20 - 09 - 2016, 06:48 PM | رقم المشاركة : ( 14351 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القدّيسون مينا الرخيم الصوت وأرموجانس وإفغرافس الشهداء ليس واضحاً متى تمّت شهادة هؤلاء القدّيسين الثلاثة. قيل في زمن الإمبراطور الروماني يوليوس مكسيمينوس الذي تولّى الحكم لفترة قصيرة بين العامين 235 و238 للميلاد. وقيل أيضاً في زمن الإمبراطور مكسيميانوس هرقل الذي تبوّأ العرش الروماني وزميله ذيوقليسيانوس بين العامين 285 و305م. أنّى يكن الأمر فإن مينا. كما ورد في التراث. رجل أثينائي وصف بالرخيم الصوت أو الحسن النغمة لفصاحة لسانه وحسن منطقه. حصلت في أيامه انقسامات سياسية بمدينة الإسكندرية وحقّق المسيحيون نجاحات ملحوظة في نشر الإنجيل بين السكان فيها. ولما كان مينا أحد مستشاري الإمبراطور فقد أوفده هذا الأخير لمعالجة الخلافات السياسية الحاصلة وضرب المسيحيين في المدينة وملاحقها. مينا، من ناحيته، كان مسيحياً متخفياً. لم يجاهر بمسيحيته، إلى ذلك الزمان، لأنه لم يكن قد أدرك بعد أن ساعته قد جاءت ليتمجّد ابن الله فيه. توجّه مينا إلى الإسكندرية وعالج صعوباتها بالحسنى، فتمكن، بما أوتي من حكمة ودراية، من تهدئة الحال وإصلاح الأمور. هذا على الصعيد السياسي. أما وضع المسيحيين فلم يشأ مينا أن يعالجه وفق رغبة الإمبراطور. فقد أيقن أن ساعة الاعتراف بالمسيح قد حانت. وهكذا بدل أن يقمع المسيحيين أطلق يدهم وشجّع على نشر كلمة الإنجيل. وقد ذكر أن الرب الإله أجرى على يديه آيات جمّة علامة للرضى الإلهي عن هذا العمل المبارك وتأكيداً لصدقية البشارة وقوتها. ويبدو أن الوثنيين في المدينة أخذت كلمة الخلاص بمجامع قلوبهم وأدهشتهم أعمال الله بحيث أن كثيرين منهم نقضوا هياكلهم وانضموا إلى الكنيسة. ولم تلبث أخبار الإسكندرية والجوار أن بلغت أسماع الإمبراطور الروماني فخشي على مصر أن تتحوّل بأكملها إلى المسيحية. وإذ رأى في ما كان يجري فيها تهديداً لحكمه وتآمراً عليه. أوفد، على جناح السرعة، رجلاً اسمه أرموجانس، موثوقاً لديه، ليرد مينا إلى صوابه، لو أمكن، أو يعمد إلى تصفيته وتصفية المسيحيين ويعيد الأمور، من ثم، إلى نصابها. أرموجانس كان أيضاً من أثينا. لم يعرف المسيح لكن الوثنية لم تفسده. كان مستقيماً عادلاً طيباً وموظفاً أميناً، لكنه، في جهله، ظنّ أن من حق الإمبراطور عليه أن يكون مطيعاً له. تصرّف،أوّل أمره، كأي عامل ملكي ينفّذ الأوامر ويفرض أحكام قيصر. وما أن انكشفت الحقيقية لعينيه، على غير ما كان يتصوّر، حتى اهتدى، فكان له موقف آخر. دخل أرموجانس مدينة الإسكندرية بمواكبة عسكرية مهمة. وأول ما فعله أن ألقى القبض على مينا وأودعه السجن. ثم أوقفه أمامه للمحاكمة بعد أيام بحضور جمهور من الناس. أجاب مينا على اتهام أرموجانس له بأنه تمرّد على قيصر فأكد ولاءه له في كل شأن من شؤون الحكم والإدارة المدنية والعسكرية إلا ما له علاقة بعبادة الله، خالق السماء والأرض. ميّز بين ما هو لله وما هو لقيصر، الأمر الذي لم يكن مألوفاً يومذاك، لا بل كان يُعتبر خطراً على تماسك الدولة ووحدتها. الفكرة كانت أن من يخضع لقيصر يخضع لآلهة قيصر. الموضوع كان جديداً على أرموجانس. المطلوب، بالنسبة إليه، كان الطاعة لقيصر. قضية الأوثان، بحد ذاتها، كانت ثانوية لديه. واستطرد مينا فسرد بثقة وهدوء كيف أن الله لم يكف عن إظهار عجائبه به، أي مينا، منذ أن التزم البشارة بكلمة الخلاص. وفيما كان مينا يعرض تفاصيل بعض ما جرى له، أخذت أصوات من بين الحضور ترتفع مؤكدة صحة ما يقول. وإذ احتدّت المشاعر في المكان وبان كأن الاجتماع على وشك أن يتحوّل إلى تظاهرة مسيحية انفضّت الجلسة إلى اليوم التالي. في اليوم التالي، أتي بالقديس في محضر الناس وجعل أرموجانس أمامه آلات التعذيب راغباً في استعمال لغة غير اللغة التي استعملها في اليوم الفائت عسى مينا، بالتخويف، أن يعود إلى طاعة قيصر كاملة غير منقوصة. وما أن اتصل الكلام الذي كان قد انقطع البارحة حتى بدا لأرموجانس أن منظر آلات التعذيب لم يغيّر شيئاً من موقف مينا. إذ ذاك أيقن أن لغة الكلام وحدها لا تنفع، فأشار إلى الجلاّدين أن يعذّبوه، فحطموا كعبيه وفقأوا عينيه وقطعوا لسانه وأعادوه إلى سجنه على أمل إلقائه للوحوش في اليوم التالي. موقف مينا أثناء التعذيب كان لافتاً. فرغم آلامه التي من المفترض أن تكون مبرّحة بدت نفسه في سلام. لم يتلوّ بمرارة ويأس كما اعتاد أرموجانس أن يعاين السفلة والمجرمين يفعلون وهم تحت التعذيب. كأنما كانت في نفس مينا قوة لم ينجح التعذيب، على قسوته، في النيل منها, وذاك الوجه الذي فاض نوراً على ما ارتسم عليه من ألم انطبع في وجدان أرموجانس، فحسب موقف مينا بطولة تستحق الثناء. وبات أرموجانس على انطباعات من هذا النوع. أما مينا الملقى في السجن فجاء إليه الرب يسوع شخصياً أثناء الليل وعزّاه ومسّ جراحه فعاد صحيحاً. وأطل الصباح ودبّت الحركة، فأرسل أرموجانس في طلب مينا. كان يظنّ أنه قد مات، لكنه رغب، لإحساسه بالرجولة، أن يجمع الناس ويثني على بطولة مينا في مواجهة التعذيب والمعذّبين. وكم كانت دهشته فائقة حين وقف مينا لديه سليماً معافى وكأن جسده لم ينل ما ناله البارحة. إذ ذاك أدرك أرموجانس أنه عظيم الإيمان بالمسيح وعظيم إله المسيحيين فآمن وجاهر بإيمانه أمام الشعب. ثم اعتمد، وقيل تسقّف على الإسكندرية بعد معموديته بوقت قصير. في تلك الأثناء كان الإمبراطور ينتظر أخباراً طيبة من عامله في الإسكندرية، فإذ به يتلقى خبر ما حدث فيها فطار صوابه وقرّر أن يتوجه إلى هناك بنفسه لمعالجة الأمر بطريقة مضمونة. وكان أن خاب القيصر، في الإسكندرية، أشدّ الخيبة إثر وقوف مينا وأرموجانس لديه. دفاعهما أفحمه وزاده غيظاً فعذّبهما إلى أن قطع هامتيهما. أما إفغرافسالذي قيل إنه كان كاتباً لقيصر، أو ربما للقدّيس مينا نفسه، فاجترأ، بعد كل ما عاين وسمع، أن يقف أمام الإمبراطور الهائج ويرسم على نفسه إشارة الصليب ويجاهر بإيمانه بالمسيح. فما كان من قيصر سوى أن استّل سيف أحد حرّاسه وضربه به فقتله. هكذا أكمل الثلاثة شهادتهم للمسيح فأحصتهم الكنيسة المقدّسة معاً في هذا اليوم المبارك، ولكن بقي في الذاكرة أم مينا كان أبرزهم. هذا وقد جرى نقل رفات الثلاثة إلى مدينة القسطنطينية، في القرن الخامس للميلاد. ولكن يبدو، على الأقل، أن رفات القديس مينا فقدت ردحاً من الزمان إلى أن تمّ الكشف عنها من جديد في أيام الإمبراطور البيزنطي باسيليوس الأول (867-886م). مذ ذاك صار يقام عيد لاكتشاف رفات القديس مينا في اليوم السابع عشر من شهر شباط.ليس واضحاً متى تمّت شهادة هؤلاء القدّيسين الثلاثة. قيل في زمن الإمبراطور الروماني يوليوس مكسيمينوس الذي تولّى الحكم لفترة قصيرة بين العامين 235 و238 للميلاد. وقيل أيضاً في زمن الإمبراطور مكسيميانوس هرقل الذي تبوّأ العرش الروماني وزميله ذيوقليسيانوس بين العامين 285 و305م. أنّى يكن الأمر فإن مينا. كما ورد في التراث. رجل أثينائي وصف بالرخيم الصوت أو الحسن النغمة لفصاحة لسانه وحسن منطقه. حصلت في أيامه انقسامات سياسية بمدينة الإسكندرية وحقّق المسيحيون نجاحات ملحوظة في نشر الإنجيل بين السكان فيها. ولما كان مينا أحد مستشاري الإمبراطور فقد أوفده هذا الأخير لمعالجة الخلافات السياسية الحاصلة وضرب المسيحيين في المدينة وملاحقها. مينا، من ناحيته، كان مسيحياً متخفياً. لم يجاهر بمسيحيته، إلى ذلك الزمان، لأنه لم يكن قد أدرك بعد أن ساعته قد جاءت ليتمجّد ابن الله فيه. توجّه مينا إلى الإسكندرية وعالج صعوباتها بالحسنى، فتمكن، بما أوتي من حكمة ودراية، من تهدئة الحال وإصلاح الأمور. هذا على الصعيد السياسي. أما وضع المسيحيين فلم يشأ مينا أن يعالجه وفق رغبة الإمبراطور. فقد أيقن أن ساعة الاعتراف بالمسيح قد حانت. وهكذا بدل أن يقمع المسيحيين أطلق يدهم وشجّع على نشر كلمة الإنجيل. وقد ذكر أن الرب الإله أجرى على يديه آيات جمّة علامة للرضى الإلهي عن هذا العمل المبارك وتأكيداً لصدقية البشارة وقوتها. ويبدو أن الوثنيين في المدينة أخذت كلمة الخلاص بمجامع قلوبهم وأدهشتهم أعمال الله بحيث أن كثيرين منهم نقضوا هياكلهم وانضموا إلى الكنيسة. ولم تلبث أخبار الإسكندرية والجوار أن بلغت أسماع الإمبراطور الروماني فخشي على مصر أن تتحوّل بأكملها إلى المسيحية. وإذ رأى في ما كان يجري فيها تهديداً لحكمه وتآمراً عليه. أوفد، على جناح السرعة، رجلاً اسمه أرموجانس، موثوقاً لديه، ليرد مينا إلى صوابه، لو أمكن، أو يعمد إلى تصفيته وتصفية المسيحيين ويعيد الأمور، من ثم، إلى نصابها. أرموجانس كان أيضاً من أثينا. لم يعرف المسيح لكن الوثنية لم تفسده. كان مستقيماً عادلاً طيباً وموظفاً أميناً، لكنه، في جهله، ظنّ أن من حق الإمبراطور عليه أن يكون مطيعاً له. تصرّف،أوّل أمره، كأي عامل ملكي ينفّذ الأوامر ويفرض أحكام قيصر. وما أن انكشفت الحقيقية لعينيه، على غير ما كان يتصوّر، حتى اهتدى، فكان له موقف آخر. دخل أرموجانس مدينة الإسكندرية بمواكبة عسكرية مهمة. وأول ما فعله أن ألقى القبض على مينا وأودعه السجن. ثم أوقفه أمامه للمحاكمة بعد أيام بحضور جمهور من الناس. أجاب مينا على اتهام أرموجانس له بأنه تمرّد على قيصر فأكد ولاءه له في كل شأن من شؤون الحكم والإدارة المدنية والعسكرية إلا ما له علاقة بعبادة الله، خالق السماء والأرض. ميّز بين ما هو لله وما هو لقيصر، الأمر الذي لم يكن مألوفاً يومذاك، لا بل كان يُعتبر خطراً على تماسك الدولة ووحدتها. الفكرة كانت أن من يخضع لقيصر يخضع لآلهة قيصر. الموضوع كان جديداً على أرموجانس. المطلوب، بالنسبة إليه، كان الطاعة لقيصر. قضية الأوثان، بحد ذاتها، كانت ثانوية لديه. واستطرد مينا فسرد بثقة وهدوء كيف أن الله لم يكف عن إظهار عجائبه به، أي مينا، منذ أن التزم البشارة بكلمة الخلاص. وفيما كان مينا يعرض تفاصيل بعض ما جرى له، أخذت أصوات من بين الحضور ترتفع مؤكدة صحة ما يقول. وإذ احتدّت المشاعر في المكان وبان كأن الاجتماع على وشك أن يتحوّل إلى تظاهرة مسيحية انفضّت الجلسة إلى اليوم التالي. في اليوم التالي، أتي بالقديس