منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24 - 03 - 2024, 08:18 AM   رقم المشاركة : ( 155221 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,297

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






كيف تتصرَّف في بيت الله

وكتب الرسول إلى تلميذه تيموتاوس عن الكنيسة وعن الخدمة فيها. الكنيسة هي بيت الله. تُبنى حجرًا حجرًا كما يُبنى كلُّ بناء. أمّا الآن فنحن أمام حجارة حيَّة. فهذا »البيت« ليس مثل »هيكل« فرح الناس به فقالوا ليسوع: »انظر ما أروع هذه الحجارة وهذه الأبنية!« (مر 13: 1). هيكل تعلَّق به الناس منذ زمن إرميا النبيّ فاعتبروا أنَّهم بجانبه في حرزٍ حريز لا يصيبهم مكروه: »لا تتَّكلوا على قولكم: هيكل الربّ! هيكل الرب! هيكل الرب! وهكذا تخدعون أنفسكم« (إر 7: 4). مثل هذا الهيكل قد يصبح »صنمًا« نتعلَّق به ولا نبدِّل حياتنا. ولمّا تحدَّث عنه إسطفانس بهذه الصورة، رجموه. ويسوع نفسه رفع قلوب الناس حين طرد الباعة من الهيكل. هناك هيكل آخر، جسد الربّ، والكنيسة هي جسد الربّ ونحن أعضاء فيها، وكلُّ عضو له مركزه. قال بطرس الرسول: »وفي البيت الكبير تكون الآنية من ذهب وفضَّة، كما تكون أيضًا من خشبٍ وخزف... فإذا طهَّر أحدٌ نفسه من كلِّ هذه الشرور، صار إناء شريفًا مقدَّسًا نافعًا لربِّه، أهلاً لكلِّ عمل صالح« (1 بط 2: 20-21).

ذاك هو البيت الذي نحن فيه، أو بالأحرى نكوِّن حجارته »كنيسة الله الحيّ، عمود الحقِّ ودعامته« (1 تم 3: 15). ويكتب الرسول إلى تلميذه تيموتاوس: »فعليك أن تعرف كيف تتصرَّف في بيت الله«. على مستوى التعليم أوَّلاً. وعلى مستوى التنظيم ثانيًا.

1. فعليك أن توصي بهذا وتعلِّم

ذاك هو واجب الكاهن الأوَّل، والأسقف مع كهنته، والحبر الأعظم في الكنيسة التي هي أمٌّ ومعلِّمة. قال المجمع الفاتيكانيّ: »وفي مقدِّمة المهامّ الأسقفيَّة الرئيسيَّة يأتي التبشير بالإنجيل. فالأساقفة هم المبشِّرون بالإيمان... والملافنة الأصيلون...« (الكنيسة 25). وفي الكلام عن مهمَّات الكهنة، قال المجمع نفسه: »يجتمع شعبُ الله أوَّلاً بكلمة الله الحيّ التي يحقُّ له أن يسمعها كاملة من فم الكهنة... فيجب على الكهنة في أوَّل الأمر، بما أنَّهم معاونو الأساقفة، أن يبشِّروا الجميع بإنجيل الله«.

فخادم الربِّ في الكنيسة هو المعلِّم في كلامه وفي حياته: »فعليك أن توصي بهذا وتعلِّم. لا تدَعْ أحدًا يستخفُّ بشبابك، بل كن قدوة للمؤمنين في الكلام والتصرُّف والمحبَّة والإيمان والعفاف« (1 تم 4: 11-12).

هو واجب على الكاهن. فُرض عليه يوم تقبَّل الرسامة الكهنوتيَّة: إن شاء علَّم. وإن لم يشأ لا يعلِّم! ما هذا الكلام؟ الكاهن هو »نبيّ«، أي حامل كلام الله. فهل يحقُّ له أن يصمت؟ كلاّ. حين فُرض على الرسل أن يصمتوا. قال بطرس باسمهم: »أمّا نحن فلا يمكننا إلاَّ أن نتحدَّث بما رأينا وسمعنا« (أع 4: 20). وفي أيِّ حال، إذا الكاهن لا يتكلَّم يأتي من يتكلَّم محلَّه: يأتي المعلِّمون الكذبة، وتنتشر التعاليم الضالَّة.

أ- المعلِّمون الكذّابون

هم »أرواح مضلِّلة« (1 تم 4: 1). ينشرون الضلال لا الحقّ. مع أنَّ المسيح قال: »أنا هو الطريق والحقُّ والحياة« (يو 14: 6). أنا هو الطريق الذي يقود إلى الحقّ. ومعرفة الحقّ تحرِّر (يو 8: 32). أمّا التعلُّق بالضلال فعبوديَّة وموت. لهذا تحدَّث الرسول عن »ضمائر اكتوت فماتت« (1 تم 4: 2). في الماضي، إذا هرب العبد من بيت سيِّده، يُعيدونه ويكوونه بالحديد المحمّى. هكذا هم المعلِّمون الضالّون والمضلِّلون.

أمّا تيموتاوس فيقدِّم التعليم الصحيح (آ6)، الذي أخذه عن بولس وسار فيه باهتمام كبير. قال له الرسول: أنت »تتبع«. وهذا يعني »المواظبة على القراءة« (آ13). هل يظنُّ الكاهن أنَّه انتهى من الدرس يوم انتهى من دراسته السابقة للكهنوت؟ ماذا نقول عن طبيب توقَّف عن شهادة الطبّ؟ هو لا يرافق ما يحصل من اكتشافات. فلا يستطيع أن يشفي، هذا إذا كان لا يميت أو يعطب الناس كما فعل ذاك »الاختصاصيّ« الذي اقتلع شاشة العين وهو يهتمُّ بمرض يسيطر فيها. ولكن المؤسف هو أنَّ من يقتل الجسد، نحن نراه، وهو يرى فعلته. أمّا الذي يقتل النفس ويحمِّلها الأحمال الثقيلة (مت 23: 4) فنحن لا نراه ولا هو يرى فعلته، إلاَّ إذا حرَّكه الإيمان. نحن نكتشف ذلك على مستوى التربية. فالوالدون يعرفون خطأهم فيما بعد، ولكن يكون فات الأوان. والكاهن الذي هو معلِّم، إن لم يكن تعليمه متجدِّدًا مثل ذاك الذي تحدَّث عنه الربُّ في عظة الأمثال (مت 13: 52)، يتركه الناس ويمضون إلى حيث يجدون التعليم.

ويواظب تيموتاوس على الوعظ والإرشاد، في وقته وفي غير وقته. وهو يعرف أنَّه يأتي يومٌ لن يقبلوا فيه التعليم. ومع ذلك لن يتوقَّف. فالنبيّ إشعيا اختبر هذا الوضع، فاستعاد حياته على ضوء دعوته: يكون قلب هذا الشعب قاسيًا (إش 6: 10). القلب القاسي هو الذي لا يقبل المياه. لا يلين. هو صلب كالصوّان. تأتي الكلمة عليه فلا »تتسرَّب« ولا تفعل. أمّا الأذن الثقيلة فحدِّث ولا حرج. قيل فيها: لا مختونة، مقفلة، غير مستعدَّة للسماع. والعين المغمَّضة هي تلك التي لا تريد أن ترى. هي عين هؤلاء الفرّيسيّين الذين اعتبروا أنَّهم يبصرون، فما أرادوا أن يبصروا إلاَّ ما يريدون. وفي النهاية، كانوا هم العميان تجاه الأعمى منذ مولده.

ويواظب تيموتاوس، وكلُّ كاهن، على التعليم، بالرغم من صغر سنِّه. فالخبرة الروحيَّة لا تُقاس بكثرة السنين. فهناك قدّيسون وصلوا إلى الذروة وهم في عمر مبكِّر. وإرميا النبيّ هو مثال لكلِّ حامل الكلمة. قال للربّ: »لا أعرف أن أتكلَّم لأنّي صغير السنّ«. وجاءه الجواب: »لا تقل إنّي صغير السنّ« (إر 1: 6-7). كان اللاويّ وخادم المذبح يبدأ عمله بعد الثلاثين. فقبل ذلك لم يكن يحقُّ له أن يشارك في الحياة العامَّة. أمّا والربُّ أرسل نبيَّه، فهو يسنده بحضوره ونعمه وحكمته. وموسى أراد أن يتهرَّب، فما سمح له الربّ بذلك: »اذهب وأنا أعينك على الكلام وأعلِّمك ما تقول« (خر 4: 13). ونقول الشيء عينه عن تيموتاوس رفيق بولس، كما يروي سفر الأعمال. ولكنَّ هذا يفرض حياة حميمة مع الربِّ، حياة من القداسة على مثال ما عرفنا عن القدّيس يوحنّا ماري فيانّاي، كاهن آرس، قرب ليون في فرنسا.

ماذا دعا الرسول هؤلاء المعلِّمين الكذبة؟ تعاليمهم شيطانيَّة. فالشيطان هو من يحاول أن يعرقل مسيرة المؤمنين في طريق الله. فهذا »المعلِّم« يساعد الشيطان وقوى الشرِّ على هدم ملكوت السماوات. والمعلِّمون الكذبة وُجدوا منذ القديم. كم حارب إرميا الأنبياء الكذبة الذين لا يقولون الحقيقة للشعب. الذين يخدمون مصالحهم الخاصَّة فقال فيهم الرسول: »إلههم بطنهم ومجدهم في خزيهم« (فل 3: 19). وفي الرسالة إلى تيطس يقول عنهم بولس: »يخربون بيوتًا بكاملها حين يعلِّمون ما لا يجوز تعليمه« (تي 1: 11). ووصفَهُم »أهلُ بيتهم«: »كذّابون أبدًا، وحوش خبيثة، بطون كسالى« (آ12).

فماذا يفعل الراعي الصالح حين يرى الخطر يهدِّد رعيَّته؟ أتراه يسكت؟ هل يختبئ لأنَّه يخاف أن يجابه من يحسبهم أقوى منه؟ لا شكَّ مرّات كثيرة يبدو الكاهنُ ضعيفًا أمام قوى الشرّ، وقوى المال التي تفعل فعلها في القلوب. فكثيرون يتركون إيمانهم بسبب حاجة مادِّيَّة أو إغراء يأتي من هنا وهناك. وهذا ما يعرفه الكاهن ويراه كلَّ يوم لا في لبنان فقط، بل في العالم العربيّ أيضًا. يحتاج الإنسان إلى بيت، إلى وظيفة، إلى مساعدة فيترك إيمانه. وهذا ما يؤلم. ولكن هل يعتبر خادم الربِّ نفسه ضعيفًا؟ كلاّ. فالله أفهَمَ إرميا أنَّه ليس بضعيف أمام المقاومين. هو »مدينة حصينة، عمود من حديد، سور من نحاس« (إر 1: 18). وقال له: »يحاربونك ولا يقوون عليك« (آ19). ولكن يبقى على خادم الله أن يقف ولا يتراجع، وأن يمضي إلى »الحرب« ويبحث عن الخراف الضالَّة، ولا يترك الذئاب تنهشها، كما هو الحال في أيّامنا، في الكنيسة.

وذكر الرسول اثنين من المعلِّمين الضالّين والمضلِّلين: هيميناوس والإسكندر. ارتبط اسم هيميناوس بالزواج، وذُكر مع الإسكندر في الرسالة الثانية إلى تيموتاوس. قيل عن الأوَّل إنَّ كلامه »يرعى كالآكلة« (2 تم 2: 17). مثل »الغنغرينة« والهريان. فهيميناوس مع فيليتس (أو: المحبّ) »زاغا عن الحقّ حين زعما أنَّ القيامة تمَّت، فهدما إيمان بعض الناس« (آ18). نلاحظ عمليَّة »الهدم« لا »البناء«. ذاك ما يفعله المعلِّمون الضالّون. يبدو أنَّ هذين آمنا بالقيامة الروحيَّة التي ينالها المؤمن بالعماد، في خطِّ الفكر اليونانيّ (أع 17: 32)، لا بقيامة الأجساد التي تكون في نهاية حياتنا. أمّا الإسكندر الذي يعمل في المعادن (قيل: النحّاس أو الحدّاد) فطُرد من الجماعة. قال بولس في كلام رمزيّ: »أسلمتهما (هيميناوس والإسكندر) إلى الشيطان ليتعلَّما ألاَّ يجدِّفا« (1تم 1: 20). والتجديف هنا هو الضلال الذي يُنشَر في الجماعة. فعلى تيموتاوس أن يحذر إسكندر هذا »لأنَّه عارض أقوالنا معارضة شديدة« (2 تم 4: 14-15). قال غير ما قلنا. وبولس واضح في هذا المجال على مستوى التعليم الصحيح: »فلو بشَّرناكم نحن أو بشَّركم ملاكٌ من السماء ببشارة غير التي بشَّرناكم بها، فليكن ملعونًا (أي: لا تكُنْ عليه بركة). قلنا لكم قبلاً وأقول الآن: إذا بشَّركم أحد ببشارة غير التي قبلتموها، فاللعنة عليه« (غل 1: 8-9).

ب - التعاليم الضالَّة

يجب على تيموتاوس أن يقف في وجه هؤلاء المعلِّمين، وأن يحذِّر المؤمنين من »الذين يعلِّمون تعاليم تخالف تعاليمنا« (1 تم 1: 3). ما كانت هذه التعاليم في زمن الرسول وتلاميذه؟

ذكرنا أوَّلاً التعليم الضالّ حول القيامة. الأنفس وحدها تقوم. متى؟ حين نتقبَّل العماد. أمّا الأجساد فلا تقوم، بل تمضي إلى التراب. ذاك هو التعليم اليونانيّ، الذي استعادته أوروبّا فيما بعد حول انفصال النفس عن الجسد. الجسم يمضي إلى التراب. والنفس إلى الخلود. وهذا يفتح الطريق أمام التقمُّص، حيث تلبس النفس الجسد مثل قميص تخلعه لتلبس جسدًا آخر. هذا ما يعارض موقف الكتاب المقدَّس، حيث الإنسان واحد. فحين نتكلَّم عن النفس نتكلَّم عن الإنسان. فالمريض يقول: يا ربّ، اشفِ نفسي. يعني اشفني. والجسد هو الإنسان كلُّه في علاقته مع الأجسام المحيطة به. وفي القيامة، الإنسان كلُّه »يكون مع الربِّ في كلِّ حين«، لا نفسه فقط. والربُّ يدعو الأخيار: »تعالوا يا مباركي أبي«. ينادي كلَّ واحد باسمه. وتعليم بولس حول القيامة واضح في الرسالة الأولى إلى كورنتوس: المسيح قام ونحن أيضًا نقوم. »يُدفَن (الإنسان) جسمًا بشريٌّا فيقوم جسمًا روحيٌّا« (1 كو 15: 44). أجل »الذين رقدوا في يسوع، ينقلهم الله إليه مع يسوع« (1 تس 4: 14).

ويواصل الرسول كلامه: »ولا يُصغوا إلى الخرافات وذكر الأنساب« (1 تم 1: 4). الخرافات أو تلك الروايات القديمة التي ترتبط بخريف الحياة والشيخوخة. والأنساب تجعل المؤمن يعود إلى حسبه ونسبه. فاليهود يعودون إلى الآباء إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وإلى أبطال العهد القديم. فلماذا لا يعود اليونانيّون إلى أبطالهم؟ وهكذا تظهر »المجادلات« والخلافات. أهذا يخدم تدبير الله ومشروعه الخلاصيّ؟ كلاّ ثمَّ كلاّ. بل يخدم الأهداف البشريَّة.

كيف يوصف هذا التعليم؟ إنَّه باطل. لا نفع فيه. هو كلام »أجوف«، فارغ. وخصوصًا يسيء إلى المحبَّة، إلى النوايا المبيتة التي تقسم الجماعة وتشقُّها قسمين إن لم يكن أكثر. فأين تكون المحبَّة الحقيقيَّة؟ تفرض »القلب الطاهر« الذي لا غشَّ فيه ولا رياء، لأنَّ من القلب تخرج الأمور الحسنة، ومن القلب »تخرج الأفكار الشرّيرة: الفسق والسرقة والقتل...« (مر 7: 21). وتفرض »الضمير الصالحب. فالضمير هو صوت الله فينا. ونحن يمكن أن نحوِّل هذا الصوت على مثال ما فعل قايين. وضع الله علامة لئلاَّ يقتله، فحسب نفسه »طريدًا شريدًا« (تك 4: 14). وتفرض أخيرًا »الإيمان الصادق«. الاستناد إلى الله بصدق. نؤمن بالله الذي آمن بنا. نكون أمناء لله لأنَّه الأمين الذي لا يمكن أن يُنكر ذاته (2 تم 2: 13).

من هم أصحاب هذا التعليم؟ اليهود الذين يعتبرون أنفسهم »من معلِّمي الشريعة« (1 تم 1: 7). وحكَمَ عليهم الرسول: »لا يفهمون ما يقولون وما يؤكِّدون«. يريدون أن يستعملوا الشريعة لكي يتكبَّروا على الآخرين ويفتخروا بممارسات لا يهتمُّ بها الإيمان المسيحيّ. الشريعة جُعلت للأشرار لا للأبرار. وماذا نجد تجاهها؟ »التعليم الصحيح الذي يوافق البشارة التي ائتمنتُ (أنا بولسُ) عليها، بشارة الله المبارك، له المجد« (آ10-11).

والتعاليم الضالَّة في أيّامنا كثيرة. فهناك مؤمنون فسُدت ضمائرهم فاعتبروا يسوع معلِّمًا وفيلسوفًا ومفكِّرًا، وأنكروا أن يكون ابن الله. فإن كان إنسانًا من الناس، فكيف يرفعنا إلى الله، فيقول: وحين أرتفع أجتذبُ إليَّ كلَّ إنسان. وهو نبيّ بين الأنبياء. ويكاد لا يساوي موسى. وتأتي النظريّات حول حبله الإلهيّ وولادته في البتوليَّة: هو إنسان مثل سائر الناس. وأمُّه لا تختلف عن أيِّ امرأة. فكان لها أولاد بعد »ابنها البكر« (لو 2: 7). لأنَّ يوسف لم يعرفها حتّى ولدت ابنها فسمّاه يسوع (مت 1: 25). ويضيفون: ولكنَّه عرفها بعد أن ولدت بكرها. مساكين هؤلاء الناس! ماذا ينفعهم أن يُحدروا الابن الإلهيّ ويجعلوه إنسانًا من الناس؟ هم يرفضونه لخسارتهم. وماذا ينفعهم أن يجعلوا »المباركة بين النساء« (لو 1: 42) امرأةً مثل سائر النساء؟

ما هو موقف تيموتاوس من هذه التعاليم؟ هل يضع رأسه في الرمال ويكتفي بأن تسير أموره المادِّيَّة كما يُرام؟ هل ينسى دوره في حمل البشارة؟

أراد اليهود أن يفرضوا نفوسهم، ويريدون اليوم أن يفرضوها. الله هو الإله الواحد. أمّا أن يقول يسوع إنَّه الابن، فهو يجدِّف ويستحقُّ أن يُرجَم بالحجارة (يو 8: 59). هم ما أرادوا أن يفهموا أنَّ الله »عيلة« في ثلاثة أقانيم، في ثلاثة أشخاص. وعيلته كبيرة فيكون مع »الابن الوحيد« الأبناء العديدون والبنات العديدات. فهو لم يستحِ بنا، ولا هو استحى أن يدعونا إخوته وأخواته. فقال: »ها أنا مع الأبناء (والبنات) الذين وهبهم الله لي« (عب 2: 13). قالوا: الله واحد. ونعتبر أنَّه يعيش وحده، معزولاً في أعلى سمائه. لا ابن له؟ وما معنى أن يكون الله أبًا ولا يكون له ابن؟ هو قال في البداية: نصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا. وتكون كلُّ »عيلة« على الأرض شبيهة بالعيلة التي في السماء، تُنعشُها المحبَّة.

وأراد الغنوصيّون (كلمة يونانيَّة ترتبط بمعرفة خاصَّة) أن يحيدوا بالإنجيل نحو تعاليمهم المبنيَّة على المعرفة الباطنيَّة. لا حاجة إلى الإنجيل. لا حاجة إلى التقليد الذي يعود إلى المسيح. يكفي أن نرجع إلى أعماقنا فنعرف، ولا سيَّما إذا عشنا »في حياة سابقة«. عشنا، متنا، وها نحن نعيش مرَّة ثانية. أخذنا جسدًا. تركناه. ثمَّ أخذنا جسدًا آخر. ماذا كانت تعاليمهم؟ عادت إلى العالم القديم وامتنعت مثلاً عن بعض المآكل وبعض المشروبات، لأنَّها تحمل الشرَّ في ذاتها. ردَّ الرسول: كلُّ شيء حسن لأنَّ الله خلقه. بل لمّا خلق الإنسان رجلاً وامرأة بحيث »ينمون ويكثرون ويملأون الأرض« (تك 1: 28) في الزواج، قال الكتاب: »ونظر الله إلى كلِّ ما صنعه فرأى أنَّه حسن جدٌّا« (آ31).

ويأتي الغنوصيّون »فينهون عن الزواج« (1 تم 4: 3). فالجسد شرُّ هو. وفعل الزواج يحطُّ الإنسان من رفعته الروحيَّة. واستند هؤلاء »المؤمنون« في ضلالتهم إلى كلام الربّ. قالوا: نحن منذ الآن أبناء القيامة. والربُّ قال: »ففي القيامة لا يزوِّجون ولا يتزوَّجون، بل يكونون مثل الملائكة في السماء« (مر 12: 52). اعتبر هؤلاء أنَّ القيامة حصلت، وأنَّهم قاموا، فما لهم بعدُ أن يقوموا. إذًا، هم لا يتزوَّجون.

ضلال آخر عرفته الكنيسة. ونعرف اليوم ضلالاً آخر يُبنى على الأنانيَّة: لماذا الزواج والارتباط بشخص آخر حتّى الموت؟ نبقى أحرارًا، أو نلتقي لمدَّة محدودة ثمَّ يمضي كلُّ واحد في طريقه. وبدعة شهود يهوه ومن يفكِّر تفكيرهم. نحن نعيش بعد الموت كما كنّا نعيش قبل الموت. نكون في سعادة. فنأكل ونشرب ونتزوَّج. فالبائسون والتعساء ينظرون بهذا الشكل إلى الحياة الأخرى. حُرموا من الطعام، ففي السماء يأكلون. حُرموا من الشراب، ففي السماء يشربون وتكون لهم النساء العديدات لكي يُشبعوا شهوات ما استطاعوا أن يُشبعوها على الأرض.

