20 - 12 - 2016, 05:59 PM | رقم المشاركة : ( 15401 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
فات الكتير ومبقاش إلا القليل
مثل مصري يُقال للدلالة على قرب انتهاء شيء ما، غالبًا ما يكون مُتعِبًا، واقتراب نهايته المفرحة. فهو يُقال لمسافر أنهكه السفر وقارَب على وصول الوطن حيث يقابل الأهل والأحباء، أو لمتسابق يقترب من نقطة النهاية لينال الجائزة. وحسنٌ أن يُقال لطالب اجتهد في دراسة لسنة طويلة اقتربت نهايتها التي ينتظر فيها نجاحًا يُسر قلبه، لكنها بالطبع لا يحب أن يسمعه طالب أهمل السنة كلها ويرعبه يوم الامتحان. والحقيقة التي نلمحها اليوم من كل ما يحدث حولنا أنه قد “فات القليل وما بقي إلا القليل”، الأمر الذي يذكره الرسول بولس «فَأَقُولُ هذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: الْوَقْتُ مُنْذُ الآنَ مُقَصَّرٌ (أي يقصر يومًا بعد يوم-أي ما بقى إلا القليل)، لِكَيْ يَكُون... وَالَّذِينَ يَشْتَرُونَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ، وَالَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَ هذَا الْعَالَمَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَعْمِلُونَهُ. لأَنَّ هَيْئَةَ هذَا الْعَالَمِ تَزُولُ» (١كورنثوس٧: ٢٩-٣١). فالعالم مقتربٌ من نهايته، كل يوم يقرِّب هذه النهاية التي فيها يزول هذا العالم بكل صوره من مباهج ولمعان وفخامة ومبادئ، لذلك فهو ينصحنا أن نتعامل مع العالم كما لو كنا نستعمله مجرد استعمال عابر دون أن تتعلق قلوبنا به. وفي سياق آخر يخاطب المؤمنين «هذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ الْوَقْتَ... إِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا. قَدْ تَنَاهَى اللَّيْلُ وَتَقَارَبَ النَّهَارُ». إنها حقيقة منطقية أن كل خطوة تقربنا من الوطن السماوي خطوة، وأن ظُلمة هذا العالم في طريقها للنهاية بمجيء الرب يسوع كوكب الصبح المنير؛ لذلك يحرضنا «أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ... فَلْنَخْلَعْ أَعْمَالَ الظُّلْمَةِ وَنَلْبَسْ أَسْلِحَةَ النُّورِ. لِنَسْلُكْ بِلِيَاقَةٍ كَمَا فِي النَّهَارِ: لاَ بِالْبَطَرِ وَالسُّكْرِ، لاَ بِالْمَضَاجعِ وَالْعَهَرِ، لاَ بِالْخِصَامِ وَالْحَسَدِ. بَلِ الْبَسُوا الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ، وَلاَ تَصْنَعُوا تَدْبِيرًا لِلْجَسَدِ لأَجْلِ الشَّهَوَاتِ» (رومية١٣: ١١-١٤). كذلك الرسول بطرس يحرِّضنا «وَإِنَّمَا نِهَايَةُ كُلِّ شَيْءٍ قَدِ اقْتَرَبَتْ، فَتَعَقَّلُوا وَاصْحُوا لِلصَّلَوَاتِ» (١بطرس٤: ٧)، فليتنا نفعل! بقي تحذير لا بد منه لغير المستعدين. ففي مَثَل العشر عذارى إذ نقرأ «نَعَسْنَ جَمِيعُهُنَّ وَنِمْنَ. فَفِي نِصْفِ اللَّيْلِ صَارَ صُرَاخٌ: هُوَذَا الْعَرِيسُ مُقْبِلٌ، فَاخْرُجْنَ لِلِقَائِهِ!» ذات الصراخ الذي يكرِّره الروح القدس لنا اليوم. لكن غير المستعدات، إذ أتين متأخرات سمعن القول: «إِنِّي مَا أَعْرِفُكُنَّ»؛ لذلك يحذر الرب مثل هؤلاء قائلاً «فَاسْهَرُوا (أي كونوا مستعدين بقبول المسيح المخلِّص بالإيمان) إِذًا لأَنَّكُمْ لاَ تَعْرِفُونَ الْيَوْمَ وَلاَ السَّاعَةَ الَّتِي يَأْتِي فِيهَا ابْنُ الإِنْسَانِ» (متى٢٥: ١-١٣). ليتك قارئي تكون من المستعدين الذين إذ يسمعون قول الرب «نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعًا». يتجاوبون بالقول «آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ» (رؤيا٢٢: ٢٠). |
||||
20 - 12 - 2016, 06:01 PM | رقم المشاركة : ( 15402 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
من يطارد عصفورين يفقدهما معًا
مثل متوفّر في لغات كثيرة؛ فيُقال بالإنجليزية “Chase two birds at the same time and you will lose both”، وبالفرنسية “Celui qui chasse deux oiseaux en même temps il les perd tous les deux”. ويقولونه أيضًا بالعامية المصرية “صاحب بالين كداب”. وهو يُقال للدلالة على ضرورة وجود أولويات في الحياة؛ فإنه لا يمكن أن يكون لك هدفان في الوقت ذاته، فمع أنه قد يحدث لوقتٍ أن يكونا معًا في اتجاه واحد، إلا أنهما لا بد يفترقا سريعًا؛ فتبدأ الحيرة ويأتي الارتباك، ولا تدري وراء أيهما تجري. ولأن الصيد يتطلب انتهاز الفرصة المواتية، وهي قصيرة للغاية، فالنتيجة أن العصفورين يطيران بعيدًا ويعود الصياد خالي الوفاض. قديمًا علّمنا الرب درسًا لا بد أن نَعيه في أيامنا، حين قال: «لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ» (متى٦: ٢٤). كان الرب يكلِّم أناسًا يعيشون بطريقة تركِّز على المال والتجارة والممتلكات، لدرجة جعلت قلوبهم تتعلق بها، فصارت تلك الأشياء تتحكم في طريقة تفكيرهم وقراراتهم وأولوياتهم، بل وكل تفاصيل حياتهم؛ وأصبحت لهم إلهًا يُعبَد ويُطاع. وقد يُستبدل المال بالنسبة للبعض بالعواطف أو الشهوات، أو الشهرة أو السلطة، أو... تعدَّدت الآلهة، ونازعت الله الحقيقي في قلوب البشر، ويبقى المبدأ واحدًا. والحقيقة إن منطق الرب هنا واضح ومقنع؛ فبنفس منطق أنك لا يمكن أن تسير في طريقين في وقت واحد، وأنك لا يمكن أن تطارد عصفورين في وقت، لا يمكن أن يكون لك سيدين؛ فالسيد هو صاحب الأمر الوحيد ولا يمكن أن يكون له شريك، وإلا ما صار سيدا. يقولونها بالإنحليزية if He is not Lord in all, He is not Lord at all أي إن لم يكن الرب سيدًا في كل شيء فهو ليس سيدًا على الإطلاق. وبعد توضيحٍ وافٍ للموضوع بكل أبعاده في متى٦، يعود الرب فيقول لنا «اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا (ما يسعى وراءه الآخرون) تُزَادُ لَكُمْ». فهل نفعل؟! صلاة نحتاج أن نصليها مع من قالوا: «أَيُّهَا الرَّبُّ إِلهُنَا، قَدِ اسْتَوْلَى عَلَيْنَا سَادَةٌ سِوَاكَ. بِكَ وَحْدَكَ نَذْكُرُ اسْمَكَ» (إشعياء٢٦: ١٣). إن فرصة الحياة قصيرة جدًا تحتاج لأن نًحسن استغلالها. |
||||
20 - 12 - 2016, 06:05 PM | رقم المشاركة : ( 15403 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
غالي والطلب رخيص
يُقال في العامية المصرية، عندما يطلب شخص طلبًا من آخر، فإذا أراد الآخر أن يعبِّر عن قيمة الطالب عنده قاله له ليعلن له أن قيمته كشخص أغلى بكثير من أي تكلفة أو تعب في طلبه. البعض يقولها مجاملةً، أو قُل نفاقًا، بغية نوال شيء في المقابل أو في المستقبل. والبعض قد يقولونها ولا يعونها، كعادة اعتادها مجتمع. أما البعض الآخر فيقولها صادقًا واعيًا للمحبوب؛ قد تقولها أم لابنها، أو زوج لزوجته، أو صديق لصديقه المقرَّب. ولستُ عن النوعين الأوَلين أتكلم، لكني أقصد النوع الأخير. وفي ذهني أكثر واحد يستحق أن تُقال له ويُعمل بها تجاهه. ذاك الذي منه الحياة، وبموته كانت لنا الحياة، الذي أعطى وما زال يعطي بلا حدود، والذي فاقت أفضاله عن أن تُعد عددًا وفاقت أي حصر إن قيست زمنًا. هل مثله يستحقها وقد أحبني وأسلم نفسه لأجلي؟ إن كل مؤمن حقيقي نال الخلاص به لا بد وأن يشاركني الرأي أن سيدي وإلهي المسيح هو أعظم من يستحقها. وأنَّ أمام حبه لنا، كل شيء يُقدَّم له يُعتبر رخيص؛ إذ شخصه هو الغالي. قديمًا إبراهيم قدَّم اسحاق مع أنه محبوبه الغالي؛ لكن أمام حبه لإلهه كان كأنه يقول له “غالي والطلب رخيص”. قال المسيح يومًا «مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي» (متى١٠: ٣٧)، أما إبراهيم فأحب الرب أكثر من الكل. وقالتها أرملة يومًا حين أعطت فلسين كانا كل ما تملك للرب؛ فقدَّرهما الرب أيَّما تقدير (متى١٢: ٤١-٤٤). والأمثلة كثيرة بما لا تسمح المساحة، لكن لا يفوتني أن أذكر قصة ثلاثة أبطال كانوا حول داود (وهو صورة جميلة للرب يسوع) سمعوه يتمنى بصوت خفيض كأس ماء من مدينته بيت لحم؛ فلأنه غالٍ اعتبروا الطلب رخيص، رغم أنهم اضطروا للمغامرة بحياتهم ليحققوا هذه الأمنية. فماذا سيكون ردك إذا طلب الرب منك اليوم شيئًا؟ ماذا إن طلب قلبك؟ وقتك؟ أو جهدك؟ أو أن تتخلى عن شيء ما؟ أو تذهب إلى مكان ما؟ أن تتألم من أجله؟ أن تحمل صليبك وتتبعه؟ هل هو الغالي الذي يرخص الكل أمامه؟ اسمع كيف عبَّر عنها بولس: «لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا... وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ الأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ» (٢كورنثوس٥: ١٤-١٦). |
||||
20 - 12 - 2016, 06:06 PM | رقم المشاركة : ( 15404 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مسمار جحا
