13 - 03 - 2014, 04:14 PM | رقم المشاركة : ( 141 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
وكل ما هو لي فهو لك في مناجاته مع الآب قال السيد المسيح: "وكل ما هو لي فهو لك، وما هو لك فهو لي" (يو17: 10) وقال كذلك لتلاميذه: "كل ما للآب هو لي" (يو16: 15). وقال القديس أثناسيوس الرسوليإن الابن له جميع صفات الآب ما عدا أن الآب هو آب والابن هو ابن. وهذا بالطبع لأن الآب والابن والروح القدس لهم طبيعة إلهية واحدة وجوهر إلهي واحد. فكل صفات الجوهر الإلهي هي للآب كما هي للابن، وكذلك للروح القدس. أما الخواص الأقنومية أو الصفات الأقنومية فينفرد بها كل أقنوم على حدة. فالآب: له الأبوة في الثالوث وهو الوالد للابن، والباثق للروح القدس. والابن: له البنوة باعتباره الابن الوحيد للآب (انظر يو3: 16). والروح القدس: له الانبثاق باعتباره روح الحق الذي من عند الآب ينبثق (انظر يو15: 26). وكما أن صفات الجوهر الإلهى هي نفسها لكل الأقانيم كذلك كل القدرات والعطايا الإلهية هي صادرة عن الأقانيم الإلهية معًا. فالقدرة على الخلق هي للآب والابن والروح القدس. والمواهب الممنوحة للكنيسة هي من الآب بالابن في الروح القدس. أي أن مواهب الروح القدس الممنوحة للكنيسة هي ممنوحة من الآب باستحقاقات دم الابن الوحيد والروح القدس هو الذي يمنحها للكنيسة بعمله فيها من خلال الأسرار والمواهب والعطايا الإلهية. لهذا قال السيد المسيح عن الروح القدس: "وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به. ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. كل ما للآب هو لي. لهذا قلت إنه يأخذ مما لي ويخبركم" (يو16: 13-15). لقد ربط السيد المسيح بين عطايا الروح القدس، وبين عطاياه هو للكنيسة، معتبرًا إياها أيضًا أنها عطايا الآب. فقال إن الروح القدس "يأخذ مما لي". ثم قال: "كل ما للآب هو لي" ففي الحقيقة أن ما للروح القدس هو للابن، وما للابن هو للآب، وما هو للآب فهو للابن لأن الجوهر الإلهي للابن هو نفس الجوهر الإلهي الذي للآب وللروح القدس. ولا يوجد أقنوم منفصل عن الآخر في الجوهر. وكذلك فالعمل الإلهي هو عمل واحد بالرغم من تمايز دور كل أقنوم في هذا العمل. ففي الخلق كان الأقانيم يعملون معًا، وفي الخلاص كان الأقانيم يعملون معًا وما زالوا يعملون.. وهكذا. في الخلاص أرسل الله ابنه ليتجسد بفعل الروح القدس، وعلى الصليب كان الله مصالحًا العالم لنفسه في المسيح "الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب" (عب9: 14). لذلك فالابن الوحيد قد قدّم نفسه ذبيحة مقبولة أمام الله الآب بالروح القدس. وبعدما أتم السيد المسيح الفداء، صعد إلى السماوات وجلس عن يمين الآب وباعتباره رئيس الكهنة الأعظم، أرسل الروح القدس الذي يعمل في الكنيسة ويوصل إليها كل بركات الفداء. وكل ما يمنحه الروح القدس للكنيسة من مواهب هو من عطايا الآب السماوي بابنه الوحيد يسوع المسيح ربنا. لهذا قال معلمنا يعقوب الرسول: "كل عطية صالحة، وكل موهبة تامة، هي من فوق نازلة من عند أبى الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران. شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه" (يع1: 17، 18). الآب هو الينبوع الآب هو الينبوع الذي منه الابن الوحيد بالولادة الأزلية قبل كل الدهور. ومنه أيضًا الروح القدس بالانبثاق الأزلي قبل كل الدهور. الآب هو الحكيم الذي يلد الحكمة ويبثق روح الحكمة. والآب هو الحقاني الذي يلد الحق (انظر يو14: 6) ويبثق روح الحق (انظر يو15: 26). فالحكمة هو لقب أقنوم الابن المولود من الآب الحكيم. والحق هو لقب أقنوم الابن المولود من الآب الحقاني. والكلمة أي (العقل منطوق به) هو لقب أقنوم الابن المولود من الآب العاقل. والخواص الجوهرية جميعًا ومن أمثلتها الحكمة والحق والعقل.. يشترك فيها الأقانيم معًا فالحق مثلًا هو خاصية يشترك فيها الأقانيم جميعًا. فالآب هو حق من حيث الجوهر، والابن هو حق من حيث الجوهر، والروح القدس هو حق من حيث الجوهر. أما من حيث الأقنوم فالآب هو الحقاني (أي ينبوع الحق)، والابن هو الحق المولود منه والروح القدس هو روح الحق المنبثق منه. من يستطيع أن يفصل الحقاني عن الحق المولود منه؟! ومن يستطيع أن يفصل الحكيم عن الحكمة؟.. إن الحكمة تصدر عن الحكيم تلقائيًا كإعلان طبيعي عن حقيقته غير المنظورة. إننا نعرف الحكيم.. بالحكمة، ونعرف العاقل بالعقل المنطوق به، ونعرف الحقاني بالحق الصادر منه.. وهكذا. أي أن الرب هو حكيم وحكمته في حضنه منذ الأزل، وبالحكمة صنع الرب كل الموجودات كقول المزمور "بكلمة الرب صُنِعَت السماوات، وبنسمة فيه كل جنودها" (مز33: 6). أي أن الرب قد خلق السماوات وملائكتها بكلمته وبروحه القدوس. ما أجمل كلام السيد المسيح حينما قال: "كل ما للآب هو لي"حقًا إن الثالوث القدوس هو الله الواحد في الجوهر المثلث الأقانيم. مجد الآب وملكيته وملكوته جميعًا للابن أيضًا. من عبارة"كل ما هو لي فهو لك" (يو17: 10) نفهم أيضًا أن كل مجد الآب هو للابن أيضًا، وكل ملكية الآب وملكوته تخص الابن أيضًا. مجد الآب قال السيد المسيح عن مجيئه الثاني للدينونة واستعلان ملكوت الله: "ومتى جاء ابن الإنسان في مجده وجميع الملائكة القديسين معه، فحينئذ يجلس على كرسي مجده. ويجتمع أمامه جميع الشعوب فيميز بعضهم من بعض كما يميّز الراعي الخراف من الجداء. فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار. ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي أبى رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم" (مت25: 31-34). وكما قال السيد المسيح إن ابن الإنسان سوف يأتي "في مجده" قال أيضًا: "فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله" (مت16: 27). وبهذا لم يفرق السيد المسيح بين "مجده"و"مجد أبيه"في حديثه عن مجيئه الثاني للدينونة. لأن مجد السيد المسيح باعتبار أنه هو ابن الله هو نفس مجد الآب بلا أدنى فرق في المجد. فالأقانيم الثلاثة متساوية في المجد الإلهي. وحينما قال السيد المسيح في مناجاته قبل الصلب: "والآن مجّدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو17: 5)، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. كان يقصد أن مجده الأزلي هو نفسه مجد الآب الأزلي قبل خلق العالم، وذلك بالرغم من أن السيد المسيح قد أخفى الكثير من مجده في حال ظهوره في الجسد حينما أخلى نفسه آخذًا صورة عبد. كذلك نادى السيد المسيح الآب قبيل الصلب قائلًا: "أيها الآب مجّد اسمك. فجاء صوت من السماء مجدّت وأمجّد أيضًا" (يو12: 28). وحينما خرج يهوذا الإسخريوطي بعد عشاء الفصح اليهودي ليذهب إلى رؤساء الكهنة ويصير دليلًا للذين قبضوا على السيد المسيح، قال السيد المسيح: "الآن تمجَّد ابن الإنسان وتمجَّد الله فيه. إن كان الله قد تمجَّد فيه فإن الله سيُمجِّده في ذاته ويمجِّده سريعًا" (يو13: 31، 32). وفى مناجاته مع الآب بعد تلك الأحداث مباشرة، رفع عينيه نحو السماء وقال: "أيها الآب.. مجّد ابنك ليمجدك ابنك أيضًا" (يو17: 1). إن مجد الآب هو نفسه مجد الابن لأنه له نفس الجوهر الواحد مع الآب. ولُقِّب السيد المسيح بأنه هو "بهاء مجده" (عب1: 3). فإن كان الابن هو بهاء مجد الآب فكيف نفصل بين مجد الابن ومجد الآب. إن مجد الآب يظهر جليًا للخليقة بواسطة الابن الوحيد، ولهذا نقول في القداس الغريغوري (الذي أظهر لنا نور الآب). وبالإضافة إلى ذلك قيل عن الابن إنه "رب لمجد الله الآب" (فى2: 11). بمعنى أن الابن هو رب أي سيد للخليقة التي تحيا في مجد الله، وتعكس هذا المجد، فيتمجد الله فيها وبواسطتها. ونحن كثيرًا ما نلّقب السيد المسيح بعبارة "رب المجد" التي قالها عنه معلمنا بولس الرسول في (1كو2: 8). ملكوت الآب لشدة محبة الآب للابن، فإنه يلقب ملكوته بملكوت الابن "ملكوت ابن محبته" (كو1: 13). وكما أن الآب له لقب "ملك الملوك ورب الأرباب.. الذي لم يره أحد من الناس ولا يقدر أن يراه" (1تى6: 15، 16). هكذا أيضًا فإن الابن له نفس اللقب وقد رآه يوحنا الإنجيلي في رؤياه "متسربلٌ بثوبٍ مغموسٍ بدمٍ، ويدعى اسمه كلمة الله.. وله على ثوبه وعلى فخذه اسم مكتوب ملك الملوك ورب الأرباب" (رؤ19: 13، 16). ولذلك ففي يوم الدينونة قيل عن الابن إنه سوف "يجلس على كرسي مجده" (مت25: 31). وأن لقبه هو "الملك" (مت25: 34). إن ملكوت الآب هو نفسه ملكوت الابن.. وكل هذا يتحقق فينا بعمل الروح القدس الذي يجعل ملكوت الله داخلنا (انظر لو17: 21) بسكناه فينا، ويقودنا في طريق الملكوت حتى نصير ملكًا لله، ويملك على حياتنا إلى الأبد بنعمته. |
||||
13 - 03 - 2014, 04:16 PM | رقم المشاركة : ( 142 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
وأنا ممجد فيهم " وأنا ممجد فيهم" (يو 17: 10) قال السيد المسيح: "أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني من العالم.. من أجلهم أنا أسأل. لست أسأل من أجل العالم بل من أجل الذين أعطيتني لأنهم لك. وكل ما هو لي فهو لك. وما هو لك فهو لي. وأنا ممجد فيهم" (يو17: 6، 9، 10). إن حياة القديسين الذين آمنوا بالسيد المسيح، وتمتعوا بخلاصه العجيب، قد صارت لمجد اسمه القدوس. فسيرتهم العطرة، وأقوالهم الحسنة، وأعمالهم الطيبة قد صارت كلها لمجد السيد المسيح الذي افتداهم واشتراهم بدمه وقدسهم بروحه القدوس الذي من عند الآب ينبثق. من الأشياء الجميلة أن يقول السيد المسيح عن تلاميذه: "أنا ممجد فيهم".. إنها ثقة عجيبة بما سوف يعمله فيهم وبواسطتهم لمجد الله. كيف تحول الخطاة إلى قديسين.. وكيف تحول فساد البشرية التي كانت ترزح تحت عبودية إبليس إلى تمجيد اسم الله في حياة أولاده. كل هذا صنعه السيد المسيح بصورة أبهرت عقول السمائيين. بهذا تغنى معلمنا بولس الرسول فقال: "مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح. كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة. إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب" (أف1: 3-6). إن الله لم يخلق العالم فقط بواسطة أقنوم الكلمة. ولكنه أيضًا خلّص العالم بنفس الأقنوم الإلهي الذي هو كلمة الله المتجسد. وقد أعاد أقنوم الكلمة خِلقة البشرية من جديد بالفداء الذي صنعه على الصليب وبما ترتب عليه من نعم وبركات سمائية. لذلك يقول الكتاب "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو5: 17). حقًا لقد خلقنا السيد المسيح من جديد حينما خلصنا من عبودية الشيطان، وأعطانا نعمة التجديد والبنوة "بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس" (تى3: 5). بهذا تمجد السيد المسيح الرب باعتباره هو حكمة الله وقوة الله، وبواسطته تم الفداء وخلاص البشر من حكم الموت الأبدي. وتمت المصالحة بين الله والإنسان. وأصبح من الممكن أن يعود الإنسان إلى الصورة الجميلة التي خلقه الله فيها على صورته ومثاله. لقد صار القديسون هم رائحة المسيح الذكية، ورسالته المقروءة من جميع الناس.. وجميل جدًا أن يتصور السيد المسيح في حياة قديسيه وتلاميذه حسبما قال معلمنا بولس الرسول عن مخدوميه: "يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضًا إلى أن يتصور المسيح فيكم" (غل4: 19). عبارة "أنا ممجد فيهم"تعنى أننا قد لبسنا البر الذي للمسيح حينما صرنا أولادًا لله في المعمودية ويتجدد مفعولها في باقي الأسرار والوسائط الروحية، وينبغي أن يتمجد السيد المسيح فينا وبواسطتنا. من أجل السيد المسيح خُلقت الخليقة، وبواسطة السيد المسيح خُلقت الخليقة،وبواسطته أيضًا ومن أجله تم تجديد البشرية بالفداء. "لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل، وبه الكل وهو آتٍ بأبناء كثيرين إلى المجد أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام. لأن المُقدِّس والمُقدَّسين جميعهم من واحد. فلهذا