08 - 03 - 2024, 04:07 PM | رقم المشاركة : ( 153611 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القديس البابا الانبا كيرلس السادس |
||||
08 - 03 - 2024, 04:11 PM | رقم المشاركة : ( 153612 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يهدئ البحار الهائجة (مز 65: 7)والأمواج المضطربة والشعوب الثائرة |
||||
08 - 03 - 2024, 04:13 PM | رقم المشاركة : ( 153613 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
فليضئ نوركم الذي هو نور يسوع |
||||
08 - 03 - 2024, 04:39 PM | رقم المشاركة : ( 153614 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
صيحات النصرة وصرخات الندم (1) جولة المسيح الكرازية (ع1 -3): 1 عالج الحكيم في الأصحاح السابق موضوع "الموت المبكر لبعض الأبرار"، وكيف يسمح به الله أحيانًا من أجل إنقاذهم، وعدم تسلل الشر والخبث إليهم، وأن هذا الموت يصير دينونة للأشرار الذين حتى في شيخوختهم يخشون الموت. الآن إذ يدين موت الأبرار الأشرار، يندم الأشرار، لكن للأسف كثيرًا ما لا يبالي الأشرار بذلك، فلا يرجعون إلى الرب. الآن في هذا الأصحاح يؤكد أن دينونة الشرير نهائية ومرة. تعبر حياة الشرير كالظل، أشبه بالأثر الذي تتركه السفينة السائرة وسط الأمواج يختفي سريعًا، وكالطريق الذي يشقه الطير في الهواء فلا يترك علامة له، أو كطريق سهمٍ يخترق الهواء ولا يعرف ممره، أو كغبار تذهب به الريح إلخ. 1. الأبرار يدينون الأشرار 1 حِينَئِذٍ يَقُومُ الصِّدِّيقُ بِجُرْأَةٍ عَظِيمَةٍ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ ضَايَقُوهُ، وَجَعَلُوا أَتْعَابَهُ بَاطِلَةً. 2 فَإِذَا رَأَوْهُ يَضْطَرِبُونَ مِنْ شِدَّةِ الْجَزَعِ، وَيَنْذَهِلُونَ مِنْ خَلاَصٍ لَمْ يَكُونُوا يَظُنُّونَهُ، 3 وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ، وَهُمْ يَنُوحُونَ مِنْ ضِيقِ صُدُورِهِمْ: «هذَا الَّذِي كُنَّا حِينًا نَتَّخِذُهُ سُخْرَةً وَمَثَلًا لِلْعَارِ. 4 وَكُنَّا نَحْنُ الْجُهَّالَ نَحْسَبُ حَيَاتَهُ جُنُونًا، وَمَوْتَهُ هَوَانًا. 5 فَكَيْفَ أَصْبَحَ مَعْدُودًا فِي بَنِي اللهِ، وَحَظُّهُ بَيْنَ الْقِدِّيسِينَ؟! 6 لَقَدْ ضَلَلْنَا عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، وَلَمْ يُضِئْ لَنَا نُورُ الْبِرِّ، وَلَمْ تُشْرِقْ عَلَيْنَا الشَّمْسُ. 7 أَعْيَيْنَا فِي سُبُلِ الإِثْمِ وَالْهَلاَكِ، وَهِمْنَا فِي مَتَايِهَ لاَ طَرِيقَ فِيهَا، وَلَمْ نَعْلَمْ طَرِيقَ الرَّبِّ. حينئذ يقوم البار بجرأة عظيمة، في وجوه الذين ضايقوه، واحتقروا أتعابه. [1] إنه لأمر طبيعي أن يسخر الأشرار بالإنسان البار، فقد قيل عن لوط أنه "كان كمازحٍ في أعين أصهاره" (تك 19: 14). يفتح هذا الأصحاح الستار عن الأبرار بعد خروجهم من هذا العالم. فإنهم يقفون في جرأة أمام الأشرار الذين ضايقوهم. لقد اتهمهم الأشرار بالغباوة والجهل، بل والجنون، حين كانوا يبذلون حياتهم من أجل الحياة المقدسة في الرب وممارسة البنوة لله وانتظارهم للمجد الأبدي. سيكتشف الأشرار أن الله لا ينسى كأس ماء بارد قدمه بار من أجل حبه لله، وأنه سيمسح كل دمعة من عينيه. ومن الجانب الآخر، يدركون أن الله قد أطال أناته جدًا عليهم وقد امتلأ كأس الغضب عليهم. مما يزيد الأشرار مرارة في يوم الدين أنهم يرون الأبرار - موضوع سخريتهم وظلمهم - يتمتعون بالخلاص وشركة الأمجاد. يكتشفون خطأ نظرتهم إليهم كما يدركون خطأ نظرتهم لحياة الشرير وسلوكه. يتطلع الحكيم إلى يوم الرب العظيم، فيرى البار يقوم في جرأة عظيمة كابن لله، يترقب التمتع بكمال المجد. يراه الذين ضايقوه واستخفوا به وبأتعاب جهاده، فتتغير الأوضاع حيث يصير هو في مجدٍ فائقٍ، ويحل الخزي بمقاوميه. * لا يعرف الذين يسبوننا من نحن، بكوننا مواطني السماء، وأننا مُسجَّلون في المدينة العليا، رفقاء خوارس الشاروبيم. لهذا ليتنا لا نحزن، ولا نحسب إهانتهم لنا إهانة، فلو عرفونا لما أهانونا. هل يحسبوننا فقراء ومُحتقرين؟ لا نحسب هذا إهانة! اخبرني، لو أن مسافرًا بصحبة خدمه، سبقهم وأقام في فندق لمدة بسيطة ينتظرهم، وأن صاحب الفندق أو بعض المسافرين تصرفوا معه بطريقة فظة وشتموه، أما يسخر بجهلهم له؟ أما يسبب له خطأهم مسرة؟ أما يشعر بنوعٍ من الكفاية كأن الشتيمة موجهة إلى شخصٍ آخرٍ غيره؟ لنسلك نحن هكذا. فإننا نحن أيضًا جالسون في فندق ننتظر أصدقاءنا الذين يسلكون ذات الطريق، عندما نجتمع كلنا معًا، عندئذ سيعرفون من هو هذا الذي شتموه. هؤلاء الرجال سوف يطأطئون رؤوسهم ويقولون: "هوذا الذي كما نحن الأغبياء نسخر به" (راجع حك 5:3). القديس يوحنا الذهبي الفم أما ما يعزي الأبرار هنا، أنهم يشاركون البار القدوس الذي جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله (يو 1: 11). يقول عنه الإنجيلي: "ولما سمع أقرباؤه، خرجوا ليمسكوه، لأنهم قالوا إنه مختل" (مر 3: 21). كما يشارك الرسول بولس القائل عن نفسه ومن معه من الكارزين: "لأننا إن صرنا مختلين فلله، أو كنا عاقلين فلكم" (2 كو 5: 13). ففي يوم الرب العظيم يأتي السيد المسيح كديان، لا يقدر الذين استخفوا أن يتطلعوا إليه. وهكذا يقف الأنبياء والرسل وكل الكنيسة الذين اضطهدهم الأشرار في العالم ليدينوا الشر والأشرار. وكما يقول السيد المسيح: "فقال له يسوع الحق أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضًا على اثني عشر كرسيا، تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر" (مت 19: 28). "لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي، وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر" (لو 22: 30). للقديس مار يعقوب السروجي تصوير غريب عن يوم الدينونة، ولعله إذ يرى أن الرب كلي الحب لذلك لا يُسمح للأشرار أن يلتقوا به حتى لا يطلبوا رحمته، بل يُسمح لهم برؤية الرسل الممجدين مما يزيدهم مرارة، ويقوم الرسل بإبلاغ الحكم على الأشرار. * مخيف هو اليوم الذي تصير فيه الدينونة الأخيرة، وفيه يشرق ابن الله بمجدٍ عظيمٍ (يوئيل 2: 1-11)، من يمينه ومن يساره بروق النار... يستقيم عرش الدينونة ببرٍّ، ويجلس عليه البكر بمجدٍ عظيمٍ ليدين الشعوب، ويلقي بغضبٍ وُيبعد بحنق الشعب الملعون الذي صرخ في المحكمة: اصلبه، اصلبه (متى 27: 22-23)، يقف حجاب النار بينه وبينهم لئلا ينظروا إليه لئلا تصير عليهم المراحم، ولا يتركونهم ينظرون إلى العلا، لئلا يروا ضياءه وينالوا منه الرجاء، كل إنسانٍ يستوجب حكم الموت لو رأى وجه الملك لن يموت، الشعوب الذين أحبوه، واعترفوا باسمه يدخلون إلى خاصته،... يُهيأ اثنا عشر كرسيًا ويجلس الرسل ليدينوا الشعب الملعون الذين لم يؤمنوا به (لو 22: 28-30)، وإذ رأوا كم أنه أهانه واحتقره وحطه لأنه كفر به بحيث لم يؤهله ليدخل إلى المحكمة مثل الشعوب، حكمُ البشر قاس على البشر، لذا اسلم حكمهم للبشر، لأنهم يستحقون هكذا (2 صم 24: 14). القديس مار يعقوب السروجي فإذا رأوه يضطربون من شدة الجزع، ويَذهلون من خلاصٍ لم يكونوا يتوقعونه. [2] مما يزيد من ضيق الأشرار ليس العذابات المُعدة لهم فحسب، وإنما المجد الذي يتمتع به الأبرار، والذي لم يكن في مخيلتهم، فإنهم يذهلون