10 - 04 - 2014, 05:12 PM | رقم المشاركة : ( 141 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ش - تفسير سفر المزامير 21- ش سلام عظيم للذين يحبون اسمك[161 - 168] إذ يلتصق المرتل بخلاص الله، وينعم بالحياة الجديدة يُقاوم بلا سبب، لكنه لا يفقد سلامه العظيم ولا بهجة قلبه، لأنه لا يضع قلبه على المقاومات بل على وعود الله العظيمة بكونها غنائم كثيرة. 1. اضطهاده بلا سبب 161. 2. بهجته بالغنائم 162-163. 3. حالة فرح وتسبيح دائم 164. 4. تمتعه بالسلام 165-168. من وحي المزمور 119 (ش) 1. اضطهاده بلا سبب "الرؤساء اضطهدونى بلا سبب، من أقوالك جزع قلبي" [161]. إذ يصرخ المرتل: "الرؤساء اضطهدوني بلا سبب"، يكشف عما في داخله من مرارة، فقد كان يليق بهؤلاء الرؤساء أن يهتموا به وبغيره، لكن عوض الرعاية والحب قدموا اضطهادًا وكراهية، بلا سبب. إنه لا يطمع في مراكزهم ولا تمرَّد عليهم، ولا قاوم سلطانهم، لكن ربما شعروا أن برَّه يكشف عن شرهم، ونجاحه الروحي يدفعه إلى النجاح الزمني فيحتل مراكزهم. هكذا كانت مشاعر شاول الملك من نحوه. على أي الأحوال فإن نصيب المؤمنين هو الاضطهاد. فإنه إذ يلتصق المؤمن بالله لا يحتمله الأشرار. المؤمن يشتهي مع الرسول بولس أن يسالم إن أمكن جميع الناس، لكن ليس الكل يقبلون هذا السلام، لا لعلة إلا لأنهم لا يقبلون السيد المسيح الساكن فيه. إذ قاوم الرؤساء المرتل كمضطهدين ومقاومين وأعداء استخدموا بجانب السيف القانون نفسه، إذ حولوه ضد الحق، وتلاعبوا به لقتل المرتل، مقدمين تبريرات كثيرة. أما هو فلم ينشغل بهذه المقاومة، بل بأقوال الله التي تولد طاقات حب حتى نحو المقاومين. بهذا ينشغل المرتل بالعمل الإيجابي لا السلبي. إنه لا يجزع من الأشرار لكن من أقوال الله لئلا يخالف الوصية الإلهية. فإن سلطان الله أعظم من كل سلطانٍ بشريٍ. * تُوجه تجارب الشيطان بالأكثر ضد الذين تقدسوا، لأنه يشتاق بالأكثر أن ينال نصرة على الأبرار1. القديس هيلاري أسقف بواتييه * لا أخشى أعدائي، لكنني أجزع من الموت الذي تحكم به كلمتك. القديس البابا أثناسيوس * تصدر كلماتك من الحق، فهي صادقة ولا تخدع إنسانا، وفيها تُعلن الحياة للأبرار والعقوبة للأشرار. هذه أحكام بر الله الأبدية. القديس أغسطينوس * هل أضر المسيحيون ممالك الأرض مع أن ملكهم قد وعدهم بمملكة السماء؟! كيف؟ أقول كيف أضروا ممالك الأرض؟! هل منع ملكهم جنوده من أن يُقدموا الخدمة اللائقة بملوك الأرض؟ ألم يقل لليهود الذين كانوا ثائرين ليفتروا عليه: "أعطوا إذًا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله" مت21:22؟ ألم يدفع عن شخصه الجزية من فم سمكة (مت24:17-26)؟ عندما كان جند هذه المملكة يطلبون من السابق له (القديس يوحنا المعمدان) ما يجب أن يفعلوه لأجل خلاصهم الأبدي عوض أن يجيبهم: اخلعوا مناطقكم والقوا عنكم أسلحتكم واتركوا الملك لكي تثيروا حربًا من أجل الرب، أجاب: "لا تظلموا أحدًا ولا تشوا بأحدٍ واكتفوا بعلائفكم" لو14:3. ألم يقل أحد جنوده، صديقه المحبوب لديه جدًا (بولس) لزملائه الجنود إنهم إذ يتحدثون عن المسيح: "لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة"؟ رو1:13. ألم يأمر الكنيسة أن تُصلي حتى لأجل الملوك أنفسهم (1تي1:2،2)؟ إذن كيف يضاد المسيحيون الملوك؟ أي التزام عليهم من نحوهم لا يمارسوه؟ في أي الأمور لم يطع المسيحيون ملوك الأرض؟ لهذا يضطهد ملوك الأرض المسيحيين بلا سبب... ولكن انظر بماذا يكمل: "من قولك جزع قلبي" [161]. يقف قلبي مرتعبًا من هذه الكلمات: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد... "مت28:10. إني استخف بالإنسان الذي يضطهدني وأغلب الشيطان الذي يريد أن يغويني. القديس أغسطينوس * يمكن أن ينطق بهذه الكلمات على وجه الخصوص من دُعى للاستشهاد، يضطهده رؤساء هذا العالم وسلاطينه الذين أُوكِل إليهم الحكم على حياة الناس أو موتهم. هلم ننظر إلى الشهيد فإنه يشاهد مختلف أدوات التعذيب ولا يجزع منها، وإنما يتذكر أحكام الله ويجزع منها. فهو مشغول تمامًا بتذكر هذه الأحكام والعقوبات المعدة هناك لمن ينكر الله. يقول أيضًا: "الرؤساء اضطهدونى بلا سبب"، اضطهدونى ليس لأني سارق أو قاتل أو لأنني ارتكبت فعلًا ما يستحق اللوم، وإنما لأنني أمجدك أنت يا الله خالق الكون، ولأنني آمنت باسم ابنك الوحيد. لأجل هذا اُضطهدت، وفي هذا الاضطهاد أجزع، ليس بسببهم أو بسبب تهديداتهم، وإنما بسبب الخوف الذي أشعر به تجاه أحكامك. يليق بنا أن يكون لنا المخافة النابعة عن أقوال الله، فنرجع عن خطايانا، خاصة تلك التي تتمثل في إنكار ذاك الذي مات من أجلنا. من يتمسك بهذا يبتهج بأقوال الله [162]. العلامة أوريجينوس * الرؤساء الذين اضطهدوا داود هم شاول وأمثاله الذين اضطهدوه بلا سبب، أي بغير حق، وأما الذين يضطهدوننا نحن فهم رؤساء القوات الشريرة (إبليس وجنوده). وأما الجزع فنوعان: نوع يحدث من الغضب في النفس بلا سبب، وهذا يحدث عن ضعف الإيمان، ولذلك وبخ ربنا بطرس لما جزع عندما أراد أن يمشى على الماء، وقال له: يا قليل الإيمان لماذا شككت؟ وجزع ذو حسيه يحدث في قلب الإنسان وعقله، وهذا حميد. أنثيموس أسقف أورشليم 2. بهجته بالغنائم إن كانت مقاومة الرؤساء مرة، لكن انشغال قلب داود النبي بكلام الرب ولَّد فيه طاقات بهجة، إذ اكتشف ما تحويه من وعود وبركات سماوية. إذ كان قد جزع قلب المرتل من أقوال الله حمل مخافة الرب، إلا أن هذه المخافة الإلهية التي تحل في قلوبنا تعطى أيضًا بهجة، حاسبين كلمة الله كنزًا ثمينًا، لا يمكننا التفريط فيه. إنها ليست المخافة التي تطرح المحبة الكاملة إلى خارج (1يو 18:4)، بل من ذلك النوع الذي تغذيه المحبة. باسم كنيسة العهد الجديد يعلن المرتل بهجته بأقوال الله التي تسلمها من كنيسة العهد القديم كغنائمٍ كثيرة تقدم لنا المواعيد الإلهية والناموس والعهود والنبوات والرموز، هذه التي لم يدركها كثير من اليهود رافضوا الإيمان بالمخلص. يقول المرتل: "ابتهج أنا بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة" [162]. عوض الآنشغال باضطهاد الرؤساء ومقاومتهم ابتهجت نفس المرتل بوعود الله والغنائم التي اقتناها خلال كلمة الله. في كل معركة روحية ضد إبليس يخرج المؤمن غالبًا، حاملًا غنائم كثيرة. هي أعماق جديدة في الشركة مع الله وتمتع أكثر بثمار الروح القدس. ما أعظم الفرح الذي يملأ قلب الغالبين وهم يقتسمون الغنائم، وما أعظم فرح المؤمن الغالب عندما يكتشف نصيبه في وعود الله وغنى كنوزه. * إنه لأمر يستحق البحث أن نعرف لماذا يربط البهجة بالكلام "كمن وجد غنائم"؟ إن أخذنا في الاعتبار من هم الذين كان لهم كلام الله فيما مضى، وإذا فهمنا من هم الذين صار لهم هذا الكلام الآن، لأدركنا أننا نحن المسيحيين قد سلبنا (جردنا) اليهود، وذلك كقول السيد المسيح: "ملكوت الله يُنزع منكم ويعطي لأمة تعمل أثماره" مت43:21. كثيرة هي الغنائم، أي الأسفار المقدسة، هذه التي لا يمتلكها اليهود الآن، لأنهم لا يعرفون معناها. العلامة أوريجينوس يشكو العلامة أوريجينوس من بعض المسيحيين الذين يقاومونه لأنهم يصرون على التفسير الحرفي للكتاب المقدس، ويضطهدون المدافعين عن التفسير الروحي، قائلًا: [أصدقاء المعنى الحرفي يصرخون ضدي في افتراءٍ. إنهم يهاجمونني قائلين بأنه لا يوجد حق ما لم يستقر على الأرض. أما من جهتنا نحن (كعبيد لإسحق) فيلزمنا أن نفضل آبار المياه الجارية والينابيع الحية. لنهرب من مثل هؤلاء الرجال بحرفهم الذي لا يحمل الحق. لنترك لهم الأرض ما داموا يحبونها هكذا ولنبلغ نحن إلى السموات1.] * إذ أشار إلى الأعداء الذين يضطهدونه تحدث عن "الغنائم". يقول إن قتلتهم جميعًا وجمعت كل غنائمهم فلن ابتهج بها قدر ابتهاجى بقولك. الأب ثيؤدوريت * تؤخذ الغنائم من المنهزمين، فإذ يُغلب (الشيطان) تُنهب الغنائم منه، هذا الذي قيل عنه في الإنجيل: "إن لم يُربط القوي أولًا" مت29:12. وُجدت غنائم كثيرة نعجب منها: نرى احتمال الشهداء، فإنه حتى المضطهدين أنفسهم آمنوا، هؤلاء الذين خططوا لإيذاء ملكنا بإيذائهم جنوده. من يقف في جزع من كلمات الله يخشى لئلا ينهزم، فيفرح كغالبٍ بنفس هذه الكلمات. القديس أغسطينوس لئلا يُفهم من الغنائم أمورًا مادية أو سلبًا لحقوق الغير كغنائم الحرب، يكمل المرتل كلماته، قائلًا: "أبغضت الظلم ورذلته، أما ناموسك فأحببته" [163]. الحب والبغضة هما قائدا العواطف الإنسانية، إذا وُضعا في اتجاههما الصحيح أو تقدسا في حياة الإنسان تتحرك بقية العواطف كما ينبغي. هذا ما حدث مع داود النبي إذ أحب الله وكلمته وخليقته، وكره الشر والظلم وقوات الظلمة، أحب الحق وأبغض الكذب والباطل. * إنها كلمات إنسان صديق، لا يمتنع عن ارتكاب الظلم فحسب بل ويبغضه... يريد القول: إنهم يبغضوننى ويشمئزون مني، كأني فار ميت أو جثة إنسان، أو إنسان أبله، أما أنا فأبغض ما يستحق البغضة... أي الظلم. على نقيضهم لقد أحببت ناموسك، ولم أفهمه كما يفهمونه هم، فهم يستخدمونه في أمور أرضية ويهبطون به إلى حقائق العالم السفلي. فإن كنا قد قمنا مع المسيح فلنهتم بما هو فوق لا بما على الأرض (كو 1:3-2)، ونفهم الناموس بمعناه الروحي. القديس ديديموس الضرير * هذا الجزع من كلماته لا يخلق كراهية... بل يسند الحب فلا يكون قليلًا. فإن كلمات الله ليست إلا ناموس الله. حاشا أن يتحطم الحب بالخوف، مادام الخوف نقيًا. هكذا يخاف الابناء الودودين آباءهم ويحبونهم في نفس الوقت. وهكذا تخشى الزوجة العفيفة رجلها لئلا يتركها، وتحبه فتنعم بحبه. بالأكثر جدًا بالنسبة لأبينا الذي في السموات (مت9:6)، والعريس الأبرع جمالًا من بني البشر (مز2:14)، ليس حسب الجسد بل في الصلاح. لأنه بواسطة من يُحب ناموس الله إلا الذين يحبون الله؟ وأية شدة يقدمها ناموس الأب لابنائه الصالحين (عب6:12)؟ لنمدح إذًا أحكام الآب حتى عندما يجلد، مادامت وعوده بالمكافأة تكون محبوبة. القديس أغسطينوس 3. حالة فرح وتسبيح دائم لئلا يظن أحد الغنائم أمورًا زمنية يعلن المرتل انشغاله المستمر بالتسبيح لله وفرحه الدائم بعمل الله معه وأحكام عدله. "سبع مرات في النهار سبحتك على أحكام عدلك" [164]. بينما يجد البعض صعوبة في تكريس يومٍ واحدٍ للرب أو ساعات قليلة كل أسبوع للرب إذا بداود النبي يكرس وقتًا للتسبيح سبع مرات يوميًا، مقدمًا الشكر لله بغير انقطاع، في كل الظروف. وكما يقول القديس أغسطينوس: [رقم 7 بوجهٍ عام يُستخدم عن الشمول وكمال الشيء.1] * ماذا تعني إذن "سبع مرات سبحتك" إلا "إنني لن أكف عن التسبيح لك"؟ فإن من يقول "سبع مرات" يعني "كل الوقت"2. * القول "سبع مرات في النهار سبحتك" هو بعينه القول في مزمور آخر: "تسبحته دائمًا في فمي" مز1:34. يوجد سبب قوي لماذا سبع مرات تُوضع بمعنى "دائمًا"، لأن كل نظام الزمن يتحرك في دائرة منتظمة خلال سبع أيام تجيئ وتتكرر3. القديس أغسطينوس * هكذا تراه لا يكف عن التسبيح للًه. من هو هذا الذي يسبح أحكام الله عدة مرات (سبع مرات، مستخدمًا العدد المقدس الذي يشير إلى الراحة)، إلا الذي يبتهج بأحكام الله بكونها عادلة؟! العلامة أوريجينوس * الصديق المضيء يكون في نهارٍ دائمٍ طول حياته، نهار لا تقطعه ظلمة، وهو يسبح الله سبع مرات، لأنه صار مرتفعًا عن هذا العالم الذي خُلق في ستة أيام. عندما ابلغ فردوس الله، وأتأمل غاية الخلق وحكمة الله، اعترف أن أحكام الله عدل. القديس ديديموس الضرير * إننى أتذكر دائمًا الأحكام التي أمرت بها بعدلك، طاردًا الرؤساء (الشياطين) المتكبرين، ومخلصًا ضحايا الظلم. القديس أثناسيوس الرسولي * بالإضافة إلى هذه الخدمة نشترك بالتأكيد في هذه الاجتماعات الروحية سبع مرات في اليوم، ونظهر مسبحين الله فيها سبع مرات1. القديس يوحنا كاسيان * أُوصينا أن نوقر ونكرم نفس الواحد إذ اقتنعنا أنه الكلمة (اللوغوس) والمخلص والقائد، وبه (نكرم) الآب، لا في أيام خاصة مع آخرين، بل نفعل ذلك باستمرار في حياتنا وبكل وسيلة2. القديس إكليمنضس الإسكندري * إن كان النبي يقول: "سبع مرات في النهار سبحتك"، مع أنه كان مشغولًا بشئون مملكة، فكم ينبغي علينا نحن أن نفعل إذ نقرأ: "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة" مت41:263. القديس أمبروسيوس * لنسهر النهار والليل مثل داود الذي يشكر من أجل أحكام الله البارة سبع مرات في النهار [164] كما في نصف الليل 4. البابا أثناسيوس الرسولي * يُرد على الجيران الأشرار سبعة أضعاف (مز12:79)، ويتأسس بيت الحكمة على سبعة أعمدة (أم1:9)، ويتزين حجر زربابل بسبعة أعين (زك9:3)، ويُسبح الله سبع مرات في اليوم (مز164:119). مرة أخرى العاقر تلد سبعة، الرقم الكامل...5 القديس غريغوريوس النزينزي ومما يزيد هذه التسابيح المستمرة عذوبة انها تنبع عن قلب لا يرتبك بالضيق والاضطهادات، فإن تسبيحنا وسط الآلام أكثر عذوبة منه وسط الفرج. 4- تمتعه بالسلام "فليكن سلام عظيم للذين يحبون اسمك، وليس لهم شك" [165]. * الذين يبتغون اسم الرب لهم سلام عظيم، لا يقصد به السلام الخارجي (لأنه لا يتوقف علينا)، وإنما سلام الفكر الذي يصاحب غياب القلق والاضطراب... من لهم هذا السلام يحصلون في ذات الوقت على نعمة الله الآب والرب يسوع المسيح (رو 7:1، 1تى 2:1). إذ يكون لهم هذا السلام باسم الله وهم في سمو كامل، لذلك ليس لهم شك... من كان له السلام يرتفع إلى الدرجة التي فيها لا يمكنه أن يشك (يعثر) في شيء ما. "من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق؟!" رو 35:8. وأيضًا: "ولكننا في هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذي أحبنا، فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع" رو 37:8-39. العلامة أوريجينوس * هذا يعني أن الناموس نفسه ليس عثرة لمن يحبونه أو أنه لا توجد عثرة من أي مصدر للذين يحبون الناموس؟ المعنيان حق هما، لأن من يحب ناموس الله يكرم حتى ما لا يفهمه فيه، وما يبدو له غير معقولٍ، يحكم بالأحرى أنه لا يفهمه، وأنه يوجد معنى خفي، بهذا لا يكون ناموس الله عثرة بالنسبة له... * لكي تتفادي العثرات أي موضع تذهب إليه خلف العالم، ما لم تطر إلى الله الذي خلق العالم؟! وكيف يمكننا أن نطير إلى ذاك الذي خلق العالم ما لم نصغِ إلى ناموسه الذي يُكرز به في كل موضع؟ وأن تصغي إليه هذا أمر بسيط جدًا إذ نحبه1. القديس أغسطينوس * المسيح ربنا هو السلام... لنحفظ السلام، فيحفظنا السلام في المسيح يسوع2. القديس جيروم لم يقل "فليكن سلام عظيم للذين يتممون الوصية" بل "للذين يحبون اسمك"، فإنه لا يوجد من يتمم الوصية كما ينبغي، إنما من يحب اسم الله يجاهد دومًا لإتمام الوصية طالبًا عمل المخلص في حياته. يقول أيضًا: "ليس لهم شك (عثرة)" [165]؛ فإن من يتمتع بسلام الله الحقيقي النابع عن حبه لاسمه القدوس وجهاده لطاعة وصيته لا يتعثر قط بل يقول مع كافة المؤمنين الحقيقيين: "ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يحبون الله، الذين هم مدعوون حسب قصده" رو 28:8. أنهم لا يتعثرون بسبب الضيق أو الألم أو الظلم الذي يحل عليهم إذ هم واثقون في أحكام الله العادلة ومطمئنون لرعايته الفائقة، سلامهم نابع من أعماقهم وشركتهم مع الله، لا من الأحداث الخارجية. أخيرًا فإن سرّ سلام المرتل العظيم هو ترقبه للمخلص وتمتعه بعمله الخلاصي القادر أن يسنده فيحفظ الوصية الإلهية دون أن يكسرها، الأمر الذي لا يشك فيه قط ولا يعثره فيه أحد أو حدث ما. يربط المرتل بين التمتع بخلاص الرب المجاني والمثابرة على حفظ الوصايا الإلهية، مؤكدًا ذلك ثلاث مرات، ومعلنًا أن حفظها ينبع عن حبه العميق لها، إذ يقول: "توقعت خلاصك يا رب، ووصاياك حفظتها" [166]. "حفظت نفسي شهاداتك، وأحببتها جدًا" [167]. "حفظت وصاياك وشهاداتك، وكل طرقي أمامك يا رب" [168]. * إذ أترجى الخلاص الحقيقي القادم من عندك لا أحفظ وصاياك فحسب بل وأحبها. عندئذ أنفذ الوصايا بحب، وبهذا يتم الخلاص المنتظر. لم أحب وصاياك فحسب [166]، وإنما "حفظت نفسي شهاداتك وأحببتها جدًا". في البداية كنت أحب وصاياك وصية فأخرى... ثانيًا: حفظت نفسي شهاداتك. ثالثاُ: يجمع الاثنين معًا بقوله: "حفظت وصاياك وشهاداتك وكل طرقي أمامك يا رب... لن يقول الخاطئ: "كل طرقى أمامك"، لأن طرق الخاطئ ليست أمام الله، بل طريق الصديق. لكي تكون طرقنا كلها أمام الله... لنطلب من الله مصلين أثناء سيرنا في الطريق حتى النهاية، حتى نصل إلى الله أب الجميع في المسيح يسوع. العلامة أوريجينوس * ماذا ينفع أبرار العهد القديم إذ أحبوا وصايا الله ما لم يحررهم المسيح الذي هو خلاص الله، الذي بروحه يقدرون أن يحبوا وصايا الله؟ لذلك الذين أحبوا وصايا الله توقعوا خلاصه، فكم بالأكثر تكون هناك حاجة إلى يسوع الذي هو خلاص الله، لأجل خلاص الذين لم يحبوا وصاياه؟ هذه النبوة قد تناسب أيضًا قديسي فترة إعلان النعمة والكرازة بالإنجيل، فإن الذين يحبون وصايا الله يتطلعون إلى المسيح حياتنا عندما يظهر معهم في المجد. القديس أغسطينوس * حُفظت شهادات الله ولم تُجحد. هذا هو عمل الشهداء، لأن "الشهادات" دُعيت في اليونانية Martyria. وحيث أنه بدون محبة لا أنتفع شيئًا حتى إن احترقت بالنار (1 كو3:13). لذلك أضاف: "أحببتها جدًا" [167]... لأن من يحب يحفظ الوصايا في روح الحق والأمانة. القديس أغسطينوس إذ يركز على حفظ الوصايا يؤكد هنا الآتي: * توقعه خلاص الرب، أي رجاؤه في عمل الله الخلاصي، فحفظ الوصايا ليس مجهودًا بشريًا ذاتيًا بل هو عمل الله الخلاصي فيه. * لن يتمم حفظ الوصية بغير إرادته... "وصاياك حفظتها". لابد من التجاوب مع النعمة الإلهية. * ينبع حفظ الوصايا عن الحب الشديد لها. من وحي المزمور 119(ش) الرؤساء اضطهدوني بلا سبب! * اشتهي السلام مع كل أحد، لكن الرؤساء اضطهدوني لا لعلة إلا لسكناك فيّ. استخدموا كل وسيلة لمقاومتي. لا أخشاهم إنما أجزع من الموت الذي تحكم به كلمتك. إني استخف بالإنسان الذي يضطهدني، واستهين بالشيطان الذي يطلب هلاكي، لكنني أخشى إلهي الديان العادل! * إذ لا أخاف العدو بل أخشى كلماتك يا إلهي، فإن مخافتك تولد فيَّ بهجة، أرى في كلماتك غنائم لا تُقدر بثمن. مع كل معركة ضد إبليس أتمتع بنصرة، وأخرج حاملًا غنائم كثيرة...هي عطايا إلهية فائقة! * ظن إبليس أنه يحطم السيد المسيح بتحطيم مؤمنيه، فتحطم هو وفقد الكثيرين من تابعيه. آمن كثير من المضطهدين أنفسهم، وصاروا أعضاء في مملكة المسيح! * أتمتع بغنائم الفرح، فأسبحك سبع مرات في النهار. يصير ليلي نهارًا، ومتاعبي تسبيحًا لا ينقطع! وسط الضيق أبلغ فردوسك، وأنعم بحمدك الدائم! * مقاومة العدو لي تزيدني سلامًا، لأن سلامي العظيم لا ينبع من الخارج بل من الداخل. في مقاومة العدو أرى مخلصي في داخلي، يقترب إلى جدًا ويخلصني. يخفيني فيه فلا أكون طرفًا في المعركة. * مع كل معركة روحية أتوقع خلاصك، وأحب وصاياك جدًا وأتممها، وأرى طريقي ماثلة أمامك حتى أبلغ إلى حضن أبيك! * مع كل ضيقة وألم أتمتع بحب الوصايا جدًا. اتمتع بالحب فاحفظها بالحق وأمانة. ويبقى الحب رصيدي الدائم إلى الأبد! |
||||
10 - 04 - 2014, 05:14 PM | رقم المشاركة : ( 142 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ت - تفسير سفر المزامير 22 - ت علمني، أعني، ابحث عني![169-176] ختام المزمور مفرح، يكشف لنا عن غاية المزمور كله، وهو تهليل النفس بالرب معلمها، الذي يهبها الحياة والفهم والخلاص، ويقدم لها العون، ويعلن مبادرته بالحب نحوها. يختتم المرتل المزمور بسؤاله الرب أن يقود حياته، فهو واهب المعرفة، والحياة والفرح، والخلاص... لقد ازدادت صلواته قوة وغيرة، وكأنه قد دخل إلى الحضرة الإلهية، لكنه يشتهي الدخول إلى أعماق جديدة ليرى الرب وجهًا لوجه. لقد شعر بضعفه في حضرة الرب فسقط أمامه يتوسل إليه أن يرده كراعٍ يقبل الخروف الضال. يطلب منه أن يبحث عنه ويطلبه ولا ينتظر من المرتل أن يأتي إليه. إنه محتاج إلى مبادرة الرب -المعلم الإلهي الفريد -بالحب له. 1. الدنو من الرب معلمه 169-170. 2. فرح المرتل بمعلمه الإلهي 171-172. 3. الرب هو المخلص 173-174. 4. الرب هو المعين 175. 5. الرب المبادر بالحب 176. من وحي المزمور 119 (ت) 1. الدنو من الرب معلمه يرى العلامة أوريجينوس أنه قد جاء في سفر الخروج أن الله أمر موسى النبي أن يصعد على الجبل ومعه هرون وناداب وأبيهو وسبعون رجلًا من شيوخ بني إسرائيل فيسجدوا من بعيد، ويقترب موسى وحده قدام الرب، أما هم فلا يدنون معه، ولا يصعد الشعب معه (خر 1:24،2). هكذا قسمهم الله ثلاث فئات: أ. الفئة الأولى تضم موسى وحده، يصعد على الجبل ويدنو من الله. ب. الفئة الثانية تضم الأشخاص السابق ذكرهم، هؤلاء يصعدون مع موسى على الجبل لكنهم لا يدنون من الله. ج. الفئة الثالثة وهي الشعب، لا يصعدون على الجبل ولا يقتربون منه. وكأن المؤمن يلتزم بأن يرتفع في درجات الكمال للتأهل إلى الصعود على الجبل، بل والدنو من الرب، ليختبر شركة فريدة واتحادًا عجيبًا ورؤى وإعلانات. هذا ما اشتهاه المرتل في نهاية حديثه عن كلمة الله أو الوصية الإلهية، طالبًا من الله أن يرفعه إلى هذه الدرجة السامية من الكمال، قائلًا: "فلتدن وسيلتي قدامك يا رب، كقولك فهمني" [169]. من يقترب من الله إنما يقترب من شجرة الحياة؛ فقد اقترب آدم من شجرة معرفة الخير والشر فأخذ خبرة الشر. أما من يقترب من الله فيأكل من شجرة الحياة، وتصير له خبرة جديدة وهي معرفة الخير وإدراك النور الإلهي. يتمتع بالحياة المُقامة عوض الموت الذي حلّ به، ويتمتع بإشراقات الفهم عوض ظلمة الجهالة التي أحدقت به. حين يدنو المرتل بطلبته قدام الرب معلمه يتوسل إليه أن يسمح لها بالاقتراب منه، يُنصت إليها، ويهتم بها، ويرتضي بها، فإنه لا يقدمها لأحد غيره. يطلب أن يهبه الفهم والمعرفة، مشتاقًا أن يتمتع بحقه كعروسٍ روحية تدخل إلى حجال العريس السماوي، وتتمتع بأسراره الإلهية الخاصة، علامة الوحدة الفائقة. ليست له طلبات مادية، بل يطلب الفهم الروحي والحكمة السماوية. ربما يحكم عليه البشر أنه حكيم وصاحب فهم، لكنه يطلب حكم الله ليُحسب من المتعلمين من الرب. كما قيل: "كل بنيك تلاميذ الرب وسلام بنيكِ كثيرًا" إش 13:54؛ "إنه مكتوب في الأنبياء ويكون الجميع متعلمين من الله" يو 45:6. * ما لم يفتح المسيح عيوننا، كيف يمكننا أن نرى الأسرار العظيمة التي تحققت في الآباء (البطاركة) والتي رُمز إليها بالليالي والمواليد والزيجات...1 * نفهم معنى الناموس إن قام يسوع بقراءته لنا، وأوضح لنا معناه الروحي. ألا ترى بهذه الطريقة أمكن للقائلين: "ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا إذ كان يُكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب؟! أن يدركا المعنى؟2 * تعال أيها الرب يسوع مرة أخرى لكي تشرح هذه الأمور لي وللذين هم ههنا يبحثون عن القوت الروحي3. العلامة أوريجينوس يؤكد المرتل ذات الطلبة، قائلًا: "لتدخل طلبتي إلى حضرتك يا رب، ككلمتك أحيني" [170]. إنه يتشبه بإستير الملكة التي في جسارة الإيمان دخلت إلى حضرة الملك لتلمس قضيب ملكه الذهبي وتنعم بحنوه، فسألها أن يعطيها طلبتها إلي نصف المملكة، أي تشاركه أمجاده، فخلصت هي وشعبها. يطلب من الله أن تدخل طلبته إلى حضرته، فقد أدرك أنه توجد أحيانًا موانع تحرم طلبته من الدخول إلى حضرته، لذا فهو يطلب إزالة هذه العوائق مثل عدم نقاوة القلب وانشغاله بالزمنيات. كأنه يقول: "نقِ قلبي حتى أطلب ما يليق بي كابن لك، فتستجيب لطلبتي". يرى المرتل في كلمة الله سرّ حياته: "ككلمتك أحييني"، إذ كثيرون يعيشون في العالم لكنهم أموات، أما من يلتصق بكلمة الرب فيبقى حيَّا حتى وإن مات بالجسد. لا تُقاس حياة المؤمن بالسنوات التي يعيشها وهو بعد في الجسد، بل تصير حياته خالدة، لأنه ارتبط بالكلمة الأبدي. لقد مات القديسون بالجسد، لكنهم أحياء يسبحون الله، ويشفعون في البشرية، مشتهين خلاصهم الأبدي. 2. فرح المرتل بمعلمه الإلهي إذ يصير للمؤمن دالة أن يدخل بطلبته إلى عرش النعمة، ويلتقي بالمخلص عريس نفسه، معلمه الإلهي، فإنه يتدرب تلقائيًا على حياة التسبيح، أو حياة الفرح الداخلي، كحياة سماوية، قائلًا: "تفيض شفتاي السبح، إذا ما علمتني حقوقك" [171]. * إننا نعرف كيف يعلم الله أولئك الذين هم ودعاء الله. فإن الذين يسمعون من الآب ويتعلمون يأتون إلى ذاك الذي يبرر الفجار (يو 45:6؛ رو 5:4). لكي يحفظوا برّ الله ليس فقط في ذاكرتهم، بل في تنفيذهم للبرّ. هكذا من يفتخر، يفتخر لا في نفسه بل في الرب (1 كو 13:1)، ويفيض حمدًا. القديس أغسطينوس "ينطق لساني بأقوالك، لأن جميع وصاياك عادلة" [172]. لقد اشتهى أن يرتفع فوق كل الطلبات حتى الروحية لتتحول صلواته إلى تسابيح حمد لله، يشكر بفيض بلا انقطاع من أجل غنى نعمة الله الفائقة، وتتحول حياته إلى شركة مع السمائيين الذين يسبحون بلا انقطاع. أما موضوع تسبيحه فهو كلمات الله ووصاياه التي تُعلن عن عدله وبره. إنه يسبح الله بقلبه كما بشفتيه، يعبر عما في داخله بعبارات. تسبيحه لله يعينه على الشهادة للوصية فينطق لسانه بأقوال الله، ويكرز بها. هنا يعلمنا المرتل أن نركز في حديثنا عن الله على أقواله ووصاياه، لنؤكد مواعيده الثمينة، وعمل نعمته الفائقة. * عندما قال أنه يُعلن عن هذه الأمور صار خادمًا للكلمة. فإنه يكرز بالله الذي يعلم في الداخل؛ فإن "الإيمان بالخبر...، كيف يسمعون بلا كارز؟" (رو10:17،14). الله هو الذي يُنمي (1كو7:3)، فليس هناك حجة إننا لا نزرع ولا نسقي. القديس أغسطينوس 3. الرب هو المخلص إذ تمتع المرتل بروح التسبيح أدرك مفهوم الخلاص، لا كغفران لخطاياه فحسب، وإنما كتمتعٍ بالشركة مع الله في أمجاده، فقال: "لتكن يدك لخلاصي، لأنني اشتهيت وصاياك. اشتقت إلى خلاصك يا رب، وناموسك هو لهجي" [173-174]. * لكي لا أخاف، ليس فقط يبقى قلبي ثابتًا وإنما حتى لساني ينطق بكلماتك "اخترت وصاياك" كتمت خوفي بالحب. إذًا لتمتد يدك لتخلصني من يد الغير. هكذا خلص الله شهداءه عندما لم يسمح لنفوسهم بالقتل. فإنه "باطل هو خلاص الإنسان" مز11:60 في الجسد. أيضًا الكلمات "لتكن يدك" تُفهم بمعنى أن المسيح هو يد الله... بالتأكيد حين نقرأ الكلمات التالية: "اشتقت إلى خلاصك يا رب" [174]، فإنه حتى إن كان كل أعدائنا يمنعوننا من العمل، يعمل المسيح لحسابنا. لقد اعترف رجال العهد القديم الأبرار أنهم تاقوا إليه، تاقت الكنيسة إلى مجيئه من رحم أمه المحدود، والآن تتوق الكنيسة إلى مجيئه عن يمين أبيه. يضيف الكلمات: "وناموسك هو لهجي"، لأن الناموس يشهد للمسيح. * من لا يقدر أن يرى كيف يساعد دم المسيح الكنيسة؟ يا لعظم المحصول الذي يظهر في كل العالم من النور؟! * "ناموسك هو لهجي"... كم بالأكثر لا يكفيكم لنفعكم الروحي أن تسمعوا الدروس الإلهية في الكنيسة بل وأنتم بين أصحابكم في البيت يلزمكم أن تنشغلوا بالقراءة المقدسة لساعات طويلة بالليل حينما يكون النهار مقصرًا. هكذا يمكنكم في مخزن قلوبكم أن تُعدوا الحنطة الروحية وتخزنوا لآلئ الكتب المقدسة في مخزن نفوسكم. عندئذ إذ نأتي أمام كرسي الديان الأبدي في اليوم الأخير، كما يقول الرسول: "لا نوجد عراة بل لابسين". القديس أغسطينوس 4. الرب هو المعين تمتع المرتل بحياة التسبيح والمجد الداخلي مع الشهادة الحية لأقواله ومواعيده الإلهية، لم يشغله عن طلب عون الله ومساندة أحكامه الإلهية له، إذ يقول: " تحيا نفسي وتسبحك، وأحكامك تعينني" [175]. يطلب منه أن يهب نفسه الحياة ويحفظها من طريق الموت. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). ليطلب عمل روحه القدوس واهب الحياة، ومعطي الفرح والحكمة، بهذا تحيا نفسه وتسبحه وينعم بمعونة أحكامه. * إننا في حاجة إلى عون وإلى مساندة إلهية لكي نحفظ الحق إلى الأبد، ولكي لا يتردد فمنا بين الحق والكذب. من كان عنده الحق يطلب أن يحفظ الوصايا أو السلوك، مادام يحفظ أحكام الله في ذاكرته وقت الضيق. أعرف تمامًا أنني إن تطهرت من كل رأي خاطئ احفظ شريعتك دائمًا وإلى الأبد دون عائق. يوسابيوس القيصري 5. الرب المبادر بالحب أخيرًا في ختام مزمور الوصية الإلهية، إذ اختبرها كحياةٍ أبدية ونورٍ أبدي لسبيله، لها عذوبتها الخاصة وأمجادها، لم ينتفخ في كبرياء، وإنما في تواضع تطلع إلى نفسه كخروفٍ ضالٍ عاجز عن العودة بنفسه إلى الكلمة الإلهي، يطلب مبادرته بالحب ليجتذبه إليه، قائلًا: "ضللت مثل الخروف الضال، فأطلب عبدك فإني لوصاياك لم أنسَ. هللويا" [176]. يختم المرتل المزمور بالاعتراف بالضعف مع الثقة في حب الراعي الإلهي الذي يحملنا على منكبيه. مهما كانت حياة المؤمن يشعر انه ضال عن تطبيق وصايا الله كما يليق، وعن التمتع بخبرة السماء. يمكنه أن يبرر نفسه في حضرة خصومه ومقاوميه، لكنه إذ يوجد في حضرة الله يعترف بضعفاته الماضية والحاضرة، حاسبًا نفسه كخروفٍ ضالٍ عن مرعاه، يحتاج إلى الراعي الصالح لكي يرده إلى المرعى الروحي. إنه يحمل حنينًا صادقًا نحو الأحضان الإلهية. * لقد ضللت كخروفٍ ضالٍ، لكن على منكبي راعيي الذي يبنيكم، أترجي أن أعود إليكم1. القديس أغسطينوس يتحدث القديس جيروم عن الكنيسة كأم تطلب الخروف الضال ليرجع إلى حظيرة الراعي فيقول في إحدى رسائله: [بينما أنت تتجول في مدينتك الذاتية، مع أنه بالحق لم يعد لك مدينة إذ فقدت مالك، تشفع فيك في المناطق المقدسة التي تشهد لميلاد ربنا ومخلصنا وصلبه وقيامته... تسحبك إليها بصلواتها لكي تخلص، إن لم يكن بواسطة أعمالك فعلى أي الأحوال بإيمانها...2] يجيب المرتل على التساؤل: من الذي يقترب نحو الآخر، الله أم الإنسان؟ الإنسان في ضعفه لا يقدر أن يقترب من الله، لأنه نار آكلة؟ والله قدوس. كيف يلتصق الخاطي بالقدوس؟! لقد اقترب كلمة الله فعلًا نحو الإنسان، وبادره بالحب، إذ حلَّ بيننا وصار كواحدٍ منا، وقدم دمه الثمين لمصالحتنا مع الآب. الآن انفتح لنا باب اللقاء، لكي نرد الاقتراب بالاقتراب، والحب بالحب. على أي الأحوال إذ يشعر الإنسان بالضعف يصرخ: "أطلب عبدك"... كما طلب زكا العشار الذي لم يكن ممكنًا له أن يقترب إليه، لكنه بذل كل الجهد، معلنًا صدق رغبتة في اللقاء معه. من وحي المزمور 119(ت) أتهلل بك يا مهذب نفسي! * تقترب نفسي إليك لأنك مهذبهًا. لترتفع مع موسي على الجبل، ولتدرك النور الإلهي فتمتلئ بهاء بك! تشرق عليها بنور الفهم وتبدد ظلمة جهالتها! تتقدم إليها أيها العريس لتحملها إلى حجالك السماوي. هناك تختبر وحدة أعمق، وتدرك أسرارك الفائقة! * افتح أيها المخلص عيني نفسي، تراك وتتمتع بأسرارك العظيمة، وتفهم ناموسك ووصاياك. لتقرأ لها كلمتك، وتلهب قلبها، موضحًا لها كتبك. * لتدخل نفسي إلى حضرة معلمها السماوي، فتمد لها قضيب ملكك الذهبي، وتسألها عن طلبتها، تطلب منك حياتها وحياة كل شعبك . احسبها إستير الثانية الجريئة بالإيمان العامل بالمحبة! * لترتفع نفسي بروحك القدوس إلى عرش نعمتك، هناك تفيض شفتاها بالتسبيح والشكر. * اشتاقت كنيسة العهد القديم إلى مجيئك متجسدًا، وتشتاق كنيسة العهد الجديد إلى مجيئك في مجدك، ناموسك يلهب شوقي إليك، لذا الهج فيه بلا انقطاع لألهج في ناموسك وسط الجماعة المقدسة، وانشغل به في بيتي لساعات طويلة. ليشغلني وسط النهار، ولأتاملة في نصف الليل! لتمتلئ مخازن قلبي من حنطة كتابك ولآلئ ناموسك * أخيرًا أعترف لك بخطاياي,. أنت راعيّ الصالح، تبحث عني أنا الخروف الضال. تبحث عني لأني أعجز عن المجئ إليك. تحملني على منكبيك، وتقدم لي وصاياك فلا أنساها بعد! |
||||
10 - 04 - 2014, 05:20 PM | رقم المشاركة : ( 143 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 120 (119 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير جلسة سماوية في كل أمسية مقدمة مقدمة في مزامير المصاعد: مزمور 120- مزمور 134 أصل مزامير المصاعد المعنى الروحي مزامير المصاعد وأسفار موسى الخمسة المجموعة الأولى: الشعور بالحاجة إلى المخلص المجموعة الثانية: المخلص المحرر المجموعة الثالثة: المخلص المُقّدس، كلمة الله الذبيح والكاهن السماوي المجموعة الرابعة: الصلب مع المخلص المجموعة الخامسة: المخلص الإلهي الصديق أولًا: ترتيب مزامير المصاعد عند القديس جيروم ثانيًا: ترتيب مزامير المصاعد عند القديس أغسطينوس ثالثًا: مزامير المصاعد عند القديس يوحنا الذهبي الفم من أقوال الآباء عن مزامير المصاعد طبيعتها نظرة شاملة لمزامير المصاعد (120-134) سلم للصعود من القبر والفساد إلى الأحضان الإلهية 1 سلم للصعود من القبر والفساد إلى الأحضان الإلهية من وحي مزامير المصاعد صلاة: بين مزامير المصاعد وأسفار موسى تمثل مزامير المصاعد (120-134) صدر المزامير في تسبحتي الغروب والنوم. غايتها أن يقف المؤمن مع نهاية كل يوم يعيد تقييم حياته، ليتعرف إن كان في الطريق لم ينحرف شمالًا ولا يمينًا. ما هذا الطريق إلا انطلاق الإنسان كل يوم صاعدًا كما على سلم يعقوب مرتفعًا من مجدٍ إلى مجدٍ، متمتعًا بقوةٍ فوق قوةٍ. حياتنا رحلة صعود للنفس تنطلق من وادي البكاء إلى أورشليم العليا. هكذا مع نهاية اليوم نشعر أننا في حضن إلهنا يصعد بنا إلى بيتنا الأبدي، عيوننا طول النهار تتركز على مخلصنا الذي يفتح أحضانه لنا، ويشتاق إلى تمتعنا بشركة أمجاده. مقدمة في مزامير المصاعد مزمور 120- مزمور 134 استُخدمت كلمة "مصاعد" في صعود الملائكة على السلم الذي رآه يعقوب، وفي صعود موسى وهرون على جبل الله[1]. يرى البعض أن كلمة مصاعد تشير إلى التغنِّي بهذه المزامير بصوتٍ مرتفع. وآخرون يرون أنها مزامير تصدر عن نفوس متهللة مرتفعة نحو السماويات. يرى أيضًا البعض أنه كان يوجد مكان بجوار المذبح حيث يُقام فيه منبر، ويَصعد عليه الكهنة خلال درجات وهم يسبحون بهذه المزامير. أصل مزامير المصاعد 1. قيل إن حزقيا الملك الذي شُفي في بهجته بعمل الله العجيب معه نظَّم عشرة مزامير ليقارنها بعشرة درجات دوران الشمس، العلامة التي قدمها إشعياء النبي إليه بأن الرب يشفيه (2 مل 20: 8-10؛ إش 38). أضيف إليها أربعة مزامير كتبها داود النبي ومزمور كتبه سليمان الحكيم، ليصير المجموع خمسة عشر مزمورًا تقابل الخمس عشرة سنة التي أضافها الرب لحياة حزقيا[2]. 2. يقول الأب أنسيمُس الأورشليمي أن هذه الأناشيد أو التسابيح دُعيَت "تسابيح الدرج"، لأن العبرانيين كانوا يترنمون بها عندما عُتقوا من أسر بابل وصاروا يصعدون إلى أورشليم التي هي أعلى مكانًا من بابل القائمة في الهبوط. 3. يرى البعض أن هذه المزامير سُميت مزامير المصاعد أو المزامير الدرجية، لأنها كانت تنُشد بواسطة الكهنة عند صعودهم درجات الهيكل الخمس عشرة كل عام أثناء عيد المظال. (سبع درجات تؤدي إلى الدار الخارجية، وثماني درجات إلى الدار الداخلية). كما قيل إن فرق التسبيح المكونة من اللاويين كانت تقف على كل درجة لترنم أحد هذه المزامير كجزءٍ من الخدمة الدينية. 4. كان القادمون إلى أورشليم للاحتفال بالأعياد الثلاثة السنوية الكبرى ينشدونها وهم في طريقهم صاعدين إلى الهيكل في أورشليم، خصوصًا القادمون من الشتات البعيدة[3]. * إنكم تسألون: لماذا دُعيت هكذا؟ حسب التفسير التاريخي، تخبرنا (هذه المزامير) عن العودة من بابل، وتشير إلى السبي هناك. وبحسب التفسير الروحي تقود إلى طريق الفضيلة، كما يفسرها البعض. ها أنتم ترون الطريق الذي تقود إليه يشبه درجات، تقود إنسان الفضيلة وصاحب القيم الصادقة، وتدخل به إلى السماء عينها... يرى آخرون أنها تشير إلى سلم يعقوب، الذي أعلن له عن بلوغ السماء. إنه يؤكد أنه يمكن بلوغ السماء التي لا يمكن بلوغها والمصاعد إليها، ما أن توضع الدرجات والسلم في موضعها. ولما كان من المستحيل بالنسبة للصاعدين عندما يبلغون نحو القمة أن يتجنبوا الشعور بدوارٍ، فإنهم في حاجة ليس فقط أن يتسلقوا، وإنما أيضًا أن يحذروا حتى يبلغوا القمة. الآن، إذ نكون في حذر كهذا، فلكي لا نفقد اتزاننا عندما نرى إلى أي مدى قد بلغنا، يلزمنا ملاحظة ماذا تبقَّى لنا كي نتسلقه، ونركز على هذه النقطة. لقد أشار بولس إلى هذا قائلًا: "أنسى ما هو وراء، وأمتد إلى ما هو قدام" (في 3: 13). القديس يوحنا الذهبي الفم المعنى الروحي يتطلع كثير من الآباء إلى هذه المزامير أو التسابيح بكونها السلم الروحي، الذي تصعد خلاله النفس في الإلهيات، من مرحلة إلى أخرى. تنطلق نحو حضن الآب وتستقر فيه، ترتفع من مجدٍ إلى مجدٍ." إنها تصعد من أرض الغربة، وتتجه نحو أورشليم العليا، وفي رحلتها هذه تتعرض لمعارك روحية من الداخل والخارج، لكنها تتمتع بنصرات تهبها روح الفرح بالرب، حيث يقدم المؤمن تسبيحًا لله مُوحى به ويمارس حياة تعبدية. يحيا المؤمن في تسبيحٍ دائمٍ، حتى يبلغ بيته الأبدي، الأحضان الإلهية. * أنتم تعرفون أيها الأعزاء الأحباء أن أغنية المصاعد هي أغنية صعودنا، وأن هذا الصعود لا يتحقق بأقدام الجسد بل مشاعر القلب[4]. * تُعلمنا المزامير التي تُدعى "مزامير المصاعد" كيف نصعد ونتقدم في سيرنا مع الله. يدعونا المرتل بالروح القدس أن نصعد بالقلب، أي أن نزداد في الرغبة المقدسة الحقيقية، الأمر الذي هو أعظم من البحث عن "المشاعر الروحية". نبدأ بالإيمان. ونؤمن في حقيقة عالم الله غير المنظور، وأسس ملكوته الثابت. هذا يلهب فينا رجاءً حيًا بأننا أبناء الملكوت. هذا بدوره يجعلنا نسكب حب الله على الغير. هذا يُزيد رغبتنا لخبرة حضور الله الأبدي الآن، كما في الحياة العتيدة، التي بلا نهاية. هذا هو ما يعنيه أننا نصعد. أتحدث إليكم من هذا الكتاب (المزامير) لأنكم تفزعون عندما يُقرأ عليكم تحذير ورد في الإنجيل... إنكم تقرأون أن الرب يأتي مثل لصٍ في الليل. كما يقول يسوع في مثال: "إن كان رب البيت يعرف في أيَّة ساعة بالليل يأتي اللص، لسهر ولا يدع بيته يُنقب، هكذا أنتم أيضًا كونوا مستعدين" (مت ٢٤: ٤٣-٤٤). في فزعكم وخوفكم تفكرون: "كيف يهيئ الإنسان نفسه إن كانت الساعة تأتي كلصٍ؟ هل هذا عدل؟ أبدأ فأقول لكم هذا، لأنكم لا تعرفون ساعة مجيئه، لذا تسعون في الإيمان على الدوام. ربما يخطط الله بهذه الطريقة، جاعلًا إيَّانا نجهل ساعة مجيئه حتى نتهيأ في كل لحظة لاستقباله. الطريقة التي بها يتطلع العبد إلى يد سيِّده. ستكون هذه الساعة موضع دهشة للذين يحسبون أنفسهم "أرباب بيوتهم"، الأمر الذي به يعني الذين هم في كبرياء يدبرون أمورهم دون اختبار لإرادة سيِّدهم الحقيقي. لذلك لا تكن سيِّدًا بهذه الطريقة الباطلة، فلا تدهش ولا تفزع. تسألني: فبماذا أتشبَّه إذن؟ أقول: تشبَّه بذاك الذي سمعت عنه من المرتل الصارخ: "فقير أنا وحزين" (مز ٦٣: ٣٠ Douay). إن رأيت أنك دومًا فقير وحزين في الروح (مت ٥: ٣)، فإن عينيك تكون دومًا على الرب، وتنال رحمة من تعبك وراحة وقوة مستمرة. * لا سبيل للنجاة بالرجوع إلى الوراء إلاَّ بالاجتهاد الدائم في الارتقاء والتقدم إلى الأمام. لأنه حينما نقف في جرينا نرتد إلى الوراء. فعدم التقدم يعني التقهقر. فإن أردنا ألاَّ نرجع إلى الوراء، يلزمنا أن نسرع راكضين على الدوام بلا راحة. * الدرجات إما للصعود أو النزول. لكن الدرجات كما هي مستخدمة في هذا المزمور هي للصعود... يوجد من يصعدون على ذاك السلم، والذين ينزلون (تك 28: 12). من الذين يصعدون؟ أولئك الذين يتقدمون نحو فهم الأمور الروحية. من الذين ينزلون؟ أولئك الذين بعدما أدركوا الروحيات قدر ما يستطيعون كبشرٍ، إلا أنهم ينزلون كأطفالٍ. إذ تُقال لهم هذه الأمور بعدما ينتعشون باللبن يتهيأون للطعام الروحي القوي. القديس أغسطينوس * "مغبوط هو الإنسان الذي أعد ّمطالع في قلبه". البار لا يوجد في قلبه إلاَّ مطالع ومصاعد. وأما الخاطئ فلا يوجد في قلبه إلاَّ انحدار وانخفاض. فالبار يتجه نظره دائمًا إلى الأمور الأسمى ارتفاعًا في الفضيلة. ولا يرغب سوى أن ينمو في الكمال غير مفتكرٍ في شيءٍ آخر. وكما قال الحكيم: "أفكار المجتهد إنما هي للخصب" (أم 5:21). * إن الابتداء لا يُعتبر في المسيحيَّة بل الانتهاء فقط. فقد ابتدأ بولس الرسول بداية رديئة وانتهى نهاية محمودة. ويهوذا بعكس ذلك ابتدأ حسنًا وانتهى بالشر، فما الذي ربحه من تلمذته للسيِّد المسيح والعجائب التي اِجترعها؟! ومَّا الذي تربحه أنت من ابتدائك بالصلاح إذا انتهيْت انتهاءً شقيًا. إن الأكاليل تعطى بحسب النهاية لا البداية كقوله: "من يصبر إلى المنتهى يخلُص" (مت ٢٤: ١٢). فإن تلك السُلَّم التي رآها يعقوب لم يكن الرب جالسًا في أوِّلها أو في وسطها، بل كان واقفًا في آخرها (تك 28). * "طوبى للجياع والعطاش إلى البرّ، لأنهم يشبعون" (مت 6:5). الطوبى هي للذين لم يحسبوا أنفسهم كاملين بما فيه الكفاية، إنما لا يزالون مجتهدين في اكتساب كمال الفضيلة. القديس إيرونيموس وكما أن الذي يزرع الشجرة لا يجني الثمرة في الحال، كذلك الأمور الروحية فيها حكمة ودقة عظيمة، فإن الإنسان ينمو درجة فدرجة ويعلو إلى قامة تامة (أف 13:4). القديس مقاريوس الكبير مزامير المصاعد وأسفار موسى الخمسة يرى بعض الدارسين أن هذه المزامير قد صيغت في خمس مجاميع، كل مجموعة تضم ثلاثة مزامير: المجموعة الأولى: الشعور بالحاجة إلى المخلص مزامير 120-122 تمثل سفر التكوين: فالإنسان الصالح يعاني من الضيق بسبب لسان الأشرار المخادع (120)، وهو في حاجة إلي اللوغوس، كلمة الله المخلص (121) ليعيده إلى الفرح السماوي (122). وفي سفر التكوين خُلق الإنسان على صورة الله، لكنه سقط بخداع الشيطان المخادع بلسانه الغاش في حواره مع حواء. فوهبه الله الوعد الأول بإصلاحه وتمتعه بالنصرة خلال نسل المرأة (تك3: 15)، وهو كلمة الله المتجسد الذي يجدد طبيعتنا ويرفعنا إلى السماء، فنسترد حياة الفرح الحقيقي. الدرجة الأولى (مز 120): إدراك أنالله وحده قادر أن يخلص. بدء الطريق هو التعرف على حقيقة الموقف، إننا في ضيق بل وفي حالة موتٍ وفسادٍ، نحتاج إلى المخلص الإلهي، يقيمنا من الموت ويجدد طبيعتنا الفاسدة. في وسط الضيق الذي دبت جذوره في الداخل، وأحاط به من الخارج، شعر المرتل أنه لا علاج للموقف إلا بمخلص يحمل روح الأبوَّة مع القدرة على الخلاص، وتقديم السلام الحقيقي. يمكننا أن ندعو هذه الدرجة "الشعور بالحاجة إلى مخلص!" إنه يقابل سفر التكوين الذي بدأ بالخليقة الجميلة، وتقديم كل إمكانية لآدم وحواء ليعيشا سفيرَيْن لله، ووكيلين للسماء، وأُعطيت لهما إمكانية الحياة الخالدة إن التصقا بالرب، وأعلنا محبتهما له بقبول وصيته السهلة، لكن سرعان ما دب الموت فيهما وفي نسلهما! الدرجة الثانية (مز 121): الله هو المعين والحافظ. مادامت المعركة هي في حقيقتها بين الله وإبليس، فما علينا إلا أن نختبئ في المخلص الفريد. نشعر بالحاجة إلى رفع العينين إلى الله المخلص، لا إلى الناس. قال الجواسيس: "الشعب الساكن في الأرض معتز، والمدن حصينة عظيمة جدًا. وأيضًا قد رأينا بني عناق هناك" (عد 13: 28). "ارفعوا إلى العلاء عيونكم وانظروا من خلق هذه" (إش 40: 26). ينزل إلينا من السماء، نقبله في حياتنا، ونصعد فيه كما على جبالٍ مقدسة. هو وحده يحفظ أرجلنا من الزلل، يحفظنا في النهار كما بالليل، ويحوِّط بنا في دخولنا وخروجنا، حتى يعبر بنا إلى الأبدية. هذا هو الإعداد للخلاص: الالتصاق بالمخلص الفريد، المعين والحارس لنا! الدرجة الثالثة (مز 122): بالتجائنا إلى المخلص الفريد لا نعود نركز أنظارنا على الضيق، بل على وعود الله الأمينة فتتهلل نفوسنا. الفرح هو طريق العبور إلى بيت الرب الأبدي. [مزج الفرح بالتسبيح والصلاة.] هذا هو سرّ قوتنا الروحية، وغلبتنا على إبليس وكل قواته. إنه يدخل بنا إلى بيته السماوي الأبدي، حيث لا موضع للضيق والألم، ولا مكان للموت، بل فرح وتهليل لا ينقطع. إن كان سفر التكوين قد انتهى بطلبة يوسف من إخوته، سائلًا إياهم أن يُصعدوا عظامه معهم حين يفتقدهم الرب ويخرجهم من مصر، ويعبرون إلى كنعان. فإن هذا المزمور الذي يمثل نهاية سفر التكوين يعلن النصرة على الموت، والانطلاق من هذا العالم الحاضر إلى أبدية مجيدة في كنعان السماوية. يبدأ السفر بجنة عدن المفقودة، وينتهي بوصية يوسف بنقل عظامه معهم إلى مصر. المجموعة الثانية: المخلص المحرر مزامير 123-125 تمثل فترة الخروج. المزامير الثلاثة السابقة تقابل سفر التكوين حيث نسترد الفردوس السماوي عوض جنة عدن المفقودة. أما الثلاثة مزامير التالية (124-126) فتقابل سفر الخروج. الله هو الملك الحقيقي الجالس على العرش في السماوات، له القدرة وحده على خلاص عبيده (123). يريد العدو أن يبتلع عبيد الرب وهم أحياء (124)، لكن الله يحرر المؤمنين به (125). وفي سفر الخروج يخلص الملك الحقيقي خاصته من عبودية فرعون الذي كان جيشه أشبه بسيلٍ جارفٍ، لكنهم هم اُبتلعوا في البحر الأحمر، أما المؤمنون فخلصوا. الدرجة الرابعة (مز 123):التحرر من عبودية إبليس، يبدأ الخروج بقبولنا العبودية المفرحة للرب، التي تحمل تحررًا من عبودية إبليس المملوءة هوانًا. لا يطيق العالم عبور النفس إلى السماء. الطريق ضيق وكرب. لا تنظر إلى الأعداء، بل إلى ساكن السماء، فإن يده قديرة. الدرجة الخامسة (مز 124): إبليس المقاوم يود أن يفترسنا، لكن الله في جانبنا، فلا يقدر إبليس أن يفترسنا أو يخدعنا. مسيحنا بصليبه وموته وقيامته وصعودنا رفعنا فوق الفخاخ. صرنا به كطيرٍ له جناحا الإيمان والحياة في السماويات. بالمسيح صرنا كالعصفور الطائر بجناحي الإيمان والحياة السماوية. الله يحررنا ويخلصنا من كل مقاومة إبليس، سواء بغضبه كزلزال لا يقدر أحد على مواجهته، أو طوفان يجتاح بسيوله دون مقاومة، أو الافتراس كأسد زائر، أو نصب الشباك الخفية والفخاخ! الدرجة السادسة (مز 125): المسكن الأبدي، إذ يقابل هذا المزمور نهاية سفر الخروج، حيث اهتم موسى بإقامة خيمة الاجتماع وأثاثاتها. كالمثال الذي أظهره الله له، أي كظلٍ للسماويات، فإن المرتل يرى في تدخل الله كمخلصٍ، ينقذ شعبه من تجارب العدو ومعاركه، ويدخل بهم إلى المسكن الأبدي، صهيون السماوية، أورشليم العليا، حيث لا مكان لعدو الخير وقواته الشريرة فيها. يفرز أولاد الله، لينعموا بشركة الأمجاد الأبدية، ويُطرد الأشرار خارج المسكن الأبدي السماوي. مسكننا الأبدي يحثنا على الاتكال على مخلصنا وتمتعنا بالقداسة فيه. ليس من أمان لنا إلا في حضن مخلصنا الساكن في السماء، يرفعنا إليه. الدخول إلى المسكن الأبدي يتحقق بالاتكال على الله مخلصنا، وإلى تمتعنا بالحياة المقدسة فيه. المجموعة الثالثة: المخلص المُقّدس، كلمة الله الذبيح والكاهن السماوي تمثل المزامير 126-128 فترة اللاويين، إذ تكشف هذه المزامير عن عمل الله في المتعبدين الحقيقيين، حيث يتمتعون بالفرح العظيم (126)، وسكناه في وسطهم بكونهم مقْدِسه الخاص (127)، وتتحقق الوحدة القائمة على الإيمان (128). إنها تحقق ما ورد في سفر اللاويين كسفر العبادة والقداسة بالله القدوس. الدرجة السابعة ( مز 126): هذا المزمور هو بدء المجموعة الثالثة من مزامير المصاعد، وهي تمثل اللاويين، سفر القداسة حيث يُقال: "كونوا لي قديسين كما أنا قدوس" (لا). وهو سفر العبادة المقدسة التي جوهرها الفرح في الرب، أو التمتع بالفرح السماوي. يقيم منا أنهارًا مملوءة بالنعمة. "من ملئه نحن جميعًا أخذنا" (يو 1: 16). النهر العظيم الذي يفرح مدينة الله يقيم منا أنهارًا حيَّة مملوءة من فيض نعمته. والغارس الذي يقيم منا جنة إلهية تحمل ثمار الروح! الدرجة الثامنة (مز 127): المزمور السابق هو دعوة للتمتع بحياة القداسة على مثال الله القدوس، هذه التي تقوم على عبادة متهللة على مثال الحياة السماوية. السماء أسرة كبيرة يقيمها الله نفسه رب البيت. فالعمل والسهر بدون الله وقت ضائع. حقًا يتوقع منك كابن له أن تعمل وتسهر وأنت في صحبته، تتمسك بإرادته الصالحة (في 2: 12-13). في المسيح تتهلل نفوسنا بالأبناء الجدد الذين ينتسبون لكنيسة الله، بيت الأسرة الأبدي. هنا يبرز التساؤل: كيف يمكن تحقيق ذلك؟ وتأتي الإجابة في النقاط التالية: وإن التزم المؤمن بالعمل لبناء بيت الرب الداخلي، فالرب نفسه هو باني البيت. وإن كانت الحرب عنيفة والعدو قوي، لكن الرب هو حافظ مدينته وحارسها. وإن كان العمل مرهقًا، لكن يلزمنا ألا نقلق، لأن الله واهب الراحة، يعطي أحباءه نومًا. وإن كانت الثمار الروحية تشبه البنين، فإن الرب وحده واهب البنين. الدرجة التاسعة (مز 128): جمال بيت الرب يكمن في بركة الرب الحالة فيه. إن كانت العبادة المقدسة هي أيقونة السماء المتهللة أو على مثال الحياة السماوية (مز 126)، فإنه يستحيل ممارستها بدون النعمة الإلهية (مز 127)، هذه النعمة تعمل في خائفي الرب أو الأتقياء العاملين بروح التواضع. جاء هذا المزمور يتماثل مع المزمور 112 حيث يذكرنا ببركات الله لخائفي الرب، السالكين بالطاعة لكلمته. المجموعة الرابعة: الصلب مع المخلص تمثل المزامير 129-131 فترة العدد. فالكنيسة مُضطهدة منذ بدء نشأتها (129)، ولا سبيل لخلاصها بطريق آخر غير التوبة (130)، والاتكال على الله باعتبارها ابنته الخاصة. في سفر العدد كان شعب الله يتألم وهو في صباه، وفي حاجة إلى الإيمان والاتكال على الله وممارسة حياة التوبة. الدرجة العاشرة (مز 129): "مع المسيح صُلبت". الصلب مع المخلص يُحوِّل طبيعتنا إلى جنة مثمرة. سفر العدد هو سفر الرحلة في البرية، حيث يسير الشعب على شكل صليب، وكأنه يتمتع بكرامة الشركة مع المصلوب. إن كان الحرث مؤلمًا، لكنه يهيئ التربة للغرس، والتمتع بحصادٍ كثير. الصلب حول الطبيعة البشرية إلى جنة مثمرة. وقت الحرث يهيئنا لوقت الحصاد. الدرجة الحادية عشرة (مز 130): "التمتع بالرجاء وسط الضيق". رحلتنا في برية هذا العالم هي تمتع بالرجاء في وسط الضيق، وانتظار خلاص الرب. الرجاء وسط الضيق، وسط الضعف، وسط الظلمة، ووسط التغرب عن شعب الله. انفتاح باب الرجاء: 1. الخلاص من الضيق الدرجة الثانية عشر (مز 131): "الفرح بالصليب". رحلتنا مع المصلوب هي رحلة الفرح والسلام وسط الآلام، حيث نختبر فرح الصليب. يصعب على الرضيع أن يقبل الفطم، إذ يظن أنه بها يُحرم من صدر أمه الذي فيه يجد الأمان واهتمامها به، ولا يدرك أنها الخطوة الأولى الجادة للدخول في مرحلة النضوج والتمتع بالحرية مع نوعٍ من الاستقلال المتزن. الفطم هو قبول الصلب ورفض الطريق السهل المتسع والتدليل.(1-2). 2. المغفرة من الآثام (3-4). 3. من الظلمة (5-6). 4. من التغرب عن شعبه (7-8). المجموعة الخامسة: المخلص الإلهي الصديق تمثل المزامير 132-134 فترة التثنية. فهي تكشف عن مدى التصاق موسى النبي بالله حتى النسمة الأخيرة من حياته، حيث دعاه الله إلى الصعود على الجبل ليموت بمفرده، وقام الله بدفنه. إنها تعلن عن نصرتنا بكلمة الله، وكأننا في موكب النصرة، نحمل تابوت العهد (132)، نتمتع بالوحدة الأخوية (133)، نسبح على الدوام بغير توقف (134). وهذه هي غاية سفر التثنية، لأن موسى قدم لهم ثلاث عظات يذكرهم بكلمة الله وعمل الله معهم عبر السنوات السابقة، ليعدهم كموكبٍ منتصرٍ، له القدرة بالله على دخول أرض الموعد تحت قيادة يشوع (رمز المسيح)، كمن يدخلون السماء عينها، غير أنه يلزمهم أن يتقدسوا بالرب ويسلكوا بروح الوحدة معًا في المسيح يسوع قائدهم السماوي، وقد تحرروا من العبودية لإبليس (فرعون). الدرجة الثالثة عشرة (مز 132): "الالتصاق بالرب" في بيته وأمام عرشه وفي مدينته. تختم أسفار موسى الخمسة بسفر التثنية حيث نلمس صداقة موسى مع الله. وجاءت المزامير الثلاثة الأخيرة من مزامير المصاعد تدعونا إلى هذه الصداقة. هنا تتهلل نفوسنا بالالتصاق بالرب. وعد الله لداود ونسله أن يلتصق المؤمنون بالله في هيكله المقدس، ليقيم شعبًا ملوكيًا تحت رعاية المخلص ملك الملوك، والتمتع بالجنسية السماوية، كمواطنين في أورشليم العليا. الدرجة الرابعة عشرة (مز 133): "التصاق كنسي جماعي". إذ نرى حضن الآب مفتوحًا يرحب بنا ندخل جميعًا بروح الوحدة الكنسية، كعروسٍ واحدةٍ! فالتصاقنا بالرب ليس خلال العزلة والانفرادية إنما خلال الحب الأخوي الصادق والحياة الجماعية الكنسية. عمل عدو الخير أن يحطم الحياة الجماعية، ولعلنا نذكر إبراهيم أب الآباء وما حدث بينه وبين لوط. وأيضًا إسحق وما حدث بين ابنيه يعقوب وعيسو، وبين يعقوب وخاله لابان، ويوسف وإخوته. الدرجة الخامسة عشرة (مز 134): "الدخول إلى المقادس الإلهية". غاية هذا السلم ونهايته أن نبلغ إلى حضن الآب، في قدس الأقداس السماوي، فنصير في عيدٍ لا ينقطع. بركة الرب هي سرّ نورها، وجمالها وسلامها! أولًا: ترتيب مزامير المصاعد عند القديس جيروم يقدم لنا القديس جيروم ترتيبًا روحيًا لهذه المزامير: 1. يستهل المزامير الأول من مزامير المصاعد (120) بالكلمات: "إلى الرب في ضيقي صرخت فاستجاب لي". وكأن بدء الطريق نحو الأحضان الإلهية إدراك موقف الإنسان وشعوره بالحاجة إلى المخلص الإلهي. 