السبب لا يستحى أن يدعوهم إخوة قائلًا: أخبر باسمك إخوتي وفي وسط الكنيسة أسبحك.. فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم، اشترك هو أيضًا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس" (عب2: 10-12، 14). في قول معلمنا بولس الرسول السابق أن المُقدِّس والمُقدَّسين جميعهم من واحد. يقصد أن المُقدِّس هو: السيد المسيح، والمُقدَّسين هم: جماعة المؤمنين. وهم جميعًا أبناء لآدم من جهة وأبناء لله من جهة أخرى. فبحسب الجسد السيد المسيح هو من نسل آدم، وبحسب لاهوته هو مولود من الآب بالطبيعة قبل كل الدهور. والمؤمنون هم من نسل آدم بحسب الجسد، ومن الناحية الروحية قد نالوا التبني بالميلاد الفوقاني بالمعمودية. السيد المسيح أخذ الذي لنا (البنوة لآدم) وأعطانا الذي له (البنوة لله). ومفهوم طبعًا أن بنوتنا لله لا تساوى بنوة السيد المسيح الذي له نفس الجوهر الإلهي الذي للآب. لهذا السبب لا يستحى أن يدعو مؤمنيه إخوة لأنه قد اشترك معهم في اللحم والدم أي في طبيعتهم البشرية، كما أنه منحهم بالنعمة البنوة لله حتى ينادوا الله الآب أبًا لهم كما منحهم السيد المسيح أن يقولوا. لقد تمجد السيد المسيح بالفداء الذي صنعه بكل حكمة وفطنة لأجلنا، وتمجد في إظهار قدرته الإلهية في تحويل الخطاة إلى قديسين، وتمجد بما يعمله بواسطة هؤلاء القديسين من أعمال عظيمة قد سبق فأعدها ليسلكوا فيها. حقًا ما أعجب تدبيرك أيها الآب، يا من منحتنا كل هذه الإمكانيات المجيدة بواسطة ابنك الوحيد الحبيب. |
||||
13 - 03 - 2014, 04:18 PM | رقم المشاركة : ( 143 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
" وهم قبلوا وعلموا يقينًا أنى خرجت من عندك" (يو17: 8) ما أجمل أن يتكلم السيد المسيح عن إيمان التلاميذ اليقيني بخروجه من الآب أي بولادته الأزلية. وبإرساله إلى العالم "علموا يقينًا أنى خرجت من عندك. وآمنوا أنك أنت أرسلتنى" (يو17: 8). كلمة الله له ميلادان:الميلاد الأول: أزلي بولادته من الآب قبل الدهور حسب لاهوته. والميلاد الثاني: في الزمن بولادته من العذراء مريم في ملء الزمان بحسب ناسوته (إنسانيته). فعبارة "خرجت من عندك" تشير إلى الميلاد الأزلي بنفس جوهر الآب غير المنقسم. وعبارة "أنك أنت أرسلتني" تشير إلى الميلاد البتولي من العذراء مريم بجوهر مساوٍ لنا بلا خطية. في ميلاده الأزلي وُلد من الآب بحسب لاهوته بغير أم. وفى ميلاده الثاني وُلد من العذراء بحسب ناسوته بغير أب. والذي ولد من الآب أي ابن الله الأزلي صار هو هو نفسه ابنًا للإنسان بولادته من العذراء مريم. فابن الله هو نفسه ابن الإنسان كما يقول معلمنا بولس الرسول "يسوع المسيح هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد" (عب13: 8). وفى رسالة القديس كيرلس الكبير إلى فاليريان أسقف أيقونية؛ أكد القديس كيرلس هذه المعاني في دفاعه عن البطريرك يوحنا الأنطاكي وأساقفته بعد المصالحة التي أعاد بها القديس كيرلس الوحدة بين أنطاكية وباقى الكراسى الرسولية سنة 433م (بعد المجمع المسكوني الثالث في أفسس سنة 431م) فكتب يقول: [أوضح الأساقفة خائفو الله في الشرق كله مع سيدي يوحنا، أسقف أنطاكية الكلى المخافة لله، باعتراف مكتوب واضح للجميع أنهم يدينون الابتداعات التي لنسطور ويحرمونها معنا، وأنهم لم يعتقدوا أبدًا أنها تستحق أي اعتبار، بل يتبعون العقائد الإنجيلية الآبائية ولا يمسون على الإطلاق اعتراف الآباء. لأنهم اعترفوا أيضًا معنا أن العذراء القديسة هي والدة الإله (ثيئوتوكوس)، ولم يضيفوا أنها والدة المسيح (خريستوتوكوس) أو والدة الإنسان (أنثروبوتوكوس) كما يقول هؤلاء الذين يدافعون عن آراء نسطور البائسة.. بل يقولون بوضوح أنه يوجد مسيح واحد، وابن ورب واحد. الله الكلمة المولود بطريقة تفوق الوصف من الله الآب قبل كل الدهور، وأنه ولد في الأيام الأخيرة من امرأة بحسب الجسد. وبهذا يكون إله وإنسان في نفس الوقت. كامل اللاهوت، وكامل الناسوت. ويؤمنون أن شخصه واحد، دون أن يقسموه بأي شكل إلى ابنين أو مسيحيين أو ربين]. وفى نفس الرسالة شرح القديس كيرلس سبب تسمية العذراء "والدة الإله" وذلك لأن كل ما يخص جسد كلمة الله يُنسب إليه لأنه جسده الخاص. وهكذا يُنسب إلى كلمة الله الولادة من العذراء مريم وأيضًا الآلام التي احتملها بشخصه من أجل خلاصنا بحسب الجسد مع أنه بحسب لاهوته غير متألم،كتب القديس يقول: [من المعترف به أن الإلهي -لأنه بلا جسد- لا يُمس ولم يُمس على الإطلاق، لأن الإلهي يفوق كل خليقة، منظورة وعقلية، وطبيعته غير جسدانية، طاهرة بلا عيب، لا تُمس ولا تُدرك. ولأن كلمة الله الابن الوحيد الجنس، بعدما أخذ جسدًا من العذراء القديسة وجعله خاصًا به - كما قلت قبلًا مرة ومرات- بذل نفسه رائحة سرور لله الآب كذبيحة بلا عيب، لذا تأكد (لنا) أنه احتمل عنا ما حدث لجسده، فكل ما حدث للجسد يُنسب بصواب إليه، فيما عدا الخطية. لأنه (أي الجسد) جسده هو الخاص بهHis Own body، وبالتالي، لأن الله الكلمة تجسد، ظل غير قابلًا للألم كإله، ولكن لأنه بالضرورة جعل أمور الجسد أموره (أي جعلها خاصة به) لذا تأكد (لنا) أنه احتمل ما هو بحسب الجسد، رغم أنه بلا خبرة في الألم عندما نفكر فيه كإله]. وديعة الإيمانهذا هو الإيمان المسلّم مرة للقديسين، الذي غرسه السيد المسيح في قلوب رسله القديسين "علموا يقينًا أنى خرجت من عندك، وآمنوا أنك أنت أرسلتني" (يو17: 8). الإيمان بألوهية السيد المسيح وولادته الأزلية من الآب، والإيمان بأن الآب قد أرسله إلى العالم مولودًا من امرأة هي العذراء مريم "والدة الإله" ليفتدى العالم من لعنة الخطية والموت. وهو نفس الإيمان الغالي الثمين الذي حفظته الكنيسة الجامعة الرسولية، ودافعت عنه من جيل إلى جيل. وكان لكنيسة الإسكندرية الدور الرئيسي في الحفاظ عليه بواسطة قديسيها أثناسيوس وكيرلس وديسقورس. كما رافقتها شقيقتها الكنيسة السريانية وسارت على منوالها في شخص القديس ساويرس الأنطاكي وأمثاله. وما زالت كنيسة الإسكندرية تحمل أمانة التعليم الأرثوذكسي وتحفظ الإيمان حسب وصية القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس "يا تيموثاوس احفظ الوديعة معرضًا عن الكلام الباطل الدنس ومخالفات العلم الكاذب الاسم. الذي إذ تظاهر به قوم زاغوا من جهة الإيمان" (1تى6: 20، 21). |
