24 - 03 - 2024, 08:05 AM | رقم المشاركة : ( 155211 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
إن بشَّركم أحد بإنجيل آخر الخطر يحيق بهؤلاء المؤمنين الجدد الذين يدعوهم بولس »أبنائي الصغار« (غل 4: 19). من أين يأتي هذا الخطر؟ من المسيحيّين المتهوِّدين؟ أي الذين يريدون أن يحافظوا على الممارسات اليهوديَّة، كما يريدون أن يفرضوا هذه الممارسات على الآتين من العالم الوثنيّ. هذا ما نعرفه أوَّلاً من سفر الأعمال. فهم يقولون: »لا خلاص لكم إلاَّ إذا اختتنتم على شريعة موسى« (أع 15: 1). هم يشبهون الكثيرين في أيّامنا الذين يفرضون ممارسات وعادات وكأنَّها من صلب الإيمان، بينما هي تحجِّرُ الإنسانَ ولا تطلقه في حرِّيَّة الإنجيل. أمّا الرسول فقال: »إن بشَّركم أحد بغير ما بشَّرناكم، ولو كان ملاكًا من السماء، فليكن ملعونًا، محرومًا« (غل 1: 8). أي لا تحلُّ عليه بركة الله ويُقطَع من جسم الكنيسة. وعاد الرسول وشدَّد: قلت وأقول: ليكن محرومًا. والخطر الأكبر هو »الحذر« تجاه الرسول: أراد أن يرضي الناس، هكذا قالوا. سهَّل عليهم الأمور. خفَّف، بل ألغى ممارسات تُقرأ في الكتاب المقدَّس فردَّ الرسول: »إن كنت أطلب رضا الناس فلست عبدًا ليسوع المسيح« (آ10) أتظنُّون أنّي أستعطف الناس لكي يسيروا ورائي. أمامي فقط يسوع المسيح ويسوع المصلوب. فهو وحده من أريد أن أرضي. لأنَّه »ضحّى بنفسه من أجل خطايانا لينقذنا من هذا العالم الشرّير« (آ4). أ- بولس الرسول منذ البداية وقبل أن يحيّي المؤمنين، كما اعتاد أن يفعل في الرسائل، أعلن بولس أنَّه رسول يسوع المسيح. من دعاه إلى الرسالة؟ الناس؟ كلاّ. سبق وقال إنَّه لا يحتاج إلى رسائل توصية كما يطلب بعض الذين يريدون رسولهم على قياسهم. أنا رسول »بدعوة من يسوع المسيح والله الآب« (آ1). من أين لبولس الرسالة وهو الذي لم يعرف المسيح بالجسد؟ وهل معرفة المسيح بالجسد تكفي للخلاص؟ والذين رافقوه في طرقات الجليل والسامرة واليهوديَّة، هل آمنوا به؟ قال عنهم يوحنّا: »ما أعلنوا إيمانهم مسايرة للفرّيسيّين، لئلاَّ يُطرَدوا من المجمع« (يو 12: 42). وكيف تكون معرفة يسوع الحقيقيَّة؟ قال بولس عن نفسه: »أعرف المسيح وأعرف القوَّة التي تجلَّت في قيامته وأشاركه في آلامه وأتشبَّه به في موته« (فل 3: 10). فكما الربُّ ظهر للرسل بعد قيامته وأرسلهم ليتلمذوا جميع الأمم (مت 28: 19)، كذلك أرسل بولس وأخبر حنانيا بذلك: »اخترتُه رسولاً لي يحمل اسمي إلى الأمم والملوك وبني إسرائيل، وسأريه كم يجب أن يتحمَّل من الآلام في سبيل اسمي« (أع 9: 15-16). أجل، بدأ الرسول ودافع عن نفسه: كان ذاك المضطهد (غل 1: 13) قبل أن يختاره الله. وهذا الاختيار ليس وليد الساعة، بل إنَّ يسوع وضع عينيه عليه منذ طفولته. قال: »ولكنَّ الله بنعمته اختارني وأنا في بطن أمّي فدعاني إلى خدمته... وشاء أن يعلن ابنه فيَّ لأبشِّر به بين الأمم (آ15-16). ويُطرَح السؤال: أين تعلَّم بولس تعليم المسيح؟ هل استغنى عمّا عرفه التلاميذ خلال ثلاث سنوات تقريبًا؟ هل علَّمه يسوع مباشرة بحسب ما قال: »فاعلموا، أيُّها الإخوة، أنَّ البشارة التي بشَّرتكم بها غير صادرة عن البشر، فأنا ما تلقَّيتها ولا أخذتها من إنسان، بل عن وحي من يسوع المسيح« (آ11-12). لا شكَّ في أنَّ يسوع هو المعلِّم الأكبر. »أحرق« قلب الرسول وهو في طريقه إلى دمشق، رفعه إلى السماء الثالثة وأسمعه كلامًا ساميًا (2 كو 12: 2-4). وانطلاقًا من هذه الخبرة الأساسيَّة، كتب لنا من الرسائل ما كتب، بيده أو بيد تلاميذه. لكنَّنا نفهم أيضًا من كلام الرسول أنَّه لم يبشِّر حالاً بالإنجيل، بعد اهتدائه، بل مضى إلى بلاد العرب، وهو ما يقابل حوران في جنوب سورية وشرقيّ نهر الأردنّ، حيث كان الإنجيل انتشر بسرعة كبيرة في أراضٍ قريبة من فلسطين. هناك تعلَّم الرسول مثلاً ممارسة الإفخارستيّا، وهو الذي كتب عنها قبل الأناجيل بعشرين وثلاثين سنة (1 كو 11: 23-27). وسمع في تلك الجماعات »العربيَّة« شهادات الذين تراءى لهم الربُّ بعد قيامته. فبولس تلقّى البشارة من الكنائس التي عاش فيها قبل أن يحمل هذه البشارة. هذا يدلُّ على أهمِّيَّة كلِّ كنيسة، كلِّ رعيَّة، في إيصال البشارة للآتين من الخارج. ب - يدعو الجميع إلى الخلاص لا حاجز بعد اليوم بين »يهود بالولادة« و»أمم خاطئين« (غل 2: 15). ما هذا الكلام الذي يحمل الكبرياء والعجرفة ويفصل المؤمن عن المؤمن؟ أنا معمَّد وأنت معمَّد، فأيُّ فضل لك عليَّ؟ هل أنت مؤمن من الدرجة الأولى وجارك مؤمن من الدرجة الثانية؟ أنت مختون! ماذا يزيد ختانك على إيمانك؟ لا شيء. أنت غير مختون، فماذا ينقص إيمانك؟ لا شيء. وسأل الرسول: »هل نحن اليهود أفضل عند الله من اليونانيّين؟ كلاّ. فاليهود واليونانيّون خاضعون جميعًا لسلطان الخطيئة« (رو 3: 9)، وبالتالي يحتاجون كلُّهم إلى الخلاص بيسوع المسيح. فما يبرِّر المؤمن ليس هذا العمل أو ذاك. ليس »العمل بأحكام الشريعة« بل »الإيمان بيسوع المسيح«. في هذا الإطار نفهم حادثة أنطاكية كما رواها بولس في هذه الرسالة: المؤمنون كلُّهم، سواء جاؤوا من العالم اليونانيّ أو من العالم اليهوديّ، متَّكئون إلى المائدة الواحدة، ومعهم بطرس ومرافقوه، وبرنابا وبولس. من أجل عشاء المحبَّة، أغابي. وبعده يأتي الاحتفال بعشاء الربّ، بالإفخارستيّا. »لا فرق بين يهوديّ وغير يهوديّ« (غل 3: 28). ولكنَّ هذا الاجتماع مهدَّد: »قبل أن يجيء قوم من عند يعقوب أخي الربّ، الذي لبث أمينًا للممارسات اليهوديَّة«، كان بطرس يأكل مع غير اليهود. فلمّا وصلوا (= جماعة يعقوب) تجنَّبهم (= غير اليهود) وانفصل عنهم خوفًا من دعاة الختان« (غل 2: 12). هو الخوف يسيطر. هو الحياء. هو المسايرة في قضيَّة هامَّة من قضايا الإيمان. الانشقاق داخل الكنيسة، داخل الجماعة الواحدة بسبب علامة في الجسد! هو الرياء والخبث: في الخارج نحن معًا، ولكن حين تتبدَّل الظروف نتبدَّل نحن. الرياء. كلمة قاسية وصف بها يسوع الفرّيسيّين: يقولون ولا يفعلون (مت 23: 3). قال بطرس في »مجمع« أورشليم: »ما فرَّق (الله) بيننا (نحن اليهود) وبينهم (= أي الوثنيين) في شيء... خصوصًا ونحن نؤمن أنَّنا نخلص بنعمة الربِّ يسوع كما هم يخلصون« (أع 15: 9، 11). فما الذي جرى هنا؟ انفصل بطرس، »وجاراه سائر اليهود في ريائه، حتّى إنَّ برنابا نفسه انقاد إلى ريائهم« (غل 2: 13). هذا أمرٌ لم يقبل به بولس. وهي طريق غير مستقيمة حيث 'التمييز يدمِّر الكنيسة تدميرًا. كنيسة للبيض وكنيسة للسود، كنيسة لأهل البلد وكنيسة للأغراب. والغريب عن الرعيَّة يبقى غريبًا. والغريب عن الطائفة يكون في الدرجة الثانية، هذا إذا أعطيَت له درجة. حين نتصرَّف هكذا نفعل مثل »الوثنيّين« بآلهتهم المتعدِّدة، لا مثل المؤمنين بالإله الواحد حيث الجميع إخوة وأخوات في عناية أب واحد، هو أبو ربِّنا يسوع المسيح. رسالة بولس رسالة الانفتاح لا الانغلاق. أُرسل أوَّل ما أُرسل إلى اليونانيّين، إلى الأمم، وهو لن ينجح لدى اليهود الذين سوف يلاحقونه حتّى نهاية حياته. وهو روى عن نفسه ما رأى في رؤيا: »قال لي الربّ: »هيّا، سأرسلك إلى البعيد، إلى الأمم الوثنيَّة« (أع 22: 21). مكانك ليس في أورشليم، »قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها« (مت 23: 37)، بل في أنطاكية، تلك المدينة التي تضمُّ كلَّ الأعراق والشعوب، وتدعو المؤمنين كلَّهم »مسيحيّين« (أع 11: 26)، نسبةً إلى يسوع المسيح، لا نسبة إلى أحد آخر، إذ »ما من اسم آخر في السماء وهبه الله للناس نقدر به أن نخلص« (أع 4: 12). اختار بولس طريق الإيمان وترك ممارسات الشريعة اليهوديَّة من أجل المسيح المصلوب »من أجلنا ومن أجل خلاصنا«. فمن اختار أن يتبرَّر بأعماله من ختان وامتناع عن أطعمة وممارسات أخرى، جعل موتَ المسيح بدون فائدة. أمّا من يقبل أن يبرِّره المسيح بحيث لا يحسب نفسه قادرًا على تخليص نفسه بنفسه، فهذا يدلُّ على أنَّ موت المسيح أثمر فيه. »مع المسيح صلبتُ، فما أنا أحيا بعدُ، بل المسيح يحيا فيَّ. وإذا كنتُ أحيا الآن بالجسد، فحياتي هي في الإيمان بابن الله الذي أحبَّني وضحّى بنفسه من أجلي« (غل 2: 20-21). |
||||
