الشهيد الأنبا كبريانوس أسقف قرطاجنة
(أنبا كيبريانوس الإفريقي)
يعتبر القديس كبريانس اللاهوتي الغربي الثاني بعد العلامة ترتليان. يقول عنه القديس جيروم في كتابه مشاهير الآباء:" كان معتادًا ألا يدع يومًا يعبر دون القراءة في كتابات ترتليان. وقد اعتاد أن يقول لتلميذه أعطني العلم، قاصدًا بذلك معلمة ترتليان".
سجّل لنا شماسه بونتيوس Pontius سيرته، هذا الذي شاركه ورافقه إلي يوم استشهاده، كتبها بعد استشهاده مباشرة.
القديس كبريانوس و القديسة يوستينة الشهداء
نشأته:
في قرطاجنة عاصمة شمال أفريقيا:
وُلد ثاسكيوس كايكليانوس (ساسيليوس) كبريانوس Cyprianus (Caecilius) Caecilianus Thascius علي الأرجح ما بين سنة 200 و 210 م. من أسرة شريفة وثنية. كانت قرطاجنة Carthage في حدود دولة تونس في شمال أفريقيا علي خليج تونس، وكان والده من أشرف قضاة المدينة.
تثقف ثقافة عالية حسب مقتضيات عصره ووضعه الاجتماعي. نال قسطًا وافر من العلوم، لاسيما المنطق والفلسفة والفصاحة، وكان قد تزوَّج وأنجب أولادًا.
إذ بلغ سن الشباب صار خطيبًا فصيحًا ومعلمًا للخطابة والفصاحة، وذاع صيته. ويبدو أنه عاش منغمسًا في الرذيلة شأن معظم شباب عصره. اهتدى إلى المسيحية وآمن على يد كاهن شيخ يُدعى كايكليانوس (ساسيليوس) بقرطاجنة، وكان ذلك حوالي سنة 246 م. وانضم إلى صفوف الموعوظين. وله قصته المعروفة مع القديسة يوستينة. إذ لمست النعمة الإلهية قلبه هاله الفساد الذي حل بالبشرية علي مستوي الأفراد والجماعات والحكومات، فاعتنق الإيمان المسيحي.
نال سرّ العماد علي يدي الكاهن ولمحبته فيه دُعي "ساسيليوس كبريانوس" بإضافة اسم الكاهن إلي اسمه. وقد حدث تغيّر جذري في حياته إذ يقول:
"بعد أن تعمَّدت اغتسلت من ماضي خطاياي بفعل ماء معمودية المجدد، وتدفّق نور من السماء في قلبي التائب الذي يبدد الشكوك ويفتح النوافذ وتنجلي الظلمة.
وما كنت أراه من قبل صعبًا صرت أراه سهلًا.
وما كنت أظنه مستحيلًا صار أمرًا واقعًا.
وظهرت لي الحياة الماضية أرضية مولودة من الجسد، والآن ولدت من الماء والروح. هذا عمل الله".
بعد قبول المعمودية أخذ كبريانوس أربع خطوات هامة في حياته:
أولًا: باع أغلب أملاكه ووزعها علي الفقراء والمساكين، مستبقيا القليل منها لسد احتياجاته.
ثانيًا: وهو في سن السادسة والأربعين تقريبًا نذر حياة البتولية برضا زوجته وسلمها مع أولادها للكاهن الشيخ سيسيليانوس وقدم لهم بعضًا من أمواله. أحب البتولية كعلامة لاشتياقه إلى الإلهيات ورغبته في قرب زوال العالم وتمتعه بالحياة الأخرى مع السمائيين. وفيه أيضًا احتجاج عملي علي الفساد الخلقي النجس الذي كان متفشيًا في عصره.
ثالثًا: جحده الدراسات العالمية وتركيزه علي دراسة الكتاب المقدس يوميا، واهتمامه بكتابات العلامة ترتليان. قال القديس عن نفسه أنه بعد عماده ازدري بالفصاحة البشرية واحتقر تنمّق الكلام والعناية بزخرفة الألفاظ، ومع هذا فكتاباته تشهد عن فصاحته. رابعًا: كرس مواهبه لخدمة ملكوت الله، فاستكمل منهجه في علم الاختزال، واستطاع به أن يسجل بكل دقة آراء سبعة وثمانين أسقفًا حضروا المجمع الذي دعا إليه عام 326 م. بخصوص إعادة معمودية الهراطقة.