||||
13 - 03 - 2014, 04:19 PM | رقم المشاركة : ( 144 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
ولست أنا بعد في العالم " ولست أنا بعد في العالم" (يو17: 11) تكلّم السيد المسيح عن صعوده جسديًا إلى السماء، حيث يجلس عن يمين الآب، وبالتالي عن تركه للعالم الذي يعيش فيه تلاميذه الذين اختارهم وأرسلهم ليكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها فقال: "ولست أنا بعد في العالم، وأما هؤلاء فهم في العالم، وأنا آتى إليك" (يو17: 11).. كان السيد المسيح قد قطع رحلة عمره على الأرض وقبيل صعوده اجتاز الآلام من أجل خلاص البشرية ونصرتها على الشيطان، وتحطيم شوكة الموت، وإتمام المصالحة مع الله. وإذ أكمل السيد المسيح رسالته على الأرض، كان ينبغي أن يترك العالم ويمضى إلى الآب حيث يمارس عمله كرئيس كهنة في المقادس العليا يشفع كل حين من أجل مغفرة خطايا التائبين المعترفين بقوة دمه والمتحدين معه بشبه موته وقيامته. وكان لزامًا على الكنيسة أن تكمل مسيرتها على الأرض بينما ارتفع رأسها إلى السماء متشبهة به في آلامه ونصرته على إبليس.. إلى أن تنتهي الأزمنة، ويأتي السيد المسيح في مجد أبيه مع ملائكته القديسين ليدين العالم.. ويأخذ الكنيسة عروسه المحبوبة معه إلى المجد في ملكوت السماوات.. صار الرسل هم وكلاء أسرار الله - يمثلون خدمة السيد المسيح في استمراريتها من أجل خلاص الكثيرين في هذا العالم الحاضر. كقول معلمنا بولس الرسول: "هكذا فليحسبنا الإنسان كخدام المسيح ووكلاء سرائر الله" (1كو4: 1). كان حديث السيد المسيح مع الآب السماوي في هذه العبارات يدور حول تلاميذه القديسين على وجه التخصيص، لأنه قال بعدها في نفس المناجاة: "ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط، بل أيضًا من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم" (يو17: 20). وبهذا يكون قد انتقل إلى الطِلبة من أجل جميع المؤمنين المعترفين باسمه. ومما يدل أيضًا أنه كان يتكلم عن تلاميذه القديسين أنه قال عنهم: "حين كنت معهم في العالم كنت أحفظهم في اسمك الذين أعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم أحد إلا ابن الهلاك ليتم الكتاب. أما الآن فإني آتى إليك" (يو17: 12، 13). والمقصود بابن الهلاك هو يهوذا الإسخريوطي الذي أسلمه. أما باقي التلاميذ فقال عنهم للآب: "كما أرسلتني إلى العالم. أرسلتهم أنا إلى العالم" (يو17: 18). لقد حملوا بشارة الإنجيل للعالم بعد صعود السيد المسيح وحلول الروح القدس عليهم. وحملوا رسالة المصالحة بين الله والإنسان كقول معلمنا بولس الرسول: "الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة. أي أن الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم وواضعًا فينا كلمة المصالحة. إذًا نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله" (2كو5: 18-20). عبارة "نطلب عن المسيح" أي نطلب نيابة عن السيد المسيح أو كوكلاء لخدمته،وقد أكدّ السيد المسيح مبدأ الوكالة بقوله: "فمن هو ترى الوكيل الأمين الحكيم الذي يقيمه سيده على عبيده، ليعطيهم طعامهم في حينه. طوبى لذلك العبد الذي إذا جاء سيده، يجده يفعل هكذا. حقًا أقول لكم: إنه يقيمه على جميع أمواله" (لو12: 42-44). لقد طلب السيد المسيح من أجل تلاميذه لكي يحفظهم الآب من الشرير أثناء وجودهم في العالم - لكي يحملوا الرسالة بعد أن يمضى هو إلى الآب ليمارس عمله كرئيس كهنة في الأقداس السماوية. وقد رسمت العناية الإلهية هذه الصورة العجيبة أن السيد المسيح الرأس هو في السماء، والكنيسة جسده هنا على الأرض تعمل عمله وتحمل رسالته إلى أن يجيء هو في نهاية الأزمنة ليأخذها إلى ملكوته الأبدي. وقد جمع الله في السيد المسيح أيضًا ما في السماوات وما على الأرض كما هو مكتوب "لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شيء في المسيح ما في السماوات وما على الأرض في ذاك الذي فيه أيضًا نلنا نصيبًا معينين سابقًا حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأى مشيئته" (أف1: 10، 11). الكنيسة تؤدى رسالتها على الأرض ونظرتها متجهة نحو السماء.. وأشواقها.. وفكرها.. وشركتها حيث المسيح جالس عن يمين العظمة. وقد عبّر القديس بولس الرسول عن هذه الحقيقة في وصفه لمسيرة الكنيسة فقال: "لأنكم لم تأتوا إلى جبل ملموس مضطرم بالنار وإلى ضباب وظلام وزوبعة.. بل قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية وإلى ربوات هم محفل ملائكة. وكنيسة أبكار مكتوبين في السماوات وإلى الله ديان الجميع وإلى أرواح أبرار مكملين. وإلى وسيط العهد الجديد يسوع وإلى دم رش يتكلم أفضل من هابيل" (عب12: 18، 22-24). هذه الصورة الرائعة التي أرادها السيد المسيح لكنيسته المجيدة، وطلب من الآب لأجلها لكي يحضرها كنيسة لا عيب فيها. تحيا في شركة الروح مع الله وملائكته القديسين. وتتجه مسيرتها نحو السماء، وهى تقطع زمان غربتها على الأرض صانعة مشيئة ذاك الذي اشتراها بدمه الثمين حتى يستعلن ملكوت السماوات بقوة. |
||||
13 - 03 - 2014, 04:20 PM | رقم المشاركة : ( 145 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