كلُّ عصر له ضلالاته. وكلُّ شعب وكلُّ بلد. هنا نسمع الرسول يودِّع شيوخ أفسس: »وأنا أعرف أنَّ الذئاب الخاطفة ستدخل بينكم بعد رحيلي ولا تشفق على الرعيَّة... فتنبَّهوا وتذكَّروا أنّي بدموع نصحتُ كلَّ واحد منكم، نهارًا وليلاً، مدَّة ثلاث سنوات« (أع 20: 31). تلك هي المدَّة التي قضاها بولس في أفسس. وكلُّ أسقف وكلُّ كاهن وكلُّ خادم للرب، يكون عنده هذا الهمّ في نطاق أبرشيَّته، في نطاق رعيَّته. ويقول الرسول لتلميذه: »انتبه لنفسك ولتعليمك وداوم على ذلك. فإذا فعلتَ خلَّصتَ نفسك وخلَّصتَ سامعيك« (1 تم 4: 16). وإلاَّ يأتي التهديد في خطِّ حزقيال النبيّ الذي نبَّه الرعاة إلى واجبهم (ف 34). وقال الربُّ عن »الخادم الشرّير« (مت 24: 48). الذي لا يقوم بعمله: »يرجعُ سيِّده في يوم لا ينتظره وساعة لا يعرفها، فيمزِّقه تمزيقًا ويجعل مصيره مع المنافقين. وهناك البكاء وصريف الأسنان« (آ50-51).

2- الخدم في الكنيسة

تجاه المعلِّمين الكذبة، هناك تيموتاوس والذين قدَّموا ويقدِّمون إلى أيّامنا التعليم الصحيح. فبعد مهمَّة التعليم، تأتي مهمَّة التنظيم مع ترتيب »بيت الله« أي الكنيسة. ويذكر بولس في هذه الرسالة خمس فئات: الأسقف، الشمّاس، الشمّاسة، الشيخ، الأرملة.

أ- الأسقف

يبدأ الكلام عن الأسقف بقول ذي طابع إعلانيّ: صدق القول (1 تم 3: 1). أو: هو قول صادق (1 تم 1: 15). فالأسقف هو الذي ينظر من فوق. يُشرف على كلِّ شيء في الكنيسة: على التعليم والتدبير والتنظيم. قال المجمع الفاتيكانيّ: »على الأساقفة أن يدبِّروا كنائسهم الخاصَّة الموكولة إليهم كنوّاب المسيح وممثِّليه بنصائحهم وتشجيعاتهم ومثَلهم... ذاكرين أنَّ على الأكبر أن يصبح كالأصغر، وأنَّ على المتقدِّم أن يصبح كالخادم«. ويتواصل الكلام: »إليهم سُلِّمت المهمَّة الراعويَّة كاملة أي الاهتمام الدائم واليوميّ بخرافهم«. ويكمِّل النصّ: »وبصفته مرسَلاً من أبي العائلة ليدبِّر أبناء بيته، على الأسقف أن يحفظ نُصبَ عينيه مثَل الراعي الصالح الذي أتى، لا ليُخدَم بل ليَخدم ويبذل نفسه عن الخراف«.

هي مهمَّة صعبة وتتطلَّب الجهد الكثير. لهذا كان الكثيرون يتهرَّبون منها. فشجَّع الرسول على القبول بهذا العمل التدبيريّ في الكنيسة. فعليه أوَّلاً أن يستضيف حاملي البشارة وسائر المؤمنين ولاسيَّما الفقراء والضعفاء. فقال فيه الرسول: يكون مضيافًا (1 تم 3: 2). ثمَّ صاحب ثقافة ليكون »صالحًا للتعليم«. بما أنَّ المسيحيَّة كانت في بدايتها، وُضعت شروط: أن لا يكون تزوَّج أكثر من مرَّة، بل مرَّة واحدة. أمّا اليوم، فالأسقف هو »خطيب« الكنيسة فيكون بتولاً، مكرِّسًا ذاته نفسًا وجسدًا، ولهذا يلبس الخاتم. من لا يصلح أن يكون في هذه الرتبة؟ السكِّير، العنيف، محبّ المال، »حديث العهد في الإيمان لئلاَّ تسيطر عليه الكبرياء« (آ6). مقابل ذلك، »يكون منزَّهًا عن اللوم، يقِظًا، رصينًا، محتشمًا. »يحسن تدبير بيته... فمن لا يحسن تدبير بيته، كيف يعتني بكنيسة الله؟ (آ4-5). من هنا انطلق المجمع الفاتيكانيّ للكلام عن المهمَّة الراعويَّة في حياة الأسقف.

»ليكن الأساقفة في وسط شعبهم كالذين يخدمون، وهم يمارسون مهمَّة الأب والراعي. وليكونوا رعاة صالحين يعرفون نعاجَهم ونعاجُهم تعرفهم، وآباء حقيقيّين يتسامون بروحهم المُحبَّة والمخلصة نحو الجميع، فتُلاقي السلطةُ التي قبلوها من فوق رضى الجميع مع الامتنان. عليهم أن يجمعوا كلَّ عائلة قطيعهم وأن ينعشوها، بحيث أنَّ الكلَّ وقد وعوا واجباتهم يحيون في شركة المحبَّة ويعملون بها«.

ب - الشمّاس والشمّاسة

الشمَّاس هو بقرب الأسقف. هو الخادم. الذي يهتمُّ بالفقراء والمرضى. منذ بداية الكنيسة، جُعلوا بجانب الرسل »في خدمة الموائد« (أع 6: 2). مع صفات ثلاث: حسنة. أهل حكمة. وخصوصًا يكونون »ممتلئين من الروح القدس« (آ3). نشير هنا إلى دور الشمّاس الذي يرافق الأسقف، كما كان الأمر مثلاً بالنسبة إلى أثناز الذي رافق أسقفه إلى مجمع نيقية سنة 325، ثمَّ خلفه كأسقف الإسكندريَّة.

والشمّاس مسؤول عن التعليم في الكنيسة، كما كان الأمر بالنسبة إلى أوريجان، ابن الإسكندريَّة ثمَّ قيصريَّة في فلسطين. وبالنسبة إلى أفرام الذي رافق ثلاثة أساقفة وأوَّلهم القدّيس يعقوب الذي حضر المجمع النيقاويّ. وكذا نقول عن هيسيخيوس في كنيسة أورشليم. ويحدِّثنا سفر الأعمال عن إسطفانس الذي حمل الكلمة ومات وهو يجادل اليهود. وعن فيلبُّس الذي بشَّر أهل السامرة.

غابت وظيفة الشمّاس من الكنيسة فترة طويلة، بعد أن أخذها الكهنة. وها هي تعود تدريجيٌّا في كنائسنا كما في كنائس العالم الغربيّ. ففي الكنيسة اللاتينيَّة يكون الكاهن بتولاً. وهذا الوضع كان أحد أسباب النقص في الكهنة. لهذا انتشر الشمامسة الذين يعاونون الكاهن ويحلّون محلَّه مرّات عديدة.

وكيف يختار الأسقف الشمامسة؟ يكونون أصحاب وقار مع الابتعاد عن ثلاث رذائل: الخمر، الربح الخسيس، ولا يكونون »ذوي لسانين« (1 تم 3: 8). وقبل كلِّ شيء »يحافظون على سرِّ الإيمان في ضمير طاهر« (آ9). وبشكل عام، يكونون بلا لوم. وبعد أن يختبرهم تيموتاوس (الأسقف)، يقيمهم شمامسة (آ10). فلا مجال للعجلة والتسرُّع. لأنَّ الذين يُختَارون بسرعة دون أن يُختبَروا، يُلقون الشكوك في الكنيسة. والربُّ قال: »الويل لمن تقع الشكوك على يده«. مرّات كثيرة »يخادعون«، فيقع المسؤول في الخطأ الذي يصعب إصلاحه.

ووُجدت الشمّاسة مع الشمّاس. إمّا هي امرأة الشمّاس، وإمّا هي تنال رتبة في الكنيسة. ودورها ضروريّ في إعطاء سرِّ العماد. ينزل طالب العماد فيخلع ثيابه ليمرَّ في حوض العماد كما في الموت ثمَّ يلبس ثيابه البيضاء. وإذا نزلت طالبة العماد إلى الماء، استقبلتها الشمّاسة.

وهذه أيضًا تبتعد عن النميمة. تكون يقظة، أمينة، من أهل الوقار. تتحلّى بالوقار وتبتعد عن كلِّ شر. وما قاله الرسول هنا يمكن أن ينطبق على »الخوريَّة« أو زوجة الكاهن، فتصبح أسرته أسرة كهنوتيَّة وبيت كهنوتيّ. ونسمع الرسول: »يحسن تدبير بيته ويجعل أولاده يطيعونه ويحترمونه في كلِّ شيء« (1 تم 3: 4).

ج- الأرامل والشيوخ

فئتان في الكنيسة تلعبان دورًا سوف يتوضَّح يومًا بعد يوم. هناك »الأرامل اللواتي هنَّ بالحقيقة أرامل« (1 تم 5: 3). فالمرأة التي يموت زوجها ولا يكون لها بنون ولا حفدة (آ4) تلجأ إلى الكنيسة وتقوم بالخدمة المطلوبة منها، ولاسيَّما استقبال الغرباء. هذا ما قامت به الراهبات ويقمن به إلى أيّامنا: الاهتمام بالأيتام والعجَّز والمرضى.

أعطى الرسول النصيحة إلى تلميذه للتمييز بين أرملة وأرملة. »تلك التي لا معيل لها، رجاؤها على الله، تصلّي وتتضرَّع إليه ليلاً ونهارًا«. هكذا كانت حنَّة النبيَّة التي »بلغت الرابعة والثمانين من عمرها، لا تفارق الهيكل متعبِّدة بالصوم والصلاة ليل نهار« (لو 2: 37). قال بولس: »لا تُكتَب امرأة في سجلّ الأرامل إلاَّ التي بلغت ستّين سنة وكانت زوجة رجل واحد، ومشهودًا لها بالأعمال الصالحة، وربَّت أولادها تربية حسنة، وأضافت الغرباء، وغسلت أقدام الإخوة القدّيسين، وساعدت المنكوبين، وقامت بكلِّ عمل صالح« (1 تم 5: 9-10).

والفئة الثانية هي فئة الشيوخ. في العالم اليهوديّ يترأَّسون جماعة الصلاة. وكذلك في العالم المسيحيّ. في السريانيَّة »قشيشا«، القسّيس. هو الكاهن في التنظيم الكنسيّ الذي يقف بين الأسقف والشمّاس. أخذ بعض مهمَّات الأسقف وبعض مهمّات الشمّاس، كما كان الأمر في التقليد اليونانيّ. ولمّا امتزج التقليد اليونانيّ مع التقليد اليهوديّ، صار الترتيب كما نعرفه اليوم.

قال إغناطيوس الأنطاكيّ: »يقتضي أن تكونوا على وفاق في الرأي مع أسقفكم... إنَّ كهنتكم يُجَلُّون حقٌّا... ومتآلفون مع أسقفهم تآلف الأوتار مع المعزَف«. ذاك ما قال هذا القدّيس إلى كنيسة أفسس (المقطع الرابع). وقال في المقطع السابع من الرسالة إلى كنيسة مغنيسية: »لا تفعلوا شيئًا من دون الأسقف والكهنة«.

ونقرأ المقطع الثالث من رسالة القدّيس إغناطيوس إلى كنيسة طرالية (في تركيّا الحاليَّة): »كذلك فليُحترَم الشمامسة، كالمسيح يسوع، والأسقف كصورة الآب، والكهنة، كمجلس الله وجماعة الرسل. فلا كنيسة من دونهم«.

وقال المجمع الفاتيكانيّ في »دستور عقائديّ في الكنيسة« (عدد 20): »وهكذا تقلَّدَ الأساقفةُ خدمةَ الجماعة يمارسونها بمساعدة الكهنة والشمامسة. إنَّهم يرئسون، بمقام الله، القطيعَ الذي يرعون كمعلِّمي العقيدة، وكهنة العبادة المقدَّسة، وولاة التدبير«.

ونقرأ في عدد 29 من الدستور العقائديّ عينه: »وفي الدرجة الدنيا من السلطة التسلسليَّة يقوم الشمامسة الذي يقبلون وضع يد، لا للكهنوت بل للخدمة... يخدمون شعب الله بالشركة مع الأسقف وجماعة الكهنة، وذلك في القيام بالطقوس، وبالكرازة ونشر المحبَّة«.

الخاتمة

هكذا يكون بيت الله الذي هو الكنيسة. تحدَّث الرسول أوَّلاً عن التعليم الصحيح الذي يبني الكنيسة، والتعليم الضالّ الذي يهدمها. وأبرز دور تيموتاوس، ودور الأسقف والكاهن (أو القسّيس) والشمّاس: هم يحاربون مثل هؤلاء المعلِّمين، ويدافعون عن القطيع كالرعاة الصالحين. خدم عديدة عُرفت في زمن ثانٍ من أزمنة الكنيسة الأولى. في الزمن الأوَّل، مع الرسالة الأولى إلى كورنتوس، نرى المواهب: كلام المعرفة، موهبة الشفاء، التكلُّم بلغات... أمّا في الزمن الثاني فنكتشف نواة التراتبيَّة بين الأسقف والكاهن، والشمّاس والشمّاسة، والأرامل والشيوخ. والأسقف هو المدبِّر الأوَّل كما قال المجمع الفاتيكانيّ الثاني. والكهنة يعاونونه في مهمَّة التعليم والتدبير، والشمامسة بدرجة ثانية. على أساس الرسل بُنيَت الكنيسة وكان حجر الزاوية يسوع المسيح. والخدّام يواصلون العمل الذي بدأ مع المسيح حين أرسل تلاميذه يحصدون ما لم يتعبوا فيه (يو 4: 38). فهنيئًا لنا بكهنة يرعوننا مثل هذه الرعاية، وبأساقفة »يرشدون الشيوخ بلطف، ويعاملون الشبّان كإخوة والعجائز كأمَّهات والشابّات كأخوات« (1 تم 5: 1-2). مع مثل هؤلاء الخدّام تتمُّ إرادة الربّ »بأن يخلص جميع الناس ويبلغوا إلى معرفة الحقّ« (1 تم 2: 4).

 
قديم 24 - 03 - 2024, 08:18 AM   رقم المشاركة : ( 155222 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,297

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






كيف تتصرَّف في بيت الله

كتب الرسول إلى تلميذه تيموتاوس عن الكنيسة وعن الخدمة فيها. الكنيسة هي بيت الله. تُبنى حجرًا حجرًا كما يُبنى كلُّ بناء. أمّا الآن فنحن أمام حجارة حيَّة. فهذا »البيت« ليس مثل »هيكل« فرح الناس به فقالوا ليسوع: »انظر ما أروع هذه الحجارة وهذه الأبنية!« (مر 13: 1). هيكل تعلَّق به الناس منذ زمن إرميا النبيّ فاعتبروا أنَّهم بجانبه في حرزٍ حريز لا يصيبهم مكروه: »لا تتَّكلوا على قولكم: هيكل الربّ! هيكل الرب! هيكل الرب! وهكذا تخدعون أنفسكم« (إر 7: 4). مثل هذا الهيكل قد يصبح »صنمًا« نتعلَّق به ولا نبدِّل حياتنا. ولمّا تحدَّث عنه إسطفانس بهذه الصورة، رجموه. ويسوع نفسه رفع قلوب الناس حين طرد الباعة من الهيكل. هناك هيكل آخر، جسد الربّ، والكنيسة هي جسد الربّ ونحن أعضاء فيها، وكلُّ عضو له مركزه. قال بطرس الرسول: »وفي البيت الكبير تكون الآنية من ذهب وفضَّة، كما تكون أيضًا من خشبٍ وخزف... فإذا طهَّر أحدٌ نفسه من كلِّ هذه الشرور، صار إناء شريفًا مقدَّسًا نافعًا لربِّه، أهلاً لكلِّ عمل صالح« (1 بط 2: 20-21).

ذاك هو البيت الذي نحن فيه، أو بالأحرى نكوِّن حجارته »كنيسة الله الحيّ، عمود الحقِّ ودعامته« (1 تم 3: 15). ويكتب الرسول إلى تلميذه تيموتاوس: »فعليك أن تعرف كيف تتصرَّف في بيت الله«. على مستوى التعليم أوَّلاً. وعلى مستوى التنظيم ثانيًا.
 
قديم 24 - 03 - 2024, 08:20 AM   رقم المشاركة : ( 155223 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,297

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






ليك أن توصي بهذا وتعلِّم

ذاك هو واجب الكاهن الأوَّل، والأسقف مع كهنته، والحبر الأعظم في الكنيسة التي هي أمٌّ ومعلِّمة. قال المجمع الفاتيكانيّ: »وفي مقدِّمة المهامّ الأسقفيَّة الرئيسيَّة يأتي التبشير بالإنجيل. فالأساقفة هم المبشِّرون بالإيمان... والملافنة الأصيلون...« (الكنيسة 25). وفي الكلام عن مهمَّات الكهنة، قال المجمع نفسه: »يجتمع شعبُ الله أوَّلاً بكلمة الله الحيّ التي يحقُّ له أن يسمعها كاملة من فم الكهنة... فيجب على الكهنة في أوَّل الأمر، بما أنَّهم معاونو الأساقفة، أن يبشِّروا الجميع بإنجيل الله«.

فخادم الربِّ في الكنيسة هو المعلِّم في كلامه وفي حياته: »فعليك أن توصي بهذا وتعلِّم. لا تدَعْ أحدًا يستخفُّ بشبابك، بل كن قدوة للمؤمنين في الكلام والتصرُّف والمحبَّة والإيمان والعفاف« (1 تم 4: 11-12).

هو واجب على الكاهن. فُرض عليه يوم تقبَّل الرسامة الكهنوتيَّة: إن شاء علَّم. وإن لم يشأ لا يعلِّم! ما هذا الكلام؟ الكاهن هو »نبيّ«، أي حامل كلام الله. فهل يحقُّ له أن يصمت؟ كلاّ. حين فُرض على الرسل أن يصمتوا. قال بطرس باسمهم: »أمّا نحن فلا يمكننا إلاَّ أن نتحدَّث بما رأينا وسمعنا« (أع 4: 20). وفي أيِّ حال، إذا الكاهن لا يتكلَّم يأتي من يتكلَّم محلَّه: يأتي المعلِّمون الكذبة، وتنتشر التعاليم الضالَّة.

أ- المعلِّمون الكذّابون

هم »أرواح مضلِّلة« (1 تم 4: 1). ينشرون الضلال لا الحقّ. مع أنَّ المسيح قال: »أنا هو الطريق والحقُّ والحياة« (يو 14: 6). أنا هو الطريق الذي يقود إلى الحقّ. ومعرفة الحقّ تحرِّر (يو 8: 32). أمّا التعلُّق بالضلال فعبوديَّة وموت. لهذا تحدَّث الرسول عن »ضمائر اكتوت فماتت« (1 تم 4: 2). في الماضي، إذا هرب العبد من بيت سيِّده، يُعيدونه ويكوونه بالحديد المحمّى. هكذا هم المعلِّمون الضالّون والمضلِّلون.

أمّا تيموتاوس فيقدِّم التعليم الصحيح (آ6)، الذي أخذه عن بولس وسار فيه باهتمام كبير. قال له الرسول: أنت »تتبع«. وهذا يعني »المواظبة على القراءة« (آ13). هل يظنُّ الكاهن أنَّه انتهى من الدرس يوم انتهى من دراسته السابقة للكهنوت؟ ماذا نقول عن طبيب توقَّف عن شهادة الطبّ؟ هو لا يرافق ما يحصل من اكتشافات. فلا يستطيع أن يشفي، هذا إذا كان لا يميت أو يعطب الناس كما فعل ذاك »الاختصاصيّ« الذي اقتلع شاشة العين وهو يهتمُّ بمرض يسيطر فيها. ولكن المؤسف هو أنَّ من يقتل الجسد، نحن نراه، وهو يرى فعلته. أمّا الذي يقتل النفس ويحمِّلها الأحمال الثقيلة (مت 23: 4) فنحن لا نراه ولا هو يرى فعلته، إلاَّ إذا حرَّكه الإيمان. نحن نكتشف ذلك على مستوى التربية. فالوالدون يعرفون خطأهم فيما بعد، ولكن يكون فات الأوان. والكاهن الذي هو معلِّم، إن لم يكن تعليمه متجدِّدًا مثل ذاك الذي تحدَّث عنه الربُّ في عظة الأمثال (مت 13: 52)، يتركه الناس ويمضون إلى حيث يجدون التعليم.

ويواظب تيموتاوس على الوعظ والإرشاد، في وقته وفي غير وقته. وهو يعرف أنَّه يأتي يومٌ لن يقبلوا فيه التعليم. ومع ذلك لن يتوقَّف. فالنبيّ إشعيا اختبر هذا الوضع، فاستعاد حياته على ضوء دعوته: يكون قلب هذا الشعب قاسيًا (إش 6: 10). القلب القاسي هو الذي لا يقبل المياه. لا يلين. هو صلب كالصوّان. تأتي الكلمة عليه فلا »تتسرَّب« ولا تفعل. أمّا الأذن الثقيلة فحدِّث ولا حرج. قيل فيها: لا مختونة، مقفلة، غير مستعدَّة للسماع. والعين المغمَّضة هي تلك التي لا تريد أن ترى. هي عين هؤلاء الفرّيسيّين الذين اعتبروا أنَّهم يبصرون، فما أرادوا أن يبصروا إلاَّ ما يريدون. وفي النهاية، كانوا هم العميان تجاه الأعمى منذ مولده.