2. وفي المزمور التالي يبدأ المرتل صعوده برفع عينيه إلى الجبال المقدسة، أي إلى كلمة الله التي ترافقه في المصاعد. 3. وفي المزمور الثالث يفرح المؤمن بالوعود الإلهية المقدمة إليه، فيكون الفرح رفيقه كل الطريق. 4. وفي المزمور الرابع يرفع عينيه نحو الرب الساكن في السماوات، فيطلب ما هو فوق، ويستخف بالزمنيات. 5. يتطلع القديس جيروم إلى هذه المسيرة المفرحة أو الصعود الدائم بروح القداسة، سائلًا الاحتفاظ بالتواضع حتى لا يسقط من الدرجات فينهار. يقول: [تأملوا كيف صعد تدريجيًا درجة فأخرى في صعودٍ دائمٍ إلى ما هو أسمى... ويبلغ النبي المزمور الثالث عشر، بعد أن بلغ كل الفضائل في المزمور الثاني عشر، فيضع أمامه التواضع، إذ تكون كل الفضائل باطلة ما لم تتوج بتواضع الرب. لأنه ماذا أعلنه المرتل: "يا رب لم يرتفع قلبي، ولم تستعلِ عيناي" (مز 131: 1)[5].] 6. إذ يبلغ بالتواضع إلى الشركة في سمات المسيح، مشتاقًا أن يبلغ قياس قامة المسيح، وبعد أن قبل الإيمان بالسيد يجمع الكنيسة معًا (مز 133: 1). 7. إذ تجتمع الكنيسة معًا كواحدٍ، وقد التأمت كنيسة المسيح ، فما هي مشورة المزمور الأخير؟ "ها باركوا الرب يا عبيد الرب". إنها دعوة للتسبيح الدائم للرب، مقدمة لعبيد الرب الذين هم ليسوا عبيدًا للخطية. ثانيًا: ترتيب مزامير المصاعد عند القديس أغسطينوس يرى القديس أغسطينوس أن هذه المزامير تشير ليس فقط إلى الصعود المستمر، وإنما إلى التدبير الروحي بحكمة، فإن كان قد ركز القديس على نعمة الله في مقاومته للبيلاجيَّة، غير أن نعمة الله تعمل فينا بحكمة وتدبير لائق. لهذا يقول: [أرح قدمك تمامًا في كل خطوة تخطوها، حتى لا تُرهَق في المصاعد، فتهبط أو تسقط.] ثالثًا: مزامير المصاعد عند القديس يوحنا الذهبي الفم كثيرًا ما يكرر القديس يوحنا الذهبي الفم في تفسيره لهذه المزامير أنها ثمرة مفرحة للضيق والسبي، وقد كشفت عن عمل الله مع الراجعين من السبي، نذكر منها: 1. عاد الشعب بعد السبي بروح الوحدة، فقد زال انقسام الشعب إلى مملكتين كما كان الحال قبل السبي. 2. عاد للشعب روح الفرح والتهليل، حيث تمتعوا بالتحرر من العبودية والسبي. 3. إن كان قليلون قد رجعوا، لكن قلوبهم كانت تصرخ لكي ترجع البقية أيضًا بفرح عوض ارتباطهم بمصالحهم الشخصية في أرض السبي. 4. انطلاقهم من بابل إلى أورشليم رحلة شاقة لكنها مفرحة، وهي ظل لرحلة كل مؤمنٍ حقيقيٍ، كما لرحلة الكنيسة كلها من أرض غربة إلى أورشليم العليا. 5. ركز القديس يوحنا الذهبي الفم في تفسيره لهذه المزامير على إبراز مراحم الله ورأفته، والتزامنا بروح الرجاء المستمر تحت كل الظروف، وعدم اليأس مهما بلغت خطايانا. بحق جاءت تفاسيره هنا تكشف بكل قوة عن شخصية الذهبي الفم كرسول الرجاء المفرح. 6. يطالبنا الذهبي الفم في تفاسيره هنا بالتوسل المستمر لدى الله لنوال خلاصنا الكامل مع ثقة كاملة في مراحمه. 7. قدمت تسابيح شكر، لأن ما حدث لم يكن عن استحقاقاتهم الشخصية، إنما كهبةٍ وعطيةٍ من قبل الله، فهو الذي تكلم في قلب كورش لا ليحررهم فحسب، بل ويقدم لهم عطايا وهدايا. 8. وقفت الأمم في دهشة لعمل الله الفائق مع شعبه. 9. مقاومة الأعداء لم تتوقف، لكن يد الله أيضًا تبقى تعمل مع شعبه بلا توقف. 10. لن يكف عدو الخير عن المقاومة بسبب حسده، لكن قوة الله أعظم. ففي معركتنا معه نضع نصب أعيننا النُصب التذكارية للنصرة، والأكاليل المعدة لنا من الله. 11. سرّ نصرتنا هو قائدنا السيد المسيح الغالب على الدوام. 12. بناء بيت الرب، وحراسة مدينة الله من عمل الله نفسه. 13. عمل الله ونعمته لا يتم خلال التراخي والكسل، بل خلال العمل الجاد. إنها نعمة الله المجانية للجادين في حياتهم وجهادهم. من أقوال الآباء عن مزامير المصاعد * دعُيت هذه المزامير بأناشيد المصاعد، لأننا بها نرتفع صاعدين درجة فدرجة إلى الارتفاعات العلوية... من كان في أدنى درجة يلزمه أن يثًّبت نظره إلى أعلى درجة، الخامسة عشرة، ومن بلغ الدرجة الخامسة عشرة فهو في ردهة الهيكل... اعتبروا لوهلةٍ أن هذا الهيكل الأرضي رمز للهيكل السماوي. "لأن نجمًا يمتاز عن نجمٍ في المجد، هكذا أيضًا في قيامة الأموات" (1 كو 15: 41-42). طوبى لذاك الذي تأهل أن يبلغ الدرجة الخامسة عشرة في أورشليم السماوية، وفي الهيكل! لأن هذا الموضع غاية في السمو، كما اعتقد. وهو موضع الرسل والشهداء القديسين. فلنصلِ أن نؤهل لنكون على الأقل عند أدنى درجة من درجات الهيكل، هيكل الرب. جميعهم يقفون على درجات مختلفة، لكنهم في المنزلة ينشدون مزمورًا واحدًا للحمد والشكر للرب. تختلف الأماكن لكن تسبيح الرب واحد... يليق بالإنسان في أدنى درجة ألا يفقد الشجاعة لبلوغ القمة، ولا الذي في أعلى القمة أن يشعر بالأمان والاكتفاء، لأنه يحتمل سقوطه فيهوى إلى القاع. أعتقد أن هذا هو معنى سُلم يعقوب حينما هرب من أمام عيسو أخيه[6]. القديس جيروم طبيعتها يرى Stuhlmueller أنه لا يمكن تصنيف هذه المزامير حسب محتوياتها وأسلوبها، إذ تحتوي على صلوات شكر (مز 120، 124)، وتسابيح اتكال على الله (مز 121، 125، 129، 131)، ومراثٍ (123، 126، 130)، ومزمور ملكي (132)، وترنيمة صهيون (122)، وتسابيح (مز 133، 134)، ومزموري حكمة (127، 128)، لهذا فإن أهم ما يميزها هو استخدامها الليتورجي عند مجيء القادمين إلى أورشليم للاحتفالات بالأعياد السيدية[7]. جاءت مجموعة التسابيح هنا hymnal داخل مجموعة التسابيح الكلية (سفر المزامير) تركز على الله بكونه "إله جبل صهيون" حتى في وسط آلامهم وتجاربهم. إنها مزامير صحبة الله مع شعبه وسط التجارب ليبلغ بهم إلى صهيون السماوية. نظرة شاملة لمزامير المصاعد (120-134) سلم للصعود من القبر والفساد إلى الأحضان الإلهية الدرجة أناشيد المصاعد [بلغة التسبيح] الدخول إلى المقادس الإلهية، أو الدخول إلى الأحضان الأبوية! (حياة أبدية بآدم الثاني السماوي) 14 مز 133 التصاق كنسي جماعي، المؤمن بالتصاق إخوته بالرب التصاق له هو. 13 مز 132 التصاقنا كملوك مع أبينا ملك الملوك. يشعر كل مؤمن كأن حضن الرب له. سفرالتثنية [المخلص الإلهي الصديق] 12 مز 131النضوج المفرح بالصليب: بالصلب مع المسيح نتمتع بالنضوج كالفطيم! 11 مز 130 الرجاء وسط الضيق: فرج، مغفرة، نور، أهل بيت الله. 10 مز 129 مع المسيح صلبت: الحرث يحول طبيعتنا إلى جنة مثمرة! سفرالعدد [الصلب مع المخلص] 9 مز 128جمال بيته هو مخافة الرب، والتمتع بالنعمة في طالبيه لا في الكسالى. 8 مز 127 ربنا باني بيته، وحارس مدينته فينا، وواهب الراحة والثمر الروحي. 7 مز 126 عبادة مقدسة متهللة تقيم منا أنهارًا مقدسة، وجنة سماوية. سفراللاويين [المخلص المُقّدس: كلمة الله الذبيح والكاهن] 6 مز 125المسكن الأبدي عوض خيمة الاجتماع المؤقتة! 5 مز 124 مقاومة إبليس: الزلزال - الطوفان - الوحش المفترس - الصيّاد الخبيث. 4 مز 123 التحرر من عبودية إبليس الذي لا يطيق صعودنا إلى المحرر. سفرالخروج [المخلص المحرر] 3 مز 122الفرح بالعبور إلى بيت الرب الأبدي عوض نقل العظام الجافة! 2 مز 121 سرّ سلامي: الالتصاق بالمخلص كلمة الله. 1 مز 120 إلهي مخلصي من الموت والفساد. سفرالتكوين [الحاجة إلى المخلص] سلم للصعود من القبر والفساد إلى الأحضان الإلهية القسم أسفار موسى [بلغة التاريخ] الدرجة أناشيد المصاعد [بلغة التسبيح] يبدأ بجنة عدن المفقودة وينتهي بوصية يوسف بنقل عظامه معهم إلى مصر. [الحاجة إلى المخلص] 1 2 3 مز 120 إلهي وحده قادر أن ينقذ من الموت والفساد. مز 121 الالتصاق بالمخلص المعين والحافظ. مز 122 الفرح طريق العبر إلى بيت الرب الأبدي عوض نقل العظام الجافة! [عوض فقدان جنة عدن صارت لنا السماء مسكننا الأبدي.] 2 الخروج الحرية تحت قيادة موسى النبي ومقاومة فرعون (إبليس) لشعب الله. [المخلص المحرر] 4 5 6 مز 123 التحرر من عبودية إبليس الذي لا يطيق صعودنا إلى المحرر. مز 124 مقاومة إبليس: الزلزال - الطوفان - الوحش المفترس - الصيّاد الخبيث. مز 125 المسكن الأبدي عوض خيمة الاجتماع المؤقتة! [تحرير داخلي ونصرة أبدية بقيادة المخلص محب البشر.] 3 اللاويين أن نكون قديسين كما أن أبانا قدوس. [المخلص المُقّدس: كلمة الله الذبيح والكاهن] 7 8 9 مز 126 عبادة مقدسة متهللة تقيم منا أنهارًا مقدسة، وجنة سماوية. مز 127 ربنا باني بيته، وحارس مدينته فينا، وواهب الراحة والثمر الروحي. مز 128 جمال بيته هو مخافة الرب، والتمتع بالنعمة في طالبيه لا في الكسالى. [بلغة التسبيح ننعم بالقداسة خلال نعمة الله العاملة في خائفي الرب.] 4 العدد الرحلة في البرية: المحلة على شكل صليب في وسطها تابوت العهد والكهنة واللاويون في شكل صليب. [الصلب مع المخلص] 10 11 12 مز 129 مع المسيح صلبت: الحرث يحول طبيعتنا إلى جنة مثمرة! مز 130 الرجاء وسط الضيق: فرج، مغفرة، نور، أهل بيت الله. مز 131 النضوج المفرح بالصليب: بالصلب مع المسيح نتمتع بالنضوج كالفطيم! [رحلتنا هي شركة مع المسيح المصلوب القائم من الأموات بروح التهليل والنصرة.] 5 التثنية صداقة موسى مع الله، فبروح التهليل صعد على الجبل، وقام الرب بدفنه (تث 34: 6). جنازة فريدة! [المخلص الإلهي الصديق] 13 14 15 مز 132 التصاقنا كملوك مع أبينا ملك الملوك. يشعر كل مؤمن كأن حضن الرب له وحده! مز 133 التصاق كنسي جماعي. يشعر المؤمن في التصاق إخوته بالرب التصاقه هو. مز 134 الدخول إلى المقادس الإلهية: آخر درجة هي الدخول إلى الأحضان الأبوية! [بلغة التسبيح بدأ السلم بصرخات لطلب مخلصٍ قديرٍ، وانتهى بعبادة سماوية في حضن الله! من وحي مزامير المصاعد في رفقتك أصعد إلى مقادسك! * تُرى أقدم لك صرخة من أعماق قلبي، أم تسبحة شكر لا تنقطع؟! أعماقي تصرخ، تطلب التحرر من سبي القبر، وتجديد الطبيعة الفاسدة، وفي نفس الوقت تتهلل مسبحة، إذ قدمت لي صليبك سلمًا أصعد عليه! أصعد من وسط الظلمة إلى نورك العجيب! ارتفع من درجة إلى درجة، وأتمتع بقوةٍ فوق قوةٍ، ومن مجدٍ إلى مجدٍ! * لتكن أنت في رفقتي، فأحتمي فيك. أبقى في صعودٍ دائم تحت ظل جناحيك. يهبني روحك القدوس صعودًا لا يتوقف! يهبني جناحين، فأطير كما إلى السماء عينها! * بقوة أطأ على عدو الخير الذي يود أن يأسرني. أنعم بنصراتٍ مستمرةٍ لا تنقطع. مادمت بين يديك لن يقدر أن يحدرني إلى أسافل الجحيم. * هب ليّ ألا أنظر إلى الوراء، ولا أرتبك بالزمنيات، أترك بابل بكل بؤسها، وتنطلق نفسي إلى مدينتك المقدسة، فأحيا في عِشرة مستمرة مع ملائكتك، في أورشليم العليا! * يا لها من رحلة شاقة، فالباب ضيق، والطريق كرب. لكن بصحبتك تصير رحلة ممتعة. فيك يتحول المرّ إلى حلاوة، والصليب إلى قيامة مبهجة. بين مزامير المصاعد وأسفار موسى 1. مع سفر التكوين نفسي تئن مع آدم من أجل جنة عدن المفقودة. عوض الحياة الفردوسية فسدت طبيعتي، حلّ الفساد بكل كياني... ألا من مخلص؟! مع كل آبائي من نوح حتى يوسف انحدرت إلى الموت. مع يوسف اشتهيت ألا تبقى عظامي في أرض العبودية. أطلب أن تُحمل إلى كنعان عند خروجهم إليها! أنت وحدك مخلصي القدير! تنقذني من حكم الموت والفساد. عوض سماعي صوتك: يا آدم من ترابٍ وإلى ترابٍ تعود، اسمع بقيامتك وصعودك: أنت سماءٍ وإلى سماءٍ تعود! 2. مع سفر الخروج نفسي تئن مع الشعب القديم في مذلة العبودية! بماذا أشبه ذلك العدو المهلك؟ تُرى هل هو زلزال يحطم كياني؟ أم طوفان يحدرني إلى أعماق الجحيم؟ أم أسد زائر يجول ليفترسني؟ أم صياد خبيث ينصب لي شباكه في كل موقع؟ من ينقذني منه سواك أيها المصلوب الحبيب؟ لتحررني، وتطلقني من أسر ظلمته إلى نورك مقدسك؟! 3. مع سفر اللاويين أدخل مع شعبك إلى خيمة الاجتماع، فتحملني إلى بيتك السماوي. عوض الكهنة من سبط لاوي، أتمتع بك يا رئيس الكهنة السماوي الأعظم. تشفع فيَّ بدمك الثمين أمام الآب القدوس. تهبني جسدك ودمك الأقدسين، خدمة أسرار فائقة! عبادة مقدسة متهللة! أراك تقيم ملكوتك داخلي، وتحفظني بروحك القدوس. أتمتع بمخافتك الإلهية وغنى نعمتك الفائقة. 4. مع سفر العدد طريق البرية مملوء بالتجارب، هو طريق الصلب معك، صليبك يهب الرحلة عذوبة، يفتح أبواب الرجاء أمام عيني، يهبني نضوجًا وخبرة عربون السماء أتهلل قائلًا: مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ. 5. مع سفر التثنية تشتاق نفسي أن تلتصق بك، فأتحدث معك كما كان موسى النبي، كان يكلمك كما يكلم الرجل صاحبه. أحب شعبك أكثر من حبه لنفسي. اشتهي أن يكون الكل في أحضانك. هب ليّ أن التصق بك كصديقٍ، فأحب كل البشرية. أشتهي أن يتمتع الكل ببهاء مجدك. ننطلق جميعًا إلى مدينتك السماوية. أحببت صديقك موسى، حتى في نياحته قمت أنت بدفنه. لألتصق بك فيتقدس كل كياني، وتنعم نفسي كما جسدي بالأمجاد الأبدية. |
||||
14 - 04 - 2014, 04:40 PM | رقم المشاركة : ( 144 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 120 (119 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير إلهي مخلصي من الموت والفساد! يمثل هذا المزمور صرخة شخص يئن من الغربة، وقد شعر كأن الغش والخداع يحوطان به من كل جانب، صارت نفسه أسيرة روحيًا، يحتاج إلى من يحرر نفسه، يسنده داخليًا وخارجيًا. يشعر المرتل أن الله وحده قادر أن يخلصه من الأكاذيب وقوتها المدمرة، وهو وحده قادر أن يدين الكذبة، لاسيما إبليس الكذاب وأب الكذاب. "يمدون ألسنتهم كقسيهم للكذب، لا للحق قووا في الأرض. لأنهم خرجوا من شرٍ إلى شرٍ، وإياي لم يعرفوا يقول الرب" (إر 9: 3). تبدأ مزامير المصاعد من الدرجة الدنيا الأولى حيث يكتشف المؤمن أنه غريب على الأرض، يعاني المرارة بسبب عدو الخير الكذاب، والسليط اللسان في اتهاماته له. يشعر القادم إلى أورشليم أنه لا يستطيع أن يدخل المقادس الإلهية بسبب أعدائه الروحيين الذين يسخرون منه، فهو في حاجة إلى الله مخلصه ومعينه. والعجيب أن المرتل يمزج أنينه ومرثاته لحاله بالشكر لله واهب السلام، الذي جاء به إلى أورشليم العليا، مدينته الأبدية حيث السلام الفائق، في صحبة السمائيين والقديسين، عوض إحاطته بالأعداء المقاومين له. 1. صرخة طفل إلى أبيه المخلص 1. 2. الحوار المفسد مع إبليس 2-3. 3. الشعور بالغربة والاشتياق إلى السماء 5-6. 4. مرارة معاشرة الأشرار 7. من وحي المزمور 120 صرخة إلى طفل إلى أبيه المخلص إِلَى الرَّبِّ فِي ضِيقِي صَرَخْتُ، فَاسْتَجَابَ لِي [1]. هذه الصرخة تشبه صرخة إشعياء النبي القائل: "ويل لي إني هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين" (إش 6: 5). مع مرارة نفسه وضيقه من الداخل والخارج، لكنه كان مملوءًا رجاء، إذ يقول: "فاستجابني، صرخت من عمق الهاوية، فجاءت إليك صلاتي" (يون 2: 2-3). إنه كطفل يثق في حنان أبيه وقدرته على خلاصه. "في ضيقي صرخت إلى الرب، فاستجاب لي، وأخرجني إلى الرحب" (مز 118: 5). * يُنتج الحزن الصراخ إلى الله، والتضرع بشدة العزم والهمَّة، ويجلب إليه استجابة الله وإغاثته. لأن إليشع النبي عندما رأى المرأة الشونمية تقترب إليه بغمٍ وحزنٍ شديد لم يترك خادمه يطردها، بل سمح لها بالدخول إليه، وقضى أمرها (2 مل 4: 17)، ليعرفنا أن الله لا يطرد الصارخين إليه في حزنهم. وأنت أيها الأخ المسيحي عند حزنك لا تيأس، بل اُصرخ إلى الرب. الأب أنسيمُس الأورشليمي * إنساننا (الداخلي) هذا، الذي بلغ الآن الدرجة الأولى ليس في ضيقة، فقد وضع قدمه فعلًا على الخطوة الأولى. * لقد جعلني أقف على الدرجة الأولى، لكن بالمقارنة بالدرجات الخمس عشرة، فأي ظفر أناله ببلوغي الخطوة الأولى؟ لقد نبذت أمور العالم، لكنني لم أبلغ بعد القمة. لهذا يلزمني ألا أشعر بالأمان، فمع صعودي كل درجةٍ يلزمني أن أتوسل إلى الله ليعينني[1]. القديس جيروم * كيف تحرروا من السبي؟ برغبتهم في أورشليم. على أي الأحوال الذين لم يبقوا أمناء في هذا الأمر لم ينتفعوا شيئًا من نعمة الله، واستمروا عبيدًا وماتوا هكذا. إننا سنعاني من نفس المصير إن كنا نتمثل بهم، إن كنا لا نقتني محبة السماويات، والرغبة في أورشليم العليا، فنبقى ملتصقين بالحياة الحاضرة، متمرغين في وحل الاهتمامات الأرضية، ولن ننجح في اقتناء وطننا[2]. * لكي تعرفوا أن الصلوات التي يُنطق بها في وقت الضيق هي أفضل فرصة لكي تكون مسموعة، اسمعوا ما يقوله النبي: "إلى الرب في ضيقي صرخت فاستجاب لي" (مز 120: 1). لذلك لنحث ضمائرنا نحو الالتهاب؛ لنُحزن نفوسنا بتذكر خطايانا، لا لكي تتحطم بالقلق، وإنما لكي نتهيأ أن يُسمع لنا؛ لكي ما نجعلها تحيا في وقارٍ وحذرٍ واستعدادٍ لاقتناء السماء عينها. ليس من شيء يجعل الإهمال والتراخي يهربان إلى الطريق الذي يقيمه الحزن والضيق. إنهما يجلبان أفكارنا معًا من كل جانب ويردا فكرنا إلى التأمل في داخله. من يصلي هكذا فإنه في حزنه، ينال بعد صلواته بهجة في نفسه[3]. القديس يوحنا الذهبي الفم * عندما يبدأ إنسان ما في المصاعد، وفي أكثر وضوح عندما يبدأ إنسان مسيحي أن يفكر في الإصلاح الروحي يبدأ يعاني من ألسنة المقاومين. من لا يعاني بعد منهم لا يكون ساعيًا في التقدم. هل يريد أن يعرف معنى ما نقوله...؟ ليبدأ في الإصلاح. ليبدأ الرغبة في المصاعد، يستخف بالأرضيات والأمور التافهة الزمنية، ولا يبالي بالسعادة العالمية، بل يفكر في الله وحده، ولا يفرح بالمكسب ولا يرتبك بالخسائر، يود أن يبيع كل شيء ويوزعه على الفقراء ويتبع المسيح، لنرَ كيف يعاني من ألسنة الساخرين والمقاومين على التواصل، والخطر العظيم الصادر من المتظاهرين كمشيرين، الذين يقودونه بعيدًا عن الخلاص... عندئذٍ هذا الذي يصعد يبدأ أولًا وقبل كل شيءٍ بالصلاة إلى الله ضد هذه الألسنة عينها، إذ يقول: "إلى الرب في ضيقي صرخت، فاستجاب لي" [1][4]. القديس أغسطينوس * كثرة الضيقات تجعل الصلاة مستجابة. "إلى الرب في ضيقي صرخت، فاستجاب لي" (مز 1:120). وأيضًا: "لا تضطهد الغريب ولا تضايقهُ... فيكون إذا صرخ إليَّ أني أسمع، لأني رءوف" (خر 21:22، 27)[5]. الأب إسحق الحوار المفسد مع إبليس يَا رَبُّ نَجِّ نَفْسِي مِنْ شِفَاهِ الْكَذِبِ، مِنْ لِسَانِ غِشٍّ [2]. سقطت حواء في الخطية خلال الحوار مع الحية بلسانها الغاش. وتهلك نفوس كثيرة من خلال ألسنة الهراطقة الغاشة كما يقول القديس أثناسيوس الرسولي. يقول القديس أغسطينوس حينما يبدأ المؤمن في التفكير في ارتقاء السلم أو الإصلاح الروحي، يبدأ يعاني متألمًا من ألسنة المعاندين الخصوم، وعليه أن يضرع إلى الرب ليضعه على درجات المصاعد. الخصم الحقيقي ليس إنسانًا، بل الحية القديمة وهي سامة. لذا يطالبنا بالصلاة ضد إبليس إن رغبنا في المصاعد. * ألا ترون قيمة المحن؟ ألا ترون تأهب الحنو؟ قيمة المحن هي أنها تقود إلى صلاة غير ملومة، وتهيئ لنوال الرأفة فور سؤالها، كما حدث قبلًا في مصر، إذ يقول: "إني قد رأيت مذلة شعبي، وسمعت أنينهم، فنزلت لأنقذهم" (راجع خر 3: 7-8). وأنتم أيضًا أيها الأعزاء الأحباء، عندما تعانون من محنة لا تيأسوا ولا تتراخوا، بل في ذلك الوقت حِثوا أنفسكم، لأن صلاتكم ستكون أكثر نقاوة ومقبولة بالأكثر لدى الله... السبب الذي لأجله قال الكاتب الموحي إليه: "إلى الرب في ضيقي صرخت، فاستجاب لي"، هو لكي ما تتعلموا أن تتسلقوا بالتدريج، وتهبوا صلواتكم أجنحة، حتى لا ترتبكوا وتفقدوا قلوبكم في محنكم عوض أن تحصدوا المكسب منها. أقصد إن كان إليشع النبي الإنسان لم يسمح لتلميذه أن يصد المرأة عن الاقتراب منه، قائلًا: "دعها، لأن نفسها مرة فيها" (2 مل 4: 27)، ليشير أنها بسببٍ صالحٍ تطلب وهي في المحنة، كم بالأكثر لا يصدكم الله عندما تقتربون إليه بروح مضطربة... لا تتأخروا ولا تؤجلوا، بل ابدأوا الرحلة بقوة بقصد المصاعد في يومٍ واحدٍ درجتين أو ثلاث درجات أو عشر أو عشرين[6]. * "يا رب نج نفسي من شفاه الكذب، من لسانٍ غشٍ" [2]. لاحظوا هنا التوجيه الإنجيلي يشرق: "صلوا لئلا تدخلوا في تجربة" (مر 14: 38). قبل كل شيء أيها الأعزاء المحبوبون، ليس شيء مثل هذه التجربة، فإن السقوط كضحية لشخصٍ مخادعٍ، أخطر من الحيوان المفترس. فالحيوان المفترس كما تعلمون هو كما يظهر عليه، أما هؤلاء (أصحاب الشفاه الغاشة)، فغالبًا ما يخفون طبيعتهم وراء حجاب يبدو حلوًا حتى يصعب اكتشاف خداعهم، ويسقط ضحيتهم في الفخ دون أن يدري. لهذا يطلب (المرتل) من الله، يومًا فيومًا لأجل هذا النفع ألا وهو التحرر من مثل هذه المكائد[7]. القديس يوحنا الذهبي الفم * ما هو اللسان الغاش؟ اللسان الغادر، الذي له مظهر المشورة، وفيه سم الأذية الحقيقية[8]. القديس أغسطينوس * ينطبق هذا على كل جماعات الهراطقة.... خطيرة بالحري هي جراحات اللسان أكثر من التي يسببها السيف. فالسيف يقتل الجسم لا النفس؛ أما اللسان فيقتل النفس. اللسان أداة رديئة وشر مستطير. "هكذا اللسان أيضًا هو عضو صغير ويفتخر متعظمًا" (يع 3: 5). أنصتوا إلى ما يقوله سليمان: "الموت والحياة في يد اللسان" (أم 18: 21). نحن لا نصنع (لمن نسيء إليه بلساننا) شيئًا، إنما نقتل نفوسنا، لأننا نكذب. "الفم الكاذب يذبح الإنسان" (حكمة 1: 11)... القديس جيروم * اقترب يهوذا أب كل الكذب، وأعطى سلامًا به يُسكب الدم البريء. بالاسم هي قُبلة، وعندما تُفحص فهي سكين، سلام في الظاهر، أما في الخفية فسيف مسلول. من الخارج كان يشبه حمامة وديعة، ومن الداخل كان حيَّة تلسع وتتحايل. كان يمد له بجسارة السم في العسل، وكان يعطيه بالإثم السيف في الأمان. لا يقبّل أحد كما قبَّل ذاك القاتل، ولا يخفِ أحد المكر في كلماتٍ لطيفةٍ. لا يوجه أحد أبدًا كلمة ماكرة إلى رفيقه، ولا ينصب أحد فخًا في الخفية لمن يعرفه. يهوذا علّم فعلًا بغيضًا في كل العالم، لا يتعلّم أحد ذلك التعليم المملوء موتًا[9]. القديس مار يعقوب السروجي مَاذَا يُعْطِيكَ، وَمَاذَا يَزِيدُ لَكَ لِسَانُ الْغِشِّ؟ [3] يقف المرتل في دهشة، إذ لا تستطيع لغة أن تعبرَّ عن العقوبة التي يستحقها صاحب اللسان الغاش. ليس من إنسان يقدر أن يُوقع عقوبة على صاحب اللسان الغاش تليق به، إنما الله وحده له حق إصدار العقوبة التي تليق بالغش. ومع هذا فإن صاحب اللسان الغاش يسقط تحت العقوبة، لأن الغش يحمل عقوبته فيه. ليس من عقوبة أمر من الشر نفسه! * أية عقوبة يمكن أن تكون لائقة بهذا الشر؟ هذه التي قال عنها أيضًا إشعياء لليهود: "على مًا تُضربون بعد؟" (إش 1: 5) هذا في الحقيقة ما يقوله أيضًا المرتل: "ماذا يعطيك، وماذا يزيد لك لسان الغش؟" هكذا يعني هذا أن (لسان الغش) نفسه في ذاته عقوبة... الشر، في الحقيقة، هو في ذاته عقوبة مرعبة للنفس، حتى قبل أن تحل العقوبة عليها. لهذا أية عقوبة يمكن أن تليق بمثل هذا؟ ففي تعبيرات هذا العالم لا توجد (عقوبة مرعبة مثل الشر نفسه)، إنما ستأتي الضربة من قِبل الله، بينما لا يقدر إنسان ما أن يفرض عقوبة تليق بالجريمة، فإن الجريمة تفوق العقوبة، لكن الله سيقدم الضربة[10]. القديس يوحنا الذهبي الفم سِهَامَ جَبَّارٍ مَسْنُونَةً مَعَ جَمْرِ الرَّتَمِ [4]. من هو صاحب اللسان الغاش إلا إبليس الذي يُدعى المُضل، والكذاب وأب الكذاب (يو 8: 44)، يلقي بغشه سهام نارية يهلك بها البشر. يحذرنا منها الرسول بولس باستخدام سلاح الله الكامل (أف 6: 13). إن كان عدو الخير يحاربنا باللسان الغاش كسهام نارية، فإن الله من جانبه يمدنا بكلمته كسهام تحطم إبليس وكل قواته. الرتم هو نبات صحراوي، وهو نوع من الشيح، يعرف علميًا باسم Retama retem من العائلة البقولية leguminosae. تستخدم جذوره وجذوعه في إنتاج نوع جيد من الفحم يعطي طاقة حرارية كبيرة، لذلك يشبَّه اللسان الغاش بجمر الرتم. توجد شجرة الرتم بوفرة في جنوبي فلسطين وشبه جزيرة سيناء. يرى القديس أغسطينوس أن سهام الجبار هي كلمات الله، وأن جمر الخراب أو البرية هي أمثلة لكثير من الخطاة الذين رجعوا إلى الرب. هؤلاء جرحوا بكلمات الله كسهامٍ قويةٍ، بددت ما فيهم من شر، ونزعته عنهم. إنهم كالمشرط في يد طبيب ماهر محب، يجرح لكي يزيل الفساد، فيهب الجسم صحة. كلمة الله تحول الخطاة إلى جمرة نارٍ ملتهبٍ بالحب الإلهي، لا تقدر مياه الخطية أن تطفئها. لقد كُرس المزمور السابق (119) لكلمات الله التي هي سهام إلهية جرحت قلوبنا، هذه التي نحتاج إليها لكي بالجراحات الإلهية نبرأ من الجراحات التي سببتها كلمات الناس الغاشة كسهامِ مسنونة تقتل النفس. الجراحات الإلهية صحية تقودنا إلى طريق الحب العملي، أما الجراحات الأخرى فغاشة ومهلكة. * "سهام جبار مسنونة مع جمر الخراب" [4]. لقد انتفخ لساني كله، امتلأ سمًا، فإن لم تخترقه سهامك وترشقه لا ينفذ منه السم. يجب أن نقدم لكم مثالًا لهذا. إن كان بالجسم عضو قد أعطب، وأصابه داء السرطان، وامتلأ بالصديد، فإن لم يُفتح (بالمشرط) فلا سبيل لإزالة الصديد... ولأن لساني ينتفخ بالصديد والسم فلتجرحه أولًا بسهامك حتى تحرره من الصديد، ثم مسه بجمر نيرانك الملتهب حتى تحترق كل الشرور، فيصير خربًا مهجورًا... هاكم مثال آخر... لأن شفتي إشعياء كانتا دنستين أرسل شاروب، أخذ جمرة نار مشتعلة من المذبح، ولمس بها شفتي إشعياء ولسانه وطهر فمه (إش 6: 5)[11]. القديس جيروم * هنا أيضًا يدعو العقوبة سهامًا... أيضًا الأسفار المقدسة تبرز عقوبات الله وتدعوها سهامًا ونارًا[12]. القديس يوحنا الذهبي الفم * أولًا لتفهموا أيها الأحباء الأعزاء ما هي السهام. "سهام جبار مسنونة" هي كلمات الله... وما هو جمر البرية؟ لا يكفي أن ترُد بالكلمات على اللسان الغاش وشفاه الإثم... بل يلزم أن ندافع بأن نكون نماذج أيضًا. تُستخدم كلمة "جمر" لتعبر عن أمثلة خطاة كثيرين رجعوا إلى الرب. إنك تسمع عن أناس يندهشون، ويقولون: "إني أعرف هذا الإنسان الذي كان مدمنًا في الشرب، كن دنيئًا، محبًا للمسارح والسيرك، محتالًا، كيف صار الآن يخدم الله، كيف صار الآن بريئًا! لا تدهش، إنه جمر حيّ. لتفرح أنه حيّ ذاك الذي كنت حزينًا عليه كميتٍ. ولكن عندما تمتدح الحيّ - إن كنت تعرف كيف تمدحه - هذا الذي لازال بطيئًا في إتباعه الله، انكب عليه بالجمر الملتهب. لديك سهم كلمة الله، جمر البرية، بهذا تواجه اللسان الغاش وشفاه الكذب[13]. * عندما يرسل الرب جمره (الملتهب نارًا)... يتحطم ما قد بُني فينا للشر. وإذ يتطهر هذا الموقع يقوم بناء الهيكل، المسكن، حيث يفيض فيه نوع من السعادة تنبع عن الأبدية. لكنني لست أريد أن تفقدوا ما يعنيه المرتل بالحديث عن "الجمر" (مز ١٢٠: ٤). الرجوع إلى الرب هو عبور من الموت إلى الحياة. قبل أن يشتعل الجمر، يلزمنا القول بأن الفحم ميت، وإذ يلتهب بالنار ندعوه حيًا. هذه صورة رائعة للتغير الذي يحدث حين يعود رجل أو امرأة إلى الرب بعد أن كان ميتًا. أحيانًا نسمع الناس يقولون بتعجب: "يلزمك أن تراه كما كان عليه قبلًا، لقد كان سكيرًا، وكانت حياته مخجلة". أو يقولون: "لقد أحب الحياة الصالحة". أو "كان أكبر مخادع التقيتُ به". ثم يضيف القائلون بعد ذلك: "لسنا نصدق ما هو عليه الآن. إنه يخدم الله بكل غيرة، وها أنت تعلم أنه يعيش في جو من البراءة. كأن كل ما قد حدث قبلًا لم يكن له وجود". ما هو وجه العجب؟ فقد كان الخاطئ ميتًا، والآن هو جمر حيّ. الروحيون الذين يعرفون تلك الحقائق الروحية يبكون على مثل هذا كمن كان ميتًا، والآن إذ يرونه حيًا يُبتلعون بالفرح! يوجد شيء في هذا المثال أود أن تطبقوه على أنفسكم. لقد صرنا مبتهجين نسبح الله، إذ نرى قطعة الفحم قد أمسكت بها النار. لكننا إن كنا حكماء يلزمنا أن نبحث في غيرة عن ما في داخلنا، وقد انطفأ... كونوا مستعدين ومتسلحين بكلمة الله. لكي تتحولوا إلى الله، يلزمكم أن تحاربوا طريقكم القديم، الصوت المخادع في داخلكم[14]. القديس أغسطينوس الشعور بالغربة والاشتياق إلى السماء وَيْلِي لِغُرْبَتِي فِي مَاشِكَ، لِسَكَنِي فِي خِيَامِ قِيدَارَ! [5] ماشك: هو أحد بني آرام (تك 10: 23)، يُدعى ماش أو ماشك (1 أي 1: 17). اختلف الدارسون عن موضع ماشك. فكما يظهر من نقوش الأشوريين ومن المؤرخ هيرودوت Herodotus أن بلاد ماشك كانت في شرق تركيا. ويرى البعض أن ماشك سكن جبل ماسيوس، وهو طور عابدين في سوريا. يئن المرتل من سكناه في خيام قيدار. قيدار هو أحد أحفاد إسماعيل (تك 5: 20)، رأس قبيلة عربية تعيش في خيام. يرى القديس أغسطينوس أن الذين يريدون أن يطيروا ويصعدوا إلى الله، فيقطنون في أورشليم السماوية، حيث لا يوجد أصحاب شفاه الكذب واللسان الغاش يعيشون لله في حالة تغرب عن مدينتهم السماوية، يعيشون كما كان إسحق مع إسماعيل. أما دور الأشرار فهو تثبيط هِمَم الأبرار ومقاومتهم، ومحاولة نتف ريش أجنحتهم بشفاه الغش ولسان الكذب، حتى يهبطوا إلى أسفل، ولا يصعدوا إلى فوق. * "ويلي لغربتي، قد صارت بعيدة". لقد رحلت عنك، صارت غربتي بعيدة. لا أبلغ تلك المدينة التي سأعيش فيها دون وجود شخص شرير. لم أبلغ بعد إلى صحبة الملائكة حيث لا أخشى أية معاصٍ... هناك (في أورشليم السماوية) الكل أبرار وقديسون، يتمتعون بكلمة الله دون قراءة، ودون حروف، لأن ما هو مكتوب لأجلنا على صفحات سيدركونه هناك خلال وجه الله. أية مدينة هذه؟ مدينة عظيمة بالحق، بائسون هم التائهون عنها[15]. * "قيدار" على ما أذكر تُفسَّر في العبرية بمعنى "ظلمة"... أنتم تعرفون أن إبراهيم له ابنان، أشار بالحق إليهم الرسول (غل 4: 22 الخ)، وأظهر أنهما يشيران إلى نوعين من العهود... إسماعيل كان في ظلمة، وإسحق في نورٍ. فمن يطلب السعادة الأرضية في الكنيسة من الله ينتمي إلى إسماعيل... إسحق مع إسماعيل، أي الذين ينتمون إلى إسحق يعيشون بين الذين ينتمون إلى إسماعيل. هؤلاء يطلبون أن يصعدوا، وأولئك يريدون أن يضغطوا عليهم لكي يهبطوا. هؤلاء يريدون أن يطيروا إلى الله، وأولئك يسعون أن ينتِفوا أجنحتهم[16]. * لم أبلغ بعد هذه المدينة حيث لا أعيش مع أشرارٍ؛ لم أبلغ بعد إلى صحبة الملائكة حيث لا أخشى أذية... جميعهم هناك أبرار وقديسون ينعمون بكلمة الله بدون قراءة، بدون أحرف، لأن ما كتب لنا على الصفحات، يتلقنونه هم خلال وجه الآب. إنها حقًا لمدينة عظيمة، وتعساء هم الغرباء عينها! القديس أغسطينوس * حياتنا الحاضرة كما ترون هي رحلة. ولماذا أدعوها رحلة إن كانت بالحقيقة هي شيء أقل من أن يكون رحلة؟ لذلك دعاها المسيح أيضًا: "ما أضيق الباب، وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة" (مت 7: 14)... بولس أيضًا أشار إلى ذلك في رسالته: "لذلك لا يستحي الله أن يُدعى إلههم"، لماذا؟ أخبِرني! لأنهم أقروا بأنهم غرباء ونزلاء" (عب 11: 16، 13). هذا هو أصل كل فضيلتهم وأساسها: ذاك الذي هو غريب هنا سيكون مواطنًا هناك. ذاك الذي هو غريب هنا لا يسعد أن يحيا بين الأمور الحاضرة، ولا ينشغل بالسكنى والمال والطعام وأي شيءٍ آخر شبيه بذلك. عوض هذا، فإن الذين يعيشون في أماكن غريبة يفعلون كل شيءٍ ويهتمون بالعودة إلى وطنهم، ويجاهدون يوميًا أن يروا الأرض التي تحتضنهم، هكذا أيضًا الذين في محبتهم للأمور العتيدة لا يكتئبون بسبب الأحزان الحاضرة، ولا يتعلَّقون بالنجاح (الزمني)، بل يستخِفون بكليهما كمسافرين على الطريق[17]. * "لسكني في خيام قيدار". إنهم جنس فظ، عنفاء جدًا نحو الذين هم مستعبدون لهم، يستخدمون الخيام والأكواخ وينزلون إلى عنف الحيوانات الشرسة[18]. القديس يوحنا الذهبي الفم * بالحقيقة إن المتغربين في هذه الخيمة يعيشون في ظلمة. لذلك يتنهد (داود) من طول غربته، قائلًا: "ويل لي، فإن غربتي قد طالت عليّ"، وأوضح أن سبب ضيقه هو الظلمة، لأننا نعرف أن كلمة قيدار في اللغة العبرية تعني الظلمة. "وسكنت في مساكن قيدار" (راجع مز 120). إنها ظلمة حقًا كظلمة الليل التي تطمس عيني الإنسان وتعيقه عن اكتشاف العثرات، ومعرفة ما هو الغرض الحقيقي لوجوده. وفي هذه الظلمة أيضًا كل شيء يبدو معكوسًا، والوجود مؤقتًا، والنفس لا قيمة لها. لا يرى الحق واضحًا، لأن الظلمة أعمت عينيه[19]. القديس غريغوريوس النيسي * هذه هي شكوى محب المسيح الذي لا يريد شيئًا من الجسد الذي تغَّرب عن العالم واشتاق إلى السماء... كلما نبقى في خيمة جسدنا الأرضي، فنحن متغربون عن الرب... "غربتي"، لأننا في العالم الحاضر ليس لنا وطن باق دائم، فنحن غرباء (حجاج) (1 بط 2: 11)... "قيدار"، في لغتنا تعني "الظلمة"... كلما طالت سكناي في الظلمة، ظللت في هذا الجسد المائت[20]. * بالنسبة لقطيعنا ينتمي إليه الحزانى والشاحبون ومن يرتدون ثيابًا بسيطة، كغرباء في العالم، فإنهم وإن كانت ألسنتهم صامتة لكنهم يتكلمون بملابسهم وطريقة مشيهم[21]. * "قيدار" معناها "ظلمة" والظلمة تمثل العالم الحاضر، فقد قبل لنا إن النور يشرق في الظلمة، والظلمة لم تدركه (يو 1: 5)[22]. القديس جيروم * يقول داود في نصٍ لاحق "ويلٌ لي. فإن غربتي قد طالت" (مز 120 :5). ومن ثمَّ فهو يضرع إلى الرب ليعجِّلَ انطلاقهَ نحو الخيرات، ولهذا ففي وسط آلام العالم، كانت ثمة تعزية عظيمة في الأمور الحاضرة ورجاء في الأمور العتيدة (المستقبلة). لهذا من ذا الذي لا يرفع قلبه حينما يترجَّى نصيبًا مباركًا في المظال السماوية المدَّخر له هناك؟ لكن لأن الأمور العتيدة تسبب لنا عمومًا قلقًا في حالتنا الضعيفة هذه، وأن الذين هم الآن حاضرون يسببون ضيقًا بوجهٍ عام، فإن النفسَ أيضًا، نفس المرنم القديس قد انزعجت، بسبب ذلك الجيشان، الذي يشتعل في جسده[23]. القديس أمبروسيوس * "أتوق إلي عطية واحدة أصارع من أجل مجدٍ واحدٍ وحده، مجد ملكوت السماوات"... كلما أشرق هذا الجمال الإلهي علي أحد القديسين يترك فيه حافزًا لرغبة لا تُحتمل، فيصرخ مضطربًا من جهة الحياة الحاضرة: "ويل لي فقد طالت غربتي علي، متى أتراءى أمام حضرة الله؟" (مز 120: 5؛ 42: 2)[24]. القديس باسيليوس الكبير * تأتي الدموع الصادرة عن التأمل في الأمور الصالحة والاشتياق إلى المجد المقبل. إذ تتدفق دموع غزيرة نابعة عن فرح لا يمكن كتمانه وتهليل بلا حدود. فإذ تتعطش أنفسنا إلى الله الحي القدير تقول: "متى أجيء وأتراءَى قدام الله. صارت لي دموعي خبزًا نهارًا وليلًا" (مز 2:42، 3)، معلنة ذلك ببكاء يومي ونحيب قائلة: "ويل لي فإن غربتي قد طالت" (مز 5:120)[25]. الأب اسحق طَالَ عَلَى نَفْسِي سَكَنُهَا مَعَ مُبْغِضِ السَّلاَمِ [6]. كلما أدرك المؤمن حقيقة موقفه كغريبٍ على الأرض التهب شوقه للسكنى مع السمائيين والرغبة في الانطلاق من بين مبغضي السلام. في رسالة القديس جيروم لأوستاخيوم يعزيها في والدتها يتحدث عنها كيف تركت أرض غربتها لتلتصق بالله في الفردوس بكونها من أهل بيت الله، كتب: [كل الذين يعيشون حسب الله، والذين يرجعون إلى الرب لا يزالوا يُحسبون أعضاء أسرته. لقد فقدناها، هذا حقيقي، لكن المواضع السماوية كسبتها. فإنها إذ كانت في الجسد كانت متغربة عن الرب (2 كو 5: 6)، وتشتكي دومًا بدموعِ "ويلي لغربتي في ماشك لسكنى في خيام قيدار؛ طال على نفسي سكنها (كسائحة)" (راجع مز 20: 5-6)[26].] يرى القديس أغسطينوس أن المرتل يئن من حالة التيه الداخلية. * الجسم تائه في أماكن، والنفس تائهة في انفعالاتها. إن كنت تحب الأرض، فأنت تائه عن الله. إن كنت تحب الله، فأنت صاعد إلى الله. لنختبر بحب الله وقريبنا العودة إلى المحبة. إن كنا نسقط نحو الأرض، نجف ونفسد[27]. القديس أغسطينوس * "طال على نفسي سكنها". بالحقيقة ليست حياة طويلة، إنها مجرد سبعين عامًا (راجع 2 صم 5: 4)، إنما دعاها طويلة لا بسبب كثرة السنين وإنما بسبب صعوبة الموقف. فإنها حتى وإن كانت لمدة قصيرة تبدو طويلة لمن هم في محنة. نحن أيضًا يلزمنا أن نكيِّف أنفسنا أنه حتى إن كنا نعيش هنا لسنوات قليلة يلزمنا أن نحسبها طويلة بسبب شهوتنا نحو الحقائق العتيدة. بقول هذا لست أفتري على الحياة الحاضرة... إنني فقط أثير فيهم حب المستقبل[28]. القديس يوحنا الذهبي الفم . مرارة معاشرة الأشرار أَنَا سَلاَمٌ، وَحِينَمَا أَتَكَلَّمُ فَهُمْ لِلْحَرْبِ [7]. يشعر أولاد الله بالغربة في هذا العالم، مع رغبة ملتهبة نحو السلام، بينما يقدم لهم العالم البغضة والكراهية. هنا نجد نبوة عن السيد المسيح رئيس السلام. * السلام هو قدرة المسيحيين وعظمتهم، سلام المسيح الذي يفوق كل عقل (فهم) (في 4: 7). طوبى لصانعي السلام، ليس فقط الذين يستعيدون السلام وسط الحروب، بل والذين يؤسسون سلامًا في أنفسهم... طوبى لصانعي السلام الذين يقدمون سلامًا لمن يبغضون السلام[29]. القديس جيروم * "مع مبغض السلام كنت (إنسان) سلام" [7]. لكن ما تسمعونه أيها المحبوبون جدًا الأعزاء، لا تقدرون أن تبرهنوا كيف بالحق تسبحونه ما لم تبدأوا بالعمل بما تسبحون به... ابدأوا بالعمل وانظروا إلى ما تنطقون به... تفيض الدموع مع كل كلمة، وعندئذٍ يُسبح بالمزمور، ويمارس القلب ما يُسبِّح به في المزمور... مَنْ هم أولئك الذين يبغضون السلام؟ الذين يمزِّقون الوحدة. لو لم يبغضوا السلام لسكنوا في الوحدة... يلزمنا القول: أحبوا السلام، فتحبوا المسيح. لماذا؟ لأن الرسول يقول عن المسيح: "لأنه هو سلامنا، الذي جعل الاثنين واحدًا" (أف 2: 14)[30]. القديس أغسطينوس * من هم الذين يبغضون السلام؟ إنهم الذين يمزقون الوحدة. هذا نقوله نحن أيضًا لهم: حبوا السلام، حبوا المسيح، لأنهم إن أحبوا السلام يحبون المسيح... يقول الرسول عن المسيح إنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحدًا (أف 2: 14). القديس أغسطينوس * من الجلي أن حياتنا تصير حياة نشاز مع الله الذي هو فائق البرّ، لكون أوتارنا قد تناغمت في وفاق مع الأشرار. ينبغي أن نعظ المسالمين بأن لا يخشوا الاضطرابات التي تعصف بسلامهم الأرضي، وليكسروا حاجز الصمت بكلمات التوبيخ. ثم عليهم أن يحتفظوا بحبهم الداخلي دون شائبة، حتى ولو حدث اضطراب خارجي للسلام الخارجي بسبب التوبيخ. ويعلن لنا داود أنه استطاع أن يرعى بحكمة كِلا الأمرين: "أنا سلامٌ، وحينما أتكلمُ فَهُمْ للحربِ" (مز 120: 7) لنلاحظ أنه عندما تكلم قام عليه معارضوه ومع ذلك كان مسالمًا. إنه لم يتوقف عن التوبيخ، ولا عن محبة الذين يوبخهم[31]. الأب غريغوريوس (الكبير) * لم يقل: "مع الذين ليس لهم سلام"، بل قال: "مع مبغضي السلام، كنت أنا سلام". ألا ترون قيمة المحن؟ ألا ترون ثمر السبي؟ على أي الأحوال، من منا في هذه الأيام في وضع يمكنه أن يقول هذا؟ إنه جدير بالثناء أن تكون في سلامٍ مع الذين يحبون السلام، ولكن الأمر مختلف مع الذين يبغضون السلام. فكيف يمكننا أن نبلغ هذا؟ إن كنا نعيش كغرباء... إن كنا لا نلتصق بالحياة الحاضرة! ليس شيء يسبب صراعات وعداوة مثل محبة الحاضر، والرغبة في الشهرة والمال والترف... لهذا يأمرنا الكتاب المقدس أن نعيش كحملانٍ بين ذئاب (مت10: 16)... هذا وذاك شخص شرير وفاسد، لكنك أنت لك سلطان أن تغلب حتى الشرير. من هو أكثر وداعة من الحمل؟ ومن جانب آخر، من هو أعنف من الذئب؟ ومع هذا الأول يغلب الثاني، كما ثبت ذلك في حالة الرسل، ليس شيء أكثر سلطانًا من اللطف، ليس شيء أقوى من طول الأناة[32]. * "حينما أتكلم معهم يعادونني بلا سبب"... في الوقت المعين أقدم شهادة عن الحب؛ في الوقت المناسب أنطق بكلمات الحنو ... ومع هذا لم يكن لهذا أثره عليهم. لقد استمررت أن أقدم البرهان على الفضيلة من جانبي بالرغم مما هم عليه في فكرهم[33]. القديس يوحنا الذهبي الفم من وحي المزمور 120 من ينقذني من سهام العدو سواك؟ * تسبحك نفسي يا من تخرج من الضيق بركات لا تُحصى. في وسط ضيقي صرخت إليك، فانفتح أمامي باب الرجاء! شاهدت يديك مبسوطتين لتحتضني. وثقت في معونتك وأنا في وسط الآلام. أشرق نور قيامتك عليّ وأنا بين الأموات. * عدو الخير يتربص ليّ، إنه الكذاب، وأب الكذاب، يلقي بكلماته في فكري كسهامٍ قاتلة. من ينقذني من سهامه سوى سهام كلمتك النارية. جراحاتها شافية، عوض جراحات الخطية يمتلئ قلبي بجراحات الحب. تلتهب نفسي بنار روحك القدوس. تصير كجمرة نارٍ ملتهبة، لا يقدر العدو أن يطفئها. * أعماقي تشتهي الانطلاق إليك. هوذا الأشرار يقاومونني، الظلمة تود أن تحوط بي. الكل يثور ضدي، لكن سلامك يملأ قلبي. أعماقي تحب حتى المقاومين! سلامك عجيب يا ملك السلام! إلهي، أنت مخلصي الفريد. تنقذني من إبليس وكل قواته، تهبني ذاتك حياة أبدية عوض الموت. فيك أجد سلامي الداخلي. بك يُنتزع عني كل فسادٍ، وتتجدد حياتي يومًا فيومًا. |
||||
14 - 04 - 2014, 04:45 PM | رقم المشاركة : ( 145 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 121 (120 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير سر سلامي: الالتصاق بالمخلص كلمة الله رأينا في المزمور السابق القادمين إلى أورشليم ليتمتعوا بالعبادة في هيكل الرب، يبدأون رحلتهم بالشعور بالتغرب في وادي الدموع. لن يكف عدو الخير - السليط اللسان- عن مقاومتهم حتى يمرر حياتهم فلا يصعدون. بدأ المرتل باسم كل المتغربين في هذا العالم بصرخة إلى الرب المخلص الكلي الحنو، لينقذه من سهام إبليس النارية، وختمه بظهور المخلص القائل: "أنا سلام" (مز 120: 7). الآن إذ عبروا الخطوة الأولى يرفعون أعينهم إلى الرب المخلص الفريد معين الغرباء. تكررت كلمة "يحفظ" ومشتقاتها ست مرات، حتى يمكننا أن ندعو هذا المزمور: مزمور الحفظ والأمان. الآن في هذا المزمور تُمتص كل أفكار المرتل وعواطفه نحو هذا المخلص الفريد في قدراته الإلهية وحنوه الأبوي وسماته الأبدية! يقدم لنا المرتل صورة رائعة عن المخلص الفريد الذي يعينني ويحفظني ويهبني سلامه العجيب: 1. كلمة الله جبال مقدسة 1-2. 2. الالتصاق بالحارس السماوي 3-5. 3. التمسك بالمسيح وكنيسته 6. 4. السلوك المقدس 7. 5. الشعور بالحضرة الإلهية 8. من وحي المزمور 121 1. كلمة الله جبال مقدسة يتطلع القادمون إلى أورشليم، فيرون الجبال المحيطة بمدينتهم المحبوبة، فترتفع قلوبهم إلى الجبل الإلهي الآمن. كان اليهود يتطلعون إلى جبل صهيون كأروع ما في الطبيعة، حيث تُقام أورشليم مدينة الله على الجبال المقدسة، ويُقام الهيكل المقدس فيها. الآن يتقدم المخلص رب الطبيعة نفسه كجبلٍ فريدٍ يخلصنا من الشرور ويرفعنا إلى مدينة الله السماوية. تَرْنِيمَةُ الْمَصَاعِدِ أَرْفَعُ عَيْنَيَّ إِلَى الْجِبَالِ، مِنْ حَيْثُ يَأْتِي عَوْنِي [1]. في العهد القديم وجد نوح راحته إلى حين على جبل أراراط، حيث استقر الفلك به. ووجد موسى وإيليا راحتهما بالحديث مع الله على جبل سيناء أو حوريب، وسكن إيليا إلى حين على جبل الكرمل، ووجد اليهود سعادتهم المؤقتة على جبل صهيون حيث أُقيم هيكل سليمان. أما المرتل فيتطلع هنا إلى جبل فريد هو الإيمان بالمسيَّا المخلص، القادر وحده أن يهب القيامة من الأموات وأمجاد الحياة الأبدية. في تهليل مع دهشة يقول زكريا النبي: "من أنت أيها الجبل العظيم" (زك 4: 7) ما هي هذه الجبال القادرة أن تعين الإنسان وتخلصه من الموت الذي حلّ به سوى ذاك الحجر الذي رآه نبوخذنصر: "الحجر الذي ضرب التمثال، فصار جبلًا كبيرًا وملأ الأرض كلها" (دا 2: 35). هذا الجبل القدوس يقيم من مؤمني العهد القديم والعهد الجديد جبالًا مقدسة، تحمل نوره. يتطلع إليها البشر الجادون في التمتع بالحق الإلهي، فيجدون العون الإلهي، ليس من الجبال ذاتها، إنما من الرب الساكن فيهم، والعامل في حياتهم. يرى العلامة أوريجينوس أنه من محبةww الله لنا أنه يظهر لنا فوق الجبال، حتى لا يجهدنا في التفتيش عنه، إذ نراه طافرًا على الجبال (نش 2: 8). مسيحنا المخلص الحقيقي يتحدث عن نفسه أنه الجبل الذي ينتقل كما من السماء ليُطرح في البحر (مت 21: 21؛ مر 11: 33)، لكي يخلصنا من بحر الهاوية ويرتفع بنا إلى سماواته. يرى القديس جيروم أن الجبال هنا تشير إلى أنبياء العهد القديم التي قدمت لنا نبوات عن مجيء المسيح المخلص، والرسل والتلاميذ الذين كرزوا به في العهد الجديد. ويعلن القديس أغسطينوس أن التلال والجبال المقدسة هي الأسفار الإلهية التي بها نستنير بالشمس ذاته، فيحفظها من الظلمة. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أنه من بركات التجارب والمحن إذ تشعر النفس بالفقدان والارتباك فتشتاق أن تطلب الراحة من عند الرب المطَّلع على الخفيات، حيث تدرك عجز البشرية عن تقديم العون لها. * النفس الزانية - راحاب التي فينا - تصرخ: "رفعت عينيّ إلى الجبال من حيث يأتي عوني" [1]. حقًا إن رئيس هذا العالم لا يقدر أن يصعد إلى هذه المناطق ويصل إلى ربنا يسوع في المرتفعات، مع أنه في التجربة أخذه إلى موضعٍ عالٍ، وقال له: "اطرح نفسك إلى أسفل". (مت 6:4) فإنه لا يحب إلا الساقطين إلى الأعماق السفلية، إذ هناك يملك وهناك يقيم مسكنه، ومن هناك يهبط إلى جهنم[1]. العلامة أوريجينوس * يليق بنا أن نطرح جلد (نعل) الحرف، ونصعد على جبل صهيون حفاة مع موسى، قائلين: "أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم" (خر 3: 3)[2]. * إنهم الجبال التي نلجأ إليها عندما تحل رجسة الخراب في الموضع المقدس (مت 24: 15)[3]. القديس جيروم مَعُونَتِي مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، صَانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [2]. في حرفية قاتلة، كان اليهود يتطلعون إلى معونتهم من الهيكل المقام في أورشليم على جبل صهيون، دون الاهتمام بالرجوع إلى الله نفسه. لكن الله سمح بهدم الهيكل، وأسرهم في بابل، لكي يدركوا أن معونتهم تصدر عن التصاقهم بالله صانع السماء والأرض. فمع اهتمام الله ببيته الذي في وسط شعبه، إلا أنه يود أن يقيم منهم هيكلًا يقدسه ويسكن فيه. * "معونتي من عند الرب": وليس من كائنات بشرية، ولا من الخيول، ولا من الممتلكات، ولا من المتحالفين. ولا من متاريس. معونتنا من عند الرب، هذا العون لا يُقهر، هذا العون لا يُغلب، وهو ليس فقط لا يُقهر، بل وأيضًا عون بسيط وسهل. أعني، أنه لا حاجة لنا إلى السفر طريقًا طويلًا، ولا إلى مداهنة الحجَّاب، ولا إلى إنفاق أموال باهظة... ولا إلى حفظ الأعين في الأعالي[4]. القديس يوحنا الذهبي الفم * شمس البرّ قد أشرق فعلًا، والإنجيل كُرز به بواسطة الرسل، والأسفار الإلهية (للعهد القديم) بُشِّر بها، الأسرار انكشفت، والحجاب تمزق، وأعلن المكان الخفي الذي في الهيكل، لهذا فليرفعوا أعينهم إلى التلال حيث يأتي العون... يقول: "من ملئه نحن جميعًا أخذنا" (يو 1: 16). العون هو من عنده الذي من ملئه أخذت التلال، وليس من التلال نفسها[5]. القديس أغسطينوس * يقدم المزمور الثاني للمصاعد (مز 120: 2) تطويبًا للرجل الذي يأخذ معونة من الرب صانع السماوات والأرض، فلن تضربه الشمس في النهار (عدد 6)، وإشعياء التي إذ يتنبأ بإقامة الكنيسة (إش 60: 4؛ 66: 12) يصفها بموكب خاص. وتزداد القصة إشراقًا إذ يقول: إن البنات يُحملن على الأيدي، والأطفال في مركبات مغطاة، وتحميهم مظلات من حرارة الشمس المحرقة[6]. القديس غريغوريوس أسقف نيصص 2. الالتصاق بالحارس السماوي إذ يتطلع اليهود إلى التاريخ لن ينسوا خروجهم من مصر بيدٍ قوية وذراعٍ رفيعة، وكيف كان الله نفسه يحفظهم نهارًا وليلًا في البرية. لاَ يَدَعُ رِجْلَكَ تَزِلُّ. لاَ يَنْعَسُ حَافِظُكَ [3]. ليس من يقدر أن يحفظ أرجلنا من الزلل سوى ذاك الذي يقول عنه المرتل: "ينتزع من الفخ رجلي" (مز 25: 15). يرى القديس يوحنا الذهبي الفم في هذه العبارة أن الله هو مصدر راحتنا وطمأنينتنا حيث لا يسمح لأرجلنا أن تتعثر، ويسهر علينا ليهبنا الطمأنينة والأمان. * "لا يدع رجلك تزل"، بمعنى أنك لا تتعثر، بل يمد الله يده إليك، ولا يتخلَّى عنك، ولا يتركك... عن هذا ينشأ أيضًا أن حتى ما نساهم فيه نحتاج إلى نعمته حتى نبقى في أمان ونستمر دون اضطراب[7]. القديس يوحنا الذهبي الفم * لاحظوا أولًا ذاك الذي كان بين الملائكة وقد زلت رجله، هذا الذي لما زلت رجله سقط، وتحوَّل من ملاك إلى شيطان... لقد سقط بالكبرياء. ليس شيء يجعل الرجل تزل مثل الكبرياء. الحب يجعل الرِجْل تمشي وتتقدم وتصعد، والكبرياء يجعلها تسقط[8]. * اختر لنفسك ذاك الذي لا ينعس ولا ينام، عندئذٍ لا تزل رجلك. الله لن ينام. إن أردت لك حافظًا لن ينام، اختر لكَ الله حافظًا لك[9]. القديس أغسطينوس إِنَّهُ لاَ يَنْعَسُ وَلاَ يَنَامُ، حَافِظُ إِسْرَائِيلَ [4]. لا يخضع الخالق، حارس النفس، للزمن، فبالنسبة له لا يوجد ليل يطلب فيه نعاسًا وراحة، فكيف عن حراسة المؤمن؟ إنه يرى الكل في كل حين، ويعرف كل شيء ولا يخفي عليه شيء حيث لا توجد ظلمة بالنسبة له، وهو القادر على كل شيءٍ. لقد نام السيد المسيح بالجسد في مؤخرة السفينة لكي ما يوقظ إيمان التلاميذ ويدركوا أنه حافظ حياتهم ونفوسهم، ينتهر الرياح فتهدأ عنهم (مر 4: 35-40). إنه لا ينعس ولا ينام، مشغول بخلاصنا وراحتنا نهارًا وليلًا. يظلل علينا في النهار كسحابة لا تفارقنا، ويقودنا وسط ظلمة الليل كعمود نور يتقدمنا حتى لا نتعثر. إن كان قد قيل عن السيد المسيح: "لا ينعس ولا ينام حافظ إسرائيل" (مز 121: 4)، فإن الكنيسة عروسه تتغنى: "أنا نائمة وقلبي مستيقظ" (نش 5: 2). وكما يقول القديس جيروم: [كان يوجد رعاة ساهرين في ذلك الموضع (لو 2: 8)، فإنهم لن يجدوا المسيح ما لم يكونوا ساهرين، لأنه هذا هو التزام الراعي. لا يُوجد المسيح إلا بواسطة الساهر[10].] يرى القديس يوحنا الذهبي الفم في هذا القول أن الله لا يتخلى عن دوره في الرعاية، فلا يتركنا بل يبقى حافظًا لنا في أمانٍ عظيمٍ. في المثل الخاص بالسامري الصالح يرى كثير من آباء الكنيسة أن السيد المسيح عني بالسامري شخصه هو، لأن كلمة سامري معناها "حارس" أو "حافظ". فالسيد المسيح هو حارس النفس الذي لا يأتمن آخر غيره عليها. هذا السامري الصالح والمهتم بالحراسة الإلهية للنفس يهتم بالمؤمن شخصيًا، إذ يقول المرتل: "حافظك" وهو لا ينعس ولا ينام، بل يسهر عليك ويحفظك حتى لا تزل رجلك فتسقط وتهوي، كما زلت أرجل بعض الملائكة، فسقطوا من رتبتهم السماوية، وصاروا بالكبرياء شياطين! * يحفظكِ السامري -أي المخلص والحارس- مقدسة في الجيد والروح، الذي قيل عنه في المزمور: "لا ينعس ولا ينام حافظ إسرائيل" ليت الحارس القدوس الذي نزل لدانيال يأتي إليكِ، حتى يمكنكِ القول: "أنا نائمة وقلبي مستيقظ" (نش 5: 2)[11]. القديس جيروم * ليته لا يخف إنسان ما من الهلاك، مهما كان سقوطه فإنه السامري الصالح حارس النفوس. أقول إنه لن يجتازه (الجريح)، بل يحنو عليه ويشفيه[12]. القديس أمبروسيوس * حارسنا هو خالقنا[13]. القديس أغسطينوس * لنعمل كل شيء قدر استطاعتنا لنبقى ساهرين معه، ذاك الذي لا ينعس ولا ينام، حارس إسرائيل (مز 121: 4)[14]. العلامة أوريجينوس * [بخصوص انصراف المجوس في طريق أخرى إلى كورتهم (مت 2: 12)]. هذا مثال لنا في التواضع والإيمان، فإننا ما أن نأتي لكي نعرف المسيح كملك ونسجد له، حتى نترك طريقنا الذي كنا نسلكه قبلًا، الذي هو طريق الخطأ (حيث جاءوا إلى هيرودس). الآن نسير في طريق آخر، يكون فيه المسيح مرشدنا. نرجع إلى كورتنا، الفردوس الذي طُرد منه آدم. هذا الموضع أشير إليه في مزمور بكوننا نسر الله في أرض الأحياء[15]. الأب خروماتيوس * دعونا الآن نراجع بعض الفقرات السابقة في النص التي لم نتكلم عنها. مَرّ الكلمة على عروسه، ولكنها لم تعرف حبيبها. إنه لم يمر عليها ويجرى إلى الأمام ويهجر عروسه، لكنه أراد أن يجذبها لنفسه. وقالت العروس: "نفسي خرجت على كلمته". أي أن نفسها خرجت من المكان الذي كانت فيه حيث وجدها حراس المدينة: "وجدني الحرس الطائف في المدينة، ضربوني جرحوني، حفظة الأسوار دفعوا برقعي عني". إن لاقت العروس أية آلام خاصة بالجحيم أو بلصٍ لكانت هذه خبرة مريرة لها "السارق لا يأتي إلاّ ليسرق ويذبح ويهلك" (يو10:10)، ولكن أن يجدها حراس المدينة فهذه في الحقيقة نعمة، لأن ما يجدونه لا يمكن أن يسرقه اللصوص. من هم هؤلاء الحراس؟ إنهم ليسوا إلاّ حراس إسرائيل (مز 4:121)، هؤلاء هم حراسنا على اليمين، وهم الذين نعتقد أنهم يحفظون نفوسنا من الشر، ويحرسون دخولنا وخروجنا. الله هو حارس المدينة ويقول عنه المزمور: "إن لم يحفظ الرب المدينة فباطلًا يسهر الحارس" (مز 1:127). هؤلاء الذين يشير إليهم النص كحراسٍ للمدينة هم "الأرواح الخادمة المرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 14:1)[16]. القديس غريغوريوس أسقف نيصص * تستنير النفس بالتوبة لترى وتباشر بالعمل لإخراج الشرور بأسرها... وعندما ترى العملية قاسية وصعبة عليها تدعو المراحم (الإلهية) لتعضدها في فاعليتها. تشرع في جر الإثم وسحبه، لتخرجه من بيتها، فتستأجر الحنان بالدموع ليكون عاملًا معها. تبدأ في جمع الذنوب التي دخلت إليها منذ صباها، وتسكب مياه عينيها بدراية... كان اللص طفلًا مبتدئًا في ذلك الاعتراف، ثم توصل ليكون وارثًا في الملكوت. بكلمة واحدة نقل جميع جبال الإثم التي بناها، لأن إيمانه كان قويًا (مت 17: 19). ساعدته المراحم ليبلغ إلى هذا العمل الجبار. أنت أيضًا إن طلبتها تأتي إلى عونك. عليك أنت ن تبدأ فقط ويسير الحنان حالًا معك. قدم أنت سببًا، ومساعدك لن يبطئ (مز 121: 3-4)[17]. القديس مار يعقوب السروجي * لتكن إسرائيل! ماذا تعني إسرائيل؟ إنها تُفسر "رؤية الله". وكيف يُرى الله؟ أولًا بالإيمان، وبعد ذلك بالرؤية. إن كنت لا تقدر بعد أن تراه بالعيان، فلتنظره بالإيمان... لا تتكل على إنسان، فالمائت قد ينعس، إنه ينام في الموت، لا تطلب لك من بين البشر حارسًا![18] القديس أغسطينوس الرَّبُّ حَافِظُكَ. الرَّبُّ ظِلٌّ لَكَ عَنْ يَدِكَ الْيُمْنَى [5]. الله يريد أن يخلص العالم كله لأنه محب البشر، ويود أن يحتضن كل إنسان بكونه إلهه الشخصي، يعطيه كل الحب وكل الرعاية. إن كان الرب قد وهب بطرس أن يشفي بظله الأمراض، فكم يكون ظل الرب نفسه الذي بسط يديه على الصليب ليلقي بظله على كل البشرية. إنه يظلل على يدنا اليمنى أي على أعمالنا وتصرفاتنا لكي نسلك حسب إرادته المقدسة. * إنه حافظك، يقول إنه حليفك، ومعينك... بل وملجأ لك[19]. القديس يوحنا الذهبي الفم * يدنا اليسرى تعني كل ما لدينا بطريقة وقتية، واليد اليمنى تعني ما يعدنا به الله، ما هو غير قابل للتغير وأبدي. لكنه إن كان يعطينا الحياة الأبدية فهو نفسه يريح حياتنا الحاضرة بالبركات الزمنية. هو نفسه صنع يدينا اليمنى واليسرى... إيمانك هو يدك اليمنى، أي السلطان المُعطى لك. أن تكون بين أبناء الله فهذه هي يدك اليمنى[20]. القديس أغسطينوس 3. التمسك بالمسيح وكنيسته لاَ تَضْرِبُكَ الشَّمْسُ فِي النَّهَارِ، وَلاَ الْقَمَرُ فِي اللَّيْلِ [6]. يحفظ الله مؤمنيه نهارًا وليلًا، فلا تؤذيهم الشمس بحرارتها الحارقة ولا القمر بالليل. قيل إن القمر له تأثير في المناطق الصحراوية يؤذي جسم الإنسان[21]. دُعي السيد المسيح شمس البرّ والشفاء في أجنحتها، ودُعيت الكنيسة بالقمر التي تحمل انعكاس نور شمس البرّ. فمن ينكر الإيمان بالسيد المسيح تحرقه الشمس، ومن يسبب انشقاقًا في الكنيسة يحرقه القمر. الله يحفظنا في الإيمان المستقيم وفي وحدة الكنيسة الحقيقية. مقابل هذا فإن عدو الخير المخادع يظهر كشمسٍ لا ليهب شفاءً للنفوس، بل ليحرق بشروره النفس ويحطمها. ويظهر كقمرٍ إشارة إلى الثعالب الصغيرة التي تفسد كرم النفس خلال صغر النفس والكآبة.يرى البعض أن ضربات الشمس هي السقوط في الكبرياء والبرّ الذاتي، وضربات القمر هي التحطيم بالتجارب. والرب يحفظ أولاده من كليهما. * إنه يريد أن يؤكد عنايته بصورة فيَّاضة، ليس فقط بتحريرهم من المتاعب، وإنما لا يسمح أيضًا لهم حتى بالمصاعب البشرية العادية... عونه يتحقق بسخائه ورأفته فوق كل تقدير، عونه من جانبه لا يُقاس حسب احتياجنا بل يتعدى متطلباتنا[22]. القديس يوحنا الذهبي الفم * يتقدم جندي المسيح سواء بصيتٍ حسنٍ أو بصيتٍ رديءٍ (2 كو 6: 8)، واحد عن اليمين، والآخر عن اليسار. المديح لا ينفخه، والتوبيخ لا يحطمه. لا ينتفخ بالغنى، ولا يحطمه الفقر، الفرح والحزن يحتقرهما على حدٍ سواء، لا تحرقه الشمس بالنهار، ولا القمر بالليل[23]. القديس جيروم * من لا يخطئ في الحكمة ذاته لا تحرقه الشمس. ومن لا يخطئ في الكنيسة وفي جسد الرب وفي الأمور التي صنعت لأجلنا في الزمن لا يحرقه القمر[24]. القديس أغسطينوس * هكذا ترون أن الشمس لن تحرق القديسين الذين ليس فيهم أمر شرير، لأنه كما نقول بأن للشمس قوة ذات حدين، فهي تنير الأبرار، لكنها لا تنير الأشرار بل تحرقهم، لأنهم هم أنفسهم يكرهون النور، إذ يفعلون الشر (يو 3: 29)[25]. * لا تحرق شمس التجارب الإنسان البار الذي يستريح تحت ظل كلمة الله. الشمس التي تحرق البار ليست تلك الشمس التي تسبح بل بالحري ذاك الذي يغير نفسه إلى ملاك نور (1 كو 11: 14)[26]. * "عيناك حمامتان؛ ها أنت جميلة يا حبيبتي ها أنت جميلة عيناك حمامتان" (نش 15:1). سمعت العروس هذا الثناء، فأثنت بدورها على العريس. إنها لا تثنى على جمال لا تراه. كلا. بل رأت جماله وأطالت النظر فيه فقالت "ها أنت جميل يا حبيبي وحلو وسريرنا أخضر" (نش 16:1) أنى أبحث عن سرير تستريح فيه العروس والعريس، أنه الجسم البشرى فالمفلوج الذي كان يرقد على سريره دعاه الرب أن يذهب إلى بيته حاملا سريره (مت 6:9). لقد كان يرقد فيه وهو بائس لضعف أعضائه التي ثبتت بعد ذلك بالقوة الإلهية وهذا معنى أمر الرب "احمل سريرك، واذهب إلى بيتك"، لأن ابن الله لم ينزل من السماء إلى الأرض ليعطي أوامر خاصة بالسرير- كذلك لم ينزل لكي يترك الذي شفي من مرضه يذهب بلا سريره، لكنه قال: "احمل سريرك، واذهب إلى بيتك". وأنت أيضًا يا من شفاك المخلص احمل سريرك أيضًا واذهب إلى بيتك، وعندك يأتي العريس... وينام. ستقول له: "ها أنت جميل يا حبيبي وحلو، وسريرنا أخضر. ها أنت جميل يا حبيبي... إنه جميل، فلا تحرقك الشمس بالنهار، ولا القمر بالليل" (مز 6:120). العلامة أوريجينوس * جندي المسيح يزحف بصيتٍ حسنٍ وبصيتٍ رديءٍ، الواحد عن اليمين والآخر عن اليسار. ليس من مديح ينفخه، ولا من ذمٍ يحطمه. لا يتفاخر بالغنى ولا يحبطه الفقر. الفرح والحزن سيان يحتقرهما. لا تحرقه الشمس بالنهار، ولا القمر بالليل[27]. القديس جيروم 4. السلوك المقدس رعاية المخلص على مستوى أبدي، يهتم بخلاصنا ليدخل بنا إلى أمجاده الأبدية. الرَّبُّ يَحْفَظُكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ. يَحْفَظُ نَفْسَكَ [7]. إذ يلتصق به ككنزٍ في أوان خزفية، يحفظنا هو ويقدسنا له. فلا يليق بنا أن ننشغل حتى بالسياسات الكنسية. الذين يتكلون عليه وينظرون إليه يحفظهم من كل شرٍ أخلاقي، أي من الخطية، وليس ما ندعوه نحن شرًا كالآلام والأحزان والخسائر في الأمور الزمنية. الحفظ من الشر يتضمن حياة آمنة متهللة وسط الآلام والضيقات، وليس بالضرورة إزالة الضيق. العلامة أوريجينوس * بمعنى آخر، ذاك الذي لا يسمح لك أن تعاني حتى من المشاكل البسيطة، وعوض ذلك تمتد رعايته وعنايته بك إلى هذه الدرجة، مستعد بالحري أن يستثنيك عن الآخرين... يد الله كليَّة القدرة، وفعّالة، وقادرة أن تحررك وتخلصك من كل تعبٍ، أيا كان هذا التعب، وتجعلك حرًا[28]. القديس يوحنا الذهبي الفم * "الرب يحفظك من كل شرٍ" [7]، من المعاصي في الشمس والمعاصي في القمر، يحفظك من كل شرٍ، بهذا يحفظ يدك اليمنى ذاك الذي لا ينعس ولا ينام[29]. القديس أغسطينوس * عندما تسمع خبرًا حسنًا احتقره، ولا تتكل عليه لأنه ليس صحيحًا. وإن طرق سمعك أيضًا خبر سيئ لا تخف منه، لأنه غير ثابتٍ. في هذا الزمان تمتطي الأخبار السارة والمحزنة العجلات مثل النهار والليل، وتتراكض وراء بعضها بعضًا، وليس لأي منها سلطة لتستقر في موضعٍ أو تخرج منه، لأن الحكمة إرادتها أن تتراكض هكذا. لا يفزع فكرك ويستعجل ويطارد مثلها، بحيث يحزنك هذا ويفرحك ذاك. لكن دعْ الأخبار تذهب وتجيء، واتكل على الله، وعلى رجاء الإيمان، منتظرًا العبارة التي تقول: "لا تضربك الشمس في النهار، ولا القمر في الليل، الرب يحفظك من كل شر" (مز 121: 6-7)[30]. القديس مار يعقوب السروجي 5. الشعور بالحضرة الإلهية الرَّبُّ يَحْفَظُ خُرُوجَكَ وَدُخُولَكَ، مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ [8]. إنه يحفظ خروجنا من محبة العالم، ويحفظ دخولنا إلى خبرة الحياة السماوية. لقد خرج من عند الآب ونزل إلينا، ليحملنا فيه ويدخل بنا إلى حضن الآب. بخروجه ودخوله قدَّس خروجنا ودخولنا. * يشير هنا إلى كل ما في الحياة، كل الحياة مغطاة بهذه (العناية)، المداخل والمخارج. إنه يقول ليس إلى يومٍ أو يومين أو ثلاثة أيام أو عشرة أو عشرين أو مائة يومٍ، بل على الدوام، وهذا ليس حال البشر الذين يتعرضون إلى تغيُّرات كثيرة، وأحداث لا تتوقف، وتبديل لا ينتهي... صديق اليوم هو عدو الغد، المعين اليوم يتركك غدًا... أما ما يأتي من الله، فغير متغير، وخالد، وثابت، وغير محدود[31]. القديس يوحنا الذهبي الفم * "الرب يحفظ خروجك ودخولك من الآن وإلى الدهر" [8]. ليس جسمك، فإن الشهداء هلكت أجسامهم لكن "الرب يحفظ نفسك"[32]. القديس أغسطينوس يستخدم اليهود تعبير "يدخل ويخرج" لتعني "كل شيءٍ" أو لتدل على تصرفاتنا اليومية، أي سلوكنا اليومي ( تث 28:6؛ يش 14:11؛ 2 صم 3:25). وربما تعني حياة الإنسان منذ مولده حيث يدخل العالم إلى يوم رحيله حيث يخرج منه، أي إلى فجر الحياة وغروبها. ويفسر البعض هذا التعبير روحيًا بمعنى أنه يحفظ الإنسان منذ دخوله إلى الحياة حتى يخرج ليمارس الحياة الجديدة في الرب، وكأنه يحفظه حتى في ضعفه حتى يدخل إلى الشركة مع السماوي. * خروجنا من حالتنا الراهنة يصير دخولًا إلى عالم الخير المطلق. إنه الخروج الذي تتمتع به النفس حينما تسترشد بالكلمة (اللوغوس) الذي قال: "أنا هو الباب" (يو 10: 9) لن تكف (تلك النفس) عن الدخول والخروج، فإن راحتها فقط في دخولها المستمر، بتقدمها في الأمور التي كانت قبلًا، وفي خروجها من الحالة التي أدركتها بالفعل. بهذه الطريقة أيضًا عبر وجه الرب المحبوب بموسى، وبهذا فإن نفس مستلم الناموس استمرت في الخروج من الحالة التي كانت عليها لتتبع على الدوام الكلمة التي سارت قدامها[33]. القديس غريغوريوس النيسي من وحي المزمور 121 لألتصق بك يا حارس نفسي! * من يحرس نفسي ويحفظني من الشر سواك. من أجلي صرت جبلًا شاهقًا، تحملني إلى القمة، فلا يقدر عدو الخير أن يقترب إليّ. يود أن يحدرني إلى الهاوية مسكنه الأخير، أما أنت فتصعد بي إلى قمم الجبال العالية. * من أجلي تجسدت، صرت حجرًا صغيرًا غير مقطوع بأيدٍ بشرية. ملأت الأرض، فصرت جبلًا شامخًا يا أيها القدوس. أقمت منا جبالًا مقدسة مستنيرة. تشرق بنورك علينا، فتبدد كل أثرٍ لظلمة إبليس، ولا يكون له موضع فينا. * تتهلل نفسي إذ أراك أقمت جبالًا في كل الأجيال. تشهد لبهائك وخلاصك وحقك الإلهي! * لنطرح عنا نعالنا، ونصعد على جبل صهيون المقدس. نقول مع نبيك موسى: "أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم!" اسمع معه صوتك، واكتشف معه أسرار تجسدك. أراك نارًا تلحق بالعليقة، لا لتحرفها بل تنيرها. * وهبتني أسفار كتابك المقدس جبالًا منيرة. أتمتع بنور معرفتك، وأنعم بعونك. كتابك نور وحياة، قوة مع عذوبة! * كان المؤمنون يشتهون الصعود إلى أورشليم، يرون هيكلك الذي على مثال سماواتك. وهبتني أن تحملني إلى عربون السماء. تستقر نفسي في أحضانك، فتستريح على الدوام. ليهج عدو الخير بكل قواته، فأنت عوني وحارسي. لألتصق بك يا حارسي! * إن كان العدو لا شغل له سوى تدبير مكائد، فإنك تنتزع من فخاخه رجلي. أنت هو الطريق الذي ليس فيه عثرة. تحملني وتصعد بيّ إلى الراحة الأبدية. * أنت الحارس الذي لا ينعس ولا ينام، تهبني روح السهر، فتتغنى نفسي قائلة: "أنا نائمة وقلبي مستيقظ". لن يغفو قلبي مادمت معك. * لتحفظني من ضربات الشمس كما من ضربات القمر. لا أخطئ إلى الإيمان فأسقط تحت ضربات الشمس. ولا أخطئ في حق الكنيسة فأسقط تحت ضربات القمر. أنزع عني الكبرياء، فلا تحطمني الشمس. وأنزع عني صغر النفس، فلا يحطمني القمر. بك لا يحطمني الغنى، وبك لا يسحقني الفقر. بك لا يفسدني الفرح غير اللائق، ولا الحزن القاتل. * لتحفظ خروجي ودخولي. بك يطمئن قلبي بخروجه من محبة العالم. وبك تستريح نفسي بدخولي إلى عربون السماوات. لتحفظني منذ دخولي إلى العالم، وإلى خروجي منه. تحفظني منذ الحبل بيّ إلى يوم انطلاقي إليك! |
||||
14 - 04 - 2014, 04:51 PM | رقم المشاركة : ( 146 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 122 (121 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير الفرح ببيت الرب هذا هو المزمور الثالث من مزامير المصاعد التي كان يترنم بها القادمون إلى أورشليم، رمز المدينة السماوية، فرح كل الأرض (مز 48: 2)، التي اختارها الله مصدر السلام مسكنًا له (مز 132: 13). في المزمور 120 سمعنا صرخة البشرية إلى الله، تعلن عن حاجتها إلى المخلص القادر أن ينقذها من ضيقها الداخلي والخارجي، كما يقر القادم إلى بيت الرب أنه غريب في هذا العالم. وفي المزمور 121 يقدم لنا المرتل سمات هذا المخلص الفريد. كما يتطلع القادم إلى الجبال الإلهية، جبال الأسفار الإلهية حيث يصعد عليها بروح الفرح والتسبيح طالبًا حماية الله. وأما في هذا المزمور 122 فيقدم لنا صورة رائعة للنفس المتهللة بالاقتراب إلى بيت الرب الأبدي بفرحٍ عظيم. إذ يبلغ القادم إلى المدينة المقدسة بعد رحلة طويلة شاقة، يرى الأسباط تندفع معًا نحو بيت الرب لتسَجد لله وتكرم "بيت داود". في بيت الرب يختبر المؤمن وحدة الجميع معًا في السلام مع الله، فينعم بالفرح السماوي. جاء عنوان هذا المزمور في الترجمة السبعينية: "رحلة إلى بيت الرب". 1. دعوة ملائكية للعبور إلى بيت الرب 1-2. 2. دعوة كنسية جماعية 3-4. 3. دعوة ملوكية 5. 4. سلام وراحة وفرح وصلاح 6-9. من وحي المزمور 122 [ . دعوة ملائكية للعبور إلى بيت الرب[ هنا نهاية رحلتنا السعيدة مع المخلص، ينطلق بنا من هذا العالم، أرض الغربة، إلى بيت أبينا حيث الفرح الحقيقي. ما أن تقف أرجلنا على أعتاب أبواب السماء حتى نختبر فرحًا لا يُعبر عنه: "ما لم ترَه عين، ولم تسمع به أذن، ولم يخطر على بال إنسانٍ، ما أعده الله للذين يحبونه" (1 كو 2: 9). يرى المؤمن أن نفسه قد انطلقت إلى أورشليم العليا، مترنمة: "تقف أرجلنا في أبوابك يا أورشليم". هكذا يسبح المؤمن، ممجدًا الله الذي يحفظه طوال الطريق من السقوط، ويحضره بلا لوم أمام حضرة مجده بفرحٍ (يه 24). فَرِحْتُ بِالْقَائِلِينَ لِي: إِلَى بَيْتِ الرَّبِّ نَذْهَبُ [1]. من هم الذين يفرحون بانطلاقنا إلى بيت الرب السماوي سوى الملائكة، الذين يسكنون السماء، ويشتهون سكنانا معهم؟! إنهم رفقاء لنا في رحلتنا، هم يعيشون في السماء، ويحثوننا على الصعود لنعيش معهم، ونجري إليها بفرحٍ. * إننا نئن في رحلتنا، وسنفرح في المدينة. لكننا نجد لنا رفقاء في رحلتنا، هؤلاء قد رأوا تلك المدينة عينها. هؤلاء يحثوننا أن نجري نحوها. يفرح (المرتل) بهؤلاء أيضًا، قائلًا: "فرحت بالقائلين لي إلى بيت الرب نذهب" [1][1]. القديس أغسطينوس * كان جمع كبير من العبرانيين قبل سبيهم يزدرون بالهيكل حتى صاروا يقدمون ذبائح للأوثان على الجبال والتلال. ولكن بعد أن كابدوا الأحزان والشدائد تزايد شوقهم نحو هيكل الله. ولما بشروهم بالعتق من رق العبودية والانطلاق إلى أورشليم فرحوا فرحًا عظيمًا، وصاروا يخبرون بعضهم بعضًا، قائلين: "إلى بيت الرب نذهب". هذا هو الربح الحاصل من الأحزان. الأب أنثيموس (أنسيمُس) الأورشليمي * لقد صاروا في حالٍ أفضل خلال السبي. خلال هذه الخبرة، أولئك الذين كانوا فاترين ومتجاهلين للهيكل والاستماع للأقوال الإلهية، وكرسوا أنفسهم للجبال والوديان المنعزلة والهضاب الصغيرة (في العبادة الوثنية) والشر العظيم، ثارت فيهم رغبتهم في تلك العبادة القديمة، وصاروا مؤمنين غيورين في الوعد (الإلهي) ذاته، وصار لهم التجول اللائق والمستقيم والمتهلل في القلب. صاروا جائعين وعطشى، ليسوا جائعين للخبز وعطشى للماء، وإنما للاستماع لكلمة الله (عا 8: 11)[2]. * وجودنا في الكنيسة ما هو إلا استغاثة للعزة الإلهية، وإظهار عبوديتنا له، وشكرنا للنعمة المجانية التي أسبغها علينا حال كوننا أعداء له ومضادين وغير خاضعين لعزته، إذ أرسل ابنه الوحيد من السماء سافكًا دمه الزكي، وباذلًا جسده الكريم الطاهر فداءً عنا، ذاكرين هذه الآلام المجيدة، وصانعين هذه التذكارات الجليلة المحجوبة تحت ستار طبيعتي الخبز والخمر اللذين هما سرّ الجسد المبذول والدم الزكي المسفوك، ومشتركين في هذه النعم الفريدة، متحدين في هذه الأمجاد الإلهية. القديس يوحنا الذهبي الفم من الجانب الحرفي قد تحقق هذا الفرح ببيت الرب لدى بعض المسبيين في بابل عندما أصدر كورش مرسومًا بالسماح لهم بالعودة إلى أورشليم وبناء الهيكل. وأما من الجانب الروحي فقد تحقق هذا المزمور بمجيء السيد المسيح، وفتح لنا أبواب السماء لنذهب إلى بيتنا السماوي. وكما يقول الرسول بولس: "هذه الأمور جميعها أصابتهم مثالًا، وكُتبت لإنذارنا نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور" (1 كو 10: 11). تَقِفُ أَرْجُلُنَا فِي أَبْوَابِكِ يَا أُورُشَلِيمُ [2]. مع ما لرحلتنا في هذا العالم من بهجة لصحبة المسيح معنا وسط آلامنا، لكن بهجتنا تتحقق في أروع صورة حين نقف في أبواب أورشليم العليا، وقد تم بالفعل عتقنا من سبي الخطية، ولا مجال للدخول في معركة معها بعد. إذ نثق في مراحم الله وعمله معنا، وإذ يرى المرتل بروح النبوة ما سيتحقق معنا يتكلم بصيغة الماضي "وقفت أرجلنا"، مع أنه حديث خاص بالمستقبل. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن الإنسان الذي يلتهب قلبه بالشوق إلى كلمة الله، يجد شبعه العميق ولو بالوقوف على أبواب بيت الله، أو في دار البيت، يقرعها بيديه، ملتصقًا بمدينة الله والهيكل، شاعرًا بدينه العظيم لهما لتمتعه بوطنه السماوي. * لاحظوا ما سيكون هناك... ولو أن هؤلاء لم يزالوا في الطريق إلى المدينة إلا أنهم كانوا في عمق الرجاء للوصول إلى هناك والاجتماع مع إخوتهم. * بالرغم من أنك لا تزال على الطريق، ضع نصب عينيك كما لو كنت بالفعل واقفًا، كما لو كنت بالفعل فرحًا بلا توقف مع الملائكة، كما لو أن المكتوب قد تحقق فيك: "طوبى للساكنين في بيتك، دائمًا يسبحونك"[3]. القديس أغسطينوس [FONT=""]2. دعوة كنسية جماعية [/FONT] إذ يحملنا مخلصنا إلى حضن الآب فتنهل نفوسنا مما أعده الله لنا كمحبوبيه، فإن لقاءنا يهبنا نظرة جديدة نحو وحدتنا مع بعضنا البعض، وحبنا لبعضنا البعض، كأعضاء في جسدٍ واحدٍ مجيدٍ. أُورُشَلِيمُ الْمَبْنِيَّةُ كَمَدِينَةٍ مُتَّصِلَةٍ كُلِّهَا [3]. انقسم اليهود في أيام رحبعام بن سليمان إلى مملكتين (مملكة إسرائيل ومملكة يهوذا)، لكن بعد العودة من السبي لم يعد هناك انقسام بينهم، وهذه إحدى ثمار السبي. هكذا فإن المؤمنين بحق سيجتمعون في أورشليم العليا ككنيسة واحدة متصلة بعضها ببعض. إن كانت قلوب المؤمنين ملتهبة بالوقوف على أبواب أورشليم لتسمع كلمات الرب، وتشترك في العبادة الروحية، فإنهم كحجارة حيَّة يتصلون بعضهم ببعض بروح الحب، فيقيم منهم روح الله القدوس هيكلًا للرب، ومدينة الله المقدسة، أورشليم الروحية. يرى القديس أغسطينوس أن المرتل كان يترنم وهو يرى من بعيد أورشليم الأرضية قد صارت مدينة الله، جمعت القادمين من مساكن متفرقة، هكذا نرى نحن بعين الإيمان أورشليم العليا تُبنى عبر الأجيال، حيث تكتمل عند مجيء الرب. وكما يقول بطرس الرسول: "كونوا أنتم مبنيين كحجارة حية، بيتًا روحيًا" (1 بط 2: 5). جاء في سفر الأعمال، أن الكنيسة تضم كل يوم الذين يخلصون، هذه هي الحجارة الحية التي تُقطع من الجبال بأيدي الكارزين بالحق، وتتشكل في مياه المعمودية، وتتنسق معها بعمل روح الله القدوس خلا ل جهاد الكنيسة حتى يكمل البناء. * ويل لذاك الذي يغتني من خلال الخداع، ويبني بالدم مدينته، أي نفسه his soul . فإنها تٌبنى هكذا مثل مدينة (مز 122: 3 LXX). أما الطمع فلا يبقيها، بل يشعل فيها نارًا ويحرقها. أتريد أن تبني مدينتك حسنًا؟ "القليل مع مخافة الرب، خير من كنوز عظيمة بدون مخافة" (راجع أم 15: 16). لتعمل ثروات الإنسان لأجل خلاص نفسه، لا دمارها. الثروة فيها خلاص إن اُستخدمت حسنًا، هكذا تكون أيضًا فخًا إن لم يعرف الإنسان كيف يستخدمها (أم 13: 8). فما هو نفع مال الشخص ما لم يكون عونًا له في رحلته[4]. القديس أمبروسيوس يرى القديس أغسطينوسأن أورشليم ليست مدينة بل "كمدينة"، فهي مدينة روحية، وحجارتها حية، وأساسها يسوع المسيح ليس في القاع، وإنما في الأعالي. * إنه يتحدث عن مدينة تُبنى الآن، تجري إليها حجارة حيَّة بالإيمان، يقول عنها بطرس: "مبنيين كحجارة حية، بيتًا روحيًا" (1 بط 2: 5)، أي هيكل الله المقدس. ماذا يعني: "مبنين كحجارة حية"؟ إنك تعيش إن كنت تؤمن، وإن كنت تؤمن فإنك تصير هيكل الله، إذ يقول بولس الرسول: "هيكل الله مقدس الذي أنتم هو" (1 كو 3: 17). هذه المدينة الآن في دور البناء، والحجارة تُقطع من التلال بأيادي الذين يكرزون بالحق. إنها تُقطع مكعبات لكي تدخل في الإنشاءات الأبدية. لا تزال توجد حجارة كثيرة في يدي البنَّاء (الله). ليتها لا تسقط من يديه حتى تُبنى بطريقة كاملة في إنشاءات الهيكل. هذه إذن هي أورشليم المبنية كمدينة. المسيح هو أساسها. يقول الرسول بولس: "لا يستطيع أحد أن يضع أساسًا آخر غير الذي وُضع، الذي هو يسوع المسيح" (1 كو 3: 11). عندما يوضع أساس على الأرض تُبنى الحوائط عليه من فوق، وثقلها يسقط على الأماكن السفلية، لأن الأساس موضوع في القاع. أما أساسنا نحن ففي السماء... وإذ نحن نُبنى روحيًا فقد وُضع الأساس في الأعالي، ليتنا إذن نجري إلى هناك حيث نُبنى[5]. القديس أغسطينوس يؤكد المرتل أن الأسباط المجتمعة في مدينة الله هي "أسباط الرب". نعم إنها أسباط متمايزة، لكل سبطٍ سماته الخاصة (تك 29، تث 33)، لكنها إذ اتحدت معًا في الرب صارت مع تمايز مواهبها إلا أنها منتسبة للرب، ليس ما يربطها هو قرابة الدم، وإنما روح الله واهب الوحدة. جاء الكل يحمدون الرب ويسبحونه [4]، فيصير الكل فرقة موسيقية واحدة تعزف سيمفونية الحب والوحدة بقيادة روح الرب. حَيْثُ صَعِدَتِ الأَسْبَاطُ، أَسْبَاطُ الرَّبِّ شَهَادَةً لإِسْرَائِيلَ، لِيَحْمَدُوا اسْمَ الرَّبِّ [4]. الساكنون فيها أسباط صاعدة نحو الأساس الذي هو يسوع المسيح السماوي. ويحملون "شهادة لإسرائيل"، أي لا غش فيهم، كما قال السيد لنثنائيل: "هوذا إسرائيلي حقًا لا غش فيه" (يو 1: 47). كان الشعب من كل الأسباط يصعد إلى أورشليم سنويًا في أعياد الفصح والمظال والأسابيع، ومن لا يصعد يُحسب مقطوعًا من الشعب. هذه الصورة الرمزية تشير إلى صعود المؤمنين، لا من كل الأسباط، بل من كل الأمم لتحتفل بالمسيح المخلص عيدنا، وتدخل به إلى أورشليم العليا. جمال أورشليم وزينتها هو الحب الذي يضم الأسباط معها بكونها "أسباط الرب". هذا الحب الذي يجمع الكل معًا في الرب يعلن مجد اسم الرب. [FONT=""]3. دعوة ملوكية[/FONT] لأَنَّهُ هُنَاكَ اسْتَوَتِ الْكَرَاسِيُّ لِلْقَضَاءِ كَرَاسِيُّ بَيْتِ دَاوُدَ [5]. كان كرسي الملك كقاضٍ في أورشليم، يحكم في الأمور الخطيرة لينهي الظلم ويحقق العدالة والسلام. كان الكل يبتهجون بصعودهم إلى أورشليم مقر الحكم والقضاء. الآن ونحن نصعد كل يوم نحو أورشليم العليا تتهلل نفوسنا أننا سنتراءى أمام كرسي السيد المسيح الذي ليس لملكه نهاية (لو1: 33). والعجيب أن المرتل يرى كراسي القضاء تستوي أو تجلس في أورشليم، إذ يقيم كراسي للقضاء ضد إبليس وقواته، يدينونةم على عصيانهم له، خلال تمتع التلاميذ والرسل بكرامات سماوية عظيمة. ماذا يرى المرتل في بيت الرب، أورشليم العليا؟ كراسي للقضاء، كراسي بيت داود، ارتبط الكل بالسيد المسيح رئيس الكهنة السماوي، ملك الملوك ورب الأرباب، فصاروا فيه ملوكًا وكهنة لله أبيه (رؤ 1: 6)، لهم مسحة ملوكية فائقة، إذ غلبوا إبليس، وتُوجِّوا بإكليل الملوكية الأبدي. يرى القديس أغسطينوسأن هذه الكراسي جاءت في اليونانية "عروش"؛ وهي عرش النفس الذي هو الحكمة والبرّ. يتعجب القديس أغسطينوس من تعبير المرتل أن الكراسي استوت أو جلست، فيقول: [توجد عروش للحكمة، لذلك قال الرب: "تجلسون أنتم أيضًا على اثني عشر كرسيًا تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر" (مت 19: 28). هكذا هم أيضًا يجلسون على اثني عشر كرسيًا، وهم أنفسهم كراسي (عروش) الله، فعنهم يُقال: "لأن هناك استوت الكراسي" من الذي جلس؟ "الكراسي". ومن هم الكراسي؟ هؤلاء الذين قيل عنهم: "نفس البار كرسي الحكمة"؟ ومن هم الكراسي؟ "السماوات". وما هي السموات؟ تلك التي يقول عنها الرب: "السموات هي كرسيَّ" (إش 66: 1). إذن الأبرار هم أنفسهم كراسي، ولهم كراسي، وتستوي الكراسي في أورشليم هذه[6].] [FONT=""]4. سلام وراحة وفرح وصلاح [/FONT] ينتهي المزمور بصلاة سلام بديعة ومنظومة حيث يستعيد المرتل إحساسه بالأمان، إذ صار وسط إخوته يتمتع بسلام إلهه الفائق للعقل. إن كان المرتل يطلب من المؤمنين أن يصلوا لأجل سلام أورشليم الأرضية، فإنه يدعوهم كمحبين لأورشليم أن يتمتعوا بأورشليم العليا بسلام أبراجها العلوية وراحتها الأبدية وخيراتها السماوية. اسْأَلُوا سَلاَمَةَ أُورُشَلِيمَ. لِيَسْتَرِحْ مُحِبُّوكِ [6]. إذ تُنصب كراسي القضاء في أورشليم لا يوجد نزاع، وإنما سلام فائق وراحة وحب. كيف يسألون ما هو لسلامة أورشليم؟ يجيب القديس أغسطينوس: بممارسة الحب! لِيَكُنْ سَلاَمٌ فِي أَبْرَاجِكِ، رَاحَةٌ فِي قُصُورِكِ [7]. ما هي أبراج أورشليم العليا سوى الأنبياء والرسل والتلاميذ والقديسين الذين يسودهم السلام. أما قصورها فهم المؤمنون الحقيقيون الذين صاروا هيكلًا مقدسًا للرب. * قوة المحبة لا يمكن التعبير عنها في تعبيرات أسمى من هذه: "المحبة قوية كالموت" (نش 8: 6). فمن يقدر أن يقاوم الموت يا إخوة؟ لاحظوا يا إخوتي، النار، الأمواج، السيف هذه يمكن مقاومتها. نحن نُقاوم الرئاسات، نقاوم الملوك، أما الموت فيأتي بمفرده، من يقدر أن يقاومه؟ لا يوجد ما هو أقوى منه[7]. القديس أغسطينوس * كما أن الحرب تسبب كارثة في آثارها، فتخرب المدينة، لهذا يصلي لأجل سلامها... إنه يتنبأ عنهم، ليس فقط أن يتحرروا من الشرور، وإنما أن يتمتعوا بخيرات لا حصر لها وسلام وفيض وخصوبة[8]. القديس يوحنا الذهبي الفم * إن كانت الخلافات والانشقاق والانقسامات حدثت بسببي، فإني أرحل وأبتعد عنكم، رضيتم أو لم ترضوا... فقط ليعيش قطيع المسيح في سلامٍ مع الكهنة المعينين عليهم. من يفعل هذا يجلب لنفسه مجدًا عظيمًا في الرب، ويُرحب به في كل موضع. "للرب الأرض وملؤها". (مز 24: 1)[9] القديس إكليمنضس الروماني مِنْ أَجْلِ إِخْوَتِي وَأَصْحَابِي لأَقُولَنَّ: سَلاَمٌ بِكِ [8]. يطلب المرتل لأجل إخوته وجيرانه أن يتمتعوا بهذه البركات السماوية، من قوة (أبراج) وخيرات (قصور)، لا لفضل فيهم، وإنما من أجل مجد الله، ومن أجل بيته السماوي المقدس. * يقول النبي هذا لئلا يظن اليهود أن انطلاقهم إلى أورشليم كان لسبب صلاح صائر منهم، إنما يطلب لهم السلام والطمأنينة لأجل الأنبياء والفضلاء الذين كانوا معهم ويدعوهم إخوته، كما لأجل شرف بيت الله الذي هو الهيكل. وأيضًا يكون هذا القول كمن من قبل ربنا الذي أعطانا نحن المسيحيين السلام، بواسطة تلاميذه الذين دعاهم إخوته وأقرباءه. الأب أنثيموس (أنسيمُس) الأورشليمي * إنه يقول: "لأقولن سلام بك" لكن لأجل من؟ "من أجل إخوتي وأصحابي"، وليس لأجل كرامتي، أو أموالي، ولا لأجل حياتي[10]. القديس أغسطينوس مِنْ أَجْلِ بَيْتِ الرَّبِّ إِلَهِنَا، أَلْتَمِسُ لَكِ خَيْرًا [9]. * ليس لصالحي أنا ألتمس الخير، لئلا أطلب ما هو لنفسي، وليس ما هو لكِ... ألتمس الخير من أجل بيت الرب إلهي، من أجل الكنيسة، من أجل القديسين، من أجل المهاجرين، من أجل الفقراء، حتى يصعد هؤلاء إلى بيت الرب[11]. القديس أغسطينوس من وحي المزمور 122 فرح وراحة وسلام في بيت إلهي * أعماقي تتهلل، إذ اقترب من بيت إلهي. أسمع صوت ملائكي عذب ينادني: "إلى بيت الرب نذهب". في طريقي ترافقني الملائكة، تعلن شوقها أن تنطلق البشرية إلى بيت الرب السماوي، ليختبروا ما تتمتع هي به. * ما أن عبر الشعب القديم بحر سوف، حتى سبحوا الله الذي خلصهم من العدو المقاوم. صارت أرجلهم وكأنها في أبواب أورشليم. عبرت بنا خلال مياه المعمودية كما إلى البنوة لله. وهبتنا حق الدخول إلى السماء، وسحق رؤوس التنين وكل قواته. صرنا بالرجاء في أبواب أورشليم العليا. * لن يستريح قلبي حتى تستريح قلوب إخوتي بك. أحسب نفسي في أورشليم العليا، حين يتمتع كل المختارين بها. كم تشتهي نفسي أن تقف البشرية كلها على أبوابها! * مخلصي، أنت أساس أورشليم، موضعك لا في الأعماق بل في الأعالي. لتجتذبنا كحجارةٍ حيةٍ لا تسقط، بل تصعد وتتحد بك! هب لنا أن نجري إليك! * بعد السبي اتحدت إسرائيل مع يهوذا. انطلق الكل بروح الوحدة يسبحونك. عاد الكل كهيكلٍ واحدٍ لك أيها القدوس وحده! اذكر وحدة الكنيسة من أقاصي المسكونة إلى أقاصيها. اذكر كنيستك الممتدة من آدم إلى آخر الدهور. تأتي من كل الأمم والشعوب والألسنة! * تدعونا كأبناء لك يا ملك الملوك. تهبنا روح الملوكية. نجلس كما على عروش، ندين إبليس وكل قواته. نحن الترابيين نُحسب مع السمائيين. والسماوي انحدر ليدينه التراب! * تقيم من أنبيائك ورسلك أبراجًا لأورشليم، ومن المؤمنين قصورًا لها. يسودها السلام والراحة والفرح والصلاح! أنت هو سلامها وراحتها وبهجتها وصلاحها! |