أسقفيته:
صار كبريانوس مثلًا عجيبًا دُهش له المسيحيون كما الوثنيون. إذ تنيّح الأسقف انتخبه الإكليريكيّون والشعب خليفة له. لم يعبأ الشعب بمعارضة بعض الكهنة مثل نوفاتيوس Navatus لسيامة كبريانوس أسقفًا بحجة حداثة إيمانه.
هرب القديس واختفي في بيته، فهرعت الجماهير تبحث عنه، وحرست الجماهير مخارج المدينة وحاصروه، فخضع لآرائهم وسلم نفسه إليهم وسيم حوالي عام 249 م.
اضطهاد ديسيوس:
لم تمضِ سنة واحدة علي أسقفيته حتى هبت عاصفة شديدة من الاضطهاد أثارها الإمبراطور ديسيوس الذي أصدر مرسومًا إمبراطوريًا سنة 250 م. بالقضاء علي المسيحية. وهو أول اضطهاد شامل عمَّ أنحاء الإمبراطورية الرومانية كلها. فنال كثيرون إكليل الشهادة، وضعف بعض المرتدّين، والبعض هربوا، وآخرون حُسبوا معترفين. أنكر البعض الإيمان وبخّروا للأوثان، ولجأ البعض إلي الحصول علي شهادات مزوّرة تفيد بأنهم قد بخّروا للأوثان ليهربوا من التعذيب والقتل.
كتب القديس كبريانوس أن الله سمح بهذا الاضطهاد الشديد لأجل تراخي المؤمنين في العبادة، لأنهم لما استراحوا في زمن فيلبس قيصر وابنه اللذين تركا المسيحيين في سلام طفق الشعب ينهمك في المكاسب الزمنية، وتراخى رجال الدين والرهبان في دعوتهم المقدسة، وأحبت النساء الثياب الفاخرة ورغد العيش، لذلك رفع الله عليهم عصا أعدائهم لكي ينهبوهم فيتوبون.
كان القديس في صراع بين التقدم إلي ميدان الجهاد للتمتع بإكليل الشهادة، وهذا ما كانت تميل إليه نفسه، وبين الاختفاء قليلًا لأجل منفعة الشعب، وهذا ما تستلزمه ظروف الاضطهاد المرّة حتى يسند شعبه. أخيرًا رأي كبريانوس أن يتواري عن الأبصار ليس خوفا من الموت وإنما "لكي لا تثير جرأته المتناهية غضب الحكام" إذ كان يخشى من انهيار ضعفاء الإيمان.
ويبدو أنه فعل ذلك بإعلان إلهي. كان يرعى شعبه من مخبأه، فكراعٍ صالح يبعث برسالة للشعب لكي يسندهم، كان يحثّهم علي محبة مضطهديهم. كتب رسائل كثيرة أرسلها من مخبأه تشديدًا للمعترفين في السجون والمناجم وإظهارًا لمجد الاستشهاد، وتوصية للخدام والإكليروس بالعناية بالمعترفين والشهداء ماديًا ونفسيًا وروحيًا. كما كان يرسل ليلًا أشخاصًا يهتمون بأجساد الشهداء ويقومون بدفنها، ويهتم باحتياجات عائلاتهم الروحية والنفسية والمادية.
حاول بعض المنشقّين مهاجمة القديس بسبب هروبه، لكن كما يقول تلميذه كان يسير بخطى سريعة نحو الإكليل المُعد له، وأن معلّمه قد حُفظ وقتئذ "بأمر من الرب".
استمر الاضطهاد لمدة خمسة عشر شهرًا، فترة حكم ديسيوس وبعد موته استراحت الكنيسة وعاد القديس إلي كرسيه.
مشكلة الجاحدين:
إذ ارتد البعض عن الإيمان بسبب الضيق الشديد عادوا إلى الكنيسة فظهر اتجاهان الأول هو التساهل معهم واتخذ غيرهم موقفًا متشددًا.