أيها الآب القدوس احفظهم في اسمك - " أيها الآب القدوس احفظهم في اسمك" (يو17: 11) اسم الآب كان اسم "الآب"هو محور كبير في مناجاة السيد المسيح قبل الصليب المدونة في (يو 17) وقد ورد ذكره عشر مرات في هذه المناجاة أحيانًا بقوله "أيها الآب" (ست مرات) وأحيانًا بقوله "اسمك" (أربع مرات). مثلما قال "أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتني من العالم" (يو17: 6)، إذ كان الناس يعرفون الله باسم "يهوه" أي الكائن. أما السيد المسيح فقد أعلن سر الثالوث، وأقنومية الآب، وأبوته الأزلية للابن، وإرساله إياه إلى العالم ليصالح الآب العالم لنفسه في المسيح. حول هذا اللقب "الآب"تقوم المسيحية.. لأنه لا يوجد آب بغير ابن ولا ابن بغير آب. فمجرد ذكر لقب "الآب"يعنى إعلان أن السيد المسيح هو ابن الله المرسل إلى العالم لأجل خلاص البشرية. إعلان الأبوة في الله أيضًا هو إعلان عن الحب المتدفق فيه منذ الأزل لهذا أكد السيد المسيح "لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم" (يو17: 24). إن الحب في الجوهر الإلهي يستدعى وجود الأقانيم، لأن الحب لا يمكن أن يوجد في حياة أقنوم واحد منفرد قبل خلق العالم. بل إن الحب نحو الخليقة هو نتيجة منطقية للحب المتبادل بين الأقانيم الثلاث بصورة لا يمكن وصفها أو التعبير عنها.. ولكننا نستطيع أن نختبرها في تذوقنا لمحبة الله التي "انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رو5: 5). لهذا قال السيد المسيح للآب: "وعرفتهم اسمك وسأعرفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم" (يو17: 26). إن لقب "الآب"في نظر السيد المسيح هو موضوع الإعلان وموضوع الشهادة الرئيسية التي شغلته في توضيح حقيقة الله. سواء من جهة حقيقة الثالوث القدوس، أو من جهة علاقته بالخليقة بصفة عامة، وبالبشر على وجه الخصوص.. وهنا نأتي إلى عبارة "احفظهم في اسمك" لقد أخذ السيد المسيح الذي لنا وأعطانا الذي له.. أخذ الذي لنا بالتجسد، إذ صار ابنًا للإنسان. وأعطانا الذي له أي أن نصير بالنعمة أولادًا لله. لهذا قال معلمنا يوحنا الرسول: "انظروا أية محبة أعطانا الآب حتى ندعى أولاد الله" (1يو3: 1). عبارة "أيها الآب.. احفظهم في اسمك" تعنى أن يحفظنا الآب في حالة البنوة التي ننالها بالمعمودية. لأن "كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية، لأن زرعه يثبت فيه. ولا يستطيع أن يخطئ، لأنه مولود من الله" (1يو3: 9)،حينما نخاطب الآب ونقول: "أبانا" فإن هذا يعنى ضمنًا إننا قد صرنا أولادًا لله. وبهذا نكون محفوظين في اسمه باعتبار أنه هو الآب. هو الآب بالنسبة للسيد المسيح بحسب لاهوته بالطبيعة. وهو الآب بالنسبة لنا بالنعمة، بالتبني. وحينما قال معلمنا يوحنا الرسول: "كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية" (1يو3: 9)، أضاف أيضًا وقال: "بهذا أولاد الله ظاهرون، وأولاد إبليس" (1يو3: 10). فعبارة "احفظهم في اسمك" تعنى أن يحفظهم الآب في وضع البنوة له، لكي لا يكونوا أولادًا لإبليس. أما اليهود الذين لم يقبلوا السيد المسيح، ولم يؤمنوا به فقال لهم: "أنتم من أب هو إبليس، وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا. ذاك كان قتالًا للناس من البدء ولم يثبت في الحق، لأنه ليس فيه حق. متى تكلم بالكذب، فإنما يتكلم مما له، لأنه كذاب وأبو الكذاب" (يو8: 44). ما أجمل أن يطلب السيد المسيح من أجل خاصته أن يحفظهم الآب في اسمه الحصين، في أبوته الحانية، في صلاحه وخيريته.. ليكونوا أولادًا لله حقًا بالحقيقة. |
||||
13 - 03 - 2014, 04:21 PM | رقم المشاركة : ( 146 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
ليكونوا واحدًا كما نحن " ليكونوا واحدًا كما نحن" (يو 17: 11) جاءت طلبة السيد المسيح بقوله "أيها الآب القدوس احفظهم في اسمك.. ليكونوا واحدًا كما نحن" (يو17: 11). إن حياة البنوة الحقيقية لله تجعل أولاد الله يسلكون بروح واحد، هو الروح القدوس كقول الكتاب "لأن كل الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله" (رو8: 14). إنهم يسلكون بالروح الواحد بقلب واحد وبنفس واحدة. "وكان لجمهور الذين آمنوا قلب واحد، ونفس واحدة.. كان عندهم كل شيء مشتركًا" (أع4: 32). الجميع يصيرون أعضاءً في الجسد الواحد بالروح القدس ورأس هذا الجسد هو السيد المسيح كلمة الله المتجسد. فالكنيسة هي جسد السيد المسيح بالمعنى العام والسيد المسيح هو الرأس كقول معلمنا بولس الرسول: "وإياه جعل رأسًا فوق كل شيء للكنيسة التي هي جسده" (أف1: 22، 23). وهناك فرق بين جسد السيد المسيح الخاص الذي أخذه من العذراء مريم وجعله واحدًا مع لاهوته، وبين الكنيسة كجسد للمسيح، وهى جماعة المؤمنين. فجسد السيد المسيح الخاص هو في موضع الرأس للجسد العام بمعنى الكنيسة. السيد المسيح هو العريس السمائي والكنيسة هي عروسه التي اشتراها بدمه الخاص، لكي يرفعها معه إلى السماء. السيد المسيح هو الفادي، والكنيسة هي المفتداة.. السيد المسيح هو الرأس، والكنيسة هي الجسد.. السيد المسيح هو الراعي الصالح، والكنيسة هي خرافه التي رعاها، وحماها، واشتراها. الروح القدس هو الذي يجعلنا أولادًا لله في المعمودية، وهو الذي يربطنا في فكر واحد بالمسيح الرأس. كقول القديس بولس الرسول: "أما نحن فلنا فكر المسيح" (1كو2: 16). الروح القدس هو الذي يوصل إلينا عطايا الآب السماوي، باستحقاقات دم ابنه الوحيد، أي هو الذي يمنحنا عطايا الثالوث القدوس الواحد في الجوهر. محبة الله هي سر الوحدة حينما قال السيد المسيح للآب: "احفظهم في اسمك.. ليكونوا واحدًا كما نحن" (يو17: 11). كان يقصد أن يسكب الآب في تلاميذه الروح القدس حتى تنسكب فيهم المحبة ويصيروا واحدًا "لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رو5: 5). الروح القدس هو الذي يسكب فينا محبة الله حتى نسلك في المحبة ونحب بعضنا بعضًا كوصية السيد المسيح الواضحة، والمحبة هي التي توحدنا على مثال الثالوث القدوس الواحد. وحدة الإرادة هي الوحدة التي في حرية المحبة تصنع إرادة من تُحب وتجد في ذلك أقصى درجات المسرة. ولكي تكون الإرادة واحدة يلزم أن تكون الطبيعة واحدة،لأنه إذا انقسمت الطبيعة، انقسمت