![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 14021 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() فُرِجَت!! (1)
![]() كلمة رائعة تعبِّر عن الفرج بعد الضيقات، وعن السعادة بعد المحزنات، ولأن وقعها زكي على النفس، ورطِب على الروح؛ فعلينا أن نستنشق البعض منه فكريًا، وأن نستفيد منه روحيًا. “فُرِجَت” وتحكُّم القدير لا شك أن أيامنا على الأرض لا تدور على وتيرة واحدة؛ فتارة نَمُرّ ببعض المشاكل والضيقات، وتارة أخرى نسعد بالأفراح والمُبهجات. فمن يعاني من الإفلاس والضيقة المالية، يقينًا سيأتي يوم “يفرجها” الله عليه بوظيفة تستره وتسدِّد احتياجاته. ومن يمُرّ بضيقة عاطفية، يقينًا سيأتي يوم و“يفرجها” عليه الله بشريك يضمِّد جروحه الماضية ويدفعه لأحلامه المستقبلية. ومن يجتاز في ضيقة نفسية، يقينًا سيأتي يوم و“يفرجها” الله عليه، بمدخل للسعادة يطرد الكآبة ويطارد اليأس. فكما أنه لا حياة بلا ضيق، فكذلك لا ضيق بلا فرج!! والحقيقة أن الضامن الوحيد، بأن كل ضيقة يعقبها “فرج” ولو بعد حين، يكمن في أن الله؛ خالقنا المحب، لا يقف موقف المتفرج وقت آلامنا وكروبنا، ولا حتى موقف الذي يرثي لنا ويرِقّ لحالنا، لكن ما يطمئنا على يقينية “الفرج” بعد أي ضيق، هو أن الله أثناء الضيق والألم، يتحكم في عاملين غاية في الأهمية؛ وهما درجة الضيق، وزمن الضيق. وهذا أمر معزٍّ جدًا لنا، لأنه مهما كان سبب الضيق (إن كان إبليس أو الظروف أو الشخص نفسه أو الخطية أو أي سبب آخر)، فإنّ الله المحب، يحتفظ لنفسه بحق تحديد مدة هذا الضيق؛ بحيث لا يقل أو يزيد لحظة واحدة عن ما قرَّره، ويتحكم أيضًا في شدّة هذا الضيق، بحيث لا تزيد درجة الألم على الإنسان فينهار، أو تقل عليه فيتشوه. تمامًا مثل “الطباخ” الماهر - مع فارق التشبيه - الذي يعرف درجة الحرارة التي تناسب أكلته الشهية، وكذلك الزمن الذي يجب أن تمكثه في الفرن، فيحرص ألا تزيد درجة حرارة النار عليها فتُحرق، أو تقل درجة حرارة النار فتخرج “نصف سوا”. وطالما أن هذين العاملين تحت سيطرة الله القدير، فلا خوف على المؤمن من أي تفكُّك أو انهيار، أو حتى تشوه أو دمار. “فُرِجَت” ودرجة الضيق ولشرح الفكرة السابقة، سنطالع عدة أمثلة من الكتاب المقدس؛ ولنبدأ بيونان؛ ذلك النبي الذي اجتاز في ضيقة لم يجتَزها إنسان من قَبْل؛ فهو هارب من وجه الرب إله السماء، وها هو قابع في بطن حوت ضخم، لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليالِ، ومن داخله صلى يونان وَقَالَ: «دَعَوْتُ مِنْ ضِيقِي الرَّبَّ، فَاسْتَجَابَنِي. صَرَخْتُ مِنْ جَوْفِ الْهَاوِيَةِ، فَسَمِعْتَ صَوْتِي» (يونان2: 2)، وهنا يظهر العامل الأول في تحكم الله في درجة الضيق، فمن الذي ضبط أنزيمات الحوت الهاضمة لكيلا تهضم يونان؟! ومن الذي أوجد ليونان الأكسجين الكافي لكي يتنفسه ويُخرج صلاته؟! ومن الذي منع الحوت من بلع أسماك كبيرة يمكنها أن تؤذي يونان وهو مستقر في جوفه؟! وأسئلة أخرى كثيرة لا إجابة لها، إلا أن