ويواظب تيموتاوس، وكلُّ كاهن، على التعليم، بالرغم من صغر سنِّه. فالخبرة الروحيَّة لا تُقاس بكثرة السنين. فهناك قدّيسون وصلوا إلى الذروة وهم في عمر مبكِّر. وإرميا النبيّ هو مثال لكلِّ حامل الكلمة. قال للربّ: »لا أعرف أن أتكلَّم لأنّي صغير السنّ«. وجاءه الجواب: »لا تقل إنّي صغير السنّ« (إر 1: 6-7). كان اللاويّ وخادم المذبح يبدأ عمله بعد الثلاثين. فقبل ذلك لم يكن يحقُّ له أن يشارك في الحياة العامَّة. أمّا والربُّ أرسل نبيَّه، فهو يسنده بحضوره ونعمه وحكمته. وموسى أراد أن يتهرَّب، فما سمح له الربّ بذلك: »اذهب وأنا أعينك على الكلام وأعلِّمك ما تقول« (خر 4: 13). ونقول الشيء عينه عن تيموتاوس رفيق بولس، كما يروي سفر الأعمال. ولكنَّ هذا يفرض حياة حميمة مع الربِّ، حياة من القداسة على مثال ما عرفنا عن القدّيس يوحنّا ماري فيانّاي، كاهن آرس، قرب ليون في فرنسا.

ماذا دعا الرسول هؤلاء المعلِّمين الكذبة؟ تعاليمهم شيطانيَّة. فالشيطان هو من يحاول أن يعرقل مسيرة المؤمنين في طريق الله. فهذا »المعلِّم« يساعد الشيطان وقوى الشرِّ على هدم ملكوت السماوات. والمعلِّمون الكذبة وُجدوا منذ القديم. كم حارب إرميا الأنبياء الكذبة الذين لا يقولون الحقيقة للشعب. الذين يخدمون مصالحهم الخاصَّة فقال فيهم الرسول: »إلههم بطنهم ومجدهم في خزيهم« (فل 3: 19). وفي الرسالة إلى تيطس يقول عنهم بولس: »يخربون بيوتًا بكاملها حين يعلِّمون ما لا يجوز تعليمه« (تي 1: 11). ووصفَهُم »أهلُ بيتهم«: »كذّابون أبدًا، وحوش خبيثة، بطون كسالى« (آ12).

فماذا يفعل الراعي الصالح حين يرى الخطر يهدِّد رعيَّته؟ أتراه يسكت؟ هل يختبئ لأنَّه يخاف أن يجابه من يحسبهم أقوى منه؟ لا شكَّ مرّات كثيرة يبدو الكاهنُ ضعيفًا أمام قوى الشرّ، وقوى المال التي تفعل فعلها في القلوب. فكثيرون يتركون إيمانهم بسبب حاجة مادِّيَّة أو إغراء يأتي من هنا وهناك. وهذا ما يعرفه الكاهن ويراه كلَّ يوم لا في لبنان فقط، بل في العالم العربيّ أيضًا. يحتاج الإنسان إلى بيت، إلى وظيفة، إلى مساعدة فيترك إيمانه. وهذا ما يؤلم. ولكن هل يعتبر خادم الربِّ نفسه ضعيفًا؟ كلاّ. فالله أفهَمَ إرميا أنَّه ليس بضعيف أمام المقاومين. هو »مدينة حصينة، عمود من حديد، سور من نحاس« (إر 1: 18). وقال له: »يحاربونك ولا يقوون عليك« (آ19). ولكن يبقى على خادم الله أن يقف ولا يتراجع، وأن يمضي إلى »الحرب« ويبحث عن الخراف الضالَّة، ولا يترك الذئاب تنهشها، كما هو الحال في أيّامنا، في الكنيسة.

وذكر الرسول اثنين من المعلِّمين الضالّين والمضلِّلين: هيميناوس والإسكندر. ارتبط اسم هيميناوس بالزواج، وذُكر مع الإسكندر في الرسالة الثانية إلى تيموتاوس. قيل عن الأوَّل إنَّ كلامه »يرعى كالآكلة« (2 تم 2: 17). مثل »الغنغرينة« والهريان. فهيميناوس مع فيليتس (أو: المحبّ) »زاغا عن الحقّ حين زعما أنَّ القيامة تمَّت، فهدما إيمان بعض الناس« (آ18). نلاحظ عمليَّة »الهدم« لا »البناء«. ذاك ما يفعله المعلِّمون الضالّون. يبدو أنَّ هذين آمنا بالقيامة الروحيَّة التي ينالها المؤمن بالعماد، في خطِّ الفكر اليونانيّ (أع 17: 32)، لا بقيامة الأجساد التي تكون في نهاية حياتنا. أمّا الإسكندر الذي يعمل في المعادن (قيل: النحّاس أو الحدّاد) فطُرد من الجماعة. قال بولس في كلام رمزيّ: »أسلمتهما (هيميناوس والإسكندر) إلى الشيطان ليتعلَّما ألاَّ يجدِّفا« (1تم 1: 20). والتجديف هنا هو الضلال الذي يُنشَر في الجماعة. فعلى تيموتاوس أن يحذر إسكندر هذا »لأنَّه عارض أقوالنا معارضة شديدة« (2 تم 4: 14-15). قال غير ما قلنا. وبولس واضح في هذا المجال على مستوى التعليم الصحيح: »فلو بشَّرناكم نحن أو بشَّركم ملاكٌ من السماء ببشارة غير التي بشَّرناكم بها، فليكن ملعونًا (أي: لا تكُنْ عليه بركة). قلنا لكم قبلاً وأقول الآن: إذا بشَّركم أحد ببشارة غير التي قبلتموها، فاللعنة عليه« (غل 1: 8-9).

ب - التعاليم الضالَّة

يجب على تيموتاوس أن يقف في وجه هؤلاء المعلِّمين، وأن يحذِّر المؤمنين من »الذين يعلِّمون تعاليم تخالف تعاليمنا« (1 تم 1: 3). ما كانت هذه التعاليم في زمن الرسول وتلاميذه؟

ذكرنا أوَّلاً التعليم الضالّ حول القيامة. الأنفس وحدها تقوم. متى؟ حين نتقبَّل العماد. أمّا الأجساد فلا تقوم، بل تمضي إلى التراب. ذاك هو التعليم اليونانيّ، الذي استعادته أوروبّا فيما بعد حول انفصال النفس عن الجسد. الجسم يمضي إلى التراب. والنفس إلى الخلود. وهذا يفتح الطريق أمام التقمُّص، حيث تلبس النفس الجسد مثل قميص تخلعه لتلبس جسدًا آخر. هذا ما يعارض موقف الكتاب المقدَّس، حيث الإنسان واحد. فحين نتكلَّم عن النفس نتكلَّم عن الإنسان. فالمريض يقول: يا ربّ، اشفِ نفسي. يعني اشفني. والجسد هو الإنسان كلُّه في علاقته مع الأجسام المحيطة به. وفي القيامة، الإنسان كلُّه »يكون مع الربِّ في كلِّ حين«، لا نفسه فقط. والربُّ يدعو الأخيار: »تعالوا يا مباركي أبي«. ينادي كلَّ واحد باسمه. وتعليم بولس حول القيامة واضح في الرسالة الأولى إلى كورنتوس: المسيح قام ونحن أيضًا نقوم. »يُدفَن (الإنسان) جسمًا بشريٌّا فيقوم جسمًا روحيٌّا« (1 كو 15: 44). أجل »الذين رقدوا في يسوع، ينقلهم الله إليه مع يسوع« (1 تس 4: 14).

ويواصل الرسول كلامه: »ولا يُصغوا إلى الخرافات وذكر الأنساب« (1 تم 1: 4). الخرافات أو تلك الروايات القديمة التي ترتبط بخريف الحياة والشيخوخة. والأنساب تجعل المؤمن يعود إلى حسبه ونسبه. فاليهود يعودون إلى الآباء إبراهيم وإسحاق ويعقوب، وإلى أبطال العهد القديم. فلماذا لا يعود اليونانيّون إلى أبطالهم؟ وهكذا تظهر »المجادلات« والخلافات. أهذا يخدم تدبير الله ومشروعه الخلاصيّ؟ كلاّ ثمَّ كلاّ. بل يخدم الأهداف البشريَّة.

كيف يوصف هذا التعليم؟ إنَّه باطل. لا نفع فيه. هو كلام »أجوف«، فارغ. وخصوصًا يسيء إلى المحبَّة، إلى النوايا المبيتة التي تقسم الجماعة وتشقُّها قسمين إن لم يكن أكثر. فأين تكون المحبَّة الحقيقيَّة؟ تفرض »القلب الطاهر« الذي لا غشَّ فيه ولا رياء، لأنَّ من القلب تخرج الأمور الحسنة، ومن القلب »تخرج الأفكار الشرّيرة: الفسق والسرقة والقتل...« (مر 7: 21). وتفرض »الضمير الصالحب. فالضمير هو صوت الله فينا. ونحن يمكن أن نحوِّل هذا الصوت على مثال ما فعل قايين. وضع الله علامة لئلاَّ يقتله، فحسب نفسه »طريدًا شريدًا« (تك 4: 14). وتفرض أخيرًا »الإيمان الصادق«. الاستناد إلى الله بصدق. نؤمن بالله الذي آمن بنا. نكون أمناء لله لأنَّه الأمين الذي لا يمكن أن يُنكر ذاته (2 تم 2: 13).

من هم أصحاب هذا التعليم؟ اليهود الذين يعتبرون أنفسهم »من معلِّمي الشريعة« (1 تم 1: 7). وحكَمَ عليهم الرسول: »لا يفهمون ما يقولون وما يؤكِّدون«. يريدون أن يستعملوا الشريعة لكي يتكبَّروا على الآخرين ويفتخروا بممارسات لا يهتمُّ بها الإيمان المسيحيّ. الشريعة جُعلت للأشرار لا للأبرار. وماذا نجد تجاهها؟ »التعليم الصحيح الذي يوافق البشارة التي ائتمنتُ (أنا بولسُ) عليها، بشارة الله المبارك، له المجد« (آ10-11).

والتعاليم الضالَّة في أيّامنا كثيرة. فهناك مؤمنون فسُدت ضمائرهم فاعتبروا يسوع معلِّمًا وفيلسوفًا ومفكِّرًا، وأنكروا أن يكون ابن الله. فإن كان إنسانًا من الناس، فكيف يرفعنا إلى الله، فيقول: وحين أرتفع أجتذبُ إليَّ كلَّ إنسان. وهو نبيّ بين الأنبياء. ويكاد لا يساوي موسى. وتأتي النظريّات حول حبله الإلهيّ وولادته في البتوليَّة: هو إنسان مثل سائر الناس. وأمُّه لا تختلف عن أيِّ امرأة. فكان لها أولاد بعد »ابنها البكر« (لو 2: 7). لأنَّ يوسف لم يعرفها حتّى ولدت ابنها فسمّاه يسوع (مت 1: 25). ويضيفون: ولكنَّه عرفها بعد أن ولدت بكرها. مساكين هؤلاء الناس! ماذا ينفعهم أن يُحدروا الابن الإلهيّ ويجعلوه إنسانًا من الناس؟ هم يرفضونه لخسارتهم. وماذا ينفعهم أن يجعلوا »المباركة بين النساء« (لو 1: 42) امرأةً مثل سائر النساء؟

ما هو موقف تيموتاوس من هذه التعاليم؟ هل يضع رأسه في الرمال ويكتفي بأن تسير أموره المادِّيَّة كما يُرام؟ هل ينسى دوره في حمل البشارة؟

أراد اليهود أن يفرضوا نفوسهم، ويريدون اليوم أن يفرضوها. الله هو الإله الواحد. أمّا أن يقول يسوع إنَّه الابن، فهو يجدِّف ويستحقُّ أن يُرجَم بالحجارة (يو 8: 59). هم ما أرادوا أن يفهموا أنَّ الله »عيلة« في ثلاثة أقانيم، في ثلاثة أشخاص. وعيلته كبيرة فيكون مع »الابن الوحيد« الأبناء العديدون والبنات العديدات. فهو لم يستحِ بنا، ولا هو استحى أن يدعونا إخوته وأخواته. فقال: »ها أنا مع الأبناء (والبنات) الذين وهبهم الله لي« (عب 2: 13). قالوا: الله واحد. ونعتبر أنَّه يعيش وحده، معزولاً في أعلى سمائه. لا ابن له؟ وما معنى أن يكون الله أبًا ولا يكون له ابن؟ هو قال في البداية: نصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا. وتكون كلُّ »عيلة« على الأرض شبيهة بالعيلة التي في السماء، تُنعشُها المحبَّة.

وأراد الغنوصيّون (كلمة يونانيَّة ترتبط بمعرفة خاصَّة) أن يحيدوا بالإنجيل نحو تعاليمهم المبنيَّة على المعرفة الباطنيَّة. لا حاجة إلى الإنجيل. لا حاجة إلى التقليد الذي يعود إلى المسيح. يكفي أن نرجع إلى أعماقنا فنعرف، ولا سيَّما إذا عشنا »في حياة سابقة«. عشنا، متنا، وها نحن نعيش مرَّة ثانية. أخذنا جسدًا. تركناه. ثمَّ أخذنا جسدًا آخر. ماذا كانت تعاليمهم؟ عادت إلى العالم القديم وامتنعت مثلاً عن بعض المآكل وبعض المشروبات، لأنَّها تحمل الشرَّ في ذاتها. ردَّ الرسول: كلُّ شيء حسن لأنَّ الله خلقه. بل لمّا خلق الإنسان رجلاً وامرأة بحيث »ينمون ويكثرون ويملأون الأرض« (تك 1: 28) في الزواج، قال الكتاب: »ونظر الله إلى كلِّ ما صنعه فرأى أنَّه حسن جدٌّا« (آ31).

ويأتي الغنوصيّون »فينهون عن الزواج« (1 تم 4: 3). فالجسد شرُّ هو. وفعل الزواج يحطُّ الإنسان من رفعته الروحيَّة. واستند هؤلاء »المؤمنون« في ضلالتهم إلى كلام الربّ. قالوا: نحن منذ الآن أبناء القيامة. والربُّ قال: »ففي القيامة لا يزوِّجون ولا يتزوَّجون، بل يكونون مثل الملائكة في السماء« (مر 12: 52). اعتبر هؤلاء أنَّ القيامة حصلت، وأنَّهم قاموا، فما لهم بعدُ أن يقوموا. إذًا، هم لا يتزوَّجون.

ضلال آخر عرفته الكنيسة. ونعرف اليوم ضلالاً آخر يُبنى على الأنانيَّة: لماذا الزواج والارتباط بشخص آخر حتّى الموت؟ نبقى أحرارًا، أو نلتقي لمدَّة محدودة ثمَّ يمضي كلُّ واحد في طريقه. وبدعة شهود يهوه ومن يفكِّر تفكيرهم. نحن نعيش بعد الموت كما كنّا نعيش قبل الموت. نكون في سعادة. فنأكل ونشرب ونتزوَّج. فالبائسون والتعساء ينظرون بهذا الشكل إلى الحياة الأخرى. حُرموا من الطعام، ففي السماء يأكلون. حُرموا من الشراب، ففي السماء يشربون وتكون لهم النساء العديدات لكي يُشبعوا شهوات ما استطاعوا أن يُشبعوها على الأرض.

كلُّ عصر له ضلالاته. وكلُّ شعب وكلُّ بلد. هنا نسمع الرسول يودِّع شيوخ أفسس: »وأنا أعرف أنَّ الذئاب الخاطفة ستدخل بينكم بعد رحيلي ولا تشفق على الرعيَّة... فتنبَّهوا وتذكَّروا أنّي بدموع نصحتُ كلَّ واحد منكم، نهارًا وليلاً، مدَّة ثلاث سنوات« (أع 20: 31). تلك هي المدَّة التي قضاها بولس في أفسس. وكلُّ أسقف وكلُّ كاهن وكلُّ خادم للرب، يكون عنده هذا الهمّ في نطاق أبرشيَّته، في نطاق رعيَّته. ويقول الرسول لتلميذه: »انتبه لنفسك ولتعليمك وداوم على ذلك. فإذا فعلتَ خلَّصتَ نفسك وخلَّصتَ سامعيك« (1 تم 4: 16). وإلاَّ يأتي التهديد في خطِّ حزقيال النبيّ الذي نبَّه الرعاة إلى واجبهم (ف 34). وقال الربُّ عن »الخادم الشرّير« (مت 24: 48). الذي لا يقوم بعمله: »يرجعُ سيِّده في يوم لا ينتظره وساعة لا يعرفها، فيمزِّقه تمزيقًا ويجعل مصيره مع المنافقين. وهناك البكاء وصريف الأسنان« (آ50-51).
 
قديم 24 - 03 - 2024, 08:21 AM   رقم المشاركة : ( 155224 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,297

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






الخدم في الكنيسة

تجاه المعلِّمين الكذبة، هناك تيموتاوس والذين قدَّموا ويقدِّمون إلى أيّامنا التعليم الصحيح. فبعد مهمَّة التعليم، تأتي مهمَّة التنظيم مع ترتيب »بيت الله« أي الكنيسة. ويذكر بولس في هذه الرسالة خمس فئات: الأسقف، الشمّاس، الشمّاسة، الشيخ، الأرملة.

أ- الأسقف

يبدأ الكلام عن الأسقف بقول ذي طابع إعلانيّ: صدق القول (1 تم 3: 1). أو: هو قول صادق (1 تم 1: 15). فالأسقف هو الذي ينظر من فوق. يُشرف على كلِّ شيء في الكنيسة: على التعليم والتدبير والتنظيم. قال المجمع الفاتيكانيّ: »على الأساقفة أن يدبِّروا كنائسهم الخاصَّة الموكولة إليهم كنوّاب المسيح وممثِّليه بنصائحهم وتشجيعاتهم ومثَلهم... ذاكرين أنَّ على الأكبر أن يصبح كالأصغر، وأنَّ على المتقدِّم أن يصبح كالخادم«. ويتواصل الكلام: »إليهم سُلِّمت المهمَّة الراعويَّة كاملة أي الاهتمام الدائم واليوميّ بخرافهم«. ويكمِّل النصّ: »وبصفته مرسَلاً من أبي العائلة ليدبِّر أبناء بيته، على الأسقف أن يحفظ نُصبَ عينيه مثَل الراعي الصالح الذي أتى، لا ليُخدَم بل ليَخدم ويبذل نفسه عن الخراف«.

هي مهمَّة صعبة وتتطلَّب الجهد الكثير. لهذا كان الكثيرون يتهرَّبون منها. فشجَّع الرسول على القبول بهذا العمل التدبيريّ في الكنيسة. فعليه أوَّلاً أن يستضيف حاملي البشارة وسائر المؤمنين ولاسيَّما الفقراء والضعفاء. فقال فيه الرسول: يكون مضيافًا (1 تم 3: 2). ثمَّ صاحب ثقافة ليكون »صالحًا للتعليم«. بما أنَّ المسيحيَّة كانت في بدايتها، وُضعت شروط: أن لا يكون تزوَّج أكثر من مرَّة، بل مرَّة واحدة. أمّا اليوم، فالأسقف هو »خطيب« الكنيسة فيكون بتولاً، مكرِّسًا ذاته نفسًا وجسدًا، ولهذا يلبس الخاتم. من لا يصلح أن يكون في هذه الرتبة؟ السكِّير، العنيف، محبّ المال، »حديث العهد في الإيمان لئلاَّ تسيطر عليه الكبرياء« (آ6). مقابل ذلك، »يكون منزَّهًا عن اللوم، يقِظًا، رصينًا، محتشمًا. »يحسن تدبير بيته... فمن لا يحسن تدبير بيته، كيف يعتني بكنيسة الله؟ (آ4-5). من هنا انطلق المجمع الفاتيكانيّ للكلام عن المهمَّة الراعويَّة في حياة الأسقف.

»ليكن الأساقفة في وسط شعبهم كالذين يخدمون، وهم يمارسون مهمَّة الأب والراعي. وليكونوا رعاة صالحين يعرفون نعاجَهم ونعاجُهم تعرفهم، وآباء حقيقيّين يتسامون بروحهم المُحبَّة والمخلصة نحو الجميع، فتُلاقي السلطةُ التي قبلوها من فوق رضى الجميع مع الامتنان. عليهم أن يجمعوا كلَّ عائلة قطيعهم وأن ينعشوها، بحيث أنَّ الكلَّ وقد وعوا واجباتهم يحيون في شركة المحبَّة ويعملون بها«.

ب - الشمّاس والشمّاسة

الشمَّاس هو بقرب الأسقف. هو الخادم. الذي يهتمُّ بالفقراء والمرضى. منذ بداية الكنيسة، جُعلوا بجانب الرسل »في خدمة الموائد« (أع 6: 2). مع صفات ثلاث: حسنة. أهل حكمة. وخصوصًا يكونون »ممتلئين من الروح القدس« (آ3). نشير هنا إلى دور الشمّاس الذي يرافق الأسقف، كما كان الأمر مثلاً بالنسبة إلى أثناز الذي رافق أسقفه إلى مجمع نيقية سنة 325، ثمَّ خلفه كأسقف الإسكندريَّة.

والشمّاس مسؤول عن التعليم في الكنيسة، كما كان الأمر بالنسبة إلى أوريجان، ابن الإسكندريَّة ثمَّ قيصريَّة في فلسطين. وبالنسبة إلى أفرام الذي رافق ثلاثة أساقفة وأوَّلهم القدّيس يعقوب الذي حضر المجمع النيقاويّ. وكذا نقول عن هيسيخيوس في كنيسة أورشليم. ويحدِّثنا سفر الأعمال عن إسطفانس الذي حمل الكلمة ومات وهو يجادل اليهود. وعن فيلبُّس الذي بشَّر أهل السامرة.

غابت وظيفة الشمّاس من الكنيسة فترة طويلة، بعد أن أخذها الكهنة. وها هي تعود تدريجيٌّا في كنائسنا كما في كنائس العالم الغربيّ. ففي الكنيسة اللاتينيَّة يكون الكاهن بتولاً. وهذا الوضع كان أحد أسباب النقص في الكهنة. لهذا انتشر الشمامسة الذين يعاونون الكاهن ويحلّون محلَّه مرّات عديدة.

وكيف يختار الأسقف الشمامسة؟ يكونون أصحاب وقار مع الابتعاد عن ثلاث رذائل: الخمر، الربح الخسيس، ولا يكونون »ذوي لسانين« (1 تم 3: 8). وقبل كلِّ شيء »يحافظون على سرِّ الإيمان في ضمير طاهر« (آ9). وبشكل عام، يكونون بلا لوم. وبعد أن يختبرهم تيموتاوس (الأسقف)، يقيمهم شمامسة (آ10). فلا مجال للعجلة والتسرُّع. لأنَّ الذين يُختَارون بسرعة دون أن يُختبَروا، يُلقون الشكوك في الكنيسة. والربُّ قال: »الويل لمن تقع الشكوك على يده«. مرّات كثيرة »يخادعون«، فيقع المسؤول في الخطأ الذي يصعب إصلاحه.