في محضر الناس وجعل أرموجانس أمامه آلات التعذيب راغباً في استعمال لغة غير اللغة التي استعملها في اليوم الفائت عسى مينا، بالتخويف، أن يعود إلى طاعة قيصر كاملة غير منقوصة. وما أن اتصل الكلام الذي كان قد انقطع البارحة حتى بدا لأرموجانس أن منظر آلات التعذيب لم يغيّر شيئاً من موقف مينا. إذ ذاك أيقن أن لغة الكلام وحدها لا تنفع، فأشار إلى الجلاّدين أن يعذّبوه، فحطموا كعبيه وفقأوا عينيه وقطعوا لسانه وأعادوه إلى سجنه على أمل إلقائه للوحوش في اليوم التالي. موقف مينا أثناء التعذيب كان لافتاً. فرغم آلامه التي من المفترض أن تكون مبرّحة بدت نفسه في سلام. لم يتلوّ بمرارة ويأس كما اعتاد أرموجانس أن يعاين السفلة والمجرمين يفعلون وهم تحت التعذيب. كأنما كانت في نفس مينا قوة لم ينجح التعذيب، على قسوته، في النيل منها, وذاك الوجه الذي فاض نوراً على ما ارتسم عليه من ألم انطبع في وجدان أرموجانس، فحسب موقف مينا بطولة تستحق الثناء. وبات أرموجانس على انطباعات من هذا النوع. أما مينا الملقى في السجن فجاء إليه الرب يسوع شخصياً أثناء الليل وعزّاه ومسّ جراحه فعاد صحيحاً. وأطل الصباح ودبّت الحركة، فأرسل أرموجانس في طلب مينا. كان يظنّ أنه قد مات، لكنه رغب، لإحساسه بالرجولة، أن يجمع الناس ويثني على بطولة مينا في مواجهة التعذيب والمعذّبين. وكم كانت دهشته فائقة حين وقف مينا لديه سليماً معافى وكأن جسده لم ينل ما ناله البارحة. إذ ذاك أدرك أرموجانس أنه عظيم الإيمان بالمسيح وعظيم إله المسيحيين فآمن وجاهر بإيمانه أمام الشعب. ثم اعتمد، وقيل تسقّف على الإسكندرية بعد معموديته بوقت قصير. في تلك الأثناء كان الإمبراطور ينتظر أخباراً طيبة من عامله في الإسكندرية، فإذ به يتلقى خبر ما حدث فيها فطار صوابه وقرّر أن يتوجه إلى هناك بنفسه لمعالجة الأمر بطريقة مضمونة. وكان أن خاب القيصر، في الإسكندرية، أشدّ الخيبة إثر وقوف مينا وأرموجانس لديه. دفاعهما أفحمه وزاده غيظاً فعذّبهما إلى أن قطع هامتيهما. أما إفغرافسالذي قيل إنه كان كاتباً لقيصر، أو ربما للقدّيس مينا نفسه، فاجترأ، بعد كل ما عاين وسمع، أن يقف أمام الإمبراطور الهائج ويرسم على نفسه إشارة الصليب ويجاهر بإيمانه بالمسيح. فما كان من قيصر سوى أن استّل سيف أحد حرّاسه وضربه به فقتله. هكذا أكمل الثلاثة شهادتهم للمسيح فأحصتهم الكنيسة المقدّسة معاً في هذا اليوم المبارك، ولكن بقي في الذاكرة أم مينا كان أبرزهم. هذا وقد جرى نقل رفات الثلاثة إلى مدينة القسطنطينية، في القرن الخامس للميلاد. ولكن يبدو، على الأقل، أن رفات القديس مينا فقدت ردحاً من الزمان إلى أن تمّ الكشف عنها من جديد في أيام الإمبراطور البيزنطي باسيليوس الأول (867-886م). مذ ذاك صار يقام عيد لاكتشاف رفات القديس مينا في اليوم السابع عشر من شهر شباط. |
||||
20 - 09 - 2016, 06:53 PM | رقم المشاركة : ( 14352 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حبل القديسة حنّة جدّة المسيح الإله لا ذكر لجدّي الإله، يواكيم وحنّة، في كتب العهد الجديد. ولكن شاع ذكرهما في الكنيسة، في أورشليم، أقلّه منذ القرن الرابع الميلادي. وعن أورشليم أخذت الكنيسة الجامعة ما يختص بهما. الصورة المتداولة في التراث الكنسي عن يواكيم وحنّة أنهما كانا زوجين تقيّين مباركين سالكين بمخافة الله. ولكن لم يكن لهما ولد لأن حنّة كانت عاقراً. هذا النقص في حياة يواكيم وحنّة كان لهما سبب حزن وضيق ليس فقط لأنه من المفترض أن يتكمّل الزواج بالإنجاب بل، كذلك، لأن العقم، في تلك الأيام، كان الناس يعتبرونه عار، وفي نظر الكثيرين من اليهود لعنة أو تخلياً من الله. لهذا كان هذان الزوجان الفاضلان لا يكفّان عن الصلاة بحرارة إلى الرب الإله ليفتح رحم حنّة ويمنّ عليهما بثمرة البطن. ولكن لم يشأ الرب الإله أن يلبي رغبة قلبيهما حتى جاوزت حنّة سن الإنجاب. لم يكن هذا إعراضاً من الله عنهما بل تدبيراً لأن قصده، كما ظهر فيما بعد، كان أن يعطيهم، ويعطي البشرية من خلالهم، أعظم عطيّة. ولكي لا يشكّ أحد في أن ما حدث هو من الله ترك حنّة تتجاوز سن الإنجاب. استمر يواكيم وحنّة في الصلاة إلى العليّ بحرارة حتى بعد فوات الأوان على حنّة. وكان هذا تعبيراً عن ثقتهما الكاملة بالله أنه قادر على كل شيء. وفي العهد القديم أكثر من مثل عن نساء مباركات أنعم الرب عليهن بثمرة البطن بعد أن كنّ عاقرات، كحنّة أم صموئيل النبي، وبعضهن تجاوز سن الإنجاب كسارة. أما الرب الإله فارتضى مثل هذا التدبير لأنه شاء أن يكون المولود الآتي لا ثمر الطبيعة البشرية وحسب، بل ثمر النعمة بالأولى. فلما حان زمان افتقاد يواكيم وحنّة، أرسل الرب الإله ملاكه إلى حنّة وبشّرها بأن صلاتها وصلاة زوجها قد استجيبت وأن العليّ سوف ينعم عليهما بمولود يكون بركة عظيمة لكل المسكونة. وآمن يواكيم وحنّة بكلام الملاك. وحبلت حنّة وأنجبت، في زمن الولادة، مولوداً أنثى، مريم المباركة، والدة الإله. + الحبل بمريم: ولئن كانت ولادة مريم بتدخّل من الله فإن الحبل بها كان بحسب ناموس الطبيعة، أي إن الحبل بها جاء على أثر لقاء يواكيم وحنّة بالجسد، مثلهما مثل أي زوجين عاديين، وأن ما ورثته عن أبيها وأمه، لجهة الطبيعة البشرية، هو ما يرثه كل مولود عن أبويه، أي، بصورة خاصة، العبودية للموت والنزعة إلى الخطيئة أي إلى صنع ما يخالف الله. هذا الميل إلى الخطيئة هو بالذات ما عبّر عنه المرنّم في المزمور الخمسين حين قال إنه "بالخطيئة ولدتني أمي". هذه الحالة التي هي نصيبنا جميعاً لا ذنب لأحد منا فيه، بل هي الحالة التي ورثناها عن أدم وحوّاء بعدما خطئا إلى الرب الإله وسقطا من الحالة التي كانا يتمتعان بها في الفردوس. وهذا ما عبّر عنه الرسول بولس حين قال: إنه "بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة دخل الموت" (رومية12:5). مريم، والدة الإله، إذ، هي واحدة منا ولا تختلف عنا في ما ورثناه عن أدم وحوّاء، لذلك عندما سرّ الربّ الإله وارتضى أن يسكن فيها ويولد منه، سرّ وارتضى أن يسكن، من خلال مريم، فينا جميعاً لأن مريم واحدة منا في الطبيعة البشرية وفي الحالة التي صارت إليها الطبيعة البشرية. مريم، بهذا المعنى، هي باكورة الخليقة الجديدة، حوّاء الجديدة، أمّنا جميع، كما كانت حوّاء الأولى باكورة الخليقة العتيقة. ومريم أيضاً رمز الخليقة الجديدة. نقول هذا لأننا نريد أن ننبّه إلى أن الرب يسوع المسيح وحده، دون سائر البشر- بمن فيهم مريم- كان حرّاً من الموت ومن دون أي ميل إلى الخطيئة. كما نلفت إلى أن مريم، والدة الإله، كانت طاهرة لا بسبب خلوّ الطبيعة البشرية التي اتخذتها من أي نزعة إلى الخطيئة، بل لأنه، شخصي، كانت بارّة، لا بل أبرّ أهل الأرض، زهرة البشرية بكل معنى الكلمة، وكذلك لأن الروح القدس حلّ عليها وقوة العليّ ظلّلتها (لوقا35:1). هذا هو موقف كنيستنا الأرثوذكسية. وليس هذا هو موقف الكنيسة الكاثوليكية التي تدعي أن مريم، من لحظة الحبل به، كانت حرّة من الموت ومن أي نزعة إلى الخطيئة، تماماً كالرب يسوع المسيح نفسه له المجد. أي أن مريم، بلغة الكنيسة الكاثوليكية، كانت حرّة من "الخطيئة الجدّية". هذا هو مضمون عقيدة الحبل بلا دنس عند الكاثوليك، التي أعلنت كعقيدة ملزمة، لأول مرة، بعدما كانت رأياً في الكنيسة، في8 كانون الأوّل سنة 1854م. + حبل حنّة في الخدمة الليتورجية: لو نظرنا في المعاني التي تتضمنها خدمة هذا العيد، اليوم، لبانت لنا ملامح الصورة التي ترسمها الكنيسة له. دونك بعض هذه المعاني: 1- حنّة امرأة عاقر لكنها عفيفة، متألهة العزم، حفظت، هي وزوجه، بدقة، شريعة الله وتممت سننها وعبدت الله بغير عيب. لهذا السبب استجاب الله صلاتها وأزال عار عقرها وشفى بالأوجاع قلباً موجع، فحملت حنّة التي ستلد بالحقيقة معطي الشريعة. لذلك نحن المؤمنين نغبطها. 2- ليس يواكيم وحنّة وحدهما المعنيّين. كل البشرية معنية بهذا الحدث العظيم. فيه تتجدّد وبه تبتهج لأن "عار العقر قد زال بجملته". النصوص تتحدث عن حنّة، أحيان، بلغة المفرد وأحياناً بلغة الجمع. حنّة رمز للبشرية العاقر التي سرّ الرب الإله أن يخصبها بالحياة. خدمة اليوم تدعو الجميع إلى الفرح بالعيد. يا آدم وحوّاء، ويا إبراهيم ويا جميع رؤساء الآباء ويا جميع القبائل ويا أقطار الأرض اطرحوا عنكم الحزن وابتهجوا لأن علّة الفرح والخلاص للعالم تنبت اليوم من بطن عادم الثمر. 3 - اليوم تمّت أقوال الأنبياء. كل الرموز التي أشاروا بها إلى والدة الإله تحقّقت. لهذا السبب قالت إحدى أناشيد اليوم: "إن الجبل المقدّس يستقر في الأحضان. والسلم الإلهية تنتصب. والعرش العظيم للملك يُهيّأ. ومكان اجتياز الإله يُعدّ. والعليقة الغير المحترقة قد أخذت في الإفراع. وخزانة طيب التقديس "تفيض الآن أنهاراً..." (القطعة الثالثة على يا رب إليك صرخت في صلاة الغروب). 4 - وكما أن البشرية بأسرها معنية بموضوع عقر حنّة وإثماره، كذلك كل واحد منا بصفة شخصية. الثمرة هي الفضيلة والعقم هو الخلو منها. حنّة مثال لنا. فكما تمّمت أحكام الشريعة وعبدت بلا عيب فمنّ عليها الرب الإله بوالدة الإله وأم الحياة، كذلك إذا حفظ كل منا الوصية بأمانة وعبد باستقامة فإن روح الله يسكن فيه وتكون له الحياة الأبدية. في أحد أناشيد قانون السحر، اليوم، تضرّع إلى والدة الإله أن تقصي عن ذهننا العقيم عدم الإثمار بكليته وأن تُظهر أنفسنا مثمرة بالفضائل (الأودية الثالثة. السيّدية). هذا بعض مضامين العيد الذي نحتفل به اليوم. ولعل خير خاتمة ننهي بها حديثنا عنه القنداق الذي يعبّر عن شموليته وتدبير الله فيه باقتضاب: "اليوم تعيّد المسكونة لحبل حنّة الذي هو من الله لأنها ولدت التي ولدت الكلمة بما يفوق الوصف". |
||||