الإرادة، لكي تعمل كل إرادة مشيئة طبيعتها الخاصة. لهذا يعطينا الروح القدس الطبيعة الجديدة، التي هي على صورة الله ومثاله، وتجعلنا نتحد في جسد واحد كصورة للوحدانية الكاملة الكائنة في الجوهر الإلهي. الوحدة بين الأقانيم الثلاث هي وحدة فائقة لا يمكن للعقل البشرى أن يُدركها، ولكن الوحدة بين تلاميذ السيد المسيح هي وحدة نسبية على صورة الوحدة الكائنة في الله. وكلما زادت المحبة؛ كلما اقتربنا من الوحدة التي طلبها السيد المسيح لأجلنا "ليكونوا واحدًا كما نحن" (يو17: 11). إن الحب الكائن بين الأقانيم الثلاث منذ الأزل هو نتيجة طبيعية لوحدة الجوهر الإلهي غير المنقسم. فبالرغم من أن ولادة الابن من الآب هي ولادة حقيقية، إلا أنها لم ينتج عنها انفصال الابن عن الآب في الوجود، أو في الطبيعة أو في الإرادة.. وذلك مع التمايز الواضح بين الوالد والمولود، وبين الباثق والمنبثق.. لهذا قال الكتاب إن "الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه" (1يو4: 16). الروح القدس يسكب فينا محبة الله لكي نحب الله ونحب كل من هو مولود منه، ويجدد طبيعتنا لكي نرى صورة الله في بعضنا البعض، ونحب هذه الصورة الجميلة التي تشهد لصفات الله الممجدة. حقًا إن الله هو السبب الحقيقي للوحدة بين القديسين، لأنه هو المثل الأعلى في الوحدة التي سرها المحبة غير المحدودة بين الأقانيم، وواقعها هو الجوهر الإلهي الواحد، وسببها هو المصدر أو الينبوع الواحد الذي هو الآب. |
||||
13 - 03 - 2014, 04:22 PM | رقم المشاركة : ( 147 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
لأجلهم أقدّس أنا ذاتي " لأجلهم أقدّس أنا ذاتي" (يو17: 19) قال السيد المسيح عن تلاميذه: "لأجلهم أقدس أنا ذاتى، ليكونوا هم أيضًا مقدسين في الحق" (يو17: 19). وهنا نقف أمام عبارة "أُقدس أنا ذاتى" وكيف قالها السيد المسيح؟ أو ما هو المعنى المقصود في كلامه؟ "التقديس" كلمة معناها "التخصيص"؛ مثلما قيل "قدّس لي كل بكر" (خر13: 2) أي "خصص لي كل بكر" والإنسان القديس هو قلب قد تخصص في محبة الله. وفى الهيكل كان (القدس) هو المكان المخصص لرفع البخور، ومائدة خبز الوجوه، والمنارة ذات السبعة سرج. أما (قدس الأقداس) فهو المكان المخصص تخصيصًا شديدًا لتابوت عهد الرب، ولا يدخل إليه إلا رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة، إنه المكان الذي يحل فيه الرب بمجده ويتراءى فوق غطاء التابوت بين الكروبين الذهب. القداسة هي التخصص في محبة الله، ولا نستطيع أن نفهم القداسة بعيدًا عن حب الله. هذه هي القداسة التي "بدونها لن يرى أحد الرب" (عب12: 14).. لأنه بدون محبة الله فوق كل شيء لا يمكن أن نحيا في شركة حقيقية معه. وحينما قال السيد المسيح: "لأجلهم أقدس أنا ذاتي" (يو17: 19)، فإنه في قوله هذا يختلف عن أي إنسان آخر.. لأن معناها أنه يخصص ذاته من أجل تلاميذه. مثلما قال: "أنا أضع نفسي عن الخراف" (يو10: 15). لقد تدرج السيد المسيح في إظهار تخصيص ذاته من أجل الكنيسة.. فقَبْل الصليب، خدم خدمة عجيبة تعب فيها كثيرًا من أجل الكرازة بالإنجيل.. وكان يقول عن نفسه إن "ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدم، بل ليخدِم، وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مت20: 28).. وفى الصليب، وصلت خدمته الباذلة إلى قمتها، لأنه "ليس لأحد حب أعظم من هذا، أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو15: 13). وحتى بعد القيامة خصص السيد المسيح أربعين يومًا ليمحو أحزان تلاميذه، ويبعث فيهم فرح ويقين القيامة.. وحينما صعد إلى السماوات فإنه يشفع أمام الآب لأجلنا "لنا شفيع عند الآب" (1يو2: 1) ورآه يوحنا في سفر الرؤيا في صورة "خروف قائم كأنه مذبوح" (رؤ5: 6). إن علاقة السيد المسيح بالكنيسة، هي علاقة لا تنقطع، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. فالمسيح هو الرأس والكنيسة هى جسده.. إنها علاقة حب عجيبة، هي علاقة عريس منشغل بعروسه المحبوبة.. يخصص نفسه لأجلها. ما أعجب اتضاعك أيها الرب يسوع المسيح، حيث تقول إنك تخصص ذاتك من أجل الكنيسة.. إنه الاتضاع الناشئ عن الحب.. فالمحبة تستطيع أن تفعل كل شيء. |
||||
13 - 03 - 2014, 04:23 PM | رقم المشاركة : ( 148 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
يكونون معي ما أعجب محبة السيد المسيح لتلاميذه!! إنها محبة لا توصف عبّر عنها القديس يوحنا الإنجيلي فقال: "إذ كان قد أحب خاصته.. أحبهم إلى المنتهى" (يو13: 1). وقال عنها القداس الغريغوري (ليس شيء من النطق يستطيع أن يحدَّ لجة محبتك للبشر). لم تكن خدمة السيد المسيح مجرد إرسالية أمر تكليف من الآب السماوي، أراد بها أن ينفذ مشيئة أبيه ويرضيه. بل هي في نفس الوقت علاقة حب بين السيد المسيح وتلاميذه. حقا إن الحب المتبادل بين الأقانيم هو حب أزلي لا يعبّر عنه. ولسبب هذا الحب ولسبب الطبيعة الواحدة الإلهية، فإن مشيئة الابن هي نفسها مشيئة الآب والروح القدس.. أي مشيئة إلهية واحدة في حرية المحبة غير الموصوفة. ولكن الحب الإلهي، ليس هو من النوع الذي يقتصر على الحب اللانهائي بين الأقانيم الثلاث ولكنه يشمل الخليقة أيضًا.. فالمحبة دائمًا تريد أن تعطى.. ولا تتوقف عن العطاء. شيء عجيب حقًا أن ينشغل السيد المسيح بتلاميذه بهذه الصورة في ليلة آلامه..!! إنه يطلب من أجلهم بحرارة في مناجاته مع الآب.. طلبات كثيرة.. حتى يصل إلى هذه الطلبة العجيبة: "أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا" (يو17: 24). إنه يطلب بحرارة ليكون تلاميذه معه في ملكوته الأبدي ليتمتعوا بأمجاد الأبدية السعيدة. الخادم الحقيقي إن شعار الخادم الروحي هو أنه لا يريد أن يدخل الملكوت وحده بدون مخدوميه.. محبته لهم تسعى لخيرهم.. لخلاصهم.. لسعادتهم.. لا يريد أن يفارقهم في الأبدية. حتى إن فارقهم هنا على الأرض لأجل أهداف سامية.. إلا