“جحا” شخصية شهيرة في الأدب العربي، ولها ما يشابهها في كثير من الآداب. لم يتفق الباحثون على من هو بالضبط، لكنهم اتفقوا على كونه شخصية كوميدية لها مواقفها الشهيرة، التي - مع طرافتها - لا تخلو من الحكمة والمثل وما نتعلمه. أما مسماره فلا يَقِلّ شهرة عن جحا نفسه. وقصته أن جحا أراد يومًا أن يبيع داره، فاتفق مع المشتري على أنَّ الدار وكل ما فيه أصبح ملكه، ما عدا مسمارًا واحدًا مدقوقًا في حائط في وسط الدار ستبقى ملكيته لجحا نفسه! لم يُعِر الشاري الأمرَ اهتمامًا، على اعتبار أنه شيء زهيد. وأتم الصفقة وسكن الدار. لم تمُرّ أيام كثيرة حتى وجد جحا يقرع الباب؛ فسأله :”ماذا تريد؟” فأجابه جحا: “جئت لأطمئن على مسماري”! فدعاه للدخول وقدَّم له واجب الضيافة. تكرَّر الأمر، وكان جحا يتعمَّد أن يأتي في أوقات الطعام فيُقاسم أصحاب البيت طعامهم! وفي مرة أطال المكوث، ثم خلع جُبَّته وفرشها على الأرض وتهيّأ للنوم، فاستشاط المشتري غضبًا، وصرخ فيه: “ماذا تنوي أن تفعل يا جحا؟!” فأجاب جحا بهدوء: “سأنام في ظل مسماري!!” مع الأيام لم يستطع المشتري الاستمرار على هذا الوضع، وترك لجحا الدار بما فيها وهرب!! وأصبح تعبير “مسمار جحا” يُطلق على من يستغل ثغرة صغيرة، أو عذرًا واهيًا، لتحقيق أغراض كبيرة، وكتحذير لكل من يستصغر أمور معينة وهو لا يدرك ما قد تنتجه في النهاية. وأشهر من يستخدم هذا الأسلوب الخبيث هو الشيطان مع المؤمنين، حديثي الإيمان بصفة خاصة. فمع أنه لم يَبِع البيت (أي حياة المؤمن) بل انتُزع منه انتزاعًا بقوة نصرة المسيح بالموت والقيامة، لكن إبليس يظل يساوم أن يُبقي مسمارًا له في حياة المؤمن. قد يكون هذا المسمار عادة معينة تستهلك الوقت والطاقة ونقاء الذهن. قد يكون علاقة عاطفية في غير الوقت المناسب وفي غير مشيئة الله. قد يكون بعض التسليات التي قد تبدو بريئة لكن من شأنها إبعادي عن محضر الله وعن مبادئ كلمته. أو قد يكون صديق يملأ فكري ووقتي بما لا يمجِّد الله. قد يستعمل ابليس مسمارًا الأعصاب الحادة والغضب، أو مسمار مواقع التواصل الاجتماعية بشكل غير منضبط، أو المشاهدات غير المقدَّسة، أو مسمار محبة الامتلاك، أو الذات والكبرياء. تعدَّدَت المسامير، والاستراتيجية واحدة: مناورات إبليسية تنتهي بخسائر كثيرة. لذا يحذرنا الكتاب بالقول «لاَ تُعْطُوا إِبْلِيسَ مَكَانًا (ولا مسمارًا)» (أفسس٤: ٢٧). ويعلمنا السبيل «فَاخْضَعُوا ِللهِ. قَاوِمُوا إِبْلِيسَ فَيَهْرُبَ مِنْكُمْ» (يعقوب٤: ٧). لذا لتكن طلبتنا باستمرار «خُذُوا لَنَا الثَّعَالِبَ، الثَّعَالِبَ الصِّغَارَ الْمُفْسِدَةَ الْكُرُومِ» (نشيد٢: ١٥). |
||||
20 - 12 - 2016, 06:15 PM | رقم المشاركة : ( 15405 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الكلام ليكي يا جارة
مثل مصري شهير وتعبير متداوَل على الألسنة ليصف استخدام الكلام غير المباشر، وعلى وجه التحديد أن يقول شخص لآخر كلام وهو يقصد أن يوصله لآخر، وأحيانًا بأن يردِّد واحد كلام كأنه كلام عام وهو يقصد به شخص محدَّد. أو هو ما يسمونه بالعامية المصرية أيضًا "حدف كلام". والمعنى المباشر للمثل غير مقبول لدى كلمة الله التي تحكم تصرفات المسيحي الحقيقي. فقد علمنا الكتاب المقدس ألا يحمل كلامنا إلا معنى واحد: أن نقول ما نعني ونعني ما نقول، ونقوله لمن نقصد مباشرة بلا التواء. هذا متضمَّن في ما قصده يعقوب الرسول حين قال: «لِتَكُنْ نَعَمْكُمْ نَعَمْ، وَلاَكُمْ لاَ (أي كل كلمة لا تحمل إلا معناها)، لِئَلاَّ تَقَعُوا تَحْتَ دَيْنُونَةٍ» (يعقوب5: 12). يريدنا الرب أن نكون «بُسَطَاءَ كَالْحَمَامِ» (متى10: 16)، كما قال «سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَمَتَى كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَمَتَى كَانَتْ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ يَكُونُ مُظْلِمًا» (لوقا11: 34). ومن مميزات عين الحمام أنها “بسيطة” أي عكس “مركبة”، وهي لا ترى إلا في اتجاه واحد، عكس كائنات كثيرة منها الإنسان ترى في أكثر من اتجاه في وقت واحد. وهذا هو معنى الكلمة اليونانية المستخدمة عن البساطة. تطبيقًا نقول إن البساطة لا تعني السذاجة بل هي عكس الالتواء أو “اللف والدوران”! وهكذا يريدنا السيد. ولاحظ أنه قال إن عكس “العين البسيطة” هو “العين الشريرة”، وهذا التقابل يوضح ما يقصده بقوة، فاختيارنا هو واحدة من اثنتين “البسيطة” أو “الشريرة”، فأي هي اختيارك؟!! انتشر في الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن يقول أحدهم عبارة من العيار الثقيل يختمها “بهاشتاج” اشتهر استخدامه هو “#مقصودة”!! فهل نعيد النظر؟!! دعني أذكِّرك بتحريضين من الرسول بولس لأحباء الرب وأحبائه: «اِفْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ بِلاَ دَمْدَمَةٍ وَلاَ مُجَادَلَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا بِلاَ لَوْمٍ، وَبُسَطَاءَ، أَوْلاَدًا ِللهِ بِلاَ عَيْبٍ فِي وَسَطِ جِيل مُعَوَّجٍ وَمُلْتَوٍ، تُضِيئُونَ بَيْنَهُمْ كَأَنْوَارٍ فِي الْعَالَمِ» (فيلبي2: 14، 15). «وَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ أَنْ تُلاَحِظُوا الَّذِينَ يَصْنَعُونَ الشِّقَاقَاتِ وَالْعَثَرَاتِ... هؤُلاَءِ لاَ يَخْدِمُونَ رَبَّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحَ بَلْ بُطُونَهُمْ. وَبِالْكَلاَمِ الطَّيِّبِ وَالأَقْوَالِ الْحَسَنَةِ يَخْدَعُونَ قُلُوبَ السُّلَمَاءِ... وَأُرِيدُ أَنْ تَكُونُوا حُكَمَاءَ لِلْخَيْرِ وَبُسَطَاءَ لِلشَّرِّ» (رومية16: 17-19). أخيرًا نقول إن الطريقة الإيجابية – ربما الوحيدة – للانتفاع بهذه المثل، أن نعتبر كل الأحداث التي تقع أمام عيوننا (وليس بالضرورة معنا) والأخبار التي تتنامى إلى آذاننا، والخدمات التي تصل إلى مسامعنا، كأنها رسالة موجَّهة لنا وفرصة للتعلم. |
||||
20 - 12 - 2016, 06:23 PM | رقم المشاركة : ( 15406 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القدّيس البار يوحنا الكوخي (القرن 5م) :ولادته ونشأته ولد القدّيس يوحنّا في مدينة القسطنطينية لأبوين من علّية القوم. كان أبوه أفتروبيوس من كبار قادة الجيش وأمّه ثيوذوره من السيّدات الكريمات. كما كان له أخ واحد. كان بيت يوحنّا تقياً بعامة، لكن مظاهر الترف والرفعة احتفّت به من كلّ جانب. فحدث، ذات مرة، أن قدم راهب من دير الذين لا ينامون، بقرب المدينة المتملّكة، لزيارة أفتروبيوس وعائلته. البيت كان مفتوحًا لرجال الكنيسة والرهبان. فتعلّق قلب يوحنّا بالراهب ورغب في سيرة كسيرته. .حدّث الراهب القدّيس يوحنّا عن الحياة الرهبانيّة وأعطاه قانون صلاة، فعزم يوحنّا على الخروج من العالم إلى الدير في وقت مناسب. كان لا بد أن يكون الأمر سرًّا لأن والدي الشاب لا يمكن أنيرضيا بذلك من ذاتهما وبانتظار الساعة المرتقبة، شرع يوحنّا يمارس الصوم والسهر، ويقضي أكثر وقته في الكنيسة، كما رغب إلى والديه أن يشتريا له نسخة من العهد الجديد، فجاءاه بنسخةٍ جميلةٍ مزخرفةٍ منه. فلمّا عاد الراهب من سفره، وكان إلى أورشليم، رافقه .يوحنّا إلى ديره سرّاً. وإذ فطن ذووه إلى غيابه بحثوا عنه في كلّ` مكان فلم يجدوه :في الدير .وصل القدّيس يوحنّا إلى دير الذين لا ينامون فلاحظه الرئيس صغير السن، طريّ العود، ناعم البدن، فتردّد في قبوله. فلمّا رآه مصرًّا وافق على ضمّه إلى الدير على أساس تجريبي ثم دلّت الخبرة على أن القدّيس يوحنّا كان أصيلاً في رغبته، مجدًّا في سعيه، يكلِّف نفسه أقسى الجهادات على غير ما يُتوقع من شاب في مثل سنّه خرج لتوّه من مجتمع العزّ والدلال. فلقد تشدّد الشاب في أصوامه على غير هوادة، وسلك في لتواضع وضبط النفس والطاعة لدرجة أنّه أضحى لأقرانه مثالاً يُحتذ. :تجربة العودة ونزلت بالقدّيس يوحنّا تجربة قاسية شاءها الرّب الإله تمّحيصاً له ولأمانته. فلقد اشتدّت عليه أفكار العودة إلى والديه، واستبدّ به الحزن على ما يمكن أن يكون قد حدث لهما. وعبثًا حاول أن يدفع عن نفسه هذه الأفكار بالصوم والصلاة والسجود .والركوع والاعتراف، كانت تلحّ عليه وتأبى أن تغادره بقي على هذه الحال زمانًا ذاب خلاله جسمه وهزل عوده، لكن بقيت نفسه قويّة وصمد، فلمّا لم تنحلّ التجربة عنه، عزم على الخروج من الدير. فلما أطلع رئيس ديره على ما في نفسه، حاول ثنيه عن عزمه فلم ينجح. وإذ رآه في حال الذبول .المتزايد صلّى عليه وتركه يذهب :عودته وبناء كوخ في حديقة بيت أهله دون أن يعرّف عن نفسه .لم يكن في نيّة المجاهد الشاب أن يستسلم للتجربة بل أن يجعل منها سببًا لجهاد بطولي قلّ نظيره. فلقد بيّنت الأيام أن أمانة القدّيس يوحنّا لربّه كانت كاملة، كما جعلته نعمة الله أصلب من الماس فماذا حدث؟ .في الطريق التقى القدّيس يوحنّا شحّاذًا فتبادل وإيّاه الثياب. وإذ كان التعب قد أضناه، وغيّرت ملامحه السنون، بدت إمكانية تعرّف أحد عليه مستبعدة .بلغ قصر أبيه فجلس عند الباب الخارجي يستعطي. مرّ والده من أمامه فتحرّكت عاطفته وبكى، لكنّه تمالك نفسه وطلب صدقة. وإذ كان أبوه لا يردّ فقيرًا أمر بإعطائه طعامًا .لازم يوحنّا الباب أيامًا يشاهد أباه يدخل ويخرج، ويعاين أمّه تخرج إلى الحديقة وتدخل إلى المنزل، فآلمه المشهد أشدّ الألم، لكنه أبى، بنعمة الله، أن يخرج عن صمته .