24 - 03 - 2024, 08:06 AM | رقم المشاركة : ( 155212 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أمام المسيح المصلوب الصليب حاضر وحاضر بكثافة في الرسالة إلى غلاطية، وذلك تجاه الشريعة. بالصليب وحده نخلص. وذاك ما فهمه بولس على طريق دمشق: هو لا يضطهد المسيحيّين، بل يضطهد يسوع المسيح الذي لا يزال حاضرًا يحمل كلَّ صليب، ويموت في كلِّ شهيد، ويُضطهد في كلِّ مضطهَد. العالم يرفض الصليب ويحسبه جهالة، كما يرفض الإنجيل بما هو إنجيل، فينتزع منه الأساس وهو أنَّ هذا المصلوب هو ابن الله. فكيف يتجاسر بعض كتّابنا فيقوموا بتدوين »إنجيل خامس« يعارض الأناجيل الأربعة، ويعلنون منذ البداية أنَّ يسوع هو إنسان من الناس وحسب؟ وهنا يجيب المزمور: ماذا يصنع لي الناس؟ وماذا يصنع لي يسوع إن لم يكن الله وابن الله؟ حينئذٍ يتردَّد كلام اليهود: »لا يقدر أن يخلِّص نفسه فكيف يقدر أن يخلِّص البشر؟« أ- أنا أفتخر بصليب ربِّنا نظرة بولس غير نظرة العالم. من يفتخر بالصليب إلاَّ المجنون؟ ولمن كان الصليب؟ للصوص الكبار، للقتلة، للعبيد، للخوَنة. ونضع يسوع بين هؤلاء؟! في الواقع، هو وضع نفسه هناك: صُلب بين لصَّين وما استحى من ذلك. وفي هذا قال الرسول للغلاطيّين: »ارتسم المسيح أمام عيونكم مصلوبًا« (غل 3: 1). فلا نبحث عن صورة أخرى. مثلاً، صورة المسيح الممجَّد الذي لا يمرُّ في الآلام. كأن يُرفَع إلى السماء بقدرة إلهيَّة، كما تصوَّروا صعود إيليّا في تلك المركبة الناريَّة. فهل اللحم والدم يرثان الملكوت؟ (1 كو 15: 50). كلاّ. فاللافاني فينا هو الذي يرث الملكوت بعد أن مات الموت على صليب الربّ. لماذا راح الغلاطيّون في خطِّ التعليم الجديد الذي حمله المتهوِّدون؟ لأنَّه أسهل على الفهم. ما هذا الإله الذي يصير إنسانًا ويُصلَب ويكون صليبه مرفوعًا في كلِّ مكان؟ هذا مستحيل. أو أنَّ الذي صُلب لم يكن الربَّ يسوع، بل »يهوذا« (يوضاس) الذي أخذ صورته، فحسب الناس أنَّ يسوع صُلب. أخطأ الناس، شُبِّه لهم ذلك كما قالت الهرطقات منذ القديم. فيسوع ما أخذ جسدًا، بل تظاهر. أو يسوع ما كان ابن الله، كما قال أريوس، بل خليقة سامية من الخلائق، كما يقول اليوم شهود يهوه. أمّا الإيمان فواضح. ذاك الذي في الجسد هو من نسل داود. هو إنسان. وهو ابن الله الذي برزت قدرته حين قام من بين الأموات. ذاك هو »ربُّنا يسوع المسيح« (رو 1: 3-4). فلماذا البحث عن مسيح آخر؟ لأنَّ الصليب يشكِّل عثرة لنا كما كان للرسل الذين رافقوا يسوع. بعد أن اعترف بطرس بيسوع أنَّه المسيح ابن الله الحيّ، وسمع الإنباء الأوَّل بالآلام، انفرد بيسوع وعاتبه: »حاشا لك يا ربّ أن تلقى هذا المصير!« (مت 16: 22). وبدا بطرس »شيطانًا« لأنَّه يحاول أن يعيق مسيرة الخلاص. واليهود في غلاطية، والذين تبعوهم، يحاولون أن يُزيلوا عثار الصليب. يعتبرونه أنَّه غير موجود. يُبعدونه عن نظرهم مع أنَّ فيه خلاصهم. لهذا، يعودون إلى الممارسة اليهوديَّة والتفكير اليهوديّ، لئلاَّ يُضطهدوا. فالمعروف أنَّ الديانة اليهوديَّة كانت مقبولة لدى السلطة الرومانيَّة، بحيث لا يُفرَض على اليهوديّ أن يشارك في عبادة الأصنام، شأنه شأن جميع الخاضعين للسلطة الرومانيَّة. واليهوديّ أيضًا كان معفًى من خدمة الجيش مع الآخرين لأنَّه لا يستطيع أن يشارك الوثنيّين في طعامهم. فلماذا لا يكون »المسيحيّ« يهوديٌّا، أقلَّه بالاسم فينعم بمثل هذه الامتيازات؟ قال الرسول للغلاطيّين: تأخذون بهذه الطريق »لئلاَّ تُضطهدوا لأجل صليب المسيح« (غل 6: 12). هم يهربون. يأخذون الطريق السهلة والباب الواسع، مع أنَّ الربَّ قال: »ادخلوا من الباب الضيِّق. فما أوسع الباب وأسهل الطريق المؤدِّية إلى الهلاك، وما أكثر الذين يسلكونها. لكن، ما أضيق الباب وأصعب الطريق المؤدِّية إلى الحياة، وما أقلَّ الذين يهتدون إليها« (مت 7: 13-14). أمّا بولس فأخذ الباب الضيِّق. ما افتخر بيهوديَّته وهو الفرّيسيّ المتزمِّت، وما تعلَّق بالشريعة فاستعدَّ للموت من أجلها، بل افتخر بالصليب وما افتخر إلاَّ به. مرَّة أجبروه على الافتخار، فافتخر أنَّه عبرانيّ، إسرائيليّ، من ذرِّيَّة إبراهيم (2 كو 11: 22) ولكنَّه قال: »كلامي كلام جاهل«. »فأنا أفتخر بضعفي« (آ30). فالمسيح بضعفه على الصليب خلَّص العالم، وهكذا يكون الرسول الذي اعتبر نفسه »مصلوبًا« (غل 5: 24). فإذا أراد أن يرافق المسيح في مجده يجب أن يرافقه في عاره. وإذا أراد أن يكون مع يسوع في القيامة، يحمل الصليب ويرافقه إلى الموت على الجلجلة. وماذا يصلب الرسول؟ الأهواء والرغبات. أصلبُ بغضي. أصلب بحثي عن المال وطمعي على إخوتي وأخواتي. أصلب روح الزنى والحسد والخصومة. وحين يصلب المؤمن اللحم والدم فيه، العنصرَ البشريّ، يكون مصلوبًا بالنسبة إلى العالم وبالتالي يحرَّر من عبوديّاته التي صارت له بعد اليوم موتًا. حين نهرب من الصليب، نطلب الطمأنينة والهدوء، نترك أهواءنا تسير بنا كما تشاء وتستعبدنا. أمّا إذا تمسَّكنا حقٌّا بالصليب، فنحن ندلُّ على أنَّنا نستند فقط على نعمة الله ولا نريد سندًا آخر، لا الختان ولا الشريعة اليهوديَّة. لا هذا الامتياز ولا ذاك بحيث نفترق عن الآخرين. بالصليب صار العالم ميتًا بالنسبة إليَّ، وأنا صرتُ ميتًا بالنسبة له بحيث لا سيطرة له بعدُ عليَّ. ب- فأموت معه وأقوم معه تلك هي المسيرة التي سارها المسيح، ونحن نتبعه لأنَّنا نؤمن به. فالإيمان هو الاستسلام. هو التسليم بما يطلبه الربّ. وقدَّم الرسول مثَل إبراهيم الذي برَّره الله لإيمانه (غل 3: 6). فإذا كان الغلاطيّون يريدون العودة إلى إبراهيم، فماذا ينتظرون لكي يفهموا الطريق التي أخذها. قال له الربّ: »اترك أرضك وعشيرتك وبيت أبيك« (تك 12: 1). فمضى دون أن يجادل ولا أن يسأل. قال الكتاب: »فانطلق أبرام، كما قال له الربّ« (آ4). وكذا نقول عنه حين »امتحنه« الله. »بكَّر في الغد وأسرج حماره وشقَّق حطب المحرقة« (تك 22: 3). إلى أين؟ ليقدِّم ابنه ذبيحة للربِّ على ما كان يفعل الوثنيّون. أظهر محبَّته لله، ولكنَّ الله لا يريد مثل هذا التعبير عن المحبَّة، فأمَّن له كبشًا »أخذه وقدَّمه محرقة بدل ابنه« (آ13). عنه قالت الرسالة إلى العبرانيّين: »بالإيمان لبّى إبراهيم دعوة الله فخرج إلى بلد وعدَهُ الله به ميراثًا. خرج وهو لا يعرف إلى أين هو ذاهب، وبالإيمان نزل في أرض الميعاد كأنَّه في أرض غريبة« (عب 11: 8-9). ما هي الضمانة؟ لا ضمانة بشريَّة. كلمة الله تكفي . فلماذا يطلب الغلاطيّون الضمانات؟ أما يكفيهم الصليب؟ بل هم يطلبون الشريعة، تلك التي تحمل اللعنة. هنا عاد الرسول إلى سفر التثنية في الكلام عن أحكام متفرِّقة: »وإذا وجدتُم على رجل جريمةً تستوجب القتل، فقُتل وعلِّق على خشبة، فلا تتركوا جثَّته على الخشبة إلى اليوم الثاني، بل في ذلك اليوم تدفنونه لأنَّ المعلَّق معلون من الله« (تث 21: 22-23). يسير المشترع بحسب الشريعة، فيصير المعلَّق »ملعونًا«. واليهود قالوا لبيلاطس: »لنا شريعة، وهذه الشريعة تقضي عليه بالموت لأنَّه زعم أنَّه ابن الله« (يو 19: 7). وهكذا جعلت »الشريعة« يسوع »ملعونًا«، بعد أن عُلِّق على خشبة، وكلُّ ذلك »من أجلنا« (غل 3: 13). زالت اللعنة، وحلَّت البركة محلَّها، بشكل خاصّ لغير اليهود، للأمم، بحيث ينال الجميع »بالإيمان الروحَ الموعود به«. الإيمان نداء من قبل الله. ويتطلَّب جوابًا من قبل الإنسان. رفض اليهود أن يتجاوبوا مع هذا النداء »فعثروا بحجر العثرة«. أترى الغلاطيّون يريدون أن يتبعوا هذا السبيل؟ إن فعلوا كانوا أغبياء، ونسوا ذاك الذي ولدهم للمسيح. قال: »يا أولادي الصغار الذين أتوجَّع بهم مرَّة أخرى في مِثل وجع الولادة، حين تتكوَّن فيهم صورة المسيح« (غل 4: 19). أجابوه: والآخرون يغارون علينا، يحبّوننا. لا يزعجوننا. قال الرسول: »غيرتُهم لا صدقَ فيها« (آ17). فالهدف هو أن يفصلوكم عنّي. والسبب؟ »لأنّي قلت لكم الحقَّ، حسبتموني عدوٌّا لكم« (آ16). وفي النهاية، يعلن الرسول: »تحيَّرت في أمركم« (آ20). كيف أستطيع أن أتكلَّم معكم؟ هل تريدون أن أغيِّر لهجتي. هنا نحسُّ بألم بولس تجاه هذه الكنيسة التي استقبلته أفضل استقبال في أوَّل مرَّة جاء إلى غلاطية، وكان مريضًا. حسبوه »ملاك الله، بل المسيح يسوع« (آ14). بل استعدُّوا أن يقلعوا عيونهم ويعطوها له« (آ15). |
||||