أنه يفعل ذلك حرصًا على لقائه معهم في الملكوت السمائي. وهذا يشبه إلى حد ما قول معلمنا بولس الرسول لفليمون عن خادمه أنسيموس: "لأنه ربما لأجل هذا افترق عنك إلى ساعة لكي يكون لك إلى الأبد" (فل15). كذلك قول الرب لكنيسته المحبوبة: "لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك" (إش54: 7). وقد اضطر السيد المسيح أن يفارق تلاميذه بالجسد عندما ذهب إلى الصلب والقبر.. ولكنه قال لهم: "سأراكم أيضًا، فتفرح قلوبكم، ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو16: 22). وقد تم ذلك بالفعل عندما أراهم نفسه حيًا بعد قيامته من الأموات، ومكث معهم "أربعين يومًا، وهو يظهر لهم ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله" (انظر أع1: 3). وفارق السيد المسيح أيضًا تلاميذه بالجسد حينما صعد إلى السماوات أمام أعينهم، ولكنه كان قد سبق فقال لهم: "أنا أمضى لأعد لكم مكانًا. وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا. آتى أيضاً وآخذكم إلىّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يو14: 2، 3).. في مفارقته لهم دائمًا يعمل من أجلهم، ويمهّد لذلك اللقاء الأبدي الذي لا يعقبه فراق. هكذا فهم الشهداء والقديسون الفراق المؤقت لأحبائهم.. إنه فراق يعقبه لقاء في الأبدية، لا تفرقه الأحداث، والأيام، والأزمان، والدهور. بين بولس الرسول والسيد المسيح كان مشهدًا مؤثرًا قرب ساحل البحر في ميليتس، ذلك الوداع الذي أعقبه الفراق بين بولس الرسول ومخدوميه من قسوس الكنيسة في أفسس، إذ قال لهم: "والآن أستودعكم يا إخوتي لله ولكلمة نعمته القادرة أن تبنيكم وتعطيكم ميراثًا مع جميع المقدسين،ولما قال هذا جثا على ركبتيه مع جميعهم وصلَّى. وكان بكاء عظيم من الجميع ووقعوا على عنق بولس يقبلونه متوجعين، ولاسيما من الكلمة التي قالها أنهم لن يروا وجهه أيضًا. ثم شيّعوه إلى السفينة" (أع 20: 32، 36-38). كان لكل من مخدوميه في قلبه مكان ومكانة، وكان يذكرهم في صلواته في كل حين بأمانة.. متشبهًا بسيده المسيح. ولهذا قال في رسالته من السجن في رومية إلى أهل فيلبى: "أشكر إلهي عند كل ذكرى إياكم دائمًا في كل أدعيتي، مقدمًا الطلبة لأجل جميعكم بفرح.. لأني حافظكم في قلبي، في وثقي، وفي المحاماة عن الإنجيل وتثبيته؛ أنتم الذين جميعكم شركائي في النعمة. فإن الله شاهد لي كيف أشتاق إلى جميعكم في أحشاء يسوع المسيح" (فى1: 3، 4، 7، 8) إنه لا يصلى لأجلهم فقط لكنه مشتاق إلى رؤيتهم جميعًا في أحشاء يسوع المسيح.. هذه هي روح التلمذة الحقيقية، التي تتلمذ بها القديس بولس الرسول على سيده ومعلمه المسيح راعي الخراف العظيم. حقًا ما هذا الحب الكبير يا سيدنا المسيح..؟! نراك مشغولًا بخرافك.. تبذل نفسك عنهم.. وتعمل لخيرهم.. وقلبك الحاني يمتلئ بالشوق أن تراهم معك.. في أحضان محبتك.. على الدوام.. وإلى غير نهاية.. ترويهم من الحب.. وتغنيهم من الخير.. في المراعي الخضراء، وعلى مياه الراحة الأبدية. فما أمجد محبتك غير الموصوفة..!! |
||||
13 - 03 - 2014, 04:25 PM | رقم المشاركة : ( 149 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به " ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به" (يو 17: 26) حينما كتب القديس يوحنا الرسول الإنجيلي إن "الله محبة" (1يو4: 8، 16)، فإنه كان يقصد أن الله لا يمكن أن تخلو طبيعته من المحبة. بل إن طبيعة الله هي محبة، تمامًا كما إنها حق، وصلاح، وقوة، وحكمة.. المحبة هي في صميم جوهر وطبيعة الله منذ الأزل. ولهذا لا يمكن أن نتصور أن يوجد الآب بغير الابن والروح القدس. فالمحبة تستدعى وجود أكثر من أقنوم لتتبادل هذه الأقانيم المحبة فيما بينها. ولو كان الله الآب موجودًا في فردانية مطلقة منذ الأزل، لما أمكن أن نقول إن "الله محبة" (1يو4: 8، 16). فمحبة الله للخليقة بدأت فقط بعد خلقها، ولهذا لا يمكن أن تكون المحبة في طبيعة الله هي قاصرة على محبته للخليقة.. لأنه في هذه الحالة تكون المحبة مستحدثة في الله مع بداية وجود الخليقة. وهذا أمر غير صحيح ومستبعد تمامًا. ولأن المحبة تُمارَس بين الأقانيم الإلهية منذ الأزل، لهذا فوجود الابن والروح القدس مع الآب أزليًا هو شيء طبيعي، به تتحقق المحبة كصفة أساسية للجوهر الإلهي غير المنقسم. لهذا قال السيد المسيح في مناجاته للآب: "لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم" (يو17: 24). هذا الحب الكائن في الله هو أحد أسرار الحياة الإلهية التي لا يُعبّر عنها، لأنه لا معنى للحياة بغير الحب. عطية المحبة وقد أراد السيد المسيح أن ينقل إلى تلاميذه سعادة الملكوت وذلك بأن يسكب محبة الله في قلوبنا كقول معلمنا بولس الرسول: "لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا" (رو5: 5). والمقصود هنا هو عطية المحبة الممنوحة لنا من الثالوث القدوس بواسطة الروح القدس الذي يسكب فينا كل المواهب والعطايا الإلهية. فعطية الروح القدس هي عطية الآب وعطية الابن أيضًا. لهذا قال معلمنا يعقوب الرسولإن "كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق نازلة من عند أبى الأنوار الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران. شاء فولدنا بكلمة الحق لكي نكون باكورة من خلائقه" (يع1: 17، 18). فكل عطية صالحة هي من الآب بالابن في الروح القدس. ومن ضمن هذه العطايا الإلهية عطية المحبة التي هي من ثمار الروح القدس كقول الكتاب "وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف" (غل5: 22، 23). المحبة التي طلبها السيد المسيح لتلاميذه، ليست هي المحبة الطبيعية البشرية المجردة التي يستطيع سائر البشر أن يمارسوها،لأن "الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله" (1كو2: 14). المحبة البشرية الطبيعية هي محبة مرتبطة بالجسد، وإن تنوعت. ولكن هناك نوع آخر من المحبة الفائقة للطبيعة يمنحها الروح