أوصى الشماس فيلكسيسموس Felicissimus قبول الساقطين فورًا. وقبل بعض الكهنة الجاحدين للإيمان أثناء الاضطهاد بدون استشارة الأسقف كبريانوس ودون استخدام قوانين التوبة، وسمحوا لهم بالتناول من الأسرار المقدسة دون أي تأديب.
استغل معارضو سيامة القديس الفرصة وأثاروا هذه المشكلة بكونها تهاونًا في حق قدسية الكنيسة، ونادوا بالانفصال عن رئاسة القديس كبريانوس.
بعد فصح سنة 251 م. إذ عاد السلام إلي الكنيسة ورجع الأسقف إلي كرسيه بدأ يكرّم الشهداء، وجمع حوله المعترفين الذين تألّموا من أجل الإيمان، وجاءت رسائله تحمل مزيجًا من الفرح الشديد بالشهداء والمعترفين وأيضًا الذين هربوا حتى لا يجحدوا الإيمان مع الحزن المرّ علي الجاحدين. طالب الجاحدين أن يقدموا توبة بتواضع، معترفين بخطاياهم إذ داسوا إكليل الشهادة بأقدامهم، وقد ترك باب التوبة مفتوحًا أمام الجميع لكن بغير تهاون. لقد حرص علي تأكيد أمومة الكنيسة التي تلد المؤمنين وتربيهم وتؤدبهم وتقدم لهم الحضن الأبوي.
مجمع قرطاجنة:
: الشهيدان كبريانوس ويوستينة
في عام 251 م. عقد أساقفة إفريقيا مجمعًا بخصوص هذا الشأن عرف بمجمع قرطاجنة لدراسة موقف الجاحدين الراجعين. عالج هذا المجمع المشكلة من كل جوانبها.
فقد ارتد البعض عن الإيمان علانية، وقدم آخرون رشوة للقضاء الوثنيين وأخذوا منهم شهادة بأنهم قدموا ذبيحة للآلهة. وقد أكد القديس لهم أن مثل هذه الشهادة هو نوع من النفاق فندم كثيرون علي ما فعلوه.
كانت صرامة قوانين التوبة تصد البعض عن الرجوع إلي الكنيسة، فلجأ البعض إلي المعترفين الذين سُجنوا من أجل الإيمان وطلبوا شفاعة الكنيسة لكي تصفح عنهم وتقبلهم في الشركة وتخفف عليهم القوانين، وقد نشأ عن هذا نوع من التراخي.
شدد المجمع علي رجال الدين الذين جحدوا الإيمان إذ قبلوهم بين الشعب مع عدم العودة إلي عملهم الكهنوتي. أما أصحاب الشهادات الوثنية فقبلهم المجمع بعد وضع قوانين يلتزمون بها.
قطع المجمع فيليكسيموس وجماعته، وأوجبوا دخول الساقطين في التوبة، ولم تقبل عودة أحد منهم في الكنيسة إلا إذا كان مشرفًا علي الموت.
أُسر بعض المسيحيين:
دخل البرابرة إقليم نوميديا وأسروا الكثيرين من المسيحيين. بدأ القديس يحرك قلوب المؤمنين علي افتداء اخوتهم الأسري بصدقتهم. وبالفعل جمع مالًا وفيرًا وأنقذ المؤمنين من الأسر.
مشكلة الوباء، القديس كبريانوس ومرض الطاعون:
تفشّى مرض الطاعون في أثيوبيا ومصر حوالي عام 250 م. ثم انتقل إلى قرطاجنة عام 252 م.، وظلّ يهدّد أنحاء الإمبراطورية قرابة عشرين عامًا أخري. وكما يقول تلميذه الخاص بونتيوس أنه كان طوبيا زمانه، يهتم بالمرضي والراقدين دون تمييز بين مؤمن وغير مؤمن. فقد أكد علي شعبه ضرورة خدمة الكل بلا تمييز، وتقديم الصدقات للجميع، وحثهم علي البذل والسخاء من أجل العبور إلي السماء خلال الكنيسة بيت الإيمان.مع خطورة هذا المرض في ذلك الحين أدرك المسيحيون رسالتهم كشهودٍ علي أنهم أولاد الله أن يهتموا بالمنكوبين بلا خوف من انتقال العدوى وتعرضهم للموت. جاء في حياة كبريانوس بقلم شمّاسه [يليق بنا أن نعطي جوابًا عن ميلادنا الجديد، ولا يليق بالمولودين من الله أن يتخاذلوا، بل بالأحرى يبرهنون علي ولادتهم من الآب الصالح بإظهار صلاحه(9).]
