِ».

في الوقت الذي فيه يقولون بأن الوقت لم يحن لبناء بيت الرب يسكنون هم في بيت لهم مغشاة، تليق بالملوك (1 مل 7: 7؛ إر 22: 14)، وكأنهم ليس فقط قدّموا الزمنيّات عن الأبديّات وإنّما حتى في تدبيرهم للأمور الزمنيّة سكنوا في قصور مترفة تليق بالملوك والعظماء.
إن كانوا يسكنون القصور الفخمة لكن يليق بهم أن يرجعوا أنفسهم ويتأمّلوا حياتهم من جديد، إذ يقول لهم: "اجعلوا قلوبكم على طرقكم" [5]. ولعلّ كلمة "قلوبكم" هنا تعني التأمّل في الحياة الداخليّة أو مراجعة النفس، وكما يقول الرسول: "ليمتحن كل واحد عمله" (غلا 6: 4)، أي يحكم على نفسه قبل أن يحكم الغير عليه... وها هو النبي يُساعدهم على مراجعة أنفسهم بقوله: "زرعتم كثيرًا ودخلتم قليلًا، تأكلون وليس إلى الشبع، تشربون ولا تروون، تكتسون ولا تدفئون، والآخذ أجرة يأخذ أجرة لكيس مثقوب" [6].
إذ يرفض الإنسان الالتصاق بالله خالقه إنّما يرفض البركة في حياته، فالطبيعة تقاومه والأرض لا تعطيه ثمرها، حتى جسده لا يتمتّع بالشبع والكفاية مهما قُدم له. قد يزرع كثيرًا لكن الحصاد قليل، وقد يأكل بنهَم كل ما يشتهيه ولكن بلا شبع، وينال أجرة بلا كيل لكنّه كمن يضعها في كيس مثقوب. هذا ما حذّر منه الكتاب في أكثر من موضع، فيقول الكتاب: "بكسريّ لكم عصا الخبز تخبز عشر نساء خبزكم في تنور واحد ويردّدون خبزهم بالوزن فتأكلون ولا تشبعون" (لا 26: 26)؛ "من أجل خطاياك أنت تأكل ولا تشبع وجوعك في جوفك...
أنت تزرع ولا تحصد، أنت تدوس زيتونًا ولا تدهن بزيت، وسلافة ولا تشرب خمرًا" (مي 6: 14-15 راجع هو 4: 10).
يرى القديس إكليمنضس الإسكندري أن صاحب الكيس المثقوب هو الذي يجمع أمواله ويغلق عليها فلا يعطي للآخرين، إذ يقول: [من يجمع قمحه ويغلق عليه، من لا يعطي أحد يصير إلى حالة أفقر].
لهذا عندما مدح القديس جيروم الكاهن الضرير أبيفايوس قال له: [إنك لا تضع أجرتك في كيس مثقوب بل تضع كنوزك في السماء].
وفي مناظرات القديس يوحنا كاسيان يقول الأب إبراهيم: [إن صاحب الكيس المثقوب هو من يسمع أقوال الغير لكنه يفقدها بسبب عدم ضبطه لنفسه وعدم تركيز ذهنه].
هكذا يفقد الإنسان البركة حتى في الأمور الزمنيّة باعتزاله مصدر البركة. هذا ما يؤكّده الرب مرّة أخرى مهدّدًا لا للانتقام وإنّما ليردّ الإنسان إليه، فيقول: "لأجل بيتي الذي هو خراب وأنتم راكضون كل إنسان إلى بيته، لذلك منعت السموات من فوقكم الندى، ومنعت الأرض غلتها، ودعوت بالحرّ على الأرض وعلى الجبال وعلى الحنطة وعلى المسطار وعلى الزيت وعلى ما تنبته الأرض وعلى الناس وعلى كل أتعاب اليدين" [11].
إذ يتجاهل الإنسان خالقه تتجاهله الخليقة فتمنع السموات نداها والأرض غلتها، حتى الجو يفقد لطفه فيختنق بحرّه الإنسان والحيوان والنبات على الجبال والمناطق السهلة، مفسدًا كل تعب اليدين. جاء في سفر التثنية: "وتكون سماؤك التي فوق رأسك نحاسًا، والأرض التي تحتك حديدًا، ويجعل الرب مطر أرضك غبارًا وترابًا ينزل عليك من السماء حتى تهلك" (تث 28: 23-24). حينما يُقسي الإنسان قلبه تصير له السماء قاسية كالنحاس والأرض حديدًا بلا ثمر، وإذ تكون أفكاره أرضية ترابية يتحوّل المطر بالنسبة له إلى تراب يهلكه... وكأن الطبيعة تُقدّم له مما هو مختفي فيه.
جاء في الترجمة السبعينيّة "ودعوت بالسيف على الأرض وعلى الجبال... إلخ"، فلا يكفي غضب الطبيعة عليه، إنّما يفقده سلامه مع إخوته فيلاحقونه بالسيف أينما وُجد، حتى إن اختفي على الجبال وسط الصخور، ويبدّدون بالعنف كل ثماره.
يمكننا أيضًا تفسير الكلمات الإلهيّة "لأجل بيتي الذي هو خراب وأنتم راكضون كل إنسان إلى بيته" هكذا، إنّه يعني مسكنه الداخلي فينا الذي يصير خرابًا بفقدانه الله نفسه كساكن فيه فتهرب النفس إلى بيتها، أي تتقوقع حول ذاتها وتتشبّث بأنانيّتها، عندئذ عوض المكسب تدخل إلى خسارة وفقدان تام، إذ تفقد النفس (السموات) نعمة الله (الندى) وتُحرم من عمل الروح القدس، وتمنع الأرض غلّتها أي يفقد الجسد قدسيّته، فلا يكون فيه ثمر مفرح لله والإنسان، فتتحوّل حياته إلى اضطراب شديد حيث يلاحقه السيف الداخلي أينما وجد. يُحطّم السيف أرضه أي جسده، وجباله أي إمكانيّاته المتشامخة ويُفسد حنطته ومسطاره (الخمر الجديد) وزيته أي يفسد طعامه وشرابه ودواءه ليجعله جائعًا ظمآنًا ومريضًا!