القدس للقديسين. هي محبة سامية لا تتأثر بالعوامل البشرية الطبيعية المجردة. بل هي فوق كل حدود الزمان والمكان والأحداث. هي من النوع الذي لا يسقط أبدًا. هي أقوى من الموت: كما قيل عن الشهداء "لم يحبوا حياتهم حتى الموت" (رؤ12: 11). وقيل عنها في سفر نشيد الأناشيد إن "المحبة قوية كالموت.. لهيبها لهيب نار لظى الرب. مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة والسيول لا تغمرها" (نش8: 6، 7). المحبة التي بحسب الجسد هي محبة زائلة. ولا يكون لها قيمة إن لم تتقدس بفعل الروح القدس لكي تأخذ بُعدًا أبديًا. وتبقى ذكراها المقدسة إلى الأبد. الروح القدس لا يلغى المحبة البشرية ولكنه يسمو بها، ويقدسها، ويرتفع بها بقدرته الفائقة ويصبغها بصبغته السمائية. ثمار الروح القدس هي التي تبقى وتدوم إلى الأبد. ومن ضمن هذه الثمار تلك المحبة الفائقة التي طلبها ثم وهبها السيد المسيح لتلاميذه. محبة الله ومحبة القريب المحبة التي يمنحها الروح القدس تتجه أساسًا نحو الله، ولكنها تتسع لتشمل الخليقة كلها. بمعنى أنها تشمل أيضًا الملائكة والبشر. فالوصية الإلهية الأولى هي محبة الله، والثانية مثلها هي محبة القريب وبهذا يكمل الناموس والأنبياء "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى. والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء" (مت22: 36-40). وقد أكّد القديس يوحنا الرسول أن المحبة لا تتجزأ، أي أن من يحب الله بالمحبة الفائقة الممنوحة من الروح القدس ويسعد بهذه المحبة، فإنه سوف يحب الإخوة بطريقة تلقائية لأن نفس العطية الإلهية تعمل في الحالتين، ولهذا قال: "نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الإخوة، ومن لا يحب أخاه يبقَ في الموت" (1يو3: 14). وقال أيضًا: "أيها الأحباء لنحب بعضنا بعضًا لأن المحبة هي من الله، وكل من يحب فقد وُلد من الله ويعرف الله. ومن لا يُحب لم يعرف الله لأن الله محبة" (1يو4: 7، 8). |
||||
13 - 03 - 2014, 04:26 PM | رقم المشاركة : ( 150 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
نقاش مع التلاميذ في الطريق في الطريق إلى جبل الزيتون، حيث بستان جثسيمانى، ابتدأ السيد المسيح يكشف لتلاميذه ما سوف يحيط بهم من ضعف بعد القبض عليه، وبداية آلامه ومحاكمته تمهيدًا لصلبه.. قال لهم: "كلكم تشكون فيَّ في هذه الليلة، لأنه مكتوب أني أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية" (مت26: 31). وهنا بدأ بطرس يعترض بثقة زائدة في النفس، ويستثنى نفسه من بين التلاميذ فقال: "وإن شك فيك الجميع، فأنا لا أشك أبدًا" (مت26: 33). لم يغضب السيد المسيح من اعتراض بطرس على كلامه، الذي بدا وكأنه لا يريد أن يصدق كلام الرب الذي لا يسقط أبدًا. فالسماء والأرض يزولان ولكن كلامه لا يزول (انظر مت24: 35). بل أجاب السيد المسيح في اتضاع وطول أناة مؤكدًا: "الحق أقول لك إنك في هذه الليلة قبل أن يصيح ديك تنكرني ثلاث مرات" (مت26: 34). في البداية: لم يرغب السيد المسيح أن يكلّم بطرس عن إنكاره بل تكلّم عن شك التلاميذ إجمالًا. لكن بطرس اعتبر نفسه متفوقًا في محبته للسيد المسيح على جميع التلاميذ وقال: "وإن شك فيك الجميع، فأنا لا أشك أبدًا" (مت26: 33). فاضطر السيد المسيح أن يكشف له ضعفه، وكيف أنه لن يشك فقط، بل سوف ينكره أيضًا.. لا مرة واحدة، بل ثلاث مرات!! لم يتراجع بطرس أمام كلمات الرب الواضحة.. بل استمر في اعتراضه -وكأن السيد المسيح لا يعرف ما سوف يكون- وقال: "ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك" (مت26: 35). العجيب أن كلام بطرس قد تسبب في أن باقي التلاميذ قد كرروا نفس الكلمات "هكذا قال أيضًا جميع التلاميذ" (مت26: 35). ربما يغضب أي معلم عادى من اعتراض أحد تلاميذه على كلام هو واثق منه كل الثقة.. ولكن السيد المسيح صمت ولم يغضب، حتى وإن بدا أن بطرس لا يريد تصديق كلامه.. وحتى إن اعترض هو وباقي التلاميذ على كلامه علانية. كان السيد المسيح يحب بطرس ويحب سائر التلاميذ، ويعرف ضعف البشر، وقد جاء ليحرر الذين قبلوه من ضعفهم، حاملًا خطاياهم محتملاً لجهالتهم.. لهذا اكتفى السيد المسيح بما قيل.. وترك لبطرس والتلاميذ أن يكتشفوا الحقيقة في أوانها.. ترك الباب مفتوحًا لبطرس لكي يخرج خارجا ويبكى بكاءً مرًا (انظر مت26: 75) حينما يكتشف صدق ما سبق وقاله السيد المسيح. لم يكن الوقت مناسبًا للغضب أو التأديب، لأن قلوب التلاميذ كانت قد تثقلت بأحزان الصليب. مبررات الاحتجاج ربما يحتج البعض بأن ما دفع بطرس والتلاميذ إلى الاعتراض على كلام السيد المسيح، هو رغبتهم في التعبير عن شدة محبتهم، وعدم تصورهم أن تصدر منهم هذه الأمور المخجلة. ولكن مهما كان الدافع.. فلم يكن من الصواب إطلاقاً، أن يعترضوا بشدة على ما يقوله السيد المسيح منبهًا إياهم بما سوف يحدث بروح اليقين. لم يحدث إطلاقاً أن أخبرهم السيد المسيح عن أمر ولم يتحقق. ولم يحدث إطلاقاً أن وعدهم بشيء ولم ينفذ وعده. أليس هو الذي قال عن موت لعازر: "لعازر حبيبنا قد نام. لكنى أذهب لأوقظه" (يو11: 11)،وقال أيضًا: "وأنا أفرح لأجلكم إني لم أكن هناك لتؤمنوا" (يو11: 15). وبالفعل ذهب إلى بيت عنيا وأقام لعازر بسلطان لاهوته من بعد موت لعازر بأربعة أيام.. لم يكن هناك عذر لبطرس ولباقي التلاميذ أن لا يصدقوا ما قاله السيد المسيح، وأن يعبّروا عن اعتراضهم علانية بهذه الصورة.. بل كان الأليق بهم أن يتأمل كل واحد منهم ضعفه.. وترن كلمات السيد المسيح في داخله، فيصرخ إلى الرب طالبًا المعونة لئلا تفنى التجربة إيمانه. |
||||
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
من كتاب مشتهى الأجيال: صعود المسيح |
من كتاب مشتهى الأجيال: من القدس إلى قدس الأقداس |
من كتاب مشتهى الأجيال: التجربة على الجبل |
من كتاب مشتهى الأجيال: مصير العالم يتأرجح |
من كتاب مشتهى الأجيال: يأس المخلص |