24 - 03 - 2024, 08:07 AM | رقم المشاركة : ( 155213 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أنختار العبوديَّة أم الحرِّيَّة؟ السؤال الأساسيّ في هذه الرسالة هو الخيار بين حالة وحالة: أنتم تحرَّرتم، صرتم أبناء إبراهيم، فهل تريدون الرجوع إلى العبوديَّة؟ فالحرِّيَّة الحقَّة لا تكون بارتباطنا بإبراهيم على مستوى اللحم والدم، ولا تكون بانتمائنا إلى الشعب اليهوديّ الذي يخطأ كما تخطأ الشعوب الوثنيّة بحيث إنَّ الناس يستهينون باسم الله بسبب تصرُّفات تخالف وصايا الله. »تفتخر بالشريعة وتهين الله بعصيان الشريعة« (رو 2: 23). أ- الشريعة عبد اتَّخذ بولس مثلاً معروفًا في العالم اليونانيّ والرومانيّ: الطفل في البيت. لا حقوق له. يأخذه العبد إلى المدرسة، ويعود به. وإن أخطأ في شيء لا يُضرَب هو بل العبد. نحن نفهم أن يتصرَّف الطفل بهذا الشكل. ولكن هل يريد المؤمن في غلاطية أن يبقى تحت سلطة العبد حتّى النهاية؟ هذا ما لا يقبل به إنسان عاقل. الطفل قاصر. ولكنَّه يبلغ سنَّ الرشد فيتحرَّرُ من وصاية العبد. من يجعله ابنًا ويسلِّمه ماله؟ والده. والغلاطيّون كانوا قاصرين حين حمل إليهم الرسول الإنجيل. دعاهم الرسول، قال لهم إنَّ »المسيح افتداهم من حكم الشريعة« (غل 4: 5). فلماذا العودة إلى الوراء؟ »صرتم أبناء الله«، فلماذا تريدون الرجوع إلى »حكم الأوصياء والوكلاء« (آ2)؟ من يستعبد المؤمن؟ ذكرَ الرسولُ »قوى الكون الأوَّليَّة« (آ3): هناك قوى في الكون يؤلِّهها الإنسان ويخاف منها، فيجعل نفسه عبدًا لها. يخاف من الكواكب ودورانها، يخاف من الحظِّ والفأل، ويتشاءم من يوم من الأيّام وشهر من الشهور. كان الرومان ينظرون إلى طيرانِ طيرٍ يرسلونه في الهواء. أو ينظرون في إمعاء حيوان من الحيوانات. والعرّاف هو هنا. وكذلك الذي »يكتب« كتابة تقيِّد الإنسان وتمنعه من التحرُّك. أيُّها الغلاطيّون، أنتم بعدُ عبيد لهذه »القوى« التي ليست بشيء. في الماضي، صنع الإنسان الصنم وخاف منه وقدَّم له ابنه ذبيحة. وتأخَّر لكي يرى فيه بعض الحجر والخشب مع قشرة من الفضَّة والذهب. قال بولس: »في الماضي كنتم تجهلون الله، فكنتم عبيدًا لآلهة، ما هي بالحقيقة آلهة. أمّا الآن، بعدما عرفتم الله، بل عرفكم الله، فكيف تعودون إلى عبادة قوى الكون الأوَّليَّة الضعيفة، الحقيرة، وتريدون أن تكونوا عبيدًا لها كما كنتم من قبل« (غل 4: 8-9) كيف تمزجون الله مع قوى الكون المخلوقة، سواء كانت منظورة أو غير منظورة؟ كيف تتوقَّفون عند »الأيّام والشهور والفصول والسنين؟« (آ10). كم يتوجَّه هذا الكلام إلينا في هذه الأيّام: ننظر إلى الأبراج، نجمع الأرقام والأعداد. بعض الغلاطيّين يشاركون في أعياد تكرَّم فيها الكواكب والنجوم، ويأتي من يقرأ طالع كلِّ إنسان. ونبَّه الرسول في موضع آخر من »عبادة الملائكة وما يُرى من رؤى« (كو 2: 18). ويواصل بولس: أنتم تخلَّصتم من كلِّ هذا، فلماذا تعيشون في هذا العالم وكأنَّكم تنتمون إلى مثل هذه الفرائض؟ واليهود كانوا يعتبرون أنَّ الملائكة حملوا الشريعة (غل 3: 19)، خضعوا للشريعة الموسويَّة، وحين يأتي المسيح فهو يحرِّرهم منها، كما يحرِّرهم من تقليد نَسب إلى الملائكة قيادةَ العالم السماويِّ وخصوصًا النجوم. المؤمن لا يخضع لأيَّة خليقة، ولا يكون عبدًا لأيَّة قوَّة مخلوقة. إنَّه يخضع فقط لخالقه بعد أن صار ابنًا لله بواسطة المسيح. قال الرسول: »ما أنتَ بعد الآن عبد، بل ابن، وإن كنتَ ابنًا فأنت وارثٌ بفضل الله« (غل 4: 7). ب- المسيح حرَّرنا إذا أنت ابن، أيُّها المؤمن، فلماذا تجعل نفسك بإمرة عبد؟ الله عرفك معرفة شخصيَّة حميمة، فلماذا تحاول الابتعاد عنه مثل الابن الضالّ؟ دعاك إلى وليمته، فماذا تنتظر لتدخل؟ تبنّاك، علَّمك الروح أن تناديه »أبّا« كما الأطفال ينادون والديهم، فلماذا لا تتعامل معه بدالَّة الأبناء الأحبّاء؟ إذا كان الغلاطيّون لا يعيشون على هذا المستوى، يستطيع الرسول أن يعلن: »تعبتُ عبثًا، بلا فائدة« (4: 11). الابن حرّ. الابنة حرَّة. من حرَّرهما؟ المسيح. هو »حرَّرنا لنكون أحرارًا«. (غل 5: 1). وغريب هذا الإنسان! كم يريد أن يكون عبدًا! للأصنام. للأشخاص. للجماعات والأحزاب. لأمور عديدة لا يفهم معناها في هذا العالم. هو يشبه ولدًا يمشي في الليل وحده، يريد أن يتمسَّك بشيء، أن يستشفَّ نورًا في البعيد. وإذا كانت يد أبيه تمسك بيده، هل يخاف بعد؟ كلاّ. ونحن ننسى أنَّ الله أبونا: لا يتركنا، لا يرخي بنا الأيدي. حتّى لو تركتنا أمُّنا، فهو لا يتركنا. فلو كان لنا الإيمان العميق، تزول من رأسنا المخاوف العديدة التي نتخيَّلها. نريد أن نعرف الغد وما يخبِّئه لنا. ولكنَّ يسوع قال لنا: »لا يهمُّك أمر الغد، فالغد يهتمُّ بنفسه« (مت 6: 34). ولكن هناك حرِّيَّة ننساها مرَّات عديدة، هي التي تجعلنا نعيش بحسب الروح. فلمذا نريد العيش بحسب العنصر البشريّ، بحسب اللحم والدم والميل إلى الخطيئة؟ فهل نكون أحرارًا حين نرضي فينا الإنسان القديم؟ هل نكون أحرارًا حين نعيش الفلتان وكأنَّ لا رادع يردعنا؟ قال الرسول: »فأنتم، يا إخوتي، دعاكم الله لتكونوا أحرارًا، ولكن لا تجعلوا هذه الحرِّيَّة حجَّة لإرضاء الشهوات البشريَّة« (غل 5: 13). نحن نميِّز بين »الجسد« الذي هو للقيامة، وبين اللحم والدم، أي العنصر البشريّ، هذا الذي يجتذبنا إلى الخطيئة. وكيف نعرف إن كنّا أحرارًا أم عبيدًا؟ من الثمار التي نحمل. أمّا الثمرة الأولى التي هي بنت الروح فالمحبَّة. ومنها ينبع الفرح، السلام، الصبر، اللطف، الصلاح، الأناة، الوداعة، العفاف (غل 6: 22-23). من تكون له مثل هذه الثمار؟ ذاك الذي صلب بشريَّته (لا: جسده) بكلِّ ما فيها من أهواء وشهوات (آ24). وحده »المصلوب« يعرف الحياة الجديدة، وحده »المصلوب« لا يحتاج إلى »شريعة«. فشريعته هي المسيح. وإذا كان الإنسان يعيش في »الزنى والدعارة والفجور وعبادة الأوثان والسحر والعداوة والشقاق والغيرة والغضب والدسّ والخصام والتحزُّب والحسد والسكر والعربدة« (آ19-21)، أتُرى الذين يقومون بمثل هذه الأعمال يعيشون بحسب الروح؟ أتراهم أحرارًا أم عبيدًا لشهواتهم؟ أتراهم لبسوا المسيح من أجل حياة جديدة؟ والجواب لا يمكن أن يكون نعم. بما أنَّهم جعلوا الصليب جانبًا، فماذا يبقى لهم؟ ويتابع الرسول: »الذين يعملون هذه الأعمال لا يرثون ملكوت الله« (آ21). بل »يرثون البكاء وصريف الأسنان« (مت 13: 42). الخاتمة جلسنا مع الجماعات المسيحيَّة في غلاطية، وقرأنا هذه الرسالة التي وصلت إليهم. عرَّفنا بولس بنفسه. هو رسول. عرَّفنا برسالته: إعلان الإنجيل إلى الأمم الوثننيَّة. وهذه الرسالة التي نالها من المسيح القائم من الموت، شأنه شأن الرسل: »كما أرسلني الآب أرسلكم أنا أيضًا« (يو 20: 21). أمّا الخلاص الذي يبشِّر به، فهو عطيَّة مجّانيَّة للبشر كلِّهم، لليهوديّ ولليونانيّ، للحرِّ وللعبد، للرجل وللمرأة، والإنجيل الذي يعلنه هو إنجيل الحرِّيَّة التي نلناها بصليب يسوع. فلا قوَّة تقيِّدنا بعد اليوم، بل حبُّ الله وحده. ولا أحد يستعبدنا، ولا شيء، إلاَّ إذا نحن طلبنا العبوديَّة: عبوديَّة الناس، عبوديَّة الأصنام، عبوديَّة الشهوات والأهواء. يبقى علينا أن نكتشف في صليب المسيح التدخُّل الذي به أعطى الله للتاريخ معناه، فيحقِّق قصده الخلاصيّ في المسكونة كلِّها. |
||||
24 - 03 - 2024, 08:08 AM | رقم المشاركة : ( 155214 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
من إيمان إلى إيمان هكذا يعلن بولس الرسول أساس الرسالة إلى أهل رومة: »من إيمان إلى إيمان« (رو 1: 17). بالإيمان نعيش الأمانة لله والأمانة اليوميَّة. أو: من الإيمان الذي عرفه العهد القديم، إلى الإيمان الذي نعرفه نحن أبناء العهد الجديد، وهكذا ننطلق من إيمان ينمو يومًا بعد يوم حتّى نصل إلى العيان كما يقول الرسول إلى كنيسة كورنتوس: »نحن اليوم نرى في مرآة رؤية ملتبسة، وأما يومذاك فتكون رؤيتنا وجهًا لوجه« (1 كو 13: 12). الله آمن بنا، وضع ثقته فينا، دعانا إلى تحمُّل المسؤوليَّة في كنيسته. فأقلّ ما يطلب منّا هو أن نؤمن به، نثق به، نستسلم له كما الطفل يستسلم لوالده أو لوالدته في قلب عتمة الليل. أمّا الهدف فهو الحياة والخلاص بحسب قول النبيّ حبقوق (2: 4) الذي يورده بولس في رسالته: »إنَّ البارَّ بالإيمان يحيا« (رو 1: 17). فالإنجيل هو وحي برِّ الله وقدرة الله من أجل خلاص المؤمن، أمّا برُّ الله فنواة لكي نقبل منه البرارة والطهارة فنتعلَّم كيف نعيش بحسب إرادته، بحسب الوصايا والمشورات الإنجيليَّة، وندخل في سرِّ الخلاص على مثال يوسف الذي دعاه الربّ، وهو الرجل البارّ، فما جادل وما قسَّى قلبه، بل أطاع حالاً: ما إن »قام من النوم حتّى عمل بما أمره ملاك الربّ« (مت 1: 24). عن الرسالة إلى رومة كلامنا، وهي تتوجَّه إلى كنيسة لم يعرفها بولس بل استعدَّ أن يتعرَّف إليها. رسالة تقدِّم توليفة رائعة عن الإيمان المسيحيّ. ونحن نودُّ أن نقرأها في خمس محطّات، أربع محطّات في إطار القسم العقائديّ (ف 1-11)، ومحطَّة واحدة في القسم الأخلاقيّ (ف 12-15): بولس خبير بالإحصاء (1: 18-5-11)، بولس المؤمن (5: 12-7: 6)، بولس عالم النفس (7: 7-8: 39)، بولس كاتب التاريخ (ف 9-11). والمحطَّة الأخيرة وفيها ما فيها من نصح وإرشاد، تحاول أن تستخلص من هذا الإيمان المواقف العمليَّة في الحياة اليوميَّة: بعد كلِّ هذا، المؤمن مدعوٌّ إلى الحياة الجديدة في الجماعة المسيحيَّة وفي خارجها. 