23 - 02 - 2024, 01:30 PM | رقم المشاركة : ( 151851 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
* اهتم بنقاوة كلامك وتصرفاتك، وإن أخطأت فتب، وحاسب نفسك على ما في قلبك أكثر من اهتمامك بشكلك الخارجي. |
||||
23 - 02 - 2024, 01:36 PM | رقم المشاركة : ( 151852 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
شفاء ابنة المرأة الكنعانية (ع 21-28): 21 ثُمَّ خَرَجَ يَسُوعُ مِنْ هُنَاكَ وَانْصَرَفَ إِلَى نَوَاحِي صُورَ وَصَيْدَاءَ. 22 وَإِذَا امْرَأَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ خَارِجَةٌ مِنْ تِلْكَ التُّخُومِ صَرَخَتْ إِلَيْهِ قَائِلَةً: «ارْحَمْنِي، يَا سَيِّدُ، يَا ابْنَ دَاوُدَ! اِبْنَتِي مَجْنُونَةٌ جِدًّا». 23 فَلَمْ يُجِبْهَا بِكَلِمَةٍ. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَطَلَبُوا إِلَيْهِ قَائِلِينَ: «اصْرِفْهَا، لأَنَّهَا تَصِيحُ وَرَاءَنَا!» 24 فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ». 25 فَأَتَتْ وَسَجَدَتْ لَهُ قَائِلَةً: «يَا سَيِّدُ، أَعِنِّي!» 26 فَأَجَابَ وَقَالَ: «لَيْسَ حَسَنًا أَنْ يُؤْخَذَ خُبْزُ الْبَنِينَ وَيُطْرَحَ لِلْكِلاَب». 27 فَقَالَتْ: «نَعَمْ، يَا سَيِّدُ! وَالْكِلاَبُ أَيْضًا تَأْكُلُ مِنَ الْفُتَاتِ الَّذِي يَسْقُطُ مِنْ مَائِدَةِ أَرْبَابِهَا!». 28 حِينَئِذٍ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، عَظِيمٌ إِيمَانُكِ! لِيَكُنْ لَكِ كَمَا تُرِيدِينَ». فَشُفِيَتِ ابْنَتُهَا مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ. ع21: انصرف يسوع من منطقة جَنِّيسَارَتَ لعله يبتعد عن المناقشات غير المفيدة للفرّيسيّين، أو عن زحام الجموع، وحتى يُظهر محبته للأمم، الذين يكثرون في صور وصيدا، حيث أنه جاء لخلاص العالم كله. "صور وصيدا":مدينتان على البحر الأبيض المتوسط غرب الجليل في لبنان الحالية. ع22: "ارحمنى": لأن مرض ابنتها يسبب آلاما شديدة لها. "ابن داود": آمن اليهود أن المسيا هو ابن داود، فلما رأوا قوة المسيح ومعجزاته، قالوا إنه ابن داود أي المسيا. ولما سمعت هذه المرأة الأممية بالمسيح، نادته كما يلقّبه اليهود. إذ اجتاز المسيح بجوار صور وصيدا، خرجت إليه امرأة أممية من نسل كنعان ابن حام ابن نوح. والكنعانيون هم السكان الأصليون لأرض الميعاد، قبل أن يأتي اليهود مع يشوع. كانت ابنتها مجنونة لأن بها شيطان (مر 7: 25)، وسمعت بقوة المسيح الشافية، فخرجت تطلب إليه أن يشفى ابنتها. ع23: لم يهتم المسيح، ومضى في طريقه. أما هى، فظلت تصرخ متوسلة إليه أن يشفى ابنتها، حتى أن تلاميذه حنّت قلوبهم عليها، فطلبوا منه أن يستجيب لصراخها. وهذا ما أراده المسيح، أن يحرّك قلوب التلاميذ، ويُشعرهم بمسئوليتهم عن خلاص العالم كله، وليس اليهود فقط. ع24: أجاب المسيح بعكس طِلبَتهم، معلنا ما ظنه اليهود، وما بدأ به أولا، وهو أنه أتى لأجل خلاص اليهود المؤمنين بالله. ولكنه في الحقيقة قد أتى لليهود أولا، ثم امتد بعد ذلك ليطلب كل الأمم، بدليل مجيئه إلى هذه البلاد وإتمام المعجزة. وقد كان هذا الأسلوب، أي تبشير اليهود أولا، مناسبا، لأنهم كانوا يظنون أن الخلاص لهم فقط، فكانوا سيرفضونه إن أعلن أن خلاصه للعالم كله من بداية تبشيره. ولكن، بعد أن أقنعهم أن خلاصه روحيا وليس ماديا من الرومان، أظهر أنه خلاص لكل من يؤمن به من العالم كله. ع25: آمنت المرأة أن هذا هو المسيا المنتظر ابن داود، وأنه هو مخلّص العالم. فسجدت له لتعلن خضوعها وإيمانها به، وطلبت منه أن يعينها ويشفى ابنتها. ع26: تظاهر المسيح بعدم قبول طلبتها، ليُظهر إيمانها واتضاعها، فقال لها أنه قد أتى لخلاص اليهود، وهم أبناء الله لإيمانهم، ولا يصح أن تُعطَى نعمة الله التي تخص البنين، وتُطرَح للأمم الذين يعتبرهم اليهود مثل الكلاب. ع27: ظهر اتضاع المرأة العجيب، إذ قالت له: يكفينى الفتات (الكسر الصغيرة جدًا) الساقط من مائدة البنين، فأقرت أنها من الكلاب، ولكنها محتاجة لنعمته؛ وهذا أظهر أيضًا مدى إيمانها ولجاجتها في الصلاة. ع28: أخيرا، ظهر قصد المسيح وحبه واهتمامه بالأمم في شخص هذه المرأة، فكل ما سبق كان لإظهار مدى إيمانها وتمسكها به وصلواتها واتضاعها. فأعلن أمام الجموع عظمة إيمانها، ثم وهبها الشفاء لابنتها، فعادت سليمة في الحال. |
||||
23 - 02 - 2024, 01:37 PM | رقم المشاركة : ( 151853 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
* تمسك بصلواتك مهما تأخرت استجابة الله، لتقتنى فضائل جديدة، مثل الاتضاع، ثم تنال ما تريده، بل يعظّمك الله في ملكوته أمام كل السمائيين. |
||||
23 - 02 - 2024, 01:40 PM | رقم المشاركة : ( 151854 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عاد المسيح من تخوم صور وصيدا بجوار البحر الأبيض إلى بحر الجليل، أي بحيرة طبرية، وصعد إلى الجبل الذي يرمز للارتفاع عن الأمور الأرضية، حتى أن الذين يصعدون إليه يعلنون تمسكهم به في صعودهم، فهم ليسوا مجرد مشاة في الطريق. وقد يكون ذهب إلى الجبل طلبا للراحة، ولكن الجموع حضرت إليه فاهتم بهم. |
||||
23 - 02 - 2024, 01:42 PM | رقم المشاركة : ( 151855 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أن الجموع كانوا من الأمم فلما شفاهم المسيح، مجدوا إله إسرائيل، لأنهم يعرفون أن المسيح يهودي. أعلنت الجموع حاجتها إلى المسيح، فقدموا إليه أحباءهم من المرضى بأنواع الأمراض المختلفة، فشفاهم جميعا بحنانه، حتى تعجّب الجموع لسلطانه الإلهي في شفاء جميع أنواع الأمراض وهذا يرمز روحيا لقدرة المسيح، له المجد، على شفاء كل من عطلت الخطية قدرته على الكلام أو النظر أو الحركة، ومجد الكل الله. |
||||
23 - 02 - 2024, 01:47 PM | رقم المشاركة : ( 151856 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
* الله مستعد أن يشفى جميع أمراضك، ويحل كل مشاكلك، خاصة الروحية منها. ولكن، ينبغي أن تلتجئ إليه بصلوات كثيرة واتضاع، طارحا كل احتياجاتك أمامه، واثقا من محبته القادرة أن تصنع لك كل شيء. |
||||
23 - 02 - 2024, 02:14 PM | رقم المشاركة : ( 151857 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
