22 - 08 - 2016, 05:17 PM | رقم المشاركة : ( 14141 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حيوانات الكتاب المقدس
التنين يرد فى كل من العهد القديم والجديد مرات متعددة، ولا يقصد به حيوان معين، بل يشير إلى الزحافات الضخمة سواء كانت بحرية أم برية . ويرد التنين في سفر الرؤيا 13 مرة باعتباره صورة لإبليس . لعل أشهرها ما ورد في سفر الرؤيا 12: 1-5 أن تنيناً عظيماً أحمر وقف أمام امرأة على وشك الولادة حتى يبتلع ولدها متى ولدت. ولم يكن هذا التنين الأحمر العظيم إلا صورة للشيطان في وحشيته ودموية فى واحد من فصول العداء الشرسة بينه وبين المسيح؛ أقصد بها محاولته الشريرة لقتل المسيح من بداية دخوله إلى العالم، وكيف أنه قتل فعلا الكثير من صبيان بيت لحم مستخدماً هيرودس الملك القاتل (متى2) لكن عينا الله كانتا على ذلك المولود الذى كان فى مجيئه إلى العالم ضمان مجد الله وهزيمة الشيطان وخلاص الإنسان . الثعلب حيوان من فصيلة الكلاب، وهو مثله فى أكله للحوم وأنه متيقظ مرهف الحساسية وسريع، لكنه بصفة عامة أصغر قليلاً منه فى الحجم، ويميزه ملامحه المحددة، وفروته الناعمة وذيله الطويل الكث. والثعالب أنواع مختلفة وفصائل متعددة يصل حجم الكبير منها إلى 90 سم في الطول و40 سم في الارتفاع وذنبه 45 سم ووزنه 7 كجم، بينما أصغر الأنواع يصل طوله 35 سم وذنبه 25 سم ووزنه 1.5كجم. والثعلب يعيش في المتوسط 12 عاما، وهو يتغذى عادة على السحالي والقوارض والطيور والحشرات، وأحياناً الثمار، فهو يحب عصير الكرمة اللذيذ. وعندما لا يجد هذا فإنه يتغذى على الجيف. ويتميز الثعلب بالحرص على حياته، فهو مكار وداهية سواء في الفرار من الأعداء أو في اقتناص فرائسه والهرب بها. ويعيش الثعلب عادة في حفرة تسمى "وجار" .ولقد أشار المسيح إلى ذلك بالقول «للثعالب أوجرة، ولطيور السماء أوكار، وأما ابن الانسان فليس له أين يسند رأسه» ( متى 8: 20). فذلك الخالق العظيم عندما أتى إلى العالم الذى خلقه بنفسه، كان حظه فى هذه الدنيا أقل من حظ أضعف مخلوقاته وأقلها نفعاً؛ الثعالب أو العصافير! والرب شبّه هيرودس الملك بالثعلب (انظر لوقا 13: 32) ذلك لأن الثعالب تخطف الطيور من المنازل، بل وتفترس أيضا إذا اعترضها معترض. وهكذا هيرودس الملك هو ثعلب لأنه خطف المرأة الشريرة هيروديا، وقتل الرجل القديس يوحنا المعمدان. الثور هو -كما ذكرنا قبلاً عند حديثنا عن البقر- ذكر البقر، وكانت الشريعة في العهد القديم تعنى بالثيران لا لذاتها فحسب بل لأنها ترمز إلى المؤمن. فنقرأ في شريعة موسى في العهد القديم القول «لا تحرث على ثور وحمار معاً» ( تثنية 22: 10 )، للتعبير عما جاء ذكره صراحة في العهد الجديد من أنه لا ينبغي أن تكون هناك شركة ما بين الإنسان المؤمن وغير المؤمن «لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين» ( 2كورنثوس6: 14)، وأيضا «لا تكم ثوراً دارساً» ( تثنية 25: 4 ) أي لا تضع كمامة على الثور تمنعه بها من الأكل عندما يدرس البيدر، مكان تشوين الحنطة. وفى العهد الجديد شرح الرسول أيضا معناها بأن من يخدم الإنجيل يجب أن يعيش من الإنجيل (1كورنثوس9: 9 ، 10). ولقد كان الثور في العهد القديم يقدم في الذبائح الهامة، باعتبار أن الثور هو أكبر الحيوانات التي تقدم لله. ففي يوم الكفارة كان رئيس الكهنة يقدم عن نفسه وعن بيته ثوراً.لكن واضح أن هذه الذبائح كلها كانت رمزاً للمسيح الذى بموته فوق الصليب أنهى القصد الكفاري من كل تلك الذبائح الرمزية، «لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع الخطايا» وأيضا «لأنه إن كان دم ثيران وتيوس.يقدس إلى طهارة الجسد، فكم بالحرى يكون دم المسيح» (عبرانيين 10: 4، 9: 14) ومن الأشخاص الذين قدموا الثيران كذبائح لله نذكر جدعون القاضي ( قضاة 6: 26 )، وحنة أم صموئيل (1صموئيل 1: 24،25)، وإيليا النبي ( 1ملوك 18: 30-39 ). |
||||
22 - 08 - 2016, 05:18 PM | رقم المشاركة : ( 14142 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حيوانات الكتاب المقدس
البغل: حيوان من آكلي العشب، يستخدم للركوب ولحمل الأثقال أو لجرها. وهو ينتج من تهجين (تزاوج) الحمار مع أنثى الحصان أو الفرس، ولهذا فإنه عقيم لا ينجب. ويتميز البغل عن الحصان في زيادة قدرته على تحمل المشقات، لا سيما في الأجواء الحارة؛ فبوسع البغل أن يحمل لغاية 150 كجم ويسير بحمله هذا أكثر من 20 كم في اليوم الواحد. كما أنه يتميز في كونه أكثر وفراً في استخدامه إذ أنه يأكل كمية أقل، ومعدته أكثر تحملاً للطعام الأرخص والأخشن دون مشاكل. لقد أصاب نابليون عندما علق على البغل بأنه الحيوان الذى ليس عنده مشاكل! أضف إلى هذا أنه قوى جسور، عنيد صبور. ولأن تهجين البهائم كان ممنوعاً في الشريعة اليهودية فلم يُعرف هذا الحيوان في إسرائيل إلا في العصور المتأخرة، ويبدو أنهم كانوا يستوردونه من البلدان المجاورة (1ملوك10: 25، حزقيال 14:27)، أو كانوا يحصلون عليه من الأمم الساكنين معهم في الأرض. ولقد تم مسح الملك سليمان وهو راكب على بغلة داود الملك (1ملوك 1: 32-34). ولعل أشهر الحوادث المرتبطة بالبغال في الكتاب المقدس ما ورد عن أبشالوم المتمرد، الذى قام بثورة على داود أبيه فكان جزاءه أن دخل البغل الذى كان راكباً عليه تحت شجرة كثيفة الأغصان، فتعلق رأسه بأغصان هذه البطمة ومر البغل من تحته وبقى هو مُعلّقاً بين السماء والأرض. فتمت فيها كلمات اللعنة القاسية على كل ابن متمرد وعاق (لاويين 20: 9، أمثال 20: 20 ، 23: 22، 30 :17) البقرة: حيوان أليف، لبون (مُدِر للّبَن)، مُجْترّ، من الفقريات ذوات الأربع. ويستخدم اسم البقر للدلالة على جنس يشتمل على أكثر من 250 فصيلة مختلفة. ويشير الاسم بصفة عامة للذكر والأنثى، لكن بصفة خاصة يشير للأنثى، أما الذكر فيسمى الثور. وابن البقر سواء الذكر أو الأنثى يسمى عجلاً. والأبقار من أكثر الحيوانات نفعاً للإنسان سواء بالنسبة للبنها أو لحمها أو جلدها، أو لاستخدامها في الحقل لجر النير. ولهذا فهي منتشرة بكثرة في العالم، ويرد اسمها بكثرة في الكتاب المقدس. فبالنسبة لكثرتها يوجد اليوم في العالم نحو بليون (ألف مليون) رأس من الأبقار، وأما عن كثرة ورود اسمها في الكتاب المقدس فيرجع في المقام الأول لأنها كانت تقدم ذبيحة لله. ومن أجمل الإشارات في الكتاب المقدس إلى البقر ما ورد ذكره في 1 صموئيل 6 عندما أراد الفلسطينيون إرسال تابوت العهد إلى إسرائيل بعد أن سبب لهم ضربات مؤلمة. فعملوا عربة جديدة وأخذوا بقرتين مرضعتين لم يعلهما نير، وربطوا البقرتين إلى العربة وأرجعوا عنهما ولديهما إلى البيت، ورغم كل ذلك، ورغم أن الطريق إلى بيت شمس غير معروف لهما، فلقد استقامت البقرتان في الطريق ولم تميلا يميناً أو شمالاً. لقد استجابت البقرتان إلى نداء الخالق أكثر من نداء الغريزة القوى فيهما. ومن الإشارات الجميلة أيضاً للبقر في الكتاب المقدس أن الله عندما زار إبراهيم ذبح له عجلاً رخصاً، لكن الأعجب من ذلك أنه لما استقبل الأب ابنه الراجع من الكورة البعيدة في مثل الابن الضال، ذبح له أيضاً العجل المسمن. وفى الحالتين فإن البقر يرمز للمسيح شبع الله وشبع شعبه. فالمسيح هو الطعام المشترك الذى يشبع الله ويشبع شعبه أيضاً. ومن أشهر الشرائع المرتبطة بالبقرة، وقد زاد شهرتها في الآونة الأخيرة، شريعة البقرة الحمراء (عدد19) وهى شريعة تختص بتطهير كل ما تنجس بسبب ملامسته لميت. التمساح: حيوان برمائي من الزواحف، مفترس، يعيش على شواطئ الأنهار والبحيرات (بصفة عامة في المياه العذبة)، ويتراوح طوله بين 120 سم، 6 متر. ويميزه فكّان قويان، وفم ضخم، وأسنان كبيرة تساعده على التهام فرائسه من الأسماك أو الحيوانات المختلفة التي ينقض عليها في سرعة. وأرجله قصيرة وقوية، كما أن ذنبه (ذيله) طويل وقوى، يستخدمه في الهجوم على فرائسه. وعلى ظهر التمساح وجانبيه حراشف قوية وسميكة ومتصلة بعضها ببعض. ويعيش التمساح لنحو 30 سنة، وبعض الفصائل قد تعمر إلى 50 سنة. ولقد شُبِه فرعون ملك مصر بالتمساح (حزقيال 29: 3). ومما يُذكر أن المصريين القدماء، رغم حكمتهم، فإنهم عبدوا التمساح، فأبدلوا مجد الله الذى لا يفنى بشبه صورة ... الزحافات (رومية 1: 23). فيا للأسف على حكمة هذا العالم التي جعلت الإنسان يرفض الإيمان بالله ليتعبد للمخلوق ولو كان من الزواحف!! |
||||
22 - 08 - 2016, 05:20 PM | رقم المشاركة : ( 14143 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حيوانات الكتاب المقدس
الأرنـب: حيوان صغير، يبلغ طوله من 20 إلى 36 سم، منه البرى ومنه الداجن، والداجن منه لحمه لذيذ ويؤكل، ولو انه بحسب الشريعة التي أعطاها الله لموسى كان أكله محرما، ولازال كذلك بين اليهود. وسر تحريمه في الشريعة أنه كان يلزم ليكون الحيوان طاهراً أن يجترّ ويشُق الظلف. والأرنب حيوان غير مشقوق الظلف، ولو أنه يجترّ. والمشكلة التي حيرت العديد من علماء الكتاب المقدس هي كيف اعتبر الله الأرنب أنه يجتر، ومعروف علمياً أنه لا يجتر. ولقد ظن أعداء الكتاب المقدس أن هذه واحدة من الأخطاء العلمية في الكتاب، حتى اكتشف أخيراً أن الطعام الذى يهضمه الأرنب يُطرد ثانية على هيئة كرات صغيرة خضراء وأنه عادة ما يسترجعها الأرنب قبل سقوطها إلى الأرض ولم يكتشف العلماء هذه الظاهرة إلا مؤخراً ، فالأرنب عادة ما يفعل ذلك ليلاً عندما يكون العلماء نياماً! لكن العلم الحديث أدرك ذلك أخيراً، واعتبرها طريقة خاصة للاجترار يتميز بها هذا الحيوان. وثبت أن الكتاب المقدس، الذى هو كتاب الحق، لا يقول دائماً إلا الحق! الأسد: نوع من الحيوانات اللبونة (التي تعطى لبن) من آكلات اللحوم، ويُعرف بين الناس بأنه ملك الوحوش، أو ملك الغابة، إذ بالإضافة إلى قوته العظيمة تميزه الجرأة. ويقول عنه الكتاب المقدس «الأسد جبار الوحوش ولا يرجع من قدام أحد» (أمثال 30: 30). والأسد هو أكثر الوحوش شهرة في العالم، كما أنه أكثرها ذِكراً في الكتاب المقدس. والأسد مكتمل النمو يبلغ ارتفاعه نحو 90 سم وطوله حوالى 270 سم، بما في ذلك الذيل الذى يبلغ نحو 90 سم. ووزن الأسد حوالى 180 كجم وأنثى الأسد تسمى لبوة ، وتلد اللبوة بعد فترة حبل 110 يوما نحو ستة أجراء (صغار الأسد)، وتكون عند ولادتها عمياء وضعيفة فيموت نصفها قبل بلوغ السنتين. ويبلغ الأسد أشده بعد ست سنوات. ويعمر الأسد في المتوسط 20 عاماً. والأسود تقتنص فرائسها تحت جنح الظلام، وتقوم اللبوة عادة بهذا العمل. ويكتفى الأسد نفسه بزئيره المرعب الذى يدخل الخوف في قلوب حيوانات الغابة مما يجعلها صيداً سهلا في متناول اللبوة. وهو في هذا صورة للشيطان عدونا الذى يخبرنا عنه الكتاب «إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو، فقاوموه راسخين في الإيمان» (1بطرس5: 8،9). وبينما قيل عن الشيطان إنه كأسد، فقد قيل عن الرب يسوع إنه «الأسد الخارج من سبط يهوذا» (رؤيا 5: 5). لقد أتى المسيح مرة إلى هذا العالم كحمل الله (يوحنا1: 29)، وسيق كشاة إلى الذبح (إشعياء 35: 7)، لكنه لابد أن يأتي ثانية كالأسد المرعب المخيف ليقضى القضاء المبرم على كل الأعداء الذين لم يسلموا له حياتهم. ترى هل تصالحت مع الله؟ الإيل: حيوان من ذوات الظلف، وللذكور منه قرون متشعبة لا تجويف فيها. وهو طاهر بحسب الشريعة اليهودية، إذ أنه يجتر ويشق الظلف. ومع أنه حيوان قوى جدا، لكنه غير مفترس، غير مؤذٍ، منظره جميل، سريع في جريه ورشيق في حركته. يعيش في البراري والجبال، إذ يجيد التسلق وأرجله مدربة على ذلك (انظر مزمور 18: 33، حبقوق 3: 19) وهو أنواع كثيرة جداً تزيد عن الثلاثين نوعا، ويختلف ارتفاعه حسب نوعه من 30 سم إلى 220 سم ووزنه من 10 كجم إلى 1000كجم. يعيش حوالى 20 سنة. ويتميز بشدة حاجته إلى الماء. وفى تعطش الإيل الشديد للمياه نرى صورة لتعطش المؤمن إلى الله وإلى الوجود بالقرب منه. وفى عيشته في البراري والجبال نرى صورة جميلة للمؤمن الذى يختلى مع الله في أماكن منعزلة ليستمتع بهدوء الشركة معه. وفى حساسيته المرهفة نرى صورة لما يجب أن يكون عليه المؤمن من ضمير حساس ينزعج من أي شيء يغضب الرب، وفى سرعة جريه فوق الجبال والتلال (نشيد 2: 8) يذكرنا بالمسيح الذى قال في آخر الكتاب المقدس «أنا آتى سريعا» (رؤيا 22: 20). |