ووُجدت الشمّاسة مع الشمّاس. إمّا هي امرأة الشمّاس، وإمّا هي تنال رتبة في الكنيسة. ودورها ضروريّ في إعطاء سرِّ العماد. ينزل طالب العماد فيخلع ثيابه ليمرَّ في حوض العماد كما في الموت ثمَّ يلبس ثيابه البيضاء. وإذا نزلت طالبة العماد إلى الماء، استقبلتها الشمّاسة.

وهذه أيضًا تبتعد عن النميمة. تكون يقظة، أمينة، من أهل الوقار. تتحلّى بالوقار وتبتعد عن كلِّ شر. وما قاله الرسول هنا يمكن أن ينطبق على »الخوريَّة« أو زوجة الكاهن، فتصبح أسرته أسرة كهنوتيَّة وبيت كهنوتيّ. ونسمع الرسول: »يحسن تدبير بيته ويجعل أولاده يطيعونه ويحترمونه في كلِّ شيء« (1 تم 3: 4).

ج- الأرامل والشيوخ

فئتان في الكنيسة تلعبان دورًا سوف يتوضَّح يومًا بعد يوم. هناك »الأرامل اللواتي هنَّ بالحقيقة أرامل« (1 تم 5: 3). فالمرأة التي يموت زوجها ولا يكون لها بنون ولا حفدة (آ4) تلجأ إلى الكنيسة وتقوم بالخدمة المطلوبة منها، ولاسيَّما استقبال الغرباء. هذا ما قامت به الراهبات ويقمن به إلى أيّامنا: الاهتمام بالأيتام والعجَّز والمرضى.

أعطى الرسول النصيحة إلى تلميذه للتمييز بين أرملة وأرملة. »تلك التي لا معيل لها، رجاؤها على الله، تصلّي وتتضرَّع إليه ليلاً ونهارًا«. هكذا كانت حنَّة النبيَّة التي »بلغت الرابعة والثمانين من عمرها، لا تفارق الهيكل متعبِّدة بالصوم والصلاة ليل نهار« (لو 2: 37). قال بولس: »لا تُكتَب امرأة في سجلّ الأرامل إلاَّ التي بلغت ستّين سنة وكانت زوجة رجل واحد، ومشهودًا لها بالأعمال الصالحة، وربَّت أولادها تربية حسنة، وأضافت الغرباء، وغسلت أقدام الإخوة القدّيسين، وساعدت المنكوبين، وقامت بكلِّ عمل صالح« (1 تم 5: 9-10).

والفئة الثانية هي فئة الشيوخ. في العالم اليهوديّ يترأَّسون جماعة الصلاة. وكذلك في العالم المسيحيّ. في السريانيَّة »قشيشا«، القسّيس. هو الكاهن في التنظيم الكنسيّ الذي يقف بين الأسقف والشمّاس. أخذ بعض مهمَّات الأسقف وبعض مهمّات الشمّاس، كما كان الأمر في التقليد اليونانيّ. ولمّا امتزج التقليد اليونانيّ مع التقليد اليهوديّ، صار الترتيب كما نعرفه اليوم.

قال إغناطيوس الأنطاكيّ: »يقتضي أن تكونوا على وفاق في الرأي مع أسقفكم... إنَّ كهنتكم يُجَلُّون حقٌّا... ومتآلفون مع أسقفهم تآلف الأوتار مع المعزَف«. ذاك ما قال هذا القدّيس إلى كنيسة أفسس (المقطع الرابع). وقال في المقطع السابع من الرسالة إلى كنيسة مغنيسية: »لا تفعلوا شيئًا من دون الأسقف والكهنة«.

ونقرأ المقطع الثالث من رسالة القدّيس إغناطيوس إلى كنيسة طرالية (في تركيّا الحاليَّة): »كذلك فليُحترَم الشمامسة، كالمسيح يسوع، والأسقف كصورة الآب، والكهنة، كمجلس الله وجماعة الرسل. فلا كنيسة من دونهم«.

وقال المجمع الفاتيكانيّ في »دستور عقائديّ في الكنيسة« (عدد 20): »وهكذا تقلَّدَ الأساقفةُ خدمةَ الجماعة يمارسونها بمساعدة الكهنة والشمامسة. إنَّهم يرئسون، بمقام الله، القطيعَ الذي يرعون كمعلِّمي العقيدة، وكهنة العبادة المقدَّسة، وولاة التدبير«.

ونقرأ في عدد 29 من الدستور العقائديّ عينه: »وفي الدرجة الدنيا من السلطة التسلسليَّة يقوم الشمامسة الذي يقبلون وضع يد، لا للكهنوت بل للخدمة... يخدمون شعب الله بالشركة مع الأسقف وجماعة الكهنة، وذلك في القيام بالطقوس، وبالكرازة ونشر المحبَّة«.

الخاتمة

هكذا يكون بيت الله الذي هو الكنيسة. تحدَّث الرسول أوَّلاً عن التعليم الصحيح الذي يبني الكنيسة، والتعليم الضالّ الذي يهدمها. وأبرز دور تيموتاوس، ودور الأسقف والكاهن (أو القسّيس) والشمّاس: هم يحاربون مثل هؤلاء المعلِّمين، ويدافعون عن القطيع كالرعاة الصالحين. خدم عديدة عُرفت في زمن ثانٍ من أزمنة الكنيسة الأولى. في الزمن الأوَّل، مع الرسالة الأولى إلى كورنتوس، نرى المواهب: كلام المعرفة، موهبة الشفاء، التكلُّم بلغات... أمّا في الزمن الثاني فنكتشف نواة التراتبيَّة بين الأسقف والكاهن، والشمّاس والشمّاسة، والأرامل والشيوخ. والأسقف هو المدبِّر الأوَّل كما قال المجمع الفاتيكانيّ الثاني. والكهنة يعاونونه في مهمَّة التعليم والتدبير، والشمامسة بدرجة ثانية. على أساس الرسل بُنيَت الكنيسة وكان حجر الزاوية يسوع المسيح. والخدّام يواصلون العمل الذي بدأ مع المسيح حين أرسل تلاميذه يحصدون ما لم يتعبوا فيه (يو 4: 38). فهنيئًا لنا بكهنة يرعوننا مثل هذه الرعاية، وبأساقفة »يرشدون الشيوخ بلطف، ويعاملون الشبّان كإخوة والعجائز كأمَّهات والشابّات كأخوات« (1 تم 5: 1-2). مع مثل هؤلاء الخدّام تتمُّ إرادة الربّ »بأن يخلص جميع الناس ويبلغوا إلى معرفة الحقّ« (1 تم 2: 4).
 
قديم 24 - 03 - 2024, 08:23 AM   رقم المشاركة : ( 155225 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,297

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






يا تيموتاوس إحفظ الوديعة

في الطقوس الشرقيَّة، اعتادت الكنيسة أن تحمِّل الكاهن المرسوم جديدًا، جزءًا من الأجزاء المكرَّسة، فيضمَّها بين يديه حتّى المناولة. ثمَّ يعيدها إلى المذبح. يحملها فتبدأ حياته الكهنوتيَّة. يعيدها، تنتهي حياته على مثال قول الربِّ يسوع: »ما من أحد ينتزع حياتي منّي، بل أضحّي بها راضيًا. فلي القدرة أن أضحّي بها، ولي القدرة أن أستردَّها« (يو 10: 17). ذبيحة يسوع هي بين يدي الكاهن، وهي تسلَّم إليه وديعة لكي يسلِّمها في يوم ربِّنا. »يا تيموتاوس، احفظ الوديعة« (1 تم 6: 20-). أيُّها الكاهن، رسالة يسوع، خدمة يسوع، مشروع يسوع بين يديك. وهو كما »في إناء من خزف لتُبان القوَّة من الله لا منّا« (2 كو 4: 7). يا تيموتاوس، احفظ الوديعة، وديعة الإيمان من كلِّ شائبة، في وجه الضلالة. احفظ الرعيَّة من الأخطار. دبِّرْ بيت الله. المسيح »سلَّمنا« الرسالةَ وعاد إلى الآب، وهو مطمئنّ أنَّها في يد أمينة. ولكن احتاج تيموتاوس إلى من يذكِّره بواجباته كأسقف، ككاهن. فقال له الرسول: »فعليك، أن توصي بهذا وتعلِّم. لا تدع أحدًا يستخفُّ بشبابك. بل كن قدوة للمؤمنين في الكلام والتصرُّف والمحبَّة والإيمان والعفاف« (1 تم 4: 11-12).

كيف يكون تيموتاوس ذاك الكاهن بحسب قلب الربّ؟ في خدمة الكلمة. في تنظيم الصلاة في الكنيسة. في تدبير الرعيَّة بكلِّ فئاتها من الشيوخ إلى الأرامل، والجماعة بشكل عامّ.

1. في وقته وفي غير وقته

قال الرسول لتلميذه تيموتاوس: »أناشدك... أن تبشِّر بكلام الله، وتلحَّ في إعلانه في وقته وفي غير وقته، وأن توبِّخ وتُنذر وتَعظ صابرًا كلَّ الصبر في التعليم« (2 تم 4: 1-2). ذاك هو واجب الكاهن الأوَّل. حمل الكلمة. مرّات عديدة نسمع: ما لنا أحد يعلِّمنا. ونجيب المؤمنين: هل أنت قاصر؟ ألا تعرف أن تقرأ، أن تسمع، لا شكَّ في ذلك. ولكن لماذا رُسم الكاهن أوَّلاً؟ أليس من أجل التعليم، في خطِّ المسيح الذي دُعيَ أكثر من مرَّة »يا معلِّم«.

ما نلاحظ في الرسالة الأولى (1 تم) إلى تيموتاوس المرّات العديدة التي فيها يذكِّر الرسول تلميذه بواجب التعليم. لماذا؟ لأنَّه أحسَّ بالنقص. يُقال: هناك أناس لا يحتملون التعليم. فما لنا ولهم؟ جواب الضعف والخوف والاستسلام. جواب الأجير الذي يرى الذئب آتيًا »فيترك الخراف ويهرب« (يو 10: 12). وفي أيِّ حال، قليلون هم الكهنة الذين يحبّون الوعظ والتعليم والإرشاد. وإن فعلوا، فيوم الأحد فقط. وماذا يعظون؟ كلام الله أم كلام الناس؟ لهذا نرى المؤمنين في رعايانا يهربون من عندنا ويمضون إلى حيث يسمعون كلام الله.

أربع مرّات يأتي فعل »علَّم« في 1 تم، حيث يقول بولس »لكاهنه«: »فعليك أن توصي بهذا وتعلِّم« (4: 11)، خصوصًا في وجه »المعلِّمين الكذّابين«. وفي علاقة الأسياد بالعبيد، يقول الرسول: »علِّمْ هذا وعظْ به« (6: 2). من الصفات الأولى لمن وُضعت عليه اليد »أن يكون صالحًا للتعليم« (3: 12).

ثلاث مرّات يرد الاسم »التعليم« حيث يسمع تيموتاوس ويسمع الكهنة: »واظب على القراءة والوعظ والتعليم« (4: 13). ماذا يقرأ مثل هذا التلميذ؟ الكتب المقدَّسة. هنا نتذكَّر آباء الكنيسة الذين تركوا لنا هذا الإرث الواسع. ماذا كانت ثقافتُهم الأولى؟ الكتاب المقدَّس، كلام الله. نتعرَّف في كنيستنا الأنطاكيَّة مثلاً إلى يوحنّا الذهبيّ الفم. لم يُقَل عنه شيء بالنسبة إلى سائر المواهب. بل صار اسمه مرادفًا لحمل الكلمة وإتقانها وإيصالها إلى المؤمنين، الذين نالوا »الذهب«، لا معدنًا من نوع آخر مثل القصدير والحديد. ولا أشياء مثل الخشب والقشّ والتبن (1 كو 3: 12) الذي هو مثل الرماد حين تمرُّ عليه النار. فماذا يطلب المؤمنون من الكاهن؟ أيكون أستاذًا في الطب أو الهندسة أو الحقوق؟ أيكون بارعًا في السياسة وفي الأمور الاجتماعيَّة؟ أيكون خطيبًا مصقعًا يرصف الكلام ويكرِّره؟ هنا نفهم أن يهرب الناس من الوعظ والتعليم.

والوعظ هنا هو الإرشاد، حيث يعلِّمنا الرسول كيف يكون: »نرشد الكسالى، نشجِّع الخائفين، نساعد الضعفاء« (1 تس 5: 14). ولا نخاف أن نحذِّر من يعيش حياة لا تليق بالدعوة التي دُعينا إليها. ولكن من يكون هكذا »لا تعاملوه كعدوّ، بل انصحوه كأخ« (2 تس 3: 15). ويسمع تيموتاوس نصيحتين يستعمل كلَّ واحدة بحسب المناسبة، فيتحلّى بصفة التمييز. مع الشيوخ مثلاً: »لا توبِّخ شيخًا، بل أرشده بلطف كأنَّه أب لك« (1 تم 5: 1). والشبّان هم »إخوة لك«. والعجائز هنَّ »أمَّهات«. »وأمّا الشابّات فعاملهنَّ بكلِّ عفاف كأنَّهنَّ أخوات« (آ2).

ولكنَّ »شيوخ الكنيسة«، أي الكهنة (أو: الخدّام) والقسس (والقسيس في السريانيَّة هو الشيخ) يُكرَّمون الإكرام المضاعَف، لأنَّهم »يتعبون في التبشير والتعليم« (5: 17). ولكن إن لم يكونوا على قدر المهمَّة في الإهمال والتكاسل، ماذا يفعل بهم تيموتاوس؟ هل يتغاضى عنهم؟ كلاّ. »أمّا المذنبون فوبِّخهم أمام جميع الحاضرين حتّى يخاف غيرهم« (آ20). ونتذكَّر هنا كلام بولس إلى أهل كورنتوس ونطبِّقه على نفوسنا: »لو كنّا ندين أنفسنا، لتجنَّبنا الحكم علينا« (1 كو 11: 31).

الوعظ، التعليم، الإرشاد، في كلِّ وقت، لا في الكنيسة فقط، يوم الأحد. فالمجمع الفاتيكانيّ طلب من الكهنة أن يُعطوا الشعب الكلمة في كلِّ قدّاس. وفي احتفالاتنا، وفي زيّاحاتنا، أين هو موقع كلام الله، نقرأه، نشرحه للمؤمنين؟ هل نتذكَّر أين كان يعظ يسوع؟ في السفينة، على شاطئ البحر، في المجمع، في البيت، وهو يمشي مع الجموع. يقول المثَل للناس، يشرحه. أين اللقاءات الإنجيليَّة؟ السهرات الإنجيليَّة في البيوت؟ اجتماع كلّ فئات الرعيَّة، من الصغار إلى الشيوخ مرورًا بالشبّان والشابّات. قال أحد الكرادلة في السينودس الأخير: عجيب! نعظ بضع دقائق فيتعب الناس منّا. وغيرنا يعظ ساعة وأكثر والناس يسمعون لهم. والسبب بسيط. ماذا يريد الناس من الوعظ؟ أن يروا يسوع. ذاك ما طلبه اليونانيّون من فيلبُّس وأندراوس (يو 12: 20)، فأوصل هذان الرسولان هؤلاء الناس إلى يسوع. أخبراهم عن يسوع. وهنا يقول لنا الرسول: نحن لا نعظ بأنفسنا، بل بالمسيح ربِّنا«.

ماذا يعني هذا؟ أن يحمل الكاهن همَّ الكلمة. غير أنَّ هذا يعني أنَّه يعرفها. ماذا قال الرسول لتلميذه: »واظبْ على القراءة«. نعم. قال أحدهم: »من يقرأ الجريدة يعظ السياسة. ومن يقرأ الإنجيل، يعظ كلام الله«. يا ليتنا »نضيِّع« وقتنا في قراءة الإنجيل وشروحه والتعمُّق في تعاليم الآباء، بقدر ما نضيِّع الوقت في قراءة »الصحافة« أو الاستماع على الراديو أو مشاهدة التلفزيون. يجب أن نعرف ما حولنا من أحداث. لا بأس. وهنا يأتي كلام يسوع قاسيًا: »يا مراؤون، منظر السماء تعرفون أن تفسِّروه، وأمّا علامات الأزمنة فلا تقدرون أن تفسِّروها« (مت 16: 3). قيل عن خوري آرس ونحن نتذكَّر وفاته منذ 150 سنة إنَّه كان جاهلاً لأنَّه لا يعرف اللاتينيَّة وغيرها من العلوم. ولكنَّ الناس كانوا يسمعون له أكثر من أكبر المعلّمين في الجامعات الكبيرة، لأنَّها تعلِّم علم الله. وأتذكَّر أحد الأشخاص الذين كانوا يستعدُّون للرسامة الكهنوتيَّة. كان طالبًا عاديٌّا. فاحترق قلبه بكلام الله، فأخذ يقرأ ويتأمَّل ويسأل، فتميَّزت عظاته تمييزًا كبيرًا فكان الجميع يسمعون إليه بارتياح. والقدّيس أوغسطين الذي بدأ حياته في العلوم الدنيويَّة، والتحق بعدد من الفلسفات والبدع. ولكنَّه سمع يومًا في الحديقة صوتًا سرِّيٌّا يقول له: »خذ واقرأ«. وأخذ يقرأ الكتب المقدَّسة، وترك لنا إرثًا من الشروح ما زلنا ننهل منه إلى الآن: تأمُّلات في المزامير، شرح إنجيل يوحنّا، رسائل القدّيس يوحنّا التي نُقلت إلى العربيَّة.

افتخر بولس فقال: »جعلني الله مبشِّرًا ورسولاً ومعلِّمًا الأمم في الإيمان والحقّ« (1 تم 2: 7). أوَّلاً، ما انحصر في جماعة محدَّدة. بل انفتح على »الأمم«، على الجميع. وذلك مع أنَّه يهوديّ، فرّيسيّ. هو »الكارز« المنادي، الذي يسير أمام »معلِّمه«. ومن أجل هذا أُرسل، لا لكي يسابق الآخرين في تكوين فئة تسير في فلكه بل ليضع الأساس في كل مكان يصل إليه، بحيث لا يبني على أساس غيره. قال: »ما أرسلت للتعميد، بل للتبشير، غير متَّكل على حكمة الكلام لئلاّ يفقد موتُ المسيح على الصليب قوَّته« (1 كو 1: 17). وهناك موضع مميَّز للتعليم، الليتورجيّا، التي تعني في الأصل: العمل العامّ. عمل شعب الله. ممارسة العوامّ في الكنيسة. ومن هو المسؤول؟ تيموتاوس، الكاهن الذي يرأس الجماعة.

2. الصلاة الليتورجيَّة

وكتب الرسول إلى تلميذه تيموتاوس: »فأطلبُ قبل كلِّ شيء أن تقيموا الدعاء والصلاة والابتهال والحمد« (1 تم 2: 1). حرفيٌّا: أناشدُ، أتوسَّل. لا أفرض عليكم. ولكنّي أنصحكم بما تفعلون. »الدعاء« أو بالأحرى: الطلب. فالطلب يدلُّ على حاجة، على عوز. نحن »شحّاذون« أمام الله. نتسوَّل. ربَّما لنا، ولكن لأجل الآخرين. وهنا الطلب »من أجل الملوك وأصحاب السلطة«. هم مسؤولون باسم الربّ عن الناس، ليكون السلام في البلاد، والعدالة والحقّ بين الأفراد ثمَّ الصلاة. بالصلاة نتَّصل بالله، نجعل جسرًا بيننا وبينه. نحن بعيدون، نقترب منه. نحن خطأة، نطلب غفرانه. نحن مشتَّتون، نجتمع حوله في المحبَّة له وبعضنا لبعض. وهذا هو الاجتماع الأسبوعيّ للمؤمنين. كان الكلام البولسيّ قاسيًا: »ولا تنقطعوا عن الاجتماع، كما اعتاد بعضكم أن يفعل« (عب 10: 25). من وصايا الله العشر: »قدِّس يوم الربّ« (خر 20: 8). كرِّسْه لله. فهو لا يخصُّك. طلبه الربُّ لكي يرتاح الجميع بمن فيهم العبد والجارية والثور والحمار. وقالت الكنيسة في الوصايا السبع: احفظ يوم الأحد والأعياد المذكورة. وهكذا يأتي المؤمنون. يصلّون معًا. تلك هي الليتورجيّا التي فيها يكون للكاهن الدور الأوَّل.

بعض من جاء من »الغرب« يعتبر الكاهن واحدًا من الجماعة. كلاّ. لا شكَّ في أنَّه مختار من الشعب، ولكنَّ دوره فريد في الليتورجيّا، بحيث لا يستطيع أحد أن يحلَّ محلَّه. هو مختار لما يكون لله فيقدِّم الذبيحة ويجمع المؤمنين حول المسيح »الوسيط بين الله والناس« (1 تم 2: 5). هنا نقرأ بعض ما جاء في المجمع المسكونيّ حول »حياة الكهنة وخدمتهم الرعويَّة«:

»أراد الله، الذي هو وحده قدّوس ومقدَّس، أن يتَّخذ أناسًا بمثابة رفاق ومساعدين ينصرفون إلى عمل الخلاص. ولذا فيكرِّس الله الكهنة، شركاء كهنوت المسيح بصورة مميَّزة، بواسطة الأسقف، لكي يعملوا في الذبيحة الإلهيَّة كخدّام لذاك الذي يتمِّم باستمرار خدمته الكهنوتيَّة بواسطة روحه القدّوس فداء عنّا في الليتورجيّا«.

ولكنَّ عددًا كبيرًا من الكهنة يعتبرون أنَّهم يستطيعون أن يتفرَّدوا في العمل بحيث لا يسمحون للعلمانيّين والعلمانيّات أن يعملوا. ربَّما خوفًا على سلطتهم أو لسبب آخر. يا ليتنا نحن الكهنة نعرف أن نشرك المؤمنين في خدمتنا فتستفيد الكنيسة من مواهبهم! ويا ليت كلَّ مسؤول في الكنيسة، يقول كما قال الرسول حين أحسَّ حوله »بالحسد والمنافسة« (فل 1: 15): »ولكن ما همَّني، ما دام التبشير بالمسيح يتمُّ في كلِّ حال، سواء كان عن إخلاص أو من غير إخلاص« (آ18).