إشباع الجموع بالسبعة أرغفة (ع 32-39): 32 وَأَمَّا يَسُوعُ فَدَعَا تَلاَمِيذَهُ وَقَالَ: «إِنِّي أُشْفِقُ عَلَى الْجَمْعِ، لأَنَّ الآنَ لَهُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ يَمْكُثُونَ مَعِي وَلَيْسَ لَهُمْ مَا يَأْكُلُونَ. وَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ أَصْرِفَهُمْ صَائِمِينَ لِئَلاَّ يُخَوِّرُوا فِي الطَّرِيقِ» 33 فَقَالَ لَهُ تَلاَمِيذُهُ: «مِنْ أَيْنَ لَنَا فِي الْبَرِّيَّةِ خُبْزٌ بِهذَا الْمِقْدَارِ، حَتَّى يُشْبِعَ جَمْعًا هذَا عَدَدُهُ؟» 34 فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «كَمْ عِنْدَكُمْ مِنَ الْخُبْزِ؟» فَقَالُوا: «سَبْعَةٌ وَقَلِيلٌ مِنْ صِغَارِ السَّمَكِ». 35 فَأَمَرَ الْجُمُوعَ أَنْ يَتَّكِئُوا عَلَى الأَرْضِ، 36 وَأَخَذَ السَّبْعَ خُبْزَاتٍ وَالسَّمَكَ، وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى تَلاَمِيذَهُ، وَالتَّلاَمِيذُ أَعْطَوُا الْجَمْعَ. 37 فَأَكَلَ الْجَمِيعُ وَشَبِعُوا. ثُمَّ رَفَعُوا مَا فَضَلَ مِنَ الْكِسَرِ سَبْعَةَ سِلاَل مَمْلُوءَةٍ، 38 وَالآكِلُونَ كَانُوا أَرْبَعَةَ آلاَفِ رَجُل مَا عَدَا النِّسَاءَ وَالأَوْلاَدَ. 39 ثُمَّ صَرَفَ الْجُمُوعَ وَصَعِدَ إِلَى السَّفِينَةِ وَجَاءَ إِلَى تُخُومِ مَجْدَلَ. ع32-33: استمر المسيح في اهتمامه بالجموع، سواء بشفاء أمراضهم، أو بتعاليمه الروحية، أو بالرد على أسئلتهم. مر الوقت دون أن يشعروا، حتى أنهم قضوا معه ثلاثة أيام، ولم يطلبوا طعاما لانشغالهم بكلامه ومعجزاته. ولعلهم قد أكلوا ما خرجوا به من بيوتهم في اليومين الأول والثاني، وفي اليوم الثالث لم يعد معهم أي طعام، إذ كانوا لا يتوقعون أن يستمروا ثلاثة أيام خارج بيوتهم، ولكن كلام المسيح جذبهم. المهم أن المسيح قد اهتم باحتياجاتهم المادية، وحدّث تلاميذه بذلك ليمتحن إيمانهم، خاصة بعد أن رأوا إشباع الجموع بالخمسة أرغفة والسمكتين، ولكنهم للأسف فكروا بعقلهم، وليس بإيمانهم، وأعلنوا عجزهم عن توفير طعام لهذه الجموع في البرية، خاصة وأن غالبية التلاميذ فقراء. ع34: طلب المسيح من تلاميذه أن يبحثوا عن الطعام الموجود مع الجموع، فلم يجدوا إلا سبعة أرغفة وقليل من صغار السمك. عدد سبعة يرمز للروح القدس الذي يعمل في الأسرار المقدسة، القادرة على أن تشبع كل احتياجات الإنسان الروحية. ع35-36: أمر المسيح تلاميذه أن ينظموا الجموع، فأجلسوهم حتى يسهل توزيع الطعام عليهم، ويعاينوا في هدوء عظمة المعجزة. العجيب أنهم آمنوا أنهم سيأكلون، رغم علمهم بعدم وجود طعام إلا السبعة أرغفة والقليل من صغار السمك، ولكنه الإيمان الذي يرتفع فوق العقل ويؤثر على سلوك الإنسان. أخذ المسيح الخبز والسمك، وشكر، كما في المعجزة السابقة، ليعلمنا الصلاة قبل تناول الطعام، وبارك بيده الإلهية، وكسر الخبز وأعطى تلاميذه ليوزعوا منه، وكذا من السمك، على كل الجموع الجالسة على الأرض؛ فالتلاميذ هم كهنة العهد الجديد المسئولون عن توزيع عطايا الله لكل المؤمنين. ع37-39: أكل الكل، وكان عددهم نحو أربعة آلاف من الرجال، عدا النساء والأولاد. وعدد أربعة يرمز لأركان العالم الأربعة، الشمال والجنوب والشرق والغرب، وعدد ألف يرمز للسماء، أي أن بركة المسيح هي للعالم كله، تشبعه وترفعه للحياة السمائية. بعدما أكل الجميع، جمع التلاميذ الكسر الباقية، فملأت سبع سلال، ويشير هذا أيضًا إلى عمل الروح القدس، فهو يُشبع الكل ويفيض. وبعدما بارك المسيح الجموع وصرفهم، ركب السفينة في بحر الجليل، وذهب إلى مدينة تسمى مجدل. |
||||
23 - 02 - 2024, 02:15 PM | رقم المشاركة : ( 151858 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
* اهتم بحياتك الروحية واتكل على الله، وثق أن ما يصعب عليك من احتياجاتك المادية سيوفره لك. |
||||
23 - 02 - 2024, 02:29 PM | رقم المشاركة : ( 151859 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تحوي هذه الأصحاحات الأربعة (عا 3-6) ثلاث عظات ومجموعتين من الويلات، تبدأ كل عظة "اسمعوا هذا القول"، وكل مجموعة ويلات بكلمة "ويل". 1. عظة 1 [عا 3] موجَّهة إلى بني إسرائيل. 2. عظة 2 [عا 4] موجَّهة إلى بقرات باشان. 3. عظة 3 [عا 5: 1-17] موجَّهة إلى عذراء إسرائيل. 4. مجموعة الويلات الأولى [عا 5: 18-27] ضد المشتهين يوم الرب بغير استعداد. 5. مجموعة الويلات الثانية [عا 6] موجَّهة ضد السالكين بترف وتدليل في كبرياء وتشامخ. هذه العظات ومجموعتا الويلات هي في جوهرها دعوة للتوبة، فهي تفضح الكثير من خطايا بني إسرائيل، التي للأسف يرتكبها حتى بعض المؤمنين في العهد الجديد، إنها تكشف ضعفاتنا في حياتنا مع الله وسلوكنا مع إخوتنا بل ومع أنفسنا، كما تعلن تأديب الله الحتمي لنا بسبب خطايانا ليدفعنا للرجوع إليه... لذا تكرَّرت العبارات "ترجعوا إلى الرب" (عا 4: 11)، "اطلبوا الرب فتحيوا" (عا 5: 4، 6)، "اطلبوا الخير لا الشرّ" (عا 5: 14)، "ابغضوا الشرّ واحبُّوا الخير واثبتوا في الحق" (عا 5: 15). العظة الأولى إلى بني إسرائيل في هذه العظة يقدِّم الله تبريرًا لمحاكمته شعبه: 1. يعاقبهم لأنهم شعبه: 1 اِسْمَعُوا هذَا الْقَوْلَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ الرَّبُّ عَلَيْكُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، عَلَى كُلِّ الْقَبِيلَةِ الَّتِي أَصْعَدْتُهَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ قَائِلًا: 2 «إِيَّاكُمْ فَقَطْ عَرَفْتُ مِنْ جَمِيعِ قَبَائِلِ الأَرْضِ، لِذلِكَ أُعَاقِبُكُمْ عَلَى جَمِيعِ ذُنُوبِكُمْ». [1-2.] كأن الله بهذه المقدِّمة يدعوهم إلى محكمته معلنًا أنه جهة الاختصاص، فإنه يدعو كل الشعب بكونه كل القبيلة أو العائلة التي نزلت إلى مصر، ومن هناك أنقذها، لقد عرفها باسمها واهتم بها ودعاها باسمه دون سائر قبائل الأرض، هذا الحب وهذه الرعاية لا تعني أنه يغمض عينيه عن أخطائهم، وإنما تُحمِّلهم بالأكثر المسئوليَّة، فإنه لا يقبل الشركة مع أناس مذنبين. لقد عرفهم وعرفوه، إذ قيل "الله معروف في يهوذا" (مز 76: 1). لذلك فمسئوليَّتهم أعظم، إذ يقول الرب: "وأما ذلك العبد الذي يعلم إرادة سيِّده ولا يستعد ولا يفعل بحسب إرادته فيُضرب كثيرًا، ولكن الذي لا يعلم ويفعل ما يستحق ضربات يُضرب قليلًا، فكل من أُعطيَ كثيرًا يطلب منه كثير ومن يودعونه كثيرًا يطالبونه بأكثر" (لو 12: 47-48). كما ازدادت معرفتنا لإرادةالله وأسراره وأعمال محبَّته الفائقة صرنا نُطالب بأكثر، وتكون مسئوليَّتنا أمامه أعظم من غيرنا. وكما يقول القديس كيرلس الكبير: [الجريمة ليست موضع نقاش في حالة من كان يعرف إرادة سيِّده ويهملها، ولا يعمل بما يليق مع إنه من واجبه أن يعمل.] 2. لا يعاقب بلا سبب: 3 هَلْ يَسِيرُ اثْنَانِ مَعًا إِنْ لَمْ يَتَوَاعَدَا؟ 