1- بولس خبير إحصاء حين اهتدى بولس على طريق دمشق، انتقل من حال إلى حال، من الشريعة إلى الإيمان، من الخطيئة إلى النعمة، من عصيان الله إلى برارة يحاول الإنسان أن يحصل عليها بأعماله الصالحة. وها هو يعود إلى الوراء، إلى ما عرفه في حياة المدن الرومانيَّة وهو ابن طرسوس (في تركيّا) المدينة الجامعيَّة، وإلى ما عرفه في العالم اليهوديّ مع الرياء »والكذب« في ما يخصُّ عالم الشريعة: يقولون ولا يفعلون. وهكذا صار خبير إحصاء. أجل، لا يستطيع أحدٌ أن يرضى بالحالة التي يعيشها: هل يرضى الوثنيّ في رومة أن يأخذ بالمبدأ المعروف: »لنأكل ونشرب لأنّا غدًا نموت«؟ وبالتالي نعيشُ، يهدِّدنا غضبُ الله المعلَن من السماء الآتي »على كُفر الناس وظلمهم« (رو 1: 18). وهل يرضى اليهوديّ أن يدين الخاطئين ويعمل مثلهم؟ أو يظنُّ مثل هذا الإنسان »أنَّه ينجو من قضاء الله؟« (رو 2: 3). وإذ نعود إلى القرن الأوَّل المسيحيّ الذي حكم فيه بولس على البشريَّة كلِّها، وفيها اليهوديّ واليونانيّ، هل نحسب أنَّ الأمور بعيدة عنّا؟ كلا ثمَّ كلاّ. فالعالم الوثنيّ ما زال حيٌّا فينا. يشدِّد بولس على »الدعارة التي بها يهينون أجسادهم« (رو 1: 24). أتُرى زالت من محيطنا؟ بل هم شرَّعوها وأقتنوا لها أماكن خاصَّة، يذهب إليها أولئك الذين تقودهم »شهوات نفوسهم« (1: 14). وتحدَّث الرسول عن الزنى الذي يعارض الطبيعة، وننسى اليوم أنَّ القانون المدنيّ في بلدان أوروبّا سمح بزواج الرجل من الرجل. ومثل هؤلاء المتزوِّجين بدأوا يطالبون بحقوقهم. ولا نقول شيئًا عن علاقة الإنسان بحيوانات لها موضعها المهمّ في البيت مع أموال يعرضونها على الكلاب والقطط وغيرها. وتابع الرسول رسم اللوحة المعتَّمة عن مدينة رومة وغيرها من المدن، حيث الناس »أتوا كلَّ منكر، فمُلئوا من أنواع الخبث والطمع والشرّ، مُلئوا من الحسد والتقتيل والخصام والمكر والفساد« (آ29). ويتواصل الكلام عن مثل هذا المجتمع: »مغتابون، نمّامون، أعداء الله، شتّامون متكبِّرون صلفون، متفنِّنون بالشرّ، عاقّون لوالديهم، لا بصيرة لهم ولا وفاء ولا ودّ ولا رحمة« (آ30). ننظر إلى حولنا. هذا هو العالم. لهذا قال لنا الربّ: »أنتم في العالم ولكنَّكم لستُم من العالم«. فلا تتبعوا شهواته. وقال الربُّ في صلاته الأخيرة قبل ذهابه إلى الآلام والصلب: »لا أطلب منك أن تخرجهم من العالم، بل أن تحفظهم من الشرّير« (يو 17: 15). الخطر ما زال يُحدق بالمسيحيّين في رومة، كما يحدق بنا، فهل نرتبط بالعالم مع أنَّ يوحنّا قال لنا في رسالته الأولى: »لا تحبُّوا العالم وما في العالم. من أحبّ العالم فليست محبَّة الله فيه، لأنَّ كلّ ما في العالم من شهوة الجسد وشهوة العين وكبرياء الغنى ليس من الآب بل من العالم. العالم يزول ومعه شهواته، أمّا من يعمل بمشيئة الله فإنَّه يبقى مدى الأبد« (1 يو 2: 15-17). عمليَّة إحصائيَّة أولى تصيبنا نحن أيضًا. والعمليَّة الإحصائيَّة الثانية تصيب الذين يؤمنون بالله الواحد. هم يعتبرون أنَّهم يتميَّزون عن »الوثنيّين« الذين لهم »أصنام« يتعبَّدون لها، وكأنَّ المؤمن لا أصنام له. أعطانا الربُّ صنمًا أوَّل نفضِّله عليه: المال، كم من الناس يعبدون المال على حساب الله! ونقول نحن المؤمنين: حرام على هؤلاء الذين لا يؤمنون إيماننا: لا رجاء لهم ولا إله في هذا العالم (أف 2: 12). وهل نعرف طرق الله كلَّها لكي نحكم على الناس ونحسب الآخرين زؤانًا ونحن حنطة؟ إلى اليهود بيَّن يسوع أنَّ الختانة جرحٌ خارجيّ في الجسد. لا بأس. هي علامة تدلُّ على انتماء إلى الله. ولكن إذا كنّا لا نعيش بحسب هذا الانتماء، ماذا تنفع الختانة؟ صارت في أيّامنا »عمليَّة جراحيَّة« لا بُعدَ دينيٌّا لها. وكان بولس قاسيًا لهؤلاء: »إذا كنتَ أنت تُدعى يهوديٌّا وتعتمد على الشريعة وتفتخر بالله وتعرف مشيئته وتميِّز ما هو الأفضل بفضل تلقينك الشريعة، وتوقن أنَّك قائد للعميان ومنوِّر للذين في الظلام ومؤدِّب الجهّال ومعلِّم للسذّج لأنَّ لك في الشريعة أصول المعرفة... أفتعلِّم الغير ولا تعلِّم نفسك؟« (رو 2: 17-21). انظروا التكبُّر: أنا مؤمن والآخرون غير مؤمنين. أنا أعرف الشريعة والآخرون هم بلا شريعة. هكذا كان يتصرَّف اليهوديّ المتزمِّت مع غير اليهود. لا يسلِّم على الوثنيّ، لا يأكل معه، يبيعه ما لا يقدر هو أن يأكله بسبب المحرَّمات المعروفة. ويعطيه دَينًا بالربى الفاحش، وهكذا يعلِّمه أن يسرق مع أنَّه وعظه »بالامتناع عن السرقة« (آ21). وكثيرون يريدون أن يتمثّلوا بمثل هؤلاء »المؤمنين« ونحن نؤخذ بهم. قال الربّ: »من ثمارهم تعرفونهم«. وخصوصًا نحن نريد أن نزيل القشَّة من عين أخينا، الذي يكون من فئة مختلفة أو من دين مختلف، وننسى الخشبة في عيننا. والنتيجة: اليهود وغير اليهود هم خطأة. المسيحيّون وغير المسيحيّين هم خطأة. المؤمنون في ديانة من الديانات واللامؤمنون خطأة. ومن رفض مثل هذا القول شابه الفرّيسيّ في المثل الإنجيليّ: »أشكرك يا ربّ، لست مثل سائر الناس الطامعين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشّار« (لو 18: 11). أنا أصوم، أدفع العشر وأزكّي أموالي، أمضي إلى الصلاة. وماذا قال فيه الربّ: »ما كان مقبولاً لدى الله« (آ14). يا ليته لم يذهب إلى الهيكل. ونحن أيضًا نُرفَض حين نَرفع مثل هذه الصلاة. والنتيجة الثانية: نحتاج كلُّنا إلى الخلاص بيسوع المسيح. »ولهذا نلنا البرَّ (أو الطهارة والقداسة) مجّانًا بنعمة الله، ويعود الفضل إلى الفداء الذي قام به يسوع المسيح، وجعله الله كفّارة (هو كفَّر عن خطايانا) في دمه بالإيمان ليظهر ما هو برُّه« (رو 3: 24-25) ذاك هو مشروع الله: أن يحمل الخلاص للبشر كلِّهم. وكيف نتجاوب مع هذا الخلاص؟ ألأنَّنا نلنا الختان، تطهَّرنا؟ ألأنَّنا اعتمدنا في هذه الكنيسة أو تلك؟ ألأنَّ عاداتنا غير عادات الآخرين؟ كلُّ هذه أمورٌ خارجيَّة، فيصبح الختان لاختانًا، لأنَّنا نكذب على الله، والعماد كأنَّه لاعماد لأنَّنا لا نمارس ما وعدنا به حين اعتمدنا. فيهدِّدنا الرسول: »بقساوتك وقلَّة توبتك تدَّخر غضبًا ليوم الغضب« (رو 2: 5)، أي ليوم الدين. حينئذٍ قد نسمع صوت الربّ: »لا أعرفكم. ابتعدوا عنّي يا أشرار« (مت 7: 23). وينهي الرسول كلامه: »الشدَّة والضيق لكلِّ من يعمل الشرّ، اليهوديّ أوَّلاً ثمَّ اليونانيّ. والمجد والكرامة والسلام لكلِّ من يعمل الخير، اليهوديّ أوَّلاً ثمَّ اليونانيّ، لأنَّ الله لا يحابي أحدًا« (رو 2: 9-11). هو الله العادل، لا يحرِّف حكمه، بل يجازي كلَّ واحد بحسب أعماله. 2- بولس هو المؤمن لوحة سوداء أفهمت الإنسان أنَّه خاطئ. فهل يبقى في الخطيئة؟ كلاّ. وماذا يفعل؟ يؤمن. والإيمان هو التصاق بالربّ وثقة به. الإيمان هو تجاوب مع نداء الله، وهو يدوم ما دامت الحياة حتّى ننتقل من الإيمان إلى العيان. والإيمان الذي هو عاطفة باطنيَّة لا يكفي. لا بدَّ من عمل خارجيّ، على ما نقرأ في إنجيل مرقس: من يؤمن يعتمد وحينئذ يخلص. ومن لا يؤمن يُدان، يمرُّ في الدينونة، وبالتالي يكون له الهلاك (مر 16: 16). وما هو العماد؟ عمل خارجيّ يقوم به الروح القدس فينا فيوحِّدنا بالمسيح. نصبح معه واحدًا. كدت أقول لن يبقى يسوع »الابن الوحيد« بل صرنا نحن أبناء وبنات معه. كبُرَتْ عيلةُ الثالوث فضمَّت البشريَّةَ كلَّها، على ما قال المزمور: قلتُ إنَّكم آلهة. يا للشرف الكبير الذي وصلنا إليه. من يستطيع أن يفاخرنا بعد اليوم نحسبه ونسبُّه؟ أنا أغنى منك، إذًا أفضل منك! مسكن. أنا متعلِّم أكثر منك. أنا السيِّد وأنت الخادم. أنا السيِّدة وأنت الخادمة. ولكنَّ السيِّدة والخادمة هما بنات الله، والأكرم لدى الله هو التقيّ والعامل بوصايا الله وأحكامه. الأكرم هو من تكون حياته بلا لوم. أجل، أنا ابن الله. ولكنَّ هذا يفرض عليَّ أن أعيش مثل »ابن الله«. قال لنا الرسول: »تشبَّهوا بالله كالأبناء الأحبّاء وسيروا في المحبَّة سيرة المسيح الذي أحبَّنا وضحّى بنفسه من أجلنا« (أف 5: 1-2). العماد مسيرة نرافق فيها يسوع حتّى الصلب والموت والقيامة. وهكذا نصير الخليقة الجديدة. يقول بولس: »حين اعتمدنا في يسوع المسيح، اعتمدنا في موته فدُفنّا معه بالمعموديَّة لنموت ونحيا حياة جديدة« (رو 6: 3-4). ويواصل الرسول: »فإذا اتَّحدنا به في موت يشبه موته، فكذلك تكون حالنا في قيامته. وإنّا نعلم أنَّ إنساننا القديم صُلب معه ليزول هذا البشر الخاطئ. فلا نظلَّ عبيدًا للخطيئة... فإذا متنا مع المسيح، نؤمن بأنَّنا نحيا معه« (آ5-8). نتذكَّر أوَّلاً رتبة العماد في بداية الكنيسة. ينزل المؤمن (أو: المؤمنة) في درج تحت الأرض. يخلع ثيابه. يَدخل في المياه التي رمزت من القديم إلى الموت. يخرج من الماء، يلبس الثوب الأبيض علامة الانتصار قبل أن يكون علامة الطهارة. هكذا، صُوِّر المسيح خارجًا من القبر في يوم القيامة. هو موت في الرمز. وكيف يصبح حقيقة؟ حين نرفض حياتنا الماضية، نرفض عبوديَّة الخطيئة ولا ننقاد بعد لشهوات إنساننا العتيق (آ12). ونتذكَّر ثانيًا أنَّ العماد هو سرّ. والسرُّ يعني شيئًا خارجيٌّا نحسُّ به، أمّا أهمُّ شيء فيه فلا يُرى. هو مثل جبل الثلج. أكثره في البحر. في العماد يدخل المؤمن سواء كان طفلاً أو شابٌّا. ليس المهمّ هنا. بل هو يعتمد فينطلق في مسيرة يموت فيها يومًا بعد يوم، على ما قال الرسول. ومتى يكون الموت الحقيقيّ؟ عند ساعة الموت وحين نترك هذا العالم. عندئذٍ لن يعود الموت سرٌّا ورمزًا، بل يصبح حقيقة. نموت حقٌّا، نسلِّم الروح. هذا ما يراه الناس. ولكنَّ المؤمن يرى من خلال موت المؤمن القيامة يحيث يكون من حسبناه »مائتًا« »مع الربّ في كلِّ حين« (1 تس 4: 17)، تغيَّر، لبس الخلود. وهكذا لبس المائت ما لا يموت (1 كو 15: 51ي). انطلق الرسول من يسوع الذي هو الإنسان الجديد. معه بداية جديدة: »هو ليس من دم ولا من رغبة لحم ولا من رغبة رجل، بل الله ولدَه« (يو 1: 13، كما فسَّر الآباء). مع يسوع بدأت البشريَّة. في العهد القديم، آدم هو من يمثِّل البشر، لأنَّه مأخوذ من أديم، من تراب الأرض فقيل له: أنت من التراب وإلى التراب تعود ونفخ الله فيه »نفسًا حيَّة«، على ما قال سفر التكوين. استعاد بولس هذا الكلام فقال: »كان آدم الإنسان الأوَّل نفسًا حيَّة، وكان آدم الأخير روحًا محييٌّا« (1 كو 15: 45). ما هو الأوَّل على المستوى التاريخيّ والنصّ كُتب قبل المسيح بخمسمئة سنة يوم عدَّت البشريَّة الملايين، بل على المستوى اللاهوتيّ. وفي الواقع، سيكون يسوع هو الأوَّل، لأنَّه بكر الخليقة كلِّها وهكذا يستطيع أن يخلِّص الخليقة كلَّها، لا البشر فقط. فالرسول قال: »فالخليقة تنتظر بفارغ الصبر تجلّي أبناء الله... لتشاركهم حرِّيَّتهم ومجدهم« (رو 8: 18، 21). ماذا حمل »آدم الأوَّل«؟ الخطيئة. نحن آدم الأوَّل. كلُّ واحد منّا هو خاطئ. فقالت الرسالة: »فكما أنَّ الخطيئة دخلت في العالم على يد إنسان واحد، وبالخطيئة سرى الموت إلى جميع الناس لأنَّهم جميعهم خطئوا« (رو 5: 12). نعم، لا نقول كما قال بعضهم لأنَّهم ربطوا الخطيئة »الأصليَّة« (التي ليست الأولى، بل التي هي أصل الخطايا كلِّها، هي الكبرياء وحين يريد الإنسان أن يصير مثل الله، ولهذا يرفض وصايا الله) بالعمل الزواجيّ. لا. نحن خطأة أو بالأحرى نميل إلى الخطيئة مهما كانت الطريقة التي بها يُحبَل بنا ونُولَد. الإنسان بما أنَّه إنسان حياته ناقصة، ولهذا هو يخطأ. والربُّ يعرف ضعفه، لهذا يغفر له. ولو كثرت خطاياه، تفيض النعمة (رو 5: 21)، لا لكي يتمادى في الخطيئة (رو 6: 1)، بل لأنَّ المريض يحتاج إلى عناية أكثر من المعافى، والخاطئ يحتاج إلى انتباه خاصّ من الربّ. ولكن الحمد لله. لم تبقَ البشريَّة على مستوى آدم الأوَّل، بل انتقلت مع يسوع المسيح إلى آدم الثاني. بآدم الأوَّل دخلت الخطيئة والموت، ولكن بآدم الثاني نتلقّى فيض النعمة وهبة البرّ (رو 5: 18). وهكذا »تسود النعمة من أجل الحياة الأبديَّة بربِّنا يسوع المسيح« (آ21). ذاك هو إيمان بولس حين يدعو أبناء الكنيسة لكي يعملوا »في نظام الروح الجديد، لا في نظام الحرف القديم« (7: 6). هم تجدَّدوا، وانطلقوا، فلا مجال بعدُ للرجوع إلى الوراء، بل هي مسيرة مع المسيح وبالمسيح. 3. بولس عالم النفس أتُرى الرسول درس في جامعاتنا علم النفس والتحليل النفسيّ؟ كلاّ. فنقول: ولكنَّه تعلَّم في طرسوس تلك المدينة الجامعيَّة، واستطاع أن يجادل في أثينة تلاميذ الفلاسفة: أفلاطون، أرسطو، زينون الفينيقيّ، إبيقور... وأراد أن يصل بهم إلى يسوع المسيح الذي قام من بين الأموات وهو يقيمنا معه. وما الذي دعا بولس إلى مثل هذا العمل؟ الوضع الذي يعيشه الإنسان. صار بالمعموديَّة إنسانًا جديدًا. ولكنَّه عمليٌّا ما زال إنسانًا قديمًا. ترك آدمَ الأوَّل وارتبط بآدم الثاني، ولكنَّه يعود يومًا بعد يوم إلى آدم الأوَّل، إلى الخطيئة التي تجرُّ إلى الموت. هو صراع في داخل الإنسان. جاءت الشريعة وأضافت على الإنسان الضعيف ثقلاً فوق ثقل. قال: »الشريعة مقدَّسة والوصيَّة مقدَّسة، عادلة، صالحة« (آ12). هذا ما لا شكَّ فيه. ولكنّي لا أستطيع أن أحمل الشريعة لأنّي مريض. فيجب أن أُشفى أوَّلاً وبعد ذلك أستطيع أن أعيش بحسب الشريعة ولو كانت ثقيلة. أمّا المسيح فحوَّل حياتنا وأعطانا شريعته الخاصَّة، حين قال: »نيري هيِّن وحملي خفيف« (مت 11: 30). ذاك هو الصراع، كما صوَّره الرسول في قلب الإنسان. قال: »الخير الذي أريدُه لا أفعله، والشرّ الذي لا أريدُه إيّاه أفعل« (آ19). ويتابع كلامه فيدلُّ على التمزُّق الذي يعانيه: »فإذا كنتُ أفعل ما لا أريد، فلستُ أنا أفعل ذلك، بل الخطيئة الساكنة فيَّ« (آ20). حرب قاسية جعلت الرسول يهتف: »ما أشقاني من إنسان! فمن يُنقذني من هذا الجسد الذي يصير بي إلى الخطيئة« (آ24). حالة تعيسة يعيشها المؤمن. حلَّلها بولس كما يحلِّل الفلاسفة، وما وجد جوابًا. أمّا الجواب فيأتي من الربِّ يسوع: »الحمد لله بربِّنا يسوع المسيح« (آ25). فيه نضع ثقتنا ونحن متيقِّنون أنَّنا معه نغلب نزواتنا وشهواتنا بل نغلب العالم (يو 16: 33). وسوف يقول يوحنّا في رسالته الأولى: »إيمانُنا هو انتصارنا على العالم« (1 يو 5: 5). ولكن من يوحِّد الإنسان المقسَّم بين العقل والفهم من جهة، وبين البدن أو العنصر البشريّ الذي نسمّيه »اللحم والدم« من جهة ثانية؟ هو الروح القدس. قال الرسول: »فها أنذا عبدٌ بالعقل لشريعة الله، وعبد باللحم والدم لشريعة الخطيئة« (آ25). وكان بولس سبق وقال: »أشعر في أعضائي بشريعة أخرى تحارب شريعة عقلي وتأمرني بشريعة الخطيئة« (آ23). فهل أنا مهدَّد بالهلاك؟ هل أنا ذاهب إلى الموت؟ وحدي، بدون شكّ. ولكن التحرَّر منفتح أمامي، تحرّر من الشهوات البشريَّة وعبوديَّة الشريعة. في هذا الإطار يعلن بولس: »فليس بعد الآن من حُكم للذين هم في يسوع المسيح، لأنَّ شريعة الروح الذي يهب الحياة في يسوع المسيح، حرَّرتني من شريعة الخطيئة والموت« (و 8: 1-2). في الماضي، كانت الشريعة تفرض نفسها من الخارج، وتملأ قلبي خوفًا أين منه خوف العبيد. أمّا مع الروح، فنداؤه نسيم خفيف بتغلغل في أعضائي ويدعوني إلى الطاعة الباطنيَّة. فنحن لم نعُد عبيدًا أمام سيِّد يغضب علينا ويهدِّدنا بالعقاب. بل نحن أمام أب (وأم معًا) ندعوه كالأطفال: »أبّا«. هي دالة الأبناء الأحبّاء. يكفي أن »ننقاد إلى روح الله لنكون حقٌّا أبناء الله« (آ14). ولكن من أنا حتّى أتجاسر وأدعو الله »أبّا«؟ الروح هو الذي يجعلني أناديه »أبّا«. هو يصرخ فيَّ. يصلّي فيَّ. يعمل فيَّ. أنا بوق يهتف فيه. أنا لسان يتكلَّم به. أنا يدٌ يعمل بها. إذا كانت »الخطيئة« قادَتني في الماضي إلى الموت، فالروح الآن يقودني إلى الحياة. قال الرسول: »فإذا كان الروح الذي أقام يسوع من بين الأموات حالاٌّ فيكم، فالذي أقام يسوع من بين الأموات يحيي أيضًا أجسادكم الفانية بروحه الحالِّ فيكم« (آ11). أجل، »الروح نفسه يشهد مع أرواحنا بأنَّنا أبناء الله. فإذا كنّا أبناء الله فنحن الورثة: ورثة الله وشركاء المسيح في الميراث. وإنّا نشاركه في آلامه لنشاركه في مجده« (آ17). 4. بولس كاتب التاريخ توجَّه بولس إلى أهل رومة في عنصرهم الوثنيّ. علَّل معهم الواقع الذي يعيشون، وفي النهاية وصل إلى الفكر الرواقيّ الذي يعتبر العالم قرية صغيرة، والناس إخوة وأخوات. وأضاف الرسول إلى هذا الفكر أنَّ الخليقة التي سقطت في الخطيئة مع الإنسان، سوف تقوم معه. هو يُمجَّد وهي معه تمجَّد. لبث الرواقيّون على مستوى الأرض، أمّا الرسول فرفعنا إلى السماء. صارت الخليقة المخلوقة التي انقلبت على آدم الأوَّل في خطيئته »تئنُّ إلى اليوم من آلام المخاض« (آ22). أجل، إن الخليقة تتطلَّع إلى حياة جديدة، إلى المجد الذي ناله الإنسان في المسيح، آدم الجديد. ولكنَّ الواقع التاريخيّ جاء غير ذلك. شعب إسرائيل رفض المسير مع المسيح. رفض نداء الروح القدس. مرَّت مسيرة الخلاص وهو لبث يتفرَّج بانتظار أن يعارض »ويشتم«. ثمَّ إنَّ بني إسرائيل اضطهدوا الرسل وهكذا اعتبروا »أنَّ كلام الله سقط« (رو 11: 6). أين هي مواعيد الله؟ أما جاء المسيح بالدرجة الأولى إلى »البنين«؟ (مت 15: 26). ولكنَّ »البنين« لبثوا في الخارج مثل الابن الأكبر في مثَل الابن الضالّ (لو 15: 28). فماذا كان عليهم أن يفعلوا؟ قال لهم الرسول، كما قال لكلِّ واحد منهم: »فإذا شهدتَ بلسناك أنَّ يسوع ربّ، وآمنتَ بجنانك أنَّ الله أقامه من بين الأموات نلتَ الخلاص. فإنَّ الإيمان بالجنان يهدي إلى البرّ، والشهادة باللسان تهدي إلى الخلاص« (رو 10: 9). من راح في خطِّ إبراهيم وآمنَ قُبل، ومن رفض رُذل. نحن لا ننسى أنَّ مريم العذراء كانت يهوديَّة وكذلك الرسل والتلاميذ الأوَّلون وكنيسة أورشليم. ولكنَّ العدد الأكبر من الشعب اليهوديّ رفض الإيمان على ما قال الإنجيل الرابع، ووجد الجواب في كلام النبيّ إشعيا: »يا ربّ من آمن بما سمع منّا ولمن ظهرت يد الربّ؟