من خلاصهم! لا يستطيع الأشرار أن يتطلعوا إلى الديان حين يرون عينيه لهيب نار، فيخشونه كديانٍ، قائلين للجبال أن تسقط عليهم وللآكام أن تغطيهم، لأنهم صاروا في عريٍ وخزيٍ كما كان الأبوان الأولان في الجنة يستتران بأوراق الشجر. لكن من أين يأتون بالشجر وقد تجردوا من كل شيءٍ حتى الجبال والآكام قد زالت. ومما يزيدهم مرارة أن ذاك الذي يرونه مصدر رعبٍ لهم إذا به يحتضن الأبرار بكونهم الملكة التي تتهلل بملكها السماوي الذي يدخل بها إلى حضن الآب وتستقر فيه أبديًا. كما يتلألأ برّ المسيح وشركة سماته التي لبسها الأبرار كثوب مجدٍ لهم، هكذا في خزيٍ يرتدي الأشرار أفعالهم الرديئة، خاصة تهكمهم على أولاد الله، وسخريتهم بهم، فيدركون حينئذ أنهم قد ارتدوا الغباوة والبطلان والفساد ثيابًا تزيدهم عريًا وفضيحة. حقًا سيُفصل الأبرار الممجدون عن الأشرار الهالكين أبديًا بلا محاباة. * لما كان ربنا يُعَلِمْ قال: من بيتٍ واحدٍ سيؤخذ واحد، وسيُترك آخر (مت 24: 40)، لو لم تجرّ الأعمال الإنسان إلى الكرامة، لا يفيده ربوات الأبرار الذين يسكنون معه. الابن البار لا ينفع أباه الذي أثم، والابن الخاطئ لا يحتمي بالأب البار. البتول الطاهرة لا تخلص الأم التي زنت، والأخ الكامل لا يفيد أخاه المتراخي. من هذه الأمور التي علمها ربنا تعلم بأن واحدًا يأخذونه والآخر يتركونه بتمييز (مت 24: 40). الخوف يرعب الأختين في بيت واحد، ولا تقدران أن تستفسرا سوية عن السبب. العلا يخطف تلك الكاملة لتطير في الهواء، واللجة تسحب الأثيمة لتتعذب فيها. الواحدة تؤخذ للقاء العريس كما قيل، وتُترك الأخرى لتعود إلى الهاوية كما كُتب (مت 24: 40). الصوت يُرجف البنت وأمها المطمئنتين، فتخافان وترتجفان لما تُفصلان لتنتقلا، يُفصل الإخوة كالأعضاء من بعضها بعضًا، ويلقي الانقسام في وحدتهم ويبعثرها. يُسقط ويؤخذ الأبناء كالأمعاء، ولا مجال لبطن الأم لكي يحبهم. تُقطع محبة النساء من رجالهن، ولن يعرف الشريك (شريكه) بسبب الخوف. المرأة تُعتبر مثل غريبة من قبل رجلها، وإذ كانت خاصته لم تعد خاصته لأنها فُصلت عنه. المتزوجون لن يعودوا إلى الزواج، والأبوّة لن تحب أحباءها. ومحبة الإخوة لن تثبت كما كانت لأن تلك المساواة تُفصل من الاختلاط. الخوف يقطع الخبر الوارد بين الأختين، ولن تنتهي تلك القصة التي تابعتاها. ولو كانتا مربوطتين سوية في رحى واحد، ستُفصلان من وحدتهما كما هو مكتوب (مت 24: 41). ولن تكتمل كلمة المحبة عندهما، لأن الخوف المرعب يبطل كلماتهما. يقطع حديث البنت الحبيبة مع أمها، ويبطل كلام الملافنة (المعلمين) والباحثين. ينكسر القلم في يد المعلم بصورة غير اعتيادية ولن تُسجل به كتابة إلى الأبد، يترك الصبيان المدرسة المجتمعين فيها، ولن يُقدموا أيضًا في صباح آخر حتى يتعلموا. تغيب وتزول الحكَم من الحكماء، ولن يعرف أحد سوى الخوف من الانبعاث. تهجم الحيرة على الفلاسفة في أفكارهم ولن يتذكروا إلا أن يقولوا فقط: الويل لنا. تنقطع قصة النظريات والاستفسارات ولن يُفسر هناك شيء ماعدا الويل. تتعثر الكلمة وتسقط من اللسان، ويرعد فقط صوت النحيب من جهنم. لن يتسلى أحد ولا يُسلى رفيقه لأن كل واحدٍ سيشرب المرارة وهو يتعذب. الشاب لن يسند الشيخ وهو يتألم، والأب لن يشجع ابنه لئلا يكتئب. ينفصل كل واحدٍ عن رفيقه بخوف عظيم، ويقع الرعب حتى ينتقل الواحد عن رفيقه. هوذا ربنا قد تكلم عن الدينونة الأخيرة: يأخذون الواحد ويتركون الآخر كما قلنا (مت 24: 41). القديس مار يعقوب السروجي ويقول بعضهم لبعضٍ نادمين ومتنهدين: [3] يندم الأشرار على تصرفاتهم التي سلكوها في هذا العالم، لكن إذ جاء يوم الدينونة، ضاعت منهم فرصة الرجوع إلى الله. * "لأنه ليس في الموت ذكرك، في الهاوية من يحمدك؟" (مز 6: 5). يعرف (المرتل) أيضًا أنه الآن وقت للرجوع إلى الله، فإنه إذ تعبر هذه الحياة لا يبقى سوى المجازاة حسب استحقاقاتنا... ذاك الغني الذي يتحدث عنه الرب، والذي رأى لعازر في راحة، ندب حاله في العذابات، واعترف في الهاوية، نعم وقد أراد أن يحذر إخوته حتى يتحفظوا من الخطية، من أجل العقوبة التي تحل في جهنم ولا يعتقدون بها. القديس أغسطينوس "هوذا الذي كُنا حينًا نجعله ضُحكة،ً وموضوع تهكم. نحن الأغبياء! لقد حسِبنا حياته جُنونًا، وآخرتَه بلا كرامة. [4] يكتشف الأشرار غباوتهم ولكن بعد فوات الأوان. يتطلعون إلى الذين كانوا يسخرون بهم ويحسبونهم أضحوكة، ينعتونهم بالجنون، وكانوا يتطلعون إلى آخرتهم بكونها هوانًا بلا كرامة، وإذا بهم في أمجاد فائقة، يتمتعون بما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسانٍ (1 كو 2: 9). فكيف أصبح في عداد بني الله، وصار نصيبه مع القديسين؟ [5] لا يستطيع الأشرار أن يروا ما يراه الأبرار، ولا أن يسمعوا ما يسمعه هؤلاء، لكن ما يحطمهم تمامًا أنهم قد فقدوا الفرصة للتمتع بالبنوة لله والشركة مع السمائيين. يصور الكاتب كيف صار خلاص الأبرار عقابًا للظالمين لهم والساخرين بهم. يُصعق الأشرار حينما يرون الأبرار موضوع سخريتهم قد صاروا في عداد أبناء الله الممجدين، نصيبهم مع الطغمات السمائية المقدسة. إذ يصير الأبرار بينهم وكأنهم إحدى الطغمات السمائية. وهذه هي المكافأة التي ينالونها حيث يصيرون معهم في حضرة الله والشركة معه في السماويات. الحالة الفردوسية التي يتمتع بها المؤمن الحقيقي عند القديس غريغوريوس النيسي هي حالة تناغم وانسجام بينه وبين السمائيين بكونهم خليقة الله المملوءة حبًا. [وُجد وقت كانت فيه الخليقة العاقلة جوقة (خورس) واحدة، تتجه نحو قائد الخورس، وتتحرك متجهة نحو ذاك الانسجام الغالب النابع عن القائد وعن وصيته.] يقول أيضًا القديس غريغوريوس النيسي إن هذا الانسجام كان على مستوى المسكونة، بين السماء والأرض، حيث تمتع الأبوان الأولان بصحبة الملائكة؛ لكنهما فسدا بالخطية، فُطردا من مجتمعهما هذا، وصار نسلهما كما في عالمٍ غريبٍ يترقبون اللحظة التي فيها يعودون إلى التمتع بالاتحاد مع الجوقة الإلهية. إننا نحن الذين ضللنا عن طريق الحق، ولم يُضئ لنا نور البرّ، ولم تُشرق الشمس علينا. [6] يعترف الأشرار بضلالهم، إذ حلت بهم الظلمة الأبدية، لأنهم رفضوا شمس البرّ، ولم يدعوها تشرق عليهم، فصاروا أبناء الظلمة. فقدوا الحق، واقتنوا الباطل. أمام مجد الأبرار يقف الأشرار في ندمٍ شديد، لأنهم تركوا الله الحق، ورفضوا حبه وخلاصه. ضاعت كل مقتنياتهم وملذاتهم بل وضاعت حياتهم، فصاروا في مرارة، لكن لم يعد بعد طريق للرجوع إلى الله. يعلق القديس أمبروسيوس على كلمة "الظهر" في العبارة: "وهيأوا الهدية إلى أن يجيء يوسف عند الظهر" (تك 43: 25)، مظهرًا أن يوسف كرمز للسيد المسيح - شمس البرّ- بمجيئه يحل نور النهار كأنه ظهيرة، ولا يكون للظلمة أو لليل موضع. يقول: [أسرع إيمان بولس للمجيء عند الظهر. قبلًا كان بولس أعمى، وفيما بعد بدأ يرى نور البرّ، فإنه إذ يفتح أحد طريقه للرب ويترجاه، يحضر الرب برَّه كالنور، وحكمه كالظهيرة (راجع مز 37: 5-6). وعندما ظهر الله لإبراهيم عند بلوطات ممرا كان ذلك في الظهر، وأشرق النور الأبدي الذي لحضرة الله عليه (تك 18: 1). كان الوقت ظهرًا عندما دخل يوسف بيته ليأكل. يزداد اليوم إشراقًا عندما نحتفل بالأسرار