4 هَلْ يُزَمْجِرُ الأَسَدُ فِي الْوَعْرِ وَلَيْسَ لَهُ فَرِيسَةٌ؟ هَلْ يُعْطِي شِبْلُ الأَسَدِ زَئِيرَهُ مِنْ خِدْرِهِ إِنْ لَمْ يَخْطَفْ؟ 5 هَلْ يَسْقُطُ عُصْفُورٌ فِي فَخِّ الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ شَرَكٌ؟ هَلْ يُرْفَعُ فَخٌّ عَنِ الأَرْضِ وَهُوَ لَمْ يُمْسِكْ شَيْئًا؟ 6 أَمْ يُضْرَبُ بِالْبُوقِ فِي مَدِينَةٍ وَالشَّعْبُ لاَ يَرْتَعِدُ؟ هَلْ تَحْدُثُ بَلِيَّةٌ فِي مَدِينَةٍ وَالرَّبُّ لَمْ يَصْنَعْهَا؟ 7 إِنَّ السَّيِّدَ الرَّبَّ لاَ يَصْنَعُ أَمْرًا إِلاَّ وَهُوَ يُعْلِنُ سِرَّهُ لِعَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ. 8 الأَسَدُ قَدْ زَمْجَرَ، فَمَنْ لاَ يَخَافُ؟ السَّيِّدُ الرَّبُّ قَدْ تَكَلَّمَ، فَمَنْ لاَ يَتَنَبَّأُ؟ إن كان الله قد قدَّم شعبه للمحاكمة أمامه لأنه موضع الاختصاص، فإنه كأسد يزمجر علامة أنهم مستحقُّون الدينونة، فإن الله لا يطلب محاكمة شعبه بلا سبب، وقد وضع الرب الدليل خلال سبعة أسئلة تكشف أنه لا مجال لله أن يغضب بلا سبب... وأنه في نفس الوقت إذ يحاكم يدخل معهم في حديث مشترك موضِّحًا لهم أسرار محاكمته، إذ "يُعلن سرُّه لعبيده الأنبياء" [7.] أما الأسئلة السبعة فهي: "هل يسير اثنان معًا إن لم يتواعدا؟! هل يزمجر الأسد في الوعر وليس له فريسة؟! هل يعطي شبل الأسد زئيره من خدره إن لم يخطف؟! هل يسقط عصفور في فخ الأرض وليس له شرك؟! هل يُرفع فخ عن الأرض وهو لم يمسك شيئًا؟! أم يُضرب بالبوق في مدينة والشعب لا يرتعد؟! هل تحدث بلية في مدينة والرب لم يصنعها؟! [3-6.] فإن كانت كل الإجابات على الأسئلة السابقة بالنفي، فإنه يكمل على نفس الوتيرة: "إن السيِّد الرب لا يصنع أمرًا إلاَّ وهو يُعلن سرُّه لعبيده الأنبياء. الأسد قد زمجر فمن لا يخاف؟! السيِّد الرب قد تكلَّم فمن لا يتنبَّأ؟! [7-8.] إن كان هذا الحديث قد كشف أن المحاكمة التي تتم ليست أمرًا وهميًا، بل هي أمر جاد وخطير، حقيقة واقعة تتحقَّق ليس بدون أسباب، وإنما قد فاض الكيل من جهة ما ارتكبه الشعب ضد القدُّوس، وفي حق نفسه، فإن هذه الأمثلة السبعة كشفت عن جوانب هامة وخطيرة تمس علاقة الله بشعبه التي بسببها تتم المحاكمة، أهمها: أولًا: الحاجة إلى عهد جديد، إذ يفتتح حديثه بالقول: "هل يسير اثنان معًا أن لم يتواعدا (أو يكون بينهما موعد واتفاق)؟!، حتمًا لا! كيف إذن يسير الله والإنسان معًا، وقد كسر شعب الله العهد ونقض الاتفاق؟! يقول الرب: "وإن لم تتأدّبوا منيّ بذلك، بل سلكتم معي بالخلاف، فإني أنا أسلك معكم بالخلاف وأضربكم سبعة أضعاف حسب خطاياكم" (لا 26: 23-24). إذا نقض الشعب العهد فكيف يسير الله معه؟! لهذا صارت الضرورة ملحَّة إلى إقامة عهد جديد فيه يتصالح الله مع شعبه. هذا ما أعلنه الرب بإرميا النبي: "ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا، ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر، حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب، بل هذا هو العهد... اجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهًا وهم يكونون ليّ شعبًا" (إر 31: 31-33). وقد تحقَّق ذلك في خميس العهد، حيث قدَّم لنا السيِّد المسيح جسده المبذول عهدًا جديدًا، فيه نلتقي مع الآب باتِّحادنا معه في ابنه يسوع المصلوب. ننعم بالجسد المكسور عنَّا والدم المبذول لأجل خلاصنا كعهد جديد، فيه تثبت بنوّتنا للآب، وأبوَّته لنا باتِّحادنا في جسد ابنه وحيد الجنس! حقًا في المسيح يسوع الذبيح نلتقي مع الآب ونسير معًا، إذ قد تواعدنا معًا بفكر ابنه وعهده الأبدي. ثانيًا: يُعلن الله أنه في المُحاكمة لا يعرف التراخي، ففي عدله يتركنا للشرّ الذي اقتنيناه لأنفسنا بحرِّيتنا، فيكون هو كالأسد الذي يُزمجر في الوعر حيث البشريَّة الوعرة التي بلا ثمر، كالصحراء الجافة، صرنا فريسة تُلتهم. ويكون هو كالشبل الذي يمسك بالفريسة المقدَّمة له ليأخذ منها نصيبًا... صرنا فريسة، ولا هروب من زمجرة الأسد وزئير الشبل إلاَّ بالالتجاء إلى الصليب، لنرى الأسد الخارج من يهوذا مزمجرًا ليس علينا بل على خطايانا، ولا ليفترسنا وإنما ليحطِّم إبليس عدوِّنا! لنهرب من الغضب الإلهي الذي يُزمجر بسبب قبولنا العدو، بالهروب إلى الله مخلِّصنا الذي يفدينا من هذا العدو! ثالثًا: إذ يقدِّم لنا مثَل العصفور الذي يسقط بسبب وجود فخ، أو الفخ الذي يُرفع لأنه قد اقتنص عصفورًا، إنما يُعلن الرب إننا في المحاكمة أشبه بالعصفور الساقط في فخ، هل نقدر أن نخلص بأنفسنا؟! بالرب فادينا نقول: "لأنه ينجِّيك من فخ الصيَّاد ومن الوبأ الخطر" (مز 91: 3). "انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيَّادين، الفخ انكسر ونحن انفلتنا، عوننا باسم الرب الصانع السماوات والأرض" (مز 123: 7). يقول القديس جيروم: [ما هو الفخ الذي انكسر؟ يقول الرسول: "(الرب) سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعا" (رو 16: 20)، "فتستفيقوا من فخ إبليس" (2 تي 2: 26). ها أنتم ترون الشيطان هو الصيَّاد، يشتاق أن يصطاد نفوسنا للهلاك. الشيطان هو سيِّد فخاخ كثيرة، وخداعات من كل نوع... لكن متى كنَّا في حالة النعمة تكون نفوسنا في أمان، لكن ما أن نلهو بالخطيَّة حتى تضطرب نفوسنا وتصير كسفينة تلطمها الأمواج.] ويقول أيضًا: [كما إن الرب يلقي الشبكة ويصطاد عددًا ضخمًا من السمك، وتلاميذه كصيَّادي سمك يجمعون الذين يَقبلون الإيمان به خلالهم ويحضرونهم إليه، هكذا أيضًا إبليس له شيَّاطينه الخاضعة له الذين ينصبون الشباك للناس ويقتادونهم إليه.] ويقدِّم لنا القديس أغسطينوس سرّ انفلاتنا من الفخ: [لأن الرب في النفس ذاتها، لهذا فلتت النفس هكذا كطائر من فخ الصيَّادين... ليكن الرب في داخلك، وهو يخلِّصك من تهديدات أعظم، من فخ الصيَّادين... الفخ سينكسر، تأكَّد من هذا، فإن ملذَّات الحياة