وتتواصل الصلاة الليتورجيَّة في »الابتهال«. فالابتهال في المعنى الأصليّ يتمُّ في اللقاء والحوار والعلاقة الحميمة. نلاحظ هنا كيف يكون الكاهن، لكي يكون قدوة للمؤمنين كما طلب الرسول (4: 12). وقابلَ بين الرياضة البدنيَّة والرياضة التقويَّة. »روِّضْ نفسك بالتقوى. فإذا كان في الرياضة البدنيَّة بعضُ الخير، ففي التقوى كلُّ الخير لأنَّ لها الوعد بالحياة الحاضرة والمستقبلة« (4: 7-8). فالتقوى هي المخافة. والمخافة الصالحة، لا مخافة العبيد من أسيادهم. وهي تعارض الكفر والنجاسة. التقوى تعني الاحترام العميق للإله والحبّ الذي لا يرضى أن يعمل شيئًا لا يُحبُّه المحبوب. التقوى تعني حياة لا عيب فيها. هذه الفضيلة لا تُولَد معنا، بل نقتنيها يومًا بعد يوم، كما الإنسان بالنسبة إلى الرياضة البدنيَّة. وفي هذا المعنى يقول بولس إلى كنيسة كورنتوس: »أما تعرفون أنَّ المتسابقين في الميدان يشتركون كلُّهم في السباق... كلُّ مسابق يمارس ضبط النفس في كلِّ شيء من أجل إكليل يفنى؟ وأمّا نحن، فمن أجل إكليل لا يفنى« (1 كو 24-25). تلك هي التقوى التي يجب أن يصبو إليها تيموتاوس. تلك هي الرياضة، التي ليست فقط لهذه الحياة الحاضرة، بل ترافق المؤمن في الحياة المستقبلة.

ومع الابتهال أو التوسُّل، هناك »الحمد« والشكر. نحن نلنا نعمة، لهذا نرفع الشكر إلى الله. ونحن لا ننسى أنَّ »ذبيحة القدّاس« هي ذبيحة الشكر: إفخارستيّا، التي تعني في اللغة اليونانيَّة العرفان بالجميل. هذا ما يعلِّمه الكاهن للمؤمنين. ونواصل قراءة ما قيل للكهنة: »فالقربان المقدَّس يحوي كلَّ خير الكنيسة الروحيّ، أي المسيح فصحنا والخبز الحيّ الذي يعطي الحياة للبشر بجسده الحيّ والمحيي بالروح القدس. بهذا يُدعَون كلُّهم ويقادون إلى تقدمة أنفسهم وأعمالهم وكلِّ الخليقة مع المسيح. ولذلك فإنَّ القربان يبدو كينبوع التبشير كلِّه وقمَّته...

»فالاجتماع القربانيّ إذًا، هو محور جماعة المؤمنين التي يرئسها الكاهن. يعلِّم الكاهن المؤمنين أن يقدِّموا الذبيح الإلهيّ لله الآب في ذبيحة القدّاس وأن يقدِّموا معه حياتهم...

»... يعلِّمونهم أن يشتركوا في الاحتفالات الطقسيَّة المقدَّسة ليصلوا بها إلى الصلاة المخلصة. ويحملونهم على التعمُّق في روحيَّة الصلاة دون انقطاع، فيتمرَّسون بها طوال حياتهم وفقًا لنعم كلٍّ منهم، فيشوِّقون الكلَّ في أن يكونوا أمينين لواجبات وظيفتهم الخاصَّة، والمتقدِّمين منهم في ممارسة النصائح الإنجيليَّة حسبما تنطبق على كلِّ فرد منهم، وبالتالي يعلِّمون المؤمنين أن يرتِّلوا لله المزامير والتراتيل الروحيَّة في قلوبهم شاكرين دائمًا عن الجميع الله الآب باسم ربِّنا يسوع المسيح«.

أوردنا هذا النصَّ المجمعيّ كلَّه لأنَّه يطلب من الكاهن أن يعلِّم شعبه الصلاة. الصلاة الجماعيَّة والصلاة الفرديَّة. هذا يعني أنَّه يصلّي. ويكفي المؤمنين أن يروه يصلّي لكي يتعلَّموا الصلاة. أما هذا الذي حصل للتلاميذ حين رأوا »يسوع يصلّي في أحد الأماكن«؟ (لو 11: 1). انتظروه لكي يُتمَّ صلاته. ثمَّ »قال له واحد من تلاميذه: يا ربّ، علِّمنا أن نصلّي«. مرَّة قال أحد المؤمنين: نفرح حين ندخل الكنيسة فنرى الكاهن سبقنا وهو يصلّي. كأنّي به ينتظرنا. أمّا من يأتي في الدقيقة الأخيرة، هذا إذا لم يأتِ متأخِّرًا فأي مثل يعطي للرعية؟

والصلاة الليتورجيَّة تتمحور أساسًا حول كلمة الله. كنّا مرَّة في احتفال بيزنطيّ ليلة الميلاد: ساعتين من الأناشيد والصلوات، ولمّا جاء دور كلمة الله، قيل لنا: لا وقت لنا، لهذا لا نقرأ القراءات من الأنبياء والعهد الجديد. وواصلت الجوقة الترتيل. ومرّات عديدة نختار قراءة واحدة، بدون مقدِّمة تهيّئ المؤمنين. وأين العظة؟ فكلام الله يجب أن يصل إلى المؤمنين في الوضع الذي يعيشونه. هذا ما ندعوه: أوَّن. نقرأ الكلمة الآن وكأنَّها تتوجَّه إلينا اليوم. وإلاَّ فما معنى كلام المزمور: اليوم إن سمعتم صوته؟ أو كلام الربّ في مجمع الناصرة: »اليوم تمَّت الكلمة التي تُليت على مسامعكم« (لو 4: 21).

والترتيب في الكنيسة يعني أن يشارك الجميع في الصلاة. في الماضي، كان الشرقيّون يمنعون المرأة من المشاركة في الترتيل. أمّا أفرام السريانيّ فخلق جوقة فيها الشبّان والشابّات. الكلُّ معمَّدون، فلماذا لا يكونون واحدًا حول الكاهن؟ واليوم، انقلبت الآية، ولاسيَّما في بعض الرعايا، فلا نجد سوى النساء أو البنات إن لم نقل الأطفال: يقرأون رسالة القدّيس بولس، ويصفِّق لهم الأهل. في رعيَّة أنطلياس، تبدَّل الوضع. فدعت الجماعة الكهنوتيَّة الدكتور شارل مالك الذي قرأ رسالة القدّيس بولس في القدّاس، وبعد ذلك، فهِمَ المؤمنون أنَّه شرف كبير أن يشارك المؤمنون والمؤمنات في الترتيل، في القراءات وفي الخدم المتنوِّعة.

ويدعو الرسول كلَّ فئة إلى الصلاة. أوَّلاً، الرجال. »أريد أن يصلّي الرجال في كلِّ مكان، رافعين أيديًا طاهرة من غير غضب ولا خصام« (1 تم 2: 8). المعنى الأوَّل، في كلِّ موضع وصل الإنجيل. فالصلاة تعبير عن الإيمان. ونتذكَّر هنا ما قاله الذهبيّ الفمّ عن الرجال الذين كانوا يفضِّلون الذهاب إلى المسرح أو إلى أماكن أخرى، ويتركون النساء وحدهنَّ في الصلاة. أمّا رفعُ الأيدي فعادةٌ ترجع إلى الأزمنة القديمة جدٌّا، ونحن نعتبر أنَّ الله يقيم فوقنا، في السماء: »لتُقَم صلاتي كالبخور أمامك، ورفُعُ يديَّ كتقدمة المساء« (مز 141: 2). ونحن نرفع أيدينا، خلال الليتورجيّا، عند صلاة »الأبانا«. كلُّنا معًا، في حركة واحدة. وأيدينا تكون »طاهرة، نقيَّة«، مقدَّسة، ورعة. والورع هنا يكون على مستوى العمل كما على مستوى الكلام. لهذا كان الكلام عن »الغضب« وما يمكن أن يصدر عنه. على ما قال الربّ: »من غضب على أخيه استوجب حكم القاضي، ومن قال لأخيه: يا جاهل، استوجب حكم المجلس، ومن قال له: يا أحمق، استوجب نار جهنَّم« (مت 5: 22). وبعد الغضب الخصام: »وإذا خاصمك أحد، فسارعْ إلى إرضائه...« (آ25). وفي أيِّ حال، لا يقبل الربُّ ذبيحتك إن كان »لأخيك شيء عليك« (آ24).

والنساء. هنَّ يشاركن في الخدمة، شأنهنَّ شأن الرجال. ففي كنيسة الله، لا رجل ولا امرأة. ولكنْ لهذه المشاركة شروط. أوَّلها الحشمة. تكون المرأة في لباس لائق. وكيف تكون الزينة؟ لا تلك الخارجيَّة، بل تلك المميَّزة »بالحياء والوقار« (1 تم 2: 9). لماذا رفض الرسول »الذهب واللآلئ والثياب الفاخرة«؟ لأنَّها تحمل الكبرياء وسط شعب بسيط، متوسِّط الحال. والمظهر الخارجيّ يُغني مرارًا عن »الأعمال الصالحة« (آ10). فحين تهتمُّ المرأة كثيرًا بنفسها، تنسى »تقوى الله«. هي تريد أن ترضي الناس. والمشاركة في الجماعة المصلِّية، هي قبل كلِّ شيء بحث عن رضى الله.

3- الكاهن ومهمَّة التدبير

»إنَّ الكهنة، وهم يمارسون مهمَّة سلطة المسيح الرأس التي تعود لهم، يَجمعون باسم الأسقف عائلةَ الله التي تُنعشها الوحدة الأخويَّة، ويقودونها بالمسيح في الروح إلى الله الآب. ولممارسة هذه الخدمة والقيام بسائر المهمّات، يُعطى الكاهن سلطة روحيَّة للبنيان. فعلى الجميع أن يتعاطوا مع الجميع في بنيان الكنيسة بإنسانيَّة متناهية إسوة بالربّ، وأن يتعاملوا معهم، لا بحسب الميول البشريَّة، ولكن حسب مقتضيات العقيدة والحياة المسيحيَّة، يعلِّمونهم ويؤنِّبونهم كأبناء أعزّاء...«.

ذاك ما قال المجمع الفاتيكانيّ الثاني في مقطع عنوانه: »الكهنة قادة شعب الله«. واستند إلى كلام الرسول المتكلِّم عن السلطان »الذي وهبه الربُّ لنا لبنيانكم لا لهدمكم« (2 كو 10: 8). أجل، ذاك هو تدبير الكهنة في الرعيَّة. لهذا، فهم لا يتبعون ميولهم: فالرسول لا يحاول أن يرضي الناس، بل الله (غل 1: 10). وإلاَّ لن يكون خادمًا للمسيح. فالمؤمنون ليسوا غرباء، بل هم »أبناء« (1 كو 4: 14)، وبنات الله. ليسوا عبيدًا، بل »أحبّاء«. وهو بهذه الصورة ينصحهم، ويربّي »إيمانهم لبلوغ النضج المسيحيّ«. ويواصل المجمع: »فلا منفعة تُرجى من احتفالات، وإن جميلة، ومن اجتماعات، وإن مزدهرة«. وكلُّ ذلك في خطِّ ما قاله القدّيس جيروم: »ما الفائدة من أنَّ الجدران تلمع بالحجارة الكريمة ساعة المسيح يموت في الفقير؟«

وتبدأ »التربية« على مستوى الإيمان. هناك أوَّلاً التعليم. يزعم بعض المؤمنين أنَّهم معلِّمون، ولكنَّهم »لا يفهمون ما يقولون وما يؤكِّدون« (1 تم 1: 7). يقول فيهم الرسول: »زاغوا... وانحرفوا إلى الكلام الباطل« (آ6). أشارت الرسالة هنا إلى بعض العائدين إلى التعاليم اليهوديَّة التي تذكر »أنسابًا لا نهاية لها« (آ4). كلُّ هذا يثير المجادلات التي لا تَبني الكنيسة، بل تدمِّرها. فمثلُ هذه التعاليم التي يطلقها من يحسبون نفوسهم »معلِّمي الشريعة«، تخالف تعاليمنا. فلماذا نُصغي إليها؟

أين حضور الكاهن؟ وهل يصغون إليه أم إلى كلِّ جديد يأتي إلى الرعيَّة؟ هناك إصغاء فيه المنفعة المادِّيَّة وغيرها. وهناك إصغاء يحاول أن يُقنع المؤمنين أو يملأ فراغًا في قلوبهم على ما قال الرسول: »كيف يسمعون إن لم يكن هناك من يبشِّرهم« (رو 10: 14). إن لم يكن الكاهن هو الذي يبشِّرهم، أو من يعاون الكاهن من الفرق الرسوليَّة. فالآتون من الخارج هم سرّاق ولصوص. هم لا يدخلون من الباب، بل يتسلَّقون من موضع آخر. والراعي غائب عن رعيَّته، وسيأتي وقتٌ يستغني الربُّ عن خدماته. ويحسبه »ذاك الخادم الشرّير الذي يرجع سيِّده في يوم لا ينتظره وساعة لا يعرفها، فيمزِّقه تمزيقًا ويجعل مصيره مع المنافقين« (مت 24: 50-51).

أجل، عمل الكاهن التدبيريّ هو، قبل كلِّ شيء، الدفاع عن الرعيَّة، وإبعاد الخطر المتأتّي عن التعاليم الباطلة. ومع مثل هذه التعاليم، هناك المعلِّمون الكذبة. فتتحدَّث الرسالة عن »أرواح مضلِّلة وتعاليم شيطانيَّة« (1 تم 4: 1). فالشيطان هو ما يعارض الله، وبالتالي شريعته المقدَّسة. في زمن بولس، كانت فئة تدَّعي أنَّها تعرف أمورًا سرِّيَّة لا يعرفها الناس العاديّون: »ينهون عن الزواج وعن أنواع من الأطعمة« (آ2). وفي يومنا، كما في كلِّ الأيّام، كم »من الخرافات الباطلة« (آ7) التي تجعل الناس يضيعون؟ وهكذا يعيشون في الضلال. فإذا كان الكاهن »أبًا« في امتداد أبوَّة الله، فكيف لا يعرف حاجات أولاده؟

الكاهن يحارب التعاليم الضالَّة، وفي الوقت عينه يُطلق التعليم الصحيح. يقول عنه النبيّ حزقيال: يكون في الثغرة، في »سور« المدينة. يدافع، يقوّي، يشجِّع. والكاهن »لا يعيق عمل الروح« (1 تس 5: 19). فالروح يمنح المواهب لهذا وذاك، والكاهن يعرف أن يمتحن كلَّ شيء ليميِّز عمل الروح في المؤمنين. هناك من يعرف أن يعلِّم، فلماذا نمنعه عن التعليم؟ هناك من يعرف كيف يتدبَّر الأمور، فلماذا لا نستفيد من حكمته؟

وتشدِّد 1 تم على الاهتمام بالأرامل. ويقول النصّ: »اللواتي هنَّ حقٌّا أرامل« (5: 3). ويقدِّم الرسول إلى تلميذه النصائح اللازمة. »لا تُكتَب امرأة في سجل الأرامل إلاَّ التي بلغت الستّين سنة، وكانت زوجة رجل واحد، ومشهودًا لها بالعمل الصالح، وربَّت أولادها تربية حسنة، وأضافت الغرباء، وغسلت أقدام الإخوة القدّيسين، وساعدت المنكوبين، وقامت بكلِّ عمل صالح« (آ10).

في الواقع، تلك هي الأعمال التي تقوم بها الراهبة في مجتمعنا، أو الأشخاص الذين صاروا إلى التقاعد في المجتمعات المتطوِّرة. كيف التعامل مع هؤلاء المستعدّين والمستعدَّات للخدمة في الكنيسة؟ هنا يأتي دور الكاهن في الرعيَّة، والأسقف في الأبرشيَّة. هو يتدبَّر الرعيَّة كما الإنسان يتدبَّر بيته، ويقول فيه الربُّ يسوع: »يعطي الخدم الطعام في حينه« (مت 24: 45). لأنَّه »العبد الأمين الحكيم«. فالعبد هو الذي يلتصق بسيِّده، ويعرف مشيئته. وهو الأمين، الثابت على عمله، لا يحيد عمّا طلبه منه سيِّده يمنة ولا يسرة. وأخيرًا هو الحكيم، لا بحكمة البشر، بل بخدمة الله. لا يطلب ما لنفسه، بل ما هو للجماعة. هكذا يكون الراعي »المدبِّر الحكيم«. كما تنشد الجماعات له في بعض احتفالاتها.

الخاتمة

إذا كان تيموتاوس »كاهنًا« على هذا المستوى، يستحقُّ أن يدعوه الرسول »ابني الحقيقيّ في الإيمان«. تلك هي العلاقة بين الأسقف والكاهن، بين الكاهن وكلِّ واحد من الرعيَّة. هي بنوَّة وأخوَّة في الإيمان. ولا يمكن أن تكون العلاقة بين الراعي والرعيَّة كما هي على المستوى البشريّ، حيث الرئيس والمرؤوس، حيث المخافة والتهديد هما اللذان يسيطران. أمّا ما طلب الرسول من تيموتاوس، وما يمكن أن يُطلَب من الكهنة، هو أوَّلاً خدمة الكلمة بالتبشير والإنذار والإرشاد. فالله يرسل كهنته لكي ينبِّهوا الخاطئ، وإن هم لا ينبِّهونه، يُطالَبون، على ما قال الربُّ في النبيّ حزقيال. والخدمة الليتورجيَّة تجعل الإنجيل في صلاة المؤمنين، خلال الاجتماع الأسبوعيّ، يوم الأحد، وفي سائر الاجتماعات. فالربُّ قال بفم نبيِّه: شعبي لا يعرف. لهذا فهو يمضي يبحث حيث يمكن أن يجد معرفة. وبدلاً من أن يمضي إلى »ينبوع المياه الحيَّة« (إر 2: 13) يفتِّش هنا وهناك عن »آبار مشقَّقة لا تمسك الماء«. وأخيرًا، ما طلب الرسول من تيموتاوس، هو الاهتمام بكلِّ فئات الرعيَّة، فيكون كالأب والأمّ معًا. يقسو ساعة القساوة مطلوبة، ويحنو ساعة يجب الحنان. »يا تيموتاوس، احفظ الوديعة«. سلَّمك الربُّ وزنات وفي النهاية يطالبك. ويا ما أحلى حين يقول لك: »أحسنتَ، أيُّها الخادم الصالح الأمين! كنتَ أمينًا على القليل. فسأقيمك على الكثير: أدخل نعيم سيِّدك« (مت 25: 23). أيها الأسقف، أيها الكاهن، أمامك بولس، أمامك تيموتاوس وسائر الذين حملوا البشارة في بداية الكنيسة ولا يزالون يمضون إلى أصقاع عديدة في العالم. أمامنا المثال، فماذا ننتظر لكي نقتدي به!

 
قديم 24 - 03 - 2024, 08:23 AM   رقم المشاركة : ( 155226 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,297

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






يا تيموتاوس إحفظ الوديعة

في الطقوس الشرقيَّة، اعتادت الكنيسة أن تحمِّل الكاهن المرسوم جديدًا، جزءًا من الأجزاء المكرَّسة، فيضمَّها بين يديه حتّى المناولة. ثمَّ يعيدها إلى المذبح. يحملها فتبدأ حياته الكهنوتيَّة. يعيدها، تنتهي حياته على مثال قول الربِّ يسوع: »ما من أحد ينتزع حياتي منّي، بل أضحّي بها راضيًا. فلي القدرة أن أضحّي بها، ولي القدرة أن أستردَّها« (يو 10: 17). ذبيحة يسوع هي بين يدي الكاهن، وهي تسلَّم إليه وديعة لكي يسلِّمها في يوم ربِّنا. »يا تيموتاوس، احفظ الوديعة« (1 تم 6: 20-). أيُّها الكاهن، رسالة يسوع، خدمة يسوع، مشروع يسوع بين يديك. وهو كما »في إناء من خزف لتُبان القوَّة من الله لا منّا« (2 كو 4: 7). يا تيموتاوس، احفظ الوديعة، وديعة الإيمان من كلِّ شائبة، في وجه الضلالة. احفظ الرعيَّة من الأخطار. دبِّرْ بيت الله. المسيح »سلَّمنا« الرسالةَ وعاد إلى الآب، وهو مطمئنّ أنَّها في يد أمينة. ولكن احتاج تيموتاوس إلى من يذكِّره بواجباته كأسقف، ككاهن. فقال له الرسول: »فعليك، أن توصي بهذا وتعلِّم. لا تدع أحدًا يستخفُّ بشبابك. بل كن قدوة للمؤمنين في الكلام والتصرُّف والمحبَّة والإيمان والعفاف« (1 تم 4: 11-12).

كيف يكون تيموتاوس ذاك الكاهن بحسب قلب الربّ؟ في خدمة الكلمة. في تنظيم الصلاة في الكنيسة. في تدبير الرعيَّة بكلِّ فئاتها من الشيوخ إلى الأرامل، والجماعة بشكل عامّ.
 