المقدسة (حيث نتناول جسد الرب ودمه).] * لا تشرق الشمس الروحية سوى على الصالحين والقديسين، إذ نرى في سفر الحكمة الأشرار يبكون قائلين: "لم تشرق علينا الشمس" (حك 6:5)، كما لا يروي المطر الروحي غير الصالحين، لأنه قصد بالشرير تلك الكرمة التي قيل عنها: "وأوصي الغيم أن لا يمطر عليهِ مطرًا" (إش 6:5). القديس أغسطينوس * عندما اظلم العالم بظلمة إبليس، وحلت الظلمة بواسطة الخطية التي سقطت على العالم في المرحلة الأخيرة، أي عندما حلّ الليل، منحت هذه الشمس أن تشرق بميلاده. أولًا قبل ظهور النور، أي قبل إشراق شمس البرّ، حيث أرسل الوحي الإلهي خلال الأنبياء أشبه بالفجر، كما قيل: "أرسلت أنبيائي قبل النور" (راجع إر 7: 25). لكنه بعث بعد ذلك بأشعته، أي ببهاء رسله، وأشرق على الأرض بنور الحق حتى لا يتعثر أحد بظلمة إبليس. مكسيموس أسقف تورين شبِعنا في سبل الإثم والهلاك، واجتزنا براري لا طُرق فيها، وأمَّا طريق الرب فلم نعرفه. [7] يظن الأشرار أن الشر قادر على إشباع احتياجاتهم، ولا يدركون أن نهايته الدمار الشامل. وكما يقول الرسول: "فأي ثمرٍ كان لكم حينئذٍ من الأمور التي تستحون بها الآن، لأن نهاية تلك الأمور هي الموت" (رو 6: 21). هل أشبعهم طريق الإثم والهلاك؟ يشير هنا إلى طريق الأشواك الأبدي، فإنهم يصيرون كمن هم وسط أشواكٍ لا حصر لها. كان الأشرار في العالم يطلبون الشبع في سبل الإثم والهلاك، فاجتازوا براري قفر ليس فيها الطريق الذي يحملهم إلى السماء؛ إذ لم يتعرفوا على الرب بكونه الطريق. يتحدث عن طرق الشر بصيغة الجمع أما طريق الرب فبصيغة المفرد. فإن الشياطين تقدم سبل كثيرة لتحدر الإنسان إلى الدمار الأبدي. أما الله فيقدم لنا كلمة الله وحكمته ربنا يسوع بكونه الطريق الوحيد به ننطلق كما بجناحي حمامة إلى السماء. * يقول إشعياء: "ما أجمل على الجبال قَدَمَيّ المبشر المخبر بالسلام، المبشر بالخير" (إش 7:52). إنه يرى كم هو جميل وملائم، إعلان الرسل الذين قد ساروا معه، وهو القائل "أنا هو الطريق”. ويمتدح أقدام السائرين في الطريق العقلي ليسوع المسيح، ويذهبون من خلاله إلى السماء. إنهم يعلنون عن الخيرات، عن الأقدام الجميلة - أي يسوع. العلامة أوريجينوس * إن كان مجرد تذكار حالة عبوديتكم السابقة تجلب لكم عارًا، فكم بالأكثر يكون عار تلك الحقيقة ذاتها (العبودية للإثم). القديس يوحنا الذهبي الفم * سيُعاقب الأشرار؛ "نسل الأشرار ينقطع" (مز 37: 28). كما أن نسل الآخرين سيتبارك، هكذا نسل الأشرار سينقطع، لأن نسل الأشرار هم أعمال الأشرار... فإنها لا تحمل ثمارًا؛ آثارها إلى وقت قصير؛ بعد هذا يطلبونها فلا يجدون مكافأة لما تعبوا فيه. القديس أغسطينوس * الموت هو في رفقة النفس في حالة الخطية وهي في الجسد، والحياة هي اعتزال للخطية. القديس إكليمنضس السكندري استخدم القديس يهوذا في رسالته تشبيهات مقاربة، بخصوص حياة الأشرار الزائلة. "هؤلاء صخور في ولائمكم المحببة، صانعين ولائم معًا بلا خوف، راعين أنفسهم. غيوم بلا ماء، تحملها الرياح، أشجار خريفية بلا ثمر، ميتة مضاعفًا مقتلعة. أمواج بحر هائجة مُزبَّدة بخزيهم، نجوم تائهة، محفوظ لها قتام الظلام إلى الأبد" (يه 12-13). 2. مراجعة يائسة 8 فَمَاذَا نَفَعَتْنَا الْكِبْرِيَاءُ، وَمَاذَا أَفَادَنَا افْتِخَارُنَا بِالأَمْوَالِ. 9 قَدْ مَضَى ذلِكَ كُلُّهُ كَالظِّلِّ وَكَالْخَبَرِ السَّائِرِ. 10 أَوْ كَالسَّفِينَةِ الْجَارِيَةِ عَلَى الْمَاءِ الْمُتَمَوِّجِ، الَّتِي بَعْدَ مُرُورِهَا لاَ تَجِدُ أَثَرَهَا، وَلاَ خَطَّ حَيْزُومِهَا فِي الأَمْوَاجِ. 11 أَوْ كَطَائِرٍ يَطِيرُ فِي الْجَوِّ؛ فَلاَ يَبْقَى دَلِيلٌ عَلَى مَسِيرِهِ. يَضْرِبُ الرِّيحَ الْخَفِيفَةَ بِقَوَادِمِهِ، وَيَشُقُّ الْهَوَاءَ بِشِدَّةِ سُرْعَتِهِ، وَبِرَفْرَفَةِ جَنَاحَيْهِ يَعْبُرُ، ثُمَّ لاَ تَجِدُ لِمُرُورِهِ مِنْ عَلاَمَةٍ. 12 أَوْ كَسَهْمٍ يُرْمَى إِلَى الْهَدَفِ؛ فَيُخْرَقُ بِهِ الْهَوَاءُ، وَلِوَقْتِهِ يَعُودُ إِلَى حَالِهِ، حَتَّى لاَ يُعْرَفُ مَمَرُّ السَّهْمِ. 13 كَذلِكَ نَحْنُ، وُلِدْنَا ثُمَّ اضْمَحْلَلْنَا، وَلَمْ يَكُنْ لَنَا أَنْ نُبْدِيَ عَلاَمَةَ فَضِيلَةٍ، بَلْ فَنِينَا فِي رَذِيلَتِنَا». 14 كَذَا قَالَ الْخُطَاةُ فِي الْجَحِيمِ. 15 لأَنَّ رَجَاءَ الْمُنَافِقِ كَغُبَارٍ تَذْهَبُ بِهِ الرِّيحُ، وَكَزَبَدٍ رَقِيقٍ تُطَارِدُهُ الزَّوْبَعَةُ، وَكَدُخَانٍ تُبَدِّدُهُ الرِّيحُ، وَكَذِكْرِ ضَيْفٍ نَزَلَ يَوْمًا ثُمَّ ارْتَحَلَ. فماذا نفعَتْنا الكبرياء؟ وماذا أفادنا الغنى الذي كنا نفتخر به؟ [8] يكتشف الأشرار بطلان الكبرياء والتشامخ، وأيضًا بطلان الغنى والثروات التي كانوا يحسبونها رصيد كرامتهم. من بين كل طرق الأشرار ورذائلهم يبكي الأشرار على كبريائهم الذي هو طريق إبليس الذي حطمه هو وملائكته. وأيضًا محبة الغنى، لأن محبة المال أصل لكل الشرور (1 تي 6: 10). فالكبرياء يدفع الأشرار إلى الغباوة فيتشامخوا حتى على الله نفسه، إن لم يكن باللسان فبلغة التذمر والتمرد ورفض الوصية الإلهية، ومحبة الغنى تفسد القلب فلا يقدر الحب أن يملك عليه لأنه يصير دستوره الظلم والجشع والبغضة. * إنه الكبرياء الذي يحولّ الإنسان عن الحكمة، وصارت الغباوة ثمرة التحول عن الحكمة. القديس أغسطينوس حياة الأشرار الخالية من كل فضيلة هي بلا معنى أمام الله. تنتهي حياتهم ولا تدوم ذكراهم على الأرض ولا في السماء. لا تترك حياتهم أي أثر صالح بعد موتهم، بل وحتى الآثار السيئة بعد مرور زمنٍ ما لا يعود يذكرها الكثيرون، أما فضائل الأبرار أو حبهم فيرافقهم في السماء، لأن المحبة لا تسقط أبدًا. قد مضى ذلك كُله كالظل، وكإشاعة تمر بسرعة، [9] مسكين الإنسان الذي يجعل من ظل سحابة علامة لطريقه، فسرعان ما يمضي الظل، ويفقد الإنسان طريقه. كل أمور العالم الحاضر وشهواته تمضي كالظل، فلا ترفع قلب الإنسان إلى الله مصدر حياته وسعادته الأبدية. من ينشغل بالكرامة الزمنية وتُمتص كل أفكاره في إقامة ذكريات له، إنما كمن يسير وراء إشاعة كاذبة سرعان ما ينكشف كذبها وعدم وجود حقيقة صادقة لها. مسكين الإنسان الشرير الذي عوض ارتباطه بسحابة من الشهود (عب 12: 1) ينشغل بظلها. تطلع الرسول بولس إلى هذه السحابة لا ليشغل نفسه بمنظرها، بل أن يلتحق بها، فيصير جزءً لا يتجزأ من السحابة المقدسة الحاملة للسيد المسيح. ظهر الرب كسحابه لشعبه القديم ليظللهم من الحر ويقودهم في النهار مشتاقا أن يصير شعبه نفسه سحابة نيِّره تتمتع بحضوره وتجليه فوقها، فيصيروا عرشه. مسكين الشرير الذي عوض طلب الحق الإلهي فينعم بأسرار الله ويختبر السماويات، كل ما يشغله أن تصير حياته إشاعة سرعان ما تزول! * "لا تغرب الشمس على غيظكم" (أف 4: 26)، ومع هذا فقد غابت الشمس مرارًا كثيرة. اتركوا غيظكم أيضًا، حيث نحتفل الآن بأيام الشمس العظيم، هذه الشمس التي يقول عنها الكتاب المقدس "لكم... تشرق شمس البرّ، والشفاء في أجنحتها" (مل 4: 2). ماذا يقصد ب "في أجنحتها"؟ أي في حمايته، إذ قيل في المزامير: "وبظل جناحيك استرني" (مز 17: 8). وأما أولئك الذين يندمون في يوم الدينونة، ولكن بعد مضي الوقت، والذين سيحزنون ولكن بلا فائدة، فقد سبق أن تنبأ في سفر الحكمة عن ما سيقولونه عندما يندمون ويتأوهون من عذاب الروح "فماذا أنفعتنا الكبرياء وماذا أفادنا افتخارنا بالغنى. قد مضى ذلك كالظل، لقد ضللنا عن طريق الحق، ولم يضئ لنا نور البرّ، ولم تشرق علينا الشمس" (حك 5: 8، 9، 6). تلك الشمس تشرق على الأبرار فقط، وأما هذه الشمس التي نراها يوميًا فإن الله يشرق شمسه على الأشرار والصالحين" (مت 5: 45). يطلب الأبرار رؤية تلك الشمس وهي تقطن في قلوبنا بالإيمان. فإن كنتم تغضبون لا تدعوا هذه الشمس تغرب في قلوبكم على غيظكم "لا تغرب الشمس على غيظكم"، لئلا تكونوا غضوبين، فتغرب شمس البرّ عنكم وتمكثون في الظلام. القديس أغسطينوس أو كالسفينة الجارية على أمواج الماء، التي لا تجد أثر مُرورها، ولا خطَّ لقاعها في الأمواج. [10] التشبيه الثالث الذي يقدمه لنا الحكيم عن حقيقة حياة الأشرار هو الاهتمام بالتطلع إلى الخط الذي يظهر وسط الأمواج بعبور سفينة سريعة وسط البحر. فانه سرعان ما يختفي هذا الخط ولا يبقى له اثر على أمواج المياه المتحركة. مسكين الإنسان الذي عوض أن يدخل سفينة المسيح أي كنيسته لكي يتمتع بغنى عطاياه! يقف متفرجا من الخارج فلا ينعم بالخلاص الأبدي. يقول المرتل عن حياة الأشرار: "كالهباء الذي تذريه الريح عن وجه الأرض" (مز 1: 4). أما عن الصدِّيقين فيقول الرسول: "اُنظروا إلى نهاية سيرتهم، فتمثلوا بإيمانهم" (عب 13: 7). فلك نوح كسفينة في الحقيقة هو خطة إلهية، فيها دبر الله خلاص الإنسان، فقد أغلق الله بنفسه باب الفلك وحفظه حتى نهاية الطوفان. هكذا أيضًا كنيسة العهد الجديد هي تدبير إلهي، فبالنعمة الإلهية نتقبل عضويتنا الكنسية، ويقوم الروح القدس بغلق أبوابنا الداخلية، فلا تتسرب مياه الشر إلى سفينة حياتنا وتفقد توازنها. إن كانت السفينة تشير إلى الكنيسة كملجأ للخلاص، فإن الأشرار لا يشغلهم أن يدخلوا الكنيسة كأعضاءٍ فيها، إنما يكتفون بالتطلع إليها من بعيد لينتقدوها. يتتبعون الخط الذي يظهر وسط الأمواج بعبور الكنيسة وسط بحر هذا العالم، فيفقدوا خلاصهم. أشار القديس أغسطينوس إلى فلك نوح كرمز للكنيسة قائلًا: [الفلك بلا شك هو رمز مدينة الله في رحلتها عبر التاريخ.] * جسم الكنيسة ككل يشبه السفينة، يحمل أناسًا من أجناس متنوعة، وسط عاصفة عنيفة... الله "الآب" هو صاحب السفينة. والمسيح قبطانها. الأسقف يشبه الملاحظ، والكهنة هم البحارة، والشمامسة هم المجذفون، ومعلمو الموعوظين هم المضيفون. العظات المنسوبة لإكليمنضس * من يبقى خارج الكنيسة فهو خارج معسكر المسيح. * لا يكون مسيحيًا من هو ليس داخل كنيسة المسيح. * إذ كيف يمكن أن يكون أحد مع المسيح إن كان لا يسلك داخل عروس المسيح، وإن لم يوجد في كنيسته؟! * من ليس له الكنيسة أمًا، لا يقدر أن يكون الله أباه! القديس كبريانوس * البحر هو العالم، نزلت إليه الكنيسة حتى العمق لكنها لم تهلك لأن قبطانها المسيح ماهر. إذ تحمل صليب الرب إنما تحمل الغلبة على الموت في داخلها... البحارة هما العهدان (القديم والجديد). والحبال المحيطة بها هي محبة المسيح التي تربط الكنيسة. الشبكة التي معها هي جرن الميلاد الجديد الذي يجدد المؤمنين. الروح القدس حال فيها كبحار ماهر يختم به المؤمنون... لها مراسٍ من حديد تحتفظ بها. هي وصايا المسيح نفسه، قوية كالحديد! بها نوتيه على اليمين واليسار، خدام كالملائكة القديسين يديرون الكنيسة ويحفظونها. السلم الذي نصعد به إلى ظهر السفينة هو تذكار آلام المسيح، به ترتفع قلوب المؤمنين إلى السماء. القلاع المرتفعة فوق السفينة هي شركة الأنبياء والشهداء والرسل الذين يدخلون راحتهم. الأب هيبوليتس * لا يمكن عبور البحر إلا إذا بقيت علامة النصرة أي الصاري على السفينة دون أن يصيبها ضرر. الشهيد يوستين أو كطائر يطير في الجو، فلا تجد دليلًا على مسيره. يضرب الريح الخفيفة بجناحيه، ويشُقَّها بصفيرٍ شديدٍ، ويعبرُ مرفرفًا جناحيه، ثم لا تجد لمروره من علامة. [11] ذكراهم على الأرض تكون كأثر سفينة تشق مياه البحر يظهر سريعًا ثم يختفي. أما في السماء فلا وجود لذكرى الأشرار لأن حياتهم تشبه طائرُا يحرك جناحيه ليضرب بهما الهواء، لكن بعد مروره لا نجد أثرًا في الهواء، ولا يتحرك خطًا يُظهر طريق سيره؛ أو مثل سهم يعبر في الهواء لا يترك خطًا يُعلن عن طريق مسيره. يبحث الشرير عن الأثر الذي يتركه طائر مسرع في طريق طيرانه، فإذا به تضيع حياته وراء سراب لا يروي وأثار لا وجود لها عوض الانشغال بالتطلع إلى الخط الذي سلكه الطائر. يليق بالمؤمن أن يصير هو نفسه طائرًا يصعد بروح الله القدوس في غنى النعمة الإلهية من مجد إلى مجد (2 كو 3: 18) لعله يبلغ حياة قامة ملء المسيح السماوي (أف 4: 13). * هكذا يا اخوتي هو وجودنا، نحن الذين نعيش في حياة مؤقتة. هكذا هي تسليتنا على الأرض. جئنا إلى الوجود من العدم، وبعد الوجود الانحلال. إننا أحلام وهمية... مثل طيران طيرٍ عابرٍ، ومثل سفينة لا تترك أثر طريقها في البحر (حك 5: 10)، ذرة من التراب، بخار، ندى مبكر، زهرة سرعان ما تظهر وبسرعة تجف. فالإنسان أيامه مثل العشب، وكزهرة الحقل، هكذا يزهو. القديس غريغوريوس النزينزي أو كسهمٍ يُرمى إلى الهدف، فيُخرق به الهواء، ولوقته يعود إلى حاله، فلا يعرفُ ممرُّ السهم. [12] ما هو السهم الذي ينشغل الأشرار بالبحث عن أثره في الهواء حين يلقيه رامي السهم نحو الهدف؟ أظن أنه السيد المسيح الذي يوجهه الآب إلى قلوب المؤمنين فيصرخ كل منهم بفرح: "إني مجروحة حبا" (نش 2: 5) * مدحت العروس رامي الرمح على تصويبه الدقيق، لأنه رماها بسهمه. فقالت العروس: "إني مجروحة حبًا" (نش 5:2). تعني هذه الكلمات أن سهام العريس قد نفدت إلى داخل قلبها. إن مُصوّب هذه السهام هو الحب (1 يو 8:4)، الذي يرسل "سهمه المختار" (إش 2:49)، الابن الوحيد، إلى هؤلاء الذين يخلصون، ثم يغمس سن السهم الثلاثي في روح الحياة. وسن السهم هو الإيمان، وبواسطته يقدم الله مُصوّب السهم وكذلك السهم معًا إلى القلب، كما يقول السيد المسيح: "إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلًا" (يو 23:14). لذلك فالنفس التي ارتفعت إلى درجات إلهية عليا ترى بداخلها سهم الحب العذب الذي جرحها، وتفتخر بهذا الجرح قائلة: "إني مجروحة بالحب". أيها الجرح الجميل، والسهم العذب، الذي أدخل الحياة إلى قلبي! فلقد فتح نفاذ السهم بابًا ومدخلًا للحب، وهو التحول الخيالي من رمي السهام إلى فرح العرس. كلنا يعرف كيف يقبض رامي السهام على القوّس وتعمل يداه المضبوطة، فتمسك اليد اليسرى بالقوّس، بينما تجذب اليد اليمنى الوتر المرن، وهكذا يتحرك السهم إلى الخلف بطرفه المشقوق. ثم توجه اليد اليسرى السهم إلى الهدف. ذكرنا سابقًا أن العروس كانت الهدف، والآن ترى نفسها كأنها السهم في يديّ صاحب القوس. فيمسك بيده اليمنى بطريقةٍ ما، وبطريقة أخرى بيده اليسرى... الله هو العريس ومصوّب السهم، وهو يعامل النفس النقية كالعروس، يصوبه سهمه نحو هدف طيب. لذلك فهو يسمح لعروسه أن تشارك أبديته التي بلا فساد، وينعم عليها بسنين وحياة طويلة بيده اليمنى. ويعطيها بيده اليسرى هبة حياته الأبدية، وعظمة الله التي لا يشاركه فيها من يبحثون عن العظمة في العالم. من أجل ذلك تقول العروس: "شماله تحت رأسي: (نش 