الحاضرة لن تدوم عندما يتحقَّق مصيرها النهائي. لذا ليتنا لا نرتبك بها حتى متى أِنكسر الفخ نفرح قائلين: الفخ أِنكسر ونحن نجونا. ولئلاَّ تظن أنك تستطيع ذلك بقوَّتك الذاتيَّة، أُنظر من الذي يعمل على نجاتك وقل: [عوننا باسم الرب الصانع السموات والأرض"...] رابعًا: يقول: "أم يضرب بالبوق في مدينة والشعب لا يرتعد.؟! إنها حالة حرب روحيِّة دائمة! ما دمنا في العالم فالعدوّ لا يتوقَّف عن مقاومتنا حتى يغتصبنا من ملكوت الله إلى ملكوت ظلمته، لذا فالرب يرسل خدَّامه ليضربوا دومًا ببوق الإنجيل حتى تتحقَّق النصرة النهائيَّة. يقول الرسول بولس: "أخيرًا يا أخوتي تقوُّوا في الرب وفي شدَّة قوَّته، ألبسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس، فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم، على ظلمة هذا الدهر، مع أجناد الشرّ الروحيِّة في السماويًّات" (أف 6: 10-12). يقول القديس أغسطينوس: [لنتطلَّع إلى عدوِّين، العدوّ الذي نراه، والعدوّ الذي لا نراه، والإنسان نراه، والشيطان لا نراه، لنحب الإنسان ولنحذر من الشيطان. لنصلِّي من أجل الإنسان، ولنصلِّي ضد الشيطان، ويقدِّم تعليلًا لذلك: "فإننا إذ نعاني من البشر الذين يضايقوننا، إنما لأنهم آنية للشيطان، هو يستخدمهم ويلهبهم كآنية يحرِّكها لحسابه.] خامسًا: يُعلن الرب أنه هو الذي يسمح بالمحاكمة لأجل التأديب. "هل تحدُث بليَّة (شرّ) في المدينة والرب لم يصنعها".؟! وقد تحدَّث الآباء كثيرًا عن كلمة "شرّ" الواردة هنا أو في العبارات المماثلة مميِّزين بين نوعين من الشرّ، الشرّ الذي بطبعه شرًا ومضاد للفضيلة أو الصلاح، والشرّ الذي هو ألم أو ضيق نحسبه نحن شرًا. هذا ما أكَّده القديس يوحنا الذهبي الفم في أكثر من موضع وكما يقول الأب يوحنا الدمشقي: [لا يقصد بهذه الكلمات أن الله هو علَّة الشرّ، بل أن كلمة "شرّ" تستخدم بطريقتين، بمعنيين. أحيانًا تعني ما هو شرّ بطبيعته، هذا هو ضد الفضيلة وضد إرادة الله، وأحيانًا تعني ما هو شرّ وضيق لإحساسنا، أي الأحزان والكوارث. هذه تبدو شرًا لأنها مؤلمة، وإن كانت في الحقيقة هي صالحة، إذ تكون بالنسبة للفاهمين صفَّارة للتحوِّل والخلاص. هذه يقول الكتاب عنها إن "الله هو مصدرها".] كما يقول الأب ثيؤدور: [حينما يتحدَّث الحكم الإلهي مع البشر يتكلَّم معهم حسب لغتهم ومشاعرهم البشريَّة. فالطبيب يقوم بقطع أو كيّ الذين يعانون من القروح لأجل سلامة صحّتهم، ومع هذا يراه غير القادرين على الاحتمال أنه شرّ.] سادسًا: يُعلن الله أنه إن كان هو الذي يسمح بالتأديب، فهو "يُعلن سرّه لعبيده الأنبياء"، هذا ما نراه في كل أسفار الأنبياء، أن الله لا يتعامل بصورة دكتاتوريَّة، ويأمر وينهي، وإنما يُعلن أسراره ويحاجج. لهذا فكثيرًا ما يكرِّر في أحاديثه من أجل ضعف الإنسان حتى يدرك الأسرار غير المدركة، ومقاصد الله العُليا قدر ما يستطيع الإنسان أن يتقبَّل. الله يحب الإنسان، يتحدَّث معه كمن هو نِدّ لنِدّ، فعندما أراد حرق سدوم وعمورة قال: "هل أخفي عن إبراهيم ما أنا فاعله؟!" (تك 18: 17). وأعطى لإبراهيم فرصة الحوار في أمر سدوم وعمورة، حتى قال له إبراهيم: "أفتُهلك البار مع الأثيم...؟! أديَّان كل الأرض لا يصنع عدلًا؟!" (تك 18: 23-25). ولم يغضب الرب عليه بل أكمل الحوار وكأنه صديقه ونِدُّه!! وفي أكثر من موضع يُعلن "هلم نتحاجج يقول الرب"... أنه يريد الحوار مع الإنسان ليُعلن سرّه للمستقيمين خائفيه. فقد قيل: "أما سرُّه فعند المستقيمين" (أم 3: 32)، "سرّ الرب لخائفيه، وعهده لتعليمهم" (مز 25: 14). سابعًا: أخيرًا يعاتبهم الرب: "الأسد قد زمجر فمن لا يخاف؟! السيِّد الرب قد تكلَّم فمن لا يتنبَّأ؟!" [8]، إن كان الله في محبَّته يُعلن سرّه لأنبيائه، فكيف لا يُعلنون هم بدورهم للشعب زمجر الأسد الخارج من سبطه فيهابونه وكلماته ليستعد الكل لملاقاته. إن عمل الأنبياء تبليغ الرسالة الإلهيَّة ولو ظهرت كنار محرقة أو زمجر أسد، حتى يخاف الكل ويرجع إلى الله... أما غاية هذا كله فهو أن ينطق الأنبياء بالنبوّات كطريق تمهيدي لمجيء السيِّد. وللقدِّيس أغسطينوس تعليق لطيف على القول: "الأسد قد زمجر فمن لا يخاف؟!" إذ يقول: [إن الإنسان قد استطاع أن يُروِّض الأسد فلا يخافها متى رُوِّضت، لكنه لا يقدر أن يُروِّض نفسه، فليُسلِّمها لله وحده مُروِّض النفوس. هل أنت أقوى من الأسد؟ لأنك على صورة الله! ماذا؟ هل تستطيع صورة الله (أي الإنسان) أن تروِّض الوحوش المفترسة ولا يقدر الله أن يروض صورته؟!.] إذن لنسلِّم نفوسنا في يديه، فهو وحده القادر على ترويضها. 3. يُشهد الأمم عليهم: 9 نَادُوا عَلَى الْقُصُورِ فِي أَشْدُودَ، وَعَلَى الْقُصُورِ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَقُولُوا: «اجْتَمِعُوا عَلَى جِبَالِ السَّامِرَةِ وَانْظُرُوا شَغْبًا عَظِيمًا فِي وَسَطِهَا وَمَظَالِمَ فِي دَاخِلِهَا. 10 فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ أَنْ يَصْنَعُوا الاسْتِقَامَةَ، يَقُولُ الرَّبُّ. أُولئِكَ الَّذِينَ يَخْزِنُونَ الظُّلْمَ وَالاغْتِصَابَ فِي قُصُورِهِمْ. 11 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: ضِيقٌ حَتَّى فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مِنَ الأَرْضِ، فَيُنْزِلَ عَنْكِ عِزَّكِ وَتُنْهَبُ قُصُورُكِ». لقد أراد الله أن يُشهد عليهم جيرانهم الوثنيِّين، أغنياء أشدود بفلسطين (في الترجمة السبعينيّة آشور) وأغنياء مصر، القريبين إليهم والبعيدين ليأتوا ويشهدوا منصًّة الحكم، وكأن الله لم يجد من يُحكم بينه وبين كرمه رجالًا أبرارًا من شعبه، فالتجأ إلى الغرباء ليحكموا إن كان في قضاء الله ظلم نحو شعبه. ولعلَّه أراد بدعوتهم أيضًا أن يتلامسوا معه ويُدركوا قداسته، فيتعظَّوا، لأنه إن كان يُحاكم شعبه على خطاياهم فهل ينحاز لغير شعبه؟! ففي حضورهم فرصة لمراجعتهم لأنفسهم هم أيضًا. إن بشاعة ذنوب السامرة -عاصمة إسرائيل- في داخلها قد بلغت لا إلى اللهالقدُّوس فلا يطيقها، وإنما حتى إلى الأمم فتشهد عليهم بشرِّهم... لأن رائحة الشرّ بلغت إليهم. يا للمرارة عِوض أن يشهد أبناء الملكوت ضد الأشرار ويدينوهم، صار الأشرار شهودًا ضد شعب الله، يرون في وسطهم شغبًا عظيمًا وتشويشًا، عِوض الحياة السمائيَّة الفائقة المجد، وفي داخلها مظالم عِوض العدل والبرّ، تحوَّلوا إلى مخازن للظلم والاغتصاب حتى لم يقدروا أن يصنعوا الاستقامة. يقول الرب للأمم عن شعبه "اجتمعوا على جبل السامرة وانظروا شغبًا عظيمًا في وسطها، ومظالم في داخلها، فإنهم لا يعرفون أن يصنعوا الاستقامة... أولئك الذين يُخزِّنون الظلم والاغتصاب في قصورهم" [9-10.] لذلك يُحاصرها بالضيق من كل ناحية وينزع منها عزّها وسلطانها! لقد صار إسرائيل كالملح الذي كان يجب أن يُصلح الآخرين، لكنه وقد فسد فبماذا يملَّح؟ "لا يصلح لشيء إلاَّ لأن يطرح خارجًا ويداس من الناس" (مت 5: 13). كان إسرائيل في عيني الله أشبه برئيس الكهنة الذي يشفع عن الأمم الوثنيَّة، فإن أخطأ هو من يشفع عنه؟! كأن يليق بإسرائيل أن يكون معلِّم الأمم عن الخلاص، لكنه إذ ترك الإيمان ماذا يكون جزاؤه؟ هذا كله يرعب المسيحي خاصة الكاهن، فإنه قدر ما تتَّسع مسئوليَّتنا يكون العقاب أشدّ متى أخطأنا. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إن سقط الآخرون ربَّما يستطيعون أن ينالوا العفو، ولكن إن سقط المعلِّم، فإنه بلا عذر ويسقط تحت انتقام غاية في القسوة.] 4. ليس من يفلت منهم: 12 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «كَمَا يَنْزِعُ الرَّاعِي مِنْ فَمِ الأَسَدِ كُرَاعَيْنِ أَوْ قِطْعَةَ أُذُنٍ، هكَذَا يُنْتَزَعُ بَنُو إِسْرَائِيلَ الْجَالِسُونَ في السَّامِرَةِ في زَاوِيَةِ السَّرِيرِ وَعَلَى دِمَقْسِ الْفِرَاشِ! 13 اِسْمَعُوا وَاشْهَدُوا علَى بَيتِ يَعْقُوبَ، يَقُولُ السّيِّدُ الرَّبُّ إِلهُ الْجُنُودِ. 14 إِنِّي يَوْمَ مُعَاقَبَتِي إِسْرَائِيلَ عَلَى ذُنُوبِهِ أُعَاقِبُ مَذَابحَ بَيْتِ إِيلَ، فَتُقْطَعُ قُرُونُ الْمَذْبَحِ وَتَسْقُطُ إِلَى الأَرْضِ. 15 وَأَضْرِبُ بَيْتَ الشِّتَاءِ مَعَ بَيْتِ الصَّيْفِ، فَتَبِيدُ بُيُوتُ الْعَاجِ، وَتَضْمَحِلُّ الْبُيُوتُ الْعَظِيمَةُ، يَقُولُ الرَّبُّ». لقد قدَّم الله تشبيهًا عجيبًا في تأديبه لشعبه، فإنه وإن كان هو الراعي الذي يبحث عن كل خروف ضال، ينتشله من فم الأسد، ولو لم يبق فيه سوى ساقين أو جزءًا حتى من أذنه... هذه الرعاية الفائقة والحب العجيب هو الذي يجعله أيضًا يفتش عن شعبه أينما وُجدوا، ليسمح لهم بالسبي لأجل التأديب. لقد اهتزَّت مشاعر كثير من الآباء أمام محبَّة الله الفائقة الرعويَّة حتى قال القدِّيس باسيليوسفي إحدى رسائله: [جاهد أن تقوم من الأرض، وتذكَّر أن لك الراعي الصالح الذي يقتفي أثرك ويخلِّصك حتى وإن لم يبق فيك سوى ساقين أو قطعة من الأذن، يُخرجها من فم الوحش الذي جرحك. تذكَّر مراحم الله، فإنه يشفيك بالزيت والخمر. لا تيأس من الخلاص.] الرب الذي بحبُّه ينتزعنا من فم الأسد، هو ينتزع الإسرائيليِّين من أرضهم أيَّا كانوا، "الجالسون في السامرة في زاوية السرير" [12.] ويقتفي أثرهم حتى إن هربوا إلى دمشق، ولو في فراش فمن هناك يسحبهم إلى أرض السبي. إنه يُعاقب لا لأجل العقاب في ذاته، وإنما لأمرين: نزع عبادة الأوثان "أُعاقب مذابح بيت إيل، فتُقطع قرون المذبح وتسقط إلى الأرض"، وتحطيم حياة الترف والتدليل، هؤلاء الذين اشتروا بيوتًا خاصة بالصيف وأخرى خاصة بالشتاء، ويقيمون لأنفسهم بيوتًا عظيمة وثمينة من العاج! يوجِّه الرب حديثه إلى بني إسرائيل داعيًا إيَّاهم بقرات باشان السمينة التي ترعى على جبل السامرة، لا على حساب غيرها فحسب، وإنما أيضًا تحطِّمهم، لذا استحقَّت التأديب مهما قدَّمت من ذبائح وتقدمات. أنه تأديب مستمر وبطرق متنوِّعة حتى تطلب الخلاص. 1. بقرات باشان الظالمة: 1 اِسْمَعِي هذَا الْقَوْلَ يَا بَقَرَاتِ بَاشَانَ الَّتِي فِي جَبَلِ السَّامِرَةِ، الظَّالِمَةَ الْمَسَاكِينِ، السَّاحِقَةَ الْبَائِسِينَ، الْقَائِلَةَ لِسَادَتِهَا: «هَاتِ لِنَشْرَبَ». 2 قَدْ أَقْسَمَ السَّيِّدُ الرَّبُّ بِقُدْسِهِ: «هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي عَلَيْكُنَّ، يَأْخُذُونَكُنَّ بِخَزَائِمَ، وَذُرِّيَّتَكُنَّ بِشُصُوصِ السَّمَكِ. 3 وَمِنَ الشُّقُوقِ تَخْرُجْنَ كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى وَجْهِهَا، وَتَنْدَفِعْنَ إِلَى الْحِصْنِ، يَقُولُ الرَّبُّ. "اسمعي هذا القول يا بقرات باشان التي في جبل السامرة، الظالمة المساكين، الساحقة البائسين، القائلة لسادتها: هات لنشرب" [1]. "باشان" اسم عبري يعني "أرض مستوية أو ممهَّدة"، كان يشير إلى نصف سبط منسَّى (تث 3: 13)، تقع في أرض كنعان شرقي الأردن بين جبل حرمون وجلعاد (عد 21: 33)، تربتها خصبة للغاية وماؤها غزير. ذُكرت في الكتاب المقدَّس حوالي 60 مرَّة. عُرفت بقطيعها (مز 22: 12؛ حز 39: 18)، الذي اتَّسم بالشحم الكثير (تث 32: 14)، واشتهرت بغابات البلُّوط الدائمة الخُضرة (إش 2: 13؛ حز 27: 6؛ زك 11: 2) حتى يومنا هذا. هنا يشبِّه الرب شعب بني إسرائيل ببقرات باشان السمينة والقويَّة، التي ترعى في مراع دسمة، وقد اتَّسمت بظلمها للمساكين وسحْقها للبائسين. لقد رعى أغنياء الشعب وأشرافه وسط غنى فاحش، مغتصبين كل شيء لحسابهم. وعِوض أن يغيثوا البائسين والمظلومين يستغلُّون فقرهم وبؤسهم وعجزهم ليسحقوهم بالأكثر بالظلم والاستبداد، فيزداد الغني في غناه، والفقير في فقره وبؤسه. هؤلاء الأغنياء يذهبون إلى السادة الظالمين مثلهم ويقولون: "هات لنشرب"، أي لنسكر معكم في ولائكم وننعم بالملذَّات والشهوات وسط سحق البائسين ودموع المظلومين، وكأنهم لا يجدون لذَّة في السكر إلاَّ بمزجها بالدموع وخلطها بالظلم. وكما يقول الحكيم: "ثم رجعت ورأيت كل المظالم التي تجري تحت الشمس، فهوذا دموع المظلومين ولا مُعزّ لهم، ومن يد ظالميهم قهر" (جا 1: 4). ويرى البعضأن بقرات باشان هنا ليست إلاَّ النساء الإسرائيليَّات اللواتي صِرن سمينات من كثرة الولائم، وحياة الترف الزائد وعنيفات، هؤلاء اللواتي يسكُنَّ في السامرة يطلبن من رجالهن، أي من سادتهن أو "بعولهن" أن يحقَّقوا لهُنَّ ما يطلبه البعل الأعظم. فإن كانت عبادة البعل تقوم أساسًا على السكر بصورة صارخة، لهذا فهؤلاء "البعول" يقدِّمن الشرب لنسائهن. وكأن بقرات باشان هن مسئولات بصورة رئيسيَّة عن الظلم الذي يقع على الفقراء والبائسين بسبب تحريضهن بعولهن على ذلك لتحقيق ملذَّاتهن الزائلة، خاصة السكر الدائم بغير انقطاع! ماذا يفعل الله بهؤلاء البقرات الظالمات؟ قد أقسم السيِّد الرب بقدسه: "هوذا أيام تأتي عليكن يأخذونكن بخزائم (صنَّارة أو كلاّب) وذُرِّيتكن بشصوص السمك، ومن الشقوق تخرجن كل واحدة على وجهها وتندفعن إلى الحصن (القصر، هرمون) يقول الرب" [2-3]. ماذا يفعل الرب بهن؟ أولًا: يقسم الرب بقدسه أنه يتدَّخل من أجل ما فعلته بقرات باشان بأولاده البائسين المحتاجين، لتحقيق شربهن وملذَّاتهن، فإنه يأخذهن بخزائم، وكما يقول الرب لسنحاريب ملك أشور على لسان إشعياء: "لأن هيجانك عليّ وعجرفتك قد صعدا إلى أذنيّ، أضع خزامتي في أنفك وشكيمتي في شفتيك وأرُدَّك في الطريق الذي جئت فيه" (إش 37: 29، 2 مل 19: 28). يبدو أن الخُزامة كانت توضع في أنف الحيوان العنيف لسحبه في مذلَّة، وخاصة الحيوانات المفترسة كالأسود، لذلك استخدمت في سحب المسبيِّين خاصة الملوك لإذلالهم، كما فعل ملك أشور بمنسى (2 أي 33: 11). فإن كانت بقرات باشان قد هاجت على المساكين لأجل ملذَّاتهن، فإن الله يسحبهن كأسيرات، يمسك بهن ويضع خزائم في أنوفهن ليصرن مسبيَّات بلا كرامة ولا سلطان أو قوَّة.! العالم في ملذَّاته يلهو بالإنسان فيجعله كحيوان مفترس، ظانًا أنه ليس من يهرب من بين يديه وأنيابه، لكنه سرعان ما يجد نفسه مقتادًا في مذلَّة إلى حيث يذوق ثمرة ظلمه. ثانيًا: لا يقف التأديب عند البقرات، وإنما يصطاد أولادهن كالسمك بالصنَّارة! فالإنسان في لهوه يهيِّئ الخسارة بل والهلاك حتى لأولاده. إنكان بنو إسرائيل يمثِّلون النفس البشريَّة، فإن نساءهم أي بقرات باشان يُشرن إلى الجسد الذي يسقط في مذلَّة مع النفس ويتحطَّم، أمَّا الأولاد فيُشيرون إلى مواهب الإنسان التي تهوى مع الخطيَّة ليفقد الإنسان روحه وجسده وكل مواهبه وطاقاته بسبب الخطيَّة. على العكس فإن الصدِّيق تفرح نفسه ويتقدَّس جسده وتنمو مواهبه، وكما يقول المرتِّل: "اِمرأتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك، بنوك مثل غروس الزيتون حول مائدتك، هكذا يبارَك الرجل المتَّقي الرب" (مز 128: 3-4)، يتبارك هو وامرأته وأولاده، أي نفسه وجسده وكل مواهبه! ثالثًا: تخرج كل بقرة من الشقوق على وجهها لتندفع إلى الحصن، أو إلى القصر أو إلى هرمون (حسب النص اليوناني). لعلَّ الشقوق قد حدثت في الأسوار، إذ رفضت بقرات باشان بظلمها ونجاساتها أن تبقى داخل أسوار الوصيَّة الإلهيَّة، فهربت من الشقوق لكي لا تلتقي بالوصيَّة، وانطلقت إلى القصر الذي صنعته لنفسها أو الحصن الذي هو من عمل يديها، لعلَّه يقدر أن يحميها، كما فعل الإنسان قديمًا حين حاول بناء برج بابل ليختفي فيه من وجه الله عند الطوفان! إن كان النص اليوناني ذكر "حرمون" عِوض الحصن، فلعلَّ الشقوق هنا تعني أن بقرات باشان اللواتي صنعن ظلمًا ضد البائسين تسقطن تحت السبي عندما تتشقَّق أسوار السامرة وتنهدم، فلا تجدن مهربًا بل يؤخذن للسبي كما للذبح، وينطلق بهن العدوّ إلى هرمون حيث السبي، أو إلى القصر أو الحصن ليبقين هناك مسبيَّات ذليلات. 2. رفض العبادة مع الظلّم: 4 «هَلُمَّ إِلَى بَيْتِ إِيلَ، وَأَذْنِبُوا إِلَى الْجِلْجَالِ، وَأَكْثِرُوا الذُّنُوبَ، وَأَحْضِرُوا كُلَّ صَبَاحٍ ذَبَائِحَكُمْ، وَكُلَّ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ عُشُورَكُمْ. 5 وَأَوْقِدُوا مِنَ الْخَمِيرِ تَقْدِمَةَ شُكْرٍ، وَنَادُوا بِنَوَافِلَ وَسَمِّعُوا، لأَنَّكُمْ هكَذَا أَحْبَبْتُمْ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. ربما يظن بني إسرائيل أن هذه التحذيرات لا تخصُّهم، فإنهم يذهبون إلى بيت إيل ليقدِّموا ذبائح كل صباح، ويوفون العشور كل ثلاثة أيام بلا تأخير، ويوقدون تقدمة شكر لله... أنهم في نظر أنفسهم محبُّون لله، يقدِّمون له عطايا وتقدمات بلا حصر! ما أسهل أن يخدع الإنسان نفسه، فيعالج شرُّه لا بالتوبة والرجوع إلى الله وإنما بالتوقّف عند بعض مظاهر العبادة، فيحرمون الطقس الكنسي من روحه بعزله عن الحياة الإيمانيَّة العمليَّة، ويشوِّهون التقدمات والعطايا بتقديمها دون القلب! "هلُمَّ إلى بيت إيل واذنبوا إلى الجلجال وأكثروا الذنوب" [4]. يقول الرب هذا بلغة التهكُّم، فإنهم يصنعون كل الشرور والمظالم ويذهبون إلى الأماكن المقدَّسة يملأونها... وكأنه شعب متَّسم بالتديّن والروحانيَّة! يذهبون إلى المقدَّسات وهم غير مقدَّسين. يزورون بيت الله ولا يرجعون إلى الله نفسه! لهذا يقول لهم: "أذنبوا... وأكثروا الذنوب"، وكأنه يقول إن كانت كثرة زياراتكم للمقدَّسات هي تغطية لشروركم الخفيَّة، فإنكم تزيدون الذنوب ذنبًا، وتعالجون الجراحات بجراحات أخطر! "أحضروا كل صباح ذبائحكم وكل ثلاثة أيام عشوركم" [4]. لقد التزم اليهودي أن يقدِّم ذبيحة سنويَّة (1 صم 1: 3، 7، 21)، وأن يقدِّم حسابات عشوره كل ثلاث سنوات (تث 14: 28، 26: 12). فإن قدَّم الظالم ذبيحة يوميَّة عِوض السنويَّة، وأعطى عشوره كل ثلاثة أيام عِوض كل ثلاثة سنين فهو ليس بمقبول لدى الله... فإن الله لا يرتشي بالتقدمات والأموال، إنما يطلب روح العطيَّة، الثمر الداخلي في القلب، لا العطيَّة في ذاتها. وكما يقول القدِّيس بولس لشعب فيلبِّي المملوء حبًا: "أرسلتم إليّ مرَّة ومرَّتين لحاجتي، ليس أني أطلب العطيَّة بل أطلب الثمر المتكاثر لحسابكم" (في 4: 16-17). لهذا السبب عينه يحذِّرنا ذات الرسول من العطاء بلا حب، قائلًا: "إن أطعمت كل أموالي وإن سلَّمت جسدي حتى احترق ولكن ليس محبَّة فلا أنتفع شيئًا" (1 كو 13: 3). "وأوقدوا من الخمير تقدمة شكر ونادوا بنوافل وسمعوا، لأنكم هكذا أحببتم يا بني إسرائيل يقول السيِّد الرب" [5]. كأنه يقول: إن كنتم تأتون إلى بيتي ومقدَّساتي وتقدِّمون الذبائح وتدفعون العشور، فقد أحببتم أن تغيظوني، لأنكم تقدِّمون الخمير تقدمة شكر والنوافل لبيتي. فقد منعت الشريعة تقديم الخمير: "كل التقدمات التي تقربونها للرب لا تصطنع خميرًا، لأن كل خمير وكل عسل لا توقدوا منهما وقودًا للرب" (لا 2: 11). كان الخمير يُشير إلى الشرّ الذي ينتشر كالخمير وسط العجين، هكذا فيما هم يقدِّمون التقدمات يحملون في وسطها شرّهم وكأنها تقدمة شكر... وإن كانت في الواقع هي تقدمة إغاظة للرب. وفي الترجمة السبعينيّة: "يقرءون الشريعة خارجًا ويدعون إلى محافل عامة". ولعلَّه يقصد بذلك أنهم يتظاهرون بالتديّن بالحديث عن الشريعة الإلهيَّة مع غير المؤمنين، ويجادلون معهم فيها بغيرة شديدة، ويؤكِّدون هذه الغيرة بالدعوة للمحافل العامة. يقابل هذا أنهم لا يحملون الشريعة في قلبهم في الداخل، وليست لهم علاقة شخصيَّة مع الله! هذه هي أخطر صور التديّن حين ينصبّ كله في الغيرة التي بلا حياة داخليَّة، وإلى اشتراك في العبادة الجماعيَّة والاحتفالات الدينيّة دون العلاقة الخفيّة في النفس أو في المخدع مع الله! هذا هو ما أحبَّه بنو إسرائيل كما يقول الرب. 3. تأديبات متنوّعة: 6 «وَأَنَا أَيْضًا أَعْطَيْتُكُمْ نَظَافَةَ الأَسْنَانِ فِي جَمِيعِ مُدُنِكُمْ، وَعَوَزَ الْخُبْزِ فِي جَمِيعِ أَمَاكِنِكُمْ، فَلَمْ تَرْجِعُوا إِلَيَّ، يَقُولُ الرَّبُّ. 