20 - 09 - 2016, 07:06 PM | رقم المشاركة : ( 14353 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القدّيس أمبروسيوس أسقف ميلان + نشأته: ولد القدّيس أمبروسيوس في عاصمة بلاد الغال، أي فرنسا اليوم، سنة 334م أو ربما340م. كان أبوه، واسمه أمبروسيوس أيضاً، ضابطاً أعلى لشؤون فرنسا وإيطاليا وألمانيا وبريطانيا واسبانيا وموريتانيا. له أخوان مرسيلينا البتول وساتيروس، وكلاهما في الكنيسة قديس. وثمة قرابة تربطه بقديسة أخرى هي سوتيرا الشهيدة. رقد والده وهو صغير السن فعادت به أمه وبأخويه إلى روما، من حيث خرجت العائلة أصلاً. تلقى أمبروسيوس قسطاً وافراً من العلوم فدرس اليونانية ونبغ في البيان والفلسفة وبرز كخطيب مفوّه وشاعر أريحي. كل هذا ولم يكن بعد قد اعتمد، مع أنه من عائلة مسيحية، لأنه كان هناك اعتقاد شائع في أيامه أن من يسقط في الخطيئة بعد أن يكون قد اقتبل المعمودية يعرّض نفسه للهلاك. لهذا السبب جرى بعض الناس على عادة تأجيل معموديتهم إلى سن متقدمة. القديس أمبروسيوس كان من هذه الفئة من الناس، وكان ما يزال بعد في مصاف الموعوظين عندما تمّ اختياره أسقفاً لميلان في سن الرابعة والثلاثين. خرج أمبروسيوس إلى ميلان حيث كان مقر المحكمة العليا، فدرس القانون وبرع وشاع ذكره حتى بلغ أذني أنيسيوس بروبس، المولّى على إيطاليا فقرّبه إليه وجعله مستشاراً لديه ثم حاكماً لمقاطعتي ليغوريا وأميليّا اللتين ضمتا كلاً من ميلانو وتورينو والبندقية ورافينا وبولونيا. يذكر أن بروبس كان رجلاً مناقبياً فاضلاً نزيهاً حليماً. فلما أراد أن يزوّد أمبروسيوس بتوجيهاته لم يجد من النصح خيراً من حثّه على أن يحكم لا كقاض بل كأسقف. وبالفعل، سلك أمبروسيوس في حاكميته كأسقف، يقظاً، مستقيماً، رؤوفاً. ولما حانت الساعة لا حظ أهل ميلان أنه بالحقيقة أدنى إلى الأسقف منه إلى الحاكم فاختاروه أسقفاً عليهم. + أسقفيته: مفاد ذلك أنه لما رقد أوكسنتيوس، أسقف ميلان، وكان آريوسياً، سنة 347م، اجتمع المؤمنون، صغاراً وكباراً، في الكنيسة الكبرى في المدينة ليختاروا له خلفاً. اختيار الأسقف، فيما يبدو، كان يتم يومذاك بالإعلان الشعبي. وإذ كان الشعب منقسماً على نفسه فقد تعذّرت تسمية أسقف يوافق عليه الجميع. وكادت تقع أعمال شغب فاستدعي الحاكم لضبط الوضع. فلما حضر وقف بالناس خطيباً فأعطاه الحاضرون سكوتاً عميقاً لأن الجميع كانوا يجلّونه. ففتح فاه ودعاهم إلى جعل اختيارهم بروح السلام ليكون لهم أن يختاروا الأفضل عليهم. اتسم كلامه بالحكمة والوداعة والعذوبة فلامس قلوب سامعيه وحوّل أنظارهم إليه، فهتفوا بصوت واحد: "أمبروسيوس أسقف!". لم يصدق أمبروسيوس، أول الأمر، لا عينيه ولا أذنيه. فلما استمر المحفل في الهتاف "أمبروسيوس أسقف!"، اضطرب وترك المكان للحال. ولما لحق به الناس حاول أن يظهر بمظهر الرجل العنيف ليردّهم عنه فلم يرتدّوا. فأقفل على نفسه إلى حلول الظلام. ولما خفتت الأصوات طلب الخروج من المدينة فهام على وجهه إلى الصباح، ولما عاد إلى نفسه وجد نفسه عند باب المدينة. واستمرت ملاحقة الناس له أياماً حاول خلالها التواري فباءت جميع محاولاته بالفشل إلى أن بلغ الخبر أذني الإمبراطور والنتنيانوس الأول فأنفذ أمراً بإلزامه بقبول الأسقفية. ولما لم يجد أمبروسيوس مفراً من الرضوخ أسلم نفسه لله وأذعن، فتمّت معموديته وارتقى الدرجات الكهنوتية حتى الأسقفية في غضون ثمانية أيام. وما أن ارتقى أمبروسيوس سدّة الأسقفية حتى عمد إلى توزيع ما اجتمع لديه من ذهب وفضة ومقتنيات على الفقراء، فيما وهب الكنيسة ما كان يملكه من أراض وعقارات. لم يترك من ثروته الطائلة غير نصيب متواضع اقتطعه لحاجات أخته مرسلينا المعيشية. وقد ذكر مترجمه أن تخلّيه عن غنى العالم وكراماته كان كلياً وبلا ندامة لدرجة أنه، مذ ذاك، لم تعد للمال والمجد الباطل وطأة عليه. بعد ذلك انصرف إلى دراسة الكتاب المقدّس وكتب الآباء ومعلمي الكنيسة، لاسيما القدّيس باسيليوس الكبير وأريجنيس المعلم. وقد اتخذ لنفسه مرشداً الكاهن سمبليسيانوس الذي خلفه أسقفاً وأحصي، لسيرته الفاضلة، بين القدّيسين. وقد جرى أمبروسيوس، منذ أول أسقفيته، على حفظ الإمساك بصرامة. أصوامه كانت يومية ما خلا في الآحاد والسبوت وأعياد بعض الشهداء. ولكي يجتنب الإسراف كان يمتنع عن قبول الدعوات إلى المآدب، لكنه كان يدعو الآخرين، أحياناً، إلى مائدة بسيطة متواضعة لديه. كان يقضي قسماً مهماًَ من ليله ونهاره في الصلاة، ويقيم الذبيحة الإلهية كل يوم ويعظ كل أحد. انصرافه إلى رعاية شعبه كان كاملاً. الفقراء في عينه كانوا الوكلاء والخازنين الذين يستودعهم مداخيله. اعتاد أن يستقبل الناس الوافدين إليه كل يوم طلباً لمشورة أو نصيحة. فإذا ما نفذ ما في يده كان مستعداً حتى لأن يبيع الأواني الكنسية ليسعف بها المحتاجين. وكان يقول: "إن إطعام الجياع حلالاً. وما كان ليتوسّط لإنسان في وظيفة لها علاقة بالقصر الملكي، ولا حاول البتة أن يقنع أحداً بالانخراط في العسكرية، لكنه كان يسعى أبداً إلى إنقاذ حياة المحكومين بالموت. اعتاد أن يبكي مع الباكين وأن يفرح مع الفرحين. كان على رقة ورأفة فائقين. الخطأة التائبون كان يرأف بهم رأفة عظيمة ويدعوهم إلى الإعتراف بخطاياهم ويبكي عليهم ومعهم. وكان يحث المؤمنين على المناولة بتواتر. ولا يختار أحداً إلى الكهنوت إلاّ بحرص عظيم. كان شديد العناية بكهنته، يحبّهم ويسهر على نفوسهم، يعلّمهم بالمثال ويرشدهم بالكلمة. الكاهن الصالح كان عنده كنزاً ثميناً عظيم القيمة، يفوق كل ما نتصّوره قدراً. كان يحب التبسّط في الكلام على بركات البتولية. أخته مرسيلينا كانت بتولاً. من نسميهم نحن اليوم راهبات كانوا يسمَّون في أيامه عذارى أو بتولات. بعض البتولات كان يبقى في دورهن وبعضهن كان يقتبل حياة الشركة. أخته كانت من الفئة الأولى. وقد سألته أن يكتب عن البتولية فوضع ثلاث مقالات في العذارى، عرض في الثالثة منها طريقة حياتهن فدعاهن إلى الاعتدال والامتناع عن زيارة الناس والانصراف إلى الصلاة والتأمل والبكاء والعمل بأيديهن لا ليؤمنّ لأنفسهن حاجات الجسد وحسب بل ليكون لهن ما يعطينه للمحتاجين. ويبدو من كلامه أن كثيرات كن يقبلن على الحياة البتولية بدليل سعيه إلى الإجابة على اعتراض قوم قالوا إن تزايد البتولات المكرّسات يشكل خطراً على البشرية لأن الراغبات في الزواج في تناقص مطّرد. + أمبروسيوس والآريوسية: هذا وقد اهتمّ القدّيس أمبروسيوس بتنظيف أبرشيته من خمير الهرطقة الآريوسية حتى أنه في غضون اثني عشر عاماً من بدء أسقفيته، لم يبق على أرض ميلان مواطن واحد على الآريوسية ما خلا بعض الغوط وأفراد قلائل من العائلة المالكة. صلابته حيال الهراطقة والهراطقات كانت لا تلين. الإمبراطورة يوستينة الآريوسية حاربت بضراوة، لكنه تمكن بعون الله والتفاف المؤمنين حوله والصمود من رد خطرها عن نفسه وعن شعبه. مثل ذلك أنها أوفدت قرابة عيد الفصح من السنة 385م عدداً من خدامها تطلب منه أن يسلم إحدى كنائسه لأتباع آريوس لتكون لها ولعائلتها ولهم مكان صلاة، فامنتع. فأوفدت موظفين كباراً فردّهم. فبعثت بضباط يضعون اليد على الكنيسة فاهتاج الشعب وخطف أحد الكهنة الآريوسيين. فلما بلغ الخبر أذني الأسقف القديس أرسل للحال كهنة وشمامسة استعادوه سالماً لأنه لم يشأ أن تهرق نقطة دم واحدة. ولما جاء إليه قضاة يطلبون منه أن يسلم الكنيسة لأنها حق للإمبراطور، أجاب: "لو سألني ما هو لي، أرضي أو مالي، لما منعته عنه مع أن ما أملك هو للفقراء، ولكن ليس للإمبراطور الحق فيما هو لله..... إذا كان في نيتكم أن تكبلوني بالأصفاد أو أن تسلموني للموت، فأنا لا أستعفي. لن أحتمي بالناس ولا بالهيكل....". في المساء خرج أمبروسيوس من الكنيسة إلى بيته حتى إذا ما أراد الجند التعرض له لا يتأذّى أحد من المؤمنين. ثم في صباح اليوم التالي توجّه إلى الكنيسة العتيقة فألفى الجند يحيطون بالمكان فسأل بعض كهنته أن يذهبوا إلى الكنيسة الجديدة موضع النزاع ويقيموا الذبيحة الإلهية فيها، وإن تعرض لهم العسكر فليهددوهم بالحرم ففعلوا. وإذ كان الجند من حسني العبادة لم يتعرّضوا للكهنة بسوء فدخل هؤلاء الكنيسة وتمّموا الخدمة الإلهية وكان الجند بين الحاضرين. استمر الوضع مشدوداً لبعض الوقت وأمبروسيوس والشعب لا يلينون إلى أن اضطر الإمبراطور إلى التراجع عن موقفه. هذا كان فصلاً من فصول اضطهاد يوستينة للقديس أمبروسيوس والأرثوذكسيين. مرّات حاولت يوستينة ترحيله ففشلت ومرة أرسلت إليه من يضربه بالسيف فيبست يده، ومرة لازم الكنيسة أياماً والشعب من حوله, والكنيسة يحاصرها الجند ويمنع الخارجين منها. وفي عظة تفوّه بها قدّيسنا في تلك الحقبة السوداء خاطب الشعب المؤمن بمثل هذه الكلمات: "أخائفون أنتم أن أتخلى عنكم لأنجو لنفسي؟! لا! لا يمكنني أن أتخلى عن الكنيسة لأني أخاف سيد الخليقة أكثر مما أخاف سيد القصر. ربما أمكنهم أن يجرّروا جسدي خارجاً لكنهم لا يقدرون أن يفصلوني عن الكنيسة بالفكر..... لا تضطرب قلوبكم! لن أتخلى عنكم أبداً، ولكن لن أرد العنف بالعنف. بإمكاني أن أتنهد وأبكي. الدموع هي سلاحي الأوحد في مواجهة السيوف والجنود. ليس للأساقفة غير الدموع يدافعون بها عن شعبهم وعن أنفسهم. لا أستطيع, لا بل ليس لي الحق أن أقاوم بطريقة أخرى..... وإن راموا تصفيتي فليس لكم إلا أن تكونوا متفرجين لأنه إذا كانت هذه مشيئة الله فكل احتياطاتكم باطلة. من يحبّني يعطني أن أصير ضحيّة للمسيح.... لن أعطي لقيصر ما هو لله..... أيطالبوننا بالجزية؟ الكنيسة تدفعها! أيرغبون في عقاراتنا؟ بإمكانهم أن يأخذونها! ما يقرّبه الشعب المؤمن كاف لسد حاجة فقرائه. يأخذون علينا أننا ننفق بوفرة على الفقراء. هذا لا أنكره أبداً لأنه لي فخر. صلوات الفقراء هي حصني. أولئك العمي والمخلعون والمسنّون أشدّ بأساً من خيرة المحاربين... القيصر في الكنيسة هو لكنه ليس فوق الكنيسة...." أخيراً رقدت يوستينة واضطربت الظروف السياسية والعسكرية الإمبراطور والنتينيانوس الثاني، ابنها، أن يغيّر موقفه حتى إنه صار يعتبر القديس أمبروسيوس بمثابة أب له. وبقي كذلك حتى وفاته. يذكر، في مجال تحصين المؤمنين ضد الهرطقة الآريوسية، إن القديس أمبروسيوس عمد إلى وضع أناشيد تتضمّن حقائق الإيمان القويم أخذ الشعب في إنشادها. بالمناسبة، إلى القديس أمبروسيوس يعود الفضل في إدخال الترتيل المزموري على الأسلوب التناوبي المعروف في الشرق. هذا الأسلوب ازدهر في ميلان أولاً ثم انتقل إلى كل كنائس الغرب. + مؤدب الملوك: وفي العام 390م جرت في تسالونيكي حوادث مؤسفة. أحد الضبّاط هناك احتجز سائقاً للعربات ممن يشتركون عادة في مباريات ميدان السباق في المدينة. السبب كان ارتكابه شائنة. وإذ بلغ الخبر الإمبراطور ثيودوسيوس وأن حالة من الفوضى تسود المدينة أمر العسكر بأن يحصدوا سبعة آلاف من سكانها في ثلاث ساعات. وهذا ما فعلوه بوحشية منقطعة النظير دونما تمييز بين مذنب وبريء، بين شيخ وفتى. وانتهى الخبر إلى القدّيس أمبروسيوس فكان حزنه على ما جرى عميقاً. لاسيما وثيودسيوس صديق حميم له.