6:2). لأن هذه هو الطريقة التي يُصوب بها السهم إلى هدفه. "ويمينه تعانقني". وكأن العروس تقول إن يمين الله تستقبلني وتسحبني إلى الخلف، لكي تريح رحلتي إلى أعلى حيث يوجهني دون أن أنفصل عن يد حامل القوس. وفي نفس الوقت سوف أُحمل بعيدًا بعمله في التصويب وإني أشعر براحة بين يدي حامل القوس: تقول الأمثال عن صفات هذه الأيادي: "في يمينها طول أيام، وفي يسارها الغنى والمجد" (أم 16:3). القديس غريغوريوس النيسي يمكننا في إيجاز أن نقارن بين البار والشرير. · البار يشتهي أن ينضم إلى سحابة الشهود المنيرة، والشرير ينشغل بظل سحابة سرعان ما تختفي. · البار يود أن يسجل اسمه في كتاب الحياة الأبدية، والشرير تصير حياته أشبه بإشاعة تعبر فلا يكون لها وجود أو ذكرى. · البار يُسر بالإبحار في سفينة المسيح ليتمتع بالخلاص، والشرير يكتفي بالتطلع إلى الخط الذي يظهر بإبحارها إلى حين ثم يختفي. · البار يود أن يكون كالنسر، يحلق في السماويات، والشرير يبحث في أثر طيران النسر فلا يجد له وجودًا. · البار يتلقف ضربة السهم الإلهي، فتتهلل نفسه بجراحات الحب الإلهي، بينما ينشغل الشرير بالتطلع إلى الهواء يبحث عن أثر ممر السهم. كذلك نحن ما إن وُلدْنا حتى نبدأ نتوارى، ولم يكن لنا أن نُبدي علامة فضيلة نظهرها، بل فنينا في شرِّنا. [13] يصور الحكيم حياة الإنسان أنها ما أن تبدأ حتى يرافقها الشعور بالموت، فيترقب متى يحل الموت به، ويتوارى عن العالم. هذا ومن جانب آخر، إذ فسدت الطبيعة البشرية، لا يجد الإنسان علامة يمسك بها ليُظهر بها فضيلة ما، بل شعوره الدائم بالضعف يفني حياته. إن رجاء الشرير كعُصافةٍ تذهب بها الريح، وكزَبَدٍ رقيقٍ تُطارده الزوبعة. إنه يتبدد كدخانٍ في الهواء، ويمضي كذِكْرِ ضيف ليومٍ واحد. [14] إذ يضع الشرير رجاءه في خيرات العالم وملذاته وشهوات الجسد، سرعان ما يفقد رجاءه، إذ يحسبه كعصافة يبددها الريح العاصف، أو مثل الزُبد الذي يظهر وراء السفينة المسرعة فتطرده الزوابع، أو كدخان يتبدد في الهواء، أو كذكرى إنسان يستضيفه لمدة يومٍ ولا يعود. * سحاب بلا ماء، هؤلاء الذين ليس فيهم الكلمة الإلهي لحامل الثمار. إنهم أموات موتًا مضاعفًا: أولًا، لأنهم أخطأوا آثمين. مرة أخرى أنهم يسلمون للعقوبات التي أعدها الله لهم. يمكن أن يُقال عن إنسانٍ أنه ميت وهو حي، لكنه لا ينعم بميراثه. القديس إكليمنضس السكندري 3. أكاليل الأبرار 16 أَمَّا الصِّدِّيقُونَ فَسَيَحْيَوْنَ إِلَى الأَبَدِ، وَعِنْدَ الرَّبِّ ثَوَابُهُمْ، وَلَهُمْ عِنَايَةٌ مِنْ لَدُنِ الْعَلِيِّ. 17 فَلِذلِكَ سَيَنَالُونَ مُلْكَ الْكَرَامَةِ، وَتَاجَ الْجَمَالِ مِنْ يَدِ الرَّبِّ، لأَنَّهُ يَسْتُرُهُمْ بِيَمِينِهِ وَبِذِرَاعِهِ يَقِيهِمْ. 18 يَتَسَلَّحُ بِغَيْرَتِهِ وَيُسَلِّحُ الْخَلْقَ لِلاِنْتِقَامِ مِنَ الأَعْدَاءِ. 19 يَلْبَسُ الْبِرَّ دِرْعًا وَحُكْمَ الْحَقِّ خُوذَةً، 20 وَيَتَّخِذُ الْقَدَاسَةَ تُرْسًا لاَ يُقْهَرُ، 21 وَيُحَدِّدُ غَضَبَهُ سَيْفًا مَاضِيًا، وَالْعَالَمُ يُحَارِبُ مَعَهُ الْجُهَّالَ. 22 فَتَنْطَلِقُ صَوَاعِقُ الْبُرُوقِ انْطِلاَقًا لاَ يُخْطِئُ، وَعَنْ قَوْسِ الْغُيُومِ الْمُحْكَمَةِ التَّوْتِيرِ تَطِيرُ إِلَى الْهَدَفِ. 23 وَسُخْطُهُ يَرْجُمُهُمْ بِبَرَدٍ ضَخْمٍ، وَمِيَاهُ الْبِحَارِ تَسْتَشِيطُ عَلَيْهِمْ، وَالأَنْهَارُ تَلْتَقِي بِطُغْيَانٍ شَدِيدٍ. 24 وَتَثُورُ عَلَيْهِمْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ زَوْبَعَةٌ تُذَرِّيهِمْ، وَالإِثْمُ يُدَمِّرُ جَمِيعَ الأَرْضِ، وَالْفُجُورُ يَقْلِبُ عُرُوشَ الْمُقْتَدِرِينَ. إن كان الأشرار ليس لهم ذكر دائم، فإن الأبرار يحيون مع السيد المسيح إلى الأبد، هذا الذي يطوِّبهم، قائلًا: "طوبى للحزانى الآن لأنهم يتعزون" (مت 5: 4). ويقول الرسول: "ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا" (عب 12: 1)، حتى ننعم بأمجاد السماء التي لا يُعبر عنها. أما الأبرار فسيحيون للأبد، وعند الرب ثوابهم، ولهم عناية من لدن العليَّ. [15] يحاول الحكيم أن يصور الحالة المطوَّبة التي يتمتع بها الأبرار في يوم الرب. من بين ما يتمتعون به: أ. الحياة الأبدية، "سيحيون للأبد" ما هي هذه الحياة الخالدة التي لا يقدر الموت أن يقترب إليها، إلا ذاك الذي قال: "أنا هو الحياة". هذا الذي مات مرة واحدة بالجسد بإرادته، إذ قال: "لي سلطان أن أضعها" (يو 10: 18). ما كان يمكن للموت أن يقترب إليه، لو لم يسلم نفسه خلال حبه لكل البشرية وطاعته للآب ليدخل - كما يقول القديس مار أفرام السرياني - إلى معدة الموت ويفجِّرها، ويُخرج الذين سبق فأسرهم إبليس في الجحيم. نناله هنا على الأرض، فلا يقترب الموت إلى نفوسنا، ونلتقي معه وجهًا لوجه، فلا يقدر الموت بعد أن يلمس أجسادنا المجيدة التي على صورة جسد ربنا القائم من الأموات. ب. "عند الرب ثوابهم"، فإن أعظم ما يناله المؤمن، أنه يجد ثوابه هو الرب نفسه، يقدم له مما عنده، حيث يتمتع بالشركة في المجد السماوي. ج. لعل إدراك المؤمن المكلل في السماء أنه يكتشف في أعماق جديدة عناية الله التي ليس فقط لا تتوقف في السماء، بل يبقى المتمتعون بالسماء يدركون دفء الحضن الإلهي، ويبقون إلى الأبد يتمتعون بأسرار جديدة تتكشف أكثر فأكثر! فلذلك سينالون مملكة مجيدة، وتاج الجمال من يد الرب، لأنه بيمينه يستُرهم ، وبذراعه يحميهم. [16] يكمل الحكيم حديثه عن الحياة السماوية المطوَّبة فيقول: د. "سينالون مملكة مجيدة"، حيث يصير الكل ملوكًا أو ملكات، أو يصير الكل الملكة الجالسة عن يمين الملك (مز 45: 9). إنها مملكة مجيدة! تزداد عظمة كل إنسان بعظمة اخوته. ففي ممالك هذا العالم متى تسلم أحد كرسي الحكم يحزن المنافسون له، ويحسده كثيرون. أما في السماء فإن كل إنسان يتمتع بهذا المركز لا ينفرد به، بل يدرك أن سرّ مجده وكرامته وفرحه أن الكل من مؤمني العهدين القديم والجديد يشاركونه هذا المجد. ه. "تاج الجمال من يد الرب"، إنه تاج الجمال الحقيقي، لأنه من يد الرب، يحمل انعكاس مجد الرب وبهائه. و. "لأنه بيمينه يسترهم"، كأن الحكيم يرى كل الكنيسة، وقد صارت الملكة العروس الواحدة، الجالسة عن يمين الملك، وإذ يشرق منهم انعكاس بهاء العريس يحتضنهم، كمن يسترهم. ز. "بذراعه يحميهم"، ممن يحميهم؟ لم يعد بعد يوجد عدو يقاوم، ولا خطية تتسلل إلى الفكر، فلماذا يحميهم؟ تبقى الكنيسة وهي تتمتع بالسلام السمائي والفرح الإلهي تسبح الرب الذي حفظها في برية العالم ودخل بها إلى كنعان السماوية، وأغلق الباب، حتى تبقى معه وفيه محفوظة بحبه الفائق. 