وقليلاً قليلاً اعتاد أبوه رؤيته فألفه. وسأل القدّيس يوحنّا صاحب القصر أن يأذن له ببناء كوخ في زاوية الحديقة يخلد فيه إلى النسك والصلاة فأجابه إلى طلبه .أقام القديس في الكوخ ثلاث سنوات، لا يمرّ عليه يوم إلاّ يذوق فيه طعم الجحيم. ولكن لا شيء زعزع فيه ثباته الداخلي. هذه كانت جلجلته اقتبلها عن طيب خاطر أمانة لله وشهادة لوجهه. "لتكن لا مشيئتي بل مشيئتك" :تعرّف أهله عليه قبل رقاده أخيرًا حان ميعاد إنصافه فأوحي إليه في الحلم أنّه في ثلاثة أيام يخرج إلى رّبه، ففرح بدنو أجله وأخذ يستعدّ بالأكثر لملاقاة وجه ربّه. فلما أتت الساعة طلب أن يرى والدته، فأنكرت عليه طلبه ثم أذعنت .وما أن حضرت حتى دفع إليها بنسخة العهد الجديد التي طالما حفظها بحوزته كلّ هذه الأيام. .فلمّا وقع نظر أمّه عليها ارتبكت وصرخت، فأتى زوجها فتحقّق كلاهما منها إنّها هي إياها النسخة التي سبق أن اشترياها لابنهما الحبيب القدّيس يوحنّا فألّحا بالسؤال على الناسك الشحّاذ، فاعترف ولم ينكر أنّه هو إيّاه ابنهما يوحنّا. فانطرحا عليه يقبّّلانه وهما ينتحبان. كان المشهد صعباً للغاية. أخيرًا طلب من أبويه أن يصفحا عنه، وسألهما أن يدفناه كراهب صغير، وبعدما ودّعهما أسلم الروح. .كان قد بلغ من العمر الثانية والعشرين :بناء كنيسة له بجانب الكوخ .وقد ذكرأن كنيسة بنيت في موضع الكوخ، وأن جملة عجائب جرت فيها بشفاعة رجل الله . كما ورد أن كنيسة بنيت له في رومية في القرن التاسع للميلاد ضمّت رفاته، إلا هامته التي بقيت في القسطنطينية إلى أن سقطت في أيدي اللاتين سنة ١٢٠٤م .وتستقر هامة القدّيس اليوم في كنيسة القدّيس استفانوس في بزونسون في بورغندي، وعلى الصندوق الذي يضمّها كتابة باليونانية |
||||
20 - 12 - 2016, 06:24 PM | رقم المشاركة : ( 15407 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القدّيسة الشهيدة تتيانا (القرن 3م): عاشت القديسة تتيانا في زمن الإمبراطور الروماني ألكسندروس ساويروس (225-235م). كانوالدها قنصلاً معروفاً في رومية، وقيل جُعل شماساً في الكنيسة هناك. لم تُغوِ الرفعة تتيانا ولا مباهج الحياة الدنيا، فلقد أمضتطفوليتها في دياميس رومية حيث اعتاد المسيحيون أن يجتمعوا. وقد ورد أنها لما كبرت صارت شمّاسة هي أيضاً. رغبة قلبها كانت أنتبذل نفسها لمسيحها حتى الموت، موت الشهادة. وإذ كانت أمة الله مجدّة في الكرازة بالرب يسوع دون مهابة جرى القبض عليها وأوقفتفي حضرة الإمبراطور. فبعدما كلّمها الإمبراطور بكلام ملق في محاولة لاستردادها إلى آلهته رافقها إلى هيكل الأوثان أملاً في أنيجعلها تضحّي لها هناك. أخذت تتيانا في الصلاة إلى ربّها وإذ بالأوثان تهوي أرضاً وتتحطّم. عظم الأمر لدى الإمبراطور وشعربالمهانة فأمر بها جنده فنزعوا جلد وجهها. وإن ملائكة الله جاءت فأعانتها. وقد ذكر أن جلاّديها الثمانية عاينوا الملائكة في نور اللهفاختشوا وامتنعوا عن إنزال العذابات بأمة الله معترفين بالمسيح نظيرها، فتقدم الجنود وفتكوا بهم فأحصوا في عداد الشهداءالقديسين. أما تتيانا فاستمر تعذيبها حيناً. حلقوا شعر رأسها ونزعوا ثدييها وألقوها في ألسنة اللهب ثم رموها للحيوانات، ولكن لمّاتقضي كل هذه التدابير عليها وبدت الحيوانات المفترسة بإزائها هادئة مسالمة. مع ذلك أمعن الجلاّدون في تحطيم عظامها وتقطيعأوصالها. رغم كل شيء بقيت تتيانا ثابتة راسخة في الإيمان لا تتزعزع. أخيراً عيل صبر الإمبراطور وبدا له كأن محاولاته باءت بالفشلولم يتمكّن من استعادة الفتاة إلى ما كان يرغب فيه. فإنقاذاً لكرامته الجريح، أمر بقطع رأسها، فتم له ذلك وانضمّت تتيانا إلى موكبالشهداء المعظّمين. |
||||
20 - 12 - 2016, 06:26 PM | رقم المشاركة : ( 15408 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القدّيس البار ثيودوسيوس رئيس الأديار (٥٢٩م) ولد ثيودوسيوس في قرية كبّادوكية تدعى موغاريسوس لأبوين تقيّين. اسم أبيه كان بروهيريسوس واسم أمه أفلوغيا، ترهّبت، في كبرها، وصار ابنها ثيودوسيوس أباها الروحي. نما ثيودوسيوس في النعمة والقامة وكان قوي البنية. قيل إنه منذ أن كان فتى لم يسمح لنفسه بأية متعة جسدية ولا سمح لنفسه بأن تميل إلى محبة الغنى والقنية والمال. أمراً واحداً كان يملأ جوارحه: الرغبة في رؤية الأرض المقدّسة. اعتاد أن يقرأ الكتاب المقدّس باستمرار. قرأ في سفر التكوين أن الله دعا إبراهيم لأن يترك أهله وأصدقاءه وعشيرته وكل شيء له إذا كان يرغب حقاً في أن يرث البركة الأبدية. هذه الدعوة اقتبلها ثيودوسيوس كما لو كانت موجّهة إليه، سلوكاً في الطريق الضيّق المفضي إلى بركات الدهر الآتي. القديس سمعان العمودي: لما بلغ ثيودوسيوس أنطاكية ذهب ليتبرّك من القديس سمعان العمودي (أول أيلول) ويأخذ منه كلمة منفعة. فلما دنا من العمود وقبل أن يحيّي القديس سمعان هتف به هذا الأخير من أعلى عموده قائلاً: "أهلاً بثيودوسيوس، رجل الله!". فوقع ثيودوسيوس باتجاهه ساجداً مندهشاً. ثم صعد إليه على العمود فحيّاه سمعان واحتضنه بقبلة مقدّسة وتنبّأ له بما سيصير إليه. بعد ذلك أسرع ثيودوسيوس الخطى إلى أورشليم، وكان جوفينال، بطريركاً عليها. الأنبا لونجينوس: وصل طالب الرهبنة الجديد إلى أورشليم ولم يدر أي طريق يأخذ وكيف يباشر ما عزم عليه. أيختار الحياة المشتركة أم يلتمس حياة النسك من أول الطريق؟ وبعد أخذ ورد تكوّنت لديه قناعة أنه خير له أن يتمرّس على الحياة النسكية على يد أحد الآباء المجرّبين أولاً ثم يخرج إلى العزلة والصحراء. وهكذا كان. هداه الله إلى أب شيخ مبارك يدعى لونجينوس كان هو أيضاً كبّادوكياً فأقام معه زماناً طويلاً قرب برج داود سالكاً في الطاعة له في كل أمر. وإن امرأة اسمها إيكيليا، وقورة، تقية، كانت تؤدي للونجينوس الشيخ خدمات جلّى. هذه كانت تملك قلاّية صغيرة وكنيسة على الطريق إلى بيت لحم. فالتمست من الشيخ أن يكون ثيودوسيوس في القلاّية المذكورة فسمع لها وأجابها على طلبها. انتقل ثيودوسيوس صاغراً إلى المكان الجديد. لكن، ما لبث اسمه أن ذاع فأخذ الناس يقبلون عليه مما ضايقه لدرجة أنه ترك الموضع وانتقل إلى أعلى الجبل حيث استقر في مغارة ما تزال رفاته رابضة إلى اليوم فيها. يذكر أن تقليداً سرى بين الآباء في ذلك الزمان مؤدّاه أن ذلك المكان هو إياه الموضع الذي قضى فيه المجوس ليلتهم بعدما سجدوا للرب يسوع مولوداً جديداً. وهناك بالذات حضرهم ملاك الرب وأمرهم بالعودة إلى بلادهم في طريق أخرى. المغارة: اختيار ثيودوسيوس لهذا الموضع الجديد كان الدافع إليه الهرب من ممارسة السلطة على الآخرين والانصراف الكلّي إلى إتمام عمل الرهبنة. وقد ذُكر أن القديس ضبط جسده بحكمة ودراية. همّه، بكل عناية، كان أن يفعل ما يرضي الله ويحجم عما لا يرضيه. وقد أبدى في ذلك جرأة كبيرة لا يهاب عثرات الطريق في شيء. لم يكن ليلين أمام المخاطر أو يذعن للكلام الملق إذا كان ما هو معروض عليه من غير مشيئة الله. كان دائم النظر في أفكار قلبه، سالكاً بأمانة في حكمة ربّه، عالماً باحتيالات العدو الذي يشاء أن يدفع المجدّين إلى التطرّف والنسك الزائدين لإلقائهم في الكبرياء والغرور. اعتاد اليقظة بنعمة ربّه وكان دائم الصلاة، يذرف الدمع مدراراً. وقد علّق حبلاً في سقف المغارة وربط نفسه به حتى إذا ما أخذه النعاس شدّ عليه الحبل فأيقظه. على هذا كان يقف في الصلاة الليل بطوله وكان حازماً حيال نفسه في ما يمتّ بصلة إلى حركات البدن، لا يشبع من طعام، ويكتفي منه بما هو ضروري اجتناباً للوقوع في الوهن والمرض. نظامه الغذائي اقتصر على البلح والخرّوب والبقول والخضار المنقوعة. لم يذق الخبز طيلة ثلاثين عاماً. بالمقابل كان دائم التأمل بأحكام الله. وقد أدام على هذه الحال لا في سني شبابه وحسب بل حتى الشيخوخة. وكما أن مدينة مشادة على جبل لا تخفى، كذلك اعتلن ثيودوسيوس للناس فأخذوا يقبلون عليه ملتمسين لديه الفضيلة والترقّي في دروب الحياة الفضلى. ردّة الفعل الأولى لديه كانت أنه صدّ الناس لئلا يتعكرّ صمته. أخيراً رضخ بعدما ألحّ عليه طلاّب الرهبنة وأعطاه الرب الإله اقتناعاً. كان عدد الذين قبلهم أولاً لا يتجاوز السبعة. هؤلاء استقروا في المغارة من حوله. باسيليوس الراهب: ذكر الموت بالنسبة لثيودوسيوس كان عماد الحياة النسكية والدافع الأقوى إلى حياة الفضيلة. لذلك جعل تلاميذه يبنون لأنفسهم قبراً ليرى كل منهم إلى أين هو ذاهب وما ستؤول إليه حاله فيعدد نفسه لرحلة العمر إعداداً جيداً. فلما استكملوه التفت ثيودوسيوس إليهم وقال لهم: "ها أن القبر قد أصبح جاهزاً فمن منكم يرغب في أن يُدفن فيه أولاً؟" وكان بين التلاميذ كاهن راهب فاضل مطيع يدعى باسيليوس وكان متحمّساً يشبه ثيودوسيوس في كل شيء كمثل طفل لأبيه. هذا تكلّم أولاً فقال: "أنا، يا معلمي، من سوف يفتتحه بصلاة قدسك!" ولما قال هذا حنى عنقه وانتظر راجياً ثيودوسيوس أن يأذن له بالدخول إلى القبر. وهكذا كان. لم يكن الرجل يشكو من أية علّة في البدن. فأشار إليه ثيودوسيوس بالدخول فدخل لينام نومأ هادئاً. فأمر القديس بإقامة