قديم 24 - 03 - 2024, 08:26 AM   رقم المشاركة : ( 155227 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,297

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






الصلاة الليتورجيَّة

وكتب الرسول إلى تلميذه تيموتاوس: »فأطلبُ قبل كلِّ شيء أن تقيموا الدعاء والصلاة والابتهال والحمد« (1 تم 2: 1). حرفيٌّا: أناشدُ، أتوسَّل. لا أفرض عليكم. ولكنّي أنصحكم بما تفعلون. »الدعاء« أو بالأحرى: الطلب. فالطلب يدلُّ على حاجة، على عوز. نحن »شحّاذون« أمام الله. نتسوَّل. ربَّما لنا، ولكن لأجل الآخرين. وهنا الطلب »من أجل الملوك وأصحاب السلطة«. هم مسؤولون باسم الربّ عن الناس، ليكون السلام في البلاد، والعدالة والحقّ بين الأفراد ثمَّ الصلاة. بالصلاة نتَّصل بالله، نجعل جسرًا بيننا وبينه. نحن بعيدون، نقترب منه. نحن خطأة، نطلب غفرانه. نحن مشتَّتون، نجتمع حوله في المحبَّة له وبعضنا لبعض. وهذا هو الاجتماع الأسبوعيّ للمؤمنين. كان الكلام البولسيّ قاسيًا: »ولا تنقطعوا عن الاجتماع، كما اعتاد بعضكم أن يفعل« (عب 10: 25). من وصايا الله العشر: »قدِّس يوم الربّ« (خر 20: 8). كرِّسْه لله. فهو لا يخصُّك. طلبه الربُّ لكي يرتاح الجميع بمن فيهم العبد والجارية والثور والحمار. وقالت الكنيسة في الوصايا السبع: احفظ يوم الأحد والأعياد المذكورة. وهكذا يأتي المؤمنون. يصلّون معًا. تلك هي الليتورجيّا التي فيها يكون للكاهن الدور الأوَّل.

بعض من جاء من »الغرب« يعتبر الكاهن واحدًا من الجماعة. كلاّ. لا شكَّ في أنَّه مختار من الشعب، ولكنَّ دوره فريد في الليتورجيّا، بحيث لا يستطيع أحد أن يحلَّ محلَّه. هو مختار لما يكون لله فيقدِّم الذبيحة ويجمع المؤمنين حول المسيح »الوسيط بين الله والناس« (1 تم 2: 5). هنا نقرأ بعض ما جاء في المجمع المسكونيّ حول »حياة الكهنة وخدمتهم الرعويَّة«:

»أراد الله، الذي هو وحده قدّوس ومقدَّس، أن يتَّخذ أناسًا بمثابة رفاق ومساعدين ينصرفون إلى عمل الخلاص. ولذا فيكرِّس الله الكهنة، شركاء كهنوت المسيح بصورة مميَّزة، بواسطة الأسقف، لكي يعملوا في الذبيحة الإلهيَّة كخدّام لذاك الذي يتمِّم باستمرار خدمته الكهنوتيَّة بواسطة روحه القدّوس فداء عنّا في الليتورجيّا«.

ولكنَّ عددًا كبيرًا من الكهنة يعتبرون أنَّهم يستطيعون أن يتفرَّدوا في العمل بحيث لا يسمحون للعلمانيّين والعلمانيّات أن يعملوا. ربَّما خوفًا على سلطتهم أو لسبب آخر. يا ليتنا نحن الكهنة نعرف أن نشرك المؤمنين في خدمتنا فتستفيد الكنيسة من مواهبهم! ويا ليت كلَّ مسؤول في الكنيسة، يقول كما قال الرسول حين أحسَّ حوله »بالحسد والمنافسة« (فل 1: 15): »ولكن ما همَّني، ما دام التبشير بالمسيح يتمُّ في كلِّ حال، سواء كان عن إخلاص أو من غير إخلاص« (آ18).

وتتواصل الصلاة الليتورجيَّة في »الابتهال«. فالابتهال في المعنى الأصليّ يتمُّ في اللقاء والحوار والعلاقة الحميمة. نلاحظ هنا كيف يكون الكاهن، لكي يكون قدوة للمؤمنين كما طلب الرسول (4: 12). وقابلَ بين الرياضة البدنيَّة والرياضة التقويَّة. »روِّضْ نفسك بالتقوى. فإذا كان في الرياضة البدنيَّة بعضُ الخير، ففي التقوى كلُّ الخير لأنَّ لها الوعد بالحياة الحاضرة والمستقبلة« (4: 7-8). فالتقوى هي المخافة. والمخافة الصالحة، لا مخافة العبيد من أسيادهم. وهي تعارض الكفر والنجاسة. التقوى تعني الاحترام العميق للإله والحبّ الذي لا يرضى أن يعمل شيئًا لا يُحبُّه المحبوب. التقوى تعني حياة لا عيب فيها. هذه الفضيلة لا تُولَد معنا، بل نقتنيها يومًا بعد يوم، كما الإنسان بالنسبة إلى الرياضة البدنيَّة. وفي هذا المعنى يقول بولس إلى كنيسة كورنتوس: »أما تعرفون أنَّ المتسابقين في الميدان يشتركون كلُّهم في السباق... كلُّ مسابق يمارس ضبط النفس في كلِّ شيء من أجل إكليل يفنى؟ وأمّا نحن، فمن أجل إكليل لا يفنى« (1 كو 24-25). تلك هي التقوى التي يجب أن يصبو إليها تيموتاوس. تلك هي الرياضة، التي ليست فقط لهذه الحياة الحاضرة، بل ترافق المؤمن في الحياة المستقبلة.

ومع الابتهال أو التوسُّل، هناك »الحمد« والشكر. نحن نلنا نعمة، لهذا نرفع الشكر إلى الله. ونحن لا ننسى أنَّ »ذبيحة القدّاس« هي ذبيحة الشكر: إفخارستيّا، التي تعني في اللغة اليونانيَّة العرفان بالجميل. هذا ما يعلِّمه الكاهن للمؤمنين. ونواصل قراءة ما قيل للكهنة: »فالقربان المقدَّس يحوي كلَّ خير الكنيسة الروحيّ، أي المسيح فصحنا والخبز الحيّ الذي يعطي الحياة للبشر بجسده الحيّ والمحيي بالروح القدس. بهذا يُدعَون كلُّهم ويقادون إلى تقدمة أنفسهم وأعمالهم وكلِّ الخليقة مع المسيح. ولذلك فإنَّ القربان يبدو كينبوع التبشير كلِّه وقمَّته...

»فالاجتماع القربانيّ إذًا، هو محور جماعة المؤمنين التي يرئسها الكاهن. يعلِّم الكاهن المؤمنين أن يقدِّموا الذبيح الإلهيّ لله الآب في ذبيحة القدّاس وأن يقدِّموا معه حياتهم...

»... يعلِّمونهم أن يشتركوا في الاحتفالات الطقسيَّة المقدَّسة ليصلوا بها إلى الصلاة المخلصة. ويحملونهم على التعمُّق في روحيَّة الصلاة دون انقطاع، فيتمرَّسون بها طوال حياتهم وفقًا لنعم كلٍّ منهم، فيشوِّقون الكلَّ في أن يكونوا أمينين لواجبات وظيفتهم الخاصَّة، والمتقدِّمين منهم في ممارسة النصائح الإنجيليَّة حسبما تنطبق على كلِّ فرد منهم، وبالتالي يعلِّمون المؤمنين أن يرتِّلوا لله المزامير والتراتيل الروحيَّة في قلوبهم شاكرين دائمًا عن الجميع الله الآب باسم ربِّنا يسوع المسيح«.

أوردنا هذا النصَّ المجمعيّ كلَّه لأنَّه يطلب من الكاهن أن يعلِّم شعبه الصلاة. الصلاة الجماعيَّة والصلاة الفرديَّة. هذا يعني أنَّه يصلّي. ويكفي المؤمنين أن يروه يصلّي لكي يتعلَّموا الصلاة. أما هذا الذي حصل للتلاميذ حين رأوا »يسوع يصلّي في أحد الأماكن«؟ (لو 11: 1). انتظروه لكي يُتمَّ صلاته. ثمَّ »قال له واحد من تلاميذه: يا ربّ، علِّمنا أن نصلّي«. مرَّة قال أحد المؤمنين: نفرح حين ندخل الكنيسة فنرى الكاهن سبقنا وهو يصلّي. كأنّي به ينتظرنا. أمّا من يأتي في الدقيقة الأخيرة، هذا إذا لم يأتِ متأخِّرًا فأي مثل يعطي للرعية؟

والصلاة الليتورجيَّة تتمحور أساسًا حول كلمة الله. كنّا مرَّة في احتفال بيزنطيّ ليلة الميلاد: ساعتين من الأناشيد والصلوات، ولمّا جاء دور كلمة الله، قيل لنا: لا وقت لنا، لهذا لا نقرأ القراءات من الأنبياء والعهد الجديد. وواصلت الجوقة الترتيل. ومرّات عديدة نختار قراءة واحدة، بدون مقدِّمة تهيّئ المؤمنين. وأين العظة؟ فكلام الله يجب أن يصل إلى المؤمنين في الوضع الذي يعيشونه. هذا ما ندعوه: أوَّن. نقرأ الكلمة الآن وكأنَّها تتوجَّه إلينا اليوم. وإلاَّ فما معنى كلام المزمور: اليوم إن سمعتم صوته؟ أو كلام الربّ في مجمع الناصرة: »اليوم تمَّت الكلمة التي تُليت على مسامعكم« (لو 4: 21).

والترتيب في الكنيسة يعني أن يشارك الجميع في الصلاة. في الماضي، كان الشرقيّون يمنعون المرأة من المشاركة في الترتيل. أمّا أفرام السريانيّ فخلق جوقة فيها الشبّان والشابّات. الكلُّ معمَّدون، فلماذا لا يكونون واحدًا حول الكاهن؟ واليوم، انقلبت الآية، ولاسيَّما في بعض الرعايا، فلا نجد سوى النساء أو البنات إن لم نقل الأطفال: يقرأون رسالة القدّيس بولس، ويصفِّق لهم الأهل. في رعيَّة أنطلياس، تبدَّل الوضع. فدعت الجماعة الكهنوتيَّة الدكتور شارل مالك الذي قرأ رسالة القدّيس بولس في القدّاس، وبعد ذلك، فهِمَ المؤمنون أنَّه شرف كبير أن يشارك المؤمنون والمؤمنات في الترتيل، في القراءات وفي الخدم المتنوِّعة.

ويدعو الرسول كلَّ فئة إلى الصلاة. أوَّلاً، الرجال. »أريد أن يصلّي الرجال في كلِّ مكان، رافعين أيديًا طاهرة من غير غضب ولا خصام« (1 تم 2: 8). المعنى الأوَّل، في كلِّ موضع وصل الإنجيل. فالصلاة تعبير عن الإيمان. ونتذكَّر هنا ما قاله الذهبيّ الفمّ عن الرجال الذين كانوا يفضِّلون الذهاب إلى المسرح أو إلى أماكن أخرى، ويتركون النساء وحدهنَّ في الصلاة. أمّا رفعُ الأيدي فعادةٌ ترجع إلى الأزمنة القديمة جدٌّا، ونحن نعتبر أنَّ الله يقيم فوقنا، في السماء: »لتُقَم صلاتي كالبخور أمامك، ورفُعُ يديَّ كتقدمة المساء« (مز 141: 2). ونحن نرفع أيدينا، خلال الليتورجيّا، عند صلاة »الأبانا«. كلُّنا معًا، في حركة واحدة. وأيدينا تكون »طاهرة، نقيَّة«، مقدَّسة، ورعة. والورع هنا يكون على مستوى العمل كما على مستوى الكلام. لهذا كان الكلام عن »الغضب« وما يمكن أن يصدر عنه. على ما قال الربّ: »من غضب على أخيه استوجب حكم القاضي، ومن قال لأخيه: يا جاهل، استوجب حكم المجلس، ومن قال له: يا أحمق، استوجب نار جهنَّم« (مت 5: 22). وبعد الغضب الخصام: »وإذا خاصمك أحد، فسارعْ إلى إرضائه...« (آ25). وفي أيِّ حال، لا يقبل الربُّ ذبيحتك إن كان »لأخيك شيء عليك« (آ24).

والنساء. هنَّ يشاركن في الخدمة، شأنهنَّ شأن الرجال. ففي كنيسة الله، لا رجل ولا امرأة. ولكنْ لهذه المشاركة شروط. أوَّلها الحشمة. تكون المرأة في لباس لائق. وكيف تكون الزينة؟ لا تلك الخارجيَّة، بل تلك المميَّزة »بالحياء والوقار« (1 تم 2: 9). لماذا رفض الرسول »الذهب واللآلئ والثياب الفاخرة«؟ لأنَّها تحمل الكبرياء وسط شعب بسيط، متوسِّط الحال. والمظهر الخارجيّ يُغني مرارًا عن »الأعمال الصالحة« (آ10). فحين تهتمُّ المرأة كثيرًا بنفسها، تنسى »تقوى الله«. هي تريد أن ترضي الناس. والمشاركة في الجماعة المصلِّية، هي قبل كلِّ شيء بحث عن رضى الله.
 
قديم 24 - 03 - 2024, 08:28 AM   رقم المشاركة : ( 155228 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,297

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






الكاهن ومهمَّة التدبير

»إنَّ الكهنة، وهم يمارسون مهمَّة سلطة المسيح الرأس التي تعود لهم، يَجمعون باسم الأسقف عائلةَ الله التي تُنعشها الوحدة الأخويَّة، ويقودونها بالمسيح في الروح إلى الله الآب. ولممارسة هذه الخدمة والقيام بسائر المهمّات، يُعطى الكاهن سلطة روحيَّة للبنيان. فعلى الجميع أن يتعاطوا مع الجميع في بنيان الكنيسة بإنسانيَّة متناهية إسوة بالربّ، وأن يتعاملوا معهم، لا بحسب الميول البشريَّة، ولكن حسب مقتضيات العقيدة والحياة المسيحيَّة، يعلِّمونهم ويؤنِّبونهم كأبناء أعزّاء...«.

ذاك ما قال المجمع الفاتيكانيّ الثاني في مقطع عنوانه: »الكهنة قادة شعب الله«. واستند إلى كلام الرسول المتكلِّم عن السلطان »الذي وهبه الربُّ لنا لبنيانكم لا لهدمكم« (2 كو 10: 8). أجل، ذاك هو تدبير الكهنة في الرعيَّة. لهذا، فهم لا يتبعون ميولهم: فالرسول لا يحاول أن يرضي الناس، بل الله (غل 1: 10). وإلاَّ لن يكون خادمًا للمسيح. فالمؤمنون ليسوا غرباء، بل هم »أبناء« (1 كو 4: 14)، وبنات الله. ليسوا عبيدًا، بل »أحبّاء«. وهو بهذه الصورة ينصحهم، ويربّي »إيمانهم لبلوغ النضج المسيحيّ«. ويواصل المجمع: »فلا منفعة تُرجى من احتفالات، وإن جميلة، ومن اجتماعات، وإن مزدهرة«. وكلُّ ذلك في خطِّ ما قاله القدّيس جيروم: »ما الفائدة من أنَّ الجدران تلمع بالحجارة الكريمة ساعة المسيح يموت في الفقير؟«

وتبدأ »التربية« على مستوى الإيمان. هناك أوَّلاً التعليم. يزعم بعض المؤمنين أنَّهم معلِّمون، ولكنَّهم »لا يفهمون ما يقولون وما يؤكِّدون« (1 تم 1: 7). يقول فيهم الرسول: »زاغوا... وانحرفوا إلى الكلام الباطل« (آ6). أشارت الرسالة هنا إلى بعض العائدين إلى التعاليم اليهوديَّة التي تذكر »أنسابًا لا نهاية لها« (آ4). كلُّ هذا يثير المجادلات التي لا تَبني الكنيسة، بل تدمِّرها. فمثلُ هذه التعاليم التي يطلقها من يحسبون نفوسهم »معلِّمي الشريعة«، تخالف تعاليمنا. فلماذا نُصغي إليها؟

أين حضور الكاهن؟ وهل يصغون إليه أم إلى كلِّ جديد يأتي إلى الرعيَّة؟ هناك إصغاء فيه المنفعة المادِّيَّة وغيرها. وهناك إصغاء يحاول أن يُقنع المؤمنين أو يملأ فراغًا في قلوبهم على ما قال الرسول: »كيف يسمعون إن لم يكن هناك من يبشِّرهم« (رو 10: 14). إن لم يكن الكاهن هو الذي يبشِّرهم، أو من يعاون الكاهن من الفرق الرسوليَّة. فالآتون من الخارج هم سرّاق ولصوص. هم لا يدخلون من الباب، بل يتسلَّقون من موضع آخر. والراعي غائب عن رعيَّته، وسيأتي وقتٌ يستغني الربُّ عن خدماته. ويحسبه »ذاك الخادم الشرّير الذي يرجع سيِّده في يوم لا ينتظره وساعة لا يعرفها، فيمزِّقه تمزيقًا ويجعل مصيره مع المنافقين« (مت 24: 50-51).

أجل، عمل الكاهن التدبيريّ هو، قبل كلِّ شيء، الدفاع عن الرعيَّة، وإبعاد الخطر المتأتّي عن التعاليم الباطلة. ومع مثل هذه التعاليم، هناك المعلِّمون الكذبة. فتتحدَّث الرسالة عن »أرواح مضلِّلة وتعاليم شيطانيَّة« (1 تم 4: 1). فالشيطان هو ما يعارض الله، وبالتالي شريعته المقدَّسة. في زمن بولس، كانت فئة تدَّعي أنَّها تعرف أمورًا سرِّيَّة لا يعرفها الناس العاديّون: »ينهون عن الزواج وعن أنواع من الأطعمة« (آ2). وفي يومنا، كما في كلِّ الأيّام، كم »من الخرافات الباطلة« (آ7) التي تجعل الناس يضيعون؟ وهكذا يعيشون في الضلال. فإذا كان الكاهن »أبًا« في امتداد أبوَّة الله، فكيف لا يعرف حاجات أولاده؟

الكاهن يحارب التعاليم الضالَّة، وفي الوقت عينه يُطلق التعليم الصحيح. يقول عنه النبيّ حزقيال: يكون في الثغرة، في »سور« المدينة. يدافع، يقوّي، يشجِّع. والكاهن »لا يعيق عمل الروح« (1 تس 5: 19). فالروح يمنح المواهب لهذا وذاك، والكاهن يعرف أن يمتحن كلَّ شيء ليميِّز عمل الروح في المؤمنين. هناك من يعرف أن يعلِّم، فلماذا نمنعه عن التعليم؟ هناك من يعرف كيف يتدبَّر الأمور، فلماذا لا نستفيد من حكمته؟

وتشدِّد 1 تم على الاهتمام بالأرامل. ويقول النصّ: »اللواتي هنَّ حقٌّا أرامل« (5: 3). ويقدِّم الرسول إلى تلميذه النصائح اللازمة. »لا تُكتَب امرأة في سجل الأرامل إلاَّ التي بلغت الستّين سنة، وكانت زوجة رجل واحد، ومشهودًا لها بالعمل الصالح، وربَّت أولادها تربية حسنة، وأضافت الغرباء، وغسلت أقدام الإخوة القدّيسين، وساعدت المنكوبين، وقامت بكلِّ عمل صالح« (آ10).

في الواقع، تلك هي الأعمال التي تقوم بها الراهبة في مجتمعنا، أو الأشخاص الذين صاروا إلى التقاعد في المجتمعات المتطوِّرة. كيف التعامل مع هؤلاء المستعدّين والمستعدَّات للخدمة في الكنيسة؟ هنا يأتي دور الكاهن في الرعيَّة، والأسقف في الأبرشيَّة. هو يتدبَّر الرعيَّة كما الإنسان يتدبَّر بيته، ويقول فيه الربُّ يسوع: »يعطي الخدم الطعام في حينه« (مت 24: 45). لأنَّه »العبد الأمين الحكيم«. فالعبد هو الذي يلتصق بسيِّده، ويعرف مشيئته. وهو الأمين، الثابت على عمله، لا يحيد عمّا طلبه منه سيِّده يمنة ولا يسرة. وأخيرًا هو الحكيم، لا بحكمة البشر، بل بخدمة الله. لا يطلب ما لنفسه، بل ما هو للجماعة. هكذا يكون الراعي »المدبِّر الحكيم«. كما تنشد الجماعات له في بعض احتفالاتها.

الخاتمة

إذا كان تيموتاوس »كاهنًا« على هذا المستوى، يستحقُّ أن يدعوه الرسول »ابني الحقيقيّ في الإيمان«. تلك هي العلاقة بين الأسقف والكاهن، بين الكاهن وكلِّ واحد من الرعيَّة. هي بنوَّة وأخوَّة في الإيمان. ولا يمكن أن تكون العلاقة بين الراعي والرعيَّة كما هي على المستوى البشريّ، حيث الرئيس والمرؤوس، حيث المخافة والتهديد هما اللذان يسيطران. أمّا ما طلب الرسول من تيموتاوس، وما يمكن أن يُطلَب من الكهنة، هو أوَّلاً خدمة الكلمة بالتبشير والإنذار والإرشاد. فالله يرسل كهنته لكي ينبِّهوا الخاطئ، وإن هم لا ينبِّهونه، يُطالَبون، على ما قال الربُّ في النبيّ حزقيال. والخدمة الليتورجيَّة تجعل الإنجيل في صلاة المؤمنين، خلال الاجتماع الأسبوعيّ، يوم الأحد، وفي سائر الاجتماعات. فالربُّ قال بفم نبيِّه: شعبي لا يعرف. لهذا فهو يمضي يبحث حيث يمكن أن يجد معرفة. وبدلاً من أن يمضي إلى »ينبوع المياه الحيَّة« (إر 2: 13) يفتِّش هنا وهناك عن »آبار مشقَّقة لا تمسك الماء«. وأخيرًا، ما طلب الرسول من تيموتاوس، هو الاهتمام بكلِّ فئات الرعيَّة، فيكون كالأب والأمّ معًا. يقسو ساعة القساوة مطلوبة، ويحنو ساعة يجب الحنان. »يا تيموتاوس، احفظ الوديعة«. سلَّمك الربُّ وزنات وفي النهاية يطالبك. ويا ما أحلى حين يقول لك: »أحسنتَ، أيُّها الخادم الصالح الأمين! كنتَ أمينًا على القليل. فسأقيمك على الكثير: أدخل نعيم سيِّدك« (مت 25: 23). أيها الأسقف، أيها الكاهن، أمامك بولس، أمامك تيموتاوس وسائر الذين حملوا البشارة في بداية الكنيسة ولا يزالون يمضون إلى أصقاع عديدة في العالم. أمامنا المثال، فماذا ننتظر لكي نقتدي به!
 