4. الرب الديَّان يتخذ غيرته سلاحًا كاملًا، ويُسلِّح الخليقة ليصُدّ أعداءه. [17] ما هي غيرة هذا البار إلاَّ حبه الفائق لعروسه؛ هذا هو السلاح الذي به حطَّم إبليس وكل مملكة الظلمة بصليبه. إنه يُسلح عروسه بذات سلاحه الذي هو غيرة الحب، فلا يجد إبليس - الذي لا يعرف الحب بل الكراهية والبغض - له شيئًا في العروس السماوية. يصوِّر لنا القديس يعقوب السروجي منظرًا خطيرًا، وهو أنه ما أن تنتقل نفس من هذا حتى ينطلق إبليس إليها لعله يجد له موضعًا فيها، وإذ لا يجد موضعًا يمتلئ غيظًا ومرارة. فإن كل ما يشغله أن تشاركه البشرية هلاكه الأبدي. يلبس البرّ درعًا، والحكم الصادق خوذةً. [18] بعد أن تحدث عن الصديقين بصيغة الجمع الآن يتحدث عن البار بصيغة المفرد، إذ يركز نظره على البار الواحد، ربنا يسوع المسيح، الإله المتجسد، إذ حملنا فيه ليهبنا ما له، ولكي يفتح لنا طريق المجد. يأتي السيد المسيح في يوم القيامة لكي يكافئ الأبرار ويجازي الأشرار بغيرة عظيمة. أيضًا كل مؤمن يتحد بالبار القديس يحمل برّه، ويصير السيد المسيح تُرسًا له، يحميه من سهام العدو. السبيل الوحيد للنصرة على إبليس هو الاتحاد مع الله والالتصاق بالحق وحفظ وصاياه فيشهد المؤمن للحق عمليًا بحياته. ليس من طريق للشهادة للقدوس السماوي إلاَّ بأن نحمل روح القداسة ونختبر مع الرسول بولس الجلوس في السماويات. فبدون القداسة يحل بنا الغضب، أو نشرب من الكأس التي نملأها لأنفسنا بعدم قداستنا. الطبيعة نفسها لا تحتمل شر الإنسان، فالبروق والغيوم والسيول والبرد هذه كلها تتكاتف أرض البشرية التي أفسدت الطبيعة ونجَّست الأرض. * أن تخدم المسيح هو أن تخدم الحكمة، التي هي خدمة البرّ، وهي خدمة الحق وكل الفضائل المتعلقة به. العلامة أوريجينوس ويتخذ القداسة تُرسًا لا يُقهر. [19] كيف تُحسب القداسة تُرسًا لا يُقهر؟ كلمات "قداسة" أو "قديس" أو "قدوس" مأخوذة عن اليونانية "أجيوس"، وتحمل معنى اعتزال لما هو أرضي، أي ليس للأرض موضع في الشخص. هذا هو الجانب السلبي، أما الإيجابي، فإن الله قدوس، أي فيه كل الشبع، لا يحتاج إلى شيء خارجه. والقديس هو من يقتني هذا القدوس الذي يملأ كل كيانه الداخلي، فلا يشعر قط بفراغٍ، ليس للعالم موضع في أعماقه، بل يملأ الله كل قلبه ومشاعره وأحاسيسه. يصوِّر الحكيم المؤمن كجندي روحي صالح، يحمل أسلحة البرّ، ويتمتع بإكليل الغلبة والنصرة، يستلمه من يد الرب نفسه، وفي نفس الوقت لا ينسب لنفسه النصرة، بل يستتر في يمين الرب، ويحتمي بذراعه الإلهية. الآن وقد لبس سلاح الله الكامل، الذي تحدث عنه الرسول بولس في رسالته إلى أهل أفسس 6: 10-18، يقدم له الرب غيرته الإلهية عاملة فيه، وكأنه يقوم بتسليح خليقته لكي تستطيع أن تحتمي من إبليس، الذي يحمل روح العداوة ضد الرب نفسه. بمعنى آخر إن كان الرب يُسلح خليقته البشرية، فهو لا يريدها أن تدخل طرفًا في المعركة، إنما يدخل الرب نفسه من خلالها ليحطم إبليس المقاوم. يشحذُ (يجعله حادًا) غضبَه الذي لا ينثني سيفًا، والعالَم يُحارب معه الأغبياء. [20] حب الله الفائق نحو البشرية لا يعني مهادنته للأشرار أو تهاونه معهم، إذ لا يطيق الخطية والشر. يستخدم الله القدوس خليقته سواء السماوية أو الأرضية لتأديب الأشرار هنا على الأرض. أما في يوم الدين فيرى القديس يعقوب السروجي أن الله يقيم الرسل ليدينوا، ليس من عندهم أو حسب أفكارهم، وإنما حسب فكر الله الذي لن يرى الأشرار مجده، حتى لا يتمتعوا به، ولكي لا يطلبوا رحمتهّ. وقد أشرت إلى ذلك أثناء تعليقي على العبارة الأولى من هذا الأصحاح. فتنطلق البروق كسهامٍ مُحكمة التسديد، ومن السحب كمن قوسٍ مُحكم التوتير، تطير إلى الهدف. [21] كثيرًا ما يصوِّر الكتاب المقدس الطبيعة الجامدة وهي تتحرك لتشهد لخالقها القدوس، فتقف في عداوة ضد الأشرار الأغبياء. يرى الحكيم أن البروق قد تحولت إلى سهام في يد الخالق، يصوبها ضد الشر والأشرار، يطلقها من بين السحب، كما تنطلق السهام من القوس. يورد هنا صورًا مختلفة من ثورة الطبيعة ضد الأشرار مقاومي القدوس الخالق. وهي أشبه بضربات تحل عليهم لتكشف ما في داخلهم من فسادٍ ودمارٍ: أ. البروق المرعبة [21]. ب. البَرَد القاتل [22]. ج. أمواج مياه ثائرة [22]. د. طوفان أنهار لا ترحم[23]. ه. زوابع رملية في القفر [23]. غاية هذه الضربات وغيرها أن يكتشف الإنسان حقيقة أعماقه، لعل يدرك ما بلغه من خطر، فيرجع إلى الخالق مخلص النفوس. فالبروق المصوَّبة من السحب كالسهام ترمز للإنسان الذي يقذف من فمه سهام الغش والكذب، فتكون ألسنتهم سهامًا مملوءة سمًا قاتلًا. كان المحاربون يدهنون السهام بمواد سامة، حتى متى اخترقت جسم إنسان تسممه حالًا. والبَرَد الساقط كالحجارة يقتل العشب، يشير إلى دمار قلب الإنسان أي كرم الرب، فعوض أن يرتوي بمياه الروح ليثمر أشجارًا روحية مُشبعة، يتحول القلب إلى ارضٍ بورٍ مملوءة أعشابًا، يقتلها البَرَد. والأمواج الثائرة، تشير إلى نفوس لا تعرف السلام والهدوء، بل في حالة اضطراب دائم. وطوفان الأنهار يشير إلى التطرف في كل شيء، فلا يسلك الإنسان بحكمة لهلاكه بسبب تطرفه. أما الزوابع الرملية فتشير إلى القلب الذي لم يقبل مياه الروح، فيتحول إلى قفرٍ قاتلٍ. تبدأ ثورة الطبيعة بالبروق المصاحبة للرعود، ويرى العلامة أوريجينوس في الرعود والبروق إشارة إلى التعاليم الإلهية الصادرة من السماء والتي بها يؤدب الإنسان لكي يتعرف على أخطائه. * "أرسل سهامه فشتَّتهم" (مز 18: 14). لقد أرسل الإنجيليين يعبرون طرقًا مستقيمة على أجنحة القوة، ليس بقوتهم الذاتية، وإنما بقوة من أرسلهم. "فشتتهم"، عند الذين أرسلهم إليهم ليصيروا لبعضهم رائحة حياة لحياة، ولآخرين رائحة موت لموتٍ (2كو 2: 16). "وبروقًا كثيرة فأزعجهم" (مز 18: 14)، إذ ضاعف من العجائب وأزعجهم. القديس أغسطينوس وحبَّات بردٍ مليئة بالسُخط، تُقذف من قذَّافة، ومياه البحر تثور عليهم، والأنهار تغمرهم بوحشية. [22] إذ لا يسمع الإنسان الشرير لصوت التعاليم السماوية ويقبل استنارتها، غير مبالٍ بالرعود والبروق، تحل به ضربة البَرَد النازل من السماء كحجارةٍ ثقيلةٍ، وكأنها تقذف من العلا على زراعتهم وحيواناتهم، بل وحتى عليهم هم أنفسهم. وكما يقول المرتل: "أهلك بالبَرَد بهائمهم، ومواشيهم للبروق" (مز 78: 47-48). يتساقط البَرَد القاتل للمزروعات، يحمل معه علامات الغضب ضد الشر، وكأنه قذائف يُحكم توجيهها. وأيضًا يعلن البحر عن غضبه فيهيج، وتثور الأمواج ضد الأشرار. والأنهار التي تروي الزراعة والحيوانات والبشر تفيض لتهلك بطوفانها دون رحمة. إذ نقف هنا أمام القذائف التي تصدر مع البَرَد، نذكر ضربة المصريين الخاصة بالبَرَد والنار معًا. "فأعطى الرب رعودًا وبردًا، وجرت نار على الأرض، وأمطر الرب بَرَدًا على أرض مصر، فكان بَرَد ونار متواصلة في وسط البَرَد. شيء عظيم جدًا لم يكن مثله في كل أرض مصر منذ صارت أمة" (خر 9: 24-25). وللقديس مار أفرآم السرياني تعليق على هذا المنظر الغريب. * بّرَد ونار سقطا معًا. لم يطفئ البَرَد، ولا أذابت النار البَرَد كما في أدغالٍ، وتحول البَرَد إلى اللون الأحمر كأنه حديد في النار، يلتهب في البَرَد. * بأصوات الرعد والبرق، عاقب الرب المصريين الذين كانوا يستعبدون شعبه. والمسيح، برسله الاثني عشر وبأصوات تعاليمه، عاقب الشياطين. من السماء كانت أصوات الرعد تفزع المصريين؛ والرسل القديسون بتعاليمهم السماوية، صوّتوا وأفزعوا الشياطين. ضرب الرب المصريين بالبَرَد والنار. وهذا العجب العظيم أن النار والماء كانا مختلطين ضربةً للمصريين. والمسيح برسله القديسين، ضرب الشياطين بمياه المعمودية المقدسة التي فيها يجتمع الماء ونار الروح القدس معًا. الماء لغسل وسخ الجسد، ونار الروح القدس لغسل وسخ النفس... معمودية الروح، إن صح هكذا، هي البَرَد والنار اللذان بهما يضرب المسيح الشياطين كل حين على يد تلاميذه وخلفائهم إلى الأبد. القديس مار أفرام السرياني يرى القديس أغسطينوس أن ضربة البَرَد القاتلة هي فقدان الإنسان لمحبته لأخيه، إذ تجعله في برود قلب شديد وسط ظلمة ليل الجهالة. يختم حديثه عن الضربات التي ستحل بالأشرار على الأرض بريح خطيرة تهب عليهم، فتذريهم كالزوبعة، وتحول حياتهم التي صارت أرضًا وليس سماءًَ إلى قفر، تفقدهم ما حسبوه عروشًا وكرامات. في تفسير القديس هيبوليتس الروماني للريح الشرقية المدمرة (هو 13: 15)، يرى أنها ضد المسيح الذي يظهر في آخر الأيام ليقتنص إن أمكن حتى المختارين، ويضلوا عن الحق. * ما هي هذه الريح الحارقة القادمة من الشرق ويُجفف مجاري المياه وثمار الأشجار في زمانه، إذ يضع الشعب قلبه في أعماله؟ إذ يعبدونه في فساده. القديس هيبوليتس يروي ثيؤدورت أسقف قورش ما حدث في أيامه في حرب عام 441م قائلًا: [هذا ما حدث في زماننا، ففي الحرب التي حدثت مؤخرًا أهلك بالبَرَد والنار المتوحشين القادمين من الشمال يهاجموننا. حديثًا آثار الفارسيون حربًا علينا من الشرق، وكانوا يتوقعون الاستيلاء على مدننا بدون سفك دم، لكن مات بعضهم، والبعض طردهم ليقدموا تقارير عما حدث.] وريح قدرة تهبُّ عليهم، وتُذرِّيهم كالزوبعة. والإثم يجعل من الأرض كلِّها قفرًا، وارتكابُ الشرور يقلب عُروش القادِرين. [23] تتحول الأرض إلى صحراء قفر مملوءة بالزوابع والعواصف الرملية المدمرة. من وحي الحكمة 5 احملني في سفينتك فأنجو! * تتوق نفسي إلى يوم مجيئك! يقف أولادك في جرأة أمام الذين سخروا منهم وضايقوهم! يرونك فينعكس بهاؤك عليهم، يلتصقون بك كموكبٍ سماويٍ، فينعمون بأمجاد أبديه! * يا لبؤس الأشرار! لا يقدرون على معاينة مجدك. يصير مجيئك بؤسًا لهم. يتطلعون إلى أولادك فيجزعون! يُذهلون من خلاص بنيك الذي استخفوا به، ولم يكونوا يتوقعونه! * يندمون ويتنهدون، ويعترفون أنهم كانوا أغبياء! وسط الظلمة الحالكة يبكت كل واحدٍ منهم الآخر، لكن، لم يعد أحدهم قادرًا على التطلع إلى شمس البُر. * يصرخون معترفين أنهم اختاروا الإثم والفساد، واستخفوا بطريق الرب! فقدوا كل شيء حتى حياتهم! تحولت ملذاتهم إلى علة مرارة أبدية! تحولت عجرفتهم إلى مذلة لا يُعبر عنها! مضت حياتهم الزمنية على الأرض، ولم يستطيعوا أن يقتنوا نصيبًا مع السمائيين! * الآن أصرخ إليك يا إلهي قبل فوات الأوان. هب لي مع الأبرار أن أعرفك، يا أيها الحق الإلهي، فلا تصير حياتي كلها كظلٍ عابرٍ وباطلٍ! هب لي أن أكون سحابة خفيفة تحملك، وليس ظلًا لسحابة يذهب ولا يعود سجل اسمي في كتابك مع بنيك، فلا تصير حياتي كإشاعة تعبر وتزول. احملني في سفينتك فأنجو، ولا أقف انشغل بأثر مرورها وسط الأمواج، دون أن أدخل فيها. هب لي جناحي روحك القدوس، فأطير, أكون معك في السماء، ولا أقف متفرجًا أتطلع إلى قديسيك كحمامٍ طائرٍ! صوبٌَ سهم حبك في قلبي، فتصرخ نفسي مترنمة: "إني مجروحة حبًا!" جراح حبك تشفيني وتعزيني. ليدخل سهمك الإلهي في أعماقي، ولا أنشغل بالبحث النظري عن ممره في الهواء. * هب لي أسلحة الروح يا أيها القائد الإلهي. فأدخل بك إلى المعركة، ويسقط إبليس العدو كالبرق من السماء. أتمتع بملكوتك الأبدي، وأتزين بالتاج الذي تقدمه لي يداك. بك وحدك انتصر وأتكلل، ففي يمينك تسترني بنعمتك، وبذراعيك المبسوطين على الصليب تحميني وتحتضنني. * إلهي، تعاليمك ترعد في قلبي، فأمتلئ بخوفك ممزوجًا بالحب. لتلقي بالبَرَد على خطاياي فتهلكها، ولا يكون لها سلطان فيٌ! لتسمح لأمواج البحار أن تهدأ، فأتمتع بسلامك السماوي. لا أعود أخشى الطوفان، فإني مع نوح في داخل الفلك. ولا أضطرب من الزوابع الرملية، لأنك حولت بريتي إلى جنة مغلقة، لا تقدر زوابع العالم أن تقترب إليها وتقتحمها. لك المجد يا أيها العجيب في عطاياه! |
||||
08 - 03 - 2024, 04:39 PM | رقم المشاركة : ( 153615 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
صيحات النصرة وصرخات الندم جولة المسيح الكرازية (ع1 -3): 1 عالج الحكيم في الأصحاح السابق موضوع "الموت المبكر لبعض الأبرار"، وكيف يسمح به الله أحيانًا من أجل إنقاذهم، وعدم تسلل الشر والخبث إليهم، وأن هذا الموت يصير دينونة للأشرار الذين حتى في شيخوختهم يخشون الموت. الآن إذ يدين موت الأبرار الأشرار، يندم الأشرار، لكن للأسف كثيرًا ما لا يبالي الأشرار بذلك، فلا يرجعون إلى الرب. الآن في هذا الأصحاح يؤكد أن دينونة الشرير نهائية ومرة. تعبر حياة الشرير كالظل، أشبه بالأثر الذي تتركه السفينة السائرة وسط الأمواج يختفي سريعًا، وكالطريق الذي يشقه الطير في الهواء فلا يترك علامة له، أو كطريق سهمٍ يخترق الهواء ولا يعرف ممره، أو كغبار تذهب به الريح إلخ. الأبرار يدينون الأشرار 1 حِينَئِذٍ يَقُومُ الصِّدِّيقُ بِجُرْأَةٍ عَظِيمَةٍ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ ضَايَقُوهُ، وَجَعَلُوا أَتْعَابَهُ بَاطِلَةً. 2 فَإِذَا رَأَوْهُ يَضْطَرِبُونَ مِنْ شِدَّةِ الْجَزَعِ، وَيَنْذَهِلُونَ مِنْ خَلاَصٍ لَمْ يَكُونُوا يَظُنُّونَهُ، 3 وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ، وَهُمْ يَنُوحُونَ مِنْ ضِيقِ صُدُورِهِمْ: «هذَا الَّذِي كُنَّا حِينًا نَتَّخِذُهُ سُخْرَةً وَمَثَلًا لِلْعَارِ. 4 وَكُنَّا نَحْنُ الْجُهَّالَ نَحْسَبُ حَيَاتَهُ جُنُونًا، وَمَوْتَهُ هَوَانًا. 5 فَكَيْفَ أَصْبَحَ مَعْدُودًا فِي بَنِي اللهِ، وَحَظُّهُ بَيْنَ الْقِدِّيسِينَ؟! 6 لَقَدْ ضَلَلْنَا عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ، وَلَمْ يُضِئْ لَنَا نُورُ الْبِرِّ، وَلَمْ تُشْرِقْ عَلَيْنَا الشَّمْسُ. 7 أَعْيَيْنَا فِي سُبُلِ الإِثْمِ وَالْهَلاَكِ، وَهِمْنَا فِي مَتَايِهَ لاَ طَرِيقَ فِيهَا، وَلَمْ نَعْلَمْ طَرِيقَ الرَّبِّ. حينئذ يقوم البار بجرأة عظيمة، في وجوه الذين ضايقوه، واحتقروا أتعابه. [1] إنه لأمر طبيعي أن يسخر الأشرار بالإنسان البار، فقد قيل عن لوط أنه "كان كمازحٍ في أعين أصهاره" (تك 19: 14). يفتح هذا الأصحاح الستار عن الأبرار بعد خروجهم من هذا العالم. فإنهم يقفون في جرأة أمام الأشرار الذين ضايقوهم. لقد اتهمهم الأشرار بالغباوة والجهل، بل والجنون، حين كانوا يبذلون حياتهم من أجل الحياة المقدسة في الرب وممارسة البنوة لله وانتظارهم للمجد الأبدي. سيكتشف الأشرار أن الله لا ينسى كأس ماء بارد قدمه بار من أجل حبه لله، وأنه سيمسح كل دمعة من عينيه. ومن الجانب الآخر، يدركون أن الله قد أطال أناته جدًا عليهم وقد امتلأ كأس الغضب عليهم. مما يزيد الأشرار مرارة في يوم الدين أنهم يرون الأبرار - موضوع سخريتهم وظلمهم - يتمتعون بالخلاص وشركة الأمجاد. يكتشفون خطأ نظرتهم إليهم كما يدركون خطأ نظرتهم لحياة الشرير وسلوكه. يتطلع الحكيم إلى يوم الرب العظيم، فيرى البار يقوم في جرأة عظيمة كابن لله، يترقب التمتع بكمال المجد. يراه الذين ضايقوه واستخفوا به وبأتعاب جهاده، فتتغير الأوضاع حيث يصير هو في مجدٍ فائقٍ، ويحل الخزي بمقاوميه. |
||||