الله القدير الحكيم، كما أنه سمح بالضيق وأعدّ الحوت، فهو أيضًا تحكم في درجة هذا الضيق، ومنع عن نبيّه المحبوب قدوم الموت!! وهو ذات الأمر الذي تكرر حين تحكم الله في درجة حرارة النار المتّقدة سبع أضعاف، فجعلها لا تؤذي رجاله الأوفياء الثلاثة، ولا تأتي برائحتها عليهم، فـ«لَمْ تَكُنْ لِلنَّارِ قُوَّةٌ عَلَى أَجْسَامِهِمْ، وَشَعْرَةٌ مِنْ رُؤُوسِهِمْ لَمْ تَحْتَرِقْ، وَسَرَاوِيلُهُمْ لَمْ تَتَغَيَّرْ، وَرَائِحَةُ النَّارِ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِمْ» (دانيآل3: 17). وغيرها الكثير من الأمثلة، عن أحباء لله الذي أجازهم في ضيق شديد، وأدخلهم الفرن الإلهي، ولم يكتفِ بأن يشاهدهم من وراء هذا الفرن الزجاجي، لكنه ضبط بعناية درجة حرارته، بل - وإن استدعى الأمر - فإنه يدخل يتمشى معهم في ذات الفرن وذات النار!! “فُرِجَت” وزمن الضيق أما العامل الثاني، والذي يتحكم فيه الله شخصيًا، فهو زمن الضيق الذي يجتاز فيه المؤمن، وهذا يظهر في الكلام الخاص لملاك كنيسة سميرنا «لاَ تَخَفِ الْبَتَّةَ مِمَّا أَنْتَ عَتِيدٌ أَنْ تَتَأَلَّمَ بِهِ. هُوَذَا إِبْلِيسُ مُزْمِعٌ أَنْ يُلْقِيَ بَعْضًا مِنْكُمْ فِي السِّجْنِ لِكَيْ تُجَرَّبُوا، وَيَكُونَ لَكُمْ ضِيْقٌ عَشَرَةَ أَيَّامٍ. كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» (رؤيا2: 10)، ولاحظ كلمة «عشرة أيام»، فالله العلي هو المتحكم الوحيد في زمن الضيق، ويضبطه على ساعته باللحظة دون تقديم أو تأخير، فلا يمكن أن يكون الضيق تسعة أيام أو حتى أحد عشرة يومًا. صحيح أن هذا الأمر لا يعجب إبليس وبعض الناس الذين يكرهون المؤمن ويتلذذون بأن يزيدوا من زمن ضيقته، ولكن هيهات، فالأمر ليس بيدهم بالمرة، فعندما ينتهي وقت التجربة والضيق، ويتحقَّق هدف الله منها، يتوقف الزمن وتدقّ الساعات وتعلن أنها “فُرجت”. عزيزي القارئ، كلنا نمر بضيق مختلف الدرجات والأنواع، ولكن اطمئن، فالأمر يخضع لتحكُّم الله القدير المحب، الذي يتحكم في درجة الضيق، وفي مدته أيضًا، ويقينًا عندما يحقق هدفه من وراء هذا الضيق، ستنعم بالنضج وباللمعان، ووقتها ستختفي لغة الواقع والعيان بأنها “أغلقت”، وستبرز لغة الرجاء والإيمان أنها “فُرجت”. السنين قاسية ودوارة، والضيق بيعنوِن أيامها والدنيا خاينة وغدَّارة، ولا حد يضمن يلجِّمها لكن ضماني إن مَلَفي قدامك مفتوح وزمن ضيقتي متحدِّد على ساعتك ومشروح ولا درجة حرارة تقل أو تزيد عن المسموح علمني أسلم لك نفسي، لأجل ما تهديها وتعينها وتفرج ضيقتي على إيدك، ما أنت اللي جابلها |
||||
|
|||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 14022 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() شطبنا