ثيودسيوس في تلك الفترة كان في ميلان والجوار. ميلان كانت المركز الإداري للشق الغربي من الإمبراطورية آنذاك. وإذ كان ثيودوسيوس، وقت حدوث الفاجعة، بعيداً يومين أو ثلاثة عن ميلان، وشاء أمبروسيوس أن يعطيه فرصة للعودة إلى نفسه قام فخرج من المدينة بعدما بعث إليه برسالة رقيقة صارمة حثّه فيها على التوبة وأعلمه أنه إلى أن يتمّم فروض التوبة كاملة فإنه لن يقبل تقدماته ولن يقيم الذبيحة الإلهية في حضرته. فمهما كان احترامه له فالله أولى، وليست محبته لجلالته للمحاباة بل لخلاص نفسه. وعاد الأسقف بعد حين إلى المدينة وجاء ثيودوسيوس على عادته إلى الكنيسة غير مبال بما سبق لأمبروسيوس أن وضعه عليه. فخرج إليه قديسنا خارج الكنيسة ومنعه من دخولها قائلاً له: يبدو، يا سيدي، أنك لا تدرك تمام الإدراك فظاعة المذبحة التي ارتكبت مؤخراً. لا يحولنّ بهاء أثوابك القرمزية دون اضطلاعك بأوهان ذلك الجسد الذي تغطيه. فأنت من طينة واحدة ومن تسود عليهم، وثمة سيد واحد لكلّ المسكونة. بأية عينين تعاين بيته؟ بأية قدمين تتقدّم إلى هيكله؟ كيف ترفع إليه في الصلاة تلك اليدين الملطختين بالدم المهراق ظلماً؟ أخرج من هنا ولا تزد على إثمك إثماً فتجعل جريمتك أفظع مما كانت. خذ عليك بهدوء النير الذي عيّنه لك الرب الإله. إنه نير صعب ولكنه دواء لصحة نفسك". فحاول ثيودوسيوس أن يخفّف من حدّة جريمته فقال: داود أيضاً أخطأ؛ فأجابه الأسقف: "إن من أخطأت نظيره عليك أن تتوب نظيره!". ورضخ ثيودوسيوس. إنكفأ عائداً إلى قصره وأقفل على نفسه في بكاء وتضرع إلى الرب الإله ثمانية أشهر. وجاءه أحد مستشاريه ممن نصحوه بضرب أهل تسالونيكي على نحو ما حدث، أقول جاءه مخففاً عنه عذاب الضمير وحزنه على نفسه من حيث أنه لم يفعل إلا ما تقتضيه الضرورة وتستلزمه المسؤولية فأجابه بدموع: "أنت لا تعرف ما في نفسي من القلق والاضطراب فأنا أبكي وأنوح على شقاوتي. كنيسة المسيح مشرّعة للشحّاذين والعبيد فيما أبواب الكنيسة، وبالتالي أبواب السماء، موصدة دوني، لأن الرب الإله قال: "كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء!". وخرج ثيودوسيوس إلى الأسقف قبل تمام توبته وسأله الحلّ من الخطايا فلم يشأ بل جعله في مصاف التائبين بعدما اعترف بجريمته علناً. وكان يركع عند باب الكنيسة ويردّد مع داود النبي: "نفسي لصقت بالتراب فأحيني حسب كلمتك" (مزمور25:118). وبقي على هذه الحال مدة من الزمان يضرب أحياناً صدره وأحياناً ينتف شعره فيما كانت الدموع تنهمر على خديه متوسلاً رحمة ربه، نائحاً. على خطيئته على مرأى من الناس الذين كان التأثر يبلغ بهم حدّ البكاء معه والتضرع إلى الرب من أجله. وقبل أن يمنحه القديس أمبروسيوس الحلّ من خطيئته ألزمه بإصدار مرسوم بإعطاء مهلة ثلاثين يومأ قبل تنفيذ أي قرار بمصادرة أملاك أحد من الناس أو الحكم عليه بالموت لئلا يكون القرار المتخذ بحقه قد اتخذ بتسرع أو عن هوى. إلى ذلك قيل أن ثيودوسيوس جاء إلى الكنيسة مرة وكان الوقت أحد الأعياد الكبرى. فبعدما قدّم قربانه على حسب العادة المتبعة بقي في حدود الهيكل حيث كان الإكليروس فسأله أمبروسيوس إذا كان يريد شيئاً، فقال: الاشتراك في القدسات! فبعث إليه برئيس شمامسته يقول له: "لا يحق، يا سيدي، إلا للإكليروس أن يقفوا في الهيكل. لذلك أسألك أن تخرج وتقف في مصاف الشعب. الرداء القرمزي يؤهلك للإدارة ولا يؤهلك للكهنوت". فخرج ثيودوسيوس عن طيبة خاطر ووقف بين العامة. ولما عاد إلى القسطنطينية بعد إقامة في الغرب استمرت قرابة الثلاث سنوات أبى أن يقف في الهيكل حيث كانت العادة هناك واكتفى بموضع خاص بين الناس وكان يقول بتنهد: "كم هو صعب عليّ أن أتعلم الفرق بين الكهنوت والإمبراطورية! ها أنا محاط بالمتملقين من كل صوب ولم أجد غير إنسان واحد قوّمني وقال لي الحق كله. أنا لا أعرف سوى أسقف أصيل واحد في المسكونة، وهذا الأسقف هو أمبروسيوس!". + إشعاعه: هذا ويذكر مترجم القديس أمبروسيوس أنه أقام ميتاً في فلورنسا وطرد الأرواح الشرّيرة من بعض الناس وشفى عدداً من المرضى. كما جرى الكشف بهمته عن رفات عدد من القدّيسين أمثال بروتاسيوس وجرفاسيرس ونازاريوس وكلسيرس. هؤلاء تعيّد لهم الكنيسة المقدّسة مجتمعين يوم الرابع عشر من شهر تشرين الأول. وقد سطع بهاء قداسة القديس أمبروسيوس في كل مكان حتى إن بعض الفرس من ذوي الرفعة أتوه مستبركين مسترشدين، كما أن شعباً بربرياً يعرف بـ "المركوماني" اهتدى إلى المسيحية بتأثير منه. خلّف أمبروسيوس جيلاً من القدّيسين أمثال أوغسطينوس الذي عمّده سنة387 م وبولينوس النولي مترجمه وهو نوراتس وفيليكس. وقد كان رقاده يوم الرابع من نيسان سنة397 م، ليلة سبت النور، عن عمر ناهز السابعة والخمسين. أما عيده في السابع من كانون الأول فلسيامته يحصى القديس أمبروسيوس في عداد آباء الكنيسة الغربية الأربعة الكبار بجانب كل من إيرونيموس وأوغسطينوس وغريغوريوس الكبير. |
||||
20 - 09 - 2016, 07:14 PM | رقم المشاركة : ( 14354 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القدّيس نيقولاوس العجائبي أسقف ميراليكية هو أكثر القدّيسين شهرة في كنيسة المسيح، شرقاً وغرباً. فصورته، كما ارتسمت في وجدان الناس عبر العصور، هي صورة الراعي الصالح، على مثال معلّمه. لا يترك إنساناً يستنجد به إلاّ هبّ إلى نجدته كائنة ما كانت حاله أو ضيقته أو حاجته. أكثر القدّيسين، كما نعرف، ارتبط ذكرهم، بين الناس، بحاجة محدّدة. هذه ليست حال القديس نيقولاوس. القديس نيقولاوس، على مرّ العصور، بدا وكأنه قدّيس لكل ظرف وحاجة. بهذا المعنى كان، في هذا البلد أو ذاك، شفيعاً للتلامذة والأولاد العاقلين والفتيات اللواتي لا مهر لهن والبحّارة والصيّادين والعتّالين وباعة النبيذ وصنّاع البراميل وعمّال البيرة والتجّار والبقّالين والقصّابين والمسافرين والحجّاج والمظلومين والمحكومين والمحامين والأسرى والصرّافين وغيرهم. لذلك لا عجب إذا كانت الكنيسة، عندنا، قد خصّته بيوم الخميس إكراماً واستشفاعاً، كما أدخلت الكنيسة اسمه في عداد النخبة من القدّيسين الذين يستعين بهم المؤمنين، على الدوام، عبر الإفشين الذي يُتلى في صلاة السحر وغيرها من الصلوات والذي أوله: "خلّص يا رب شعبك وبارك ميراثك...". كل هذا ولا نعرف من أخبار القدّيس نيقولاوس قبل القرن التاسع للميلاد إلا القليل القليل، مع أنه من المفترض أن يكون قد عاش وصار أسقفاً ورقد بين القرنين الثالث والرابع الميلاديين. فأول من كتب سيرته بتوسّع كان القدّيس سمعان المترجم حوالي العام 912م. وكان مثوديوس، بطريرك القسطنطينية، قد دوّن عنه، قبل ذلك، سيرة مختصرة حوالي العام 840م. رغم ذلك، رغم افتقادنا إلى شهادات تاريخية مبكّرة في شأنه لا نشعر بالحرج ولا نعتبر النقص في المعلومات التاريخية المبكرة بشأنه حائلاً دون إكرامه. السبب بسيط أننا لم نعتد، في الكنيسة، إكرام القدّيسين استناداً إلى ثوابت تاريخية تؤكد أخبارهم- وهذه مفيدة إذا توفرت ولكن غالباً ما يتعذّر توفرها- بل لأن السابقين أكرموهم قبلنا. ولنا في الكنيسة، في شأن القدّيس نيقولاوس، شهادات تؤكد إكرامها له منذ القرن السادس للميلاد. شهادات عنه: بين ما نعرفه أن الإمبراطور البيزنطي يوستنيانوس بنى على اسمه، في القسطنطينية، سنة 530م كنيسة هي الكنيسة المعروفة باسم القدّيسين بريسكوس ونيقولاوس في حي بلاشيرن الشهير بكنيسة السيدة فيه. وعلى مقربة من المكان كان أحد الأسوار يحمل اسمه. وعندنا للقدّيس نيقولاوس إيقونات أو رسوم حائطية منذ ذلك القرن أيضاً، نشاهد بعضها في دير القديسة كاترينا في سيناء. ذكره كان معروفاً تماماً. من أقدم أخباره، من القرن الميلادي السادس، ظهوره لقسطنطين الملك في الحلم. يومذاك طلب منه قديسنا أن يوقف تنفيذ حكم الإعدام بثلاثة ضبّاط أدينوا ظلماً. شاع عن القدّيس نيقولاوس أنه ولد في باتارا من أعمال ليسيّة الواقعة في القسم الجنوبي الغربي من آسيا الصغرى، وأن ولادته كانت في النصف الثاني من القرن الثالث للميلاد. ارتبط اسمه باسم ميرا القريبة من باتارا، على بعد ثلاثة أميال منها. وقد ذُكر أنه تسقّف عليها. ميرا، في آسيا الصغرى أو كما تعرف اليوم بر الأناضول، هي "دمري" الحالية. هناك يبدو أن ذكر القدّيس لم تمحُه السنون بدليل أن المسلمين جعلوا له عند الكنيسة التي قيل أن القدّيس كان يقيم الذبيحة الإلهية فيها، أقول جعلوا له تمثالاً لما أسموه NOEL BABA"". يذكر أنه كانت لميرا، في وقت من الأوقات، ست وثلاثون أسقفية تابعة لها. إلى ذلك قيل أن القديس نيقولاوس عانى الاضطهاد في أيام الإمبراطورين الرومانيين ذيوكليسيانوس ومكسيميانوس وأنه اشترك في المجمع المسكوني الأول في نيقية سنة 325م. هذا ويبدو أن قدسنا رقد في ميرا حوالي منتصف القرن الرابع الميلادي واستراحت رفاته في الكنيسة الأسقفية هناك إلى أن دهم الموضع قراصنة من باري الإيطالية عام 1087م فسرقوه وسط احتجاج رهبان كان يقومون بخدمة المحجّة، وعادوا به إلى بلادهم حيث ما يزال إلى اليوم. وقد ذكرت مصادر عريقة أنه في كلا الموضعين، ميرا وباري، كان سائل طيب الرائحة يفيض من رفاته. نشير إلى أن بعض المصادر يخلط ما بين القديس نيقولاوس أسقف ميرا ونيقولاوس آخر يبدو أنه تسقّف في القرن السادس أو ربما السابع على بينارا من مقاطعة ليسيّة عينها. هذا الأخير كان رئيساً لدير صهيون المقدّسة ثم صار أسقفاً على بينارا ودفن في ديره على مقربة من ميرا. أخباره: من الواضح، في ما يُروى عن القدّيس نيقولاوس، أن أخباره عجائبية في أكثر تفاصيلها. حتى الأخبار التي يمكن أن تكون عادية عنه سكبتها الأجيال المتعاقبة بقالب عجائبي تأكيداً