قديم 24 - 03 - 2024, 08:37 AM   رقم المشاركة : ( 155229 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,297

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة






المقابلتان الخامسة والسادسة

في الأصحاح السابع عشر أسهب الحكيم في حديثه عن الضربة التاسعة التي تُعتبر الإنذار الأخير قبل قتل أبكار المصريين. لقد أوضح الكاتب أن الخطر قد صار على الأبواب. وكان يليق بالمصريين أن يدركوا خطورة الظلمة الداخلية خلال ضربة الظلمة غير الطبيعية من جوانب كثيرة. الآن يكمل حديثه عن المقابلة الخامسة ألا وهي تمتع المؤمنون بنورٍ إلهيٍ يكشف عن إقامة ملكوت إلهي داخل القلب، يقابل إقامة مملكة ظلمة شيطانية داخل غير المؤمن.
ثم يتحدث عن الضربة الأخيرة ألا وهي قتل الأبكار يقابلها نجاة المؤمنين، ولكن ليس في محاباة، إنما متى أخطأوا يسقطوا تحت التأديب.


1. تكملة المقابلة الخامسة (نور الرب لقديسيه).

أ. نور إلهي


1 أَمَّا قِدِّيسُوكَ فَكَانَ عِنْدَهُمْ نُورٌ عَظِيمٌ، وَكَانَ أُولئِكَ يَسْمَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِغَيْرِ أَنْ يُبْصِرُوا أَشْخَاصَهُمْ، وَيَغْبِطُونَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ لاَ يُقَاسُونَ مِثْلَ حَالِهِمْ،

أما قديسوكَ فكان عندهم نورٌ عظيم،
وكان أولئك الذين يسمعون أصواتهم من غير أن يبصروا اشكالهم،
يغبِّطونهم على أنهم لم يقاسوا العذاب. [1]
برع أغلب قدماء المصريين في العلوم والفنون والثقافة. لكن للأسف سقطوا في العبادة الوثنية، وما يتبعها من عادات شريرة وتصرفات غير لائقة، فصاروا بإرادتهم أبناء الظلمة، لذا حلت بهم ضربة الظلام. الآن إذ يتحدث في مقابل ذلك ما يتمتع به المؤمنون من نورٍ إلهي، يدعوهم قديسين.
ما يشغل قلب الكاتب ليس تمتع القديسين بنور الشمس، بل بالنور الإلهي، نور شمس البرّ الذي يقدم لهم عبورًا للحياة السماوية وسط ضيقات هذا العالم.
لأنهم تقدسوا وتخصصوا لله. وكانوا يعبدون الله، إذ كان لهم نور في منطقتهم، يتحركون بكامل الحرية، يمارسون حياتهم بفرحٍ وبهجة قلبٍ.
يبرز الحكيم النور الداخلي المشرق في قلوب القديسين، ألا وهو نور الحب الإلهي. فإنهم إذ كانوا يمارسون حياتهم اليومية بجد واجتهاد ويعبدون الرب، وسط النور العظيم، كان جيرانهم من الوثنيين يشعرون بتحركاتهم ولا يبصرونهم. ومع هذا لم يحمل القديسون أية شماتة أو بغضة أو رغبة في الانتقام، ولا تحركوا لمضايقتهم سواء بالكلام أو السلوك، لقد شعر الأشرار بالفارق العظيم بين تعاستهم وبين فرح القديسين الذين يتقون الله، وبين قلوبهم القاسية وطول أناة القديسين عليهم. كانوا يشكرون القديسين ويطلبون منهم المغفرة على ما صدر منهم.
* لو لم يكن الابن وحده هو النور الحقيقي، وكانت المخلوقات تشترك معه في هذه السمة أيضًا... فلماذا يصرخ القديسون بصوتٍ عالٍ، طالبين من الله: "أرسل نورك وحقك" (مز 3:43)...؟ إن كان الإنسان غير محتاج إلى الكلمة الذي ينير، فلأي هدف يطلب منه القديسون أن ينيرهم، إن كان لا يستطيع أن يعينهم؟
إذن، الابن الوحيد الجنس مختلف بالطبيعة عن المخلوقات، إذ هو النور الذي يضيء للذين بلا نور...
إذا كنا نحتاج إلى النور من آخر، فنحن بكل وضوح لسنا النور الحقيقي. لذلك ليس لنا نحن ذات طبيعة الكلمة، هذا الذي بالطبيعة يفوقنا بغير قياس.
* ليس النور هو المسئول عن مرض غير المستنيرين، لأنه كما يُشرق نور الشمس على الكل، ولا يستفيد منه الأعمى دون أن نلوم الشمس، وإنما نلوم المرض الذي أصاب العينين، هكذا أنار الكلمة، ولكن الخليقة المريضة لم تقبل النور. هكذا النور الحقيقي، الابن الوحيد، الذي ينير الكل، لكن "إله هذا الدهر" كما يقول بولس: "أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا يضيء لهم نور معرفة الله ويشرق عليهم" [4].
القديس كيرلس الكبير
* إذ نعرف أن المسيح هو النور الحقيقي (يو 9:1)، ليس فيه بطلان (1 تي 16:6)، نتعلم هذا: أنه من الضروري لحياتنا أيضًا أن تستنير بأشعة النور الحقيقي. لكن الفضائل هي أشعة شمس البرّ (ملا 20:3) تنبعث لإنارتنا، خلالها نخلع أعمال الظلمة (رو 12:13) حتى نسلك بلياقة كما في النهار (رو 13:3)، ونرفض خفايا الخزي. إذ نفعل كل شيء في النور نصير النور ذاته، الذي يشرق على الآخرين (مت 15:5-16)، وهو نوع مميز من النور. وإن عرفنا المسيح أنه "تقديس" (1 كو 30:1)، الذي فيه كل عمل يكون راسخًا ونقيًا، فلنبرهن بحياتنا أننا نحن أنفسنا مشاركون حقيقيون في اسمه، نتناغم في الفعل والكلام مع قوة تقديسه.
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
* إن كانت الحياة تعادل "نور الناس"، فإنه ليس أحد في الظلمة هو حي، وليس أحد حي هو في الظلمة، بل كل من هو حي هو أيضًا في النور، وكل من في النور هو حي. لهذا فإن من هو حي وحده هو ابن النور، وابن النور هو ذاك الذي تشرق أعماله أمام الناس (مت 5: 16).
* يقول بولس إنه كان قبلًا "ظلمة والآن نور في الرب" (1 كو 2: 14 - 15). هكذا يمكن للظلمة أن تتحول إلى نور. إنه ليس من الصعوبة لمن يدرك إمكانية كل إنسان أن يتغير إلى ما هو أسوأ أو ما هو أفضل.
* إنه يمكن لمن يملك نور الناس ويشترك في أشعته أن يحقق أعمال النور ويعرف نور المعرفة (هو 10: 12) LXX لأنه مستنير. لكن يلزمنا أيضًا أن نأخذ بعين الاعتبار الحالة التي للضد، أي أن كل من الأعمال الشريرة والمدعوة معرفة ليست حسب الحق، هذه تملك أسس الظلمة.
العلامة أوريجينوس
ب. شمس فريدة غير مؤذية

2 وَيَشْكُرُونَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ لاَ يُؤْذُونَ، الَّذِينَ قَدْ ظَلَمُوهُمْ وَيَسْتَغْفِرُونَهُمْ مِنْ مُعَادَاتِهِمْ لَهُمْ. 3 وَبِإِزَاءِ ذلِكَ جَعَلْتَ لِهؤُلاَءِ عَمُودَ نَارٍ، دَلِيلًا فِي طَرِيقٍ لَمْ يَعْرِفُوهُ، شَمْسًا لِتِلْكَ الضِّيَافَةِ الْكَرِيمَةِ لاَ أَذَى بِهَا.

ويشكرونهم على أنهم لا يؤذون، بعد أن ظُلموا،
ويستغفرونهم من معاداتهم لهم. [2]
بدل الظلمة جعلت لهؤلاء عمودً نارٍ،
مرشدًا في رحلةٍ لم يعرفوها،
وشمسًا لا تؤذي في تجوالهم المجيد. [3]
نظرة مفرحة للحكيم إذ يرى القديسين -حسب تعبيره- في وسط البرية في ضيافة الله نفسه، يقودهم كعمود نورٍ يبعث فيهم فرحه حتى وسط الليل. ضيافة إلهية في طريق البرية الذي لم يكونوا يعرفونه، فتحولت البرية إلى سماءٍ مبهجةٍ، ليس تحت رعاية ملائكة فحسب، بل رب الملائكة نفسه!
بقوله "لا تؤذي" يقصد أن الشمس المادية مع أهميتها العظمى، لكن إن دامت فترة طويلة قد تؤذي من يتعرض لها بما يدعى "ضربة شمس". ولعل اليهود كانوا يعانون من الشمس. فمن جانب كان المصريون يدفعونهم على عبادة الإله رع "الشمس" بضغوط كثيرة. هذا ومن جانب آخر فإنه ما أن تشرق حتى يبدأوا في أعمال السُّخْرَة ويعانوا من الظلم الساقطين تحته، ويبقوا هكذا حتى الغروب، فارتبطت الشمس بالمذلة والعنف والمعاناة من الظلم.
ج. نور الشريعة الإلهية

4 أَمَّا أُولئِكَ فَكَانَ جَدِيرًا بِهِمْ أَنْ يَفْقِدُوا النُّورَ، وَيُحْبَسُوا فِي الظُّلْمَةِ، لأَنَّهُمْ حَبَسُوا بَنِيكَ الَّذِينَ بِهِمْ سَيُمْنَحُ الدَّهْرُ نُورَ شَرِيعَتِكَ الْغَيْرَ الْفَانِي.

أما أولئك فكانوا يستوجبون أن يفقدوا النور،
ويحبَسوا في الظلمة لأنهم حبسوا أبناءك،
الذين سيُمنحُ العالم بهم نور الشريعةَ غير القابلِ للفساد. [4]
حُبس المصريون الوثنيون في سجن الظلمة، لأنهم حبسوا بني الله الذين يأتي منهم السيد المسيح النور الأبدي غير الفاني، المشرق على الجالسين في الظلمة!
بينما يحبس الأشرار أنفسهم في سجن هو من صنعهم يتمتع القديسون الحكماء بنورٍ عظيمٍ، "جعلت لهؤلاء عمود نورٍ دليلًا في طريق لم يعرفوه، شمسًا لتلك الضيافة الكريمة لا أذى بها" (حك 3:18).
يرى الكاتب في خروج الشعب من مصر إلى أرض الموعد تمتعهم في الطريق باستلام الشريعة على جبل سيناء خلال موسى النبي، بكونها نورًا يهدي البشرية إلى التمتع بكلمة الله المتجسد، شمس البرّ.
* ينير الكتاب أعين النفس فاقرأه أيها العاقل، وامتلئ من حبّه. فمن قراءة الأسفار المقدسة تشرق الشمس على العقول التي تتغذى منها بتمييز.
لقد وضع الله الأسفار المقدسة في العالم كسراج نورٍ تضيء ظلمته. فالذي يحبّ نفسه يستنير بالقراءة، ويسير على هداها.
اقترب من الكتاب بحبٍ، تأمل جماله. لن تستفيد بدون الحب، لأن الحب هو مدخل الفهم.
يفرض الكتاب حبَّك، فإن كنت لا تحبه فلا تقرأه. إنه يكلمك، فإن ضجرت في قرائته حرمك من إيمائاته.
يجب أن تحبَّه وتفتحه وتقرأه وتتأمل جماله، وإلا فلا تقرأه، لأنك إن كنت لا تحبَّه لن تستفيد منه.
القديس مار يعقوب السروجي
* سواء خلص الإنسان أم هلك فإن الإنجيل يبقى في قوته. النور حتى وإن أعمى أحدًا فهو نور. والعسل وإن كان مرًا بالنسبة للمرضى لا يزال حلوًا. هكذا الإنجيل له رائحة ذكية للكل حتى إن هلك الذين لم يؤمنوا به.
* إن ضاع إنسان لا يلوم إلا نفسه. فالطيب الملطف يُقال إنه يخنق الخنازير. النور يعمي الضعفاء. ففي طبيعة الأمور الصالحة ليس فقط أن تُصلح من يلتصق بها، بل وتحطم المقاوم لها، هكذا تعمل قوتها.
القديس يوحنا الذهبي الفم





2. المقابلة السادسة: الليلة المفجعة وليلة الخلاص.

أ. من يقتل يُقتل


5 وَلَمَّا ائْتَمَرُوا أَنْ يَقْتُلُوا أَطْفَالَ الْقِدِّيسِينَ، وَعُرِّضَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِذلِكَ ثُمَّ خُلِّصَ، عَاقَبْتَهُمْ أَنْتَ بِإِهْلاَكِ جُمْهُورِ أَوْلاَدِهِمْ، ثُمَّ دَمَّرْتَهُمْ جَمِيعًا فِي الْمَاءِ الْغَامِرِ.

* وبالمثل أصبح المصريون غير قادرين على التمييز بين الليل والنهار، وأصبحوا يعيشون في ظلامٍ لا يتغير (خر 10: 21-23). ولكن لم يحدث شيء غير عادي للعبرانيين. وهكذا كان الأمر مع كل الأشياء الأخرى: البرد والنار والدمامل (البثور) وذباب الماشية والبعوض وسحابة الجراد، وكان لكل من هذه أثرها الطبيعي على المصريين. وعلم العبرانيون الكوارث التي حدثت لجيرانهم بالسمع، حيث أنه لم يحدث لهم شيء مماثل. ثم زادت حدة التمييز بين المصريين والعبرانيين في ضربة موت الأبكار (خر 11-46؛ 12: 29-31). وأصيب المصريون بالصدمة، وأخذوا ينوحون على فقد أعز أولادهم بينما استمر العبرانيون يعيشون في هدوء وأمان تامين، وتأكد لهم الخلاص بسفك الدم (عب 11: 28). وفي كل مدخل بيت تم تمييز قائمتي الباب والعتبة العليا الموصلة بينهما بالدم.
القديس غريغوريوس النيسي
بعد الضربات التسع التي حلت بفرعون وشعبه، والتي لم تحل بشعب الله، بل سندتهم وسط ضيقتهم الشديدة، جاءت الليلة الحاسمة. في هذه الليلة تغيرت الموازين تمامًا. كان في خطة فرعون إبادة شعب الله، وكان يظن أنه ليس من يقدر أن ينجو من يديه. فقد أصدر أمره بقتل كل أطفالهم الذكور، حتى يتحولوا إلى جماعة من النساء بلا رجال؛ تعمل النساء كجاريات لدى المصريين، وعلى المدى البعيد لا يوجد نسل عبراني، فلا يصير للجماعة وجود نهائيًا.
في هذه الليلة ما حدث فجأة وفي لحظات أن فقد كل المصريين أبكارهم! تعرضوا لضربة لم تكن في حسبانهم أو حسبان أحد قط، حولت أرض مصر إلى مناحة عامة، وليس من معزٍ، ولا من معينٍ!
ب. خطة إلهية

5 وَلَمَّا ائْتَمَرُوا أَنْ يَقْتُلُوا أَطْفَالَ الْقِدِّيسِينَ، وَعُرِّضَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِذلِكَ ثُمَّ خُلِّصَ، عَاقَبْتَهُمْ أَنْتَ بِإِهْلاَكِ جُمْهُورِ أَوْلاَدِهِمْ، ثُمَّ دَمَّرْتَهُمْ جَمِيعًا فِي الْمَاءِ الْغَامِرِ. 6 وَتِلْكَ اللَّيْلَةُ قَدْ أُخْبِرَ بِهَا آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ، لِكَيْ تَطِيبَ نُفُوسُهُمْ، لِعِلْمِهِمِ الْيَقِينِ مَا الأَقْسَامُ الَّتِي يَثِقُونَ بِهَا. 7 فَفَازَ شَعْبُكَ بِخَلاَصِ الصِّدِّيقِينَ وَهَلاَكِ الأَعْدَاءِ. 8 فَإِنَّ الَّذِي عَاقَبْتَ بِهِ الْمُقَاوِمِينَ، هُوَ الَّذِي جَذَبْتَنَا بِهِ إِلَيْكَ وَمَجَّدْتَنَا.

ولمَّا عزَموا على قتل أطفالِ القديسين،
وخُلِّص طفلٌ واحدٌ منهم بعد أن عُرِّض لذلك،
انتزعتَ جمهور أولادهم لتعاقِبَهم،
وأهلكتهم جميعًا في الماء الجارف. [5]
قتلوا الأطفال الأبرياء، وسخَّروا الكل لخدمتهم، وظنوا؛ أنه ليس من مدافعٍ لمن لا قوة لهم ولا جيشً. ولكن السماء لا تترك عصا الخطاة تستقر على الصديقين.
قتلوا الأطفال الأبرياء فكان من ثمر ذلك قتل أبكارهم في ليلة واحدة!
إن كان كل الأطفال قد تعرضوا للقتل، فإن أحدهم تعرض لذلك فألقى في النهر. لكن الوسيلة التي كانت للهلاك صارت للخلاص، فقد انتشلته ابنة فرعون وربته في القصر، ولم تدر أنه القائد المُعد من قبل الله لتحرير العبرانيين من عبودية فرعون. في الماء الذي غرقت فيه جيوش فرعون خرج منه هذا الطفل القائد.
وتلك الليلة أُخبرَ بها آباؤنا من قبلُ
لكي تُطيب نُفوسهم،
لعِلمِهم اليقينِ بأيَّة أقسامٍ وثقوا. [6]
سبق فأخبر الله موسى النبي عما سيحدث، فما حدث لم يكن وليد مصادفة كما يظن البعض أحيانًا. كان عنصر المفاجأة بالنسبة للأشرار يزيد من حدة الضيقة، وكان إدراك القديسين مقدمًا ما سيحدث أعطاهم ثقة أعظم في عمل الله، وحوَّل حياتهم إلى حياة متهللة شاكرة لله ومسبحة.
لقد طابت نفوسهم، إذ أدركوا يقين أمانة الله في دعوته لمؤمنيه.
فتوَقَّع شعبُك خلاصَ الأبرار وهلاك الأعداء. [7]
لم ينم الشعب تلك الليلة، إذ كان مترقبًا بإيمان وثقة أن ما أعلنه الله حتمًا يتحقق: خلاص للأبرار، وهلاك للأشرار!
لأن ما عاقَبتَ به أعداءنا
صار لنا موضع مجدنا بدعوتِك لنا. [8]
تهلل الشعب وسبح ليس لشهوة انتقام من مقاوميهم، وإنما لاعتزازهم بتحقيق وعود الله الصادقة أنه ملجأ لمؤمنيه وسند لهم.
يجلب الأشرار الضربات عليهم، ويصير ما هو هلاك لهم خلاصًا للصديقين.
ج. حزن يتحول إلى تسبيح

9 فَإِنَّ الْقِدِّيسِينَ بَنِي الصَّالِحِينَ كَانُوا يَذْبَحُونَ خُفْيَةً، وَيُوجِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ شَرِيعَةَ اللهِ هذِهِ أَنْ يَشْتَرِكَ الْقِدِّيسُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ عَلَى السَّوَاءِ. وَكَانُوا يُرَنِّمُونَ بِتَسَابِيحِ الآبَاءِ،

فإن بني الصالحين القديسين كانوا يذبحون خُفيةُ،
وأجمعوا على إقامة هذه الشريعة الإلهية،
أن يشترك القديسون في الخيرات والمخاطر على السواء،
وكانوا منذ ذلك الحين ينشدون أناشيد الآباء. [9]
يقصد بالصالحين القديسين إبراهيم اسحق ويعقوب وغيرهم من الآباء، فقد استلم الشعب عن آبائهم تقديم ذبائح للرب. وإذ مُنعوا كانوا يقدمونها خفية. فقد أدركوا ما لهذه الشريعة الخاصة بتقديم ذبائح حيوانية من أهمية، فأصروا بالإجماع ألا يتوقفوا عن تقديمها.
هنا يقدم لنا بعض ملامح هذا الشعب المُستعبد، والساقط تحت السخرة:
أولًا: أصروا على الحياة والعبادة كما استلموها من آبائهم، حتى يتمتعوا بحب الله وتحقيق وعوده لآبائهم.
ثانيًا: في وسط المذلة كانوا يحملون روحًا واحدة، فكانوا يجمعون على تقديم العبادة بفكرٍ واحد تسلموا طقوسها عن الأجيال السالفة.
ثالثًا: أن يمارسوا حياة جماعية في التمتع معًا بالخيرات واحتمال والضيقات.
رابعًا: اتسم هذا المجتمع المتغرب والساقط تحت العبودية بروح الرجاء والتهليل، إذ كانوا بالفعل قبل ظهور موسى لاستلام العمل القيادي ينشدون تسابيح أو أناشيد الآباء.
هذه الصورة البهية لم يحدثنا عنها موسى النبي في سفر الخروج، لأن ما كان يشغله الكشف عن برّ الله العامل للخلاص، وتدبيره الإلهي الفائق.
أبرز الكاتب أنهم كانوا بالفعل قبل حدوث الخلاص في تلك الليلة ينشدون تسابيح الخلاص، بروح الجماعة في رجاء حيَّ.
د. تأديب شامل

10 وَقَدْ رَفَعَ الأَعْدَاءُ جَلَبَةَ أَصْوَاتِهِمْ بِالْبُكَاءِ وَالنَّحِيبِ عَلَى أَطْفَالِهِمْ. 11 وَكَانَ قَضَاءٌ وَاحِدٌ عَلَى الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى، وَضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ نَالَتِ الشَّعْبَ وَالْمَلِكَ.