لم يتركنا الله هكذا لكنّه يقدم العلاج: "هكذا قال رب الجنود: أجعلوا قلبكم على طرقكم، اصعدوّا إلى الجبال وأتوا بخشب وابنوا البيت فأرضى عليه وأتمجّد" [7-8].
أ. يبدأ العلاج بالقول: "أجعلوا قلبكم على طرقكم" فلا إصلاح للنفس بدون مراجعة الإنسان لنفسه، لا بمحاسبته لنفسه على تصرّفاته الخارجيّة أو الظاهرة فحسب، وإنّما بالتأمّل في القلب ذاته. فإن كان هذا السفر هو سفر بناء بيت الرب الداخلي، فإنه يرفع فكرنا إلى داخل القلب بكونه مركز العمل. وكأنّه يقول: هيّئوا قلبكم ليقيم الرب مسكنه فيكم بروحه القدّوس.
ب. لا يقف الأمر عند مجرّد التأمّل في القلب وإنّما يقول: "اصعدوا إلى الجبل"... عوض جبلنا المتشامخ أي (الأنا) التي تهدمنا إلى الهاويّة، نرتفع إلى الجبل الذي قال عنه دانيال النبي: "أما الحجر الذي ضرب التمثال فصار جبلًا كبيرًا وملأ الأرض كلها" (دا 2: 35). هذا هو الجبل الذي قيل عنه: "لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل" (مت 5: 14).
إذن لنصعد بالرب نفسه لنتأسّس عليه كجبل يملأ الأرض ويرفعنا كمدينة منيرة وكهيكل مقدّس، بكونه صخر إيماننا. هناك نجلب خشبًا لنبني بيت الرب، أي نحمل صليبه ونشترك معه في آلامه، إذ لا تقوم مقدّسات الرب فينا خارج آلامه.
ج. أخيرًا يقول: "ابنوا البيت فأرضى عليه وأتمجّد". مع أنّه هو الباني للبيت كقول المرتل: "إن لم يبني الرب البيت فباطلًا يتعب البناءون" لكنّه يؤكّد "ابنوا البيت" مؤكّدًا تقديسه للحريّة الإنسانيّة، فهو لا يقيم البيت فينا بغير إرادتنا ولا بدوننا، بل وينسب العمل لنا مع أنّه هو العامل فينا.



3. ثمر الدعوة:

12 حِينَئِذٍ سَمِعَ زَرُبَّابِلُ بْنُ شَأَلْتِيئِيلَ وَيَهُوشَعُ بْنُ يَهُوصَادِقَ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ، وَكُلُّ بَقِيَّةِ الشَّعْبِ صَوْتَ الرَّبِّ إِلهِهِمْ وَكَلاَمَ حَجَّي النَّبِيِّ كَمَا أَرْسَلَهُ الرَّبُّ إِلهُهُمْ. وَخَافَ الشَّعْبُ أَمَامَ وَجْهِ الرَّبِّ. 13 فَقَالَ حَجَّي رَسُولُ الرَّبِّ بِرِسَالَةِ الرَّبِّ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ قَائِلًا: «أَنَا مَعَكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ». 14 وَنَبَّهَ الرَّبُّ رُوحَ زَرُبَّابِلَ بْنِ شَأَلْتِيئِيلَ وَالِي يَهُوذَا، وَرُوحَ يَهُوشَعَ بْنِ يَهُوصَادِاقَ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ، وَرُوحَ كُلِّ بَقِيَّةِ الشَّعْبِ. فَجَاءُوا وَعَمِلُوا الشُّغْلَ فِي بَيْتِ رَبِّ الْجُنُودِ إِلهِهِمْ، 15 فِي الْيَوْمِ الرَّابعِ وَالْعِشْرِينَ مِنَ الشَّهْرِ السَّادِسِ، فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِدَارِيُوسَ الْمَلِكِ.