||||
22 - 08 - 2016, 05:21 PM | رقم المشاركة : ( 14144 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المملكة الحيوانية لما تأمل داود في خليقة الله العظيمة، في مزموره الرائع، مزمور 104، لم يسعه إلا أن يهتف ائلا «ما أعظم أعمالك يا رب، كلها بحكمة صنعت، ملآنة الأرض من غناك» (مزمور104: 24). وعبارة «ما أعظم» لا تفيد فقط الكثرة العددية، بل أيضا التنوع. لقد تأمل داود في هذا المزمور في كل ما حوله وفوقه وتحته، في الجبال العإلىة والبحار الواسعة، في الشمس والأقمار، والنجوم التي بلا عدد، ثم تأمل في الأشجار العإلىة والزهور الجميلة والزنابق الصغيرة، ثم تأمل في الحيوانات البحرية والطيور ووحوش البر. وعندما تأمل هذه كلها؛ وهي ما نسميها إلىوم بالمملكة المعدنية والمملكة النباتية والمملكة الحيوانية قال «ما أعظم أعمالك يارب، كلها بحكمة صنعت» لكننا نحن سنقصر تأملنا الآن على المملكة الحيوانية. ولكي نُعرِّف الحيوان نقول: هو كل كائن حي يتحرك ويأكل وينمو ويتكاثر ويحس. وعندما نقول كائن حي يتحرك، فذلك لنميزه عن النبات الذي لا يقدر ان يتحرك من نفسه. والحيوانات تتحرك في الهواء أو الماء أو على الأرض. وعندما نقول إنه كائن حي يأكل، فهذا معناه أن له فما بخلاف النباتات التي ليس لها فم. والنباتات بصفة عامة تصنع غذاءها من الشمس والماء والهواء... أما الحيوانات فإنه يلزمها أن تتغذي على الطعام لا أن تصنعه. وعندما نقول إنه ينمو، فذلك لأن الحيوانات تبدأ صغيرة وتأخذ في النمو، ثم بعد فترة تموت. وعندما تكون صغيرة قد تشبه أو لا تشبه والديها. لكنها عندما تبلغ تصبح مثل والديها تماما. وعندما نقول إنها تتكاثر فذلك معناه أن الحيوان جاء من حيوان آخر بالغ من نفس نوعه، فالحيوانات تنجب ذرية كجنسها؛ أي من نفس النوع. هذا ما أكده الخالق مرارا وتكرارا في الأصحاح الأول من سفر التكوين عندما كرر عبارة «كجنسه» 10 مرات، وهذا ما أكده العلم الحديث، إذ لا يمكن لنوعين مختلفين من الحيوانات أن ينجبا نوعا متوسطا يجمع بين صفاتهما معا. وأخيرا عندما نقول إنه يحس فذلك لأن الحيوانات لها نفس بها تحس وتشعر، تفرح وتحزن. وهي في هذا تشبه الإنسان، ولو أنها ايضا تختلف عنه فالإنسان بالإضافة إلى النفس التي عنده فهو عنده أيضا نسمة حياة من الخالق (تكوين2: 7، أي32: 8) هي الروح التي تجعل الإنسان في توافق مع الله؛ ليفكر وليعبد الله. بعض هذه المخلوقات تبيض مثل البطريق، وسائر الطيور، والزواحف والضفادع ومعظم الأسماك، والبعض الآخر يلد. أما أماكن وجودها، فإنك تجدها في كل مكان. إنها تقفز أوتزحف على الأرض، تجري أو تمشي، تجدها في الأدغال أو في الصحاري، في الرياض أو المناطق الجليدية. وهي تعوم وتتزحلق في البحار والمحيطات، في الأنهار أو في البرك. أو هي ترفرف وتطير أو تطن فوق الأرض. كما أنها قد تتلوي وتنزل تحت سطح الأرض. بالإجمال إنك تجدها في كل مكان؛ في أعإلى الجبال أو في داخل الشقوق الضيقة والكهوف المظلمة. وأهم أجناس المملكة الحيوانية ما يلي: 1- الثدييات: وهي الحيوانات التي ترضع صغارها، ولها كساء من الشعر أو الفرو على جسمها. 2- الطيور: وهي ما تبيض ولها ريش على جسمها. 3- الأسماك: وهي ما تعيش في المياه ولها خياشيم تتنفس بها، وعلى جسمها حراشف وزعانف. 4- الزواحف: وهي الحيوانات التي تزحف على بطنها، ولها قشرة سميكة تحمي جسمها عند الزحف علىه. وهي من ذوات الدم البارد. 5- المفصليات: مثل الكثير من الحشرات 6- البرمائيات: وهي تلك التي تلد في الماء وتتنفس من خياشيم، لكنها تقدر أيضا ان تعيش على الأرض بعد أن تنمو. ومع أن هناك نحو 800ألف نوع من الحشرات، ونحو 21 ألف نوع من الأسماك، لكن هناك فقط نحو 4 آلاف نوع من الثدييات، ورغم هذا فإنها الحيوانات الأكثر شيوعا بين الناس، والأكثر انتشارا في الكتاب المقدس. ولهذا سنبدأ موسوعتنا الكتابية بالحديث عن أهم أقسام المملكة الحيوانية وهي الحيوانات الثديية: وهي حيوانات من ذات الدم الحار؛ بمعني أنها تحتفظ بحرارة جسمها عند درجة حرارة ثابتة سواء كان الجو المحيط بها باردا جدا، أو حارا جدا. وسميت ثديية لأنها ترضع صغارها، فالأنثي عادة تعتني بصغارها وترضعهم اللبن الذي تفرزه. والكثير من الثدييات يأكل العشب، بعضها يأكل العشب القريب من سطح الأرض، والبعض يأكل الأوراق أوالأغصان الدنيا من الشجر، والبعض يتطاول إلى أوراق الشجر العلىا، وهكذا خلق الله أنواعا مختلفة ليتشارك الجميع في خليقة الله العظيمة ومائدته الغنية. والعاشبات (آكلات الأعشاب) تشكل بدورها غذاء للَّوَاحِم (آكلات اللحم) وبعض اللواحم قناصة سريعة العدو، وبعضها الآخر يرمرم، فيأكل الجيف والجثث الميتة في كل هذا تتجلي روعة حكمة الخالق. فماأروع الصورة التي نجدها في الخليقة. فالمطر الذي ينزل من السماء يجعل الأعشاب والأشجار تنمو، ثم تأتي العاشبات فتتغذي منها؛ البعض يتغذي من الأعشاب القريبة من سطح الأرض، والبعض من الأشجار العإلىة. الكل يشبع من خير الله الغني. بل حتى الزهرة الجميلة التي نمت فوق الجبال التي لا تراها عين إنسان لم تكن بلا فائدة، إلىها تصل النحلة وتمتص رحيقها اللذيذ! ثم تأتي اللواحم لتتغذي على هذه العاشبات! وأما الحيوانات التي تموت فهناك حيوانات وطيور متخصصة لأكل الجيف. مما يحمي البيئة من الآثار الخطيرة لوبقيت الجيف على ما هي علىه. وهذا كله يتم بتوازن عجيب دقيق، لولاه لاستحال استمرارالحياة! لك كل الحق يا داود أن تقول، ونقولها نحن أيضا معك «ما أعظم أعمالك يارب، كلها بحكمة صنعت، ملآنة الأرض من غناك» |
||||
22 - 08 - 2016, 05:43 PM | رقم المشاركة : ( 14145 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الخطيئة تُبكم، والفضيلة تُفصح اللسان
جاء في بداية القراءة الإنجيلية: “في ذلك الزمان دنا إلى يسوع إنسان وسجد له قائلاً يا معلم قد أتيتك بابني به روح أبكم”. نعلم أن آدم عندما رأى امرأته للمرّة الأولى قال كلاماً طيباً يصل حدَّ الشعر ويرقى إلى الأحاديث المشتهاة والمبتغاة ولم يقل في يوم من الأيام ما هو أركز وأمتن عبارة منه، هذا عندما كان آدم مملوءاً من النعم الإلهية ولم يكن قد انفصل عن حضرة الله كما يدلنا الكتاب ويوضح لنا حول العلاقة بين الله والأبوين الأوّلين ولكن عندما تداخلته الكبرياء وتمركز في فكره حول ذاته أي عندما حاول أن يصير هو إلهاً بدون الله، تغيّر حديثه واختلفت مشاعره وتبدّلت نحو الأسوأ حتى أنه لم يجد كلمة واحدة يبرر بها ذاته ويظهر تواضعه كما كان في السابق ينطق كشريك. أي توقف لسانه عن النطق بالخير والمحبة والبركة فصار بالتالي أبكم من هذه الناحية. نعم إن الولد كان مصاباً بشيطان الخرس. ولكن هل الخرس هو عدم النطق فقط أم أي باب من أبواب الكلام يُغلق يعتبر خرساً، مرّات كثيرة يقف الإنسان أمام وضع معيّن لا يستطيع أن يجيب أو يصف أو يحتج “صرت كإنسان لا كلام له ولا في فمه احتجاج” كما نقول في مزمور السحريّة عند ذلك نقول له ما لك (خرست). فالخطيئة التي تحدَّث عنها القديس يوحنا السلّمي الذي نعيّد له اليوم عقيمة ترى في مبادئها ذات معاني كثيرة ولكن عندما تتغلغل في الإنسان وتسود عليه لا يعود بإمكانه الحديث لأنها لا تجرّده فقط من العطايا والنعم الروحية بل تجرّده من ملكاته الفكريّة. هذا عكس الفضيلة والعيش مع الله، إذ الفضيلة تُغني فكر الإنسان، فَوَصَفَ الآباء الحياة الروحية ومحبة الفضيلة علم العلوم. لم يكن أنطونيوس متعلّماً مع هذا كان الناس يُسارعون ليسمعوا كلمات النعمة الخارجة من فمه ويطلبون منه كلمة منفعة. أما الخطيئة فقد تعطي في وقت من الأوقات كلاماً لحاملها ولكن إلى حين، قد تقوده في بداياتها لتأليف كتب ولكنها في النهاية تصل إلى حائط مسدود لأنها تُفقد صاحبها وتجرّده من كل ملكاته إذ أنها تجعله في عجز جسمي وفكري وروحي بينما الفضيلة تجعل الإنسان يتجدد كالنسر وكلما حلّق يتسع أفق ناظريه الروحيين والجسديين وتُرى الأشياء من قبله على حقيقتها وبالتالي لا يكتب كتاباً واحداً بل يُمكنه أن يكتب في الكتاب الواحد كتباً عديدة وعليها كتب أخرى “لأنها لو كُتبت واحدة فواحدة لما ظننت العالم يسع الصحف المكتوبة”. الجبناء لا يستطيعون الحديث أمام الأقوياء. الخطيئة ترمي الإنسان في مهاوي التخاذل والجبن والتردد. أما حامل الفضيلة فعندما يحين زمن الكلام النافع لا يعود يخشى شيئاً ولا لومة لائم بل يتحدّث بالأمور وبكلّ أريحيّته صادقاً واصفاً الحقيقة معه أو عليه. مصلحاً أو مباركاً لا يهم المهم أن يقال الحق في موقع الحق بلا مواربة ولا تردد. فإذا كانت الخطيئة تقود الإنسان إلى الموت، فهو أجرتها، وبالتالي إلى الصمت الأبدي فالفضيلة تؤدي إلى رحابة الحياة والحديث النافع. ويشعر الإنسان أنّه مطالب بالكلام “الويل لي إن لم أبشّر” كما ذكر لنا الرسول المصطفى بولس وهكذا فعل الآباء القديسون عبر العصور. لننظر أن الخطيئة تبدأ بالكلام والاحتجاج والثورة بلا معرفة ووعي حول الذات البشرية مستغلّة كل الاستغلال. أما الفضيلة فتبدأ بالصمت والتأمل والهروب للاختلاء بالله كما محبوب المؤمن الأوحد. ويبقى الإنسان في الصمت حتى يدبّر الله له الطريقة المناسبة ليتكلّم بها. فلا تعود البراري تخفيه ولا الأسوار تُبعد سَيْلَ الناس عنه، وهو يشعر بنار تزداد التهاباً في داخله كلما ازداد في المحبة والقربى من الله. الفضيلة تبدأ بالطاعة وتنتهي بالقيادة المباشرة أو غير المباشرة ولكنها قيادة المحبة واللطف واللين ويتمنى حاملها أن يذوب لأجل الناس كما يذوب الملح في الطعام. أو إذا احتاج الأمر أن يموت عن أحبائه فهذه كلها خبرات تحتاج لمن يعلّمها فيهب الله موهبة الكلام لحاملها كما وهب الرسل القديسين وجعلهم صيادي الناس وأكثر حكمة وإقناعاً من فلاسفة الأمم وربابنة اليهود. الفضيلة تغني من كل النواحي أما الخطيئة فتفقر الإنسان حتى لا يعود واثقاً لا من ذاته ولا من مجتمعه ويصل إلى حدّ كره ذاته والقرف منها فبماذا سيتكلم إذاً! سيصمت. أما صاحب الفضيلة الحر من الرذيلة وقواتها فيصبح غنياً في كل شيء. أيها الإخوة الأحباء نسأل الله أن يحررنا من سلطان الخطيئة وكل عبوديّة نفسيّة وفكريّة وجسديّة لكي نعي أن الله ألفنا وياؤنا وإذا أدركنا ذلك سيكون لنا لسان الحق الذي سيصف الأشياء بكتب لا أظن أن العالم سيسعها. فتحرروا في الصوم من الخوف والتردد لكي تتحدثوا بالروحيات والكمالات الإلهية فتكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات وهو لن يدع أي شيطان مهما كان أن يسيطر عليكم. ونعمة الله لتكن معكم جميعاً آمين. باسيليوس، مطران عكار وتوابعها |
||||
22 - 08 - 2016, 05:45 PM | رقم المشاركة : ( 14146 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ملامح الحياة الرّهبانيّة والأنطاكيّة بخاصّة إلى اليوم.