لطابع سيرته العجائبي. فلقد جاء عنه أنه كان يصوم عن الرضاعة في طفوليته يومي الأربعاء والجمعة إلا مرة واحدة بعد غروب الشمس. وأن عماً له، اسمه نيقولاوس أيضاً، كان أسقفاً على باتارا، لما سامه كاهناً تنبأ بالروح أن القدّيس سيصبح أسقفاً يوماً ما وسيكون تعزية وخلاصاً لكثيرين. ولما اختير أسقفاً على ميرا كان ذلك بتوجيه من ملاك. وقد كتب عنه مثوديوس القسطنطيني أنه عاين في رؤية مرة، الرب، يسوع المسيح مجللاً بالمجد، واقفاً به وهو يسلمه الإنجيل الشريف ووالدة الإله، من الجهة المقابلة، تضع الصاكوس على كتفيه. بعد ذلك بفترة قصيرة رقد يوحنا، أسقف ميرا، واختير نيقولاوس خلفاً له. إلى ذلك هناك عدد من الأحداث المروية عن القديس نيقولاوس تبيّنه رؤوفاً محباً للإحسان والعدالة. بعض هذه الأحداث جرى له في حياته وبعضها بعد موته. مرتان أنقذ سفينة أشرفت على الغرق وكان مسافراً فيها. مرة استجار به البحّارة وهم في عرض البحر وهو في كنيسته فأتى إليهم وأجارهم. مرة أوحى في الصلاة إلى سفينة محملة بالقمح كانت في عرض البحر فاتجهت صوب مقاطعة ليسيّة التي كانت قد حلّت بها مجاعة عظيمة. مرتان أنقذ غريقاً من الهلاك. مرة أقام ثلاثة أولاد من الموت. ومرة أنقذ ثلاثة مظلومين قبل لحظات من تنفيذ حكم الإعدام بهم. على أن هناك ثلاثة أخبار عنه هي أكثر أخباره شيوعاً بين العامة. دونك إيّاها مفصّلة. إنقاذه ضباطاَ مظلومين: اندلعت في أيام قسطنطين الملك ثورة في فرنجيا الكبرى قامت بها جماعة تعرف ب "الترافيليون" ولما تناهى الخبر إلى السلطة المركزية في القسطنطينية، بادر الملك إلى إرسال ثلاثة من القادة العسكريين لديه على رأس جيش كبير لمعالجة الوضع. فتوجه العسكر إلى فريجيا. وبعدما تمكّنوا من وضع حد للاضطرابات الحاصلة، عادوا إلى المدينة المتملكة مظفّرين، فأحسن قسطنطين وفادتهم وأكرمهم. ولكن تحرّك الحسد في نفوس بعض الحاقدين فشيّعوا لدى أفلافيون الوزير أن القادة الثلاثة لم يخمدوا ثورة "الترافيليون" بل عقدوا وإياهم اتفاقاً سرياً للإطاحة بالملك. ودعم الحاسدون دعواهم بشهود زور وتقديم هدايا ثمينة للوزير. كان الاقتراح أن يسعى الوزير إلى عرض الأمر على الملك لإثارة مخاوفه ومن ثم انتزاع موافقته على إعدام الثلاثة في أسرع وقت ممكن. فقبض الوزير على القادة المعنيين وزجّهم في السجن ثم بادر إلى الملك وهوّله بأخبار المكيدة التي يحيكها الثلاثة ضدّه، ثم سأله أن يصدر أمراً بإعدامهم للحال وأداً للفتنة. فارتاع الملك ووافق على إنزال عقوبة الإعدام بالثلاثة في البوم التالي. في تلك الليلة قبع الثلاثة في سجنهم ينوحون ويبكون، وهم يضربون أخماساً بأسداس. لم تكن أمامهم حيلة يردّون بها عن أنفسهم هذا الخطر المداهم. وحدها الصلاة بقيت نصيباً لهم فصلوا وسألوا القديس نيقولاوس أن يعينهم: "يا إله أبينا نيقولاوس نجّنا....". فظهر القديس في الحلم لكلا الرجلين، الملك ووزيره. قبل شروق الشمس، وطلب إليهما بتهديد أن يبادرا للحال إلى إطلاق سراح القادة الثلاثة لأنهم مظلومون. ولما كان الصباح أرسل الملك في طلب الوزير. وبعد الأخذ والرد أدرك الاثنان أنهما عاينا حلماً واحداً في شأن المحكومين فتوجسا خيفة. على الأثر أمر الملك بإحضار الثلاثة إليه. فلما حضروا دافعوا عن أنفسهم فتبيّن أنهم أبرياء فأطلق سراحهم. البنات والمهر: وكان هناك شخص غني عنده ثلاثة بنات جميلات. فقسى عليه الدهر فافتقر. ولما عضّه العوز وأبت عليه كرامته أن يمدّ يده ويطلب لنفسه وبناته حسنة، عرض عليه إبليس أن يدفع بناته إلى تعاطي تجارة الزنى، فقاوم التجربة إلى أن قويت عليه. ولكن قبل أن يبادر إلى تنفيذ ما علق في نفسه عرف القديس نيقولاوس بأمره فأتاه تحت جنح الظلام وألقى إليه من الطاقة بكيس من النقود وذهب. وفي الصباح اكتشف الرجل النقود ففرح بها فرحاً عظيماً، وتساءل من فعل ذلك. وإذ شغلته الفرحة والنقود اكتفى بشكر الله, وقام فجهّز ابنته الكبرى وزوّجها. وعندما رأى القديس أن الرجل استعمل النقود للخير عاد وأتاه من جديد ورمى إليه بنفس الطريقة، في الليل، مبلغاً من المال وذهب. واستفاق الرجل على كيس آخر من النقود فتعجّب وتساءل، ثم اكتفى بشكر الله وجهّز ابنته الثانية كما فعل بالأولى وزفّها إلى أحد الشبّان الطيّبين. أخيراً جاء إليه القديس ثالثة وأعاد الكرّة من جديد، لكن الرجل تنبّه، هذه المرة، للأمر فأسرع وفتح الباب وركض في إثر صانع الخير إلى أن أدركه. فلما رأى القديس نيقولاوس أن سرّه استبان ركع عند قدمي الرجل ورجاه ألا يعلم به أحداً. وبعد أخذ ورد، عاد القديس من حيث أتى، وعاد الغني المفتقر إلى بيته يسبّح ويمجّد. ثم ذهب فأدّى لابنته الصغرى ما أداه لأختيها من قبلها. عودة الغريق إلى بيته: يحكى عن رجل اسمه يوحنا عاش في القرن التاسع الميلادي في القسطنطينية، تقي ورع يحب الله ويكرم قدّيسه نيقولاوس، أنه سافر مرة في البحر لعمل. وبعد ساعات معدودة من مغادرته اهتاج البحر وضربت عاصفة السفينة التي كان مسافراً فيها. فأسرع البحّارة إلى ربط الأشرعة، وكان الوقت ليلاً. في تلك الساعة خرج الرجل إلى ظهر السفينة لقضاء حاجة. وما أن خطا خطوات قليلة إلى الأمام حتى اضطربت السفينة يميناً ويساراً فاختل توازن الرجل وسقط في البحر على مرأى من البحّارة وصراخهم. وغار الرجل في المياه وبكى البحّارة لفقده. ولكن لن تكن هذه نهاية القصة. فما أن بدأ الرجل بالغرق حتى صرخ في قلبه على غير وعي منه: "يا قدّيس الله نيقولاوس أعنّي!" وما أن فعل حتى وجد نفسه في غير مكان. وجد نفسه في بيته والماء يسيل من ثيابه. ولما استمر في الصلاة صارخاً، نهض أهل بيته من نومهم مذعورين فوجدوه على هذه الحالة فاندهشوا وتحيّروا وخانتهم لغة الكلام إلى أن استردوا وعيهم وسألوه لماذا هو بهذه الحالة وكيف عاد إلى بيته. وسادت في المكان جلبة ليست بقليلة ما أن هدأت حتى فهم الجميع من الرجل أنه سقط غريقاً في البحر وأن القديس نيقولاوس هو الذي أدركه وأعاده إلى بيته سالماً معافى. فتُحُدث بهذا العجب في كل القسطنطينية وشكر الجميع الله وازدادوا إكراماً لقدّيسه نيقولاوس وتعلّقاً به واعتماداً عليه. أما يوحنا فقيل إنه والد بطريرك القسطنطينية مثوديوس الأول الذي اعتلى سدّة البطريركية بين العامين 843 و847م. |
||||
20 - 09 - 2016, 07:19 PM | رقم المشاركة : ( 14355 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القدّيس سابا المتقدّس المتوشّح بالله وُلِد القدِّيس سابا عام 439 في قيصريّة كبادوكية، ورقد عام 533 عن عمر 94 سنة. حياتُه المديدة التي صادفت عصرَ الرهبنة الذهبي امتلأت صلواتٍ وجهاداتٍ من أجل الكنيسة ومن أجل مُتَوَحَّده (تعريب كلمة لافرا اليونانية وكناية عن دير أشبه بقرية رَهبانيّة يعيش فيه المتوحِّدون). ولقد استخدم الله هذا الإنسان المتقدّس ليحفظ سلامة استقامة الرأي (الأرثوذكسية) في عصر متأزِّم. عاش القدّيس منذ سني الطفولة في دير التجأ إليه زاهداً في الدنيا وهو بعدُ في سنته الثامنة، إذ عاين انغماسَ الناس في الدنيويّات لمّا تجادل خالُه وعمُّه على ميراثه إثرَ سفر أبويه قسراً إلى الإسكندريّة عاهدين تربيتَه إلى عمّه. في الثامنة عشرة، ذهب إلى الأرض المقدّسة وفي نفسه رغبةٌ أن يصير من أتباع القدّيس أفثميُس. هذا رفضَه لصغر سنّه لكنّه عاد فقبله بعد 10 سنوات من الرياضة النسكيّة في دير الشركة الذي للقدّيس ثِئُكتيستُس. بساطة القدّس سابا وقداسته أدهشتا البارَّ أفثيميُس فلقَّبه "بالفتى الشيخ". في السنة 43 من عمره تنسّك لفترة طويلة في الصحراء قرب القدّيس جِراسِمُس الأردنيّ. انسحب بعدها وعاش وحده لخمس سنوات في كهفٍ منيعٍ في رّيْدِ جبل قَدرون قبالةَ الدير الحاليّ بالتمام. لذا، فإنّ ناسكاً كهذا صارماً وملتهباً حبُّه لحياة الرَّهبانيّة في المسيح كان مبتغى شبّان كثيرين. في عمر 45 سنة كان قد أحاط به 70 من نسّاك البراري الذين يعيشون في المغاور المجاورة. ولمّا صاروا 150 شخصاً، اضطُرَّ القدّيس أن يبني مُتَوَحَّده شمالَ مجرى النهر في وادي قدرون. ذاعت شهرة القدّيس، فالتجأ إليه رهبان كثيرون شبّان، من جنسيّات مختلفة من بينهم أسقفُ قُلُنِيُّةَ يوحنّا الهدوئيّ. لما بلغ 63 من العمر، صارت حاشيته تضمّ 5000 راهب. غير أنّه، وبينما كان عدد الرهبان يزداد، بدأت الجدالاتُ الأُرِجِنّيّة تُعكِّرُ الجوَّ الهادئ، إذ عصى بعض الرهبان رئيسَهم. أفسح القدّيس مجالاً للغضب مغادراً ديرَه مُؤقَّتاً. إلا أنّ الأوضاعَ ما تحسَّنت. فرجَع حاملاً رسائلَ تحذيرٍ من البطريرك إيليّا للرهبان العاصيين. أولئك ازدادوا تعصّباً فشاغبوا ثمّ ارتحلوا. عام 508 استقرّوا في المُتَوَحَّد الجديد. وهناك أيضاً استمرَّت الجدالات وتفاقمت المشاكل، أمّا سلام الله المُفتَرّض في حياة روحانيّة فقد فُقِد. والبار، بداعي محبّة كثيرة، ذهب إليهم وأسّس هيكلاً ومخبزاً وحدّد لهم رئيساً. وبعد رَدحٍ من الزمن أعادت صلواتُه غيرُ المنقطعة نعمةَ الله، فإنّ شرعيّة حضورِ القدّيس سابا تُضعِف المبتدعين. لعقودٍ كثيرة في القرن الخامس، بلبلت الكنيسةَ بدعةُ الطبيعة الواحدة التي تعترف بأنّ طبيعة الرب الإنسانيّة امتصتّها طبيعتُه الإلهية كلّيّاً. فالبدعة إذاً، تُوهِنُ تأنّسَ الربَ وبالتالي خلاصَنا. عام 451 دعت الإمبراطورة بُلخَريّة إلى المجمع المسكونيّ الرابع في خَلقِدونية، الذي حرم المبتدعين وأعلن "طبيعتَي الربَ الكاملتَين في شخص واحد بلا امتزاج ولا تغيّر ولا انقسام ولا انفصال". لم يهدأ المبتدعون، فأعلن الإمبراطور زينون عام 482، وبهدف إعادة السلام، ما دُعي "مرسومَ الاتحاد" الذي قلّل مفعول المجمع المسكونيّ الرابع. هذا المرسوم عمّم البلبلات فصار ضدَّ السلام! أديار فِلَسطين دافعت عن المواقف المستقيمة الرأي وحَمَت البطريرك سالوستيُس ورئيسي الأديار سابا وثِئُذوسيُس. استمرّ الإمبراطور أنستاسيُس، الذي خَلَفَ زينون، في السياسة نفسها: فنَفَى رؤساءَ الكهنة المستقيمي الرأي (الأرثوذكسيين) وثَبَّت المبتدعين وعقد لهم مجمعاً وأدان فِلافيانُسَ البطريركَ الإنطاكيَّ وإيليّا بطريركَ أورشليم دون سواهما. في هذه الأثناء أرسل بطريرك أورشليم وفدَ رؤساء الأديار، ومعهم القدّيس سابا إلى الإمبراطور. هذا قَبِلَ الوفدَ إلا أنّ الحجّابَ منعوا القدّيس سابا من الدخول إلى البَلاط إذ أنّ جُبَبَه قديمة ومرقّعة. طلب الإمبراطورُ الناسكَ المشهور آمِراً بأن يُدخَل. وحدَها هيئةُ القدّيس كانت كافية لتؤثّر به، فاقتنع للوقت بأنّ يُرجئ مضايقةَ البطريرك المستقيم الرأي إيليّا وأن يُحرَّر هيكل القيامة شيئاً فشيئاً من الضرائب الثقيلة غير العادلة وأن يُعتِقَ منها سكّان أورشليم. غير أنّ موقفَ الإمبراطورِ المتساهلَ لن يستمرّ طويلاً، فقد أُجبِرَ بطريرك أورشليم أن يشترك مع اسفيرو بطريركِ أنطاكية الجديد وهو من أتباع بدعة الطبيعة الواحدة. رفض فنُفِيَ ومات. وكان إلى جنبِه القدّيس سابا. اختير يوحنّا الثالثُ، تلميذُ القدّيس خليفةَ البطريرك إيليّا إذ قد تعهّد بأن يَشجُبَ المجمعَ المسكونيّ الرابع. فأسرع القدّيس سابا وثَناه، وكانت النتيجة أن سُجِنَ يوحنّا الثالث. أجبره الإمبراطور وهو في السجن أن يشترك مع أسفيرو بطريركِ أنطاكية. فتَظاهَرَ، بالتوافُقِ مع القدّيس سابا، بأنّه يتعهّد أن يشجب المجمعَ المسكونيّ الرابع وأن يَعترفَ باسفيرو إنّما في اجتماع رسميّ فقط بمرأى من الكنائس وتُجاه كلّ السلطات. حضر إلى الاجتماع آلافُ الرهبان والمؤمنون، فحرم البطريركُ المبتدعين واعترف بالمجامع الأربعة وهو على عرشه في كنيسة القدّيس استفانُس. إذّاك صَفَّقَ المؤمنون لبطريركهم القويّ بينما انسحب ممثِّلُ الإمبراطور مستسلماً. حَنِقَ الإمبراطور وقرَّر أن ينفي البطريرك يوحنّا الثالث مع سابا وثِئُذوسيُس. فألَّف الآباءُ الثلاثة رسالةً للإمبراطور عام 516 اعتبرها بعدَ صلواتٍ كثيرة فغيَّرت رأيه. عام 518، خَلَفَ أنستاسيُسَ الإمبراطورُ المستقيمُ الرأي يُستينُسُ وتَبِعَه يُستِنيانُس عام 527، هذان ثَبَّتا استقامةَ الرأي والسلامَ في الكنيسة. من خلال ردّة الفعل هذه على جدالات بدعة الطبيعة الواحدة، يمكن لأيِّ كان أن يَعِيَ قيمةَ حضور القدّيس سابا في القرن الخامس الكثير الاضطراب! لكنّ جهاداتِه لم تتوقَّف هنا، فقد ارتبط اسمُه بالثورة السامريّة، إذ تمرَّد السامريّون وأعلنوا مَلِكاً آخَر، وأغاروا ليَنهَبوا زارعين الرعبَ، وقتلوا أساقفةَ المسيحيّين، وأحرقوا ذخائرَ الشهداء. أخيراً قَمَعَ يُستِنيانُسُ الثورةَ، لكنّه حَقَدَ كذلك على مسيحيّي فِلَسطين الذين احتَفَظوا للسامريّين بآثار قاسية. فلجأ البطريرك من جديد إلى الشيخ القدّيس سابا الذي أربى على 90 من السنين. أرسلَه إلى القسطنطينيّة ليُسَكِّنَ غضبَ الإمبراطور. هذا كان يعرف حياة البارّ المعمّر وجهاداتِه فاستقبلّه بالتكريمات: سجد له سجدةً وعانقه وقَبَّلَ رأسه. بدورها انحنَت له الإمبراطورةُ ثِئُذورة وطلبت بركته. لقد حَظِيَ الناسكُ الأشيبُ بتقديرهم! بمرسوم إمبراطوريّ حدّ من التطرّف السامريّ وحرّر فِلَسطين من كل جباية كما حسّن ترميم الهياكل الجليلة في أماكن الحجّ المدمّرة، بالإضافة إلى تحصين ديره الكبير. وليس كتاب الأصول (التيبيكون) إلا تقدمةُ أخرى من تَقَادِم القدّيس سابا لذلك يُعرَف باسمه، مثلما يُعرَف "بالأورشليميّ". بالاشتراك مع القدّيس ثِئُذوسيُس رئيس أديار الشركة، سنّ القوانين والتقاليد الطقسيّة التي نشأت في مصر وحافظت عليها أديار كثيرة في فِلَسطين. في أصوله، حدّد القدّيس سابا أيضاً ترتيب الخِدَم وتفاصيلها وتوزيعها على الأيّام المختلفة ولائحة بالأعياد والتقويم الذي تتّبعه. راجَعَ الكتابَ صفرونيُسُ بطريركُ أورشليم وتَلاه يوحنّا الدمشقيّ. ثمّ، في القرن الثاني عشر، أعاد النظر فيه بطريركُ القسطنطينيّة نيقولَوس الكاتب وفي القرن الخامس عشر راجَعَه سمعانُ التِسلوّنيكيّ. إشعاع القدّيس لم يقتصر فقط على ديره، فقد أسّس أدياراً غيره منها ثلاث متوحَّدات (المتوحَّد الجديد علم 508، متوحَّد الأفواه السبعة عام 512، متوحَّد إرمياء عام 531) وستّة أديار شركة (دير القلعة عام 492، دير مبتدئي المتوحَّد الكبير عام 493، دير غاذارِيَة عام 503، دير نِقوبُلي عام 508، دير المغارة عام 509، دير يوحنّا الاسخُلاري عام 512). كذلك أسّس خمسة مآوي فقراءٍ وفنادق لاستضافة الغرباء والآباء العابرين. الشيخ الأزهر، بل القدّيس، رأى دُنُوَّ أجَلِه، فسجد للقبر الفائق القداسة وانكفَأ إلى هدوء مُتَوَحَّده الحبيب. هرع البطريركُ بطرس الذي كان ابنه الروحيّ وبكثيرِ التوسُلات أحضّرّه إلى الدار البطريركيّة وهناك خدمه بنفسه. لكنّ البارّ رجاه أن ينقلوه إلى ديره ليرتاح في توبته. بعد أن حدّد مِليتاسَ البيروتيّ خليفتَه وترك له ترتيبات مكتوبة لطقوس مُتَوَحَّده وباقي أدياره، تناول القدّيس الأسرار الطاهرة ورقد في 5 كانون الأول عام533 عن عمر 94 سنة، وأُودِعَ اللحدَ في مُتَوَحَّده. فيما بعد، لأجل حماية جثمانه الذي حُفِظَ كلّيّاً بلا انحلال، نقله رهبانُه إلى القسطنطينية. وفي القرن الثالث عشر نقله الصليبيّون إلى البندقية. وبين الثالث عشر والسادس والعشرين من شهر تشرين الأوّل عام 1965 أعادت الكنيسةُ الغربيّةُ جثمانَه إلى ديره. والقدّيس من ذلك الحين في بيته يتشفّع إلى الربّ بكلّ الذين يطلبون وَساطَته. دوّن الكثير من معجزاته في حياته وبعد الموت، يضيق المجال بإيرادها. وختاماً، نسأله، أن يشفع بنا إلى الربّ ليُنعِم علينا بالجرأة لنحفظ استقامة الرأي بلا لوم في أفعالنا والأقوال، فلا نرميّها لغير المستحقّين. |
||||
20 - 09 - 2016, 07:21 PM | رقم المشاركة : ( 14356 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القدّيسة بربارة العظيمة في الشهيدات لا نعرف تماماً لا تاريخ استشهاد القديسة بربارة ولا مكان استشهادها. بعض المصادر يجعل ذلك في مصر أو روما أو توسكانا (إيطاليا) أو آسيا الصغرى أو سواها. وفي تاريخ يتراوح بين العامين 235 – 313 للميلاد. أما عندنا فهي من بعلبك. والرواية التي تناقلتها الأجيال عنها تفيد بأنها كانت ابنة رجل وثني متعصب ذي ثروة ومجد وجاه. اسمه ديوسفوروس. وإذ كانت بربارة جميلة الطلعة فقد غار عليها أبوها من العيون، فأقفل عليها في قصره وجعل لها كل ما تحتاج إليه وما يسليها. وإذ كان الله قد اصطفاها، كما تقول خدمتنا الليتورجية اليوم (قطعة على الأبنوس)، فقد تحرك قلبها إلى التأمل في الخليقة إلى أن بلغت الخالق وأدركت خواء الأصنام وضلال عبادتها. وبتدبير من الله التقت بربارة من بشرها بالمسيح فآمنت به ونذرت له بتولية نفسها لكي لا تلهو عنه بعريس أرضي أو تُفرض عليها الوثنية فرضاً تحت ستر الزواج. فلما اكتشف أبوها أنها قد صارت مسيحية جنّ جنونه وأسلمها إلى مرقيانوس الحاكم. حاول مرقيانوس، باللطف أولاً، أن يستعيد بربارة إلى الوثنية فخاب قصده. وإذ تهددها وتوعدها لم تتزحزح عن رأيها، فأسلمها إلى عذابات مرّة، جلداً وتمزيقاً بالحديد وسجناً فلم يلق غبر الفشل نصيباً. إذ ذاك أسلمها إلى الموت. وقد أبى والداها، بعدما امتلأ حماقة وغيظاً، ألا أن يكون هو نفسه جلادها، فقطع رأسها بالسيف. وقد ارتبط باسم الشهيدة بربارة، اليوم، اسم شهيدة أخرى هي إليانا (يولياني). هذه لما تأملت في الميدان الرهيب الشهيدة المجيدة بربارة مجاهدة بالجلد والتعذيبات المتنوعة وقد تقطع جسدها بجملته تحرك قلبها، وكانت وثنية، فتقدمت واعترفت بأنها هي أيضاً للمسيح فقبض عليها الجنود وعذبوها حتى الموت فحظيت بإكليل الشهادة. هذا وللقديسة بربارة إكرام مميز في الشرق والغرب معاً. الكل يعيد لها اليوم. وقد شاع إكرامها منذ القرن الثامن أو التاسع للميلاد بعدما بانت سيرتها، كما نألفها اليوم، في القرن السابع. كتب قانون صلاة السحر لها، عندنا، القديس استفانوس الساباوي (28 تشرين الأول). ابن أخي القديس يوحنا الدمشقي. وللقديس يوحنا الدمشقي نفسه عظة فيها. والقديسة الشهيدة بربارة شفيعة الذين في الشدائد والأخطار. خدمتنا الليتورجية تقول عنها، وعن القديسة إليانا في آن، أنهما تلاشيان مضرة الأمراض الوبائية (إحدى قطع على يا رب إليك صرخت في صلاة المساء). ويستجير بها المعرضون لخطر الصواعق، ربما لأن أباها، كما جاء في خبرها، قتلته صاعقة إذ قفل راجعاً إلى بيته بعدما فتك بابنته. كذلك يستعين بالقديسة بربارة ذوو المهن الخطرة، كفرق المدفعية في الجيش وصناع الأسلحة وعمال المناجم والبناؤون والنجارون. يذكر أن كنائس كثيرة بنيت على اسم القديسة بربارة واتخذت اسمها مدن عدة. بالنسبة لرفاتها، يذكر البطريرك مكاريوس الزعيم أن جسدها نقله الملوك المسيحيون من بعلبك إلى مدينة القسطنطينية وبقي هناك. ثم لما آمن الروس بالمسيح في زمن الإمبراطور البيزنطي باسيليوس الثاني (976 -1025م). وأزوج هذا الملك أخته لفلاديمير، أمير كييف، أعطى باسيليوس أخته رفات القديسة بربارة هدية. فأخذتها معها إلى كييف. ويقول البطريرك مكاريوس أن الرفات موجودة في دير القديس ميخائيل خارج مدينة كييف. وأن جسدها باق على حاله. ناقص منه بعض الأعضاء. ويقول إنه شاهد الرفات هناك وتبرك بها. وترنم الكنيسة للقديسة بربارة، في صلاة السحر، هذه الأنشودة المعبرة: "يا بربارة الكلية الوقار، لما جزت سبيل الجهاد، فررت من رأي أجدادك، وكبتول حكيمة دخلت إلى ديار ربك حاملة مصباحك. وبما أنك شهيدة شجاعة، نلت نعمة لتشفي الأمراض الجسدية. فأنقذينا، نحن مادحيك، من أسواء النفس بصلواتك إلى الرب إلهنا". (صلاة السحر – على ذكصا الاينوس) |
||||
21 - 09 - 2016, 06:57 PM | رقم المشاركة : ( 14357 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
خدمة المحبة
|
||||