« (يو 12: 38؛ إش 53: 1). 5. الحياة الجديدة بعد القسم العقائديّ (ف 1-11) الذي انتهى بنشيد ولا أروع لسرِّ الله: »ما أبعد غور غنى الله وحكمته وعلمه!... فكلُّ شيء منه وبه وإليه، فله المجد أبدَ الدهور آمين« (رو 11: 33، 36). بعد هذا القسم، كان القسم الإرشاديّ والخلقيّ: »أسألكم، أيُّها الإخوة، برأفة الله أن تجعلوا من أنفسكم ذبيحة حيَّة، مقدَّسة، مرضيَّة عند الله. فهذه هي عبادتكم الروحيَّة. ولا تتشبَّهوا بهذه الدنيا، بل تبدَّلوا بتجدُّد عقولكم لتميِّزوا ما هي مشيئة الله وما هو صالح وما هو مرضيّ وما هو كامل« (رو 12: 1-2). رأفة الله عملت في المؤمنين، وهي تدعوهم إلى السيرة الحسنة في المجتمع الذي يعيشون فيه. كما إلى المحبَّة بعضهم لبعض. لأنَّ الوصايا كلَّها تتلخَّص في وصيَّة المحبَّة. ويبدو الرسول وكأنَّه يقول لهم: أنتم تعيشون في هذه الدنيا، في هذا العالم، فلا تتخلَّقوا بأخلاق أهل الدنيا، بل خذوا أخلاق المسيح. الإيمان يدعونا إلى المحبَّة، فماذا ننتظر لكي نجعل إيماننا يُعطي ثمرًا: في الخدمة، في العطاء، في الرحمة... »لتكن المحبَّة صادقة. تجنَّبوا الشرّ والزَموا الخير. ليُحبَّ بعضُكم بعضًا حبٌّا أخويٌّا. تنافسوا في إكرام بعضكم لبعض« (آ9-10). نبارك الآخرين ولا »نلعن«، نستقبل الغرباء، نبتعد عن الانتقام. »لا يجازي أحدًا شرٌّا بشرّ« (آ17). وخلاصة القول: »تقبَّلوا بعضُكم بعضًا، كما تقبَّلكم المسيح لمجد الله« (رو 15: 7). الخاتمة هي جولة في الرسالة إلى أهل رومة، جولة سريعة في أعمق الرسائل البولسيَّة، التي أدخلتنا في سرِّ الخلاص، خلاص جميع البشر من يهود ووثنيّين. لا فرق فربُّهم واحد. البشر كلُّهم خاطئون، ولهذا يحتاجون كلُّهم إلى الخلاص الذي يحمله الربُّ يسوع. نؤمن بالربّ، نتقبَّل سرَّ العماد، نعيش الحياة المسيحيَّة التي دُعينا إليها ولا نملّ من عمل الخير. صعوبات كثيرة من الداخل والخارج. من الداخل لأنَّنا نميل إلى الخطيئة وقد نعود إلى حياتنا السابقة. ومن الخارج لأنَّنا نعيش في هذه الدنيا وما فيها من إغراءات. ماذا كان موقف جماعة رومة؟ وماذا يكون موقفنا نحن اليوم، بعد أن اعتمدنا، متنا وقمنا مع المسيح؟ لا شكَّ في أنَّنا نرى نفوسنا ضعافًا في هذا العالم، ولكنَّنا متيقِّنون أنَّ الله يوجِّه كلَّ شيء لخيرنا إذا كنّا نحبُّه (رو 8: 28). هو اختارنا، نشكره. هو دعانا، نلبّي دعوته. هو برَّرنا ووجَّهنا إلى القداسة التي بدونها لا يستطيع أحدٌ أن يرى وجه الله. ونحن نطيعه. وفي النهاية، مجَّدنا بحيث نرى المجد الذي كان للابن قبل إنشاء العالم. |
||||
24 - 03 - 2024, 08:09 AM | رقم المشاركة : ( 155215 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
من إيمان إلى إيمان هكذا يعلن بولس الرسول أساس الرسالة إلى أهل رومة: »من إيمان إلى إيمان« (رو 1: 17). بالإيمان نعيش الأمانة لله والأمانة اليوميَّة. أو: من الإيمان الذي عرفه العهد القديم، إلى الإيمان الذي نعرفه نحن أبناء العهد الجديد، وهكذا ننطلق من إيمان ينمو يومًا بعد يوم حتّى نصل إلى العيان كما يقول الرسول إلى كنيسة كورنتوس: »نحن اليوم نرى في مرآة رؤية ملتبسة، وأما يومذاك فتكون رؤيتنا وجهًا لوجه« (1 كو 13: 12). الله آمن بنا، وضع ثقته فينا، دعانا إلى تحمُّل المسؤوليَّة في كنيسته. فأقلّ ما يطلب منّا هو أن نؤمن به، نثق به، نستسلم له كما الطفل يستسلم لوالده أو لوالدته في قلب عتمة الليل. أمّا الهدف فهو الحياة والخلاص بحسب قول النبيّ حبقوق (2: 4) الذي يورده بولس في رسالته: »إنَّ البارَّ بالإيمان يحيا« (رو 1: 17). فالإنجيل هو وحي برِّ الله وقدرة الله من أجل خلاص المؤمن، أمّا برُّ الله فنواة لكي نقبل منه البرارة والطهارة فنتعلَّم كيف نعيش بحسب إرادته، بحسب الوصايا والمشورات الإنجيليَّة، وندخل في سرِّ الخلاص على مثال يوسف الذي دعاه الربّ، وهو الرجل البارّ، فما جادل وما قسَّى قلبه، بل أطاع حالاً: ما إن »قام من النوم حتّى عمل بما أمره ملاك الربّ« (مت 1: 24). عن الرسالة إلى رومة كلامنا، وهي تتوجَّه إلى كنيسة لم يعرفها بولس بل استعدَّ أن يتعرَّف إليها. رسالة تقدِّم توليفة رائعة عن الإيمان المسيحيّ. ونحن نودُّ أن نقرأها في خمس محطّات، أربع محطّات في إطار القسم العقائديّ (ف 1-11)، ومحطَّة واحدة في القسم الأخلاقيّ (ف 12-15): بولس خبير بالإحصاء (1: 18-5-11)، بولس المؤمن (5: 12-7: 6)، بولس عالم النفس (7: 7-8: 39)، بولس كاتب التاريخ (ف 9-11). والمحطَّة الأخيرة وفيها ما فيها من نصح وإرشاد، تحاول أن تستخلص من هذا الإيمان المواقف العمليَّة في الحياة اليوميَّة: بعد كلِّ هذا، المؤمن مدعوٌّ إلى الحياة الجديدة في الجماعة المسيحيَّة وفي خارجها. |
||||
24 - 03 - 2024, 08:10 AM | رقم المشاركة : ( 155216 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بولس خبير إحصاء حين اهتدى بولس على طريق دمشق، انتقل من حال إلى حال، من الشريعة إلى الإيمان، من الخطيئة إلى النعمة، من عصيان الله إلى برارة يحاول الإنسان أن يحصل عليها بأعماله الصالحة. وها هو يعود إلى الوراء، إلى ما عرفه في حياة المدن الرومانيَّة وهو ابن طرسوس (في تركيّا) المدينة الجامعيَّة، وإلى ما عرفه في العالم اليهوديّ مع الرياء »والكذب« في ما يخصُّ عالم الشريعة: يقولون ولا يفعلون. وهكذا صار خبير إحصاء. أجل، لا يستطيع أحدٌ أن يرضى بالحالة التي يعيشها: هل يرضى الوثنيّ في رومة أن يأخذ بالمبدأ المعروف: »لنأكل ونشرب لأنّا غدًا نموت«؟ وبالتالي نعيشُ، يهدِّدنا غضبُ الله المعلَن من السماء الآتي »على كُفر الناس وظلمهم« (رو 1: 18). وهل يرضى اليهوديّ أن يدين الخاطئين ويعمل مثلهم؟ أو يظنُّ مثل هذا الإنسان »أنَّه ينجو من قضاء الله؟« (رو 2: 3). وإذ نعود إلى القرن الأوَّل المسيحيّ الذي حكم فيه بولس على البشريَّة كلِّها، وفيها اليهوديّ واليونانيّ، هل نحسب أنَّ الأمور بعيدة عنّا؟ كلا ثمَّ كلاّ. فالعالم الوثنيّ ما زال حيٌّا فينا. يشدِّد بولس على »الدعارة التي بها يهينون أجسادهم« (رو 1: 24). أتُرى زالت من محيطنا؟ بل هم شرَّعوها وأقتنوا لها أماكن خاصَّة، يذهب إليها أولئك الذين تقودهم »شهوات نفوسهم« (1: 14). وتحدَّث الرسول عن الزنى الذي يعارض الطبيعة، وننسى اليوم أنَّ القانون المدنيّ في بلدان أوروبّا سمح بزواج الرجل من الرجل. ومثل هؤلاء المتزوِّجين بدأوا يطالبون بحقوقهم. ولا نقول شيئًا عن علاقة الإنسان بحيوانات لها موضعها المهمّ في البيت مع أموال يعرضونها على الكلاب والقطط وغيرها. وتابع الرسول رسم اللوحة المعتَّمة عن مدينة رومة وغيرها من المدن، حيث الناس »أتوا كلَّ منكر، فمُلئوا من أنواع الخبث والطمع والشرّ، مُلئوا من الحسد والتقتيل والخصام والمكر والفساد« (آ29). ويتواصل الكلام عن مثل هذا المجتمع: »مغتابون، نمّامون، أعداء الله، شتّامون متكبِّرون صلفون، متفنِّنون بالشرّ، عاقّون لوالديهم، لا بصيرة لهم ولا وفاء ولا ودّ ولا رحمة« (آ30). ننظر إلى حولنا. هذا هو العالم. لهذا قال لنا الربّ: »أنتم في العالم ولكنَّكم لستُم من العالم«. فلا تتبعوا شهواته. وقال الربُّ في صلاته الأخيرة قبل ذهابه إلى الآلام والصلب: »لا أطلب منك أن تخرجهم من العالم، بل أن تحفظهم من الشرّير« (يو 17: 15). الخطر ما زال يُحدق بالمسيحيّين في رومة، كما يحدق بنا، فهل نرتبط بالعالم مع أنَّ يوحنّا قال لنا في رسالته الأولى: »لا تحبُّوا العالم وما في العالم. من أحبّ العالم فليست محبَّة الله فيه، لأنَّ كلّ ما في العالم من شهوة الجسد وشهوة العين وكبرياء الغنى ليس من الآب بل من العالم. العالم يزول ومعه شهواته، أمّا من يعمل بمشيئة الله فإنَّه يبقى مدى الأبد« (1 يو 2: 15-17). عمليَّة إحصائيَّة أولى تصيبنا نحن أيضًا. والعمليَّة الإحصائيَّة الثانية تصيب الذين يؤمنون بالله الواحد. هم يعتبرون أنَّهم يتميَّزون عن »الوثنيّين« الذين لهم »أصنام« يتعبَّدون لها، وكأنَّ المؤمن لا أصنام له. أعطانا الربُّ صنمًا أوَّل نفضِّله عليه: المال، كم من الناس يعبدون المال على حساب الله! ونقول نحن المؤمنين: حرام على هؤلاء الذين لا يؤمنون إيماننا: لا رجاء لهم ولا إله في هذا العالم (أف 2: 12). وهل نعرف طرق الله كلَّها لكي نحكم على الناس ونحسب الآخرين زؤانًا ونحن حنطة؟ إلى اليهود بيَّن يسوع أنَّ الختانة جرحٌ خارجيّ في الجسد. لا بأس. هي علامة تدلُّ على انتماء إلى الله. ولكن إذا كنّا لا نعيش بحسب هذا الانتماء، ماذا تنفع الختانة؟ صارت في أيّامنا »عمليَّة جراحيَّة« لا بُعدَ دينيٌّا لها. وكان بولس قاسيًا لهؤلاء: »إذا كنتَ أنت تُدعى يهوديٌّا وتعتمد على الشريعة وتفتخر بالله وتعرف مشيئته وتميِّز ما هو الأفضل بفضل تلقينك الشريعة، وتوقن أنَّك قائد للعميان ومنوِّر للذين في الظلام ومؤدِّب الجهّال ومعلِّم للسذّج لأنَّ لك في الشريعة أصول المعرفة... أفتعلِّم الغير ولا تعلِّم نفسك؟« (رو 2: 17-21). انظروا التكبُّر: أنا مؤمن والآخرون غير مؤمنين. أنا أعرف الشريعة والآخرون هم بلا شريعة. هكذا كان يتصرَّف اليهوديّ المتزمِّت مع غير اليهود. لا يسلِّم على الوثنيّ، لا يأكل معه، يبيعه ما لا يقدر هو أن يأكله بسبب المحرَّمات المعروفة. ويعطيه دَينًا بالربى الفاحش، وهكذا يعلِّمه أن يسرق مع أنَّه وعظه »بالامتناع عن السرقة« (آ21). وكثيرون يريدون أن يتمثّلوا بمثل هؤلاء »المؤمنين« ونحن نؤخذ بهم. قال الربّ: »من ثمارهم تعرفونهم«. وخصوصًا نحن نريد أن نزيل القشَّة من عين أخينا، الذي يكون من فئة مختلفة أو من دين مختلف، وننسى الخشبة في عيننا. والنتيجة: اليهود وغير اليهود هم خطأة. المسيحيّون وغير المسيحيّين هم خطأة. المؤمنون في ديانة من الديانات واللامؤمنون خطأة. ومن رفض مثل هذا القول شابه الفرّيسيّ في المثل الإنجيليّ: »أشكرك يا ربّ، لست مثل سائر الناس الطامعين الظالمين الزناة ولا مثل هذا العشّار« (لو 18: 11). أنا أصوم، أدفع العشر وأزكّي أموالي، أمضي إلى الصلاة. وماذا قال فيه الربّ: »ما كان مقبولاً لدى الله« (آ14). يا ليته لم يذهب إلى الهيكل. ونحن أيضًا نُرفَض حين نَرفع مثل هذه الصلاة. والنتيجة الثانية: نحتاج كلُّنا إلى الخلاص بيسوع المسيح. »ولهذا نلنا البرَّ (أو الطهارة والقداسة) مجّانًا بنعمة الله، ويعود الفضل إلى الفداء الذي قام به يسوع المسيح، وجعله الله كفّارة (هو كفَّر عن خطايانا) في دمه بالإيمان ليظهر ما هو برُّه« (رو 3: 24-25) ذاك هو مشروع الله: أن يحمل الخلاص للبشر كلِّهم. وكيف نتجاوب مع هذا الخلاص؟ ألأنَّنا نلنا الختان، تطهَّرنا؟ ألأنَّنا اعتمدنا في هذه الكنيسة أو تلك؟ ألأنَّ عاداتنا غير عادات الآخرين؟ كلُّ هذه أمورٌ خارجيَّة، فيصبح الختان لاختانًا، لأنَّنا نكذب على الله، والعماد كأنَّه لاعماد لأنَّنا لا نمارس ما وعدنا به حين اعتمدنا. فيهدِّدنا الرسول: »بقساوتك وقلَّة توبتك تدَّخر غضبًا ليوم الغضب« (رو 2: 5)، أي ليوم الدين. حينئذٍ قد نسمع صوت الربّ: »لا أعرفكم. ابتعدوا عنّي يا أشرار« (مت 7: 23). وينهي الرسول كلامه: »الشدَّة والضيق لكلِّ من يعمل الشرّ، اليهوديّ أوَّلاً ثمَّ اليونانيّ. والمجد والكرامة والسلام لكلِّ من يعمل الخير، اليهوديّ أوَّلاً ثمَّ اليونانيّ، لأنَّ الله لا يحابي أحدًا« (رو 2: 9-11). هو الله العادل، لا يحرِّف حكمه، بل يجازي كلَّ واحد بحسب أعماله. |
||||
24 - 03 - 2024, 08:11 AM | رقم المشاركة : ( 155217 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بولس هو المؤمن لوحة سوداء أفهمت الإنسان أنَّه خاطئ. فهل يبقى في الخطيئة؟ كلاّ. وماذا يفعل؟ يؤمن. والإيمان هو التصاق بالربّ وثقة به. الإيمان هو تجاوب مع نداء الله، وهو يدوم ما دامت الحياة حتّى ننتقل من الإيمان إلى العيان. والإيمان الذي هو عاطفة باطنيَّة لا يكفي. لا بدَّ من عمل خارجيّ، على ما نقرأ في إنجيل مرقس: من يؤمن يعتمد وحينئذ يخلص. ومن لا يؤمن يُدان، يمرُّ في الدينونة، وبالتالي يكون له الهلاك (مر 16: 16). وما هو العماد؟ عمل خارجيّ يقوم به الروح القدس فينا فيوحِّدنا بالمسيح. نصبح معه واحدًا. كدت أقول لن يبقى يسوع »الابن الوحيد« بل صرنا نحن أبناء وبنات معه. كبُرَتْ عيلةُ الثالوث فضمَّت البشريَّةَ كلَّها، على ما قال المزمور: قلتُ إنَّكم آلهة. يا للشرف الكبير الذي وصلنا إليه. من يستطيع أن يفاخرنا بعد اليوم نحسبه ونسبُّه؟ أنا أغنى منك، إذًا أفضل منك! مسكن. أنا متعلِّم أكثر منك. أنا السيِّد وأنت الخادم. أنا السيِّدة وأنت الخادمة. ولكنَّ السيِّدة والخادمة هما بنات الله، والأكرم لدى الله هو التقيّ والعامل بوصايا الله وأحكامه. الأكرم هو من تكون حياته بلا لوم. أجل، أنا ابن الله. ولكنَّ هذا يفرض عليَّ أن أعيش مثل »ابن الله«. قال لنا الرسول: »تشبَّهوا بالله كالأبناء الأحبّاء وسيروا في المحبَّة سيرة المسيح الذي أحبَّنا وضحّى بنفسه من أجلنا« (أف 5: 1-2). العماد مسيرة نرافق فيها يسوع حتّى الصلب والموت والقيامة. وهكذا نصير الخليقة الجديدة. يقول بولس: »حين اعتمدنا في يسوع المسيح، اعتمدنا في موته فدُفنّا معه بالمعموديَّة لنموت ونحيا حياة جديدة« (رو 6: 3-4). ويواصل الرسول: »فإذا اتَّحدنا به في موت يشبه موته، فكذلك تكون حالنا في قيامته. وإنّا نعلم أنَّ إنساننا القديم صُلب معه ليزول هذا البشر الخاطئ. فلا نظلَّ عبيدًا للخطيئة... فإذا متنا مع المسيح، نؤمن بأنَّنا نحيا معه« (آ5-8). نتذكَّر أوَّلاً رتبة العماد في بداية الكنيسة. ينزل المؤمن (أو: المؤمنة) في درج تحت الأرض. يخلع ثيابه. يَدخل في المياه التي رمزت من القديم إلى الموت. يخرج من الماء، يلبس الثوب الأبيض علامة الانتصار قبل أن يكون علامة الطهارة. هكذا، صُوِّر المسيح خارجًا من القبر في يوم القيامة. هو موت في الرمز. وكيف يصبح حقيقة؟ حين نرفض حياتنا الماضية، نرفض عبوديَّة الخطيئة ولا ننقاد بعد لشهوات إنساننا العتيق (آ12). ونتذكَّر ثانيًا أنَّ العماد هو سرّ. والسرُّ يعني شيئًا خارجيٌّا نحسُّ به، أمّا أهمُّ شيء فيه فلا يُرى. هو مثل جبل الثلج. أكثره في البحر. في العماد يدخل المؤمن سواء كان طفلاً أو شابٌّا. ليس المهمّ هنا. بل هو يعتمد فينطلق في مسيرة يموت فيها يومًا بعد يوم، على ما قال الرسول. ومتى يكون الموت الحقيقيّ؟ عند ساعة الموت وحين نترك هذا العالم. عندئذٍ لن يعود الموت سرٌّا ورمزًا، بل يصبح حقيقة. نموت حقٌّا، نسلِّم الروح. هذا ما يراه الناس. ولكنَّ المؤمن يرى من خلال موت المؤمن القيامة يحيث يكون من حسبناه »مائتًا« »مع الربّ في كلِّ حين« (1 تس 4: 17)، تغيَّر، لبس الخلود. وهكذا لبس المائت ما لا يموت (1 كو 15: 51ي). انطلق الرسول من يسوع الذي هو الإنسان الجديد. معه بداية جديدة: »هو ليس من دم ولا من رغبة لحم ولا من رغبة رجل، بل الله ولدَه« (يو 1: 13، كما فسَّر الآباء). مع يسوع بدأت البشريَّة. في العهد القديم، آدم هو من يمثِّل البشر، لأنَّه مأخوذ من أديم، من تراب الأرض فقيل له: أنت من التراب وإلى التراب تعود ونفخ الله فيه »نفسًا حيَّة«، على ما قال سفر التكوين. استعاد بولس هذا الكلام فقال: »كان آدم الإنسان الأوَّل نفسًا حيَّة، وكان آدم الأخير روحًا محييٌّا« (1 كو 15: 45). ما هو الأوَّل على المستوى التاريخيّ والنصّ كُتب قبل المسيح بخمسمئة سنة يوم عدَّت البشريَّة الملايين، بل على المستوى اللاهوتيّ. وفي الواقع، سيكون يسوع هو الأوَّل، لأنَّه بكر الخليقة كلِّها وهكذا يستطيع أن يخلِّص الخليقة كلَّها، لا البشر فقط. فالرسول قال: »فالخليقة تنتظر بفارغ الصبر تجلّي أبناء الله... لتشاركهم حرِّيَّتهم ومجدهم« (رو 8: 18، 21). ماذا حمل »آدم الأوَّل«؟ الخطيئة. نحن آدم الأوَّل. كلُّ واحد منّا هو خاطئ. فقالت الرسالة: »فكما أنَّ الخطيئة دخلت في العالم على يد إنسان واحد، وبالخطيئة سرى الموت إلى جميع الناس لأنَّهم جميعهم خطئوا« (رو 5: 12). نعم، لا نقول كما قال بعضهم لأنَّهم ربطوا الخطيئة »الأصليَّة« (التي ليست الأولى، بل التي هي أصل الخطايا كلِّها، هي الكبرياء وحين يريد الإنسان أن يصير مثل الله، ولهذا يرفض وصايا الله) بالعمل الزواجيّ. لا. نحن خطأة أو بالأحرى نميل إلى الخطيئة مهما كانت الطريقة التي بها يُحبَل بنا ونُولَد. الإنسان بما أنَّه إنسان حياته ناقصة، ولهذا هو يخطأ. والربُّ يعرف ضعفه، لهذا يغفر له. ولو كثرت خطاياه، تفيض النعمة (رو 5: 21)، لا لكي يتمادى في الخطيئة (رو 6: 1)، بل لأنَّ المريض يحتاج إلى عناية أكثر من المعافى، والخاطئ يحتاج إلى انتباه خاصّ من الربّ. ولكن الحمد لله. لم تبقَ البشريَّة على مستوى آدم الأوَّل، بل انتقلت مع يسوع المسيح إلى آدم الثاني. بآدم الأوَّل دخلت الخطيئة والموت، ولكن بآدم الثاني نتلقّى فيض النعمة وهبة البرّ (رو 5: 18). وهكذا »تسود النعمة من أجل الحياة الأبديَّة بربِّنا يسوع المسيح« (آ21). ذاك هو إيمان بولس حين يدعو أبناء الكنيسة لكي يعملوا »في نظام الروح الجديد، لا في نظام الحرف القديم« (7: 6). هم تجدَّدوا، وانطلقوا، فلا مجال بعدُ للرجوع إلى الوراء، بل هي مسيرة مع المسيح وبالمسيح. |