معمودية الهراطقة:
لم تعترف كنيسة أفريقيا بمعمودية الهراطقة، شاركتها في ذلك كنيسة نوميدية في ثلاثة مجامع عقدت في قرطاجنة في السنتين 255 و256 م. كتب الأب اسطفانوس أسقف روما خطابًا شديد اللهجة مهددًا إياه بالقطع بسبب ذلك، فلم يعبأ القديس كبريانوس بالخطاب. وقد استشهد الاثنان في عام 258 م.
اضطهاد فاليريان:
في أثناء حكم فالريان، وفي أغسطس سنة 257 م. أثير الاضطهاد مرة ثانية، وأُستدعي كبريانوس، ووقف أمام الوالي الروماني على أفريقيا تنفيذًا لقرار الإمبراطور. لما سأله عما إذا كان يصر على عدم إتباع ديانة روما، أجاب أنه مسيحي وأسقف ولا يعبد إلا الله الواحد خالق السماء والأرض.
لم يجسر أسباسيانوس حاكم قرطاجنة يومئذ أن يقتل القديس كبريانوس نظرًا لجزيل اعتباره من الناس. فأصدر أمره بنفيه والخروج من المدينة.
قضي القديس مدة سنة في المنفي علي بعد نحو 50 ميلًا من قرطاجنة، حيث كتب الكثير عن الاستشهاد. ولما عزل أسباسيانوس عن منصبه وخلفه غاليريوس ماكسميانوس رجع القديس إلي قرطاجنة وهو مشتاق إلي إكليل الشهادة في بلده وسط شعبه وقد حقق الله له أمنيته.
سكن في بستان مع بعض رجال الإكليروس وأصدقائه، وكانت الجماهير تتوافد عليه. أشار عليه قوم من أصدقائه وكان كثير منهم من الوثنيين ذوي المكانة يحثّونه على تفادي الأخطار، وعرضوا عليه أماكن يختفي فيها حتى لا يقبض عليه الحاكم، فلم يقبل.
أرسل الحاكم الجنود والقوا القبض عليه، وكان الجنود يريدون نقله إلي أوتيكا عند الوالي، إلا أن الأسقف أراد أن يعلن عن إيمانه وسط شعبه فتجمهر الشعب حوله. وفي الصباح مضي به الجنود إلي الوالي. وكما يقول فونتيوس أنه كان يجري في سيره نحو المسيح كما يجري المصارعون المجاهدون. وأنه كان يتوق إلي التمتع بمعمودية الدم، كما كان يردد الكلمات التالية: "هناك، فوق فقط يوجد السلام الحقيقي، والراحة الأكيدة الدائمة الثابتة، والأمان الأبدي? هناك بيتنا فمن لا يسرع إليه؟"
أركبوه مركبة وجلسوا المسئولين عن يمينه وعن يساره ليصير حتى في يوم استشهاده في صورة رسمية. أسرعت الجماهير بإعدادٍ لا حصر لها وقد اختلطت مشاعرهم بين الفرح بالأسقف المحب للشهادة والحزن. وكان الكل يودعونه أما هو فوقف في هدوء ورزانة متحليًا بروح الرجاء والإيمان. سمع الأسقف الحكم عليه بالإعدام بالسيف في دار الولاية وهو يردد: "الشكر للَّه، وأشكر الله وأباركه".
تبعته الجموع إلي مكان الاستشهاد خارج المدينة. وهناك خلع ثوب الكهنوت وسلمه لشماسه وألقي كلمة صغيرة يعزّي بها شعبه ثم جثا علي ركبته مصليّا، وإذ رأي السياف مرتعدًا قدّم له خمس قطع ذهبية تشجيعًا له. وتقدم بعض أبنائه من رعيته وفرشوا تحته ثيابهم لتلتقط دماءه، ثم عصب عينيه بيديه ليُسلم نفسه في يديّ مخلصه، وكان ذلك في 14 سبتمبر سنة 258 م.، فنال إكليل الشهادة..