||||
14 - 04 - 2014, 04:53 PM | رقم المشاركة : ( 147 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 123 (122 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير التحرر من عبودية إبليسفي مزامير المصاعد الثلاثة السابقة (120-122) كان المؤمن يتحدث عن نفسه، وإن كان باسم المؤمنين جميعًا، أو باسم جسد المسيح الواحد، لكن إذ صعد إلى بيت الرب، واجتمع بروح الوحدة مع إخوته، تبدل الضمير من المفرد إلى الجمع، إذ ينطق باسم الجماعة كلها صراحةً. باسم الجميع يعرض كل عضوٍ طاعته للرب الساكن في السماء، ويتوسل إليه بانسحاق لكي يرحم الكنيسة. يتحقق التحرر من عبودية إبليس المملوءة بالمذلة والهوان خلال قبولنا العبودية لله في كمال حريتنا، بروح الفرح والتهليل. عمل إبليس أن يذل النفس ويحدر بصيرتها إلى أعماق الجحيم، أما العبودية المفرحة للرب، فترفع النفس نحو السماء، وتفتح البصيرة على أسرار الله. 1. العيون المرفوعة إلى السماء 1-2. 2. تحررنا من الذل والهوان 3-4. من وحي المزمور 123 [FONT=""]1. العيون المرفوعة إلى السماء [/FONT] مع بلوغ المؤمنين إلى بيت الرب يتوسل كل منهم إلى الله مترقبًا الفرج. يعلن المؤمن أنهم جميعًا موالون وخاضعون. عيونهم إلى يد الرب الحانية، التي لا تكف عن أن تعمل خيرًا. إِلَيْكَ رَفَعْتُ عَيْنَيَّ، يَا سَاكِنًا فِي السَّمَاوَات [1]. يرى القديس أغسطينوس أن المسبَّح هنا يتكلم بصيغة المفرد، لأن الجميع يسبحون معًا كشخصٍ واحد. إذ يدرك المؤمن حقيقته كإنسان مخلوق من العدم، يحسب نفسه غير أهلٍ أن يُدعى عبدًا لله أو جارية له. ليس من وجه للقياس بين المخلوق وخالقه. يدعو الله: "يا ساكنًا في السموات"، تمييزًا له عن البشر الذين هم من أسفل، أما السيد المسيح فمن فوق. إنه فوق الجميع، ومن السماء يتكلم (راجع يو 3: 31). الله هو مالئ السماء والأرض، ولا يخلو منه مكان. يؤكد القديس أغسطينوس أنه يليق بالمؤمن أن يصعد خلال مزامير المصاعد كما على سُلمٍ إلى الساكن في السماوات. فمن لا يصعد بقلبه يسقط. بالإيمان ترتفع نفوسنا كما إلى الله الساكن في السماء، في مدينة الله، أورشليم العليا، وبالإيمان يسكن السيد المسيح في قلوبنا، فيجعل منها سماءً جديدة. * ليصعد هذا المُسبَّح. ليسبَّح هذا في قلب كل واحدٍ منكم، وليكن كل واحدٍ منكم هو هذا الإنسان، لأنه عندما يقول كل واحدٍ منكم هذا، حيث أنكم جميعًا واحد في المسيح، إنسان واحد ينطق بهذا، فلا يقول: "إليك يا رب نرفع أعيننا"، وإنما "إليك يا رب رفعتُ عينيَّ"، يلزمكم أن تتصوروا أن كل واحدٍ منكم بالحقيقة يتكلم، ولكن الواحد هذا بمعنى خاص يتكلم وهو منبسط في الأرض كلها[1]. * أنتم تسكنون في بيت (الله السماوي)، فإن سُحِبَ البيت تسقطون. والله يسكن في القديسين، فإن فارقهم هم يسقطون![2] القديس أغسطينوس * حيث يكون كنز الإنسان هناك يوجد قلبه وعيناه. لذلك حرر صاحب الأمثال في الأصحاح السابع عشر: "عينا الجاهل في أقصى الأرض" (أم 17: 24). أما الذين أدبتهم المحن، واختبرتهم الأحزان وحكمتهم، فقد رفعوا أعينهم عن الأرضيات إلى الله المستريح في الملائكة والقديسين. الأب أنثيموس (أنسيمُس) الأورشليمي* ارفع عينيك إلى السماء، مثل ذاك القائل: "إليك رفعت عيني يا ساكنًا في السماوات" (مز 123: 1). تطلع إلى شمس البرّ، فإنك إذ توجهَّك وصايا الرب، التي تمثل أكثر الكواكب بهاءً، تكون لك عينان يقظتان. لا تسمح لعيني (النفس) أن تنعسا، ولا لجفني العين أن يستريحا (مز 132: 4)، حتى تقودك الوصايا على الدوام. يقول: "ناموسك هو سراج لرجلي ونور لسبيلي" (مز 119: 105). بالحقيقة إن كنت لا تنام قط وأنت عند الدفة التي تدير الحياة... فإنك تنال معونة الروح الذي يقودك في نسيمٍ هادئٍ وأمان مملوء سلامًا حتى تعبر وتبلغ الميناء الهادئ في سكون وبدون أية أذية، ولك بإرادة الله[3]. القديس باسيليوس الكبير * يرتل داود: "إليك رفعت نفسي يا ساكنا في السماوات" (مز 1:123)، و"إليك يا رب أرفع نفسي" (مز 1:25) ... كيف؟ ترتفع النفس لتتبع الروح. وترتفع حتى تصير فيه. يقول القديس بولس: "الروح نفسه يشفع فينا بأنَّات لا يُنْطَقُ بها. ولكن الذي يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الروح. لأنه بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين" (رو 26:8، 27). يصرخ الروح: "يا أبا الآب" في قلوب المباركين، ويَعْلَمُ بأنَّاتنا في هذا الهيكل، أنّات تتوسط من أجل الذين سقطوا أو تجاوزوا الحد. إنه يتدخل لحسابنا، آخذًا على نفسه أنّاتنا بحسب حبه ورأفته للبشر. العلامة أوريجينوس هُوَذَا كَمَا أَنَّ عُيُونَ الْعَبِيدِ نَحْوَ أَيْدِي سَادَتِهِمْ، كَمَا أَنَّ عَيْنَيِ الْجَارِيَةِ نَحْوَ يَدِ سَيِّدَتِهَا، هَكَذَا عُيُونُنَا نَحْوَ الرَّبِّ إِلَهِنَا، حَتَّى يَتَرَأَّفَ عَلَيْنَا [2]. * ليس لهم رجاء في العون والمساعدة من أي مكان آخر، ولا يتطلعون نحو أي مصدر آخر، وذلك كالأَمََةِ والخادم اللذين ليس لهما قوت أو ملبس وكل بقية مستلزمات الحياة، إلاَّ بحفظ أعينهما على سادتهما، إنهما لا يكفا عن ذلك، بل يبقيان هكذا حتى ينالا، فيشكرا. إنها ممارسة يفعلانها على الدوام[4]. القديس يوحنا الذهبي الفم * يلزم كل أحدٍ أن ينتبه لعمله الخصوصي، ويهتم به برغبةٍ، ويتممه بدون ملامة بغيرةٍ ونشاطٍ وعنايةٍ وسهرٍ، لئلا يستحق اللعنة، إذ قيل ملعون من يعمل عمل الرب باسترخاء (إر 48: 10). كما يلزمه أن يعمله على مرأى من الله، وذلك لكي يتهيأ له أن يقول بدالة كل حين: "كما أن عيون العبيد إلى أيدي مواليهم، كذلك عيوننا إلى الرب إلهنا" (مز 122: 2)[5]. القديس باسيليوس الكبير * إن كنت تسعى إلى المجد حتى من خلال الروحيات، فما هو عذرك في عدم خضوعك لله، حتى بالمقدار الذي تتطلَّبه أنت من خدَّامك وعبيدك نحوك؟ فها "عيون العبيد إلى مواليهم، وعينيّ الأمة إلى يديّ سيِّدتها" (مز ١٢3: ٢)... أمَّا أنت فالله هو الذي جعلك خادمًا عنده، ومع ذلك تتطلَّع إلى عيون الخدَّام رفقائك، في حين أنَّك تذكر أن الله سيذكر أعمالك الصالحة في الحياة الأخرى، أمَّا زملاؤك إنَّما يثنون عليك هنا فقط. ومع أنه في استطاعتك أن تحيط نفسك بشهودٍ من السماء، إلاَّ أنَّك تستعيض عنهم بمتفرِّجين أرضيِّين. والأمر الطبيعي أن المصارع يحظى بإكليل الفوز في حلبة المصارعة. حلبة مصارعتك هي السماء، ومع ذلك تريد أن تأخذ إكليل الفوز على الأرض؟! أيّ جنون مطبق كهذا؟! ولنتأمَّل في الأكاليل التي تُعطى في هذه الحياة، إكليل من التشامخ وآخر من الحقد وثالث من التملُّق والمداهنة... وهم في ذلك يفعلون كالأطفال، إذ في لهوهم يضعون أكاليل من العشب على رؤوس بعضهم البعض، ثم يتندَّرون بمن يتوِّجونه. هكذا يفعل الذين يكيلون لك الإطراء، يضحكون عليك في غيابك... ويا ليتهم وضعوا عليك إكليلًا من العشب، إنَّما هو متَّسخ بالأوزار أيضًا. القديس يوحنا الذهبي الفم إن كان المرتل يشبه نفسه مع كل الكنيسة الجامعة بالعبيد الذين يتطلعون نحو أيدي سادتهم، والجارية التي تتطلع نحو سيدتها، يترقبون الرأفة والرحمة، لكن من جانب آخر، فإن هناك فارقًا في التشبيه: فالتطلع إلى السادة فيه مذلة ويتم بروح الخوف، أما الكنيسة فتتطلع إلى الرب الساكن في السماء فتتقدس الأعين والأذان والقلوب بالنظر إلى القدوس السماوي والتأمل فيه. التطلع إلى السادة فيه انكسار، ففي مرارة لا يجسر العبد إلى رفع نظره ولا الجارية، أما المؤمنون فيرفعون أنظارهم نحو السماء "إليك رفعت عيني". * أنتم جديرون بالثناء والبركات، لأنكم هكذا تُخضِعون للمسيح أذنًا رديئة لأجل التهذيب، حتى لا تُخضِعوها لاغتياب الآخرين. إنكم أيضًا قد عوَّدتم عيونكم على الرؤية الصائبة لكي لا تشتهوا إطلاقًا ما هو غريبٌ عنكم، كما أنكم منشغلون بالاتجاه نحو الله متأملين مع داود المرتل: "إليك رفعتُ عينيّ يا ساكن السماء، فها هما مثل عيون العبيد إلى أيدي مواليهم ومثل عينيّ الأَمَة إلى يدي سيدتها، كذلك أعيننا نحو الرب إلهنا حتى يتراءف علينا". (مز 123: 1-2)[6] القديس أنبا سيرابيون أسقف تميّ يعلق القديس أغسطينوس على استخدام كلمة "حتى"، قائلًا إنها لا تعني أن يتوقف المؤمنون عن التطلع إلى الرب بعد نوالهم رأفة الله. هكذا كثيرًا ما يستخدم الكتاب كلمة "حتى" بمعنى الاستمرار. هذا ما نراه في قول الكتاب: "لم يعرفها حتى ولدت ابنها البكر" (مت 1: 25). "الحق أقول لم لا تخرج من هناك حتى توفي الفلس الأخير" (مت 5: 26). "لأنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه" (1 كو 15: 25). "فخرج (الغراب) مترددًا حتى نشفت المياه عن وجه الأرض" (تك 8: 7). * أما الكلمات: "لكي لا يضل الأمم حتى تتم الألف سنة" (رؤ 20: 3) فلا يفهم منها أنها تدل على أنه فيما بعد سيضل فقط تلك الأمم التي تتكون منها الكنيسة العتيدة، والتي مُنع (الشيطان) بواسطة تلك السلسلة وذلك الحبس من أن يضلها، لكنها (أي تلك الكلمات) قد استعملت طبقًا لذلك الاستعمال المستخدم في الكتاب المقدس والذي يتمثل في المزمور: "هكذا عيوننا نحو الرب إلهنا حتى يتراءف علينا" (مز 2:123) لا بمعنى أن عيون عبيده لا تعود تتطلع إلى الرب بعد أن تراءف عليهم[7]. القديس أغسطينوس [FONT=""]2. تحررنا من الذل والهوان [/FONT] يمتلئ المرتلون هوانًا وسخرية وإهانات، إذ يشاركون مسيحهم اللطم كما امتلأ هوانًا. في بيت الرب يصرخ المؤمنين طالبين النجدة، لكن بلا شكوى ولا تذمر! ارْحَمْنَا يَا رَبُّ ارْحَمْنَا، لأَنَّنَا كَثِيرًا مَا امْتَلأْنَا هَوَانًا [3]. كان البابليُّون يقومون بعمل مواكب للآلهة البابليَّة في الأحياء اليهودية في بابل كنوعٍ من السخرية بإله اليهود الذي في نظرهم يعجز عن الدفاع عنهم وحمايتهم. هكذا امتلأوا هوانا، وشبعت نفوسهم من هزء المستريحين وإهانة المستكبرين. * ألا ترون العقل المنسحق؟ إنهم يتوسلون لكي يخلصوا من أجل المراحم، وليس حتى لأجل الرحمة عن استحقاق لهم، وإنما لأنهم سقطوا تحت عقابٍ قاسٍ. وذلك كما قال دانيال أيضًا: "لقد أصبحنا أصغر الأمم كلها، (ونحن اليوم أذلاء في كل الأرض بسبب خطايانا - دا 3: 37 الترجمة السبعينية. نشيد عزرا في أتون النار)". وهو بعينه ما يقولونه في هذه الطلبة. إننا نحتمل مأساة قاسية. لقد أُخذنا من وطننا وحُرمنا من حريتنا، وصرنا عبيدًا لمتوحشين، وقضينا أيامنا في مذلة، سادنا الجوع والمصاعب والعطش، وقضينا كل زماننا نُضرب ويُداس علينا بالأقدام. لهذا اصفح عنا وارحمنا. الآن ما هو معنى "كثيرًا ما امتلأت نفوسنا"، لقد صارت نفوسنا ممزقة إلى أجزاءٍ، وذابلة من كثرة المتاعب[8]. القديس يوحنا الذهبي الفم * "لأننا كثيرًا ما امتلأنا هوانًا". كل الذين يعيشون بالتقوى حسب المسيح يحتاجون بالضرورة إلى احتمال الهوان، يلزم أن يُستخف بهم الذين لم يختاروا الحياة بالتقوى، هؤلاء الذين سعادتهم أرضية... مادمنا نرجو الأمور العتيدة ونتلهف على السعادة المقبلة، وإذ لم يظهر بعد ما سنكون عليه مع أننا بالفعل نحن أولاد الله (1 يو 3: 2)، وحياتنا مستترة مع المسيح في الله (كو 3: 3)، فإننا نُحتقر تمامًا بواسطة أولئك الذين يطلبون أو ينعمون بالسعادة في هذا العالم. القديس أغسطينوس * يقول: "ارحمنا يا رب ارحمنا"، لأننا عندما كنا في عزٍ وكرامةٍ لم نقدم لك الشكر كما ينبغي. وقد سمحت لنا بأن نسقط في الذل والهوان الكثير تأديبًا لنا وإصلاحًا. لكن أردد الآن العار على الذين يفتخرون بغنى هذا العالم، و يعيرون الفقراء. الأب أنثيموس (أنسيمُس) الأورشليمي* هذا الفكر الدنس (اليأس)، يثقل على عنق النفس كالنير فيُلزمها بالانحناء، مانعًا إيَّاها من أن تنظر إلى الله. لهذا فعمل الإنسان الشجاع والممتاز هو أن يكسر هذا النير قطعًا، ويزحزح كل ثقل مثبت فوقه، ناطقًا بكلمات النبي: "مثل عينيّ الأمة إلى يديّ سيدتها، كذلك أعيننا نحو الرب إلهنا، حتى يتراءف علينا؛ ارحمنا يا رب ارحمنا، فإننا كثيرًا ما امتلأنا هوانًا" (مز 123: 2-3). يقول: "امتلأنا هوانًا"، وإننا تحت ضيقات لا حصر لها، ومع هذا لن نكف عن التطلع إلى الله، ولا نمتنع عن الصلاة إليه، حتى يستجيب طلبتنا. لأن علامة النفس النبيلة، هي ألاّ تنحني من كثرة الكوارث التي تضغط عليها، أو تفزع منها، ولا تتراجع بعد عن الصلاة دفعات كثيرة... بل تثابر حتى يرحمها الله كقول داود الطوباوي السابق[9]. القديس يوحنا الذهبي الفم كَثِيرًا مَا شَبِعَتْ أَنْفُسُنَا مِنْ هُزْءِ الْمُسْتَرِيحِينَ، وَإِهَانَةِ الْمُسْتَكْبِرِينَ [4]. يرى القديس أغسطينوس أن الهزء والإهانة هما واحد، والمستريحين (الأغنياء) والمستكبرين هم أيضًا واحد. هؤلاء الذين يتكلون على ثرواتهم في تشامخ وكبرياء، يسخرون بالذين يثقون في وعود السيد المسيح كالحياة الأبدية، لأنها غير ملموسة الآن. أما المسيحي فإنه حتى وإن كان غنيًا ولديه ثروات كثيرة، فيرى في نفسه الآن أنه فقير، لأنه يتطلع إلى الغنى والثروات السماوية التي ينتظرها فلا يتشامخ بما يملكه الآن. كما يحسب أن ما لديه ليس ملكه، إنما هو وكيل على ما لله. وفي نفس الوقت يشعر المسيحي أنه غني، لأنه لا يشعر بأنه ينقصه شيء أو يحتاج إلى شيء أو يشتهي شيئًا. * لا ترتعبوا أيها الأحباء الأعزاء عندما تحل التجربة؛ بل بالحري تذكروا كلمات الكاتب الموحى إليه: خير لي أنك أذللتني لكي أتعلم وصاياك" (مز 119: 71). اقبلوا المأساة كدواءٍ، استخدموا التجربة بلياقة، فتنجحوا في نوال فرح أعظم[10]. القديس يوحنا الذهبي الفم من وحي المزمور 123 لتسكن في قلبي، فترتفع عيناي إلى سماواتك * كما من أعماق الهاوية أصرخ إليك: لتسكن في قلبي أيها السماوي، فترتفع عيناي إليك، وبالفرح والتهليل تتأملان أمجادك. * لقد استعبدني عدو الخير، وسحب أعماقي بالذل إليه. أذّل كل كياني، وأحدر بصيرتي إلى أعماق الجحيم، وحسبت نفسي أسيرًا وسجينًا لن أخرج من المذلة. حطم كل رجاء فيّ، وأفقدني طعم السلام والراحة والفرح. حسبت نفسي كأني خُلقت لأعيش عبدًا ذليلًا! * لتسكن أيها السماوي في قلبي. فتصير أنت كنزي ومجدي وفرحي وتهليل نفسي. ترتفع عيناي مع قلبي إليك، أجد كل عذوبة في التعبد لك. سلطانك حلو، وملكوتك مفرح. أتحرر من كل ما هو أرضي وزمني، وأنطلق كما من أعماق الجحيم، يحملني روحك القدوس ويطير بي، فأستقر في أحضانك أبديًا! |
||||
14 - 04 - 2014, 04:56 PM | رقم المشاركة : ( 148 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 124 (123 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير الله قائد خلاصنا إذ يبلغ المؤمن بيت الرب كعضوٍ في الجماعة المقدسة يتطلع إلى الطريق، ويدهش كيف عبره بسلام، فيقدم هذا المزمور الخامس من مزامير المصاعد. وهو مزمور شكر للمخلص، تقدمه الجماعة كلها، أو يقدمه كل عضوٍ حقيقيٍ باسم الجماعة. فالكل قد بلغوا بيت الرب بعملٍ إلهيٍ معجزيٍ. لقد نالوا خلاصًا عجيبًا من مخاطر داهمة كادت تهلكهم لولا أن الرب كان معهم. يصور المرتل عدم التوازن بين إمكانياتنا البشرية وإمكانية العدو الذي يود لا أن يستعبدنا فحسب، بل ويبتلعنا ونحن أحياء. مرة أخرى يشبِّه المؤمنين في معركتهم مع إبليس وقوات الظلمة بمن جرفتهم المياه وغطت أنفسهم، وكأنه ليس لهم خلاص. يعود يشبِّههم بعصفور سقط في فخ صياد، لا حول له ولا قدرة على الخلاص. لكن إذ يدخل عنصر وجود الله معنا وفي صفنا. تتغير الموازين تمامًا. هكذا يؤكد المرتل أن قائد الخلاص هو الله نفسه واهب النصرة. في تصوير المرتل للعدو، اختار المرتل أربعة أنواع من المخاطر القاسية التي يخشاها المجتمع وهي: ا. الزلازل. ب. الفيضانات. ج. الوحوش المفترسة. د. المصائد. 1. الله يخلص من الزلازل 1- 3 2. الله يخلص من التيار الجارف 4- 5. 3. الله يخلص من أنياب الوحوش المفترسة 6. 4. الله يخلص من فخ الصيادين 7. 5. الله الخالق هو المخلص 8. من وحي المزمور 124 . الله يخلص من الزلازل هنا يشبه المرتل الأعداء في كثرة عددهم وإمكانياتهم الجبارة بالزلزال التي يصعب مواجهتها، بل تدفن الكثيرين أحياء تحت الأرض. ليس من قوة تضبط الزلازل وتصدها سوى الخالق القدير. هكذا في مواجهتنا لإبليس ومكائده وتجاربه يلزمنا أن نلجأ إلى الرب، حتى لا تدفن نفوسنا في محبة العالم، ونصير كمن قد دفنوا في التراب وهم أحياء بسبب الزلازل. لَوْلاَ الرَّبُّ الَّذِي كَانَ لَنَا. لِيَقُلْ إِسْرَائِيلُ: [1]. غاية سفر الخروج هو تأكيد أن الخلاص من عبودية فرعون لم يكن بقوة موسى وهرون أو حكمتهما أو تخطيطهما، بل الله نفسه كان القائد الحقيقي لموكب نصرتهم وتحريرهم من العبودية. هذه هي خبرة الخلاص في كل عصور كرمز للخلاص الحقيقي من عبودية إبليس بالمسيح يسوع كلمة الله المتجسد. يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن المرتل هنا أشبه بمعلم يقوم بتدريب تلاميذه على التسبيح معًا لله الذي يحوط حولهم كسورٍ ويحفظهم كبرجٍ حتى لا يبتلعهم العدو. لَوْلاَ الرَّبُّ الَّذِي كَانَ لَنَا، عِنْدَ مَا قَامَ النَّاسُ عَلَيْنَا [2]. يتحدث المرتل هنا بصيغة الجمع، لأن عدو الخير وإن كان يستخدم كل وسيلة لخداع واقتناص كل مؤمنٍ، لكن حربه في الواقع ضد الجميع: الأطفال والشيوخ، الرجال والنساء والصبيان والشباب؛ الكهنة والخدام والشعب، الضعفاء روحيًا والأقوياء؛ إنه لن يستريح حتى يحدر الجميع معه إلى الهلاك الأبدي. لا يكف عدو الخير عن إثارة البشر ضد بعضهم البعض، خاصة ضد المؤمنين، فيستخدمهم كآلات إثم لمقاومة عمل الله الخلاصي في حياة المؤمنين. * يغنون أحيانًا كما لو كانوا إنسانًا واحدًا، أحيانًا كثيرين، لأن الكثيرين هم واحد، حيث أن المسيح واحد، وفي المسيح أعضاء المسيح لهم مسيح واحد، والرأس الذي لكل الأعضاء في السماء. وإن كان الجسم يتألم على الأرض، لكنه لا يُقطع من رأسه. فإن الرأس يتطلع من فوق ويراعي الجسم... سواء كان الذين يغنون واحدًا أو كثيرين، فإن كثيرين هم إنسان واحد. هذه هي الوحدة. والمسيح كما نقول هو واحد، وكل المسيحيين هم أعضاء المسيح... "لولا الرب نفسه كان فينا، ليقل إسرائيل" [1]... متى؟ "عندما قام الناس علينا". لا تعجب، فإنهم يُخضعون، لأنهم بشر، أما الرب فكان فينا، أما البشر فليسوا فينا، لأنهم قاموا علينا. مع ذلك فالبشر يحطمون بشرًا، ما لم يكن في هؤلاء البشر ذاك الذي لا يمكن أن يتحطم، إذ لم يكن فيهم إنسان بل الرب. فإنه ماذا يمكن للبشر أن يفعلوا بكم، بينما أنتم تفرحون وتغنون، وفي أمانٍ تتمسكون بالبركة الأبدية؟[1] القديس أغسطينوس * لما رجع العبرانيون إلى أورشليم كانوا ضعفاء وفي هزال من شقاء العبودية وقلة العدد، لأنهم لم يأتوا جميعًا، بل جاءوا متفرقين وبلا سلاح. أما مدينتهم فكانت خربة بلا أسوارٍ، مثل صيد سائب لكل من أراد أن يفترسهم. أما الأمم التي كانت حول تخومهم فاجتمعت كلها وهجمت عليهم لكي تبيدهم تمامًا وتستأصلهم. لكن لما حاصروهم وضيقوا عليهم لم يلتمسوا العون من المصريين ولا من آلهة الوثنيين الكذبة كما كانوا يفعلون قبل السبي، بل استعانوا بالله فنصرهم وقوَّاهم على أعدائهم، وصار لهم سورًا حولهم، ورفع عنهم سطوة محاربيهم. الأب أنثيموس الأورشليمي يردد المؤمنون كلمات أبيهم يعقوب لحميه لابان حين بدأ رحلته للعودة إلى وطنه. "لولا أن إله أبي إله إبراهيم وهيبة اسحق كان معي لكنت الآن صرفتني فارغًا" (تك 31: 42). * ماذا لم يرِدْ عدونا الشيطان أن يفعله بنا لو لم يكن الرب معنا؟ أصغوا إلى ما يقوله المسيح لسمعان: "سمعان، سمعان، هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة، ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك" (لو 22: 31-32). الوحش المفترس هو قبل كل شيء شرير، نهم، إن لم يُكبح جماحه على الدوام، يعود ويلتهم كل شيء. إن كان في حالة أيوب كمثالٍ مجرد أخذ إذنًا بسيطًا، ومع هذا استأصل بيته وألقى به، وأفسد جسمه، وقام بمأساة مرعبة، وحطم كيانه، ودفن أبناءه، وملأ جسده بالدود، وحوّل عنه زوجته وأصدقاءه وأعداءه وخدمه وجعلهم ينطقون بأمور مرعبة، فكيف لا يدمر كل شيءٍ لو لم توُجد موانع تصده؟ لذلك فإن واضع هذا المزمور يقول: "لولا أن الرب لنا"[2]. القديس يوحنا الذهبي الفم إِذًا لاَبْتَلَعُونَا أَحْيَاءً عِنْدَ احْتِمَاءِ غَضَبِهِمْ عَلَيْنَا [3] يشتهي العدو في ثورته أن يبتلعني وأنا حيّ، وكأنه زلزال، ليس من يقدر أن يقاومه. لكنه مسكين وعاجز! لا سلطان له عليّ. إن كان يود أن يبتلعني وأنا حيّ، ففي الحقيقة قد صُلبت مع مخلصي ومُت، وبه قمت، ولم يعد للعدو أن يبتلعني بعد. لقد سبق فقال الرب لبطرس الرسول: "اذبح وكلّ" (أع 10: 13). لقد ذُبحت عن شري، وقمت مع مخلصي حيًَّا به وفيه. * يا لهم من بشر وحشيين! يا لهم من قساة! أما الكنيسة فلا تبتلع هكذا! قيل لبطرس: "اذبح وكُل" (أع 10: 13)، ولم يقل "ابلع سريعًا". لأنه لا يدخل إنسان في جسد الكنيسة ما لم يُذبح أولًا. ما لم يمت لا يصير ما هو ليس عليه... ليجحد (الوثني) العالم، وعندئذٍ يُذبح. ليؤمن بالله وعندئذٍ يؤكل... أما أولئك الذين فيهم الرب فيذبحون ولا يموتون... أولئك الذين يتألمون ولا يخضعون للتجارب يفرحون، ويقولون: "لولا أن الرب الذي كان فينا الخ."[3]. القديس أغسطينوس * ألا ترون كيف يبرز شراسة المهاجمين عليهم؟ إنهم في الحقيقة شعب من هذا النوع، يقدمون شهادة عن شراسة الوحوش المفترسة، أو بالحري أبشع منهم في معاملاتهم. فالوحش المفترس، ما أن يهجم حتى ينتهي هياجه ويزول، وعندما يُصد لا يقوم بهجومٍ آخر، أما البشر ففي حالات كثيرة، يحدث معهم العكس، متى لم ينجحوا في الهجوم، يعودون ثانية إلى النزاع، يريدون أن يتذوقوا (سفك) الدم. هذا هو حال الغضب، إنه يتعدى حدود العقل، فالانفعال يغلي بهذه الطريقة ويفور مرة أخرى[4]. القديس يوحنا الذهبي الفم الله يخلص من التيار الجارف إِذًا لَجَرَفَتْنَا الْمِيَاهُ، لَعَبَرَ السَّيْلُ عَلَى أَنْفُسِنَا [4]. يثور عدو الخير علينا كزلزال يود أن يدفن الأحياء بالمسيح في التراب كالأموات، وإذ يفشل يثور علينا كطوفان أو سيل جارف. لقد هجم فرعون وجيشه على الشعب الخارج ليتحرر من العبودية، وأراد بهجومه أن يدفع بهم في مياه البحر الأحمر. لم يكن أمام الشعب خلاص إلا بضرب البحر بعصا الله التي في يد موسى. خلص الشعب من الغرق وغاص فرعون وجنوده كالرصاص في مياه غامرة (خر 15: 10). ما هذا الطوفان أو السيل من المياه الذي يود عدو الخير أن يغرقنا فيه إلا الأمم الشريرة التي لا تقبل اسم المخلص ولا تحتمل صليبه. إنها أيضًا الخطايا والتجارب التي يصبَّها العدو لهلاكنا، لكننا نترنم قائلين: "جازت نفوسنا المياه"! يدهش المؤمن كيف خلص كل هذا الشعب من فيضان جارف، لا يُقاوم، يدفن الناس أحياء. ربما يشير السيل الجارف إلى الجيش القاهر القادر (إش 8: 7 الخ). يقول القديس أغسطينوس إن المياه تشير إلى الأمم الشريرة التي تهيج ضد أولاد الله وتنزل كسيل جارفٍ. تنهض في عنفٍ لكنها تنزوي. لقد ثارت فعلًا ضد رأسنا يسوع المسيح، الذي واجه سيلًا من الآلام، لكنها لم تستطع أن تبتلعه، بل بالحري بموته اُبتلع الموت، واستعُلنت قوة قيامته ومجدها. والآن إذ ربنا القائم من الأموات حال فينا لا نخشى السيل، إذ بالتأكيد نمضي خلاله إلى شركة المجد السماوي. * إنه يشبِّه غضب الأعداء بالسيل الجارف والماء، الماء الذي يجرف بطريقة غير عادية، بفيضه وقوته يفسد كل ما يصادفه... ألا ترون مدى مساندة الله، كيف أنه في مثل هذه المصاعب لا يسمح لهم أن يغرقوا؟ هذا هو السبب، إنه يسمح للمشاكل أن تزداد، لا لكي يغرقوا، وإنما ليجعلهم أكثر استقامة، ويمدهم بتأكيد عظيم لقوته[5]. القديس يوحنا الذهبي الفم رأى المرتل كأن العدو أراد الخلاص من السيد المسيح، فانهال بالموت عليه كالسيل ليجرفه، لكن السيل تحول كما إلى نهرٍ يشرب منه في الطريق، لذلك رفع رأسه، وأعطى للكنيسة جسده أيضًا أن ترتفع معه. بمعنى آخر إذ قبل السيد المسيح الموت بإرادته قام فأقامنا معه. يقول المرتل: "من النهر يشرب في الطريق لذلك يرفع الرأس" (مز 110: 7). * "عند احتماء غضبهم علينا" الآن هم في حالة غضب، إنهم في حالة غيظ شديد علنًا: "إذًا لجرفتنا المياه" [4]. يُقصد بالمياه الأمم الشريرة... ولكن أي نوع من المياه هذه؟ إنها سيل جارف بعنفٍ، لكنه سيعبر... حيث شرب رأسنا منه أولًا، هذا الذي قيل عنه في المزامير: "سيشرب من السيل في الطريق عندئذٍ يرفع رأسه" (راجع مز 110: 7). فإن كان رأسنا بالفعل قام، فلماذا يخاف الجسد من السيل؟ بدون شك، لأن الرأس يقوم، فالجسد أيضًا سيقول: "تعبر أنفسنا على السيل"[6]. القديس أغسطينوس إِذًا لَعَبَرَتْ عَلَى أَنْفُسِنَا الْمِيَاهُ الطَّامِيَةُ [5]. يرى القديس أغسطينوس أن المياه الطامية بلا كيان، هي مياه الخطية التي في حقيقتها لا كيان لها، فما يشتهيه الإنسان من الأمور الزمنية لن يدوم. * ماذا تعني: "إذًا لعبرت على أنفسنا المياه الطامية" [5]... إنهم يحتملون موتًا عظيمًا، إنهم في مخاطرٍ عظيمة، إنهم تحت ضغطة شديدة، حتى أنهم يقبلونها وهم أحياء[7]. القديس أغسطينوس * يلزم أن يعمل الحب فينا بطريقةٍ تجعلنا لا نترك المسيح تحت أي مخاطر حلت بنا. فإنه مكتوب: "مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئ المحبة، والسيول لا تغمرها" (نش 8: 7). لأن نفس المحب تعبر خلال السيول الجارفة (مز 124: 4-5). ليس من عاصفةٍ ولا من خطر شديد، ولا من خوفٍ من موتٍ أو عقوبةٍ يمكن أن يخفف من قوة الحب[8]. * دُعِيتْ من بواعث حب العريس لتقول: "نزلت إلى جنة الجَوْز لأعاين مولد السيل" (نش 6: 11). الآن، أين هي الكنيسة إلاَّ حيث توجد عصا الأسقف التي تفرخ (عد 17: 8)، وحيث توجد مواهبه الروحية؟ توجد هناك لتُمتَحن بالمرارة والتجربة؛ فالجَوْز يعني المرارة، والسيل يعني التجربة، لكن التجربة التي يمكن احتمالها، كما هو مكتوب: "عَبَرتْ أنفسنا سيلًا" (مز 124: 5). لهذا نزلت إلى موضع المرارة حيث تزدهر الكرمة والعديد من الأثمار كالرمان (نش 6: 11)، في المرارة تعرف النفس ذاتها، لأن الجسد الفاسد يثقل عليها، وسرعان ما ينحط مسكنها الأرضي، لكن عليها أن تعرف ذاتها[9]. القديس أمبروسيوس * استخدم هذا التشبيه عن سطوة السيل، لأن حياة الإنسان نهر مضطرب يندفع إلى المنخفضات ليجد مجراه الطبيعي. لا شيء من الأشياء التي نراها في الحياة تعطي شبعًا للنفس، لأن كل ما يسبح على ماء النهر، ويبدو أنه يقترب إليك، بمجرد أن تلمسه يمضي عنك، لأن الموجة التالية تخطفه منك بعيدًا، فتكون اللحظة الحالية في هذا المجرى المتهور ضياعًا للذة المتوقعة. ليكن اهتمامنا إذن الحرص على الابتعاد عن ذلك النهر لئلا في اهتمامنا بالأمور الوقتية نهمل الأبدية[10]. القديس غريغوريوس النيسي الله يخلص من أنياب الوحوش المفترسة يجول إبليس كأسدٍ مفترس يهجم ويمزق ويهشم ويبتلع، لكن سرعان ما يكتشف عجزه، لأن الأسد الخارج من سبط يهوذا لن يسمح لجسده أن يكون فريسة للعدو. مُبَارَكٌ الرَّبُّ الَّذِي لَمْ يُسْلِمْنَا فَرِيسَةً لأَسْنَانِهِمْ [6]. يحاول العدو بغضبه أن يزلزل قلوبنا فنفقد سلامنا الداخلي ونُدفن كما في التراب. وإذ لا نخشى غضبه يدفع بالتجارب والأفكار الشريرة كسيل مياه ليغرقنا، وإذ يفشل يظهر كأسد يزأر، يجول ملتمسًا من يبتلعه (1 بط 5: 8). من يقدر أن ينقذنا سوى الأسد الخارج من سبط يهوذا. وكما يقول القديس أغسطينوس: [لا تفتكروا يا إخوتي أن هؤلاء غلبوا أعداءهم لأنهم كانوا رجالًا أقوياء، بل لأن الرب كان لهم.] * "مبارك الرب الذي لم يسلمنا فريسة لأسنانهم" [6]. فإن الصيادين يتبعوننا ويزودون المصيدة بالطُعم. أي طُعم؟ عذوبة هذه الحياة، حتى أن كل إنسانٍ من أجل عذوبة هذه الحياة يدفع برأسه في الشر، ويسقط في الفخ. ليس هؤلاء الذين فيهم الرب، والذين يقولون: "لولا أن الرب كان فينا". فإن هؤلاء لا يؤخذون في الفخ. ليكن الرب فيكم، وأنتم لا تسقطون في الفخ[11]. القديس أغسطينوس الله يخلص من فخ الصيادين انْفَلَتَتْ أَنْفُسُنَا مِثْلَ الْعُصْفُورِ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِينَ. الْفَخُّ انْكَسَرَ وَنَحْنُ انْفَلَتْنَا [7]. وقف المرتل في دهشة أمام عمل الله العجيب، وسط المعركة التي بين الله وإبليس. رأى نفسه عصفورًا لا حول له ولا قوة. لا يقدر أن يفلت من فخ الصيادين، أي إبليس وملائكته، لكن القدير أعانه، فكسر له الفخ وأطلقه حرًا. كثيرًا ما يؤكد الآباء الحقائق الإنجيلية التالية: أولًا: ضعف الإنسان الشديد أمام قوة إبليس وخداعه، فهو يشبه العصفور الذي لا حول له ولا قوة في إمكانياته الذاتية. ثانيًا: بالنعمة صار الإنسان في مركز القوة لا الضعف، فلا يليق به الخوف والقلق، بل يثق في إمكانية النصرة بالمسيح يسوع الذي خرج غالبًا ولكي يغلب. ثالثًا: انهار إبليس وفقد قدرته وسلطانه، فصار أشبه بألعوبة، لا يقدر على مقاومة المؤمنين الحقيقيين. رابعًا: غنى نعمة الله لا تُقدم ولا تعمل قسرًا إنما خلال إعلان الإنسان لقبولها بروح الجدية، في غير تكاسلٍ أو استهتارٍ. خامسًا: تقديم شكر مستمر على ما وهب الله المؤمن من نصرات، فتتطلع عيناه إلى نُصبٍ تذكارية روحية تسنده في رجائه بالرب. بهذا لا يكون جاحدًا لنعمة الله ؛ كما بالشكر يتمتع بفيض أعظم خلال نصرات مستمرة! سادسًا: يُقدم الشكر للثالوث القدوس: الآب الذي أرسل ابنه الوحيد مخلصًا، والابن المخلص، والروح القدس واهب الحياة والتقديس والتجديد. ترنم المرتل، قائلًا:"انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيَّادين، الفخ انكسر ونحن انفلتنا، عوننا باسم الرب الصانع السماوات والأرض" (مز 123: 7). إن كان العدو يظهر أحيانًا كأسد زائر ليرعب المؤمنين، فإنه أحيانًا يضع الفخاخ الخفية مستتفهًا المؤمنين، حاسبًا إياهم كالعصفور الذي يسقط في الفخ، بأية أمكانية يمكن أن يفلت؟ لكن العجيب أن ينكسر الفخ والعصفور يفلت دون إصابته بأذية. لن يتحقق هذا إلا بالخلاص الإلهي. * "انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين" [7]. الرب في النفس ذاتها، لهذا فَلَتت كطائر من فخ الصيادين. لماذا شبه الطائر؟ لأنها سقطت بدون إدراك، مثل طائر، وأمكن القول بعد ذلك فالله يغفر لي. الطائر غير المستقر بالحري يضع رجليه على الصخرة، فلا يسقط في فخ! ليكن الرب في داخلك، وهو يخلصك من تهديدات أعظم، من فخ الصيادين... الفخ سينكسر. تأكد من هذا، فإن ملذات الحياة الحاضرة لن تدوم عندما يتحقق مصيرها النهائي. ليتنا لا نرتبك بها، حتى متى انكسر الفخ نفرح، قائلين: "الفخ انكسر، ونحن نجونا". ولئلا تظن أنك تستطيع ذلك بقوتك الذاتية، انظر من الذي يعمل على نجاتك، وقل: "عوننا باسم الرب الذي صنع السماء والأرض"[12]. القديس أغسطينوس * إن أردت أن تقاوم، لا تتجاسر وتدخل في معركة علنية. ومن جانب آخر، إنه يغلب من كان نائمًا، لا من أجل قوته، إنما بسبب إهمالكم، أعني من لا يقدر أن يغلب شخصًا نائمًا حتى وإن كان أضعف من الجميع؟ القوي في قيودٍ وعدَّته محطمة، وقوته مقضي عليها، ومسكنه مُدمر، وسيفه منكسر. ماذا نطلب أكثر من هذا؟ لماذا أنت خائف منه؟ ما هو سبب رعبك؟ أخبرني، لماذا أنت قلق؟ أتريد أن تعرف نوع المعونة التي لديك؟ فوق الكل، عدوك ليس فقط صار ضعيفًا، وإنما عونك صار عظيمًا. تمرُّد الجسد قد تحطم، ثِقل الخطية قد زال، لقد نلت نعمة الروح، بقوة المسحة. "لأنه ما كان الناموس عاجزًا عنه في ما كان ضعيفًا بالجسد، فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية ولأجل الخطية دان الخطية في الجسد. لكي يتم حكم الناموس فينا، نحن السالكين ليس حسب الجسد" (رو 8: 3-4). لقد جعل الجسد مطيعًا، وقدم لك الأسلحة، درع البرّ، ومنطقة الحق، وخوذة الخلاص، وترس الإيمان وسيف الروح (راجع أف 6: 13-17)، والعربون المقدم لك (2 كو 1: 22)، إنه يقوتك بجسده، يهبك دمه لتشربه، ويضع صليبًا في يدك مثل رمح، الرمح الذي لن ينثني. ذاك المخلوق يربطه، ويسخر به حتى الأرض[13]. القديس يوحنا الذهبي الفم * ما هو الفخ الذي انكسر؟ يقول الرسول:" (الرب) سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعًا" (رو 16: 20)، "فتستفيقوا من فخ إبليس" (2 تي 2: 26). ها أنتم ترون الشيطان هو الصيَّاد، يشتاق أن يصطاد نفوسنا للهلاك. الشيطان هو سيِّد فخاخ كثيرة، وخداعات من كل نوع... متى كنَّا في حالة النعمة تكون نفوسنا في أمان. لكن ما أن نلهو بالخطيَّة، حتى تضطرب نفوسنا وتصير كسفينة تلطمها الأمواج[14]. القديس جيروم * لا تتحقق النصرة بكمية المال ولا بالاعتزاز بالقوة، ولا بعلو المجد، إنما يهب الرب عونه مجانًا للذين يطلبونه بالأحزان المكثفة. هكذا كان بولس الذي حمل أحزانه، موضوع فخره. لهذا صار قادرًا أن يقول: "حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي"... أترون إلى أين تقودكم الأحزان؟ إلى الرجاء الذي لا يخيب (رو 5: 3)[15]. القديس باسيليوس الكبير * يظهر العريس بين الفخاخ. لقد هيأ يسوع طريقًا لكم. نزل إلى الأرض وعرّض نفسه لفخاخ العالم. إذ رأى حشدًا عظيمًا من البشرية قد سقط في الفخاخ، وإذ يعلم أنه ليس أحد غيره يقدر أن يخلصهم أتى إلى الشراك حيث أخذ جسدًا بشريًا أمُسك في فخاخ القوى المعادية. كسر الفخاخ تمامًا من أجلكم، وأنتم تقولون: "انظروا من في الخلف، إنه خلف حائطنا، يتطلع من الكوى"، ها قد ظهر في الفخاخ[16]. * أما وقد مزَّق (الشباك) ووطأها، فهو يشجع أيضًا كنيسته لتدوس الفخاخ وتطأ الشباك، ثم تقول بكل الفرح: "انفلتت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين؛ الفخ انكسر ونحن نجونا" (مز 7:124).من الذي مزَّق الفخاخ إلا ذاك الوحيد الذي لا يُمكن الإمساك به؟ فمع أنه قاسي الموت، إلا أن ذلك تمّ بإرادته، وليس كما يحدث لنا بسبب خطيتنا. فهو وحده قد صار حُرَّا بين الأموات. وإذ هو الحيّ بين الأموات، عندما أباد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت" (عب 14:2)، وأتى بالذين سباهم الموت. لم يُصعِدَ ذاته فقط من الموت بل أصعد معه أولئك الذين غلبهم الموت؛ وجعلهم يجلسون معه في الأمجاد السمائية. "إذ صعد إلى العلاء سبى سبيًا" (أف 8:4). لم يأتِ بالنفوس فحسب، بل وأقام الأجساد أيضًا، كما يشهد بذلك الإنجيل: "وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا مدينة الله الحيّ أورشليم السماوية، وظهروا لكثيرين" (مت 52:27؛ عب 22:12). العلامة أوريجينوس * فلنستدرّ دومًا مراحم الله ليخلص نفوسنا من السيف، وينقذ نفوسنا من بطن الكلب، ويحررنا من فم الأسد. لنسرع ونتحرر من فم الأسد، ولنعجّلِ بتخليص نفوسنا من فخاخ الشهوات الأرضية حتى لا يقوى الشيطان على افتراسنا. وبعون الرب تكون لنا أجنحة روحية، فنقول مع النبي: "انفلتت مثل العصفور أنفسنا من فخ الصيادين، عوننا باسم الرب الصانع السماوات والأرض" (مز 124: 7-8). فليبدأ ويهبنا ذلك ذاك الذي يحيا ويحكم العالم إلى الأبد أمين[17]. الأب قيصريوس أسقف آرل * الشراهة هي والدة الثعابين، وكذلك مرافقة الإخوة الذين لا يمارسون الزهد. عندما تتعرى نفوسنا من هذه كلها لن تقع بعد في مصائد العدو، بل تستطيع أن تطير برشاقةٍ نحو الله، وفيه تجد الخلاص[18]. القديس يوحنا سابا * طوبى للنفس التي لا يغلبها أي صراع مضاد في الجسد، فإن مثل هذه النفس تطير كعصفور من فخ مكسور (مز 124: 7)، لأن ملذات الجسد هي غذاء الشرور. من يلتفت إليها يسقط في فخ[19]. القديس أمبروسيوس * يرمز أرز لبنان الذي زرعه الله، حيث تبني فيه العصافير أعشاشها ويكون مأوى للطيور الكبيرة، إلى الفضائل. إن الأرز دعامة لمنزل العرس ولحجرة العروس حيث تعيش فيها النفوس التي تشبه العصافير، التي تنجو من شراك الصيادين وتبني أعشاشها، وتجد فيها الطيور الكبيرة ملجأ لها، كما يقول الكتاب. يقول المهتمون بدراسة عادات الطيور إن الطائر أبو قردان لا يمارس الاجتماع الجنسي إلا عند الحاجة... ويظهر لي أن النص يشير إلى النقاوة خلال هذا المثال (نش 1: 16-17). تنظر العروس في نشيد الأناشيد إلى أعمدة الأرز في حجرة العرس الطاهرة وترى خشب السرو المزيَّن الذي يزيد المنظر جمالًا وأناقة. ويذكر النص أن تغليف السقف كان من خشب السرو. وتعني كلمة التغليف، تثبيت قطع الخشب بإحكام في شكل هندسي لتجميل سقف الحجرة. ماذا نتعلمه من هذا؟ لخشب السرو رائحة جميلة وله مناعة ضد التحليل وهو مفيد في إنتاج الكثير من أعمال الخشب الفنية لأنه خفيف وسهل التشكيل ويصلح لأعمال "الأويمة". نتعلم من هذا الدرس أنه يجب أن نغرس الفضيلة في نفوسنا من الداخل على أن لا نهمل أن يكون منظرنا الخارجي حسنًا فيلزم أن نعتني بما هو شريف أمام الله والناس (2 كو 5: 11)[20]. القديس غريغوريوس أسقف نيصص الله الخالق هو المخلص عَوْنُنَا بِاسْمِ الرَّبِّ الصَّانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ [8]. أدرك المرتل أن سرّ خلاصه هو اسم الرب، لهذا لم يقل: "إني كسرت الفخ ونجوت"، بل "عوننا باسم الرب الصانع السماوات والأرض". * الفخ سينكسر، لتتأكدوا من هذا. لأن هذه الحياة الحاضرة لا تعود تبقى بعد... ليتنا لا نُستعبد لها. حتى متى انكسر الفخ، نفرح، ونقول: "الفخ انكسر ونحن نجونا". ولئلا تظنوا أنكم تقدرون أن تفعلوا هذا بقوتكم، تذكروا بعمل مَنْ تم خلاصكم، لأنكم إن كنتم متكبرين تسقطون في الفخ. لتقولوا: "عوننا باسم الرب، الصانع السموات والأرض"[21]. القديس أغسطينوس * ألا ترون أي نوع هو هذا القائد الذي لك. إنه الملك؟ خالق الكل! ذاك الذي أوجد أجسادًا كثيرة بكلمته، هذا الكم، مثل هذا القدر العظيم؟ كونوا شجعانًا ولا تخر قلوبكم، لا يوجد ما يمنع إقامة نصب تذكاري لنصرتكم في فخامته. لذلك يليق بكم أيها الأحباء الأعزاء أن تتيقظوا، وتستمروا في جهادكم. ليتنا لا ننام، بل بالحري نصقل سلاحنا، ونشدد عزائمنا، ونجاهد الجهاد الحسن بدون انحراف، حتى نبلغ النصرة المجيدة، وننعم بملكوت السماوات بمجدٍ عظيمٍ. ليكن هذا نصيبنا الصالح لنا جميعًا، شكرًا لنعمة ورأفة ربنا يسوع المسيح، الذي له المجد والسلطان إلى جيل الأجيال، آمين[22]. القديس يوحنا الذهبي الفم * دعنا، إذًا، ننتبه ونشكر ذاك الذي له السماوات كرسيّ والأرض موطئٌ لقدميه (إش 66: 1)، الذي تخدمه الخليقة كلها (يهوديت 16: 14). ولنبدأ من هذا النموذج المذكور سابقًا، ونحن أيضًا نقدِّم الشكر للآب، لأنه رحم العالم و"لم يُشفق على ابنه" و"أرسل الابن (الوحيد) مخلِّصًا للعالم" (رو 8: 32؛1 يو 4: 14) وفاديًا لنفوسنا. ولنقدِّم الشكر للابن لأنه "وضع ذاته وأطاع حتى الموت موت الصليب" (في 2: 8) لأجلنا نحن البشر. ولنقدِّم الشكر للروح القدس المعطي الحياة الذي تكلم في الناموس والأنبياء والمعلِّمين، الذي أظهر بطرس تائبًا وأمره أن يذهب إلى كرنيليوس (أع 10: 19-20)، ومجّده وأعطاه قدرةً أن يُقيم الموتى مثل طابيثا (أع 9: 40)، الذي يسبق دائمًا ويحطِّم فخاخ العدو عن الذين يدعونه حسب نبوة داود النبي: "الفخ انكسر ونحن انفلتنا، عوننا باسم الرب الصانع السماوات والأرض" (مز 124: 7-8). القديس برصنوفيوس من وحي المزمور 124 أنت لي ومعي وفيّ! * بماذا أصف العدو المقاوم ليّ؟ ألعله زلزال يود أن يحطمني، ويدفني تحت الأنقاض حيًا؟! ألعله سيل جارف وطوفان مرعب، يبتلعني بدواماته، ويجرفني حتى الأعماق؟! ألعله أسد يزأر يجول ليفترسني؟! ألعله صياد ماكر خطير، ينشب لي الفخاخ والشباك الخفية، فيصطادني كعصفورٍ لا حول لي ولا قوة؟! إنه أخطر من هذا بكثير، ليس من تشبيهٍ يقدر أن يصف ما هو عليه! * لكن إلهي هو مخلصي، هو ليّ ومعي، دائمًا أنا في حضرته، من يقدر أن يقترب إليّ؟ إنه في أعماقي، يقيم ملكوته في داخلي، يحوّل ترابي إلى سماءٍ عالية. * لتتحرك الزلازل مهما كانت قوتها، فليس لها سلطان عليّ! كيف تدفنني مادمت حيَّا بخالق السماء والأرض؟! * لتنهمر السيول، مهما بلغت شدتها، فإنها لا تقدر أن تغرقني. بالصليب أعبر مع موسى كما عبر بحر سوف. ويغوص إبليس وقواته في البحيرة المتقدة نارًا. أترنم مع يونان النبي، قائلًا: أصعدت من الوهدة حياتي، أيها الرب إلهي. * انهمر الموت على مخلصي كالسيل، وظن العدو أنه قادر أن يقتله بالموت، لكن بالموت أمات مخلصي الموت. وتحول السيل إلى نهرٍ، شرب منه مخلصي ورفع رأسه. قام فأقامني معه! ماذا يفعل العدو بسيوله وطوفانه؟! * ليجُل العدو كأسدٍ زائرٍ يود أن يفترس، لكن هل يقدر أن يلتقي بالأسد الخارج من سبط يهوذا؟ * لينصب العدو فخاخه، وإن كنت كالعصفور الضعيف والعاجز، لكن مخلصي في داخلي، بروحه القدوس يطلقني إلى سماواته، فتنكسر كل فخاخ العدو، وأنفلت! * بك يا مخلصي لن تقلق نفسي. بك أنعم بنصراتٍ لا تنقطع. بك يُسحق الشيطان تحت أقدام كنيستك. بك وأنا ضعيف أصير قويًا! رجائي فيك لن يخيب يا صانع السماوات والأرض. |
||||
15 - 04 - 2014, 04:27 PM | رقم المشاركة : ( 149 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 125 (124 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير المسكن الأبدي لم ينته هذا القسم الثاني من مزامير الصعود بإقامة خيمة الاجتماع التي كانت على مثال السماء ليسكن الله وسط شعبه، وإنما يرى المرتل وهو يرنم مزامير الصعود أن الرب حال حول شعبه من الآن وإلى الأبد. يرى الأبدية أمام عينيه، حيث يسكن مستقيمو القلوب في أورشليم العليا، أما السالكون في طرق معوجة فمصيرهم مع فعلة الإثم. إذ يبلغ المؤمن أورشليم يرى نفسه في المدينة المقدسة المبنية على تلٍ عالٍ وقد أحاطت الجبال بها من حولها، فيدرك الحقائق الروحية التالية: 1. يحوط الله بكنيسته ويحتضنها ويحمي كل عضو فيها، مادام لم يخرج منها. فمن يلتزم بالعضوية الكنسية الروحية الحقيقة يحوط به الرب كالجبال. فلا يخشى المؤمن من العواصف والأنواء، إذ هو مخفي في الله الجبل الوطيد. 2. يبدو المؤمن كأورشليم المقُامة على تلٍ عالٍ، يبقى راسخًا كالصخرة لا تتزعزع إلى الأبد. إيمانه بمسيحه صخر الدهور ووحدته وبناؤه الروحي... هذا كله لن يهتز، لأن الله هو بانيه على الصخرة. 3. يرى المؤمن الطريق الآمن الوحيد، أرض السلام مع الله حيث الحرية الحقيقية على مستوى أبدي! كما يرى طرقًا ملتوية معوجة يختبئ فيها اللصوص للسرقة والقتل، من يسلك فيها يجلب على نفسه اللعنة كفاعل شرٍ. 1. مسكن أبدي 1. 2. الرب حول شعبه 2. 3. مواطنون أحرار صالحون 3-4. 4. عزل الأشرار عن الصالحين 5. من وحي المزمور 125 1. مسكن أبدي اَلْمُتَوَكِّلُونَ عَلَى الرَّبِّ، مِثْلُ جَبَلِ صِهْيَوْنَ الَّذِي لاَ يَتَزَعْزَع،ُ بَلْ يَسْكُنُ إِلَى الدَّهْر [1]. إذ حررهم من عبودية فرعون، وأخرجهم تحت قيادة موسى وهرون إلى البرية، طلب الله محررهم الحقيقي من موسى أن يقيم خيمة الاجتماع كمسكنٍ له وسط شعبه. إنها صورة رمزية لما تمتعنا نحن به بعد أن قدم لنا بصليبه الحرية، ووهبنا سلطانًا على إبليس وكل قوات الظلمة، إذ أعدنا للدخول إلى أورشليم العليا، نحيا مع محررنا السماوي إلى الأبد. فتح لنا بصليبه العجيب باب الرجاء، وقدم لنا إمكانيات جديدة للاتكال عليه، فنصير بالحق جبالًا مقدسة لا تتزعزع، إذ يقيم مخلصنا في أعماقنا. يعرِّف المرتل شعب الله بالمتوكلين على الله. خلال فترة السبي تعرض جبل صهيون للخراب فصار مهجورًا، لكن إلى حين، ثم عاد إليه جماله بعد السبي. هكذا يتعرض المتوكلون على الله إلى تجاربٍ وأحزانٍ، لكن سرعان ما يمجدهم الله أبديًا. يقول الرسول: "قد أتيتم إلى جبل صهيون، وإلى مدينة الله الحيّ أورشليم السماوية، وإلى ربوات هم محفل ملائكة، وكنيسة أبكار مكتوبين في السماوات وإلى الله" (عب 12: 22-23). * "المتوكلون على الرب مثل جبل صهيون" [1]. ما هي قوة إضافة كلمة "صهيون"؟ أعني عوض أن يقول فقط "مثل جبل"، لماذا يشير إلى جبل معين؟ لكي يُعلمنا ألا نسقط تحت المحنة ولا نغرق فيها، بل نعتمد على الله في رجاءٍ، ونحتمل كل شيء بنُبلٍ: سواء كانت حروبًا أو نزاعات أو مخاطر. فإن هذا الجبل كان يومًا ما مهجورًا، خاليًا من السكان، وبدوره استرد رخاءه السابق، واستعاد شعبيته القديمة بتدفق السكان عليه وظهور عجائب. هكذا الإنسان النبيل لا ينهار، حتى وإن عانى من متاعب لا حصر لها. لهذا لا تنظر إلى حياة بلا مخاطر. فإن الذي يطلب ممارسة مهاراته في حياة مريحة ليس كذاك الذي يقود عاصفة. الأول يصير بليدًا، رخوًا، ومنحلًا. بينما الأخير يكافح مع صخور كثيرة سواء تحت السطح أو فوقه، ويواجه عواصف ريح شديدة ومخاطر جمة للبحر، وبنجاته وسط هذا كله يجعل نفسه أكثر قوة. بمعنى آخر لقد جُلبت لهذه الحياة، لا لتعيش في خمولٍ، ولا أن تعيش فاترًا، ولا أن تهرب من مواجهة المتاعب، بل أن تصير بالأكثر مستحقًا للمديح خلال الألم. لا تطلب الاسترخاء ولا حياة الترف، فإن هذا علامة حياة غير نبيلة بل خاملة ينقصها العقل... ولكن عوض هذا اطلب ألا تسقط في تجربة إن واجهتها. على أي الأحوال لا تكن قنوطًا ولا مصابًا بالرعب ولا بالذعر، بل افعل كل شيء لكي تصير مستحقًا بالأكثر للثناء... ألا تلاحظ الجنود الشجعان كيف عندما يُستدعون بالبوق يركزون أنظارهم على النُصب التذكارية والنصرات والأكاليل والأعمال الباسلة لأسلافهم؟ ... لك قائد شجاع، قادر على أية مغامرة، وحل المشاكل برغبته المجردة. كل شيءٍ هو له: السماء والأرض والبحر والوحوش والنار، بالنسبة له بسهولة يمكنه أن يغير كل الأشياء، ويحسب تغييرها عملًا سهلًا... ألا تسمع قول الكاتب الموحى إليه: "المتوكلون على الرب مثل جبل صهيون"؟ قال: "مثل الجبل" ليشير إلى سمة الرجاء في الله التي لا تُغلب، واستقرارها وعدم قهرها وحصانتها، تمامًا مثل عدم النجاح قط في الإطاحة بجبلٍ أو تحطيمه مهما أُتيت بأسلحة لا حصر لها ووجهتها ضده، هكذا من يهاجم ذاك الذي له رجاء في الله يرجع فارغ اليدين. الرجاء في الرب أكثر أمانًا من الجبل...! "الذي لا يتزعزع (يتحرك)، بل يسكن إلى الدهر" [1]... ماذا إذن؟ ألَم يتحرك الثلاثة فتية ودانيال؟ ليس الأمر هكذا. لقد رُحِلُّوا من مدينتهم، وصاروا في السبي، لكنهم تحت أي وضع لم يتحرك أحد منهم. بالحري، وإن كان قد لحق بهم وضع مُقلق، ووجدوا أنفسهم في وسط اضطرابات كثيرة صعبة، لكنهم كانوا كمن هم واقفون على صخرة، وقد رسوا في ميناءٍ هادئٍ، وبهذا لم يعانوا من شيء مضرٍ. هكذا لا تشيروا إلى ظروف معينة كمثالٍ للتزعزع، عوض هذا فإن التزعزع هو تحرك. مفقدٍ للنفس، وسقوط من الفضيلة... الذين ينجحون في ذلك يتحررون من كل ظروفٍ متغيرة، ولا يستطيع شيء ما أن يجعلهم يخطئون، لا شهوة ولا ملذات، ولا ظروف خاصة بالخطية ولا حزن أو صراع أو خطر، فإن هذه كلها تتلاشى[1]. القديس يوحنا الذهبي الفم كان إبليس، كما يقول داود النبي في المزامير (مز 35: 16) يراقب أنطونيوس ويصرِّ عليه أسنانه. أما أنطونيوس فكان متعزِّيًا بالمخلِّص، وبقيَ سالمًا من حيله ومكائده المختلفة. كان يسهر بالليل، فيرسل عليه إبليس وحوشًا برّيّة، وكأنّ كل ضباع تلك البرّية تقريبًا قد خرجت من مغايرها وأحاطت به، وهو في وسطها، يهدِّده كلُّ واحدٍ بالعضّ. وإذ رأى حيلة العدو، قال لها: ”إن كان لكم سلطان عليَّ فأنا مستعدٌ أن تلتهموني، أمّا إن كنتم قد أُرسِلتم عليَّ من قِبَل الشياطين، فلا تمكثوا، بل انصرفوا، لأنني عبدٌ للمسيح". فهربت كلها أمام تلك الكلمة، وكأنها قد ضُربت بالسياط[2]. * إنهم واثقون كجبل صهيون، وإن ثارت ضدهم ربوات التجارب، فهم مؤسسون على صخرة التي هي المسيح (1 كو 10: 4؛ مت 7: 25)[3]. القديس أثناسيوس الرسولي * كل الذين يرغبون في البقاء في الكبرياء ينتمون إلى بابل، أما الذين يظلون في التواضع فينتمون إلى أورشليم. وقد بارك القديسون والأسفار المقدسة باركوا ولا يزالون يباركون المتواضعين بالكلمات: "أحسن يا رب إلى الصالحين، وإلى المستقيمي القلوب"[4]. الأب قيصريوس أسقف آرل * هذا المزمور الذي ينتمي إلى عداد مزامير المصاعد، يعلمنا أننا ونحن نصعد ونرفع أذهاننا إلى الرب إلهنا، في محبة عذبة وتقوى، لا نركز أنظارنا على البشر الذين هم مقتدرون في هذا العالم، في سعادة باطلة غير مستقرة ومغرية، الذين لا يتعلقون بشيءٍ سوى الكبرياء وقلبهم يجحد ضد نعمته، فلا يحمل ثمرًا[5]. * لماذا إذن الذين يسكنون في أورشليم لا يتزعزعون إلى الأبد، إلا لأنه توجد أورشليم أخرى تشتاقون أن تسمعوا عنها؟ إنها أمنا التي نئن لأجلها ونتنهَّد في رحلتنا هذه لكي ما نرجع إليها... أورشليم الأبدية، أمنا جميعًا التي في السماء[6]. القديس أغسطينوس 2. الرب حول شعبه أُورُشَلِيمُ الْجِبَالُ حَوْلَهَا، وَالرَّبُّ حَوْلَ شَعْبِهِ مِنَ الآنَ وَإِلَى الدَّهْرِ [2]. يشبه المؤمنين بالجبال الثابتة، التي لن تزعزعها التجارب لا لقوة فيها، وإنما لأن الرب حول شعبه. إنها جبال مقدسة، لأن القدوس حول شعبه، ومنيرة لأنه هو سرّ استنارتها وقوتها وصلاحها. * ما هي أورشليم هذه؟ "أورشليم الجبال حولها" [2]. هل هو أمر عظيم أن نكون في مدينة محاطة بالجبال؟ ألا نعرف ما هذه الجبال؟ وما هي الجبال سوى تضخيم للأرض؟ إذن هذه الجبال مختلفة عن تلك الجبال التي نحبها، الجبال العالية هي الكارزون بالحق، سواء كانوا الملائكة أو الرسل أو الأنبياء. إنهم يحوطون أورشليم كما لو كانوا حصنًا لها. يتكلم الكتاب المقدس باستمرار عن هذه الجبال الجميلة والبهيجة... لا يقول إن لها سلام من عندها، أو تصنع سلامًا أو تولِّد سلامًا، إنما تتقبل سلامًا، هكذا لترفعوا أعينكم إلى الجبال من أجل السلام الذي تقدمه عونًا من عند الرب، الصانع السماوات والأرض... ولئلا تتلكأوا في الجبال، أضاف في الحال: "والرب حول شعبه" [2]، حتى لا يكون رجاؤكم في الجبال، وإنما في ذاك الذي ينير الجبال. فإنه عندما يسكن في الجبال، أي في القديسين يكون هو نفسه حول شعبه. وهو نفسه يُحصن شعبه بحصون روحية، فلا يتزعزعون إلى الأبد... لتحبوا مثل هذه الجبال التي فيها الرب. عندئذٍ هذه الجبال نفسها تُحبكم إن كنتم لا تضعون رجاءكم فيها... إن كنتم تريدون أن تكونوا محبوبين من الجبال الصالحة، لا تجعلوا اتكالكم حتى في الجبال الصالحة[7]. القديس أغسطينوس * يقول إنه حتى إن كانت الجبال تحصنها، فإنها تحتاج إلى حماية من الله، تجعلها منيعة... "الرب حول شعبه"، بمعنى لا تثق في سلسلة الجبال[8]. القديس يوحنا الذهبي الفم 3. مواطنون أحرار صالحون[ لأَنَّهُ لاَ تَسْتَقِرُّ عَصَا الأَشْرَارِ عَلَى نَصِيبِ الصِّدِّيقِينَ، لِكَيْ لاَ يَمُدَّ الصِّدِّيقُونَ أَيْدِيَهُمْ إِلَى الإِثْمِ [3]. إنه يحوّط حول شعبه ليقدسه وينيره ويثبته ويحميه من السقوط تحت التجربة، لكنه لا يمنع التجارب تمامًا، حتى يزكيه ويكلله، وينعم بالنضوج والنمو الدائم، أما إن وجَّه العدو ضربه قاضية فلن يسمح الله بها مطلقًا! * قد يسمح الله أحيانًا لعصا الخطاة أن تصيب الأبرار، لكنه لا يترك هذه العصا تستقر زمانًا طويلًا. ما هي عصا الخطاة إلا قوتهم وسيادتهم وأذيتهم. * يسمح الرب أحيانًا بالتجارب، ولابد أنها آتية كالمخاض للحبلى. فلا يمكن أن يترك الرب شعبه في راحته طويلًا، لئلا يتكاسلوا عن أمر خلاصهم... ومن جهة أخرى لو سمح بالتجارب لا يتخلى أبدًا عن شعبه لئلا يفشلوا. فلا يمكن أن يتركنا الرب نجرب فوق ما نحتمل، بل يجعل مع التجربة المنفذ (1 كو 10: 12). * ما يعنيه هو أمر كهذا: إنه سوف لا يسمح أن يكون لهم سلطان على نصيب الصديقين، وإن سمح إلى حين، إنما لأجل إصلاحهم وتحذيرهم وتأديبهم... "لكي لا يمد الصديقون أيديهم إلى الإثم". كل الأمور تحدث لهذا الهدف، أن تصير نفوسهم إلى حالٍ أفضلِ خلال إصلاحهم بحلول الكوارث، وأن يصيروا في أكثر غيرة بتمتعهم بعطية الخيرات[9]. القديس يوحنا الذهبي الفم إن كان رب السماء والأرض، الذي به خُلقت كل الأشياء، خدم غير المستحقين وطلب الرحمة من أجل مضطهديه الهائجين. وكم أظهر نفسه كطبيبٍ لهم عن مجيئه، كم بالأكثر يليق بالإنسان ألا يستخف بكل كيان عقله وإرادته الصالحة وكل حبه من أن يخدم سيدًا شريرًا! تأملوا، فإن الأفضل يخدم من هو أقل، ولكن إلى حين[10]. * عصا الأشرار تترك إلى حين على نصيب الأبرار، لكنها لا تُترك هناك، إنها لا تبقى إلى الأبد. سيأتي الوقت حين يظهر المسيح في مجده ويجمع كل الأمم أمامه (مت 25: 32-33). وسترون كثيرًا من العبيد بين القطيع، وكثيرًا من السادة مع الجداء. فإنه ليس كل العبيد صالحين - هذا لا يُقلل من التعزية التي تُعطى للعبيد - ولا كل السادة أشرار، فإننا قد كبحنا كبرياء السادة. يوجد سادة صالحون، ويوجد سادة أشرار... ويوجد خدم صالحون يؤمنون، وخدم أشرار. ولكن مادام يوجد خدم صالحون يخدمون سادة أشرار فليتحملوهم إلى حين[11]. القديس أغسطينوس أَحْسِنْ يَا رَبُّ إِلَى الصَّالِحِينَ، وَإِلَى الْمُسْتَقِيمِي الْقُلُوبِ [4]. الكل يحتاج إلى الصلاة من أجلهم حتى الصالحون، فالمرتل يصلي لأجلهم ولأجل مستقيمي القلوب لكي يسندهم الرب في لحظات التجربة والضيق حتى لا ينحرفوا. مادام الإنسان في الجسد، مهما بلغ سموه الروحي يطلب إخوته عنه حتى يعبر من هذا العالم بسلام. يميز القديس يوحنا الذهبي الفم بين الصالحين ومستقيمي القلوب وبين فعلة الإثم، فيرى الصالحين في البسطاء الذين ليس فيهم تعقيد، أما فعلة الإثم فهم الذين ليس فيهم بساطة أو استقامة بل اعوجاج وتعقيد. ينطق الصالحون بالحق بدون غش أو خداع أو رياء، ما في ظاهرهم يطابق ما في باطنهم. كثيرًا ما يردد القديس هذه الفكرة: إن الصلاح يحمل مكافأته فيه، والشر يحمل جزاءه أو عقوبته فيه. * مستقيمو القلوب الذين كنت أتحدث عنهم منذ قليل هم الذين يتبعون إرادة الله، لا إرادتهم... والذين يرغبون أن يتبعوا الله يسمحون له أن يذهب أمامهم وهم يتبعونه. وفي كل شيءٍ يجدونه صالحًا، سواء في التأديب أو التعزية أو التدريب أو التكليل أو التطهير أو الإنارة، كما يقول الرسول: "نحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معًا للخير للذين يُحبون الله" (رو 8: 28)[12]. القديس أغسطينوس 4. عزل الأشرار عن الصالحين أَمَّا الْعَادِلُونَ إِلَى طُرُقٍ مُعَوَّجَةٍ، فَيُذْهِبُهُمُ الرَّبُّ مَعَ فَعَلَةِ الإِثْمِ. سَلاَمٌ عَلَى إِسْرَائِيلَ [5]. ماذا يقصد بالعادلين إلى طرق معوجة؟ إلا الذين يميلون أن ينحرفون إلى التشكك في الإيمان، أو المرتابون غير المؤمنين. وكما يقول الرسول: "أما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون... فنصيبهم في البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني" (رؤ 21: 8). وكما قيل: "نزعًا أنزعهم يقول الرب" (إر 8: 13)؛ وذلك كما تُنزع الأغصان الجافة عن الكرمة لتُحرق أو الأشواك عن الأرض الجيدة. * أولئك الذين يزيِّفون أعمالهم، إذ يجدون بهجتهم في الملذات الحاضرة ولا يعتقدون في العقوبات العتيدة. ماذا إذن يكون للمستقيمي القلب والذين لا ينحرفون؟ لنأتِ إلى الميراث نفسه يا إخوة، لأننا أبناء. ماذا سوف نقتني؟ ما هو ميراثنا؟ ما هي مدينتنا؟ وماذا تُدعى؟ "سلام"...! سلام في المسيح... إذن نحن أبناء سننال ميراثًا! وماذا يُدعى هذا الميراث إلا سلام؟! ولتعلموا أن من لا يُحب السلام ليس له ميراث. الآن من يشقوا الوحدة لا يحبوا السلام. السلام هو مُقتنى الأبرار، مقتنى الورثة. ومن هم الورثة؟ الأبناء... وحيث أن المسيح ابن الله هو السلام، لهذا سيأتي ويجمع من له ويفصلهم عن الأشرار. من أي أشرار؟ أولئك الذين يبغضون أورشليم، يبغضون السلام، الذين يُريدون أن يُمزقوا الوحدة، الذين لا يؤمنون بالسلام، ويكرزون بسلام باطل للشعب، وهم لا يقتنونه[13]. القديس أغسطينوس * أجل، إن الرب صالح، ولكنه عادل أيضًا، ومن خصائص العادل أن يجازي بحسب الاستحقاق... إن الرب رحوم، ولكنه ذو إنصافٍ أيضًا، فقد قيل: "الرب يحب الرحمة والعدل" (مز 100: 1)[14]. القديس باسيليوس الكبير القديس ديديموس الضرير القديس يوحنا الذهبي الفم من وحي المزمور 125 مواطن في مدينة الأحرار * إذ حررت الشعب القديم، أقمت له خيمة الاجتماع ظل مدينة الأحرار الأبدية. انتقل الشعب من وسط العمل في اللبن، من وسط الطين والقش، إلى العبادة في خيمة الاجتماع المملوءة بهاءً. أردت أن تسحب قلوبهم إلى مدينة أبيهم السماوي، أورشليم الحرة السماوية! يسكنون كمواطنين وأصحاب بيتٍ، مع أبيهم المحرر الحقيقي والمدافع عنهم، يشتركون مع الطغمات السماوية، التي لم تذق قط مذلة العبودية، * في محبتك ورعايتك الفائقة، تفتح ليّ باب الرجاء المبهج، وتهبني الثقة واليقين في أبوتك الحانية. أتكئ على صدرك، فأصير أشبه بجبلٍ شامخ لا يتزعزع. لا يقدر العدو بكل إمكانياته وأسلحته أن يحطمني. لا، بل ولا يحرك مشاعري، ولا يقترب إليّ، لأنك قوتي وسلاحي! بل يفزع إذ يراك في أعماقي تسكن فيّ، وأنا فيك، يا أيها الصخرة العجيبة. * بحبك الفائق أقمت منا جبالًا منيرة لا تتزعزع. سرّ استنارتنا وسرّ صمودنا أنك حولنا. تحمينا من التجارب المهلكة، لكن برعايتك الفائقة وحكمتك الإلهية تسمح بالضيقات. تسمح قدر ما يكون نافعًا لنمونا ونضوجنا، وإلى حين. حتى نتزكى أمامك ونُكلل! ما أعجب حبك، فإنك تعطي مع التجربة المنفذ. مع كل تجربة تشكلني نعمتك، فأتهيأ لأكون حجرًا حيًّا لائقًا بالهيكل السماوي. ضربات العدو لن تحطمني، إنما خلال نعمتك تزيدني بهاءً. * ليتجبر الأشرار كما يشاءون، فإنني مستتر فيك، أنت مشغول بمجدي الأبدي. هم يضربونني إلى حين، وأنت تمجدني إلى الأبد. * إخوتي يسندونني بصلواتهم في وسط ضيقي، وأنا لا أكف عن الصلاة من أجل المتضايقين متى نجتمع سويًا كمواطنين في بيت أبينا الأبدي! هناك لا أثر لإبليس ولا لقواته، ولا للأشرار المصممين على شرورهم! هناك أرى مدينتي التي طالما أشتاق إليها! هناك أكتشف كم كنت مشغولًا بمجدي الأبدي! هناك ألتقي بك يا أب كل المؤمنين ومخلص الجميع! |
||||
15 - 04 - 2014, 04:30 PM | رقم المشاركة : ( 150 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 126 (125 في الأجبية) - تفسير سفر المزامير عبادة مقدسة متهللة أو فرح سماويِ مع نهر دموع مقدسة يُعتبر هذا المزمور بداية المجموعة الثالثة، والتي تقابل سفر اللاويين، وهو السفر الخاص بالقداسة. فإن كان الله هو مخلصي الوحيد الذي يقيمني من القبر والموت (سفر التكوين)، ويهبني الحرية الداخلية من إبليس والطاغية والخطية (سفر الخروج)، فإن هذا السفر هو دعوة أن ننعم بالحياة المقدسة كأيقونة للمخلص القدوس. هذه القداسة تتحقق خلال رئيس الكهنة السماوي الذي قبل أن يقدم نفسه ذبيحة، وقدم لنا وصايا خاصة بالتطهيرات تتحقق خلال الطاعة لذاك القادر أن يحققها فينا. لذلك جاء هذا المزمور يكشف لنا عن جوهر العبادة لله، ألا وهو الدخول إلى عبادة مقدسة متهللة، لكي تتحول حياتنا إلى عربون الحياة السماوية، وتصير أيامنا أشبه بفرحٍ سماوي، سره الرجاء بما نناله، بالرغم مما نعانيه هنا من متاعب وتجارب. وقد جاءت المزامير الثلاثة المقابلة لسفر اللاويين تكشف عن سمة العبادة الكنسية السماوية: 1. مزمور 126: عبادة مقدسة متهللة. 2. مزمور 127: عبادة لله باني البيت وحافظه. 3. مزمور 128: عبادة الأسرة المباركة. المزمور أشبه بصيحات فرحٍ لا تنقطع! إذ يتحرر المؤمنون من سبي الخطية، ترتفع قلوبهم كما إلى السماء في نقاوةٍ وطهارةٍ وقداسةٍ، يتهللون بالقدوس العامل فيهم، يختبرون الحياة السماوية المقدسة المملوءة فرحًا لا يُنطق به. يعتبر هذا المزمور أشبه بمرثاة وطنية، يشبه في صياغته مزمور 85، وفي أسلوبه إرميا 31، حيث يتذكر المؤمنون معونة الرب الخلاصية، إذ جاء بهم من السبي، وأنقذهم من البلاء أو المجاعة. هذا كان حال بعض الراجعين من السبي إلى أورشليم، كانوا كمن في حلمٍ من شدة الفرح. وكما قيل للشعب: "لا تحزنوا، لأن فرح الرب هو قوتكم" (نح 10: 8). هذه صورة مبسطة لما يكون عليه حالنا حين ننطلق إلى الفردوس. * هذا المزمور الذي يتحدث إلى روح المصممين على الاستمرار في الرحلة الروحية إلى الله، يناسبنا تمامًا ليعيننا في أوقات الحزن والكآبة. هذا العالم هو دون شك وادي الدموع الذي فيه يزرع الإنسان وهو باكٍ. إنه يسندك لتستمر في إيمانك. على أي الأحوال، إن شرحت ما يعنيه هذا السفر بالبذور التي نزرعها الآن. هذه البذور هي الأعمال الصالحة التي خلقها الله لكل واحدٍ منا أن نفعلها (أف ٢: ١٠). وقد خطط لنا أن نقمها بقوة روحه في وسط أتعاب هذه الحياة المضطربة. من يتعلم أن يمارس عمل الله في هذا العالم -وادي الدموع والأتعاب هذا- يصير متهللًا مثل المزارع المُجِدْ الذي يزرع البذار حتى في موت الشتاء، فهل تقدر الرياح الباردة والجو القاسي أن يمنعه عن العمل؟ حتمًا لا! هكذا يليق بنا أن نتطلع إلى متاعب هذه الحياة. تُلقى الملاهي في طريقنا بواسطة الشرير، بقصد أن نَحد عن الأعمال الصالحة التي خُلقنا لكي نعملها. تطلعوا ماذا يقول المرتل: "من يخرج باكيًا..." بالحق يجد علة للبكاء، يجد كل واحدٍ منا ذلك. ومع هذا يلزمنا أن نسير، ممارسين أعمال الله الصالحة في طريقنا. كم نكون بائسين إن كنا قد دُعينا للعمل بجديةٍ لكي نبكي فقط دون التطلع إلى أية ثمرة لعملنا. يا لنا من بائسين إن كنا لا نجد أحدًا يمسح دموعنا. لكننا نعرف أن الروح القدس يعمل لكي نستمر في الغرس وسط دموعنا. لأن الروح يعدنا خلال المرتل أننا نعود مندهشين بالفرح! نحمل ثمر تعبنا كتقدمة له[1]. القديس أغسطينوس 1. حياة مفرحة فائقة 1. 2. عمل إلهي مفرح 2-3. 3. ينابيع مبهجة 4-6. من وحي المزمور 126 1. حياة مفرحة فائقة تَرْنِيمَةُ الْمَصَاعِدِ عِنْدَمَا رَدَّ الرَّبُّ سَبْيَ صِهْيَوْنَ، صِرْنَا مِثْلَ الْحَالِمِينَ [1]. إذ يبلغ المؤمنون مدينة أورشليم يحسبون أنفسهم أشبه بمن هم في حلمٍ، فلا يصدقون أنهم تحرروا من السبي، وانطلقوا إلى وطنهم أو مدينتهم السماوية أورشليم العليا أمنا. ليس شيء يفرح قلب الإنسان مثل التحرر من سبي الخطية ليعيش في حرية مجد أولاد الله. لا سلطان للخطية ولا لإبليس عليه. يعيش كملاك الرب، كمن في حلمٍ لا سلطان للإنسان العتيق عليه، وليس للعالم أو ظروفه أن تحبس نفسه. يحدثنا القديس يوحنا الذهبي الفم عن نوعين من السبي، سبي صالح وآخر شرير. الأول كما يقول الرسول بولس: "مستأسرين كل فكرٍ إلى طاعة المسيح" (2 كو 10: 5)؛ والثاني السبي تحت سيدة قاسية وعنيفة ألا وهي الخطية: "يسبون نُُسيَّات محملات خطايا" (2 تي 3: 6). * أسألكم أن نتجنب تسلطها بحذرٍ شديدٍ، محاربين ضدها دون أن نتصالح قط معها، وما أن نتحرر منها حتى نبقى في حرية. فوق هذا كله كما أن هذا الشعب عندما تحرر من المتوحشين صاروا في راحةٍ، يلزمنا بالأكثر أن نفرح ونتهلل عندما نتحرر من الخطية ونحافظ على هذا الفرح الخالد عوض إفساده وتشويهه بالانشغال في ذات الرذائل[2]. القديس يوحنا الذهبي الفم * لقد فرحنا إذ ننال تعزيات... نحن نحزن على نصيبنا الحاضر، ونحن في راحة بالرجاء. عندما يعبر الحاضر عِوَض الحزن يأتي الفرح الأبدي، حيث لا نحتاج إلى تعزية، حيث لا نُصاب بأية كارثة. لذلك يقول: "مثل" فإنهم في راحةٍ، ويُقال عنهم إنهم ليسوا في راحة. كلمة "مثل" ليست دائمًا تُعني الشبه، وإنما تُشير أحيانًا إلى حالة واقعة وأحيانًا إلى شبه. هنا تُشير إلى حالة واقعة... لذلك اسلكوا في المسيح، وسبحوا فرحين، سبحوا كمن هم في تعزية، لأنه يسير أمامكم ذاك الذي يأمركم أن تتبعوه[4]. القديس أغسطينوس 2. عمل إلهي مفرح حِينَئِذٍ امْتَلأَتْ أَفْوَاهُنَا ضِحْكًا، وَأَلْسِنَتُنَا تَرَنُّمًا. حِينَئِذٍ قَالُوا بَيْنَ الأُمَمِ: إِنَّ الرَّبَّ قَدْ عَظَّمَ الْعَمَلَ مَعَ هَؤُلاَءِ [2]. يا له من مزمورٍ بديعٍ! لقد تراءت أمامهم العودة من السبي البابلي حتى قبل حدوث السبي الذي دام سبعين عامًا. لكن هذه العودة المفرحة إلى أورشليم ليست إلا عربون للعودة إلى الوطن السماوي. الذين عادوا إلى وطنهم من السبي، عبَّروا عن فرحهم بالترنم، فامتلأت أفواههم بالضحك الروحي المبهج، وصاروا يسبحون الله الذي بذراعه ردهم إلى أرض الوعد. كان على كورش ملك فارس ومادي - الذي يمثل الأمم - أن يعترف ويقر بيد الرب القوية وذراعه الرفيعة. هذا الذي تنبأ عنه إشعياء النبي قبل مولده بأكثر من خمسين سنة. عادوا بهتافات الفرح ليبنوا الهيكل، ويستعيدوا أسوار المدينة. إنها عربون ما ناله على مستوى سماوي أبدي. * هذا الفم يا إخوتي الذي أعطانا الرب إياه... نأخذه لكي نملأه بالفرح والتسبيح، لا بالأطعمة والشراب أو بكلام السفاهة أو شبه ذلك. * هذا الفم يا إخوة الذي لنا في جسمنا كيف يُقال عنه: "امتلأ فرحًا" إنه يستخدم لكي يمتلئ بالطعام والشراب وغير ذلك مما يوضع في الفم... وعندما يمتلئ الفم... لا نقدر أن نتكلم. لنا فم في الداخل، أي في القلب، هذا الذي إن أصدر شرًا يُدنسنا، وإن صلاحًا يُطهرنا. عن هذا الفم تسمعون عندما يُقرأ الإنجيل... يطلب الرب طهارتنا الداخلية، التي إن اقتنيناها يحتاج الخارج أيضًا أن يتطهر يقول: "نقِّ أولًا الداخل.. لكي يكون خارجهما أيضًا نقيًا (راجع مت 23: 26)[5]. * احفظوا فم قلوبكم من الشر، فتكونوا أبرياء. سيكون لسان جسدك بريئًا، ويدا جسدك ستكونان بريئتين، حتى القدمان والعينان والأذنان أبرياء. كل أعضائك ستخدم في براءة، لأن القائد البار هو قلبك. "حينئذٍ قالوا بين الأمم إن الرب قد عظم العمل مع هؤلاء"[2][6]. القديس أغسطينوس تقف الأمم في دهشة كيف تمتلئ قلوبنا فرحًا وألسنتنا تسبيحًا وسط متاعب هذه الحياة وتجاربها. إنهم يلتزمون بالشهادة أن هذا لن يكون عملًا طبيعيًا، إنما هو عمل الله فينا. * تمتلئ أفواهنا فرحًا لعدم نطقنا بكلام الضجر أو الشتائم لبعضنا البعض، أو بكلام السفاهة أو الفحشاء؛ بل تمتلئ ألسنتنا تهليلًا بدراستنا كلام الله بالحكمة والشكر له، وذلك لأننا عُتقنا من بيت العبودية. الأب أنثيموس الأورشليمي القديس يوحنا الذهبي الفم وَصِرْنَا فَرِحِينَ [3]. إذ تقدم عبادة مقدسة للرب، يقف الذين في الخارج في دهشة أمام الفرح العظيم الذي يحل بنا. * التهليل عند التحرر من السبي ليس بالمساهمة البسيطة للتحول إلى ما هو أفضل. إنه يسأل من لا يفرح لهذا؟ عندما تحرر أسلافهم من مصر، وتحولوا عن العبودية الرهيبة إلى الحرية، تحت تأثير تمرمرهم الجاحد في وسط البركات التي نالوها ذاتها صاروا ساخطين وناقمين وبقوا في حزنهم. هذا لا يليق بنا، فإنهم اشتكوا، أما نحن فنفرح ونتهلل... إننا نتهلل ليس فقط لأجل التحرر من الكارثة، وإنما لأن كل واحدٍ سيتحقق من رعاية الله لنا[8]. * كورش نفسه كمثالٍ، الذي كانوا تحت سلطانه حررهم دون أن يسألهم أحد، لكن الله ليَّن موقفه، ولم يحررهم فقط بل وقدم لهم عطايا وهدايا (عز 1: 1-4)[9]. القديس يوحنا الذهبي الفم القديس أغسطينوس 3. ينابيع مبهجة ارْدُدْ يَا رَبُّ سَبْيَنَا، مِثْلَ السَّوَاقِي فِي الْجَنُوبِ [4]. إنها صرخة المرتل إلى الله، لأنه رأى أن كثيرين رغبوا في البقاء في بابل، ولم يقبلوا التحرر من سبي بابل. بدأ المرتل المزمور بالتسبيح للرب لأنه رد سبي صهيون، فكيف يطلب الآن: "أردد يا رب سبينا"؟ قديمًا حين أصدر كورش مرسومًا بالسماح لليهود بالرجوع إلى أورشليم، رجع حوالي خمسين ألفًا فقط، واستحسن الباقون البقاء في بابل، لأنهم أقاموا مشاريع تجارية، وحسبوا الرجوع إلى أورشليم فيه خسائر مادية فادحة. لقد تهلل المرتل بالراجعين من السبي، لكنه يبقى يصرخ إلى الله حتى يرجع آخر إنسان ويتحرر! هكذا مع تهليل نفوسنا بعمل الله معنا، لن تستريح نفوسنا حتى نرى كل البشرية تتمتع بالخلاص، وتتذوق فرح الإنجيل. يشبه المرتل الكنيسة بالسواقي في الجنوب. فإنها تفيض بمياه النعمة الإلهية حتى تضم كل يوم الذين يخلصون، أو الذين يتحررون من سبي الخطية. كما تسبب الأمطار اندفاعًا مفاجئًا للمياه عبر القنوات الجافة الفارغة في نجب (جنوب أورشليم)، هكذا يجدد الرب حياتنا. في العهد القديم تشير ريح الجنوب عادة إلى حرارة الروح أو عمل الروح القدس الناري، بينما تشير ريح الشمال إلى برودة الروح بالشر. * هذا المزمور يعني أن السيل يتدفق بعد هبوب ريح الجنوب الدافئة، تلك إشارة إلى الروح القدس الذي يفتقده القلب المتحجر بالخطية، والذي تجمد مثل الثلج لتراكم الشرور فيه، كذا حينما يذيب الروح القدس الثلوج المتجمدة فيه تهطل الدموع عندئذ كالسيل. القديس أغسطينوس يَحْصُدُونَ بِالاِبْتِهَاجِ [5]. يقف المؤمن في دهشة، يمتلئ قلبه بالفرح السماوي، فيشعر كأن السماء قد احتلت قلبه، أو ارتفع إلى السماء. وتنهار الدموع في أعماقه لتحطم الفرح أو تحجبه، بل لترويه وتغذيه. تُرى هل تحول القلب إلى سماء متهللة أم نهر دموع يسقي مدينة الله التي في داخله. إن ضحك العالم يتعارض مع الدموع، أما الضحك الروحي، فيتناغم مع الدموع الروحية، يعملان معًا كأختين شقيقتين! مسيحنا مصدر الفرح الحقيقي يقودنا في طريق الدموع ليعبر بنا إلى فرحه السماوي. لقد بكي على لعازر كما على أورشليم وأيضًا في بستان جثسيماني. لقد وعدنا: "ستحزنون، ولكن حزنكم سيتحول إلى فرحٍ" (يو 16: 21). هذا هو حصاد الدموع المقدسة. كان داود يعوِّم كل ليلة سريره وبدموعه يبل فراشه (مز51)، ويقول إرميا النبي: "يا ليت رأسي ماءً، وعينيَّ ينبوع دموع، فأبكي نهارًا وليلًا" (إر 1: 10) يقول القديس غريغوريوس النزينزي: [هذه الدموع هي مجاري المياه التي تفرح مدينة الله (مز 46: 4).] يرى القديس أغسطينوس أن هذه الدموع تسقي بذرة الإيمان التي في قلوبنا. القديس يوحنا الذهبي الفم ليس من حقلٍ متسعٍ أكثر من المسيح، يمكننا أن نزرع فيه، هذا الذي أراد منا أن نُغرس فيه. تُربتك هي الكنيسة، اغرس فيها قدر ما تستطيع. لكن ليس لديك القدرة الكافية لتحقيق ذلك. هل لك الإرادة الصالحة؟ فإن كل ما تفعله يُحسب كلا شيء ما لم يكن لديك الإرادة الصالحة، لا تكتئب إن كان ليس لديك ما تود أن تفعله مادام لك الإرادة الصالحة. ما هو الذي تغرسه؟ الرحمة! وما الذي تحصده؟ السلام! هل قالت الملائكة: "وعلى الأرض السلام للأغنياء"؟ لا، بل قالت: "على الأرض السلام للناس الذين لهم إرادة صالحة" (راجع لو 2: 14). كان لزكا إرادة صالحة، وكانت له محبة عظيمة (لو 19: 8)[12]. القديس أغسطينوس * "وعند المساء يبيت البكاء... وفي الصباح ترنم" (مز 30: 6). تذكر أوقات الآم الرب... لتفهم ما أقول... في المساء بكى تلاميذ الرب عندما رأوه معلقًا على الصليب... وفي الصباح تعالت أصوات الفرح بعد القيامة... ركضوا في فرح يبشرون بعضهم البعض بالبشارة المفرحة... لقد رأوا الرب. وإذ تكلمنا بصفة عامة... يشير المساء إلى الحياة في هذا العالم... فالذين يبكون... بالفرح يتعزون حينما يأتي الصباح "طوبى للحزانى، لأنهم يتعزون" (مت5: 4) طوباكم أيها الباكون الآن، لأنكم ستضحكون" (لو6: 21) والذين أمضوا حياتهم... التي اقتربت من نهايتها... واقترب غروب شمسها... يقاومون الخطية بدموعٍ... سيفرحون عندما يأتي الصباح الحقيقي... "الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج" (مز126: 5) في المستقبل[13]. القديس باسيليوس الكبير فنحن نصوم ممتنعين عن الخمر واللحوم، ليس احتقارًا لهما كأشياء دنسة، بل أملًا في المكافأة. فنستهين بالأمور المادية لكي نتمتع بالوليمة الروحية العقلية، وإذ نزرع الآن بالدموع نحصد في العالم الآتي بالفرح (مز 126: 5)[14]. القديس كيرلس الأورشليمي * لنزرع بالدموع كي نحصد بالفرح. لنظهر أنفسنا شعب نينوى، لا شعب سدوم (تك 19: 17، 23). لنصلح شرنا حتى لا نهلك. لننصت إلى كرازة يونان لئلا تكتنفنا النار والكبريت[15]. القديس غريغوريوس النزينزي القديس أمبروسيوس القديس مار اسحق السرياني * "الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالفرح". قد يقول قائل: من المجحف أن نبكي، ومن الصعب تحمل الحزن. إن قيل هذا في وسطكم، فإنكم تدركون بصبر القلب الجمال الباهر الناتج عن الحقول تمامًا. فإن تأملتم بما فيه الكفاية في هذا لبدا لكم أنه ينشئ قبحًا، لكنه يثمر فيما بعد ثمارًا كثيرة. لهذا يليق بنا أن نراعي باجتهاد ألا نذرف دموعنا على الخسائر الأرضية، بل في اشتياق إلى الحياة الأبدية[19]. * إذ نفكر في حال ضعفنا وكثرة التجارب وزحف الخطايا ومقاومة الشهوة وقوة الشهوات المدمرة التي تثور دائمًا ضد الأفكار الصالحة، نحزن على الدوام ونتأوه. حينئذ نتأهل أن نتهلل إلى الأبد في زمن الفرح والراحة والسعادة والحياة الأبدية القادمة[20]. الأب قيصريوس أسقف آرل القديس ديديموس الضرير القديس كيرلس الكبير الذَّاهِبُ ذِهَابًا بِالْبُكَاءِ، حَامِلًا مِبْذَرَ الزَّرْعِ، مَجِيئًا يَجِيءُ بِالتَّرَنُّمِ، حَامِلًا حُزَمَهُ [6]. يرى القديس أغسطينوس في مثل السامري الصالح الذي يرمز للسيد المسيح بكونه الحارس الصالح، صورة واقعية للمؤمن الذي كان نازلًا من أورشليم إلى أريحا فوقع بين لصوصٍ، عروه وجرحوه ومضوا وتركوه بين حيّ وميت (لو 10: 30 الخ). لقد تحنن عليه السامري الصالح وصعد به إلى الفندق (غالبًا في أورشليم) واعتنى به. يطالبنا القديس أغسطينوس ألا نرتبك بسبب نزولنا وسقوطنا بين أيدي اللصوص، فإن مسيحنا يود أن يحملنا ويصعد بنا إلى كنيسته المقدسة. في صعودنا معه ننسى جراحاتنا وتتهلل نفوسنا وتسبح وتشكر، وتتقدم روحيًا، وتستقر في الفندق السماوي! * ليتنا لا نفشل في غرس بذورنا وسط المتاعب. فإننا وإن كنا نزرع بالدموعٍ فسنحصد بالفرح... إن كنا قد نزلنا وجُرحنا، فلنصعد (مع السامري الصالح)، ولنغنِ، ونتقدم، حتى نصل إلى الموقع (أورشليم)[23]. القديس أغسطينوس * لا يكذب المسيح حينما يقول في شخص رسوله: "ما يزرعه الإنسان إياه يحصد"، وبعون الله لنسعى على الدوام أن نزرع في حقل قلوبنا بالقراءة والصلاة والأعمال الصالحة. هذه التي بما نحصد البرّ والرحمة في اليوم الآتي، يوم الدينونة. عندئذ يتحقق فينا المكتوب: "الذاهب ذهابًا بالبكاء حاملًا مبذر الزرع مجيئًا يجيء بالترنم حاملًا حزمة". خلال هذا الفرح يقودكم الرب الصالح الذين مع الآب والروح القدس، هذا الذي يحيا ويملك بلا نهاية[24]. الأب قيصريوس أسقف آرل * هل ترون أيها الأعزاء المحبوبون عظمة المنفعة الصادرة عن التجارب التي تحل (بالبار)؟ ألا ترون عظمة مكافأة احتماله؟ ألا ترون الرجل وزوجته المتقدمين في العمر، فمع كونهما هكذا يشهدان عن إحساسهما الصالح، وشجاعتهما ومحبتهما الواحد للآخر. ما هو مثل هذا الرباط من الحب؟ لنتمثل نحن جميعًا بهذا ولن يحل بنا اثباط الهمة أو نحسب أن حلول الضيقات علامة على ترك الله لنا أو دليل على الاستخفاف بنا. بالحري ليتنا نتعامل معها كأوضح دليل على العناية الإلهية من نحونا[26]. القديس يوحنا الذهبي الفم القديس أمبروسيوس من وحي المزمور 126 يا لعظم حبك يا واهب القداسة * في وسط وادي الدموع، تشرق عليّ بنور حبك الفائق، تدخل بي إلى عربون السماء، وتحول حياتي إلى عيدٍ لا ينقطع! تحررني في كل يومٍ من سبي الخطية، وتطلقني لأنعم بمجد أولاد الله. * تحررني من سبي إبليس، وتنعم عليّ بسبي الفائق حبك لي. لا تعود عيناي ترتكزان على خطاياي وضعفاتي، إنما على أعمالك الفائقة! صرت كمن في حلمٍ، ليس من لغةٍ تعبر عن ما وهبتني، فكم بالأكثر ما تعده لي في يوم مجيئك، حين أراك وجهًا لوجهٍ! * ملأت فمي ضحكًا روحيًا، ولساني تهليلًا. بالفرح الفائق أشهد لعظمة أعمالك فيّ ومعي. صار ليّ الفرح طعامًا يملأ فمي، ويشبع نفسي. لم يعد ما يشغلني هو الأكل والشرب. لأنك أنت هو الخبز النازل من السماء. من يأكل منك لا يعرف إلا الشبع والتهليل! * كلما امتلأت أعماقنا بالفرح بك، تلتهب مشاعرنا بالشوق أن يشاركنا الكل هذا الفرح. في بيتك نفرح بالقداسة التي تُسكب فيه، لكن متى تتقدس البشرية كلها لك؟! * وسط فرح الروح الفائق تنعم عليّ بدموع الحب. تجري دموعي كنهرٍ يفرح مدينة الله! تصرخ دموعي إليك: يا من تحنو على تنهدات القلب ودموعه الخفية. دموعي تسقي جنة قلبي الخفية، فتحمل ثمارًا هي من عمل روحك القدوس. |
||||
|