08 - 03 - 2024, 04:43 PM | رقم المشاركة : ( 153616 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حينئذ يقوم البار بجرأة عظيمة، في وجوه الذين ضايقوه، واحتقروا أتعابه. [1] ما يعزي الأبرار هنا، أنهم يشاركون البار القدوس الذي جاء إلى خاصته وخاصته لم تقبله (يو 1: 11). يقول عنه الإنجيلي: "ولما سمع أقرباؤه، خرجوا ليمسكوه، لأنهم قالوا إنه مختل" (مر 3: 21). كما يشارك الرسول بولس القائل عن نفسه ومن معه من الكارزين: "لأننا إن صرنا مختلين فلله، أو كنا عاقلين فلكم" (2 كو 5: 13). ففي يوم الرب العظيم يأتي السيد المسيح كديان، لا يقدر الذين استخفوا أن يتطلعوا إليه. وهكذا يقف الأنبياء والرسل وكل الكنيسة الذين اضطهدهم الأشرار في العالم ليدينوا الشر والأشرار. وكما يقول السيد المسيح: "فقال له يسوع الحق أقول لكم إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضًا على اثني عشر كرسيا، تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر" (مت 19: 28). "لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي، وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر" (لو 22: 30). |
||||
08 - 03 - 2024, 04:45 PM | رقم المشاركة : ( 153617 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
فإذا رأوه يضطربون من شدة الجزع، ويَذهلون من خلاصٍ لم يكونوا يتوقعونه. [2] مما يزيد من ضيق الأشرار ليس العذابات المُعدة لهم فحسب، وإنما المجد الذي يتمتع به الأبرار، والذي لم يكن في مخيلتهم، فإنهم يذهلون من خلاصهم! لا يستطيع الأشرار أن يتطلعوا إلى الديان حين يرون عينيه لهيب نار، فيخشونه كديانٍ، قائلين للجبال أن تسقط عليهم وللآكام أن تغطيهم، لأنهم صاروا في عريٍ وخزيٍ كما كان الأبوان الأولان في الجنة يستتران بأوراق الشجر. لكن من أين يأتون بالشجر وقد تجردوا من كل شيءٍ حتى الجبال والآكام قد زالت. ومما يزيدهم مرارة أن ذاك الذي يرونه مصدر رعبٍ لهم إذا به يحتضن الأبرار بكونهم الملكة التي تتهلل بملكها السماوي الذي يدخل بها إلى حضن الآب وتستقر فيه أبديًا. كما يتلألأ برّ المسيح وشركة سماته التي لبسها الأبرار كثوب مجدٍ لهم، هكذا في خزيٍ يرتدي الأشرار أفعالهم الرديئة، خاصة تهكمهم على أولاد الله، وسخريتهم بهم، فيدركون حينئذ أنهم قد ارتدوا الغباوة والبطلان والفساد ثيابًا تزيدهم عريًا وفضيحة. حقًا سيُفصل الأبرار الممجدون عن الأشرار الهالكين أبديًا بلا محاباة. |
||||
08 - 03 - 2024, 04:46 PM | رقم المشاركة : ( 153618 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
للقديس مار يعقوب السروجي تصوير غريب عن يوم الدينونة، ولعله إذ يرى أن الرب كلي الحب لذلك لا يُسمح للأشرار أن يلتقوا به حتى لا يطلبوا رحمته، بل يُسمح لهم برؤية الرسل الممجدين مما يزيدهم مرارة، ويقوم الرسل بإبلاغ الحكم على الأشرار. * مخيف هو اليوم الذي تصير فيه الدينونة الأخيرة، وفيه يشرق ابن الله بمجدٍ عظيمٍ (يوئيل 2: 1-11)، من يمينه ومن يساره بروق النار... يستقيم عرش الدينونة ببرٍّ، ويجلس عليه البكر بمجدٍ عظيمٍ ليدين الشعوب، ويلقي بغضبٍ وُيبعد بحنق الشعب الملعون الذي صرخ في المحكمة: اصلبه، اصلبه (متى 27: 22-23)، يقف حجاب النار بينه وبينهم لئلا ينظروا إليه لئلا تصير عليهم المراحم، ولا يتركونهم ينظرون إلى العلا، لئلا يروا ضياءه وينالوا منه الرجاء، كل إنسانٍ يستوجب حكم الموت لو رأى وجه الملك لن يموت، الشعوب الذين أحبوه، واعترفوا باسمه يدخلون إلى خاصته،... يُهيأ اثنا عشر كرسيًا ويجلس الرسل ليدينوا الشعب الملعون الذين لم يؤمنوا به (لو 22: 28-30)، وإذ رأوا كم أنه أهانه واحتقره وحطه لأنه كفر به بحيث لم يؤهله ليدخل إلى المحكمة مثل الشعوب، حكمُ البشر قاس على البشر، لذا اسلم حكمهم للبشر، لأنهم يستحقون هكذا (2 صم 24: 14). * لما كان ربنا يُعَلِمْ قال: من بيتٍ واحدٍ سيؤخذ واحد، وسيُترك آخر (مت 24: 40)، لو لم تجرّ الأعمال الإنسان إلى الكرامة، لا يفيده ربوات الأبرار الذين يسكنون معه. الابن البار لا ينفع أباه الذي أثم، والابن الخاطئ لا يحتمي بالأب البار. البتول الطاهرة لا تخلص الأم التي زنت، والأخ الكامل لا يفيد أخاه المتراخي. من هذه الأمور التي علمها ربنا تعلم بأن واحدًا يأخذونه والآخر يتركونه بتمييز (مت 24: 40). الخوف يرعب الأختين في بيت واحد، ولا تقدران أن تستفسرا سوية عن السبب. العلا يخطف تلك الكاملة لتطير في الهواء، واللجة تسحب الأثيمة لتتعذب فيها. الواحدة تؤخذ للقاء العريس كما قيل، وتُترك الأخرى لتعود إلى الهاوية كما كُتب (مت 24: 40). الصوت يُرجف البنت وأمها المطمئنتين، فتخافان وترتجفان لما تُفصلان لتنتقلا، يُفصل الإخوة كالأعضاء من بعضها بعضًا، ويلقي الانقسام في وحدتهم ويبعثرها. يُسقط ويؤخذ الأبناء كالأمعاء، ولا مجال لبطن الأم لكي يحبهم. تُقطع محبة النساء من رجالهن، ولن يعرف الشريك (شريكه) بسبب الخوف. المرأة تُعتبر مثل غريبة من قبل رجلها، وإذ كانت خاصته لم تعد خاصته لأنها فُصلت عنه. المتزوجون لن يعودوا إلى الزواج، والأبوّة لن تحب أحباءها. ومحبة الإخوة لن تثبت كما كانت لأن تلك المساواة تُفصل من الاختلاط. الخوف يقطع الخبر الوارد بين الأختين، ولن تنتهي تلك القصة التي تابعتاها. ولو كانتا مربوطتين سوية في رحى واحد، ستُفصلان من وحدتهما كما هو مكتوب (مت 24: 41). ولن تكتمل كلمة المحبة عندهما، لأن الخوف المرعب يبطل كلماتهما. يقطع حديث البنت الحبيبة مع أمها، ويبطل كلام الملافنة (المعلمين) والباحثين. ينكسر القلم في يد المعلم بصورة غير اعتيادية ولن تُسجل به كتابة إلى الأبد، يترك الصبيان المدرسة المجتمعين فيها، ولن يُقدموا أيضًا في صباح آخر حتى يتعلموا. تغيب وتزول الحكَم من الحكماء، ولن يعرف أحد سوى الخوف من الانبعاث. تهجم الحيرة على الفلاسفة في أفكارهم ولن يتذكروا إلا أن يقولوا فقط: الويل لنا. تنقطع قصة النظريات والاستفسارات ولن يُفسر هناك شيء ماعدا الويل. تتعثر الكلمة وتسقط من اللسان، ويرعد فقط صوت النحيب من جهنم. لن يتسلى أحد ولا يُسلى رفيقه لأن كل واحدٍ سيشرب المرارة وهو يتعذب. الشاب لن يسند الشيخ وهو يتألم، والأب لن يشجع ابنه لئلا يكتئب. ينفصل كل واحدٍ عن رفيقه بخوف عظيم، ويقع الرعب حتى ينتقل الواحد عن رفيقه. هوذا ربنا قد تكلم عن الدينونة الأخيرة: يأخذون الواحد ويتركون الآخر كما قلنا (مت 24: 41). القديس مار يعقوب السروجي |
||||
08 - 03 - 2024, 04:47 PM | رقم المشاركة : ( 153619 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ويقول بعضهم لبعضٍ نادمين ومتنهدين: [3] يندم الأشرار على تصرفاتهم التي سلكوها في هذا العالم، لكن إذ جاء يوم الدينونة، ضاعت منهم فرصة الرجوع إلى الله. |
||||
08 - 03 - 2024, 04:47 PM | رقم المشاركة : ( 153620 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
* "لأنه ليس في الموت ذكرك، في الهاوية من يحمدك؟" (مز 6: 5). يعرف (المرتل) أيضًا أنه الآن وقت للرجوع إلى الله، فإنه إذ تعبر هذه الحياة لا يبقى سوى المجازاة حسب استحقاقاتنا... ذاك الغني الذي يتحدث عنه الرب، والذي رأى لعازر في راحة، ندب حاله في العذابات، واعترف في الهاوية، نعم وقد أراد أن يحذر إخوته حتى يتحفظوا من الخطية، من أجل العقوبة التي تحل في جهنم ولا يعتقدون بها. القديس أغسطينوس |
||||