منشأ الحياة الرّهبانيّة. لا تطلب المسيحيّة أقلّ من الكمال الإنجيليّ. كونوا كاملين كما الآب السّماويّ هو كامل. هذا للجميع. لا نصف مسيحيّة ولا ربع مسيحيّة. تكون مسيحيًّا تَنشد المسيح بكلّ جوارحك أو لا تكون بالمرّة. ليس الضّعفُ البشريّ مشكلة بل حسنة، لأنّه يستدعي النّعمة الإلهيّة. قوّتي في الضّعف تُكمَل. ولا حتّى المشكلة أن نخطئ. جلّ من لا يخطئ. المشكلة أن يخطئ المرء عمدًا. الخطيئة الّتي نرتكبها قسرًا التّوبة عنها ميسَّرة نسبيًّا، فيما الخطيئة الّتي نرتكبها عمدًا التّوبة عنها موجعة وقصاص الكنيسة عليها صارم. مَن اعتاد الخطيئة عن عمد يموت حسُّه بالخطيئة، لذا توجعه الكنيسة حتّى لا يصاب عصبُه بالضّمور. معموديّة الكبار كانت شائعة في القديم إلى جانب معموديّة الأطفال. ليس السّبب الإيمان الشّخصيّ أو الدّرس أو الفهم. السّبب الأساسيّ هو الوعي أنّ مَن اعتمد لا يخطئ، مِن بعد، عمدًا، حتّى إنّ ثمّة مَن قال: الخطيئة، بعد المعموديّة، ليست للمغفرة!. آخرون قالوا: فقط على فراش الموت تُحلّ!. طبعًا، لم يكن هذا موقفَ الكنيسة، إذ التّوبة متاحة أبدًا – ربّك غفّار الذّنوب – لكن لتأكيد خطورة الخطيئة عن عمد!. من هذا المنطلق، المسيحيّة رهبانيّة الطّابع، بمعنى أنّها كلّيّةٌ في التماس حقّ الإنجيل. لم يكن هناك رهبان، في الكنيسة، في القرون الثّلاثة الأولى، كما نعرف الرّهبان. السّبب: أنّ كلّ مؤمن كان راهبًا، بهذا المعنى!. فلمّا أخذ التّهاون والاسترخاء يتسلّلان إلى الكنيسة، إثر سلام القدّيس قسطنطين الملك، بدءًا من العام 312 م، شرع أقوام يخرجون إلى البراري والقفار والجبال، كما عن الحالة المستجدَّة!. الدّافع كان الشّعور المتنامي بأنّ ثمّة فتورًا مريبًا، بدأت طلائعه تدبّ في أوصال بعض المؤمنين وتشيع، أخافهم!. هذا كان نذير خطر، ردُّ الفعل عليه كان التّشديد على التّمسّك بالأمانة ليسوع كاملةً، وتأكيد أنّ المسيحيّة كلّيّة الطّابع أو لا تكون. أيضًا، مَطالع حياة البرّيّة، أي الرّهبانيّة، كانت تتوخّى، في عمقها، حفظ حياة الشّهادة في الكنيسة الأولى، وهي، في الحقيقة، امتداد لها. بإزاء الشّهادة الحمراء، بخاصّة خلال حملات الاضطهاد العشر، الكبيرة، برزت الشّهادة البيضاء المعبَّر عنها بسيرة النّسك، التزامًا للقول السّيِّديّ: مملكتي ليست من هذا العالم، وللقول البولسيّ: ليست لنا ههنا مدينة باقية بل نطلب الآتية!. في خلفيّة هذه الرّؤية الوجدانيّة، نفهم قول القدّيس باسيليوس الكبير (+ 379 م)، أنّ الرّهبانيّة هي طريقة الحياة الوحيدة الموافقة لحياة المسيحيّ، والطّريقة الشّركويّة في الحياة هي الشّكل الأكمل للحياة الرّهبانيّة. طبعًا، هذا يحدونا لأن نميّز بين الرّهبانيّة كمضمون والرّهبانيّة كشكل. الرّهبانيّة، كمضمون، هي الحياة الإنجيليّة، كما يجدر بكلّ مؤمن أن يلتزمها، لذا قلنا إنّها للجميع. والرّهبانيّة، كشكل، كأسلوب من أشكال أو أساليب الحياة المسيحيّة، هي لمَن يلتزمون نظام الحياة الرّهبانيّة كما نعرف. بعض يتزوّج وبعض يبقى عازبًا. لا هذا هو الموضوع ولا ذاك. كِلا النّمطين يمكن أن يكون للخلاص ويمكن أن يكون للهلاك. ليست القيمة لأيّ منهما، القيمة هي لحياة البتوليّة. أجل للبتوليّة!. هذه للجميع بلا استثناء!. لا مسيحيّة بدون بتوليّة!. هذا، طبعًا، إذا فهمنا البتوليّة باعتبارها صيرورة الإنسان بيتًا لله، وفقًا للقول الإلهيّ: أنتم هيكل الله، أو بيت الله، وروح الله ساكن فيكم!. لفظة “بتول” أو “بتيل”، بالمناسبة، مصدرها عبارة “بيت إيل”، أي “بيت الله”!. القول نفسه يُقال في “العفّة”. كلّ إنسان عفيف أو لا يكون مسيحيًّا!. هذا، طبعًا، إذا فهمنا العفّة باعتبارها عفًّا عن المنكَر، أي عمّا لا يرضي الله، ما يتضمّن السّلوك بأمانة في الوصيّة الإلهيّة!. ليست العفّة موضوع جسد، كأنّ المتزوّج أقلّ عفّة والرّاهب، غير المتزوّج، أكثر عفّة، بل العفّة موضوع نقاوة القلب، أوّلًا، يُعبَّر عنها، فيما يُعبَّر عنها، بما للجسد. ما هو الزّنا؟ ليس هو تعاطي الجسد خارج حدود الشّريعة فقط!. بالأحرى، المدلول العميق للزّنى هو تعاطي الجسد على نحو مخالف لوصيّة المحبّة، بالمعنى الإنجيليّ الصّارم للكلمة!. الزّنا، أوّلًا، نيّة غير نقيّة في القلب، يعبِّر عنها الإنسان بالفكر، أو بالفكر والجسد معًا!. من هنا القول: مَن تطلّع إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه. وما يُقال في العلاقات الحميمة، يُقال في الأكل وسواه. ليس الأكل رذيلة ولا الصّوم فضيلة في ذاتهما، بل تدابير بشريّة مرتبطة بالحاجة والإرادة. الرّذيلة، في هذا السّياق، هي الشّراهة، والفضيلة، الّتي تخالفها، هي عفّة البطن، وهكذا دواليك. الرّهبانيّة الأنطاكيّة في أوائلها. ليس دقيقًا القول إنّ الرّهبانيّة انطلقت، أوّل ما انطلقت، من مصر، وأنّ القدّيس أنطونيوس الكبير هو أبو الرّهبنة؛ وثمّة مَن يقول بالقدّيس بولس البسيط أوّل راهب ناسك معروف. هذا، بعامّة، ما شُيِّع. لكنْ، لا وثائق تُثبت أسبقيّة الرّهبنة في مصر على الرّهبنة في أنطاكية. الرّهبنة الفلسطينيّة تأثّرت بالمصريّة، هذا أكثر وضوحًا. أمّا الأنطاكيّة فلها، في ما يبدو، سيرورتها الخاصّة. ما هي الأسماء الأولى الّتي أشير إليها في الأنطاكيّة؟ الزّمن هو في حدود منتصف القرن الرّابع الميلاديّ، أو ربّما قبل ذلك بقليل. المنطلق، في ما يبدو، هو بلاد ما بين النّهرين. فمن نواحي نصيبين، وفق ثيودوريتوس المؤرّخ، جاء يعقوب النّصيبيني، أوّل الرّهبان السّوريّين. ومن نواحي آمد والرّها أتى النّسّاك المشهورون أمثال إبراهيم قيضونايا ويوليان سابا، وكذلك أيونِس فادانا، الّذي أشار سوزومينوس المؤرّخ إلى أنّه أوّل مَن أدخل الحياة النسكيّة في ما بين السّوريّين. هذا، في تقدير سوزومينوس، يشبه أنطونيوس الكبير في بلاد مصر. ويَتّخذ اسمُه، بين العارفين، صيغًا شتّى: أيونِس أو آون أو أفجانيوس. ثيودوريتوس، من ناحيته، يذكر أنّه، في النّصف الأوّل من القرن الرّابع، كانت هناك أديرة منظّمة في جهات العاصي والأنطاكيّة وجهات الفرات. ثمّ، في النّصف الثّاني، من القرن ذاته، نمت مراكز إضافيّة في خالكيس والكيليكيّة وأفاميا والفينيقيّة وسواها. هذا وفق العلّامة فوبوس. البدايات، في ما يبدو، كانت فردانيّة نسكيّة؛ ثمّ هذه أولدت النّمط الشّركويّ، بالإضافة إليها. النّقلة من الحياة النّسكيّة الصّارمة إلى الحياة الشّركويّة عبرت، في تقدير العلّامة فوبوس، في البلاد السّوريّة، بمرحلة تُعرَف بـ”Hîrtâ”، والمقصود بروز قلالٍ انتظمت، كيفما اتّفق، حول قلّاية رأس الجماعة. وما إن انوجدت الجماعة، حتّى بات لازمًا توفير مكان اجتماع لها للصّلاة، وآخر بمثابة مخزن للطّعام. الشّركويّة الأنطاكيّة كانت لها، في ذلك الحين، خصوصيّتها. ففيما رهبان مصر وفلسطين كانوا يلتقون السّبت والأحد، وينصرف كلّ إلى محلّه خلال بقيّة أيّام الأسبوع، فإنّ الأنطاكيّين كانوا يجتمعون كلّ يوم للصّلاة. فجماعة يوليانا سابا الرّهبانيّة، الّتي عَدّت، أوّلًا، عشرًا ثم مائة، مطلعُ النّهار، قبل الفجر، لها، كان إنشادًا، ثمّ يذهبون اثنين اثنين يُمضيان النّهار سويّة في الصّلاة، واحد يقرأ أو يصلّي والآخر يركع، ثمّ يتناوبان. وعند المساء يعودون. ويُختم يومهم بخدمة صلاة مسائيّة. الشّركويّة انتشرت، بخاصّة، في القرنين الخامس والسّادس. إلّا أنّ التّمايز الفردانيّ بقي سائدًا. بعضهم أكّد العمل وبعضهم الفقر الكامل والاعتماد على الحسنات. الكلّ، كلّ الشركات، بعامّة، أقامت قريبة من القرى والأراضي الزّراعية. مزايا الرّهبانيّة الأنطاكيّة. منذ مطلع الرّهبانيّة الأنطاكيّة، امتازت بالفردانيّة والصّرامة الزّائدة. أوّل ظهور الرّهبان عُرفوا بـ”الرّعيان” لأنّهم كانوا يكتفون من الطّعام بالأعشاب. ينتشرون على قمم الجبال السّوريّة، يصلّون ويسبّحون. لا بيوت لهم. سيّاح. بتعبير القدّيس أفرام السّوريّ: كانوا يهجرون المدن والضّجيج ويفضّلون الجبال والقفار. يتجوّلون كأموات بين القبور، أو يعيشون في المغاور وثقوب الأرض. يلبسون أردية من شَعر. يُتكئون رؤوسهم على الحجارة. ألسنتهم كنائس لهم. كانوا كهنة لأنفسهم. يرعون كالوحوش في القفر. حيثما يصادفهم مغيب الشّمس يقضون ليلهم. وكثيرون منهم ماتوا في وقفة الصّلاة، أو مستندين إلى صخرة، أو ماشين في وسط الجبال. هذا في شأن المسمَّين رعيانًا. أمّا الأديرة، فيحكي القدّيس أفرام عن أديار فيما بين النّهرين. هو نفسه عاش، في دير منها، في الرّها، كراهب. وأخبر بلاذيوس أنّ وباء انتشر في الرّها، جعل أفرام يخرج من قلّايته، ويتقدّم من أغنياء الرّها آخذًا على عاتقه العناية بالمصابين سنة بأكملها. وقد رقد، بعد ذلك بشهر، في قلّايته، في حدود العام 378 م. القدّيس أبيفانيوس القبرصيّ، من ناحية أخرى، يذكر، فيما بين النّهرين، أديارًا تُعرف بـ”المانذرا”، أي “الحظائر”، ويقول عن الرّهبان، هناك، إنّهم يطلقون شعرهم طويلًا كالنّساء، ويرتدون أردية بسيطة. رهبان حرّان، وفق سيلفيا (إيثيريا)، يأتون من القفار ليلتقوا مرّتين في السّنة، الفصح وذكرى القدّيس إبراهيم الخليل، ثمّ يعودون أدراجهم ولا يبين لهم أثر. في أنطاكية، عينها، للذّهبيّ الفم كلامه في شأن الرّهبان. هو نفسه عاش أربع سنين في دير من أديرتها وسنتين حبيسًا. يتحدّث عن أنطاكية كمدينة كبيرة للفضيلة. جبال خضراء. للنّاظرين من بعيد، مصابيح تضيء من فوق. ميناء للهدوء. من كلّ جنس وطبقة. مساوون للملائكة. يطلب النّاس بركتهم ونصائحهم. ينتقل رئيسهم باكرًا جدًّا ليوقظ الرّاقدين. يقفون، في صلاة مشتركة، جوقًا واحدًا. على تسابيحهم تستيقظ الطّبيعة. ولمّا يطلع النّهار يمضون إلى أعمالهم بلا استثناء ليعيشوا ويحفظوا أنفسهم وإخوتهم. يعتنون بالغرباء والمرضى. الواحد يداوي جريحًا ويقود الآخر أعمى ويُسعف الثّالث كسيحًا. والرّئيس كان الأب. يقسم النّهار إلى أربعة أقسام من العمل، وعند نهاية كلّ قسم يدعو الرّهبان إلى صلاة مشتركة، متقدِّمًا هو في التّرتيل!. كثيرون لا ينامون تحت سقف ونورهم ضوء القمر. موائدهم حافلة بالآكلين من الفقراء والمعطَّلين. يلبسون الأسوَد من وبر الجمال أو شعر الماعز أو من الجلد. كلّهم بغير نعل. ما بينهم اتّفاق كامل ومساواة. يتعاملون باللّطف. عبيد لذات العبوديّة وأحرار لذات الحرّيّة. لم تكن توجد أنظمة وقوانين مكتوبة للحياة الرّهبانيّة، في ذلك الزّمان، بل عادات وأمثلة. المقوِّمات روح تقشّف صارم، لا عند الحبساء فقط، بل عند ذوي الحياة المشتركة أيضًا. أنظمة النّسك عند المتوحّدين كانت من ابتكارهم الخاصّ. أسماء وأديرة معروفة وأنماط خاصّة. عندك في النّسك السّوريّ الصّامتون والهادئون والّذين لا سقف لهم. ثيودوريتوس القورشيّ أورد اسم أكبسيماس الّذي حجر على نفسه ستّين سنة لا يراه