7 وَأَنَا أَيْضًا مَنَعْتُ عَنْكُمُ الْمَطَرَ إِذْ بَقِيَ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ لِلْحَصَادِ، وَأَمْطَرْتُ عَلَى مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَلَى مَدِينَةٍ أُخْرَى لَمْ أُمْطِرْ. أُمْطِرَ عَلَى ضَيْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَالضَّيْعَةُ الَّتِي لَمْ يُمْطَرْ عَلَيْهَا جَفَّتْ. 8 فَجَالَتْ مَدِينَتَانِ أَوْ ثَلاَثٌ إِلَى مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ لِتَشْرَبَ مَاءً وَلَمْ تَشْبَعْ، فَلَمْ تَرْجِعُوا إِلَيَّ، يَقُولُ الرَّبُّ. 9 ضَرْبَتُكُمْ بِاللَّفْحِ وَالْيَرَقَانِ. كَثِيرًا مَا أَكَلَ الْقَمَصُ جَنَّاتِكُمْ وَكُرُومَكُمْ وَتِينَكُمْ وَزَيْتُونَكُمْ، فَلَمْ تَرْجِعُوا إِلَيَّ، يَقُولُ الرَّبُّ. 10 أَرْسَلْتُ بَيْنَكُمْ وَبَأً عَلَى طَرِيقَةِ مِصْرَ. قَتَلْتُ بِالسَّيْفِ فِتْيَانَكُمْ مَعَ سَبْيِ خَيْلِكُمْ، وَأَصْعَدْتُ نَتْنَ مَحَالِّكُمْ حَتَّى إِلَى أُنُوفِكُمْ، فَلَمْ تَرْجِعُوا إِلَيَّ، يَقُولُ الرَّبُّ. 11 قَلَبْتُ بَعْضَكُمْ كَمَا قَلَبَ اللهُ سَدُومَ وَعَمُورَةَ، فَصِرْتُمْ كَشُعْلَةٍ مُنْتَشَلَةٍ مِنَ الْحَرِيقِ، فَلَمْ تَرْجِعُوا إِلَيَّ، يَقُولُ الرَّبُّ. لقد عدَّد لهم التأديبات التي سمح لهم أن يسقطوا تحتها، ومع ذلك لم ينتفعوا منها، إذ في كل مرَّة يعاقب قائلًا: "فلم ترجعوا إليّ يقول الرب" [6، 8-11]. وكأن التأديب في عيني الله ليس انتقامًا لنفسه وإنما هو حب... أنه يشتهي رجوع الإنسان إليه. إن كانت التأديبات الماضية مع كثرتها وتنوُّعها لم تحقِّق هدفها بسبب قسوة قلب الإنسان، فإنه يلتزم بتقديم تأديب أقسى حتى يفوق الإنسان من سكره ويتعرَّف على الله ويستعد للقاء معه: "فمن أجل أنيّ أصنع بك هذا فاستعد للقاء إلهك يا إسرائيل" [12].ولعلَّ هذه العبارة هي مفتاح السفر كله، بل مفتاح الكتاب المقدَّس كله، إن كل ما يصنعه الله بشعبه من الطف أو حزم، ترفُّق أو شدَّة، إنما لكي يستعد للقاء إلهه النازل إليه ليسكن فيّه ويقدِّسه شعبًا له! ما هي التأديبات التي سمح الله بها لشعبه؟ "وأنا أيضًا أعطيتكم نظافة (خمول أو توقُّف عن العمل) الأسنان في جميع مدنكم، وعوز الخبز في جميع أماكنكم" [6].فقد صارت أسنانهم نظيفة بسبب حرمانها من المضغ والأكل، فلا يدخل فمهم شيء قط! وفي الترجمة السبعينيّة: "صارت أسنانهم عاطلة بلا عمل... وكأنها بالإنسان العاطل الذي بلا نفع لنفسه أو لغيره. قوله "أنا أعطيتكم" يُشير إلى إن ما يحدث من كوارث طبيعيَّة، تسبب مجاعات حتى تصير أسنانهم نظيفة بسبب عدم الاستعمال، هذه تتم ليس محض صدفة، وإنما بخطة إلهيَّة محكمة وتدبير علوي فائق. هذا وإن ما يحدث إنما هو عطيَّة الله "أنا أعطيتكم"، يهب الخيرات كما يمنح الضيق والتجارب والمجاعات. بحبّه يترفَّق بنا ويشبعنا، وبحكمته يحرمنا ويؤدِّبنا لنرجع إليه. ما يسمح به من تجارب وتأديبات، إنما يكشف بها عن عمل الخطيَّة فينا وثمرها الخفي في داخلنا، إذ تُسبب: أولًا: مجاعات "عوز الخبز في جميع أماكنكم" [6]، ولعلَّه قصد بها المجاعة التي حدثت في أيام إليشع النبي وظلّت سبع سنوات (2 مل 8: 1). هكذا تدفع الخطيَّة إلى مجاعة روحيِّة فيصير الإنسان في عوز الخبز الروحي في كل حياته الداخليَّة. يعيش بلا شبع، في فراغ شديد لا يقدر أحد أن يملأه سوى الرب نفسه الخبز النازل من السماء (يو 6: 51). ثانيًا: جفاف روحي "وأنا أيضًا منعت عنكم المطر إذ بقي ثلاثة أشهر للحصاد، وأمطرتُ على مدينة واحدة وعلى مدينة أخرى لم أمطر... فجالت مدينتان أو ثلاث إلى مدينة واحدة لتشرب ولم تشبع" [7-8]. إذ ترفض النفس ينبوع المياه الحيِّة (إر 2: 13) أي المسيح المخلِّص، تُحرم من مطر الروح القدس فتبقى في حالة جفاف! مدينتان متجاورتان ترتوي إحداهما بمطر الروح وتجف الأخرى، ضيعتان أو حقلان في مدينة واحدة، يرتوي حقل بنعمة الروح ويبقى الآخر جافًا! هكذا يضم العالم قلوبًا متنوِّعة، منها قلوب انفتحت على عطيَّة الروح الناري لتلتهب به وتحمل الطبيعة السماويَّة، وأخرى تنغلق على ذاتها لتحيا في جفافها ميِّتة بالروح لا تنعم بشيء إلاَّ العقم والهلاك! وكما يقول الرب: "هوذا عبيدي يأكلون وأنتم تجوعون، هوذا عبيدي يشربون وأنتم تعطشون، هوذا عبيدي يفرحون وأنتم تخزون، هوذا عبيدي يترنَّمون من طيبة القلب وأنتم تصرخون من كآبة القلب ومن انكسار الروح تولولون" (إش 65: 13-14). ما هي المدينتان أو الثلاث اللواتي جلن إلى مدينة واحدة لتشرب ماء ولم تشبع إلاَّ العذارى الجاهلات اللواتي يسألن الحكيمات زيتًا لئلاَّ تنطفئ مصابيحهن، فتجيب الحكيمات: "لعلَّه لا يكفي لنا ولكُنّ" (مت 25: 9)، فيخرجن خارج العرس ويغلق الباب دونهن! ثالثًا: الضرب بالحشرات المفسدة كاللفح واليرقان والجراد، فتأكل ثمار النفس، تفسد جنَّتها الداخليَّة وتحكم كرومها وتينها... وقد سبق لنا الحديث بأكثر توسُّع عن حملات الجراد والكروم والتين في دراستنا لسفر يوئيل. إن كانت النفس هي الفردوس الداخلي أو الجنَّة التي يفرح الله بكرومها الروحيِّة وتينها، فإن الخطيَّة كالحشرة تحوِّل الفردوس برَّيَّة وأشجار الفاكهة وعرًا! رابعًا: الوبأ الذي يصيب النفس والجسد معًا، يصيِّر الإنسان في حالة مرض، مستلقي على الفراش بلا قوَّة وعاجز عن العمل! أنه يحتاج إلى المخلِّص، طبيب النفس الحقيقي! خامسًا: قتل فتيانهم بالسيف، أي تحطيم مواهب الإنسان (أولاده) وطاقاته. سادسًا: سبي خيّلهم، فإن كان الخيل يُشير إلى القوَّة والجبروت، فإن الإنسان إذ يرتكب الخطيَّة