حمل المؤمنون جسده ليلًا بالشموع مع الصلوات في موكب النصرة إلي مقرّه الأخير.
اهتزّت قلوب شعبه وهو يقدم بكل حب حياته من أجل مخلصه. وقد عبر تلميذه بنتيوس عن مشاعره الشخصية فقال:
"يتمزق ذهني في اتجاهات متباينة.
أفرح إذ أرى آلامه، وأحزن من أجل بقائي هنا.
مشاعر مختلطة تمثل ثقلًا علي قلب مرتبك هكذا.
هل أحزن لأنني لا أرافقه؟
ومع هذا فإن نصرته التي نحتفل بها مبهجة، فهل احتفل بها؟
صورة: القديس كيبريانوس والشيطان، و القديسة يوستينا - القرن 14
إني حزين لأني لا أرافقه، ومع هذا يلزمني أن اعترف لكم في بساطة عن أمر أنتم تعرفونه. إنني متهلّل جدًا بمجده، ولكنني حزين أكثر إذ تًركت ورائه هنا"(1).
شخصيته:
قدم لنا تلميذه الذي عاش معه في منفاه حتى لحظة استشهاده صورة حيّة عن شخصيته فقال:
"كانت القداسة والنعمة تشعان من وجهه بقوة، فكان يربك أذهان من يتطلعون إليه.
ملامحه جادة ومفرحة، ليست عنيفة بعبوسة ولا عذابه برخاوة...
يدهش الشخص هل كان يستحق أن يُهاب أم يحب؟ فإنه كان مستحقًا أن يهاب ويحب"(2).
كتاباته:
كان كبريانوس رجل رعاية أكثر منه رجل لاهوت، فلم يكتب لأجل البحث في اللاهوت وإنما ليعالج مشاكل رعوية وكنسية عملية وتسد احتياجاتهم حسب الظروف التي عاشت فيها الكنيسة في قرطاجنة. من بين كتاباته:
1. مقال لصديقه دوناتوس Ad Donatum بمناسبة عيد عماده وذلك في فصح 246 م. . يسجل فيه ليس فقط سرّ قبوله الإيمان المسيحي وإنما يحث الآخرين ليتبعوا نفس مسلكه، مبرزًا نعمة الله الفائقة التي ظهرت وسط الليل الحالك من فساد البشرية.
2. مقال في لباس العذارى De habitu virginum فيه يوجهن إلي خدمة الفقراء عوض الاهتمام بالزينة. يوصي العذارى ببساطة الملبس وعدم التبرج ولبس الحلي، مع عدم اشتراكهن في حفلات العرائس الصاخبة وعدم الدخول في الحمامات المختلطة، واستخدام أموالهن في مساعدة الفقراء.
3. مقال في الساقطين أو المرتدين De lapsis كتبه عقب عودته من مخبأه عام 251. فيه يحذّر المعترفين من التشفع في الساقطين في العبادة الوثنية دون ضغوط شديدة، فإن التساهل معهم يحرمهم من ممارسة التوبة.
4. في الموت De martalitale حيث يميز بين موقف المؤمنين وغير المؤمنين من الموت.
5. في الصلاة الربانية De dominica oratione بكونها أفضل الصلوات، حيث يلذ للأب أن يسمع كلمات ابنه، وبها يصير المسيح نفسه شفيعًا لنا أمام العرش ويليق بمن يتلوها أن يكون هادئا متواضعًا أمام الله. وهي تستوجب الوحدة إذ يصلي المؤمن بصيغة الجمع عن الجميع.
6. الأصنام ليس آلهة.
7. في الوحدة الكنسية De ccelesiae unitate بسبب انشقاق نوفاتيان وفليسيسيموس Felicissimus، يوضح فيها أن الانقسام من عمل إبليس، وان الانشقاق أخطر من الاضطهاد. لا توجد ألا كنيسة جامعة واحدة، ومن لا يعتبر الكنيسة أمه لا يقدر أن يدعو الله أبا له. المعلمون الكذبة والهراطقة أشر من جاحدي الإيمان.