أحد ولا يتكلّم مع أحد. قضاها في النّظر الدّاخليّ إلى ذاته. يعقوب الكبير كان في العراء تمامًا صيف شتاء. نساء، أيضًا، عشن في العراء، كمرانا وكيرا الحلبيّتين. من البلاد السّوريّة خرج النّسك العموديّ، لا سيّما مع سمعان العموديّ الكبير وسمعان العجيب. وكذلك رهبنة الّذين لا ينامون، في الفرات، وبعد ذلك في القسطنطينيّة. اسم ألكسندروس ومركلّوس برز هنا. والعموديّون استمرّوا حتّى القرن الثّالث عشر. الرّهبان والنّساك، ومن ثمّ الأديرة والقلالي، ملأوا البلاد. نسبة المتوحّدين لا نعرفها تمامًا، لكنّها تزيد على واحد بالمئة من السّكّان. ثمّ جاء الفتح العربيّ، في القرن السّابع. استمرّ وهج الرّهبانيّة في زمن الخلفاء الرّاشدين والأمويّين. في الزّمن العبّاسيّ، أخذ الوهج يضعف تدريجًا. الأديرة النّسائيّة أخذت تنطفئ، لكنّ بعضها بقي محميًّا من الأديرة الرّجليّة. من العموديّين الكبار المعروفين في زمن هرون الرّشيد القدّيس تيمثاوس الكاخشتي (القرن الثّامن الميلاديّ). في سيرة البطريرك الأنطاكيّ خريستوفورس الشّهيد (+ 967 م)، زمن سيف الدّولة الحمدانيّ، ما يشير إلى ازدهار رهبانيّ في النّواحي الأنطاكيّة. وثمّة أسماء برزت كجرجي الكبير رئيس دير مار سمعان العموديّ الحلبيّ الجبليّ، وخريطن الثّاني رئيس دير مار سمعان العجائبيّ البحريّ في جبل اللّكام العجيب، والأنبا يعيش الحبيس، والأنبا أفرام رجل الله، والأنبا إرميا رئيس دير والدة الإله المعروف بدير الجراجمة، والأنبا غريغوريوس الكبير رئيس دير والدة الإله في دفنونا. في تلك المرحلة بالذّات، في حدود القرن العاشر/الحادي عشر، كان للجيورجيّين في جبال أنطاكية سبعة وأربعون ديرًا. أبو الفرج الأصفهاني، الّذي عاش حوالي القرن العاشر الميلاديّ، وضع مؤلَّفـًا في الدّيارات النّصرانيّة. من أديرة الرّوم الّتي ذكر دير الرّصافة، على اسم حنينا، المعتبر من عجائب الدّنيا، حسنًا وعمارة. ودير سمعان الّذي بالقرب من غوطة دمشق، أو ربّما في جبل قاسيون، عند مدخل الشّام، حيث ربّما دُفن الخليفة الأمويّ عمر بن عبد العزيز الّذي مات مسمومًا. وهناك دير مرّان بظاهر دمشق. وغيره الكثير. طبعًا، هناك أديرة كان لها دور في نشر الرّهبانيّة في نواحينا كدير القدّيسة كاترينا في سيناء، الّذي كانت له عندنا أراض وقلال كما في كفتون الكورانيّة، إضافة إلى دير القدّيس سابا في فلسطين. هذا كان العديدون يذهبون ليترهّبوا فيه على مدى الأيّام. دير سيّدة صيدنايا عريق جدًّا، وحتّى القرن الثّامن عشر، كان فيه جناح للنّساء بالإضافة إلى دير الرّجال. زمن المماليك كان قاسيًا وزمن العثمانيّين كان صعبًا!. ديرنا: دير مار يوحنـّا دوما والجوار. الوادي الّذي بقربنا في أعالي البترون كان عامرًا بالأديرة والمناسك والكنائس، في ما يبدو. الإشارات، إلى اليوم، واضحة. ديرنا عينه كانت تسري فيه الحياة الرّهبانيّة، بعد، في القرن الثّاني عشر. من السّادس عشر لدينا أسماء. وكذلك من الثّامن عشر إلى اليوم. الشّركة الرّهبانيّة الحاليّة انطلقت العام 1990. أخذنا، بعامّة، عن الرّهبانيّة المعروفة بيننا الّتي كانت فيها عناصر محلّيّة وآثوسيّة ورومانيّة. تأثّرنا، بخاصّة، بأحد قدّيسي هذا العصر، الأرشمندريت الرّوسيّ الأصل صفروني سخاروف الّذي نسك في الجبل المقدّس، ثمّ عبر بفرنسا، ووصل إلى لندن حيث أسّس شركة رهبانيّة جمعت فريقًا من الرّجال والنّساء حوله في ناحية Essex، على بعد ساعتين من لندن. نحن جئنا من رعيّة. تربّينا على يد أحد وجوه الرّهبنة الأنطاكيّة الحديثة، الأرشمندريت إلياس مرقص. ثمّ إثر تعرّفنا بالأب صفروني، أسّسنا، ببركة راعي الأبرشيّة الرّاهن، المتروبوليت جاورجيوس خضر، وصلاة القدّيسين، ونعمة الله، شركة رهبانيّة بديرين لا يبعدان أحدهما عن الآخر كثيرًا: دير القدّيس يوحنا المعمدان ودير القدّيس سلوان الآثوسيّ. الأوّل للأخوات والثّاني للإخوة. نحن عائلة روحيّة تسمّينا بـ”عائلة الثّالوث القدّوس”. نشأ الجيل الأوّل منّا معًا في الرّعيّة أوّلًا ومنها أتينا إلى هنا. نحن مجموعة واحدة بشقّين نتعاون وفق نظام حياة لا خلطة فيه بل شراكة. منحانا تقليديّ. نوازن الصّلاة بالعمل. لا نخدم مؤسّسة، لا مدرسة ولا ميتم ولا مأوى. اهتمامنا الحياة الدّاخليّة. نتعاطى صلاة يسوع: أيّها الرّبّ يسوع المسيح، يا ابن الله، ارحمنا، أو ارحمني أنا الخاطئ. نسعى إلى تعاطيها في كلّ وقت، في أثناء الخدمة الكنسيّة وخلال العمل. نستقبل الضّيوف. نهتمّ بالفقراء. نعمل بأيدينا. نكتب. نؤلّف. لنا موقع إلكترونيّ ذو طابع رهبانيّ دراسيّ ورعائيّ في آن. كثيرون يأتون إلينا أو يراسلوننا طلبًا للفائدة الرّوحيّة والاعتراف والاسترشاد. لا نغادر الدّير إلّا لقضاء بعض أشغال الدّير. للدّير استقلاله الدّاخليّ كما هو العرف في كنيستنا. نطيع راعي أبرشيّة جبل لبنان. ونسلك بحسب الشّرع الكنسيّ المرعيّ الإجراء. الباقي تفاصيل تخصّنا، لا نميل، بعامّة، إلى إعلانها، لأنّها لا تنفع الفضوليّين. هذه رحلة سريعة في الرّهبانيّة الأنطاكيّة الرّوحيّة، الّتي جذورها في التّاريخ والوجدان، التماسَ حياة القداسة بنعمة الثّالوث القدّوس. أعاننا الله وإيّاكم على إتمام مقاصده والشّهادة له في هذه الدّيار. الأرشمندريت توما (بيطار)، رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي، دوما – لبنان |
||||
22 - 08 - 2016, 05:47 PM | رقم المشاركة : ( 14147 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الحياة الأبديّة!.
موضوع الحياة الأبديّة مثار تسآل كبير! ما معنى الحياة الأبديّة؟ ما معنى أن تكون لنا الحياة الأبديّة؟ لِمَ الحياة الأبديّة أعظم العطيّة؟ ألأنّ الموت يقطع حبل الحياة على الأرض، تكتسب الحياة الأبديّة قيمة؟ هل الأبديّة مسألة زمن؟ إذا ما كان الموت توقُّفًا عن الحياة، والموت يأتي، بالأكثر، بعد معاناة، فأيّة قيمة نلقى في امتداد فسحة العمر، أي، عمليًّا، في استمرار المعاناة؟! لِمَن يكابد آلامًا مبرِّحة، جسديّة أو نفسيّة، يبدو الموت رحمة! في خبرة القوم، يشتهون الحياة إذا ما كانت لها حلاوات؛ أمّا إذا كانت مغمّسة بالمرارة، فإنّهم يشتهون الموت! فإذا ما كانت الحياة الأبديّة قضيّة وقت، فليست لها، في ذاتها، قيمة، أبدًا، إذًا!. لذا، لا بدّ للحياة الأبديّة المشتهاة، من أن يكون لها معنى آخر! أتراها تجمع ما بين الزّمن الّذي لا يتوقّف، وحالة فردوسيّة ما؟ ما طبيعة مثل هذه الحالة الفردوسيّة؟ أحالة غبطة هي؟ ما معنى ذلك؟ لو حكيتُ مسرى البَشَرة ما كنتُ لأُطيق ولا حالة من حالات المسرّة، ههنا، أن تدوم إلى الأبد! أنّى تكن الحالة بهجة فإنّها لا تلبث، بعد حين، أن تصبح مملّة أو ثقيلة أو تافهة! حال الخطيئة تفرض التّبدّل، ولا أعرف، هنا، حالة إلاّها! مباهج العمر تطيب نكهتها، لا في ذاتها، بل بعد أن تكون النّفس قد خبرت الضّيق وكابدت المعاناة وذاقت المرّ! ضياء الجَلَد يختبره الإنسان بهيًّا، بعد أن يكون قد قاسى ثقل الغيوم الملبّدة المكفهرّة! إذًا، ليس لشيء هنا، على الأرض، قيمة بالمطلق! كلّ ما تحت الشّمس باطل!. عمّا تُرى الحياة الأبديّة تتمخّض، والحال هذه؟ لِمَ نلتمسُها! لِمَ نسعى إليها! ما هي الحياة الأبديّة؟. الحياة الأبديّة حياة من نوع جديد بالكامل، قياسًا بالحياة البشريّة. ليست المسيحيّة، في عمقها، ديانة جديدة! المسيحيّة حياة جديدة! كلّ ديانات الأرض إله أو آلهة، من ناحية، وأقوام، من ناحية أخرى! بين هذا القطب وذاك مسافة لا تُردَم، ولو كانت هناك علاقة أو علاقات تتوسَّم خدمة الإنسان، أو حِفْظَه وحمايتَه، أو إصلاحَه وتحسينَ أحواله أو تهذيبَه وضبطَه. العلاقة، إذًا، عن بُعد! يُعرف الإله، أو الآلهة، بما يبدر منه (أو منها). لذا يبقى الإله، في ذاته، مجهولاً، غريبًا؛ يخاطِب الإنسان من غير فلك، من حيث لا طاقة لهذا الأخير للوصول إليه. وقد لا يكون الغريبُ سوى بدعة ابتدعتها بنات أهواء النّاس! هذه هي الأوثان! ما دام هناك إمكان كشف يتكشَّف للإنسان، فثمّة تفسير لهذا الأخير، بإزاء هذا الكشف، لا محالة! إذًا، لا ما يمنع البتّة، والحال هذه، أن يتعاطى الآدميّون الاختلاق، أن يكون فهمهُم، لما ينتمي إلى الفائقات، أدنى إلى الوهم والإيهام منه إلى الواقع الحقّ! يمسي الإله، أو الآلهة، على صورة مَن يقتنعون به، أو بها! وتمسي حتّى الفراديس تجسيمات أشواق ورغبات يحتاج إليها الإنسان، كيانيًّا، لكي لا يضنيه القلق، فيقع ضحيّة اليأس، ولكي يستمرّ في الحياة! ما الصّحيح وما الخطأ؟ كيف نميِّز؟ ما دام الإنسان هو المتلقِّي فلا معيار ثابتًا لما هو حقّ لديه، منه هو، ولا حجّة أكيدة!. المسيحيّة، في هذا السّياق، وفي إطار المقاربة الدّينيّة، بعامّة، لا انبثقت من دين، ولا هي دين، بالمعنى الموضَح، أعلاه، للدّين! لم تأتِ المسيحيّة من المسيح، أي من الإله المتجسِّد، بل هي إيّاه! نحن، في المسيحيّة، لا نتعاطى نظمًا وشرائع من نوع ما! نحن نتعاطى المسيح عينه! طبعًا، عندنا وصيّة، ولكن لا مسافة، في تعاطينا لها، بين المسيح وبينها! بكلام آخر، نتعاطى المسيح في الوصيّة، ولا نتعاطاها كما لتبلِّغنا إلى المسيح، كأنّها، وجوديًّا، في مكان، والمسيح في مكان آخر! قد اعتمدنا بالماء والرّوح! هكذا بدأنا ونبدأ! نزولنا في جرن المعموديّة بَثّ فينا روحَ الله وأَتحدَنا بالمسيح! أنتم الّذين بالمسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم! بالمعموديّة دخلنا في سرّ الله؛ وُلدنا لحياة جديدة! والحياة الجديدة هي إيّاه المسيح! هو الحياة والمحيي في آن معًا! أنا هو الحياة؛ قال! وبذاته أحيانا! خذوا، كلوا، هذا هو جسدي؛ قال! الجسد، في العبريّة، هو الشّخص عينه! لذا، لا فرق بين أن تقول: أعطانا جسده، أو أعطانا روحه، أو أعطانا حياته، أو أعطانا ذاته!. قلتُ: بالمعموديّة دخلنا في سرّ الله! ليس السّرّ ما هو مخفيّ بإزاء ما هو ظاهر! السّرّ، من جهة، هو ما يفوق إدراك البشر؛ ومن جهة أخرى، هو الله، غير المنظور، والفائق الإدراك، متجلِّيًا في المنظورات والمدرَكات! جسدُه يُمَدّ خبزًا، ودمُه خمرًا وماءً! إلى ذلك الماءُ مركبةُ روحٍ، وكذا الزّيت! كلّما صلّينا وعلامَ صلّينا نمدّ حضور المسيح غير المحسوس في المحسوسات! نجدنا على أرض الأسراريّات! لذا نصلّي لندخل في عِشرة الله، ونجعل الكلّ هيكلاً لله، إلاّ الخطيئة، لأنّ الخطيئة نقضٌ لله، ولا مستقَرَّ لبَرَكة الله فيها!. على هذا، كانت المسيحيّةُ المسيحَ فينا، معنا، وفيما بيننا! وكانت، بكلام آخر، حياتَه فينا! هكذا نعرف المسيح، أي هكذا نحبّه، لأنّ معرفتَه محبّتُه! هذه، بالذّات، هي الحياة الأبديّة، أن يعرفوك أنت الإله الحقيقيّ وحدك وابنك يسوع المسيح!. الحياة الأبديّة، إذًا، هي حياة الله! حيٌّ هو الله، وهذه حياتُه! فإذا ما أُعطينا الحياة الأبديّة، يكون الله قد أعطانا حياته! أي بتنا شركاء فيها! كالشّمعة تضيء ولا تنقص! لهذا، بالضّبط، الحياة، موضوع الكلام، أبديّة، لأنّها حياة الله لا لأنّها تدوم، زمنيًّا، إلى ما لا حدّ له! حياة الله لا تخضع لزمن! هذه حياة من نوع آخر جديد علينا بالكامل! وحده الله أزليّ أبديّ! والأبديّ غير مخلوق! ما نُعطاه، إذًا، غير مخلوق! حياته غير مخلوقة! هذا يضعنا أمام واقع فذّ: حياة الله غير المخلوق تصير حياتنا، نحن، مخلوقات الله! غير المخلوق يقيم في المخلوق! أنا المخلوق أصير واحدًا والله غير المخلوق! الوحدة هنا تكون بلا اختلاط ولا تشويش! الحياة الأبديّة لا تبتلع حياتي في طبيعتي البشريّة، ولا تُحدث تعديلاً في جوهرها، أنّى يكن، ومع ذلك تقيم فيها، تتّحد بها، في كامل بشرتها؛ تصير لها، في داخلها، في عمقها، خاصّيّة جديدة، كَمِنْها! أبقى أنا مَن أنا والله مَن هو! ولا أقول هنا رغم ذلك نتّحد، بل في عمق هذه الحقيقة الكيانيّة نتّحد! كيف؟ بالمحبّة! بالله! بروح الله! هو المبادِر! نحبّه لأنّه هو أحبّنا أوّلاً! ونحبّه بالمحبّة الّتي هو أحبّنا بها أوّلاً! يسكبها فينا فنتّحد فيها به! به نأتي إليه! نقيم فيه بذاته الّتي استقرّت فينا! هكذا نصير وإيّاه واحدًا!. الحياة الأبديّة، على هذا، فيضُ اللهِ فينا محبَّةً! إلى الحياة الأبديّة توقُ البشريّة، منذ البدء، لأنّ الإنسان قلب! لذا ما كانت إنسانيّة الإنسان لتتحقّق إلاّ بالحبّ! جوهر الحياة الأبديّة المحبّة، والمحبّة، لدينا، هي الله فينا، لذا بالمحبّة نقتني قوى الله المشبعة بالمحبّة برمّتها! متى قلنا: “الله”، قصدنا جوهر الله و/أو شخص/أقنوم الله (آبًا و/أو ابنًا و/أو روحًا قدسًا)، و/أو قوى الله! إذًا، في المحبّة نقتني قوى الله، أي الله، ويكون شخص الله حاضرًا، مقيمًا فينا، بالمحبّة، متّحدًا بنا، متمايزًا عنّا، في آن معًا! هذا يجعلنا نتألّه، نصير آلهة، بقوى الله! نصير من الله، من معدن نور الله، أو من الله كنور، آلهةً بالنّعمة، بكلام آخر، ما يحقّق فينا قولة الله: أنا قلتم إنّكم آلهة وأبناء العليّ تُدعَون!. على هذا، تصير لنا، بعطيّة الله، طبيعة بشريّة متألِّهة بالنّعمة الإلهيّة! لهذا، تمامًا، كان تجسّدُ ابن الله! لم يصر الله إنسانًا لمجرّد أنّه أراد أن يخلِّصنا من خطايانا! هذا كان قادرًا أن يحقِّقه دون أن يتجسّد! هذا فَعَله، أي تجسَّد، ليوحِّد، في جسده، بالحبّ، الإله والإنسان! وإذ مدّ هذا الحدث الكونيّ الكيانيّ، بالرّوح القدس، لبني البشر، أَوجَد ذرّيّة بشريّة متألّهة، أو، عمليًّا، بشريّة إلهيّة، صار هو لها بمثابة آدم جديد! هذا مآل الخلاص، وإلاّ لا قيمة لخلاص، أو يبقى الخلاص ناقصًا، مشروعًا ناقصًا!. في الحياة الأبديّة المُسبَغة على الإنسان، إذًا، بات غيرُ المخلوق يعمل في المخلوق. لا زلنا خاضعين للزّمن، ونبقى، لأنّ الزّمن خاصّيّة المخلوق؛ لذا يعمل غير المخلوق فينا زمنيًّا، ما يجعلنا ننمو في النّعمة والقامة إلى الأبد! تجري من بطنه، أبديًّا، أنهار ماء حيّ! للإنسان، والحال هذه، أبديّتان، واحدة إلهيّة يُعطي فيها الله نفسَه للإنسان، على قدر طاقة هذا الأخير على الاستيعاب؛ وأخرى بشريّة ينمو فيها الإنسان، في محبّة الله، إلى ما لا حدّ له؛ ما يجعله يسير من مجد إلى مجد أسنى، ومن بهاء إلى بهاء أشدّ، ومن ذهول إلى ذهول أكبر، ومن تسبيح إلى تسبيح أنقى، ومن شكران إلى شكران أرقى، ومن سلام إلى سلام أعمق، ومن فرح إلى فرح أعظم!. هذه هي الحياة الأبديّة؛ هذا هو ملكوت السّموات؛ هذه هي السّكنى في الله؛ هذه هي سكنى الله فينا؛ هذا هو قلب الله مشرَّعًا لبني البشر؛ هذه هي سيادة المحبّة!. هذا ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولا خطر على بال إنسان، ما أعدّه الله للّذين يحبّونه! تبارك الله!. الأرشمندريت توما (بيطار)، رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي، دوما – لبنان |
||||
22 - 08 - 2016, 05:48 PM | رقم المشاركة : ( 14148 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سراج الكنيسة هو الأسقف
(رقد أسقف قيصرية الكبادوك سنة ،370 وكان من الضروري انتخاب خلف له، وكان غريغوريوس ووالده يعتبران باسيليوس خير خلف له، فكتب غريغوريوس باسم والده الرسالة التالية إلى كنيسة قيصرية): ” ما أنا إلا راعٍ حقير لرعية قليلة، إني أصغر خدام الروح القدس بيد أن النعمة لا تعرف الضيق والمحدودية، من الضروري أن يسمح للصغار بالكلام في قضايا عامة وهامة جداً وخصوصاً إذا كان موجه النصائح شيخاً له وعيه القليل ما ليس للكثيرين. إنكم عازمون على البت في قضايا ليست بثانوية أو عادية بل قضايا قد يكون لحلها الصالح أو السيء مردوده المقابل للرعية، الغاية هي الكنيسة التي مات المسيح من أجلها ومن سيقودها ويقدمها الله. ” سراج الجسد هو العين” المقصود هنا هي العين الروحية التي ترى وتُرى لا العين الجسدية فقط، سراج الكنيسة هو الأسقف، طبيعي أن يتجه الجسد اتجاهاً حسناً إذا كانت العين صافية وأن يسلك سلوكاً سيئاً إذا كانت عكرة، فالأسقف كرئيس يعرضنا للخطر بالضرورة إذا كان مسلكه مشيناً ويقودنا إلى الخلاص إذا كانت عينه نقية، لذلك يجب أن نهتم بكم اهتماماً خاصاً لأن كنيستكم كانت أماً لكل الكنائس في المنطقة ولا تزال تعتبر محوراً يرجع إليه في كل الأمور ولم تكتسب ذلك لأنها بشرت الجميع بالتعليم الأرثوذكسي بل لأن الله وهبها نعمة التضامن والوئام. دعوتموني لأبحث القضية معكم، اعملوا بصدق ووفقاً للقوانين، إني منهوك القوى بسبب الشيخوخة والمرض، إذا قدر لي واستعدت قوتي بنعمة الروح القدس أتيتكم ولا شيء غير مستطاع للمؤمن، أما إذا غلبني المرض وأقعدني ومنعني عن المجيء إليكم فإني لمساهم معكم بما يمكنني الإسهام وأنا بعيد، إني واثق أن الرجال الجديرين بالإدارة موجودون وهذا ناتج عن حسن التوجيه في الرعية منذ القديم، لكني أفضل على كل هؤلاء الرجال الأكفاء المحترمين جداً باسيليوس ولدي الحبيب إلى الرب. شاهد الرب على كلامي: إنه إنسان ذو حياة نقية وتعليم نقي، إنه الوحيد بين الجميع الذي يستطيع أن يقاوم اتجاهين، صعوبات الساعة الحاضرة وهوس الخطابة عند الهراطقة. اكتب هذا إلى الكهنة والرهبان وأصحاب المركز والحكام وإلى كل الشعب، فإذا نزلتم عند رأيي وعملتم بترشيحي، وترشيحي صادق وصحيح مادمت قد فكرت به مع الله، فإني سأكون معكم روحياً أو بالأحرى أن يدي ستكون في العمل معكم ولي ملء الثقة بفعل الروح القدس، أما إذا كان لكم رأي مخالف لرأيي وكانت القرابات والعصبيات القبلية هي التي تقرر كل شيء وكان الضغط الشعبي يحاول أن يعكر الهدوء فافعلوا ما يروقكم فلن أتدخل “. (وكانت قضية انتخاب باسيليوس قضية صعبة، عندما يكون المرشحون على مستوى شخصية باسيليوس تتعقد الأمور وتتضارب المصالح ويتحسب المغرضون ويخاف الضعفاء على مستقبلهم، الضعفاء الذين لا يسلكون إلا في إدارة ضعيفة ولا يرفعون رؤوسهم إلا عندما تلوح بادرة الشر، لم تكف رسائل غريغوريوس لانتخاب باسيليوس فاضطر والده بالرغم من شيخوخته ومرضه أن يسافر إلى قيصرية ليدلي بصوته ويحقق الفوز لباسيليوس ويعود ميتاً محمولاً في نعش)، يروي غريغوريوس هذا الحادث المؤثر في تأبينه لوالده: “كان الأساقفة بحاجة إلى صوت واحد لتكون السيامة قانونية، وقد نهض والدي من سريره بالرغم من شيخوخته ومرضه وسافر إلى قيصرية، بالحقيقة حملوا جسده الذي كان يلفظ أنفاسه، كان واثقاً أنه إذا أصيب بمكروه فإن موته سيكون من أشرف الميتات. حدث ما يثير العجب وهذا ليس بمستغرب: قوّاه العمل، والغيرة جدّدته، فكان يوجّه ويدير حتى وضع المنتخب على كرسي الأسقفية، ثم عاد محمولاً في نعش بل في فُلك مقدس”. المطران الياس (معوض) |
||||
22 - 08 - 2016, 05:49 PM | رقم المشاركة : ( 14149 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هيكل الله
قولة الرسول: “نحن عاملون مع الله”، ولكن الله هو المبادر في كل شيء صالح فيكم. أنتم تتقبلون نعمته، وهذه هي المشاركة. الرب لا يجبر على شيء. تتقبل انت الموهبة وتُثمرها. لذلك أوضح بولس بعد هذا: انتم حرْثُ الله (وهذا تشبيهٌ زراعيّ) وبناءُالله (وهذا تشبيهٌ بالعمارة). يرى كاتب الرسالة أنه على أساس الله بنّاء حكيم. ثم يتوجّه الى كل مؤمن ليلفته الى مشاركة الله في البناء. ويُذكّره أن ليس من أساس إلا يسوع المسيح. اذًا لا نبني على دِينٍ آخر فلا نمزج عقيدتنا بعقيدة اخرى. اذًا نسير على استقامة الرأي، وسيكون عملُنا بيّنًا في اليوم الأخير. كل سلوك لنا سيظهر في يوم الرب عند الدينونة، وهذا الفحص الذي يفحصنا الله به سمّاه بولسُ النار لأن النار تُفرّق المعادن عن الذهب. فإذا بقي عملك بالفحص ستنال أُجرةً، ولكن بالفحص يمكن أن تخسر. وحتى يفهم أهل كورنثوس أنهم مضطرّون على فحص أنفسهم قال لهم: “انتم هيكلُ الله”، فالله لا يسكن في ما بعدُ هيكل اورشليم. جسد المسيح هو الهيكل وانتم جسد المسيح. الكنيسة هي انتم. وتصيرون هيكل الله بسُكنى الروح القدس فيكم، وهذا تأخذونه بالميرون الذي هو مسحة الروح على أن تحافظوا على هذه المسحة ولا تمحوها. تستمرّ المسحة ويُقال لكم مسحاء. انت مختوم كالرسالة المختومة التي لا يقرأها إلا من أُرسلت اليه. مختوم اي انك خاصّ المسيح ولست تخصّ زعيما او أُسقفا. انت من أهل الذين يحبّون المسيح. حذار عليك أن تُفسد هيكل الله ببيعه لغير المسيح، بتدمير أجزاء منه لأنه يصير خرابا ويتركه الروح القدس. هناك من يعيش بلا روح قدس. أخشى ان يتركك الروح وكأنك جثة هامدة. وانت تفسد الهيكل اذا اقتبلت أية فكرة لا يرضى عنها المسيح وخضعت لفكر هذه الدنيا. كذلك تُفسد الهيكل اذا ارتكبت الخطيئة عمدا وتركت الشيطان يسوس فكره في قلبك. لمّا قال الرسول “انتم هيكلُ الله”، لم يقل هياكل الله لأننا جميعا واحد بالمسيح يسوع. المحبة تجعلنا هيكلا واحدا له. فإذا خضعت لبغضٍ واحد تخرج من انتمائك لهذا الهيكل. الكنيسة واحدة لأنها آتية من المسيح، ولكن وحدتها لا تُحفظ الا بلُحمة أبنائها. اتحادٌ مع المسيح واتحادٌ مع الإخوة. وإن لم تحافظوا على هذا فيعني أنكم تعيشون في الكيد وفي الكبرياء والاستعلاء. واذا حافظتم على الوحدة في كل ظرف فاعلموا أن هذا آتٍ من المسيح وأنه هو حافظُكم في محبته لكم لكي لا تموتوا كل يوم بالخطيئة. لقد قام المسيح من بين الأموات لكي لا يبقى أحدكم ميتا روحيا اليوم أو غدا. جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان) |
||||
22 - 08 - 2016, 05:53 PM | رقم المشاركة : ( 14150 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الإنسان المتواضع قد قطع نفسه عن الكبرياء، ومن يمدح نفسه باطلاً قد نبذ نفسه عن التواضع سفر نشيد الأنشاد
1:2 أنا زهرة الحقل، سوسنة الأودية.