الخدمة الجنائزية عليه كما في اليوم الثالث والتاسع والأربعين. فلما أكملوا صلاة الأربعين لفظ أنفاسه بسلام. وقد بقي بعض الإخوة يشاهدونه قائماً معهم مرتّلاً في الكنيسة طيلة الأيام الأربعين. من لدن الله: يروى أنه لم يكن لدى الرهبان، في إحدى السنوات، ما يحتفلون به بعيد الفصح المجيد. وكان اليوم سبت النور. عدد التلاميذ، يومذاك، كان قد بلغ اثني عشر. حتى الخبز للذبيحة الإلهية كان ينقصهم. فتذمّروا على الشيخ في قلوبهم فقال لهم: "أعدّوا المائدة المقدّسة ولا تحزنوا لأن من أطعم الجموع في البرّية حتى الشبع سوف يعيننا نحن أيضاً وإن لم نكن مستأهلين لعونه". فلما قال لهم هذا إذا برجل يسوق بغلين يبلغ الدير حاملاً الخبز والخمر وضرورات الحياة الأخرى. حتى الخبز للذبيحة الإلهية كان بين ما حمله. وقد بقي الإخوة يقتاتون من المؤونة المنقولة حتى العنصرة. حمار معاند: من أخباره أيضاً أن رجلاً مقتدراً رحيماً كان يوزّع البركات على النسّاك ويسألهم الصلاة. ولسبب ما، ربما بتدبير من الله، كان لا يرسل لثيودوسيوس ورهبانه شيئاً. فجاء التلاميذ إلى معلّمهم وألحّوا عليه أن يقول للغني كلمة فيرسل للإخوة ما يتعزّون به لأن مؤونتهم وشيكة النفاذ. فأجابهم القديس ألا ييأسوا بل يلقوا رجاءهم على الله الحي لا على الناس. ولم يطل الوقت حتى لاحظ الإخوة رجلاً على الطريق يحاول أن يسوق حماره بعيداً عن المغارة والحمار واقف بعناد لا يشاء أن يتزحزح. كان الرجل يضرب الحمار والحمار لا يتحرّك. فأدرك، إذ ذاك، أن مشيئة الله ليست أن يذهب الحمار في الاتجاه الذي يريده هو. ولما تركه على سجيته تحرّكت البهيمة باتجاه مغارة القديس ثيودوسيوس وتوقّفت هناك. وإذ سأل الرجل الرهبان وعلم أنهم لا يملكون شيئاً تعجّب من رحمة الله وحمل إليهم ضعف ما حمله لغيرهم. مذ ذاك تعلّم تلاميذ القديس ثيودوسيوس ألا يضطربوا متى نقصت مؤونتهم وصاروا يلقون رجاءهم، كمعلّمهم، على الله الحي. بناء الدير: وازداد عدد الإخوة يوماً بعد يوم وضاقت المغارة بهم. وكان بينهم بعض الأغنياء والمقتدرين. لهذا السبب أخذوا يلّحون على قديس الله أن يعطي البركة لبناء دير يفي بالحاجات المتزايدة. تردّد القديس لبعض الوقت. رغبة قلبه كانت أن يترك كل شيء ويلتمس الوحدة والهدوء، ولكن محبة الله واعتبار قصده في هؤلاء الإخوة حتّما عليه الرضوخ. فقام وأخذ مبخرة وجعل فيها فحماً لم يشعله وبخوراً قائلاً في قلبه: أذهب بهذه المبخرة وحيثما اشتعل الفحم وفاحت رائحة البخور يكون هذا هو الموضع الذي اختاره الرب الإله لعبيده ديراً. فخرج على هذه الحال وتبعه تلاميذه. ولكن طالت بهم المسافة ولم يعطِ السيّد الإله ناراً. كل الأماكن التي كان يمكن، في ظن القديس وتلاميذه، أن تكون مناسبة عبروا بها ولكن من غير طائل. بلغوا صحراء كوتيلا وبحيرة الإسفلت ولمّا تظهر أية علامة. أخيراً ظنّ القديس إنها ليست مشيئة الله أن يشاد للإخوة دير فقفل عائداً إلى مغارته. ولكن، ما كاد وتلاميذه يعبرون بمغارة مهجورة حتى اشتعل الفحم وانبعثت رائحة البخور طيباً زكي الرائحة. فسرى الفرح عارماً بين الإخوة وعمدوا للحال إلى المباشرة بتنفيذ مأربهم. كان المكان على حوالي سبعة كيلومترات من بيت لحم. على هذا بنى الإخوة كنيسة جميلة وديراً فسيحاً ومستوصفاً ومضافة وكل ما يعين لا في قضاء حاجة الإخوة وحسب بل الحجّاج والزوّار والفقراء والمرضى من قصّاد الدير أيضاً، وكذلك الرهبان الزائرين والنبلاء. يقولون أن القديس ثيودوسيوس كان ذائع الصيت خصوصاً لثلاث مزايا اقتناها: أولاً النسك بدقة، وثانياً الضيافة بحبور دونما محاباة للوجوه، وثالثاً التركيز المتواتر على الصلاة المشتركة. لهذه الأسباب كثيرون تدفّقوا على الدير، فقراء ومعوزين، وكان القديس يهتم بهم فرداً فرداً ولا يهمل أياً منهم. بفرح كبير ومحبة دفّاقة كانوا يُستقبلون. كان القديس للأعمى عيناً وللعريان ملبساً وللبائس ملجأ وللمريض طبيباً ولكل مضروب بعاهة في النفس والجسد خادماً. كان يهتم بآلامهم الجسدية وجراحهم، يغسلهم ويلبسهم ويعزّيهم ويشجعهم على الصبر في البلوى التماساً للملكوت الآتي. وكان يقال أن الذين كانوا أكثر حاجة من سواهم وأقل أهمية من غيرهم، كان القديس يهتم بهم بالأكثر. وقلما انقضى نهار واحد ولمّا يفد على الدير مائة زائر ويزيد.في المجاعة: ضربت مرة المجاعة تلك النواحي وكان العيد عيد الدخول إلى أورشليم (الشعانين). فأخذ الزوّار يتقاطرون على الدير لا للتبرّك وحسب بل لأنهم كانوا بالأكثر جائعين. وازداد العدد فوق الحد حتى اضطرب الإخوة في الدير وارتخت أيديهم لأنهم قالوا ليس في الدير ما يكفيهم. لذلك ضاقت نفوسهم وأخذوا يبخلون على المحتاجين. فلما درى القديس بالأمر حزن على قلّة إيمان الإخوة وأمر للحال بفتح مداخل غرفة الطعام أمام الجميع وجعل كل ما في المخزن من طعام أمامهم ليأكلوا ملأهم ويتعزّوا. وهكذا كان. ومع أن المؤن الموفورة أصلاً كانت، في تقدير الإخوة، غير كافية لمثل هذا الجمع فإن البركة حلّت وتسنّى للآكلين أن يشبعوا ولمّا يبقى أحد منهم إلا امتلأ. فلما انفضّ الجمع خرج الإخوة إلى المخزن ليروا ما يمكن أن يكون قد بقي لحاجاتهم فألفوا المخزن ممتلئاً إلى فوق. كنائس الدير: بلغ عدد الرهبان في الدير 793 راهباً. وقد ابتنى لهم القديس أربع كنائس. واحدة كانت التسابيح فيها باليونانية وواحدة بالسريانية وواحدة بالأرمنية وواحدة للغرباء والممسوسين. سبع مرّات في اليوم كانت الصلوات ترتفع إلى السماء. بعد قراءة الإنجيل المقدّس كان الجميع ينتقلون إلى كنيسة اليونانيين ليكملوا القدّاس الإلهي. ثيودوسيوس كان أب الجميع وكان، بمثاله وتعاليمه، صورة حيّة للمسيح. الأب ورهبانه: كثيرون من تلاميذه أنهوا حياتهم نسّاكاً في القفار. آخرون اختيروا أساقفة ورؤساء أديرة. بعض تلاميذه رفض الخروج إلى العالم تحت أي ظرف وبعضهم تنسّك حتى إلى ثمانين سنة. انتشر خبر القديس ثيودوسيوس في كل مكان فجاؤوا إليه من كل فئات الشعب، عامة ونبلاء، فقراء وأغنياء، جنوداً وموظفين كباراً. الكل كان مستعداً للتخلي عن الرفعة التماساً لقربى القديس. بدا كأن في الأمر حلماً لا واقعاً عادياً. كثيرون من ذوي العلم والثقافة العامة نبذوا ما كانوا قد تعبوا من أجله اقتبالاً للتباله في المسيح لدى ثيودوسيوس ووصولاً لتلك الحكمة الفائقة على الطبيعة التي كان هو معلماً لها. هؤلاء وغيرهم احتضنهم رجل الله. حنا على المكسورين وقسا على المستكبرين معطياً كل علة دواءها وكل نفس علاجها. كان على حكمة إلهية فائقة، عارفاً مكنونات القلوب ومجريات الفكر، طالباً، في كل أمر، منفعة من انتفعوا إليه. متى عزّى فكما بوقار ومتى وبّخ فكما بلطف. عرف، بنعمة ربّه، كيف يكون في خدمة الإخوة وكيف يدبّر خلاصهم في آن. وعرف أيضاً أن يحفظ، في داخله، سلام المسيح، رغم خلطته بالناس. النعمة الإلهية التي تكمِّل كمّلته. هذا لا شك فيه. ولكن لا شك أيضاً إن محبته لله كانت أكبر من أن تحيد عنها نفسه ويلهو عنه. يذكر أن القديس ثيودوسيوس تعيّن رئيساً لأديرة الشركة في فلسطين فيما كان القديس سابا المتقدِّس رئيساً للنسّاك والرهبان العائشين في اللافرا. وقد ارتبط الرجلان بمحبة كبيرة أحدهما للآخر وكانا يلتقيان أحياناً كثيرة ليتبادلا الكلام في الشأن الروحي، كما جاهدا سوية ضد الهراطقة. مواجهة مع الإمبراطور: في ذلك الزمان كان الإمبراطور البيزنطي أنسطاسيوس على هرطقة أفتيشيوس بشأن طبيعة المسيح الواحدة وقد سعى باللين حيناً وبالشدة أحياناً إلى كسر مقاومة المقاومين له في هذا الأمر. وقد بعث لثيودوسيوس بمبلغ كبير من المال مدعياً أنه للفقراء والمحتاجين. لم يكن أمام القديس أي خيار سوى قبول العطية لئلا يتسبّب في فضيحة. ثم بعد مدة يسيرة أوفد إليه أنسطاسيوس مرسلين يدعوه إلى إعلان إيمانه على مذهب الإمبراطور فكان جوابه واضحاً حازماً. جمع ثيودوسيوس آباء البرّية. وبعد التداول معهم أرسلوا للملك جواباً، جاء فيه: "لما كنت قد جعلتنا أمام خيارين: أما أن نحيا بمذلة من دون حرّية... أو أن نواجه ميتة عنيفة ولكن مشرِّفة، فيما خصّ التمسك بعقيدة الآباء القدّيسين الصحيحة، فإننا نقول لك إننا نفضّل الموت! ولا نقول فقط إننا لا نرغب في الحيدان عن الإيمان، بل ندين أيضاً كل من يشتركون معك في آرائك... لن نتخلّى عن الأرثوذكسية أبداً ولن نحيد عنها قيد شعرة، ولا نبالي حتى ولو أضرمت النار في الأرض المقدّسة أو كبّدتنا المشقّات، أياً تكن. لن نجاريك البتة ولو حلّلت دمنا! سوف نتمسّك إلى الأبد بالمجامع المسكونية الأربعة...". وقد وقف القديس ثيودوسيوس في جمهرة من الناس وأعلن: "كل من ناهض المجامع المسكونية الأربعة وأبى أن يكرمهم على غرار الأناجيل الأربعة فليكن أناثيما". غضب الإمبراطور غضباً شديداً وأمر بنفي القديس. لكن غيابه عن ديره ورهبانه لم يدم طويلاً لأن الإمبراطور مات بعد حين. عجائب القديس: ورد عن القديس ثيودوسيوس أنه اجترح عدداً كبيراً من العجائب محبة بالمؤمنين بينها أنه شفى امرأة من سرطان