![]() أو قد تسمعها من موظف ساخر تقصده في خدمة لك، يرفض توسلاتك ويخيّب تطلعاتك، وبعد حوار وفير، يرد بشكل مثير: شطَّبنا يا بيه!! كلمة منتشرة تحمل الكثير من المعاني، ليس فقط عندما يفنى المعروض وتنتهي البضائع وتضمحل الخدمات، ولكن حين تصف وضعًا روحيًا ونفسيًا، يمكن أن نعيشه في وقت ما، فنشتاق من جديد لمن يملانا وينهي حالة “تشطيبنا”. “شطَّبنا” والحالة! اختبار صعب، ذلك الذي يجتازه المؤمن في بعض أوقات حياته، حين يشعر أن منابعه قد جفَّت، وطاقته النفسية قد فرغت، وهو أمر طبيعي، فالواقع العملي يؤكِّد أن حياتنا الروحية، لا تسير فقط في مرتفعات الشكر والتسبيح، لكنها قد تهبط أحيانًا إلى وديان الفراغ والخواء. وللأسف، فبدلاً من أن نجاهر بحالتنا هذه كما هي، وأن نعترف أننا “شطَّبنا” في بعض المراحل، وأننا نحتاج إلى إعادة الملء من جديد؛ فإننا نُصِرّ على أن تسير حياتنا بلا قوة، وتستمر خدماتنا بلا تأثير، وكأننا نشبه الماكينة القديمة، التي يفرغ منها الزيت، ويتأفف صاحبها أن ينظفها ويملأها، فتبدأ في الدوران على مضض، وتحتك تروسها الفارغة بالحديد، فنتصنَّع التعزية ونخفي سوء حالتنا، ونتحرَّج من أن نعترف بأننا “شطَّبنا”.ولكن من يتابع حياة رجال الله المتَّصلين به، والمستخدَمين منه، يعرف أن هذه الحالة واردة وطبيعية بشكل كبير، فها هو حزقيا يعلن أنه “شطَّب” قوة، وقال «لأَنَّهُ لَيْسَ فِينَا قُوَّةٌ أَمَامَ هذَا الْجُمْهُورِ الْكَثِيرِ الآتِي عَلَيْنَا، وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا نَعْمَلُ وَلكِنْ نَحْوَكَ أَعْيُنُنَا» (2أخ20: 12). وها هم المؤمنون المجربون، يعلنون أنهم “شطَّبوا” حكمة وحيلة للتصرف، فهم «يَتَمَايَلُونَ وَيَتَرَنَّحُونَ مِثْلَ السَّكْرَانِ، وَكُلُّ حِكْمَتِهِمِ ابْتُلِعَتْ» (مز107: 27). وها هو بولس الخادم النشيط، يعلن أنه “شطب” تفاؤل وأمل كما أعلن «أَنَّنَا تَثَقَّلْنَا جِدًّا فَوْقَ الطَّاقَةِ، حَتَّى أَيِسْنَا مِنَ الْحَيَاةِ أَيْضًا» (2كو1: 8). فكما أننا أحيانًا روحيًا ونفسيًا نكون “شطَّبنا”، لكن المطمئن أننا لسنا وحدنا الذين “شطَّبنا”!! “شطَّبنا” والمطلوب! وعلى قدر صعوبة هذه الحالة، وما يتبعها من أحاسيس داخلية، ومحاربات شيطانية، إلا أن ما يزيد الأمر تعقيدًا، هو أن المؤمن وهو في حالة “التشطيب” هذه، يكون المطلوب منه كثيرًا، سواء في العمل أو الخدمة أو الأسرة، رغم أنه في حالة فراغ نفسي داخلي، ويحتاج إعادة تجديد لكيانه، وهذا ما لا يقدِّره الآخرون؛ فالخادم المسؤول عن مخدوميه (وخصوصًا لو كانوا شباب)، سيطالبونه بالمزيد من الطاقة النفسية، وإظهار الابتسامة الضرورية رغم أنه غير قادر على هذا، والزوجة التي تعاني من حالة استهلاك نفسي، مطلوب منها أن تظل بنفس القدر من العطاء لزوجها ولأسرتها، دون أن يهتم أحد بالسؤال عن حالتها. فالمطلوب يظل كما هو، رغم أن الإنسان نفسه ليس كما هو!!