21 - 09 - 2016, 07:33 PM | رقم المشاركة : ( 14358 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القدّيس يوحنا الدمشقي البار خدمتنا الليتورجية، في هذا اليوم المبارك، تكرمه راهباً افتقر كمعلمه، وهو رجل الغنى والمجد العالميين، وانصرف عن الدنيا تاركاً اضطراب هذه الحياة وشواشها وجاداً في طلب سكون المسيح. أخضع جسده بأعراق النسك الكثيرة وطهّر مشاعره بمخافة الله فأضحى مواطن الصحراء وقاهر الشرّير وارتقى إلى المعالي السماوية مستغنياً بالعمل والثاوريا (المعاينة الإلهية). وقد جارى بأناشيده الأجواق السماوية، ووضع نظام أنغام الموسيقى، فاستحق اسم داود، صاحب المزامير. كما نقض البدع ودافع عن الإيمان وسلّم الكنيسة المعتقد القويم، وبسط التعليم الصحيح بشأن الأيقونات المقدّسة فاستحق، كلاهوتي، أن يدعى رسولاً حبيباً. ولقوة مؤلفاته فاق كل الحكماء الذين سبقوه. وهو كموسى ولج غيمة الروح القدس واخترق الأسرار الإلهية ومدّها لنا بلغة متناغمة. لذا أضحى مستحق التعجّب لأنّنا به عرفنا أن نمجّد الإله الكلي الصلاح. أعرق الشهادات بشأن القديّس البار يوحنا الدمشقي تفيد أن أول جامع لسيرته هو الراهب الكاهن ميخائيل السمعاني الأنطاكي. وقد أخرجها بالعربية سنة 1085م. فيما تنسب النسخة اليونانية إلى بطريرك اسمه يوحن، لعله السابع الأنطاكي (1088- 1106م). أصله: لا نعرف بالتأكيد أصل عائلة القديس يوحنا. بعض المصادر يقول إنه بيزنطي وبعضها سرياني فيما تبرز أهم الدراسات أنه عربي ابن عربي. دعي في الأساس منصور بن سرجون. ولعله أصلاً من بني تغلب. استوطنت عائلته دمشق قبل القرن السادس للميلاد وكانت على رفعة في المقام والمنصب. شغل جدّه منصور مركز مدير المالية العام وتبوأ حاكمية دمشق في زمن الإمبراطور البيزنطي موريس (موريق) (582-602م) وحتى هرقل (610-641م). ويبدو أنه هو الذي فاوض العرب على تسليم دمشق بعدما هجرت الحامية البيزنطية مواقعها وتركت الدمشقيين لمصيرهم. أما والده سرجون فولاّه معاوية بن أبي سفيان ديوان المالية، في سورية أولاً ثم في سائر أرجاء الدولة الأموية. وقد استمر في وظيفته إلى خلافة عبد الملك بن مروان (685-705م)، أي ما يزيد على الثلاثين عاماً كان خلالها زعيم المسيحيين في دمشق. إلى ذلك يبدو أن اثنين من عائلة منصور شغلا الكرسي الأورشليمي في القرن التاسع للميلاد بشهادة سعيد بن البطريق (877-941م). نشأته وأيام صباه: كان مولد يوحنا في مدينة دمشق ما بين العامين 655 و660 للميلاد. دعي منذ القرن التاسع "دفّاق الذهب" أو "مجرى الذهب"- وهو اسم نهر بردى في الأساس - بسبب النعمة المتألقة في كلامه وحياته. تتلمذ هو وأخ له بالتبني، اسمه قزما، لراهب صقلّي كان واسع الاطلاع، محيطاً بعلوم عصره. وكان اسم الراهب قزم، أيضاً، فك سرجون، والد يوحن، أسره من قراصنة أتوا به إلى دمشق. ملك يوحنا الفلسفة اليونانية فطوّعه، فيما بعد، لإيضاح الإيمان الأرثوذكسي. عاش، أول أمره، عيشة الدمشقيين الأثرياء السهلة وكان من رواد البلاط الأموي بالنظر إلى مكانة والده عند الخلفاء. ربطته بيزيد بن معاوية صداقة حميمة وكان يتحسّس الشعر ويتذوقه وتهتز مشاعره لدى احتكاكه بشعراء الصحراء. ويرى عدد من الدارسين أن بعض تآليفه تأثرت بهذا الاحتكاك، لاسيّما أناشيده وقوانينه. كما اكتسب من رفقته بيزيد معرفة القرآن والديانة الإسلامية. هذا ويظهر أن يوحنا شغل منصباً إدارياً رفيعاً في زمن الأمويين، وإن كنا لا نعرف تماماً ما هو. قد يكون أميناً للأسرار أو مستشاراً أولاً. وقد أقام على هذا النحو زماناً إلى أن نفخت رياح التغيير فأخذ الحكّام يضيّقون على النصارى. ولما أصدر الخليفة عمر الثاني (717-720م) قانوناً حظّر فيه على المسيحيين أن يتسلّموا وظائف رفيعة في الدولة ما لم يُسلمو، تمسك يوحنا بإيمانه وتخلى عن مكانته. ولعل هذا هو السبب الأول في زهده في الدنيا وانصرافه عنها إلى الحياة الرهبانية في دير القديس سابا القريب من أورشليم. اليد المقطوعة: هذا ويحكى أنه لما اندلعت حرب الصور الكنسية في الإمبراطورية البيزنطية، واتخذت الدولة منها، بشخص الإمبراطور لاون الإيصوري (717-741م) موقفاً معادي، باشرت حملة واسعة لتحطيمها وإزالة معالمها وإشاعة موقف لاهوتي رافض لها. وقد سعى الإمبراطور جهده لحمل الأساقفة، بالترغيب والترهيب، على الإذعان لرغبته. وكانت النتيجة أِن خفتت أكثر الأصوات المعارضة، المتمسكة بالأيقونات. يوم ذاك هبّ القدّيس يوحنا الدمشقي- وكان، حسبما نقل مترجمه، ما يزال بعد في العالم- مدافعاً عن الأيقونات وإكرامها فكتب وبعث برسائل عديدة في كل اتجاه، حتى قيل أنه اشترك في أعمال المجمع الأورشليمي المنعقد لهذه الغاية، وحضّ على المجاهرة بهرطقة الإمبراطور وقطعه. ولما كانت سوريا وفلسطين خارج الفلك البيزنطي فقد حاول لاون الملك أن يخنق صوت الدمشقي عن بعد وبالحيلة. لهذا استدعى أمهر الخطّاطين لديه وطلب منهم أن ينسخوا له رسالة كتبها زوراً كما من القدّيس إليه وأن يجعلوا الخط في الرسالة مطابق، قدر الإمكان، لخط الدمشقي. مضمون الرسالة كان الاستعانة بالإمبراطور على الخليفة. وأرفق لاون الرسالة المزوّرة بأخرى شخصية عبّر فيها للخليفة عما أسماه "صفاء المحبة بينهما وشرف قدر منزلته عنده". وأردف بالقول إنه إذ يرغب في تأكيد المحبة والصلح بينه وبين الخليفة يرسل إليه صورة الرسالة التي أنفذها إليه عامل الخليفة يوحنا. فلما اطّلع الخليفة عمر بن عبد العزيز على الرسالتين استبدّ به الغضب الشديد وأرسل في طلب يوحنا وواجهه بهم، فدافع قديسنا عن نفسه، ولكن دون جدوى، فأمر الخليفة السيّاف بقطع يد القديس اليمنى وتعليقها في ساحة المدينة العامة.وبالحيلة استردّ يوحنا يده المقطوعة متذرعاً بضرورة دفنها لتهدأ آلامه التي لا تطاق. فأخذها ودخل بها إلى بيته وارتمى عند إيقونة لوالدة الإله جاعلاً اليد المقطوعة على مفصله، وصلّى بدموع غزيرة لتردّها له والدة الإله سالمة. وفيما هو مستغرق في صلاته غف، وإذا بوالدة الإله تتراءى له في الحلم قائلة: "ها إن يدك قد عوفيت الآن، فاجتهد أن تحقّق ما وعدت به بدون تأخير". فاستيقظ يوحنا من النوم ليكتشف أن يده قد عادت بالفعل صحيحة وموضع القطع ظاهر عليها كخط أحمر. يذكر أن سائحاً مرّ بدمشق في القرن السابع عشر ونقل ما يبدو أنه كان متداولاً في ذلك الزمان أن المعجزة قد تمّت بواسطة أيقونة سيدة صيدنايا العجائبية. إثر الأعجوبة، كما ورد في التراث، حاول الخليفة استعادة يوحنا ووعده بإكرامات جزيلة، لكن قديسنا كان قد زهد في الدنيا وتشوّف إلى الحياة الملائكية. وقد ترك هو وأخوه بالتبني، قزم، دمشق ووجّها طرفهما ناحية دير البار سابا المتقدس، بعدما وزّع أمواله على الفقراء والمحتاجين وصرّف سائر شؤونه الدنيا. يوحنا راهباً: كان يوحن، في ذلك الزمان، رجلاً ذائع الصيت، لهذا استقبله رهبان دير القديس سابا بفرح، لكنهم خشوا أن يكون إقباله على الحياة الرهبانية مجرّد نزوة. ولما كانوا عارفين بعمق ثقافته العالمية فقد تردّدوا الواحد تلو الآخر في تحمل مسؤولية رعايته على السيرة النسكية. أخيراً قبله شيخ جليل متقدم في السن. فلما أقبل يوحنا إليه بادره الشيخ بالقول: "يا ابني الروحي، أرغب إليك أن تقصي عنك كل فكر دنيوي وكل تصرّف أرضي. اعمل ما تراني أعمله، ولا تتباه بعلومك. إن العلوم الرهبانية والنسكية لا تقلّ أهمية عنه، لا بل تعلوها مقاماً وفلسفة. أمت ميولك المنحرفة وتصرّف بخلاف ما يرضيك، ولا تقدم على عمل دون موافقتي وطلب نصيحتي. لا تراسل أحداً.إنسَ العلوم البشرية التي تعلمتها كلها ولا تتحدّث عنها مطلقاً". فسجد له يوحنا وطلب صلاته وبركته ليكون له الله على ما ذكر معيناً. سلك قديسنا في ما وعد به بكل غيرة وأمانة إلى أن رغب معلمه في امتحانه يوماً ليرى مقدار تمسكه بنذر الطاعة، فقال له: "يا ولدي الروحاني، قد بلغني أن عمل أيدينا الذي هو الزنابيل مطلوب بدمشق. وقد اجتمع عندنا منها شيء كثير. فقم اذهب إلى مدينتك وخذها معك لتبيعها وتحضر لنا ثمنها لاحتياجنا إليه في النفقة". فحمّله إياها ورسم له ضعفي ثمنها لئلا يتيّسر له بيعها بسرعة. فلما خرج أرسل له الرب راهبين آخرين منطلقين إلى دمشق فساعداه على حمل الزنابيل. ولما وصل إلى السوق لم يصادف من يشتريها منه لغلاء ثمنها. وفيما هو جائل حائر في أمره، رآه بعض خدمه ممن كانوا له في العالم، فعرفوه ولم يعرفهم، فرقّوا له وأخذوا منه زنابيله بالثمن الذي طلبه. فعاد يوحنا إلى معلمه وقد ظفر بإكليل الغلبة على شيطان الكبر والعظمة. وحدث مرة أن رقد بالرب أحد الشيوخ الرهبان وكان جاراً ليوحن، فحزن أخوه في الجسد عليه حزناً شديد، وكان هو أيضاً راهباً. فجاء إلى يوحنا وسأله أن ينظم له طروبارية تسليه عن غمّه، فاعتذر يوحنا لأنه لم يشأ أن يخالف الشيخ معلمه في ما وضعه عليه. لكن الراهب أصرّ بالقول: "ثق أني لن أبوح بها ولن أرتلها إلا وأنا وحدي". وظلّ عليه حتى أخرج له طروبارية. وفيما كان يلحّنها، أدركه معلمه الشيخ فقال له: "أبهذا أوصيتك؟! هل أمرتك أن تزمّر أم أن تنوح وتبكي؟! فأخبره يوحنا بما جرى له وسأله الصفح فامتنع قائلاً: "أنك منذ الآن لا تصلح للسكنى معي، فانصرف عني بسرعة". فخرج قديسنا من عند الشيخ حزيناً وجال على الرهبان يتوسّط لديهم. فلما أتوا إلى الشيخ سألوه أن يسامحه فأبى، فقالوا له: أما عندك قانون تؤدبه به لتصفح عنه" فقال: "أجل، إذا ما حرّر مستخدمات (مراحيض) مشايخ الرهبان ونظفها"، فانصرف الآباء من عنده مغمومين لأنه لم يسبق لهم أن سمعوا بقصاص كهذا. فلما أتوا إلى يوحن، استوضحهم الأمر فأجابوه، بعد لأي، بما قاله لهم الشيخ. فقام لتوه قائلاً: "هذا الأمر سهل فعله عندي، متيسر عليّ". ثم أخذ قفة ومجرفة وبدأ بالقلاّية الملاصقة لقلاّيته. فلما بلغ الشيخ ما صنعه تلميذه بادر إليه على عجل وأمسكه بكلتا يديه وقبّل رأسه وعينيه وقال له: "ثق يا بني لقد أكملت الطاعة وزدت عليها وليست بك حاجة بعد إلى أكثر من ذلك، فهيّا إلى قلايتك على الرحب والسعة". ومرّت أيام ظهرت بعدها والدة الإله القدّيسة لمعلم يوحنا في الحلم وقالت له:"لماذ، أيها الشيخ، تمنع الينبوع عن أن يفيض ويجري؟! فإن تلميذك يوحنا عتيد أن يجعل كنيسة المسيح بأقواله ويزين أعياد الشهداء وكافة القديسين بترنيماته الإلهية فأطلقه...