يفقد سيادته لنفسه، ويصير مسبيًا بلا قوَّة ولا حرِّيَّة عمل! سابعًا: صعود نتن محالِّهم إلى أنوفهم... عِوض أن يحمل الإنسان رائحة المسيح الذكيَّة التي تُفرِّح قلب الآب وتبهج السمائيِّين، يفوح من الإنسان نتانة رائحة ذاته الداخليَّة، وكأنه ميِّت قد أنتن! أنه يحتاج أن يسمع صوت ربنا يسوع: "لعازر هلمَّ خارجًا" فيخرج الميِّت الذي أنتن من قبره يحمل رائحة حياة عِوض الموت! ثامنًا: التحطيم بالزلازل والبراكين: "قلَبْتُ بعضكم كما قلب الله سدوم وعمورة، فصرتم كشعلة منتشلة من الحريق" [11]. قد هدَّد الكل بإلقاء البعض في النيران خلال الصواعق والبراكين وانتشل البعض ليتوبوا، فلم يرجعوا إليه... لقد صرنا في حاجة عِوض أن تحطِّمنا البراكين والصواعق بنيرانها المهلكة أن يدخل الرب إلينا، كما على سحابة خفيفة سريعة ليُحطِّم أوثاننا الداخليَّة، ويحرق شرورنا ويقيم في وسط قلبنا مذبحًا له، كما قال إشعياء النبي في حديثه عن الرب المُسْرِع على السحابة إلى أرض مصر (إش 19: 1). هذه هي التأديبات الإلهيَّة التي فضحت عمل الخطيَّة في القلب، بل في الإنسان بكلِّيته من جوع روحي، وجفاف، وإصابة بالحشرات المفسدة للثمار، والإصابة بأمراض روحيِّة، وتحطيم للمواهب (الفتيان)، وحرمان من الحرِّيَّة (سبي الخيل)، وصعود رائحة فساد ونتانة، وتحطيم بنيران الصواعق القاتلة! أما غاية هذه التأديبات فهو: "استعد للقاء إلهك يا إسرائيل" . 4. إشراقة الخلاص: 12 «لِذلِكَ هكَذَا أَصْنَعُ بِكَ يَا إِسْرَائِيلُ. فَمِنْ أَجْلِ أَنِّي أَصْنَعُ بِكَ هذَا، فَاسْتَعِدَّ لِلِقَاءِ إِلهِكَ يَا إِسْرَائِيلُ». 13 فَإِنَّهُ هُوَذَا الَّذِي صَنَعَ الْجِبَالَ وَخَلَقَ الرِّيحَ وَأَخْبَرَ الإِنْسَانَ مَا هُوَ فِكْرُهُ، الَّذِي يَجْعَلُ الْفَجْرَ ظَلاَمًا، وَيَمْشِي عَلَى مَشَارِفِ الأَرْضِ، يَهْوَهُ إِلهُ الْجُنُودِ اسْمُهُ. فضحت تأديبات الله حالنا الفاسد، وكأنها بمشرط الطبيب الذي فتح الجرح ليكشف عن النتانة التي اختفت في الجسم، والآن كيف يضمَّد الجرح، ويصلح من حالنا؟ أو كما قال: كيف يتحقَّق "استعد للقاء إلهك يا إسرائيل"؟ يُجيب: "فإنه هوذا الذي صنع الجبال وخلق الريح (الروح) وأخبر الإنسان ما هو فكره (مسيحه)، الذي يجعل الفجر ظلامًا، ويمشي على مشارف الأرض، يهوه إله الجنود اسمه" [13]. يقول رب المجد: "وأي ملك إن ذهب لمقاتلة ملك آخر في حرب لا يجلس أولًا ويتشاور، هل يستطيع أن يلاقي بعشرة آلاف الذي يأتي عليه بعشرين ألفًا؟! (لو 14: 31)، فإن كان إسرائيل قد دخل في خصومة ضد الله فليعلم من هو الله، وما هي إمكانيَّاته وإلاَّ فيصطلح معه! هنا يُعلن النبي إن الله، هو صانع الجبال فإن كان الملوك يحتمون أثناء الحرب في الجبال الراسخة، فالله لا يحتمي فيها بل هو خالقها. وكما يقول المرتِّل: "يا رب إله الجنود، من مثلك قوي رب وحقك من حولك، أنت متسلِّط على كبرياء البحر، عند ارتفاع لججه أنت تُسكتها... لك السموات، لك أيضًا الأرض، المسكونة وملؤها أنت أسَّستها" (مز 89: 8-11). إن كانت الجيوش تجد خلاصها في الجبال، فالله هو مؤسِّس كل المسكونة. يقول: "خلق الريح" وفي الترجمة السبعينيّة "خلق الروح"، فخالق الريح الذي يهتم بأمره قائد الجيش قبل بدء المعركة هو الله نفسه. أنه يجعل الفجر (الصباح) ظلامًا، لأنه يُرسل سحابه الكثيف فيغطِّي الأرض ويحجب النور، وهو الذي يتمشَّى على مشارف الأرض أو قممها العالية... أنه يهوه الذي لا يدرَك ولا يعبَّر عنه! هذا هو إلهك الذي يُلزم أن تستعد للقائه يا إسرائيل، لا للخصومة وإنما للمصالحة! جاء النص في الترجمة السبعينيّة هكذا: "الذي يؤسِّس الرعد ويخلق الروح يُعلن للإنسان مسيحه". ويرى كثير من الآباء مثل القديس أغسطينوسإن هذا النص يحمل نبوَّة واضحة عن العصر المسياني، فإنه يستعد إسرائيل الجديد للقاء مع إلهه خلال إعلان الآب عن مسيحه للإنسان، فيقبله كسرّ مصالحة بين الآب والإنسان. وقد حاول بعض الهراطقة استخدام هذا النص للادِّعاء بأن الروح القدس مخلوق، إذ قيل "يخلق الروح". وقد ردَّ كثير من الآباء عليهم، منهم القديس غريغوريوس أسقف نيصص، إذ يقول: [يليق بنا أن ندرك أن النبي يتحدَّث عن خلقة روح آخر في تأسيسه للرعد، وليس خلقة الروح القدس. فإن اسم "الرعد قد أُعطيَ في اللغة السرِّيَّةللإنجيل. فالذين يتأسَّس فيهم الإيمان بالإنجيل دون اهتزاز يعبرون من الجسد إلى الروح كقول الرب: "المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح" (يو 3: 6). إنه الله هو الذي يؤسِّس صوت الإنجيل، ويجعل الإنسان روحًا (روحيًا)، فمن يولد من الروح ويصير روحًا، بهذا يُعلن المسيح له كقول الرسول: "ليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلاَّ بالروح القدس" (1 كو 12: 3).] هذا هو سرّ لقاء إسرائيل الجديد، إن الله يؤسِّس الرعد، أي يبعث إلينا كلمة الكرازة التي تُرعد في النفس، ويخلق فينا الطبيعة الروحيِّة عِوض الحياة الجسدانيَّة، فيُعلَن المسيح رب المجد فينا بروحه القدُّوس! بهذا حوَّل النبي ذهن إسرائيل من التأديبات القاسية التي لم تستطع أن تردُّهم إلى الله إنما فضحت ضعفهم وعمل الخطيَّة فيهم، إلى المسيّا المخلِّص الذي يُعلنه الآب للإنسان فيقبله بالروح القدس فاديًا ومخلصًا! |
||||
23 - 02 - 2024, 02:30 PM | رقم المشاركة : ( 151860 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الله يدعوهم إلى محكمته معلنًا أنه جهة الاختصاص، فإنه يدعو كل الشعب بكونه كل القبيلة أو العائلة التي نزلت إلى مصر، ومن هناك أنقذها، لقد عرفها باسمها واهتم بها ودعاها باسمه دون سائر قبائل الأرض، هذا الحب وهذه الرعاية لا تعني أنه يغمض عينيه عن أخطائهم، وإنما تُحمِّلهم بالأكثر المسئوليَّة، فإنه لا يقبل الشركة مع أناس مذنبين. لقد عرفهم وعرفوه، إذ قيل "الله معروف في يهوذا" (مز 76: 1). لذلك فمسئوليَّتهم أعظم، إذ يقول الرب: "وأما ذلك العبد الذي يعلم إرادة سيِّده ولا يستعد ولا يفعل بحسب إرادته فيُضرب كثيرًا، ولكن الذي لا يعلم ويفعل ما يستحق ضربات يُضرب قليلًا، فكل من أُعطيَ كثيرًا يطلب منه كثير ومن يودعونه كثيرًا يطالبونه بأكثر" (لو 12: 47-48). كما ازدادت معرفتنا لإرادةالله وأسراره وأعمال محبَّته الفائقة صرنا نُطالب بأكثر، وتكون مسئوليَّتنا أمامه أعظم من غيرنا. |
||||