جاءت الكلمات النبويّة بثمرها المفرح إذ سمع الوالي والكاهن وكل بقيّة الشعب كلمات الرب وخافوا أمام وجهه وبدءوا في العمل. وكأن الإنسان إذ ينصت للكمات الإلهيّة تخضع إرادته (الوالي) وينحني قلبه (الكاهن) وتتجاوب كل طاقاته (بقيّة الشعب) ليمتلئ بكليّته من مخافة الرب ويعمل بقوّة خلال انسجام داخلي مفرح.

 
قديم 25 - 03 - 2024, 01:44 PM   رقم المشاركة : ( 155510 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,269,462

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




دعوة لبناء بيت الرب

إذ فتر الشعب في غيرته نحو بناء بيت الرب صاروا يقولون: "إن الوقت لم يبلغ بعد لبنائه"، فصار النبي يحثّهم على العمل، وجاء حديثه بالثمر المطلوب.

موضوع النبوّة

1 فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِدَارِيُوسَ الْمَلِكِ، فِي الشَّهْرِ السَّادِسِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ، كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ عَنْ يَدِ حَجَّي النَّبِيِّ إِلَى زَرُبَّابِلَ بْنِ شَأَلْتِيئِيلَ وَالِي يَهُوذَا، وَإِلَى يَهُوشَعَ بْنِ يَهُوصَادَاقَ الْكَاهِنِ الْعَظِيمِ قَائِلًا: 2 « هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلًا: هذَا الشَّعْبُ قَالَ إِنَّ الْوَقْتَ لَمْ يَبْلُغْ وَقْتَ بِنَاءِ بَيْتِ الرَّبِّ».