وهنا أتذكر حادثتين ربما توصِّفان لنا هذا الأمر؛ الحادثة الأولى حين أراد فرعون أن يذل شعب إسرائيل في أرضه، وأن ينتقم منهم بعد أن طالبه موسى بإخراجهم من مصر، فأمر عبيده قائلاً «لاَ تَعُودُوا تُعْطُونَ الشَّعْبَ تِبْنًا لِصُنْعِ اللِّبْنِ كَأَمْسِ وَأَوَّلَ مِنْ أَمْسِ. لِيَذْهَبُوا هُمْ وَيَجْمَعُوا تِبْنًا لأَنْفُسِهِمْ. وَمِقْدَارَ اللِّبْنِ الَّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَهُ أَمْسِ، وَأَوَّلَ مِنْ أَمْسِ تَجْعَلُونَ عَلَيْهِمْ. لاَ تَنْقُصُوا مِنْهُ» (خر5: 7، 8). أما الحادثة الثانية، كانت في العهد الجديد، حين تعرَّض التلاميذ لموقف محرج، ولإلحاح أكثر من 20 ألف إنسان جائع، يحتاجون إلى طعام عاجل، فقال أحدهم للمسيح «هُنَا غُلاَمٌ مَعَهُ خَمْسَةُ أَرْغِفَةِ شَعِيرٍ وَسَمَكَتَانِ، وَلكِنْ مَا هذَا لِمِثْلِ هؤُلاَءِ؟» (يو6: 6). وما بين احتياج الشعب للطوب، وما بين الخبز والسمك المطلوب، فإن لسان حال الفريقين أننا “شطَّبنا”. ولكن لو صحَّت المقارنة، فإن المطلوب منا في هذه الأيام، أكبر بكثير من مجرد احتياج مادي أو جسدي، فالاحتياج الروحي الأهم، يطاردنا في كل مكان، فكم من مُلحد يبحث بسؤاله عن إجابة، وكم من متألَّم يبحث بتجربته عن تعزية، وكم من تائه يطمع في أن يجد من يرشده، وللأسف مع هول المطلوب من المؤمنين والمؤمنات، من إجابات وتعزيات وابتسامات، فأن أغلبنا يرد على المحتاجين والمحتاجات بأننا: “شطَّبنا”!! “شطَّبنا” والملء! لكن ما يعزي القلب، وينقله من حالة الفراغ الصعبة، و“التشطيب” المنتشر في حياتنا، هو أننا نتعامل مع شخص المسيح الكامل، الذي نرنم له: فيك ما نرجو وأكثر، وهو فعلاً كذلك «لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ» (كو1: 19)؛ صحيح أن الملء المقصود هنا، هو ملء اللاهوت الذي تجسَّم في شخص المسيح، لكن من ناحية أخرى فمن كان هو ملء اللاهوت، جدير به أن يكون هو الملء الروحي والنفسي لنا، مهما كان احتياجنا أو المطلوب منا، وبالتالي فنحن صحيح فارغين و“مشطَّبين”، ولكن لنا المسيح بكل ملئه، فيا لنا مِن محظوظين. وهذا الملء لا ينعكس على حالتنا الروحية فقط، ولكن على طاقتنا النفسية أيضًا، كما صلى بولس للمؤمنين في رومية «وَلْيَمْلأْكُمْ إِلهُ الرَّجَاءِ كُلَّ سُرُورٍ وَسَلاَمٍ فِي الإِيمَانِ، لِتَزْدَادُوا فِي الرَّجَاءِ بِقُوَّةِ الرُّوحِ الْقُدُسِ» (رو15 :13)، وأيضًا ينعكس على نظرتنا لاحتياجاتنا المادية اليومية، فنختبر «فَيَمْلأُ إِلهِي كُلَّ احْتِيَاجِكُمْ بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي الْمَجْدِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.» (في4: 19)، وبالتالي فالمسيح - الملء الحقيقي - كفيل أن يرفع نفسياتنا إن انحنت، وأن يشحن طاقتنا لو نفدت، ووقتما شعرنا أننا فارغين، و“مشطّبين”، علينا أن ننهل من المصدر الباقي لنا إلى أبد الآبدين. عزيزي القارئ، ليتنا نعترف بحالتنا كما هي أمام الرب، وألا نعتاد الخدمة بدونه، أو اتخاذ أي قرار من وراء ظهره، فنحن فعلاً بدونه لا نقدر أن نفعل شيئًا (يو15: 5)، وليتنا أيضًا نتصل به شخصيًا، ليس فقط عَبر الفضائيات والاجتماعات (مع أنها وسائل رائعة)، ولكن عبر الاختلاء الفردي مع كلمته وهمساته، ووقتها سيتم شحننا يوميًا منه، وسيكون المتوفر داخلنا، أكبر من المطلوب خارجنا، وستغيب