وكانت جلَبَةُ الأعداء الناشزةُ تردُّ عليهم،
وصوت الباكين على أطفالهم بالنحيب ينتشرُ في كل اتجاهٍ. [10]
جاءت الكارثة شاملة كل المصريين، فهو تأديب جماعي، لا يخلو بيت من بكر لهم يموت، خاصة وأن المجتمع في ذلك الحين كان يتميز بنظام الأسرة الكبير. ففي البيت الواحد يموت أكثر من بكر، حيث اعتاد الإخوة المتزوجون أن يعيشوا معًا في دارٍ كبيرة!
مع وحدة السكن ووحدة التجربة لم تكن هناك مشاركة جماعية للتعزية، ليس من شخصٍ لم تُصب أسرته في هذه الضيقة.
بينما كان الأبرار وسط ضيقتهم ينشدون معًا بروح واحدة في تناغم فيما بينهم، كما في تناغمٍ مع آبائهم، إذا بغير المؤمنين يصدرون أصوات نشاز رهيبة وصرخات مرة، بسبب قتل أبكارهم. لقد امتلأت بقاع مصر من صوت النحيب بسبب موت أبنائهم. ومع أن الكارثة التي حلت بهم مشتركة لكن الأصوات تمثل ضوضاء بلا انسجام.
الكنيسة حتى في وسط آلامها تتمتع بالوحدة في الروح بعمل الروح القدس، أما الأشرار فحتى أن اتفقوا على مقاومة الكنيسة يصدرون أصواتًا متعارضة ليس فيها تناغم.
وكان العقاب الواحد يُصيب العبد والسيد،
وكان ابن الشعب والملك يعانيان العذاب الواحد. [11]
لقد ميزَّ فرعون نفسه عن رجال قصره، ورجال قصره عن الشعب المصري. وجاء استغلال العبرانيين للعبيد لصالح الفئات الغنية. لكن إذ حمل الكل مشاعر كراهية وشماتة، وربما اشترك الشعب في تسخير العبرانيين واستغلالهم، إذا بالتجربة التي حلت لتأديبهم واحدة. لقد أراد الله أن يدرك الإنسان أن البشرية كلها متساوية في عيني الله. فليس عند الله محاباة لصاحب سلطان أو لسيدٍ أو غنيٍ.
ه. ميتة مُرَّة

12 وَكَانَ لِكُلِّهِمْ أَجْمَعِينَ أَمْوَاتٌ لاَ يُحْصَوْنَ قَدْ مَاتُوا مِيتَةً وَاحِدَةً، حَتَّى إِنَّ الأَحْيَاءَ لَمْ يَكْفُوا لِدَفْنِ الْمَوْتَى، إِذْ فِي لَحْظَةٍ أُبِيدَ نَسْلُهُمُ الأَعَزُّ.

ماتوا كلهم ميتة واحدة،
فكان لهم جثث لا تُحصى،
حتى إن الأحياء لم يَكْفوا حتى لدفنهم،
إذ في لحظة أُبيد أعزُّ نسلِهم. [12]
صدرت الأوامر الملكية للقابلتين أن يقتلا سرًا أطفال العبرانيين أثناء ولادتهم، وصدر الأمر الإلهي بتأديب الأشرار بقتل الأبكار في ليلة واحدة بضربة واحدة.
من كثرة الموتى لم يوجد عدد كاف من الشباب لحمل الموتى ودفنهم، فانكسرت قلوب الشعب إذ صارت الجثث أمامهم، مع عجز عن دفنهم.
* عندئذ يصل الملاك ليضرب مصر، التي لم تكن مطّلعة على السّر، ولا مشاركة في الفصح، ولا مختومة بالدم، ولا في حماية الروح، العدوّة غير المؤمنة، ضربها في ليلة واحدة وحرمها أولادها. فقد هجم الملاك على مصر، بعد أن جال بين إسرائيل ورﺁه مختومًا بدم الخروف، وأخضع فرعون غليظ الرقبة بالحداد، فلفّه، لا بثوبٍ حالك أو بمعطفٍ ممزقٍ، بل بمصر كلها الممزقة تمامّا والباكية أبكارها.
كانت مصر كلّها غارقة في الحزن والضربات تذرف الدموع وتقرع صدرها وقد جاءت إلى فرعون، في حدادٍ، لا في لباسها فقط، بل في نفسها أيضّا؛ ممزقة، لا في ثيابها الخارجيّة فقط، بل في الداخل أيضّا.
وكنت تستطيع أن ترى مشهدّا جديدّا: هنا الذين يقعرون صدورهم، وهناك الذين يطلقون صرخات اﻷلم، وفي الوسط فرعون في حدادٍ، جالسّا على المُسح والرماد، وملفوفّا بظلمة تمسك به وكأنها ثوب مأتمٍ، ومتمنطقّا بمصر كلّها وكأنّها معطف حدادٍ.
كانت مصر حول فرعون كمعطف نحيب...
إن أصغيتم، يأخذكم الدهش في أمر مصيبة لا تصدّق. إليكم ما كان يحيط بالمصريين: ليلة طويلة وظلام لا ينفذه النور وموت يتحسّس طريقه وملاك يبيد وجهنّم تلتهم أبكارهم.
لكنّ ما هو اﻷشدّ غرابة واﻷرهب، عليكم أن تطلعوا عليه. في الظلام الذي يمسك، كان الموت الذي لا يشبع يستتر، وذلك الظلام كان المصريّون البائسون يتلمّسونه...
لكن الموت المترصّد يقبض على أبكار المصريين بأمر الملاك.
يا له من سّر غريب لا يفسّر! فإن ذبح الخروف كان في الواقع خلاص إسرائيل، فأصبح موت الخروف حياة الشعب، ﻷنّ الدم خوّف الملاك.
ميليتو أسقف ساردس
و. اعتراف بالحق

13 وَبَعْدَ أَنْ أَبَوْا بِسَبَبِ السِّحْرِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِشَيْءٍ، اِعْتَرَفُوا عِنْدَ هَلاَكِ الأَبْكَارِ بِأَنَّ الشَّعْبَ هُوَ ابْنٌ للهِ. 14 وَحِينَ شَمِلَ كُلَّ شَيْءٍ هُدُوءُ السُّكُوتِ، وَانْتَصَفَ مَسِيرُ اللَّيْلِ، 15 هَجَمَتْ كَلِمَتُكَ الْقَدِيرَةُ مِنَ السَّمَاءِ مِنَ الْعُرُوشِ الْمَلَكِيَّةِ عَلَى أَرْضِ الْخَرَابِ بِمَنْزِلَةِ مُبَارِزٍ عَنِيفٍ، 16 وَسَيْفٍ صَارِمٍ يُمْضِي قَضَاءَكَ الْمَحْتُومَ؛ فَوَقَفَ وَمَلأَ كُلَّ مَكَانٍ قَتْلًا، وَكَانَ رَأْسُهُ فِي السَّمَاءِ وَقَدَمَاهُ عَلَى الأَرْضِ.

وبعد أن أبَوا بسبب فن السحر أن يؤمنوا بشيء،
اعترفوا عند هلاك الأبكار،
بأن شعبك هو ابن لله. [13]
كان المصريون يعتمدون على فنون السحر، ومع كل ضربة يسأل فرعون السحرة للتحرك، وباطلًا بذلوا الجهد لخلاص فرعون وشعبه. مع هذا العجز استمر فرعون في عنِاده، مقاومًا الله بكبريائه، حتى اهتز عرشه تمامًا بضربة البكور (حك 18: 12).
وبينما كان صمتٌ هادئ يُخيِّم على كل شيء،
وكان الليل في منتصف مسيره السريع. [14]
يقارن الكاتب بين حال المصريين في النصف الأول من الليل والنصف الثاني. فقد عبر النصف الليل في سكون شديد، وبسرعة فائقة، حتى صدر الحكم بالتأديب في منتصف الليل.
وثبت كلمتُك الكلية القدرة من السماء من العرش الملكي،
كالمحارِب العنيف في وسط الأرض المحكوم عليها، [15]
كانت تحمل أمرك المحتوم كسيفٍ ماضٍ.
فوقفت وملأت كلَّ مكان موتًا،
وكان تمس السماء وتطأ الأرض. [16]
في منتصف الليل أُعلنت معركة من نوعٍ فريدٍ، بين بشرٍ على الأرض يظنون أنهم أصحاب سلطان، ولديهم إمكانيات عسكرية، وأنهم قادرون على وضع خطط للمعركة، وبين كلمة الله القدير في السماء حيث العرش الإلهي.
يصور كلمة الله الذي أصدر الأمر بالتأديب بكونه القدير الذي يُحد. رأسه في السماء وقدماه على الأرض. من يقدر أن يقف أمامه؟
ز. مخاوف متزايدة

17 حِينَئِذٍ بَلْبَلَتْهُمْ بَغْتَةً أَخْيِلَةُ الأَحْلاَمِ بَلْبَلَةً شَدِيدَةً، وَغَشِيَتْهُمْ أَهْوَالٌ مُفَاجِئَةٌ. 18 وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ عِنْدَ صَرْعِهِ بَيْنَ حَيٍّ وَمَيْتٍ يُعْلِنُ لأَيِّ سَبَبٍ يَمُوتُ، 19 لأَنَّ الأَحْلاَمَ الَّتِي أَقْلَقَتُهُمْ، أَنْبَأَتْهُمْ بِذلِكَ لِئَلاَّ يَهْلِكُوا، وَهُمْ يَجْهَلُونَ مَجْلَبَةَ هَلاَكِهِمْ

حينئذ بلبلتهم فجأةً رُؤى أحلامٍ مخيفة،
وغَشيَتهم مخاوف غير متوقعة. [17]
يصعب أن يرى إنسان أن دولة بأكملها يكاد كل بيت فيها يقيم مناحة على بكر الأسرة. وأما ما أثار الموقف بالأكثر، أنهم وهم لا يجدون كلمة تعزية، ولا طاقة لجمع الجثث ودفنها قبل أن تعفن وتسبب أوبئة، أنهم لا يدرون ماذا بعد هذه الضربة.
كأن مخاوفهم مما هو قادم غطى حتى على حزنهم على أبكارهم.
يرى الحكيم أن ضربة الأبكار بواسطة الملاك صاحبتها ظهور الشياطين التي أقلقتهم، فأدركوا ضعف آلهتهم (حك 18: 17-18).
فصُرِعَ كلُّ واحدٍ هنا وهناك بين حيٍّ وميتٍ،
وكان يُعلنُ لأيِّ سببٍ يموت. [18]
تحولت البلاد إلى حالة من الفوضى، كل واحدٍ يجري هنا وهناك، متسائلًا ما هي علة هذه الكارثة الخطيرة.
لأن الأحلامَ التي أقلقَتهم أنبأتهم بذلك
لئلاَّ يهلكوا وهم يجهلون لماذا يُعانونَ هذا العذاب. [19]
يبدو أن الله سمح لهم بأحلامٍ في تلك الليلة، لعلهم يتوبون ويرجعون قبل حدوث هذا الهلاك.
ح. تأديب بغير محاباة

20 وَالصِّدِّيقُونَ أَيْضًا مَسَّتْهُمْ مِحْنَةُ الْمَوْتِ، وَوَقَعَتِ الضَّرْبَةُ عَلَى جَمٍّ مِنْهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ، لكِنَّ الْغَضَبَ لَمْ يَلْبَثْ طَوِيلًا،

لكن محنةَ الموت،
كانت تصيبُ الأبرار أيضًا،
ووقعت الضربة على عدد كبير منهم في البرية.
غير أن الغضب لم يلبث طويلًا. [20]
تذمر مجموعة من اللاويين الذين كانوا يحسدون الكهنة في خدمة الله في خيمة الاجتماع، قورح وداثان وأبيرام وغيرهم، يبلغ عددهم مائتان وخمسون رجلًا، متذمرين على حصر الكهنوت في هرون ونسله. تجاسروا وقدموا بخورًا، فانشقت الأرض وابتلعتهم هم وعائلاتهم. لم يخشَ الشعب الله، بل تذمروا على موسى وهرون. في غير محاباة سمح الله بانتشار وباء أهلك أربعة عشر ألفًا منهم، وفي أبوة حانية شفع موسى وهرون في الشعب ليرفع الله عنهم الوباء.
ط. أبوة وشفاعة

21 لأَنَّ رَجُلًا لاَ عَيْبَ فِيهِ بَادَرَ لِحِمَايَتِهِمْ؛ فَبَرَزَ بِسِلاَحِ خِدْمَتِهِ الَّذِي هُوَ الصَّلاَةُ وَالتَّكْفِيرُ بِالْبَخُورِ، وَقَاوَمَ الْغَضَبَ وَأَزَالَ النَّازِلَةَ؛ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ خَادِمُكَ. 22 فَانْتَصَرَ عَلَى الْجَمْعِ لاَ بِقُوَّةِ الْجَسَدِ وَلاَ بِإِعْمَالِ السِّلاَحِ، وَلكِنَّهُ بِالْكَلاَمِ كَفَّ الْمُعَاقِبَ، مُذَكِّرًا الأَقْسَامَ وَالْعُهُودَ لِلآبَاءِ. 23 فَإِنَّهُ إِذْ كَانَ الْقَتْلَى يَتَسَاقَطُونَ جَمَاعَاتٍ، وَقَفَ فِي الْوَسْطِ فَحَسَمَ السُّخْطَ وَقَطَعَ الْمَسْلَكَ إِلَى الأَحْيَاءِ، 24 لأَنَّهُ كَانَ عَلَى ثَوْبِهِ السَّابِغِ الْعَالَمُ كُلُّهُ، وَأَسْمَاءُ الآبَاءِ الْمَجِيدَةُ مَنْقُوشَةً فِي أَرْبَعَةِ أَسْطُرٍ مِنَ الْحِجَارَةِ الْكَرِيمَةِ، وَعَظَمَتُكَ عَلَى تَاجِ رَأْسِهِ، 25 فَهذِهِ خَضَعَ الْمُهْلِكُ لَهَا وَهَابَهَا، وَكَانَ مُجَرَّدُ اخْتِبَارِ الْغَضَبِ قَدْ كَفَى.

لأن رجلًا لا عيبَ فيه بادَرَ لحمايتهم،
فذهب بترس خدمته الذي هو الصلاة والتكفير بالبخور،
ووقف أمام السخط، وقضى على الكارثة مُظهرًا أنه خادمُك. [21]
بسبب فساد جماعة من اللاويين انتشر وباء يهلك الكثيرين، لكن تبرز شخصية موسى كأب يضم كل الشعب بين ذراعيه، ويحمله في قلبه ويشفع فيهم. تلألأت شخصيته ككوكبٍ بهيٍ في أعين السمائيين، بل وفي عيني الله الذي يطلب النفوس المتسعة بالحب. كما طلب من أخيه هرون أن يقدم بخورًا لله من أجل الشعب.
فانتصر على المُهلك،
لا بقوة الجسد ولا بعمل السلاح،
بل بالكلمة،
سيطر على المعاقِب مُذكِّرًا بالأقسامِ والعهود المقطوعة مع الآباء. [22]
كأن موسى قد دخل في معركة مع غضب الله على شعبه. كان سلاحه الحب مع الصلاة بروح التواضع والثقة في مواعيد الله وما اقسم به للآباء في عهوده معهم. لقد غلب بهذا السلاح الروحي الرائع!
وبينما كان القتلى يتكدَّسون الواحد على الآخر،
وقف في الوسط وردَّ الغضب،
وقطع عليه طريق الأحياء. [23]
وقف موسى النبي وسط الجثث وبسط يديه لكي بالإيمان الحيّ والحب الصادق يوقف غضب الله، ويحفظ الأحياء من الوباء الذي حلّ.
لعله يتحدث هنا عن هرون رئيس الكهنة الذي اشترك مع موسى في الطلبة.
لأنه على ثوبه الطويل كان العالم كله،
وكانت أسماء الآباء المجيدة منقوشة في أربعة صفوف الحجارة،
وكانت عظمتُكَ على تاج رأسِه. [24]
ما يزين كهنوت هرون أنه كان يرتدي ثوبًا حتى الرجلين يمثل العالم كله، يلتحف بكل البشرية ليطلب بالحب عن العالم كله. فالكاهن أب لكل البشرية، لن يكف عن الصلاة من أجل جميع الناس.
فلما رأى المُهلك ذلك تراجع وخاف،
وكان مجرَّد اختبار الغضبِ قد كفى. [25]
تراجع الملاك المهلك وخاف إذ أدرك مسرة الله بحب موسى لشعبه وخدمة هرون لحسابهم.



وحي من الحكمة 18

لتؤدبني وإلى الموت لا تسلمني!


* إلهي، أنت هو شمس البرّ،
تُشرق عليّ، فتتبدد كل ظلمة فيّ،
وتسكب بهاءك على نفسي.
تؤدب، لكنك تحيي ولا تُهلك!

* لتنزع عني ظلمة الخطية، فتحول أحزاني إلى أفراح!
تسمح بموت الجسد لكن إلى حين،
أما نفسي فتنعم دومًا بالحياة معك.
لا أخشى موت الجسد، لأنه بك يقوم ممجدًا،
يشارك نفسي بهاءها الأبدي!

* هب لي مع موسى النبي وهرون روح الأبوة!
فلا يكون لي عمل أعظم من الصلاة من أجل كل البشرية.
ابسط يديّ نفسي لأحتضن الكل.
أصرخ قائلًا: ارفع غضبك عن كل البشرية!
 
قديم 24 - 03 - 2024, 08:38 AM   رقم المشاركة : ( 155230 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,304,297

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




نور إلهي


1 أَمَّا قِدِّيسُوكَ فَكَانَ عِنْدَهُمْ نُورٌ عَظِيمٌ، وَكَانَ أُولئِكَ يَسْمَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِغَيْرِ أَنْ يُبْصِرُوا أَشْخَاصَهُمْ، وَيَغْبِطُونَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ لاَ يُقَاسُونَ مِثْلَ حَالِهِمْ،

أما قديسوكَ فكان عندهم نورٌ عظيم،
وكان أولئك الذين يسمعون أصواتهم من غير أن يبصروا اشكالهم،
يغبِّطونهم على أنهم لم يقاسوا العذاب. [1]
برع أغلب قدماء المصريين في العلوم والفنون والثقافة. لكن للأسف سقطوا في العبادة الوثنية، وما يتبعها من عادات شريرة وتصرفات غير لائقة، فصاروا بإرادتهم أبناء الظلمة، لذا حلت بهم ضربة الظلام. الآن إذ يتحدث في مقابل ذلك ما يتمتع به المؤمنون من نورٍ إلهي، يدعوهم قديسين.
ما يشغل قلب الكاتب ليس تمتع القديسين بنور الشمس، بل بالنور الإلهي، نور شمس البرّ الذي يقدم لهم عبورًا للحياة السماوية وسط ضيقات هذا العالم.
لأنهم تقدسوا وتخصصوا لله. وكانوا يعبدون الله، إذ كان لهم نور في منطقتهم، يتحركون بكامل الحرية، يمارسون حياتهم بفرحٍ وبهجة قلبٍ.
يبرز الحكيم النور الداخلي المشرق في قلوب القديسين، ألا وهو نور الحب الإلهي. فإنهم إذ كانوا يمارسون حياتهم اليومية بجد واجتهاد ويعبدون الرب، وسط النور العظيم، كان جيرانهم من الوثنيين يشعرون بتحركاتهم ولا يبصرونهم. ومع هذا لم يحمل القديسون أية شماتة أو بغضة أو رغبة في الانتقام، ولا تحركوا لمضايقتهم سواء بالكلام أو السلوك، لقد شعر الأشرار بالفارق العظيم بين تعاستهم وبين فرح القديسين الذين يتقون الله، وبين قلوبهم القاسية وطول أناة القديسين عليهم. كانوا يشكرون القديسين ويطلبون منهم المغفرة على ما صدر منهم.
* لو لم يكن الابن وحده هو النور الحقيقي، وكانت المخلوقات تشترك معه في هذه السمة أيضًا... فلماذا يصرخ القديسون بصوتٍ عالٍ، طالبين من الله: "أرسل نورك وحقك" (مز 3:43)...؟ إن كان الإنسان غير محتاج إلى الكلمة الذي ينير، فلأي هدف يطلب منه القديسون أن ينيرهم، إن كان لا يستطيع أن يعينهم؟
إذن، الابن الوحيد الجنس مختلف بالطبيعة عن المخلوقات، إذ هو النور الذي يضيء للذين بلا نور...
إذا كنا نحتاج إلى النور من آخر، فنحن بكل وضوح لسنا النور الحقيقي. لذلك ليس لنا نحن ذات طبيعة الكلمة، هذا الذي بالطبيعة يفوقنا بغير قياس.
* ليس النور هو المسئول عن مرض غير المستنيرين، لأنه كما يُشرق نور الشمس على الكل، ولا يستفيد منه الأعمى دون أن نلوم الشمس، وإنما نلوم المرض الذي أصاب العينين، هكذا أنار الكلمة، ولكن الخليقة المريضة لم تقبل النور. هكذا النور الحقيقي، الابن الوحيد، الذي ينير الكل، لكن "إله هذا الدهر" كما يقول بولس: "أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا يضيء لهم نور معرفة الله ويشرق عليهم" [4].
القديس كيرلس الكبير
* إذ نعرف أن المسيح هو النور الحقيقي (يو 9:1)، ليس فيه بطلان (1 تي 16:6)، نتعلم هذا: أنه من الضروري لحياتنا أيضًا أن تستنير بأشعة النور الحقيقي. لكن الفضائل هي أشعة شمس البرّ (ملا 20:3) تنبعث لإنارتنا، خلالها نخلع أعمال الظلمة (رو 12:13) حتى نسلك بلياقة كما في النهار (رو 13:3)، ونرفض خفايا الخزي. إذ نفعل كل شيء في النور نصير النور ذاته، الذي يشرق على الآخرين (مت 15:5-16)، وهو نوع مميز من النور. وإن عرفنا المسيح أنه "تقديس" (1 كو 30:1)، الذي فيه كل عمل يكون راسخًا ونقيًا، فلنبرهن بحياتنا أننا نحن أنفسنا مشاركون حقيقيون في اسمه، نتناغم في الفعل والكلام مع قوة تقديسه.
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
* إن كانت الحياة تعادل "نور الناس"، فإنه ليس أحد في الظلمة هو حي، وليس أحد حي هو في الظلمة، بل كل من هو حي هو أيضًا في النور، وكل من في النور هو حي. لهذا فإن من هو حي وحده هو ابن النور، وابن النور هو ذاك الذي تشرق أعماله أمام الناس (مت 5: 16).
* يقول بولس إنه كان قبلًا "ظلمة والآن نور في الرب" (1 كو 2: 14 - 15). هكذا يمكن للظلمة أن تتحول إلى نور. إنه ليس من الصعوبة لمن يدرك إمكانية كل إنسان أن يتغير إلى ما هو أسوأ أو ما هو أفضل.
* إنه يمكن لمن يملك نور الناس ويشترك في أشعته أن يحقق أعمال النور ويعرف نور المعرفة (هو 10: 12) LXX لأنه مستنير. لكن يلزمنا أيضًا أن نأخذ بعين الاعتبار الحالة التي للضد، أي أن كل من الأعمال الشريرة والمدعوة معرفة ليست حسب الحق، هذه تملك أسس الظلمة.
العلامة أوريجينوس



 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 02:53 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025