||||
24 - 03 - 2024, 08:11 AM | رقم المشاركة : ( 155218 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بولس عالم النفس أتُرى الرسول درس في جامعاتنا علم النفس والتحليل النفسيّ؟ كلاّ. فنقول: ولكنَّه تعلَّم في طرسوس تلك المدينة الجامعيَّة، واستطاع أن يجادل في أثينة تلاميذ الفلاسفة: أفلاطون، أرسطو، زينون الفينيقيّ، إبيقور... وأراد أن يصل بهم إلى يسوع المسيح الذي قام من بين الأموات وهو يقيمنا معه. وما الذي دعا بولس إلى مثل هذا العمل؟ الوضع الذي يعيشه الإنسان. صار بالمعموديَّة إنسانًا جديدًا. ولكنَّه عمليٌّا ما زال إنسانًا قديمًا. ترك آدمَ الأوَّل وارتبط بآدم الثاني، ولكنَّه يعود يومًا بعد يوم إلى آدم الأوَّل، إلى الخطيئة التي تجرُّ إلى الموت. هو صراع في داخل الإنسان. جاءت الشريعة وأضافت على الإنسان الضعيف ثقلاً فوق ثقل. قال: »الشريعة مقدَّسة والوصيَّة مقدَّسة، عادلة، صالحة« (آ12). هذا ما لا شكَّ فيه. ولكنّي لا أستطيع أن أحمل الشريعة لأنّي مريض. فيجب أن أُشفى أوَّلاً وبعد ذلك أستطيع أن أعيش بحسب الشريعة ولو كانت ثقيلة. أمّا المسيح فحوَّل حياتنا وأعطانا شريعته الخاصَّة، حين قال: »نيري هيِّن وحملي خفيف« (مت 11: 30). ذاك هو الصراع، كما صوَّره الرسول في قلب الإنسان. قال: »الخير الذي أريدُه لا أفعله، والشرّ الذي لا أريدُه إيّاه أفعل« (آ19). ويتابع كلامه فيدلُّ على التمزُّق الذي يعانيه: »فإذا كنتُ أفعل ما لا أريد، فلستُ أنا أفعل ذلك، بل الخطيئة الساكنة فيَّ« (آ20). حرب قاسية جعلت الرسول يهتف: »ما أشقاني من إنسان! فمن يُنقذني من هذا الجسد الذي يصير بي إلى الخطيئة« (آ24). حالة تعيسة يعيشها المؤمن. حلَّلها بولس كما يحلِّل الفلاسفة، وما وجد جوابًا. أمّا الجواب فيأتي من الربِّ يسوع: »الحمد لله بربِّنا يسوع المسيح« (آ25). فيه نضع ثقتنا ونحن متيقِّنون أنَّنا معه نغلب نزواتنا وشهواتنا بل نغلب العالم (يو 16: 33). وسوف يقول يوحنّا في رسالته الأولى: »إيمانُنا هو انتصارنا على العالم« (1 يو 5: 5). ولكن من يوحِّد الإنسان المقسَّم بين العقل والفهم من جهة، وبين البدن أو العنصر البشريّ الذي نسمّيه »اللحم والدم« من جهة ثانية؟ هو الروح القدس. قال الرسول: »فها أنذا عبدٌ بالعقل لشريعة الله، وعبد باللحم والدم لشريعة الخطيئة« (آ25). وكان بولس سبق وقال: »أشعر في أعضائي بشريعة أخرى تحارب شريعة عقلي وتأمرني بشريعة الخطيئة« (آ23). فهل أنا مهدَّد بالهلاك؟ هل أنا ذاهب إلى الموت؟ وحدي، بدون شكّ. ولكن التحرَّر منفتح أمامي، تحرّر من الشهوات البشريَّة وعبوديَّة الشريعة. في هذا الإطار يعلن بولس: »فليس بعد الآن من حُكم للذين هم في يسوع المسيح، لأنَّ شريعة الروح الذي يهب الحياة في يسوع المسيح، حرَّرتني من شريعة الخطيئة والموت« (و 8: 1-2). في الماضي، كانت الشريعة تفرض نفسها من الخارج، وتملأ قلبي خوفًا أين منه خوف العبيد. أمّا مع الروح، فنداؤه نسيم خفيف بتغلغل في أعضائي ويدعوني إلى الطاعة الباطنيَّة. فنحن لم نعُد عبيدًا أمام سيِّد يغضب علينا ويهدِّدنا بالعقاب. بل نحن أمام أب (وأم معًا) ندعوه كالأطفال: »أبّا«. هي دالة الأبناء الأحبّاء. يكفي أن »ننقاد إلى روح الله لنكون حقٌّا أبناء الله« (آ14). ولكن من أنا حتّى أتجاسر وأدعو الله »أبّا«؟ الروح هو الذي يجعلني أناديه »أبّا«. هو يصرخ فيَّ. يصلّي فيَّ. يعمل فيَّ. أنا بوق يهتف فيه. أنا لسان يتكلَّم به. أنا يدٌ يعمل بها. إذا كانت »الخطيئة« قادَتني في الماضي إلى الموت، فالروح الآن يقودني إلى الحياة. قال الرسول: »فإذا كان الروح الذي أقام يسوع من بين الأموات حالاٌّ فيكم، فالذي أقام يسوع من بين الأموات يحيي أيضًا أجسادكم الفانية بروحه الحالِّ فيكم« (آ11). أجل، »الروح نفسه يشهد مع أرواحنا بأنَّنا أبناء الله. فإذا كنّا أبناء الله فنحن الورثة: ورثة الله وشركاء المسيح في الميراث. وإنّا نشاركه في آلامه لنشاركه في مجده« (آ17). |
||||
24 - 03 - 2024, 08:12 AM | رقم المشاركة : ( 155219 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بولس كاتب التاريخ توجَّه بولس إلى أهل رومة في عنصرهم الوثنيّ. علَّل معهم الواقع الذي يعيشون، وفي النهاية وصل إلى الفكر الرواقيّ الذي يعتبر العالم قرية صغيرة، والناس إخوة وأخوات. وأضاف الرسول إلى هذا الفكر أنَّ الخليقة التي سقطت في الخطيئة مع الإنسان، سوف تقوم معه. هو يُمجَّد وهي معه تمجَّد. لبث الرواقيّون على مستوى الأرض، أمّا الرسول فرفعنا إلى السماء. صارت الخليقة المخلوقة التي انقلبت على آدم الأوَّل في خطيئته »تئنُّ إلى اليوم من آلام المخاض« (آ22). أجل، إن الخليقة تتطلَّع إلى حياة جديدة، إلى المجد الذي ناله الإنسان في المسيح، آدم الجديد. ولكنَّ الواقع التاريخيّ جاء غير ذلك. شعب إسرائيل رفض المسير مع المسيح. رفض نداء الروح القدس. مرَّت مسيرة الخلاص وهو لبث يتفرَّج بانتظار أن يعارض »ويشتم«. ثمَّ إنَّ بني إسرائيل اضطهدوا الرسل وهكذا اعتبروا »أنَّ كلام الله سقط« (رو 11: 6). أين هي مواعيد الله؟ أما جاء المسيح بالدرجة الأولى إلى »البنين«؟ (مت 15: 26). ولكنَّ »البنين« لبثوا في الخارج مثل الابن الأكبر في مثَل الابن الضالّ (لو 15: 28). فماذا كان عليهم أن يفعلوا؟ قال لهم الرسول، كما قال لكلِّ واحد منهم: »فإذا شهدتَ بلسناك أنَّ يسوع ربّ، وآمنتَ بجنانك أنَّ الله أقامه من بين الأموات نلتَ الخلاص. فإنَّ الإيمان بالجنان يهدي إلى البرّ، والشهادة باللسان تهدي إلى الخلاص« (رو 10: 9). من راح في خطِّ إبراهيم وآمنَ قُبل، ومن رفض رُذل. نحن لا ننسى أنَّ مريم العذراء كانت يهوديَّة وكذلك الرسل والتلاميذ الأوَّلون وكنيسة أورشليم. ولكنَّ العدد الأكبر من الشعب اليهوديّ رفض الإيمان على ما قال الإنجيل الرابع، ووجد الجواب في كلام النبيّ إشعيا: »يا ربّ من آمن بما سمع منّا ولمن ظهرت يد الربّ؟« (يو 12: 38؛ إش 53: 1). |
||||
24 - 03 - 2024, 08:13 AM | رقم المشاركة : ( 155220 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بولس والحياة الجديدة بعد القسم العقائديّ (ف 1-11) الذي انتهى بنشيد ولا أروع لسرِّ الله: »ما أبعد غور غنى الله وحكمته وعلمه!... فكلُّ شيء منه وبه وإليه، فله المجد أبدَ الدهور آمين« (رو 11: 33، 36). بعد هذا القسم، كان القسم الإرشاديّ والخلقيّ: »أسألكم، أيُّها الإخوة، برأفة الله أن تجعلوا من أنفسكم ذبيحة حيَّة، مقدَّسة، مرضيَّة عند الله. فهذه هي عبادتكم الروحيَّة. ولا تتشبَّهوا بهذه الدنيا، بل تبدَّلوا بتجدُّد عقولكم لتميِّزوا ما هي مشيئة الله وما هو صالح وما هو مرضيّ وما هو كامل« (رو 12: 1-2). رأفة الله عملت في المؤمنين، وهي تدعوهم إلى السيرة الحسنة في المجتمع الذي يعيشون فيه. كما إلى المحبَّة بعضهم لبعض. لأنَّ الوصايا كلَّها تتلخَّص في وصيَّة المحبَّة. ويبدو الرسول وكأنَّه يقول لهم: أنتم تعيشون في هذه الدنيا، في هذا العالم، فلا تتخلَّقوا بأخلاق أهل الدنيا، بل خذوا أخلاق المسيح. الإيمان يدعونا إلى المحبَّة، فماذا ننتظر لكي نجعل إيماننا يُعطي ثمرًا: في الخدمة، في العطاء، في الرحمة... »لتكن المحبَّة صادقة. تجنَّبوا الشرّ والزَموا الخير. ليُحبَّ بعضُكم بعضًا حبٌّا أخويٌّا. تنافسوا في إكرام بعضكم لبعض« (آ9-10). نبارك الآخرين ولا »نلعن«، نستقبل الغرباء، نبتعد عن الانتقام. »لا يجازي أحدًا شرٌّا بشرّ« (آ17). وخلاصة القول: »تقبَّلوا بعضُكم بعضًا، كما تقبَّلكم المسيح لمجد الله« (رو 15: 7). الخاتمة هي جولة في الرسالة إلى أهل رومة، جولة سريعة في أعمق الرسائل البولسيَّة، التي أدخلتنا في سرِّ الخلاص، خلاص جميع البشر من يهود ووثنيّين. لا فرق فربُّهم واحد. البشر كلُّهم خاطئون، ولهذا يحتاجون كلُّهم إلى الخلاص الذي يحمله الربُّ يسوع. نؤمن بالربّ، نتقبَّل سرَّ العماد، نعيش الحياة المسيحيَّة التي دُعينا إليها ولا نملّ من عمل الخير. صعوبات كثيرة من الداخل والخارج. من الداخل لأنَّنا نميل إلى الخطيئة وقد نعود إلى حياتنا السابقة. ومن الخارج لأنَّنا نعيش في هذه الدنيا وما فيها من إغراءات. ماذا كان موقف جماعة رومة؟ وماذا يكون موقفنا نحن اليوم، بعد أن اعتمدنا، متنا وقمنا مع المسيح؟ لا شكَّ في أنَّنا نرى نفوسنا ضعافًا في هذا العالم، ولكنَّنا متيقِّنون أنَّ الله يوجِّه كلَّ شيء لخيرنا إذا كنّا نحبُّه (رو 8: 28). هو اختارنا، نشكره. هو دعانا، نلبّي دعوته. هو برَّرنا ووجَّهنا إلى القداسة التي بدونها لا يستطيع أحدٌ أن يرى وجه الله. ونحن نطيعه. وفي النهاية، مجَّدنا بحيث نرى المجد الذي كان للابن قبل إنشاء العالم. |
||||