في مقدّمة النبوّة حدّد تاريخها، ولمن سُلّمت، ولمن وُجّهت، وموضوعها:
أولًا: فمن جهة تاريخها، نطق بها النبي في أول يوم من الشهر السادس (أيلول) في السنة الثانية لملك داريوس الفارسي. لعلّه اجتمع مع المحتفلين بالعيد الشهري، حيث اعتاد اليهود (إلى يومنا هذا بالنسبة للأرثوذكس منهم) أن يجتمعوا في أول الشهر القمري لممارسة العبادة الجماعيّة. استغل النبي الاجتماع ليعلن كلمة الرب الصريحة والفعّالة.
ثانيًا: سُلّمت النبوّة "عن يد حجي النبي"... كيف تُسلّم النبوّة في اليد؟ يقول القديس أغسطينوس: [إن كلمة "يد" هنا تعني "قوة"، وأن كلمة النبويّة قد سلّمت في أيدي الأنبياء كسيف قوي يُحطّم الشرّ. لقد قبلوا في أيديهم كلمة الله في قوّة لينطقوا ما أرادوا لمن يريدوا الحديث معهم، فلا يهابون قوّة ولا يستخفون فقرًا. في أيديهم سيف (روحي) يستلّونه حينما أرادوا، يمسكون به ويضربون. هذا كلّه في سلطان الكارزين].
ثالثًا: وجّه النبي الكلمة النبويّة إلى الوالي والكاهن اللذين كانا متحمّسين للعمل لكن المقاومات الخارجيّة والداخليّة قد أوقفتهما. أما الوالي فيدعى "زربابل" وهو حفيد يهوياكين الملك من نسل داود، اسمه يعني (مولود في بابل). ويدعى أيضًا شيشبصر أقامه كورش الفارسي واليًا على يهوذا (عز 5: 14). أما يهوشع بن يهوصادق الكاهن العظيم، فأسمه يعني (يهوه خلاص) واسم والده يعني (يهوه برّ)، وقد سبق لنا الحديث عنه كرمز للكاهن الأعظم يسوع المسيح خلاصنا وبرّنا في الآب.
في دراستنا لسفر زكريّا رأينا الوالي يرمز للإرادة الإنسانيّة التي أقامها الله في الإنسان لكي تدير الحياة في الرب كملك صاحب سلطان على النفس والجسد والفكّر والأحاسيس، بينما الكاهن يُشير إلى القلب الذي يتقدس لله بالروح القدس فيسكن فيه مسيحنا بكونه أسقف نفوسنا وشفيعنا بدمه لدى أبيه. فإن كان الحديث النبوي هناك موجّهًا نحو الوالي والكاهن، إنّما لأن كلمة الله تُحدّث الإرادة الإنسانيّة والقلب معًا. فإنه لن يُبنى هيكل الرب فينا ما لم تنحن إرادتنا ويخضع قلبنا أمام الله قائلين: "أنا أمة الرب ليكن ليّ كقولك". بمعنى آخر يليق بنا لكي ننعم بالمقدس الإلهي الذي أُقيمت أساساته في مياه المعمودية بالروح القدس بل وتشكل في داخلنا ليزداد مجدًا يومًا فيومًا بعمل الله فينا، يليق بنا أن نُسلّم زربابلنا الداخلي ويهوشعنا بين يديه، أي نسلّمه الإرادة الحيّة العاملة مع القلب بكل مشاعره.
حقًا إن إرادتنا هي "زربابل"، إذ وُلدت في بابل حيث كنا تحت سبي الخطيّة، لكن الرب وحدة يُحرّرها من سبيها ويطلقها إلى أورشليم العليا لا لتقود خمسين ألفًا من الرجال للعمل، وإنّما تحمل في داخلها طاقات وإمكانيّات الرب نفسه فيها ليعمل بها وبكل مواهبها وأحاسيسها... لحساب ملكوته.
وكما نحتاج إلى تقديس الإرادة بتحريرها من سبيها العنيف بعمل الصليب، هكذا نحتاج إلى تقديس القلب أيضًا، حتى يسكنه يهوشع الحقيقي أي يسوعنا الذي هو "الله مخلصنا" وفي نفس الوقت هو "يهوصادقنا" أي (الله برّنا).
رابعًا: أما موضوع النبوّة فهو: "هكذا قال رب الجنود قائلًا: هذا الشعب قال إن الوقت لم يبلغ، وقت بناء بيت الرب".
يبدأ حديثة مع الشعب بقوله: "قال رب الجنود"، وكأنّه أراد أن يؤكّد لهم أنهم إن كانوا يعملون لحساب ملكوته فهم جنوده وهو قائدهم الذي لا يعرف سوى الجهاد الروحي بلا رخاوة، إنّه رب الجنود! ولعلّه قصد أيضًا توبيخهم إنهم إن كانوا قد تركوا العمل في رخاوة واستهتار فهو في غير حاجة إلى أيدي عاملة، إذ هو رب الجنود السماويّة... لكنّه يطلبهم للعمل لأنه يحبّهم ويشتاق للعمل خلالهم.
وفي بداية حديثة لا يقل "شعبي" بل "هذا الشعب" ففي دراستنا لسفر الخروج وبعض أسفار الأنبياء لاحظنا أنّه متى أخطأ الشعب لا يدعوه: "شعبه" أي لا ينسبه إلى نفسه، وذلك كما حدث في حديثة مع موسى، إذ قال له: "قد فسد شعبك" (خر 32: 7)، ناسبًا الشعب لموسى لا لنفسه. أما حينما يتقدّس الشعب فيحلو له أن يفتخر به حاسبًا إيّاه شعبه، وسبوتهم سبوته، وأعيادهم أعياده، وتقدماتهم تقدماته.
أما سرّ حزن الله على هذا الشعب فهو أنهم أقاموا الحجج والتبريرات للامتناع عن العمل، قائلين: لم يبلغ الوقت لبناء بيت الرب. لقد تعلّلوا بأن المقاومات الخارجيّة هي إشارة إلهيّة بأن وقت العمل لم يحن، ولعلّهم أيضًا برّروا ذلك بأنه يليق بهم أولًا أن يهتمّوا ببيوتهم حتى تستريح عائلاتهم، وعندئذ يعملون لحساب بيت الرب بقلب مستريح، ولم يدركوا أنّه يليق أن يكون الله أولًا في حياتهم، كقول السيّد: "اطلبوا أولًا ملكوت الله وبرّه وهذه كلها تزاد لكم" (مت 6: 33).
حياتنا في الواقع هي مجموعة من الفرص، إن ضاعت فرصة قد لا تتكرّر، فلا يليق بنا القول: "إن الوقت لم يبلغ بعد" لئلا نصير كفيلكس الوالي الذي أرجأ فرصة التوبة إلى أن يجد الوقت المناسب (أع 24: 25) فلم نسمع أنّه وجد الوقت، إنّما يليق بنا القول: "عظوا أنفسكم كل يوم ما دام الوقت يُدعى اليوم لكي لا يقسَّى أحد منكم بغرور الخطيّة" (ع 3: 13)، "مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة" (أف 5: 16).
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 10:16 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024