الثدي وأكثر القمح لدى راهب ومعدم من حبة قمح واحدة ونجّى ولداً من الموت المحتّم إثر سقوطه في بئر عميق وببركته وصلاته شفى امرأة كادت تطّرح قبل الولادة. ومما يحكى عنه أيضاً - وكان في سن الشيخوخة ولا يقوى على استعمال رجليه إلا بصعوبة - أن جراداً وحشرات فتّاكة اجتاحت المكان، فصلى إلى الرب الإله من أجلها، ثم أخذ جرادة واحدة وحشرة واحدة في كفّه وكلّمهما برفق قائلاً: "إن سيّدنا وسيّدكم يأمركم بعدم أذيّة الفقير والامتناع عن التهام مؤونته". للحال كفّ الجراد والحشرات الفتاكة عن أذية الأرض. وإذ لازموا المكان اكتفوا من الطعام بالأشواك. هذا غيض من فيض. رقاده: عاش القديس ثيودوسيوس إلى سن المائة وخمس سنوات. وقد عانى من أوجاع مبرِّحة طيلة سنة كاملة قبل رقاده، إذ تقرّح جلد أردافه وتآكل حتى إلى العظم. فلما جاء أحد الشيوخ سائلاً إياه أن يرفع الطلبة من أجل نفسه إلى الله أجابه القديس: "لا تتفوه بكلام لا يليق! فما تقوله خطر ببالي مرّات عديدة، وأنا كنت أعرف إنه من إبليس، لذلك طردته واعتبرته جارحاً لنفسي. فإني تنعّمت كثيراً في حياتي وذاع اسمي حتى وصل إلى أمكنة بعيدة. لذلك عليّ أن أتألم قليلاً ليكون لي أن أجد تعزية في الحياة الآتية ولا أسمع الحكم الذي صدر بحق ذاك الرجل الغني: "اذكر انك استوفيت خيراتك في حياتك وكذلك لعازر البلايا. والآن هو يتعزّى وأنت تتعذّب" (لوقا35:16). على هذا أمضى فترة آلامه بصبر وشكر وتسبيح. كان يصلّي كل ساعة ولا يكفّ عن الإنشاد. ولما عرف أن ساعته دنت جمع الإخوة وحثَّهم على الصبر في الملمّات إلى المنتهى وأن يخضعوا لرئيسهم. ثم بعد ثلاثة أيام ودّع وصلّى صلاة عميقة وجعل يديه على صدره بشكل صليب وغادرهم إلى ربّه بسلام. |
||||
20 - 12 - 2016, 06:33 PM | رقم المشاركة : ( 15409 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أبونا الجليل في القديسين غريغوريوس أسقف نيصص طروبارية* باللحن* الرابع يا* إله* آبائنا* الصانع* معنا* دائمًا* بحسب* وداعتك،* لا* تُبعد* عنا* رحمتك،* بل* بتضرّعاتهم* دبّر* بالسلامة* حياتنا*. قنداق* باللحن* الثاني إن* رئيس* كهنة* البيعة* الإلهي،* ومسارّ* الحكمة* الموقرَّة* المختار،* ذا* العقل* الساهر* غريغوريوس* الراتع* مع* الملائكة* والمتنعم* بالنور* الإلهي،* يتشفع* بغير* فتور* من* أجلنا* جميعًا*. ولادته* ونشأته*: هو* الابن* الرابع* لباسيليوس* الشيخ* وإميليا* القديسين* وأخ* كلّ* من* القدّيسين* باسيليوس* الكبير (١ كانون* الثاني)،* والبارة* مكرينا، (١٩ تموز)، *وبطرس* السبسطي (*٩ *كانون الثاني). أصغر* من* أخيه* القدّيس* باسيليوس* بسنوات* قليلة*. لذلك* قيل* إنه* ولد* سنة * م٣٣١على* وجه* التقريب،* وقيل* أيضًا* سنة٣٣٥م. نشأ* القدّيس* غريغوريوس* في* عائلة* مسيحيّة* عرفت* بالتقوى* والقداسة،* أعدّته* منذ* نعومة* أظافره* للحياة* الإكليريكيّة*. ترعّرع* في* قيصريّة* الكبادوك،* وأحب* الهدوء* والوحدة* منذ* صغره*. لم* يتنقّل* بين* المدارس* المعروفة* في* زمانه* كأخيه* القدّيس* باسيليوس* بل* فضّل* البقاء* في* قيصرية* كبادوكيا* ليدرس* على* يد* أبيه* باسيليوس* الشيخ،* فانكبَّ* على* مكتبتِهِ،* وتعمّق* بالفلسفة* بشغف* وإمعان*. لم* تستهوِهِ* نزعة* أمه* ولا* شغفها* بالمسيحيّة*. مع* ذلك* كان* مقبلاً* على* الكنيسة،* ولكنّه* كان* يتأفف* في* شبابه* من* الصلوات* الطويلة* والتلاوات* المزموريّة* التي* تدوم* الليل* بطوله*. القدّيس غريغوريوس والأربعون* شهيدًا*: مرّة،* وهو* في* العشرين* من* عمره،* اضطر،* بإيعاز* من* والدته* التي* كانت* تعشق* الصلوات* والسهرانيّات،* أن* يحضر* سهرانيّة* في* كنيسة* للعائلة* على* اسم* الأربعين* شهيدًا،* كان* سيجري* نقل* بعض* رفات* الشهداء* إليها*. وصل* القدّيس* غريغوريوس* إلى* هناك* غاضبًا* لأنّه* ترك* أصدقائه،* وبدأ* يُبدي* تضجّرًا* من* الصلوات* ويتأفّف* من* طولها* ويتمتم* بكلماتٍ* أزعجت* الحاضرين* من* حوله،* وانتهي* به* المطاف* بأنّه* تسلّل* خارج* الكنيسة* إلى* حديقة* مجاورة* وخلد* إلى* النوم* وهو* ينظر* إلى* السماء* ويتأمّل* النجوم* .وهناك* كان* الله* بانتظاره*. أتاه* حلم* في* في* نومه* بدا* له* خلاله* كأنّه* في* صحو،* وقد* شعر* في* الحلم* برغبةٍ* جامحةٍ* في* العودة* إلى* الكنيسة* والاشتراك* في* الصلاة* الدائرة* فيها*. فلما* همّ* بالتوجه* إلى* هناك،* وكل* ّذلك* في* الحلم،* إذ* بأربعين* شهيدًا* مسلّحين* يقفون* في* وجهه* ويتهدّدونه،* وكادوا* أن* يسحقوه* لو* لم* يرأف* به* أحدهم*. بدى* الحلم* كأنّه* حيًّا* لدرجة* أن* القدّيس* غريغوريوس* استفاق* منه* وهو* يبكي*. فهمّ* مسرعًا* ودخل* الكنيسة* مستسمحًا* ربّه* والشهداء* القدّيسين* الأربعين. وقد* كتب* لاحقًا* وعظتين* رائعتين* عن* هؤلاء* القدّيسين* الأربعين* الشهداء* من* سبسطية*) يُعيّد* لهم* في ٩ أذار)* ،ألقاهما* في* كنيسة* شيّدت* على* اسمهم،* وعند* وفاة* والديه* قام* بدفنهما* قرب* ذخائر* هؤلاء* المعترفين* القدّيسين. هذه* كانت* أولى* الصدمات الإيجابيّة التي* تلقّاها* في* شبابه*. ويبدو* أن* عددًا* منها سيكون* في* انتظاره*. شغفه* بالبلاغة*: ظلّت* البلاغة* وعلم* الخطابة* شفغه* الأوَّل*. رُسم* قارئًا* في* الكنيسة* لكنّه* بات* يغوص* أكثر* فأكثر* في* علم* البلاغة* فصار* معلماً* لها،* ربما* في* خطى* أبيه*. وكان* هذا،* فيما* يبدو،* على* حساب* مسيحيّته* وخدمته* كقارئ* لأن* الأجواء* التي* جعل* نفسه* فيها* كانت* أدنى* إلى* الوثنية*.* فمكان* من* القدّيس* غريغوريوس* اللاهوتي،* صديقه* وصديق* أخيه* القدّيس* باسيليوس،* أن* بعث* إليه* لائمًا* وداعيًا* إياه* لأن* يعود* إلى* صوابه،* كاتبًا*:*«إذن،* أنت* مصمّم* أن* تدعى* بليغًا* بدل* أن* تُدعى* مسيحيًّا*... فيا* صاحبي،* لا* تقم* طويلاً* على* ذلك*. اصح* قبل* فوات* الأوان*! عد* إلى* نفسك* واسأل* الصفح* من* الله* والمؤمنين*»*. ومع* أننا* لا* نعرف* تمامًا* كم* دامت* هذه* الفترة* من* حياته،* إلّا* أنه* ليس* ما* يشير* إلى* أنّه* أقلع* عما* عزم* عليه* انتصاحًا* بما* أتاه* من* صديقه*.* زواجه*: هذا،* وفي* تلك* الحقبة* أيضًا،* تزوّج* القدّيس* غريغوريوس* من* فتاةٍ* ذات* ثقافة* دينية* مميّزة* أحبّها* جدًا* اسمها* ثيوزيبا،* لا* نعلم* شيئًا* عن* مصير* زواجه* وزوجته،* ولكن* ثمّة* عبارة* تدل* على* أن* علاقته* مع* زوجته* أصبحت* روحيّة* فقط،* وربما* توفيت* قبل* سيامته* أسقفًا*. وجه* القدّيس* غريغوريوس* اللاهوتي* في* مماتها* رسالة* تعزية* إلى* القدّيس* غريغوريوس* النيصصي* يقول* عنها* أنّه* رأى* فيها* *«مجد* الكنيسة* وزينة* المسيح* ومعينة* جيلنا* ورجاء* النسوية* ومن* أكثر* الأخوات* جمالاً*»*. كما* اعتبرها* *«قدّيسة* وزوجة* كاهن* حقّانية*»*. بساطة* عقل* كاملة*: سنوات* شباب* القدّيس* غريغوريوس* مرّت* كما* لو* كانت* بعضًا* من* حلم* اليقظة،* وقد* بدا* خلالها* أن* إعداده* لنفسه،* باعتبار* المهام* التي* نعرف* أنّها* كانت* بانتظاره،* كان* بطيئًا* ومتعثّرًا*. التعثّر* والنقص* في* اللباقة* لديه* أسماهما* القدّّيس* باسيليوس* الكبير* *«بساطة* عقل* كاملة*». ثلاث* رسائل* مزوّرة*: لم* يكن* غريغوريوس* من* النوع* الذي* يُتوقّع* منه* أن* ينظر* إلى* الأمور* كما* ينظر* إليها* الآخرون*. فلقد* زوّر* مرّة* ثلاث* رسائل* سلاميّة* دفعها* إلى* أخيه* القدّيس* باسيليوس* مُدعيًّا* أنّها* من* عم* له* أسقف* كان* القدّيس* باسيليوس* على* خلاف* معه*. فلمّا* اكتشف* القدّيس* باسيليوس* إن* في* الأمر* تزويرًا* بدا* محرجًا،* وغضب* على* أخيه،* ثم* أرسل* يقول* له*: *«أرجوك* في* المستقبل* أن* تنتبه* إلى* نفسك* وتعفيني* من* هذه* الألاعيب*! أكلّمك* بصراحة*! لأنّك* لا* تستحق* أن* تتعاطى* القضايا* الكبيرة*». رغم* ذلك* لا* يبدو* أن* القدّيس* غريغوريوس* أسف* عما* ارتكبه،* بل* بكل* بساطة* اعتبر* أن* المسألة* بين* القدّيس* باسيليوس* وعمّه* سخيفة* ولا* تستوجب* القطيعة،* وما* فعله* هو،* من* ناحيته،* لم* يتعدّ* كونه* محاولة* للجمع* بينهما*. حياته* الرهبانية*: ثمّة* من* يقول* إن* القدّيس* باسيليوس* دعاه* إلى* منسكه* في* إيبورا* على* ضفاف* نهر* الإيريس* في* كبادوكيا*. بعض* الدارسين* يقول* إنه* لبّى* الدعوة* والبعض* إنه* لم* يذهب* إلى* هناك* البتّة،* ولكنّه* في* كلا* الحالتين،* كان* يعيش* حياة* رهبنة* وهدوئية* كاملة* ربمّا* في* دير* شاركت* في* تأسيسه* عائلته*. القدّيس* غريغوريوس* أسقفًا*: كان* يمكن* للقدّيس* غريغوريوس* أن* يبقى* على* الحياة* النسكيّة* والهدوئيّة* لو* لم* يطرأ* ما* جعل* أخاه* القدّيس* باسيليوس* يرسمه* أسقفًا* عنوةً* عنه* على* مدينة* صغيرة* تُدعى* نيصص* تبعد* عشرة* أميال* عن* قيصريّة* الكبادوك* لجهة* الشرق*. القدّيس* غريغوريوس،* من* ناحيته،* استاء* جدًا* من* بادرة* أخيه،* وقد* قال* فيما* بعد* إن* يوم* رسامته* أسقفًا* كان* أكثر* أيامه* شقاء،* ولكنّه* رضخ* للمشيئة* الإلهيّة،* وقد* تبيّن* من* خلال* المجريات* التي* جرت* لاحقًا* والدور* الكبير* الذي* لعبه* القدّيس* غريغوريوس* في* حماية* الإيمان* أن* قرار* القدّيس* باسيليوس* كان* فعلًا* مطابقًا* للمشيئة* الإلهيّة*. فلقد* دخل* القدّيس* باسيليوس* في* صراع* مع* الإمبراطور* الآريوسي* والنس* الذي* شطر* أبرشية* قيصريّة* إلى* شطرين،* وجعل* على* القسم* الكبير* منها* رجلاً* من* محازبيه* اسمه* أنثيموس،* مقرّه* في* تيانا. فعمد* القدّيس* باسيليوس* إلى* خلق* أسقفيّات* جديدة،* ولو* صغيرة،* وجعل* عليها* أساقفة* من* أتباعه*. القدّيس* غريغوريوس* كان* أحد* الذين* وقع* عليهم* وزر* هذا* الصراع*. طبعًا* كان* القدّيس* باسيليوس* يعرف* جيدًا* أن* أخاه* لا* يصلح* لرعاية* شعب*. كان* لا* يحب* عشرة* الناس* ويكره* أن* يصدر* الأوامر* إلى* أحد،* ولا* يعرف* من* مناورات* السياسة* الكنسية* شيئًا*. رغم* ذلك* كلّه* جعله* القدّيس* باسيليوس* أسقفًا* على* نيصص*. كان* يكفيه،* في* تلك* الفترة* الحرجة* من* تاريخ* الصراع* بين* الأرثوذكسيّة* والآريوسيّة،* أن* أخاه* القدّيس* غريغوريوس* على* استقامة* الإيمان* وله* من* المعرفة* والحجّة* والبيان* ما* يؤهّله* للدفاع* عن* الإيمان* الحقيقي* والمحافظة* على* سلامة* العقيدة*. القدّيس* غريغوريوس* في* الأسقفيّة*: لقد* بدا* واضحًا* أن* المعضلات* الرعائّيّة* لم* توافق* طبعه* وشخصيّته* الهدوئيّة* جدًا،* فبدا* وكأنّه* لم* يكن* يملك* المؤهّلات* الكافية* للأعمال* الإدارية،* وكان* القدّيس* باسيليوس* يشكو* في* رسائله* من* سذاجته* وعدم* خبرته* الكليّة* في* شؤون* الإدارة* الكنسّية*. وصحيح* أنّه* كان* مختلف* الطباع* والشخصية* عن* شقيقه* القدّيس* باسيليوس،* إلّا* أنّه* كان* ذا* مواهب* فذّة* لا* نجدها* عند* أحد* غيره* من* أفراد* الأسرة*. ففيما* كان* القدّيس* باسيليوس* رجل* عمل* وتنظيم* وإقدام،* كان* غريغوريوس* رجل* تأمّل* وهدوء*. أتّهم* بالانطوائيّة*. صوت* أخيه* كان* يملأ* المكان* فيما* لم* يسمع* له* هو* صوت* إلّا* عبر* أخيه* طالما* بقي* أخوه* على* قيد* الحياة*. كان* يميل* جدًا* إلى* القراءة* والكتابة،* وكان* يتمتّع* بنظرة* إيجابيّة* تجاه* الناس* مهما* إختلف* طباعهم* وتصرّفهم*. سجن* القدّيس* غريغوريوس* والإطاحة* به*: لم* تكن* للقدّيس* غريغوريوس* أيّة* معرفة* بالسلوك* البشري*. اللباقة* في* التعاطي* مع* الناس* كانت* تنقصه،* كما* لم* تكن* له* أيّة* فكرة* عن* القضايا* المالية* وكيفيّة* معالجتها*. لذلك* لم* يلبث* أعداؤه* من* الآريوسيين* أن* وجّهوا* إليه* اتّهامات* تتعلّق* باستعمال* أموال* أسقفيته* وتحويّلها* لمصلحته*. وقد* أدين،* ووضع* الحرس* الإمبراطوري* الأصفاد* في* يديه*. لكنّه* تمكّن* من* الإفلات* واختبأ* لدى* بعضأصحابه*. في* تلك* الأثناء،* أطاح* به* مجمع* ضمّ* عددًا* من* الأساقفة* الآريوسيين،* وقد* توارى* عن* الأنظار* إلى* حين* وفاة* فالنس* الإمبراطور. حبّه* كبير* للناس* وحب* الناس* له*: استهواه* رغم* ذلك* شيءٌ* ما* في* نيصص*. فقد* تعلَّق* به* الناس* هناك* تعلقاً* كبيراً* وأحب* هو* بيته* الصغير* فيها* حبَّاً* جمَّاً*. وقد* أبدىَ* غيرةً* على* شعبه* وإخلاصاً*. وكان* يقوم* بواجباته* ويقضي* أيَّامه* في* صلاة* مع* ربّه* في* صلاة* وشكر*. ذكر،* في* إحدى* رسائله،* أنّه* فضّل* حالة* الكسوف* التي* كان* عليها* في* تلك* الفترة* على* التحلّي* بأثواب* الأسقفية. رغم* ذلك،* شيء* ما* في* نيصص* استهواه*. تعلّق* به* الناس* هناك* تعلّقًا* كبيرًا،* وأحب* هو* بيته* الصغير* فيها* حبًا* جمًّا*. أوَّل* ما* دخلها* اعتبر* أنّه* دخل* في* صحراء* واعتبر* الناس* من* دون* رحمة*. لكنّه* ما* لبث* أن* غيّر* رأيه* فيهم*. وقد* أبدى* غيرة* على* شعبه* وإخلاصًا. كما* ذكر* أنّه* عرف* أن* يخاطب* الناس* ويعظهم* بلغّة* يفهمونها. ما* قيل* عن* عزوفه* عن* خلطة* الناس* وقلّة* اعتباره* لهم* لم* يبدو،* على* أرض* الواقع،* صحيحًا* كما* كان* متوقعًّا*. التحديّات* هي* التي* كشفت* حقيقة* استعداداته*. وضربت* الصاعقة*: رقد* القديس* باسيليوس*! بقي* في* الخفاء* إلى* أن* وجد* نفسه،* بعد* رقاد* أخاه* القدّيس* باسيليوس*(379م*)،* في* الطليعة*. ما* كان* القدّيس* غريغوريوس* يتظلّل* به* انتزح،* وما* كان* يتّكئ* عليه* ارتحل*. كان* أمام* قدّيسنا* خياران*: إمّا* أن* يموت* وإما* أن* يكبر،* ولكن* بالآلام*. فكان* أن* كبر* إلى* قامة* شهد* له* بها* آباء* زمانه* والأزمنة* اللاحقة* إلى* اليوم*. ولم* تمض* عليه* أشهر* قليلة* من* وفاة* شقيقه* حتى* تلقّى* صدمة* أخرى* بوفاة* شقيقته* مكرينا* التي* كان* يدعوها* *«معلّمته* الروحيّة*». فبات* الوريث* لاسم* أخيه* وشهرته* وتركته* اللاهوتية* والروحيّة،* وبات* في* تحدٍ* كبيرٍ* من* أجل* المحافظة* على* الهدوئيّة* في* وسط* بركانٍ* من* الهرطقات* والشذوذ* والفوضى* كنسيًّا* وإكليريكيًّا* وعالميًّا*. شق* طريقه* بنجاح* وثبات* متّكلًا* على* الله* كحمل* بين* الذئاب*. نفيه*: كان* الإمبراطور* الحاكم* والنس* يميل* إلى* الهرطقة* الآريوسية* فساندهم* في* عقد* مجمع* محلّي* سنة* 376* أقال* فيه* القدّيس* غريغوريوس،* مما* اضطر* إلى* التخلّي* عن* أبرشيته* لحين* موت* الحاكم،* وعاد* إلى* مدينته* نيصص* منتصرًا* واستُقبل* بحفاوة* كبيرة،* وتابع* عمله* الرعائي* بسلام*. حامي* الأرثوذكسيَّة*: سنة٣٧٩* م* برز* اسمه* في* المجمع* المنعقد* في* مدينة* أنطاكية* الملتئم* لإنهاء* مشكلة* الانشقاق* فيها*. تسلّطت* الأضواء* عليه* في* هذا* المجمع* نظرًا* لروحانيّته* وموهبته* الخطابية* المميّزة،* فنال* ثقة* المجمع* وأُرسل* بمهمة* إلى* فلسطين* والعربية*. كذلك* كلِّف* القيام* بجولة* استطلاع* على* كنائس* البنطس*. سبسطيا* الأرمنية* رغبت* في* أن* يكون* أسقفها* وانتهى* الأمر* باختيار* أخيه* بطرس* أسقفًا* عليها*. في* العام ٣٨٠م،* أعلن* الإمبراطور* ثيودوسيوس* أن* المسيحيّة* هي* دين* الإمبراطوريّة* ودعا* إلى* مجمع* في* عاصمته* في* عام*٣٨١م*. سنة ٣٨١م اشترك* القدّيس* غريغوريوس* وصديقه* القدّيس* غريغوريوس* اللاهوتي* في* المجمع* المسكوني* الثاني* في* القسطنطينية* حيث* حيّاه* المجتمعون* كـ* *«عمود* الأرثوذكسية*»*. وقد* ألقى* الخطبة* الافتتاحية* فيه،* ثم* بكى* بعد* أيام* وهو* يلقي* جنائزيته* إثر* وفاة* القدّيس* ملاتيوس* الأنطاكي*. نلاحظ* أن* في* هذه* الفترة* كان* قد* توفي* القدّيس* باسيليوس،* وبرزت* شخصيته* بقوة* إلى* حيّز* الوجود*. فمثّل* دورًا* هامًا* أثناء* انعقاد* المجمع* وشعر* الجميع* بأنه* وريث* فكر* أخيه* الذي* اختارته* العناية* الإلهية* لكي* تنتصر* الحقيقة* بواسطته*. لم* يستكين* الآريوسيّين* الذين* كان* ينادون* بعدم* ألوهة* الرّب* يسوع،* وبالرغم* من* خسارتهم* في* المجمع* المسكوني* الأوًّل* الذي* انعقد* في* نيقية* عام* *٣٢٥م،* عادوا* لينادوا* بعدم* ألوهة* الروح* القدس،* فلقّبوا* بمحاربي* الروح*. وقد* ذُكر* أن* القسم* الأخير* من* دستور* الإيمان* حول* ألوهة* الروح* القدس،* وهو* المضاف* إلى* الوثيقة* النيقاوية،* من* عمله*. كانت* له* في* مدينة* القسطنطينية* لقاءات* والقدّيس* ايرونيموس* وأوليمبيا* الشماسة* المعروفة* التي* التصق* اسمها* باسم* القدّيس* يوحنا* الذهبي* الفم*. كما* قيل* إن* إقامته* في* المدينة* المتملّكة* لم* تدم* طويلاً*. نمط* الحياة* فيها* كان* يغيظه*. الصراعات* اللاهوتيّة* الكلاميّة* فيها* حتى* الابتذال* أخرجته* منها* غير* آسف*. الخلافات* العقائديّة* في* المدينة* كانت* موضوع* تندّر*. فلو* سألت* الخبّاز* عن* ثمن* الرغيف* لأجابك* إن* الابن* هو* دون* الآب* السماوي،* ولو* سألت* متى* يكون* الحمّام* جاهزاً* لأجابوك* أن* الابن* مصنوع* من* العدم*. * أثناء* مهامه* الاستطلاعيّة* لوضع* الكنيسة* في* العربية* وبابل،* عرّج* على* أورشليم* فخيّبت* آماله،* لا* سيما* لجحافل* الحجّاج* إليها*. كانوا* قذرين* وعاداتهم* في* الفنادق* أحدثت* له* صدمة*. وجد* أورشليم* شديدة* القذارة،* زانية* وليس* في* الإمبراطورية* مدينة* أكثر* ميلاً* إلى* الجريمة* منها*. فلفظ* حكمه* عليها* بقوله*: *«لا* يمكنني* أن* أتصوّر* السيد* عائشاً* في* الجسد* اليوم* فيها،* أو* أن* ثمة* فيضاً* من* الروح* القدس* في* المكان*»*. لم* ينصح* بزيارتها* أو* الحجّ* إليها*. الخلود* إلى* سكون* النفس* خير* منها*. يبدو* أن* فصاحته* نالت* فيما* بعد* إعجاب* بلاط* القسطنطينية،* فنراه* ما* بين* سنة ٣٨٥م* و٣٨٦م* يلقي* عظة* رائعة* في* تأبين* الأميرة* بولكاريا،* ثم* بعد* ذلك* استدعي* لوفاة* الأمبراطورة* فلاسيللأ* زوجة* ثيودوسيوس،* فاستذوقت* كلمته* التأبينية* الطبقة* الأرستقراطية* وذاعت* شهرته* وازداد* نفوذه*. إلا* أن* هذا* الأمر* لم* يؤثر* على* كبريائه* بل* بقي* متواضعًا* مبتعدًا* عن* أمجاد* الدنيا*. بعدئذ* يُذكر* اسمه* سنة ٣٩٤م* في* مجمع* ثانٍ* عقد* في* القسطنطينية* ثم* يتوارى* ذكره* من* صفحات* التاريخ*. * صفاته* وألقابُهُ* بحسب* ما* وصفته* الكنيسة*: يُطلَق* عليه* مع* شقيقه* القدّيس* باسيليوس* والقدّيس* غريغوريوس* النازينزي* لقب* الآباء* الكَبادوكيّين* لأنّهم* يتحدّرون* من* منطقة* الكَبادوك* في* وسط* تركيا*. يُعتبر* القدّيس* غريغوريوس* النيصصي* أكثر* الآباء* تبحّرًا* في* فلسفات* الأقدمين* ونجاحًا* في* سوقها* إلى* طاعة* المسيح،* وكان* ممكن* أن* يماثله* بذاك* أوريجنس* لولا* لم* يكن* له* شروده*. لقبّه* آباء* الكنيسة* في* زمانه* بـ* *«عمود* الأرثوذكسية*»* واعتبروه* خليفة* القدّيسين* أثناسيوس* الكبير* وباسيليوس* الكبير*. كما* أطلق* عليه* آباء* المجمع* المسكوني* السابع،* بعد* أربعمائة* سنة* تقريبًا* من* رقاده (٧٨٧م)* ،*لقب* *«أب* الآباء*»*. كان* يكفيه* أن* يكون* إنسانًا،* أن* يتردّد* في* الأرض،* أن* يسبّح* الله،* أن* يستغرق* في* السر* الإلهي*. قال*: *«إن* مجمل* البشريّة* هي* الله*»،* والحق* إنّه* ما* كان* لأحد* أن* يظن* أن* رجلاً* مثله* كان* يمكن* أن* يكون* له* التأثير* الذي* أحدثه* في* الكنيسة* المقدّسة،* مذ* ذاك*. حبُّهُ* للصَّلاة*: كان* القديس* غريغوريوس* يعلِّق* على* حياة* الصلاة* أهميَّة* قصوى*. من* أقوالِهِ* فيها*:*»* الصلاة* هي* بهجة* الفرحين*, وتعزية* المضنوكين،* وتاج* العروس* ،والعيد* في* أعياد* الميلاد،* والكفن* الذي* يلفُّنا* في* مثوانا* الأخير*»*. *- أن* يصلّي* المرء،* ألا* يطلب* شيئًا* في* المقابل،* أن* يخدم* ربّه،* أن* يجتنّب* التجارب،* أن* يمسّ* الأرض* بخفّة* بقدميه،* أن* يكون* دائم* الفرح،* هو* كلّ* المشتهى* في* عين* القدّيس* غريغوريوس،* وهلاّ* لإنسان* أن* يلتمس* في* حياته* أكثر* من* ذلك؟*! مؤلفاتُهُ*: ألّف* الكثير* من* المقالات* والتفاسير* الكتابية* والكتابات* الروحيّة* والمواعظ* منها*: *«في* التعليم* المسيحي*»*,*»حياة* موسى*»*, *«في* صلاة* الأبانا*»*, *«حياة* مكرينا*»*, *«في* نشيد* الأنشاد*»،* *«في* المؤسسات* المسيحية*»*, *«في* التطوّيبات*»*. *- *«حول* العذريّة*»*: كتب* هذا* الكتاب* بإيعاز* من* شقيقه* القدّيس* باسيليوس،* وهو* أدنى* إلى* التأمّلات* الفلسفية* منه* إلى* الواقع* المعيوش*. وقد* أبرز* فيه* القدّيس* غريغوريوس* أن* المثال* بالنسبة* إليه* يكمن* في* الثاوريا،* في* تأمّل* النفس* لله* بعدما* تكون* قد* تجرّدت* من* كلّ* الهموم* إلّا* من* محبّة* الله*. لم* يدافع* في* كتابه* عن* العزوبيّة* لكنّه* سلّط* الضوء* على* المشاكل* والهموم* التي* تواجه* الحياة* الزوجيّة*. *- *«ليس* هناك* ثلاثة* آلهة*»*: يشرح* القدّيس* غريغوريوس* في* هذه* المقالة* أن* كلّ* عمل* في* التاريخ* يقوم* به* الآب* أو* الابن* أو* الروح* القدس،* إنما* يقوم* به* بالاشتراك* مع* الاثنين* الآخرين* موضّحًا* وحدة* الطبيعة* الإلهية* والمشيئة* الإلهيّة* الواحدة* ،* وإلى* عدم* تعدّد* الآلهة* في* المسيحية*. كما* كان* له* شرح* وافٍ* لتبيان* ألوهة* الروح* القدس* ضد* مكدونيوس* الذي* نكر* ألوهة* الروح* القدس* واعتبره* أحد* الأرواح* الخادمة،* وأنه* لا* يختلف* عن* الملائكة* إلا* بالرتبة،* وإفنوميوس* الذي* كان* يجعل* الروح* القدس* ثالثًا* في* الكرامة* والمرتبة* والطبيعة* بعد* الآب* والابن*. *- *«خَلْق* الإنسان*»*: يعرض* في* كتابه* هذا* أن* الفرق* بين* الله* والإنسان،* الذي* هو* صورة* الله،* فهو* أن* الأول* غير* مخلوق* والثاني* مخلوق،* أي* أن* الأوَّل* كائن* بذاته* *«يهوى*»،* أما* الثاني* فيستمد* وجوده* من* الأوًّل* مخلوقًا* من* العدم*. وفي* الكتاب* عينه* يتطرّق* النيصصي* إلى* موضوع* الشر،* فيؤكّد* أن* الإنسان* أخطأ* في* استعمال* الحريّة* التي* جعلها* الله* فيه* والتي* ميّزه* فيها* عن* باقي* المخلوقات* غير* العاقلة،* فإرتكاب* الخطيئة* ووقع* في* الشر*. *- في* شرحه* الصلاة* الربيّة* يجعل* القدّيس* غريغوريوس* النيصصيّ* تماهيًا* بين* الروح* القدس* والملكوت* السماوي،* فيقول* أن* الآية* *«ليأتِ* ملكوتك*»* وردت* في* إحدى* القراءات* *«ليأتِ* الروح* القدس* علينا* ويطهّرنا*»*. هذا* التماهي* استمر* في* الإيمان* المسيحي* والتقليد*. ولأن* الروح* القدس* حاضر* دوما* في* حياة* الكنيسة* والمؤمنين*, فالملكوت* ليس* شيئا* مستقبليا* ننتظره* بل* هو* حاضر* أيضا* في* حياة* الجماعة* المسيحية*. رُقادُهُ*: توفي* على* الأرجح* سنة٣٩٥م ملاحظة:* استقصى* المؤرخون* مراحل* حياته* من* خلال* معلومات* مبعثرة* في* كتاباته،* ومن* رسائل* القدّيّس* باسيليوس* ومن* وثائق* تاريخية* كنسيّة*. |
||||
20 - 12 - 2016, 06:40 PM | رقم المشاركة : ( 15410 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
النبي السابق يوحنا المعمدان يوحنّا اسم عبري مؤلّف من كلمتين: "يهوه أي الله و"حنان" أي الرأفة. - النبي السابق يوحنا المعمدان: تقيم الكنيسة الأرثوذكسيّة في اليوم السابع من شهر كانون الثاني من كلّ عام تذكارًا حافلاً للنبي السابق المجيد يوحنا المعمدان على غرار العيد الجامع لوالدة الإله الذي احتفلنا به في اليوم التالي من عيد الميلاد المجيد. هكذا جرت العادة في بعض الأعياد السيّدية. ولد القدّيس يوحنا المعمدان من والدين تقيين وهما الكاهن زكريا وأليصابات. (راجع إنجيل لوقا الإصحاح الاوّل) له مكانة كبيرة في الكنيسة إن من ناحية رسالته وإن من ناحية مكانته في الليتورجيا. - أعياد القدّيس: للقدّيس يوحنا المعمدان ستّة أعياد على مدار السنة وهي على الشكل التالي: * تذكار مولده في 24 حزيران. * تذكار قطع رأسه في 29 آب. * تذكار الحبل به في 23 أيلول. * تذكار العيد الجامع في 7 كانون الثاني. * تذكار وجود أوّل وثاني لهامته في في 24 شباط. * تذكار ثالث لوجود هامته في 25 آيار. - القدّيس يوحنا المعمدان أعظم من نبيّ: الرّب يسوع تكلّم عنه وعن لباسه ورسالته: " إبتدْا يسوع يقول للجموع عن يوحنا: «ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا؟ أقصبة تحرّكها الريح؟ لكن ماذا خرجتم لتنظروا؟ أانسانا لابسًا ثيابًا ناعمة؟ هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في بيوت الملوك. لكن ماذا خرجتم لتنظروا؟ أنبيًا؟ نعم اقول لكم وأضل من نبي. فإن هذا هو الذي كتب عنه: ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك. الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه. (متى 7:11-11) يشرح القدّيس يوحنا الذهبي الفم عن عظمة النبي يوحنا فيقول:" تنبأ الأنبياء الآخرون عن يسوع أنّه قادم، أمّا يوحنا فأشار بإصبعه أنّه جاء حقًا، قائلاً: "هوذا حمل الله الذي يحمل خطيئة العالم" (يو1: 29). لميكن المعمدان مجرّد نبيّ، ولكنّه عمّد المسيح أيضًا. بهذا حقّق نبؤة ملاخي إذ تنبأ عن ملاك يسير امام الرّب. يوحنا انتمى إلى طغمة الملائكة، ليس حسب الطبيعة، بل بسبب أهمية رسالته. إنها تعني أنه الرسول الذي يعلن مجيء الرّب" وهذا بالتالي ما تردّده الكنيسة في طروباريته: تذكار الصدّيق بالمديح، امّا أنت أيها السابق فتكفيك شهادة الرّبّ، لأنك بالحقيقة قد ظهرت أشرف من كلّ الأنبياء، إذ قد إستأهلت أن تعمّد في المجاري من قد كرزوا هم به، لذلك إذ شهدت عن الحق مسروراً، بشّرت الذين في الجحيم بالإله الظاهر في الجسّد، الرافع خطايا العالم والمانح إيانا الرحمة العظمى. الليتورجية تخبر عن القدّيس يوحنا: - هو الوسيط بين العهدين القديم والجديد وخاتمة الأنبياء (صلاة السحر- الأودية السادسة). - هو مقام من الشريعة والنعمة في آن، مختتماً الأولى ومفتتحاً الثانية (صلاة السحر – الأودية التاسعة). - هو خاتمة الناموس وباكورة النعمة الجديدة (صلاة السحر- الأودية السابعة). - هو مساوِ للملائكة بسيرته الغريبة وقد أجاز حياته كمثل ملاك على الأرض، وسكن القفر "منذ عهد الأقمطة" (صلاة السحر– ذكصا الإينوس). - هو نموذج الزهد والبتولية وحياة التوبة واللاهوى. - هو زعيم الرهبان وساكن القفار. - هو لا يكفّ عن الإعداد لمجيء السيّد فينا. - شهادة القدّيس يوحنا للمسيح هي في كلّ جيل ولكلّ جيل. "أعدّوا طريق الرب. أجعلوا سبله قويمة". أسماؤه وألقابه: القدّيس يوحنا المعمدان له عدّة أسماء أو ألقاب مرتبطة برسالته: 1- ملاك الصحراء: هذه التسمية أو اللقب هو نتيجة نبؤة أتت في سفر ملاخي في القرن الخامس قبل الميلاد تقريبًا. كلمة ملاخي هي كلمة عبرية تعني "ملاكي" أو "رسولي". وهي تعني هنا ملاك الرّب المرسل من قبله والذي يُعلن خلاصه. أتى هذا السفر في خضم مرحلة فساد كبيرة جدًا عند الشعب اليهودي، فقد طلّق رجال يهوذا زوجاتهم اليهوديات وتزوّجوا بوثنيات، وعاشوا في زنى وغش وظلم للبائسين، وأهملوا خدمة الهيكل ودفع العشور والتقدمة ودنّسوا السبت، وكانت مخافة الله شبه معدومة. .