لأن الروح القدس المعزي يجري على لسانه". فلما أطل الصباح قال الشيخ لتلميذه:"يا ابني الحبيب الروحاني، إذا ما حضرك منذ الآن قول تتكلم به فلا مانع يمنعك لأن الله سبحانه يرضاه ويهواه. فافتح فمك وقل ما تلقنك إياه النعمة الإلهية". من ذلك اليوم صار القديس يضع القوانين الليتورجية والاستيشيرات والطروباريات وسواها. ربيبه في عمله هذا كان أخاه بالتبني قزما. ويبدو، كما يؤكد كاتب سيرته، أن المحبة الإلهية كانت وافرة بين الاثنين وأنه لم يعرض لهما أن غلبهما الحسد مدة حياتهما. يوحنا كاهناً وواعظاً ومعلماً: يستفاد من أخبار القدّيس يوحنا أن بطريرك أورشليم استدعاه بعد سنوات من حياته الديرية ثبت خلالها في الاتضاع والطاعة وسامه كاهناً رغم تمنّعه. فلما عاد إلى الدير زاد على نسكه نسكاً. يذكر أن يوحنا تلقى العلوم المقدّسة لا في دمشق بل في الدير ولدى بطريرك أورشليم أيضاً. هو نفسه ذكر أن معلميه كانوا من رعاة الكنيسة. منذاك أصبح يوحنا واعظ المدينة المقدسة، يقيم في ديره ثم يخرج إلى القدس وهي قريبة، ليتمّم خدمته في كنيسة القيامة. وقد بقي لنا من مواعظه تسع امتاز فيها بالبلاغة والإبداع وقوة المنطق واقتدار الحجة وغنى العقيدة. وإلى جانب الكهانة والوعظ اهتم قديسنا بالتدريس. وثمة ما يشير، في تآليفه العقائدية والجدلية، إلى أن بعضها على الأقل دروس شفهية التقطها الكتّاب ودوّنوها. إسهامه الكنسي: هناك أربعة مجالات كنسية أساسية كانت للقديس يوحنا الدمشقي فيها إسهامات جليلة جزيلة القيمة: الأول عقائدي. للقديس فيه بضع مؤلفات أهمها كتاب "ينبوع المعرفة" الذي يشتمل على ثلاثة أبواب، أحدها فصول فلسفية هي بمثابة توطئة للعرض اللاهوتي وتحديدات لبعض الفلاسفة الأقدمين وآباء الكنيسة. يلي ذلك باب الهرطقات الذي هو عبارة عن توطئة لاهوتية تاريخية يتناول فيها مئة وثلاثة تعاليم دينية زائفة وانتشارها. وأخيراً بيان الإيمان الأرثوذكسي الذي قسمه إلى مئة فصل أو مقال. الثاني جدلي دفاعي. هنا كتب قديسنا ضد هرطقات زمانه كلها: "النسطورية والطبيعة الواحدة والمشيئة الواحدة والمانوية وبدعة محطمي الأيقونات. كما وضع الخطوط العريضة لطريقة الجدل مع المسلمين وترك نبذة ضد الخرافات الشعبية". أهم هذه الكتابات مباحثه الثلاثة الدفاعية ضد الذين يرذلون الأيقونات المقدّسة. الثالث ليتورجي هنا يُعزى إليه إرساء أسس كتاب المعزي وتأليف العديد من الستيشيرات والبروصوميات والإذيوميلات والكاثسماتات والطروباريات والقناديق والقوانين الكنسية بالإضافة إلى دور أكيد في تحرير تيبيكون دير القديس سابا. الرابع موسيقي. فيه نظّم ووضع قسماً كبيراً من موسيقى كتاب المعزي ولحّن العديد من القوانين والطروباريات وساهم في وضع نظام العلامات الموسيقية. لاهوت الأيقونة عنده: ولا بد من كلمة بشأن دفاع القديس يوحنا عن الأيقونات لاهوتاً. فالحق أن قديسنا هو الذي وضع الأسس اللاهوتية للدفاع عن إكرام الأيقونات، وهو ما تبنّته الكنيسة وبنت عليه عبر العصور. يستند لاهوت الأيقونة عنده إلى ثلاث قواعد أساسية: - لا نقدر أن نمثّل الله حسياً لأنه روح محض لكننا نقدر أن نمثّل الرب يسوع المسيح ووالدة الإله والقدّيسين وحتى الملائكة الذين ظهروا على الأرض بأجساد. فالكتاب المقدس لا يمنع تكريم الصور بل عبادة الأوثان. - إن الإكرام الذي نقدمه للأيقونات إنما نقدمه لأصحابها المرسومين عليها، لا إلى الخشب والألوان، وهو يرجع في كل حال إلى الله الذي هو مصدر كل خير في القدّيسين. ونؤكد كلمة "إكرام" لأننا نميّز بين الإكرام والعبادة التي لا تليق إلا بالله وحده. - ثم إن لإكرام الأيقونات منافع جزيلة. فالصور ظاهرة إنسانية نذكر من خلالها نعم الله علين، وهي بمنزلة كتاب للعامة تمدّ إليهم أسرار الله وإحساناته وحضوره، وتحرض على اقتفاء سير القدّيسين. رقاده: أمضى القديس يوحنا ثلاثين سنة من عمره في الدير. ولعله لم يعد إلى دمشق خلال ذلك إلا مرة واحدة. كان رقاده بسلام في الرب، في شيخوخة مخصبة بالصالحات، أغلب الظن، بين العامين 749، 750 للميلاد. جمع في نفسه، على نحو متناغم، قداسة الراهب وعمق اللاهوتي وغيرة الرسول وإلهام المنشد وموهبة الموسيقي، فاستحق إكرام الكنيسة له جيلاً بعد جيل، أباً ومعلماً. بقيت رفاته في الدير إلى القرن الثاني عشر حين جرى نقلها إلى القسطنطينية حيث أودعت كنيسة جميع القدّيسين القديمة بجانب القديسين يوحنا الذهبي الفم وغريغوريوس اللاهوتي. يذكر أن اللاتين نهبوا هذه الكنيسة عندما دخلوا القسطنطينية سنة 1204. كما هدمها الأتراك سنة 1463. وقد أعلن المجمع المقدس السابع (787م) قداسة يوحنا واعتبره "بطل الحقيقة". |
||||
21 - 09 - 2016, 07:40 PM | رقم المشاركة : ( 14359 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القدّيس صفنيا النبي إسم عبري معناه الله يستر أي يخبىء. هو صفنيا بن كوشي. صاحب النبوءة التاسعة من النبوءات الصغيرة الاثنتي عشرة. عاش في أورشليم، في زمن الملك يوشيا (609-640ق.م) المعروف بإصلاحاته الدينية. عاصر إرميا النبي. ويظن أن رسالته النبوية امتدّت من العام 630 ق.م إلى ما بعد الاستيلاء على أورشليم والجلاء إلى بابل (587ق.م). هذا النبي: - تكلّم على الفرح الآتي: هللي يا بنت صهيون… افرحي وتهللي من كلّ قلبك (14:3). - عاين يوم مجيء المخلّص وأعلن عنه. - سبق فأذاع بأن إسرائيل والأمم تجتمع إلى واحد وتعبد الإله الواحد، والله يطّهر الشعوب من الدنس " فيدعوا جميعاً باسم الرّب ويعبدوه والكتف إلى الكتف" (9:3). في ذلك اليوم يبرّر السيّد الإله شعبه بعد سبي. يلغي الحكم عليهم (15:3) ويقيم في وسطهم فلا يرون الشر من بعد (15:3). في ذلك اليوم ينزع الرب المتباهين المتكبّرين ولا يبقي غير شعب وديع متواضع مسكين. "لا يرتكبون الظلم ولا ينطقون بالكذب ولا يوجد في أفواههم لسان مكر لأنهم سيرعون ويربضون ولا أحد يفزعهم" (11:3-12). هذا وإن الزمن الذي عاش فيه صفنيا النبي كان مضطرباً إلى الغاية في المستويين السياسي والعسكري. الخراب والفوضى الحاصلة يومذاك كانا أشبه بالفيضان الذي غرّق العالمين في أيام نوح بعدما استشرى الفساد وزاغ الإنسان على غير رجعة. بكلمات صفنيا، الأمة أضحت متمرّدة دنسة ظالمة، لا تسمع الصوت ولا تقبل التأديب ولا تتكل على الرّب. رؤساؤها أُسود زائرة وقضاتها ذئاب وأنبياؤها خونة وكهنتها يدنّسون القدس ويتعدّون الشريعة (1:3-4). الظالم لم يعد يعرف الخجل (5:3). لأجل ذلك يُستأصلون والأرض كلّها تلتهم بنار غيرتي. يقول الرّب (8:3) |
||||
21 - 09 - 2016, 07:43 PM | رقم المشاركة : ( 14360 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القدّيس حبقوق النبي هو صاحب السفر الثامن من أسفار الأنبياء الاثني عشر الصغار. نكاد لا نعرف عنه شيئاً محققاً. اسمه مشتق من النبات المعروف بـ "الحبق"، أو لعلّه يعني "أبا القيامة" إذا ما أخذنا برأي من يقلب الحاء ألفاً والقاف الأخيرة ميماً. اسم حبقوق ورد في بداية الإصحاح الأوّل على هذا النحو: "الحمل الثقيل الذي كان لحبقوق النبي في رؤيا ". لاحظ عبارة "الحمل الثقيل" التي يشير بها الكاتب إلى النبوءة. خارج السفر، هناك ذكر لحبقوق عند دانيال النبي (النص اليوناني المعروف بالسبعيني33:14-39). يقول سفر دانيال إن حبقوق النبي كان في أرض يهوذا يعدّ طبيخاً. وإذ أزمع أن يخرج به إلى الحصّادين، في الحقل، جاءه ملاك الرب قائلاً: "احمل الغداء الذي معك إلى بابل، إلى دانيال في جب الأسود". فقال حبقوق: "إنني لم أر بابل ولا أعرف الجب". فأخذه ملاك الرب بشعره ووضعه في بابل عند الجب باندفاع روحه. فنادى حبقوق قائلاً: "يا دانيال، يا دانيال، خذ الغذاء الذي أرسله لك الله". فقال دانيال: "اللهمّ، لقد ذكرتني ولم تترك الذين يحبّونك". وردّ ملاك الرب حبقوق من ساعته إلى مكانه. في نبوءة حبقوق ما يشير إلى أنه نُطق بها على مراحل. الدارسون يقولون أنها امتدت من السنة 610 إلى ما بعد السنة 587 ق.م، زمن سقوط أورشليم في يد الكلدانيين وسبي العديد من السكّان إلى بابل. يندّد السفر بعدو خارجي هو ملك الكلدانيين لما يبديه من عنف وقتل ودمار، وكذلك بعدو داخلي لعله يوياقيم، ملك يهوذا (609- 598 ق.م) لظلمه. يقع السفر في ثلاثة إصحاحات وست وخمسين آية، وهو في صيغة قصائد يظن الدارسون أنها كانت تُنشد في احتفالات طقوسية. من حيث الموضوعات، "تتضمّن النبوءة ثلاثة عناوين عريضة، أولها حوار بين النبي والله يبدو فيه حبقوق معاتباً لربّه متألماً متحيراً. يسأل، وقد اتخذ مأساة شعبه: "إلى متى يا رب أستغيث ولا تستجيب، أصرخ إليك من الظلم ولا تخلّص؟" (1:1). "لِمَ تنظر إلى الغادرين ولِمَ تصمت عندما يبتلع الشرّير من هو أبرّ منه، وتعامل البشر كسمك البحر، كزحّافات لا قائد لها؟" (13:1- 14). وإذ يطرح حبقوق مشكلته يقف على محرسه، ينتصب على مرصد قلبه ويراقب (1:2). ويأتيه الجواب: الله حرك الكلدانيين (6:1)، والشعب لا ضمان له غير أمانته. بكلمات النبي نفسه: "النفس غير المستقيمة غير أمينة. أما البار فبأمانته (أو بإيمانه) يحيا" (4:2). هذا بشأن العنوان العريض الأول، أما العنوان الثاني فجملة لعنات يسكبها النبي على الظالمين. هؤلاء كالموت لا يشبعون، لكن أفعالهم ترتدّ عليهم، وكما فعلوا يفعلون بهم (7:2- 8) وعوض المجد يشبعون هواناً (16:2). وأنى بلغ شأو الممالك والشعوب فإنما يتعبون للنار ويجهدون للباطل (13:2) ، لأن رب القوات هكذا رسم. أما العنوان العريض الثالث للنبوّة فمزمور يعلن فيه حبقوق أن الله آت وسيهشم رأس بيت الشرير(13:3). لذا يتهلّل حبقوق ويفرح ويعلن كما في القديم: "الرب الإله قوّتي وهو يجعل قدمي كالأيائل ويمشّيني على مشارفي"(19:3). كنسياً، احتل حبقوق مكاناً مرموقاً بين الأنبياء من حيث إنباؤه بتدبير الله الخلاصي بالرب يسوع المسيح. فالفصل الثالث من سفره جعلته الكنيسة تسبحة من تسابيح صلاة السحر، الرابعة ترتيباً، وعنونته هكذا: "صلاة حبقوق النبي. يا حبقوق قل عن تنازل الكلمة: المجد لقدرتك يا رب". وهي تنشد له في قنداق هذا اليوم (2 كانون الأول): "أيها النبي الملهم من الله، لقد أذعت في كل المسكونة أن الله يأتي من الظهيرة، أعني من العذراء مريم ومن نصف الليل حين سهرت أمامه. وقد أعلنت للعالم قيامة المسيح كما تلقتنها من ملاك نوراني. لذلك نشدو إليك بغبطة وسرور: افرح يا كنز النبوءة البهي". من المفيد أن نعرف أنه إلى حبقوق، كما إلى أشعيا (9:11). يُعرى القول أن الأرض ستمتلئ من معرفة مجد الرب كما تغمر المياه البحر (14:2) وأن أصل التقليد عن الثور والبقرة في مزود بيت لحم يعود إليه (2:3) كما يعود إلى أشعياء (3:1). |
||||