8. مجموعة رسائل متنوعة. من بينها رسالة عنوانها "الرد على ديمتريانوس" يؤكد فيها أن المسيحيين ليسوا مسئولين عما حلّ بالعالم من ويلات الحروب والأوبئة، فالعالم شاخ وانحطّ فقلّ خصبه ونتاجه، والذنب في ذلك ليس ذنب المسيحيين بل هو ذنب الوثنيين الذين أخطأوا وارتكبوا الموبقات واضطهدوا المسيحيين، فأثاروا بذلك غضب الله واستحقوا القصاص.
9. كتب مقالة عنوانها "حثّ على الاستشهاد" موجّهة إلى فورتوناتوس Fortunatus من ثلاثة عشر فصلًا يقول فيها:
"نحن الذين بسلطان من الرب مَنَحنا المؤمنين العماد الأول، علينا أن نعد كلًا منهم للعماد الثاني، بحثّهم وتعليمهم أن هذا العماد أعظم في النعمة وأسمى في القوة وأرفع في الشرف.
بمعمودية الماء ننال مغفرة الخطايا، وبمعمودية الدم نظفر بإكليل الفضائل.
في سفر الخروج لما خاف الشعب واشتهى الرجوع، قال لهم موسى لا تخافوا. قفوا وانظروا خلاص الرب. الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون. والرب في إنجيله يحذّرنا من أن نعود ثانية للشيطان وللعالم الذي رفضناه.
إننا على أبواب حرب أقسى وأشد، وعلى جنود المسيح أن يعدّوا ذواتهم لها بإيمان حيّ وشجاعة قوية، واضعين في اعتبارهم أنهم يشربون يوميًا كأس دم المسيح، حتى بذلك يمكنهم أن يسفكوا دماءهم لأجله".
10. عن الأعمال والصدقات.
11. فائدة الصبر.
12. الغيرة والحسد. 13. إلى كويرينوس.
من كتاباته:
إن عيني الخنزير اللّتين تنظران دائمًا إلي أسفل لا تستطيعان رؤية عجائب السماء. وهكذا أيضًا النفس التي يدفعها الجسد إلي أسفل لا تستطيع أن ترفع بصرها لتري الجمال العلوي.
إنها تتجه إلي الأشياء الوضيعة الحيوانية. إن النفس التي تريد أن تكرّس نظرها إلي المباهج السماوية تضع ما هو أرضي وراء ظهرها ولا تشترك فيما يورطها بالحياة الدنيوية.
إنها تحيل كل قوي الحب فيها من الأمور المادية إلي التأملات العقلية في الجمال اللامادي.
إن بتولية الجسد تفيد مثل هذه النفس. تهدف البتولية إلي أن تخلق في النفس نسيانًا كاملًا للشهوات الطبيعية، وتمنع عملية النزول باستمرار لتلبية الرغبات الجسمية. ومتى تحرّرت النفس مرة من مثل هذه الأمور لا تخاطر بالمباهج السماوية غير الدنسة لتكون جاهلة غير ملتفتة إليها، وتمتنع عن العادات التي تورط الإنسان فيما يبدو إلي حد ما أن ناموس الطبيعة يسلم به...
إن نقاء القلب الذي يسود الحياة هو وحده الذي يأسر النفس.
تمسك سمعان الرجل البار بمواعيد الله بإيمان كامل. حينما وُعد من السماء انه لا يرى الموت قبل أن يعاين المسيح، فإنه ما أن جاء المسيح إلى الهيكل مع أمه وعرفه بالروح حتى أدرك أنه يموت في تلك اللحظة. وفي وسط غمرة سعادته باقتراب الموت، وتأكده من استدعائه، حمل الطفل على ذراعيه وبارك الرب قائلًا "الآن أطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام لأن عيني قد أبصرتا خلاصك" (لو 29:2)... شاهدًا بان خدام الله عندما يسحبون من وسط زوابع هذا العالم يدركهم السلام والهدوء والطمأنينة.
إننا بالموت نبلغ ميناء وطننا (السماوي)، الراحة الأبدية، وبه ننال الخلود.
هذا هو سلامنا وهدوءنا النابع عن الإيمان، وراحتنا الثابتة الأبدية.
* يُكتَب خطأ: كيبريانوس، كبريان، قبريانوس، قيبريانوس، كيريانوس، فرطاجنة.