كان بعضهم يفسّر أقوال الأنبياء تفسيرًا زمنيًا أي يحدّها ويحصرها في فترة الحكم الملوكي الأرضي وبالتالي لم يدخلوا في مقاصد الله وتدبيره الخلاصي بالمقابل ساد منطق القوّة والشر بشدّة، فأمام المجاعات التي اجتاحت الشعب شكّوا في محبة الله لهم، وقالوا إنّه لا فائدة تجنى من فعل الصلاح وطاعة الوصايا، فالشرير والمتكّل على ذاته هو الذي ينجح، لذلك يحدثهم السفر عن حقيقة خطاياهم وريائهم الذي أوصلهم إلى هذه الحالة المظلمة. وأبرز دعوة دعاهم إليها النبيّ هي التوبة وترك خطاياهم لتعود لهم البركات.والجدير بالملاحظة أن النبيّ ملاخي ذهب أبعد من التوبة ليقول بمجيء المسيح الذي سيأتي بالخلاص وملء البركات. لذلك فلقد تنبأ ملاخي عن مجيء المسيح بصورة واضحة. هذه النبوءة ينتهي بها الكتاب في العهد القديم لتلهب القلوب بانتظار المسيح شمس البر، وبهذه النبوءة ينتهي زمن الأنبياء، فلن يأتي أنبياء بعد ملاخي، وأوّل من سيأتي هو القدّيس يوحنا المعمدان، الملاك الذي يهيئ الطريق أمام المسيح. وهنا كان من المترض أن يأتي دور الكتبة والفرّيسيين والكهنة الذين كان يجب أن يفسّروا النبوءات بروح العفة والطهارة. الآية وتفسيرها: نقرأ في الإصحاح الثالث من هذا السفر "هأنذا أرسل ملاكي فيهيء الطريق أمامي ويأتي بغتة إلى هيكله، السيّد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرّون به هوذا يأتي قال رّب الجّنود (ملاخي1:3) " استمدّت الكنيسة تفسير هذه الآية من الإنجيليّ مرقس (٢:١) إذ هذا ما قام به القدّيس يوحنا المعمدان. وكلمة ملاك في هذه الآية مذكورة مرّتين: * في المرّة الأولى تمثّل المرسَل أيّ الملاك الذي سيرسله الرّب ليعدَ طريقه، إذ أن المتكلّم هنا هو ربّ الجنود، أي الله نفسه. * في المرّة الثانيّة تعني المسيح الذي هو ملاك العهد. والذي سيأتي قبله من يهيئ الطريق أمامه كملاك أيضًا. وهذا هو الارتباط بين اسم النبي وموضوع نبؤته. فهذه الآية هي تهيئة لمجيء المسيَّا وجواب لأيّة تسبقها مباشرةً، يظهر فيها استهزاء الأشرار واستخفافهم بمجيء الربّ وخلاصه: "أين إله العدل؟" (17:2). لقد هيأ الله البشرية لمجيئه منذ سقوط آدم وحواء إذ أعطاهما الوعد: "أضع عداوة بينكِ وبين المرأة، وبين نسلكِ ونسلها؛ هو يسحق رأسكِ، وأنتِ تسحقين عقبه" (تك 3: 15). وجاء الآباء البطاركة الأوّل ثم الأنبياء يقدّمون رموزًا ونبؤات عن مجيئه، وأخيرًا يرسل الله يوحنا المعمدان كملاكٍ يهيئ الطريق للمسيا الموعود به، وقد دعاه الله ملاكه. وتتوافق هذه الآية مع أمرين: - الأمر الأوّل ما قاله الملاك جبرائيل عن الصبي يوحنا لزكريا الشيخ والده:"ويرد كثيرين من بني اسرائيل إلى الرّب إلههم. ويتقدّم أمامه بروح ايليا وقوّته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء والعصاة إلى فكر الأبرار لكيّ يهيئ للرب شعبا مستعدا" (لوقا16:1-17). - الأمر الثاني ما تنبّىء به زكريّا بنفسه بعد أن حل الله رباط لسانه فور ولادة يوحنا، وتدوين اسمه على لوحٍ: "وأنت أيّها الصبي نبي العلي تدعى لأنّك تتقدّم أمام وجه الرّب لتعد طرقه" ( لوقا 76:1). واضحٌ أنّ النبي يوحنا يسير ليعلن رسالة نبويّة إلهيّة مسيانيّة. إنّها رسالة استلمها من السماء لأهل السماء، أيّ البشريّة التي أضاعت غالبيّتها هويّتها الحقيقيّة. لقد خُتم العهد القديم بهذا الوعد بانتظار صاحب الأسفار أن يفتتحها بنفسه ويحقّقها بتجسّده، وبما تبع هذا التجسّد من صلبٍ وقيامة. المفارقة هنا هي التالية: "الخلاص ليس بالانتماء الجسدي العضوي لإبراهيم أب الآباء، بل بمجيء ذاك الذي ترجّى إبراهيم مجيئه أيّ الرّب يسوع المسيح، "وأمّا المواعيد فقيلت في ابراهيم وفي نسله لا يقول وفي الأنسال كأنّه عن كثيرين بل كأنّه عن واحد وفي نسلك الذي هو المسيح"(غلاطية 16:3). يؤكّد النبي ملاخي أن المسّيا الرّب يأتي بغتة إلى هيكله، الذي يطلبه الأتقياء، خائفوا الربّ، منذ أيام آدم وحواء. إنهم ينتظرونه بفرحٍ عظيمٍ. - "كانوا "ينتظرون تعزية إسرائيل" (لو٢٥:١)، وفداءً في إسرائيل (لو٣٨:١)، إذًا هو "مُشتهى كلّ الأمم" (حجي٧:٢). يجد الناس كلّهم فيه مسرّة قلوبهم. - "يأتي بغتة ": وهنا معنى زمني واسخاتولوجي (أخرويّ). فعن ميلاده الزمني أكّد الكهنة أنّه يولد في بيت لحم أفراتا، لكنّه جاء بالنسبة إليهم بغتة، إذ لم يتهيأوا لمجيئه، رغم معرفتهم بذلك. وبالنسبة إلى مجيئه الاسخاتولوجي أي المجيء الأخروي (الثاني، في آخر الأزمنة)، فيسوع هو فاتح الأسفار والكتب، وهو الديّان العادل. - "إلى هيكله": والهيكل هنا هو أبعد بكثير من الهيكل الحجري، بل هو الإنسان نفسه. العمي يبصرون، والعرج يمشون، والبرص يطهرون، والصم يسمعون، والموتى يقومون، والمساكين يبشّرون (لو22:7). صحيح أنّ المسيح لم ينقض الناموس ولا الشريعة، ولكنّه بالمقابل ذكّر اليهود والفريسيين أن الله جعل السبت لخدمة الإنسان وليس العكس. وصحيح أنّه علمّنا احترام الهيكل وحرمته، إلّا أنّه أكّد أنّه يريد أن يسكن في قلوبنا."أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهًا وهم يكونون لي شعبًا" (إرميا 33:31). 2- خاتمة أنبياء العهد القديم: هو آخر نبيّ أعلن مجيء الرّب يسوع فكان وسيطًا بين العهدين القديم والجديد. الأناجيل الأربعة ذكرته بدورها: فجاء في بدء إنجيل مرقس ما يلي:"صوت صارخ في البرية، كما هو مكتوب في الأنبياء: «ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك. صوتُ صارخٍ في البريّة:أعدّوا طريق الربّ، اصنعوا سبله مستقيمة».(مرقس٢:١) كذلك نقرأ في إنجيل متى:«توبوا لانه قد اقترب ملكوت السماوات. فان هذا هو الذي قيل عنه باشعياء النبي:"صوت صارخ في البرية: اعدوا طريق الرب. اصنعوا سبله مستقيمة» (متى 1:3) وأيضًا في إنجيل لوقا: "فجاء (يوحنا) إلى جميع الكورة المحيطة بالأردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا. كما هو مكتوب في سفر أشعياء النبي: «صوتُ صارخٍ في البريّة أعدّوا طريق الرّب اصنعوا سبله مستقيمة. كلّ واد يمتلئ وكلّ جبل واكمة ينخفض وتصير المعوجات مستقيمة والشعاب طرقَا سهلة ويبصر كلّ بشر خلاص الله". (3:3-6) وخاتمةً في إنجيل يوحنا في الإصحاح الاوّل:"وهذه هي شهادة يوحنا، حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ليسألوه:«من أنت؟» 20 فاعترف ولم ينكر، وأقر«اني لست أنا المسيح». 21 فسألوه:«اذًا ماذا؟ ايليا أنت؟» فقال:«لست أنا». «النبي انت؟» فاجاب:«لا». 22 فقالوا له:«من أنت، لنعطي جوابًا للذين أرسلونا؟ ماذا تقول عن نفسك؟» 23 قال:«أنا صوت صارخ في البرية: قوموا طريق الرّب، كما قال اشعياء النبي» 3- السابق Πρόδρομος: كلمة سابق تعني الذي يأتي قبله: هذه هي قداسته أنّه إعتبر نفسه لا شيء أمام إلهه. "وكان يكرز قائلاً: « يأتي بعدي من هو أقوى منّي الذي لست أهلاً أن أنحني وأحلّ سيور حذائه. أنّا عمدتكم بالماء وأمّا هو فسيعمّدكم بالروح القدس». (مرقس 6:1) "لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ بَلْ إِنِّي مُرْسَلٌ أَمَامَهُ. مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ، وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحًا مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ. إِذًا فَرَحِي هذَا قَدْ كَمَلَ. يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ[u1] ."(يو3: 28-30) كونه السابق نشاهد دائمًا في الإيقونسطاس (أي حامل الأيقونات) أيقونة القدّيس يوحنا المعمدان على يسار أيقونة السيّد أيّ الرّب يسوع. 4- الصابغ: كلمة الصابغ مشتقّة من فعل صبغ وهذا يعني التغطيس الكامل من أجل محو ما هو قديم وأخذ حلّةً جديدة. ولهذا الفعل معنى لاهوتيٍ كبير جدًا في المسيحية فهو يشير إلى موت وقيامة يسوع. جواب يسوع لابني زبدة بشأن طلبهما الجلوس عن عن يمينه وعن يساره، هو خير جواب لكلمة اصطباغ ويعطي المعنى الكامل والحقيقي لفعل صبغ وكلمة " الصابغ": «لستما تعلمان ما تطلبان. أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشربها أنا وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا؟» قالا له: نستطيع. فقال لهما: «أمّا كأسي فتشربانها وبالصبغة التي أصطبغ بها أنا تصطبغان. وأمّا الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه الاّ للذين أعد لهم من أبي" (متى:22:20) فعل " صبغ " باللغة اليونانيّة βαπτίζω Baptízō وترجم إلى اللغة الإنكليزية To Baptize. وإذا امعنا النظر لوجدنا ما يلي:"هو سيعمّدكم بالروح القدس ونار" (مت 11:3). النار هي حارقة الخطايا وأيضًا هي قوّةً. فعمادة الرّب لا تعادلها أي معمودية أخرى. وهذا ما قاله قبلً النبي أشعياء:"إذا غسل السيّد قذر بنات صهيون ونقى دم أورشليم من وسطها بروح القضاء وبروح الإحراق (أش4:4)" الخصائص المشتركة في أيقونات القدّيس يوحنا المعمدان : - رشاقة قامته: كان طعامه جراداً وعسلاً برّيًا. - الطابع النسكي: كان مجاهداً من أجل الله ودائم الإستعداد. - الاستشهاد: لم يساوم على الحق وفال لهيرودس جهارًا خطيئته. |
||||