إذا ما مُزِج أي عنصر غريب مع الذهب فيجعله زائفًا، يقدم الخبراء من الصيَّاغ علاجًا للموقف بتنقية الذهب في النار. إنهم يكررون هذا مرارًا وتكرارًا وفي كل إعادة يلاحظون كيف يتحسن لون الذهب. هذه العملية أي تنقية الذهب تجعله يصبح غير زائف في منظره. إن سبب ذكر هذا الأمر هنا سوف يتضح لك إذا ما فكرنا في النص. في البدء كانت الطبيعة البشرية مثل الذهب اللامع وذلك لتَشابُهه بالصلاح الذي بلا دنس. لكن لونه قد تغير وصار أسودًا عندما امتزج بالرذيلة كما سمعنا العروس تقول ذلك في بداية السفر: إن إهمالها في حراسة كرمها قد جعلها سوداء (1: 5). الله الذي يصنع كل الأشياء بحكمته يهتم بما حل بالعروس من قباحٍ منظر غير لائق. إنه ينسب لها جمالاً جديدًا لم يكن قبلاً لها، لكنه يقودها ثانيًا لحالة النعمة الأولى بإزالة السواد الذي حل بها خلال الخطية مغيرًا لونها إلى آخر بلا دنس. بعد صب الذهب الأول يلاحظ الخبراء من الصيّاغ كم يزداد الذهب جمالاً بعد عملية تنقيته. وعند سبك الذهب للمرة الثانية، إذ لم يتنقَّ بما فيه الكفاية بالمقارنة بالصبة الأولى فإنه يلاحظ أن الذهب يزداد جمالاً، غالبًا ما تتكرر العملية ذاتها مع ملاحظة التحسن الذي يحدث في كل مرَّة بدقة. لذلك فإن المرافق للذهب المشوب أي العروس يُضفي على الروح بريقًا إذ ينقيه خلال عمليات تنقية خاصة. في العظة السابقة (الثالثة) يشهد بأن جمال عروسه يشبه الفرس. لكنه الآن يقول إنها صارت تشبه العذراء في جمالها: “ها أنت جميلة يا حبيبتي، ها أنت جميلة، عيناك حمامتان” [ع15]. إن النشيد يعلمنا خلال هذه الكلمات كيف أن العروس قد استعادت جمالها باقترابها من الجمال الحقيقي الذي كانت قد انفصلت عنه قبلاً. لأن العريس يقول: “ها أنت جميلة يا حبيبتي”، أي أنه يود أن يقول لها: إنك قبلاً لم تكوني جميلة. إذ قد ضللت عن الجمال الأول باِتحادك بالرذيلة مما جعلك قبيحة المنظر. هذا يعني أن الإرادة الحرة إذا ما أخذت اتجاهًا ما فإنها إنما تميل إليه. فإذا ما استحوذ الغضب على الإرادة الحرة يصير الإنسان سريع الغضب، وإذا ما غُلب بالشهوة تأسره اللذة. وإذا ما مال الإنسان إلى الجبن، الخوف، أو أي وجع آخر فإن الطبيعة البشرية تأخذ شكل كل منها على الجانب الآخر. فإذا ما استبدلت الطبيعة البشرية الغضب وفقدان العزاء والجسارة وعدم المخافة وما شابه ذلك واكتسبت بدلاً منها الصبر والطهارة والسلام والحرية ففي هذه الحالة تبرز طبيعة كل من هذه الفضائل في صميم الروح وتصير ساكنة ومتحررة من الشهوات. لذلك فإن الفضيلة والرذيلة إنما هما مضادتان ولا يمكن أن يجتمعا معًا في الإنسان ذاته في آن واحد. لأن الذي قد رفض ضبط النفس يتحول إلى الفسق في سلوكه. إن من يعتبر حياة النجاسة كشيء بغيض فإن لهذا السبب ذاته قد يتحول عن الشر، ويحيا فيما بعد حياة صالحة وعفيفة. هكذا الحال مع كل الفضائل الأخرى. إن الإنسان المتواضع قد قطع نفسه عن الكبرياء، ومن يمدح نفسه باطلاً قد نبذ نفسه عن التواضع. وهل نحتاج أن نشير إلى أن غياب أحد الضالين يدل ضمنًا على أن الآخر قد ثَبتّ وجوده؟ بما أننا خلال إرادتنا الحرة نستطيع أن نصير كما يحلو لنا. وهكذا يحق للكلمة أن يقول للعروس التي قد صارت جميلة: “ها قد نبذتِ الشركة مع الشر ودنوتِ مني. وخلال دنوكِ من الجمال الأصلي قد صرتِ أنت ذاتك جميلة. قد صرتِ جميلة المنظر كشبه الجمال الأول كما في مرآة.” حقًا أن الطبيعة البشرية كمثل مرآه تنطبع عليها صور مختلفة بحسب الشكل الذي تتخذه النفس خلال إرادتها الحرة. إذا ما عُرض الذهب أمام المرآة فإن المرآة يظهر عليها شكل الذهب وتعكس لمعان مادة الذهب. وإذا ما عرض أي شيء كريه فسوف تظهر صورته الكريهة على المرآة كمثال ضفدع، سلحفاة، أم أربعة وأربعين، أو أي شيء كريه للنظر. إذن فإن المرآة تعكس ما يعرض أمامهما. وهكذا الروح أيضًا، عندما تتنقى من الرذيلة خلال الكلمة حينئذ يستقبل داخليًا مدار الشمس ويسطع بأشعتها المنعكسة. لذلك فإن الكلمة يقول للعروس: قد صرِت جميلة باقترابك من نوري، بدنوِّك مني، إذ قد اِتحدْتِ بجمالي، “ها أنت جميلة يا حبيبتي” (1: 15). ثم يصمت العريس، وإذ يرى جمال عروسه قد ازداد، يكرر كلماته: “ها أنت جميلة”. وقد أسماها “يا حبيبتي”، والآن وقد لاحظ جمال عينيها يقول: “عيناكِ حمامتان” عندما قورنت العروس بالفرس حينئذ مُدحِ خدَّاها وعنقها (1: 10). أما الآن وقد ظهر جمالها الذاتي امتدح جمال عينيها. يقول العريس إن عينيها حمامتان وهذا يحمل المعنى الآتي: عندما تكون العينان صافيتين حينئذ تعكس صورة من ينظر إليها بوضوح. يقول خبراء الظواهر الطبيعية إن العين ترى من خلال استقبال انعكاس الصور المنبثقة من الأشياء المرئية. لذلك فإن جمال العروس يُمتدَح لأن صورة الحمامة منطبعة في عينيها. عندما يتطلع إنسان ما إلى أي شيءٍ، يستقبل في ذاته صورة هذا الشيء. إن الإنسان الذي قد تخلى عن الحياة الملموسة، أي اللحم والدم يتطلع إلى الحياة الروحية. كما يقول، فيسلك في الروح، وبالروح يميت أعمال الجسد. هذا الإنسان قد صار كليًا في الروح، فلم يعد الإنسان إلى الطبيعة الجسدانية. لهذا توصف النفس التي تخلصت من أهواء الجسد أن صورة الحمامة تظهر في عينيها، وهذا يعني أن خاتم الحياة الروحية يشع نورًا من داخلها. تصبح العين النقية. النفس التي حصلت على صورة الحمامة قادرة على رؤية الجاذبية الروحية للعريس. تنظر العروس إلى عريسها، عندما تكون صورة الحمامة في عينيها، فترى جماله الروحي. كذلك لا يستطيع أحد أن يقول: يسوع رب إلا بالروح القدس. وتقول العروس: “ها أنتَ جميل يا حبيبي” [ع16]، وبما أنه لا يظهر لي شيء جميل الآن لأني قد اِبتعدت عن كل شيء كنت أظن سابقًا أنه صالح، أما الآن فإن حكمي على الخير والجمال صار حكمًا بعيدًا عن الخطأ. وإنني لا أرى الجمال وأي شيء آخر إلا فيك، فلا التصفيق أو العظمة أو القوّة في هذه الدنيا تعادل ما أراه فيك من جمال. لأن الذين يكتفون بالحواس، قد يروا الدنيويات جميلة ولكنها ليست كذلك في حقيقتها. كيف أي شيء جميل إذا كانت تنقصه المادة؟ تظهر الأشياء في هذه الدنيا كأن لها قيمة في عقول من يفكرون في ذلك فقط. ولكنك جميلة حقًا بل أنت أصل الجمال ومادته، فأنت ثابتة على الدوام، فتزهرين باستمرار وليس في موسم واحد ثم تسقط أزهارك. ففي خلال حياتك الأبدية يظل جمالك ثابتًا. اسمك هو “الحب لجميع البشر”. أنت هو نبع يهوذا، ويصبح الشعب إخوة لمن يأتون إليك من الأمم. لذلك فأنت مستحق أن تُعرف باسم المحبوب من كل الذين يرغبون أن يكونوا لك إخوة لله الذي حل في الجسد. تصف العروس العريس بأن ظله على الفراش: “سريرنا أخضر” [ع16]. أي أن الطبيعة البشرية تدرك أو سوف تدرك أنك تظللها برعايتك. “لقد أتيت” قالت العروس، “أنت الجميل الذي يظلل فراشنا”. لأنه إن لم “يخيم ظلك علينا على هيئة خادم” (فيقول 2: 7)، عندما تكشف لنا عن أشعة بهائك الإلهي، فمن يستطيع أن يتطلع إلى عظمتك البهية؟ “وقال لا تقدر أن ترى وجهي. لأن الإنسان لا يراني ويعيش” (خر 33: 20). لقد أتيت إلينا الآن كشخص رائع ويمكننا استقباله. أتيت إلينا متجسد كإنسان لتخفي عن عيوننا أشعة ألوهيتك. كيف اِمتزجت الطبيعة التي تدوم إلى الأبد بالطبيعة التي تموت؟ إن ظل جسده عمل كوسيط يمنحنا النور نحن الذين كنا نعيش في الظلمة: تستعمل العروس كلمة فراش (سرير) لكي تُفسر بحاسة تصويرية اِتحاد الطبيعة البشرية مع الله. بنفس الطريقة يضمنا الرسول بولس العظيم كأبكار مع المسيح ويعمل هو كمرافق للعروس. ويقول إن اندماج شخصين في وحدة كجسد واحد هو سر عظيم كاِتحاد المسيح مع الكنيسة. حيث يقول: “يصير الإثنان جسدًا واحدًا” ثم يضيف: “هذا السر عظيم ولكنني أنا أقول هذا من نحو المسيح والكنيسة ” (أف 5: 31-32). تسمى العروس البكر هذا الاِتحاد مع الله “فراش” لأنه سرّ. ولم يكن من الممكن أن يحدث هذا، لولا أن الله ظهر لنا مختفيًا في جسد إنسان. وهو لم يكن فقط العريس، ولكنه أيضًا البيت ومادة البناء. إنه يضع يقفا لهذا البيت ويزيِّن هذا العمل بمواد ثابتة لا تفسد مثل خشب الأرز والسرو الذي يقاوم عمليات التحلل. ولا يضعف بمرور الزمن ولا يهاجمه الحشرات ولا ينال منه الفساد. وتُستخدم لأعمدة الأرز الطويلة للسقف بينما يستخدم السرو في أعمال التغليف الذي يُزيِّن الجزء الداخلي من البيت. ويقول النشيد: “جوائز بيتنا أرز وروافدنا سرو” [ع17]. إن المعاني الخفية وراء هذه الأخشاب تتضح لمن يتبعون ما جاء في النص. يدعو الله حدوث التجارب المختلفة في الإنجيل بكلمة “مطر” ويقول عن الرجل بنى بيته على صخر: “نزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح ووقعن على ذلك البيت فلم يسقط لأنه كان مؤسسًا على الصخر” (مت 7: 5). يجب أن تكون لدينا دعامة من أعمدة الأرز حتى نقاوم الشر الذي ينزل كالمطر. فهي تمثل الفضائل التي لا تسمح بأن تشملنا الإغراءات، فهي قوية وثابتة ولا تلين للإغراءات الشيطانية. ويمكننا الاستفادة من الدرس هنا إذا ما قارناه بما يقابله في سفر الجامعة. حيث يقول المتكلم في الجامعة: “بالكسل الكثير يهبط السقف ويتدلى اليدين يكف البيت” (جا 10: 18). فإذا كانت الأخشاب التي تدعم السقف رفيعة وضعيفة، وكان صاحب المنزل مهمِلاً ولا يرعى المبنى، فإن السقف سوف لا يمنع المطر من التسرب إلى داخل المنزل. ويؤدي إلى اِنحناء أخشاب السقف التي لا تتحمل وزن مياه المطر الساقطة عليه، ثم ينكسر أعمدة الخشب الضعيفة التي لا تتحمل الوزن الإضافي وتنفذ المياه المتجمعة على السقف المنحني إلى داخل المنزل. وهكذا فإن المطر، يُخرج الرجل من منزله عندما يزداد تدفقه، كما جاء في سفر الأمثال (أم 27: 15). لذلك تشجعنا الرموز الموجودة في المثل (جا 10: 18) أن نكون حازمين ضد هجمات الانفعالات حتى لا ننحني تحت ثقلها، فتدخل المياه إلى قلوبنا وتفسد كل الكنوز المخزونة هناك. يرمز أرز لبنان الذي زرعه الله، حيث تبني فيه العصافير أعشاشها ويكون مأوى للطيور الكبيرة، إلى الفضائل. إن الأرز دعامة لمنزل العرس ولحجرة العروس حيث تعيش فيها النفوس التي تشبه العصافير، التي تنجوا من شراك الصيادين وتبني أعشاشها، وتجد فيها الطيور الكبيرة ملجأ لها، كما يقول الكتاب (مز 123: 7). يقول المهتمين بدراسة عادات الطيور أن طائر أبو قردان عنده كراهية للاجتماع الجنسي ولا يمارسه إلا عند الحاجة ويكون مصحوبًا بعلامات حزن وصرخات. ويظهر لى أن النص يشير إلى النقاوة خلال هذا المثال. تنظر العروس في نشيد الأناشيد إلى أعمدة الأرز في حجرة العرس الطاهرة وترى خشب السدو المزيَّن الذي يزيد المنظر جمالاً وأناقة. ويذكر النص أن تغليف السقف كان من خشب السدو. وتعني كلمة التغليف، تثبيت قطع الخشب بإحكام في شكل هندسي لتجميل سقف الحجرة. ماذا نتعلمه من هذا؟ لخشب السدو رائحة جميلة وله مناعة ضد التحليل وهو مفيد في إنتاج الكثير من أعمال الخشب الفنية لأنه خفيف وسهل التشكيل ويصلح لأعمال “الأويمة”. نتعلم من هذا الدرس أنه يجب أن نغرس الفضيلة في نفوسنا من الداخل على أن لا نهمل أن يكون منظرنا الخارجي حسنًا فيلزم أن نعتني بما هو شريف أمام الله والناس (2 كو 5: 11). حتى يروا الناس أعمالكم الصالحة ويمجدوا الله. وهكذا نشجع الناس ونكسب سمعة طيبة من اللّين في الخارج (1 تي 2: 7). لكي ننير بالأعمال الطيبة أمام الناس ونسلك سلوكًا طيبًا أمام من في الخارج، هذا هو “التغليف” الذي ينتج من رائحة المسيح الذكية والذي يرمز إليه خشب السرو. الذي شُكل بمهارة بواسطة حياة صادقة ومضبوطة. عرف المهندس الماهر بولس كيف يعبر عن الأمور في انسجام بديع “وليكن كل شيء بلياقة وحسب ترتيب” (1 كو 14: 40). ينمو الجمال بداخلنا إذا طبقنا ما شرحناه الآن بدقة، وسينتج من طول وعرض طبيعتنا شجرة مزهرة نقية ذات عبير ذكي. وتسمى زهور هذه الشجرة النرجس الذي يشير جماله إلى ضياء النقاء والطهر. وتشرح العروس هذا عندما تقول لوصيفاتها: “بعد مجيء العريس إلى فراشنا” – خلال تجسده – الذي شيَّدني كبيت لنفسه وعمل لي سقفًا من أرز الفضائل وزيّن السقف بالرائحة الذكية للسرو. لقد أصبحت زهرة وسط الطبيعة تختلف لونًا ورائحة عن بقية الزهور. لأنني نشأت نرجسة في الوديان. وكما جاء في النص “أنا نرجس شارون سوسنة الأودية” [ع1] رأينا فيما سبق أن النفس زُرعت في عرض الطبيعة البشرية. (عندما نسمع كلمة “حقل” نفهم أنه عرض الطبيعة البشرية لأن لها القدرة على استيعاب مجموعة كبيرة جدًا من الأفكار والكلمات والتعاليم). لذلك فالنفس التي يزرعها راعي طبيعتنا تزدهر كرائحة طيبة، وتشرق كزهرة نقية في حقل طبيعتنا. وهذا الحقل حتى لو سميناه وادي بالمقارنة بالحياة في السماء، هو في الحقيقة حقل، والنفس التي تنمو فيه لا يمنعها أحد من أن تكون زهرة. ويرتفع النبات الأخضر إلى أعلى في هذا الوادي الواسع إلى مثل اِرتفاع نبات النرجس. وتعلو أغصان النبات النرجس الخضراء إلى مثل ارتفاع نبات الغاب ثم تبرز الزهرة على القمة. فتوجد مسافة ليست قصيرة بين الزهور والأرض. والسبب في ذلك حسب رأيي، أن جمالها يظل نقيًا طالما هي مرتفعة إلى أعلى وليست ملوثة بملامسة الأرض. لذلك تنظر عين العريس العادلة على العروس التي أصبحت نرجسة أو ترغب في أن تكون نرجسة. (كلا التفسيرين صحيح: إما أن العروس تفتخر بأنها أصبحت فعلاً كما ترغب، أو تسأل الزارع أن تكون زهرة تنمو من خلال حكمته في وديان وجود البشر إلى جمال النرجس). وترى عين العريس الصادقة العروس في حالتيّ وصولها أو عدم وصولها إلى ما ترغبه. ويوافق على أن يجعلها نرجسة لا تختنق بأشواك الحياة التي يسميها “البنات”. إني أعتقد أن هذا ينطبق على قوى الشر المضادة للحياة البشرية، ويُعرف أبوهم بأنه مخترع الشر. “كالسوسنة بين الشوك كذلك حبيبتي بين البنات” [ع2]. إننا نرى تقدمًا عظيمًا في ارتفاع النفس، كانت الخطوة الأولى في الارتفاع هي مقارنة العروس بالخيل التي حطمت قوى المصريين. وكانت الخطوة الثانية عندما أصبحت العروس رفيقًا للعريس ومقارنة عيونها بالحمامة. وتتكون الخطوة الثالثة في تسمية العروس ليس كرفيق ولكن “بأخت” الرب. “كل من يعمل مشيئة أبي الذي في السموات، هو أخي وأختي وأمي” (مت 12: 50). فعندما تصبح النفس زهرة لا تجرحها التجارب الشائكة خلال تطورها إلى نرجسة، وتنسى الناس وبيت أبيها وتنظر إلى أبيها الحقيقي. لذلك تسمى أخت الابن لأنها حصلت على هذه العلاقة بواسطة روح التبني وابتعدت عن ملازمة بنات الآب الكاذب. وهكذا تصبح أكثر سموًا وتنظر إلى السر من خلال عيون الحمامة. وأعني بذلك أنها تعمل ذلك بواسطة روح النبوة. إنها ترى الآتي: “كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين” [ع3]. فإذا رأت العروس؟ يطلق الكتاب المقدس كلمة “غابة” على الناحية المادية من الحياة البشرية الممتلئة بكثير من الانفعالات. وهنا تعيش الحيوانات المخربة في داخل شقوقها. أنهم عاجزون في وضح النهار وتكمن قوتهم في الظلمة. وتخرج الحيوانات من مخابئها بعد غروب الشمس ومجيء الليل كما يقول النبي (مز 104: 20). لذلك فالحيوان الوحيد الذي يتغذى في الغابة الكثيفة قد دمر جمال الطبيعة البشرية. وكما يقول النبي: “يفسدها الخنزير من الوعر ويرعاها وحش البرية” (مز 79: 13). من أجل هذا نمت شجرة التفاح وسط الأشجار الكثيفة، ولأنها مصنوعة من الخشب فإن لها مادة تشبه الطبيعة البشرية وجربت بكل وسيلة حين كانت بلا خطية. (عب 4: 15). وتختلف شجرة التفاح عن غيرها من الأشجار لأنها تحمل فاكهة تعطي عذوبة للنفس وهذا يجعلها تختلف عن غيرها من الأشجار كاِختلاف النرجس عن الأشواك. يبهج النرجس حاستيّ النظر والشم، وعلى جانب الآخر تُفرِّح شجرة التفاح ثلاث حواس وهي: جميلة يُنظر إليها، ولها رائحة ذكية، وفاكهتها ذات طعم حلو. ترى العروس فرقًا بينها وبين سيدها لأنه بكونه نور، فهو مسرَّة لعيوننا، ورائحة ذكية لأنوفنا، وحياة لمن يأكله. يقول الكتاب: “هذا هو الخبز الذي نزل من السماء. ليس كما أكل آباؤكم المنّ وماتوا. من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد” (يو 6: 58)، تصير الطبيعة البشرية كاملة وتتحول إلى زهرة من خلال الفضيلة، إنها لا تزوِّد الراعي بالغذاء لكنها توفر زينة لنفسها. فهو ليس بحاجة إلى صلاحنا، ولكننا نحتاج إلى صلاحه. كما يقول النبي: “قلت للرب أنت سيدي. خيري لا شيء غيْرك” (مز 15: 2). لذلك تنظر النفس النقية إلى عريسها وهو على هيئة شجرة التفاح بين أشجار الغابة. وهي تبحث لكي تُطعم على نفسها؟ جميع أغصان الأشجار البرية بالغابة، وتُعدهم لكي يزهر والإنتاج ثمارًا مماثلة. لقد فهمنا أن البنات (الأشواك) هم أطفال الأب الكاذب، وأنهم نموا مع الزهرة واِرتقوا إلى جمال النرجس. هكذا عندما نسمع أننا نقارن الأشخاص بأشجار الغابة، فإننا نفهم أنهم لا يرمزون إلى أصدقاء العريس بل إلى أعدائه. جميعكم أبناء ظلمة وأبناء غضب ( 1تس 5:5). ولكن الله يغيِّرهم إلى أبناء النور والنهار من خلال الشركة مع الثمرة، لذلك تقول النفس التي تدربت حواسها: “وثمرته حلوة لحلقي” [ع3]. إن الثمر ما هو إلا تعاليم الله، كما يقول النبي: “كلماته حلوة لحلقي أكثر من الشهد لفمي” (مز 118: 103). “كالتفاح بين شجر الوعر…” [ع3]. تزداد حواس النفس حلاوة حسب كلمة العريس عندما تظللنا شجرة التفاح وتحمينا من لهيب الإغراء، وتمنع تأثير أشعة الشمس الحارقة على رءوسنا العارية. ولكن لا يمكن للنفس أن تنتعش في ظل شجرة الحياة إلاّ إذا كان عندها اشتياق ورغبة كبيرة، لذلك توجد الرغبة بداخلك لكي تخلق شعور جارف نحو شجرة التفاح، التي يتعاظم الاِستمتاع بها لمن يقتربون منها. فتنتعش العين برؤية جمال التفاح، وتستنشق الأنف رائحتها الذكية، ويتغذى منها الجسم، ويتمتع الفم بمذاقها الحلو، وتبتعد عنا حرارة الجو ويصبح ظلها مثل مقعد مريح لتجلس عليه النفس، بعد أن ترفض كرسي المرض الخطير (الخطية). ثم تقول العروس “ادخلي إلى بيت الخمر وعَلَمُه فوقي محبة. اِسند بأقراص الزبيب. انعشوني بالتفاح فإني مريضة حبا” [ع4]. آه كيف تشبَّه النفس بالحصان الذي يجري على الطريق المقدس. كيف تقفز وتجري في قفزات متجهة إلى ما يقع أمامها ولا ترجع إلى الخلف. وبالرغم من ذلك فهي لا زالت عطشانة. لقد أصبح عطشها شديدًا لدرجة أنها لم ترتوِ بكأس الحكمة. فلم يكف الكأس كله ليطفئ ظمأها. إنها تبحث لكي تذهب إلى بيت الخمر نفسه لتضع فمها على البرامي التي تخرج منها فقاقيع الخمر والكرمة التي غذَّت العناقيد، وأخيرًا لترى راعي الكرمة الحقيقية الذي اِهتم بالعناقيد وجعلها حلوة. ولا يلزم هنا أن نشرح بالتفصيل جميع هذه العناصر فالمعنى الرمزي لكل منها واضح. ترغب العروس أن تعرف السر الخاص بملابس العريس التي صار لونها أحمر نتيجة للمشي في معصرة العنب. ويقول النبي عن هذا السر: “ما بال لباسك مُحمَرّ وثيابك كدائس المعصرة” (إش 63: 2)؟ من أجل هذا وأسرار أخرى شبيهة به ترغب العروس أن تكون داخل البيت الذي يحوي سر الخمر. وبعدما دخلته، ابتدأت في القفز إلى أعلى لكي تصل إلى ما هو أعظم لأنها. كانت تبحث لكي تقع في الحب. وتبعا للقديس يوحنا، الله محبة (1 يو 4: 8). إن خضوع النفس لله هو الخلاص، كما يشير داود (مز 61: 2). “أدخلني إلى بيت الخمر وعَلَمُه فوقي محبة” [ع4]. تقول العروس ضع حبه فوقي إني خاضعة لحبه فكلا الجملتين لهما نفس المعنى. نتعلم هنا من العروس نظرية معرفة وهي حبنا الذي نقدمه لله ومعاملتنا للناس. يجب أن نعمل كل شيء بنظام خصوصًا ما يتعلق بالحب. فلو اِتبع قايين الترتيب الصحيح، أي لو أبقى ما احتاجه لنفسه ثم وهب الباقي لله (تك 4: 7). كان يجب على قايين أن يقدم المولود الأول من قطيعه، ولكنه أبقى لنفسه الأحسن وقدم الباقي لله. إنه من المهم أن نعرف ما هو ترتيب الحب، والوصايا هي التي تقودنا، لذلك كيف يحب الشخص الله ثم الجار والزوجة والعدو لئلا يضيع الترتيب في ممارسة الحب ويتغير اتجاهه إلى عكس ما أريد له. يلزم أن تحب الله من كل القلب والروح والقوة والشعور والجار كنفسك (تث 6: 5). وإذا كان لنا نفوسًا نقية فيجب أن نُحب زوجاتنا كما أحب المسيح الكنيسة. وعلى جانب الآخر، إذا كنا خاضعين للانفعال، فيجب أن نحب زوجاتنا كما نحب أجسادنا كما يحثنا الرسول بولس المرجع في هذه الأمور (أف 5: 25). يجب أن لا نجازي أعداءنا شرًا بشر ولكن نجازي الظلم بالعمل الطيب. والآن نلاحظ أن الكثير من الناس تختلط عليهم الأمور ويمارسون الحب بلا ترتيب، فحبهم غير متزن وينقصه الاتجاه الصحيح. فيحبون المال والشهرة والنساء – بعض الأحيان بانفعال – بكل أرواحهم وقوتهم. ويظهرون أنهم قد يضحون بحياتهم مسرورين من أجلها. ولكنهم يحبون الله فقط على سبيل التظاهر. وقليلاً ما يظهرون حبًا لجارهم الذي كان يجب أن يظهروه للأعداء، أو لمن يكرهونهم، واِتجاههم هو أن يردوا شرًا أعظم مما وجه إليهم. لذلك تقول العروس: “أعطي أمرا للحب بداخلي، حتى أقدم لله ما يحق له، وحتى لا أفقد المقياس الصحيح لكل شيء آخر”. ويمكن أن نفهم النص أيضًا كالآتي: بالرغم من أني قد قُدم لي الحب أولاً، فإني جابهت عدوى نتيجة لعصياني، ولكني الآن تصالحت مع العريس وارتبطت معه بالحب. اثبتوا في داخلية هذه النعمة المرتبة، والتى لا تتغير يا رفاق العريس، خلال رعايتكم واِهتمامكم احفظوا بحزم ميولي نحو الأفضل. وبعدما قالت العروس هذه الكلمات اِنتقلت إلى أمور أكثر سموًا، وهي أنها تبحث في أن تدعمها الروائح الذكية حتى تحفظ بما عندها من صفات جيدة. “اسندوني بالروائح الذكية” [ع5]. يا لهذا السند الفائق! كيف تكون الروائح الطيبة أعمدة لدعم المنزل؟ كيف يُرفع السقف المكوّن من مواد ذات أوزان ثقيلة على الروائح الذكية؟ غرسَ الله الفضائل فينا بأنواعها المختلفة، ولكن ليس واضحا أن كلا منها سُمي حسب عملها. لأن عمل الفضيلة ليس فقط معرفة الخير والمساهمة في فعله، ولكن أيضًا التمسك به وعدم الحياد عنه. لذلك فالشخص الذي يرغب أن تدعمه الروائح الذكية يهدف إلى مثابرة في الفضيلة. الروائح الذكية هي الفضيلة لأنها منفصلة عن كل روائح الخطية الكريهة. إن الجزء التالي في النص أيضًا لهو فائق، وهو بالتحديد الدعم الذي ترغبه العروس لبيتها. إنها لا تطلب شجيرات تحمل أشواكًا أو قشًا أو دريسًا، أو كما يقول الرسول ليس خشبًا أو دريسًا أو قشًا (1 كو 3: 12)، وهي المواد التي تبنى بها المنازل. إنها طلبت بدلاً من ذلك تفاحًا لكي يكون دعامة قوية لسقف هذا البيت. وهي تقول: “أنعشوني بالتفاح” [ع5]، وذلك لكي تكون هذه الفاكهة الكل في الكل لها (أنظر 1 كو 3: 12). الجمال، الرائحة الذكية، والمذاق السكري، الشبع، والتمتع بظلها، كرسي للراحة، عامود صلب وسقف للوقايه. إن الجمال بُفلارح (كلمة غير مفهومة بالنص العربي) الناظرين والرائحة الذكية متعة لحاسة الشم والتغذية لازمة للجسم وتشبع حاسة التذوق، والظل يُنعش بعد حرارة الشمس، والكرسي يُريح من التعب، وسقف المنزل حماية للسكان، والعامود يعطي دعامة وثباتًا، وشجرة التفاح الجميلة تزيِّن السقف. إنه لمنظر بديع حقًا عندما تُعرض ثمار التفاح بعد نضجها فألوانها الحمراء والبيضاء تعطي العين منظرًا جميلاً متعدد الألوان تتدرج فيه من الأحمر الداكن إلى الفاِتح ثم الوردي والأبيض. ويصبح هذا المنظر رائعًا لو رفعنا هذا العرض إلى أعلى. إنه ليس مستحيلاً أن ننجز ذلك في عمل الخير الروحي، لأن مثل هذا النوع من الثمار ليس ثقيل الوزن فلا ينجذب ناحية الأرض، لأن مثل هذا العمل يميل طبيعيًا إلى أعلى. فالفضيلة تنمو إلى أعلى وتنظر لما هو فوق. لذلك، ترغب العروس أن يُزيّن سقف منزلها بجمال ثمرات التفاح. ماذا يتضح لنا من النص هنا؟ طبعًا ليس فقط المنظر الجميل للتفاح على السقف. ما هو الطريق إلى الفضيلة الذي يوجد في هذه الكلمات إن لم نقتبسه من التفسير المناسب لها؟ ما هو اقتراحي إذن؟ إن الواحد الذي ظهر في غابة طبيعتنا البشرية بسبب حبه للبشر، أصبح تفاحة باشتراكه معنا في الجسد (اللحم والدم). وكل من هذه (اللحم والدم) يقابله أحد ألوان التفاح. فاللون الأبيض يمثل لون اللحم أما اللون الأحمر فيمثل الدم. لذلك، عندما تفرح النفس في الأمور السمائية فإنها ترغب أن ترى تفاحًا على السقف، وهكذا ترى ما هو فوق وتركز على التفاح، فيقودها هذا إلى الطريق السمائي للحياة حسب تعاليم الإنجيل. الذي جاء من الأعالي والذي هو فوق الجميع. أرانا الطريق من خلال ظهوره في الجسد، فقد كان لنا مثالاً عاليًا لكل فضيلة وصلاح. وكما قال السيد المسيح: “تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب” (مت 11: 29). وقد تكلم الرسول في نفس الموضوع عندما تحدث عن الاِتضاع، ودعوني أقرأ النص لأوضح الحقيقة العامة: يقول بولس ينظرون إلى أعلى “فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح أيضًا. الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب فله أن يكون معاملاً لله. لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد” (في 2: 5). لقد شاركنا حياتنا بالجسد والدم وبإرادته أخذ هذا. تقول العروس، “اِنعشوني بالتفاح”، حتى أبقى باستمرار ناظرة إلى أعلى، فأرى على الدوام صور الفضيلة واضحة في عريسي. ففيه أرى الوداعة، الخلوّ من الغضب، التصالح مع الأعداء، حب الذين يسببون له الضيقات مقابلة الشر بالخير كما أرى القوة والنقاء والصبر وليس به أي أثر للمجد الباطل أو الخداع. وبعد ما قالت ذلك، مدحت العروس رامي الرمح على تصويبه الدقيق، لأنه رماها بسهمه. فقالت العروس: “إني مجروحة حبًا” [ع5]. تعني هذه الكلمات أن سهام العريس قد نفدت إلى داخل قلبها. إن مُصوّب هذه السهام هو الحب (1 يو 4: 8)، الذي يرسل “سهمه المختار” (إش 49: 2)، الابن الوحيد، إلى هؤلاء الذين يخلصون، ثم يغمس سن السهم الثلاثي في روح الحياة. وسن السهم هو الإيمان، وبواسطته يقدم الله مُصوِّب السهم، وكذلك السهم معًا إلى القلب، كما يقول السيد المسيح: “إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلاً” (يو 14: 23). لذلك فالنفس التي ارتفعت إلى درجات إلهية عليا ترى بداخلها سهم الحب العذب الذي جرحها، وتفتخر بهذا الجرح قائلة: “إني مجروحة بالحب”. أيها الجرح الجميل، والسهم العذب، الذي أدخل الحياة إلى قلبي! فلقد فتح نفاذ السهم بابًا ومدخلاً للحب، وهي التحول الخيالي من رمي السهام إلى فرح العرس. كلنا يعرف كيف يقبض رامي السهام على القوس وتعمل يداه المضبوطة، فتمسك اليد اليسرى بالقوس، بينما تجذب اليد اليمنى الوتر المرن، وهكذا يتحرك السهم إلى الخلف بطرفه المشقوق. ثم توجِّه اليد اليسرى السهم إلى الهدف. ذكرنا سابقًا أن العروس كانت الهدف، والآن ترى نفسها كأنها السهم في يديّ صاحب القوس. فيمسك بيده اليمنى بطريقةٍ ما، وبطريقة أخرى بيده اليسرى… الله هو العريس ومصوِّب السهم، وهو يعامل النفس النقية كالعروس، يصوِّبه سهمه نحو هدف طيب. لذلك فهو يسمح لعروسه أن تشارك أبديته التي بلا فساد، وينعم عليها بسنين وحياة طويلة بيده اليمنى. ويعطيها بيده اليسرى هبة حياته الأبدية، وعظمة الله التي لا يشاركه فيها من يبحثون عن العظمة في العالم. من أجل ذلك تقول العروس: “شماله تحت رأسي” [ع6]. لأن هذه هي الطريقة التي يُصوَّب بها السهم إلى هدفه. “ويمينه تعانقني“. وكأن العروس تقول إن يمين الله تستقبلني وتسحبني إلى الخلف، لكي تريح رحلتي إلى أعلى حيث يوجهني دون أن أنفصل عن يد حامل القوس. وفي نفس الوقت سوف أُحمل بعيدًا بعمله في التصويب وإني أشعر براحة بين يدي حامل القوس: تقول الأمثال عن صفات هذه الأيادي: “في يمينها طول أيام، وفي يسارها الغنى والمجد” (أم 3: 16). تخاطب العروس بنات أورشليم السمائية. تعبر بواسطة تشجيعهن على هيئة قسم بأن الحب قد يتضاعف ويزيد باستمرار حتى يتمم إرادة ذاك الذي يريد أن الكل يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون (1 تي 2: 4). ويقول النص: “أحلفكن يا بنات أورشليم بالظباء وبأيائل الحقول ألاّ تُيْقِظن ولا تُنبِّهن الحبيب حتى يشاء” [ع7]. فالقسم هو ما ينطق مع ضمان صدقه. ويعمل بطريقتين: فإمَّا إنه يؤكد الحقيقة لمن يسمهونه، أو يُلزم الشخص الذي أقسَم بأن لا يكذب. وكما تقول المزامير: “أقسَم الرب لداود بالحق لا يرجع عنه. من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك” (مز 132: 11). في هذه الحالة ويتأكد صدق الوعد بالقَسم. عندما كان إبراهيم متهمًا بأن ابنه يجب أن يتزوج من عائلة نبيلة (تك 24: 2-9)، أمر خادمه أن لا يختار امرأة كنعانية محكوم عليها بالعبودية كزوجة لاسحق حتى لا يتلوث دم أحفاده النبيل باختلاطه بدم سلالة العبيد. أراد إبراهيم أن يتحد ابنه بالزواج من امرأة تعيش في موطنه الأصلي، لذلك ألزم عبده بأن يُقسِم بأن يعمل حسب ما أوصاه لابنه بغير إهمال. لذلك كان العبد مقيدًا بوعده لإبراهيم لكي يرتب الزواج المناسب لاسحق. وكما قلت قبلاً أن القَسَم يعمل بطريقتين في النص الحالي تتقدم الروح نحو الأعالي كما رأينا. وفي نفس الوقت تنصح النفوس التي لم تصل بعد إلى نفس المستوى إلى طريق الكمال، وتستخدم القسَم ليس لكي تؤكد لهم التقدم الذي وصلت إليه، ولكن تقودهم من خلال القسم إلى حياة الفضيلة. وتأمرهم أن يحفظوا حبهم متيقظًا وساهرًا إلى أن يتحقق إرادته الصالحة، أي إلى أن يخلص الجميع ويدركون الحق (أنظر 1 تي 2: 4). إن قَسَم إبراهيم كان على فخذه (تك 24: 2، 9)، وحدث بواسطة “مقدرة وقوة الحقل” لذلك يقول النص: “أُحلفكن يا بنات أورشليم بالظباء وبأيائل الحقول ألاّ تيْقظن ولا تُنبهن الحبيب حتى يشاء” [ع7]. ثم معنى كلمة “قوى” و “مقدرة”، وهل يختلف معنى كل منها عن الآخر أم لها نفس المعنى. ثم يتلو ذلك أن نبحث عن معنى إثارة وإيقاظ الحب. لقد سبق تفسير العبارة “حتى يشاء”. يتضح أن السيد يعني بكلمة “حقل” العالم (مت 13: 38). سينتهي شكل هذا العالم لأنه بطبيعته غير ثابت. وهذا واضح في سفر الجامعة الذي يعلن أن مرئي أو متحرك باطل (جا 1: 2). ما هي إذن قوة هذا “الحقل” العالم؟ ما هي القوة التي لا تسمح بالفكر وتمتعه بواسطة القَسَم على بنات أورشليم لينقُضْنه؟ إذا نظرنا إلى الحقيقة الظاهرة لهذه القوة، فإن الجامعة ترفض مثل هذا الفرض. (جا 1: 2)، يُسمي “باطل” كل شيء نراه، ويعيش في الواقع المرئي. الباطل ليس له مادة، وما ليس به مادة ليست له قوة. وقد نحصل على إشارة عن معنى النص من استعمال صيغة الجمع لكلمة قوة. نجد توضيحًا للكلمات من هذا النوع في الكتابات المقدسة، فعندما تستعمل كلمة قوة في صيغة المفرد فإنها تعني قوة الله بينما حينما تُستعمل في صيغة الجمع فإنها تعني قوة الملائكة. فمثلاً “المسيح” قوة وحكمة الله (1 كو 1: 24). يوضح هنا استخدام كلمة قوة بصيغة المفرد على أُلوهية السيد المسيح. وعلى الجانب الآخر نجد في (مز 103: 21) “باركوا الله في جميع قواته”، وهنا توضح صيغة الجمع الطبيعة الروحية للملائكة. إن التعبير “المقدرة” التي تُستخدم مع كلمة قوة تركز أكثر على المعنى. ويعمل الوحي الألهى في بعض الأحيان على جعل المعنى أكثر تأكيدًا باستخدام كلمات لها نفس المعنى. خذ كمثال التعبير الآتي: “الرب صخرتي وحصني ومنقذي. إلهي صخرتي به اَحتمي. تُرس وقرن خلاصي وملجأي. أدعو الرب الحميد فأتخلص من أعدائي” (مز 18: 2-3). فكل كلمة تعبر عن نفس المعنى، ولكن اسستعمال الكلمتين معًا يُعطي تأكيدًا للعبادة. لذلك فاستخدام صيغة الجمع لكلمة قُوى وكلمة مقدرة بنفس المعنى تشير إلى طبيعة الملائكة. لذلك فالقَسَم يُلزم النفوس التي لا تزال في مرحلة التلمذة لكي يؤكد لهم ما قد درسوه. إنهم سوف لا يُقسمون بالدنيا الزائلة، ولكن بالطبيعة الملائكية الدائمة باستمرار. إنهم يُشجعون لكي يكونوا متنبهين للملائكة الذين يؤكدون الحياة الثابتة والمستمرة للفضيلة. لقد وُعدنا بحياة مشابهة لحياة الملائكة بعد القيامة من الأموات، والذي وعدنا بذلك هو صادق. لذلك يجب أن تكون الحياة في هذا العالم مرحلة للترتيب للحياة التي نترقبها. وبالرغم من أننا نعيش في الجسد خلال مرورنا في الحقل هذا العالم، يجب أن لا نعيش حسب الجسد ولا نتبع أساليب الحياة في هذا العالم، بل نفكر بعمق في الحياة الآتية أثناء وجودنا في هذه الحياة. لذلك تُثبِّت العروس النفوس التي تدربها من خلال القسم، أثناء حياتهم في “حقل” هذا العالم. وسوف يُوجِّهون نظرهم إلى “القُوى” ويقلِّدون النقاء الملائكي بواسطة اِنفصالهم عن الجسديات. وهكذا ينمو الحب ويتجدد، أي أنه يرتفع ويزدهر باستمرار إلى نمو عظيم. لتكن مشيئة الله العظيمة “كما في السماء كذلك على الأرض” (مت 6: 10)، عندما نأخذ طبيعة الملائكة. هذا هو ما نفهمه من “أحلفكن يا بنات أورشليم بالظباء وبأيايل الحقول ألاّ تيقظن ولا تنبهن الحبيب حتى يشاء”. وإذا وجدنا نصًا آخر يقرِّبنا من الحق الذي نبحث عنه، ليتنا نستقبله كنعمة وبركة ونشكر الله الذي يكشف لنا بواسطة الروح القدس الأسرار المخبَّأة في المسيح يسوع ربنا له المجد والعزة إلى الأبد آمين. يتبع….. القديس غريغوريوسالنيصي |
||||