عن حياتنا كلمة “شطَّبنا”. حالتنا معروفة قدَّامك، والفراغ بس اللي معانا والمطلوب منَّا مهول، والناس فينا عشمانه وبان “تشطيبنا”، وكترت كلمة “مفيش” والحية ما بتصدَّق، والحرب ما بتنتهيش واللي في ايدينا للناس، للأسف ما يكفيش محتاجين لك من جديد تنضفنا، ومن ملئك تملانا ولا يوم نقولك شطَّبنا، وتنفجر الينابيع اللي جوانا |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 14023 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() دوغــري ![]() “دوغري” والإله! من السهل على أي قارئ مبتدئ للكتاب المقدس، أن يدرك تمامًا أن المصدر الأول للاستقامة هو الله؛ فهو لا يعرف في أفعاله أو أفكاره أي ميل أو حَيَدان، لأن «اَلرَّبُّ صَالِحٌ وَمُسْتَقِيمٌ» (مزمور25: 8). فعندما يوصي الله بوصايا، فهي لخير الإنسان وبركته وسعادته، لأن «وَصَايَا الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ تُفَرِّحُ الْقَلْبَ» (مزمور19: 8). وعندما يعطي عطايا، فلكي تساعد الإنسان أن يحيا حياةً تقوية مستقيمة «قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي» (مزمور51: 10). وأحكامه العادلة البارة، فيُقال عنها «بَارٌّ أَنْتَ يَا رَبُّ، وَأَحْكَامُكَ مُسْتَقِيمَةٌ» (مز119: 128). فإلهنا “دوغري” في صفاته ووصاياه وعطاياه وأحكامه، وإن لم يكن هكذا، فهو ليس الله!! ولأن الله مستقيم، فإنه يحب المستقيمين، ودائمًا عينه عليهم «يَذْخَرُ مَعُونَةً لِلْمُسْتَقِيمِينَ» (أمثال2: 7)، ويأتمنهم على أسراره «لأَنَّ الْمُلْتَوِيَ رَجْسٌ عِنْدَ الرَّبِّ، أَمَّا سِرُّهُ فَعِنْد الْمُسْتَقِيمِين» (أمثال3: 32). فما أحوجنا أن نكون مستقيمين، ليس في الصلوات والعظات والمؤتمرات فقط، ولكن في المدارس والوزارات والكليات؛ فمجتمعنا “الغير دوغري” يتعطش للمؤمن “الدوغري” الذي يتقي إلهه “الدوغري”!! “دوغري” والنفاق! وهنا علينا أن نَحَذر من أمرين قد يفقدانا استقامتنا الروحية والأخلاقية، التي يريدها لنا الله؛ الأمر الأول هو النفاق. والمنافق ليس فقط الإنسان الذي يُظهِر غير ما يبطن (فهذا هو المرائي)، ولكنه أيضًا يزيد بأنه يمكن أن يغيِّر كلامه أو سلوكه، تحقيقًا لمصلحةٍ مادية أو معنوية. ولهذا يكثر المنافقون بجوار أصحاب السلطة والمال، أملاً في شهرةٍ أو ثروةٍ أو صيتٍ أو جاه. ولكن إذا استطاع المنافقون، في المجتمع، أن يشغلوا أعلى المناصب، ويقفوا على أعظم المنابر؛ فإنه لا مجال للمنافقين في أمور الله الروحية، «فَإِنَّ طُرُقَ الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ، وَالأَبْرَارَ يَسْلُكُونَ فِيهَا، وَأَمَّا الْمُنَافِقُون فَيَعْثُرُونَ فِيهَا» (هوشع14: 9). ومثالاً لهؤلاء؛ سيمون (أعمال8)، والذي كانت له مصلحة معنوية في أن يجمع الناس كبارًا وصغارًا ليندهشوا من أعماله السحرية، وكانت له مصلحة مادية في أن تمتلئ جيوبه من أموالهم، لكن جاء فيلبس للسامرة؛ فانفضَّ عنه الناس، فطمع في أي وسيلة (ولو كانت روحية) لكي يحقق مصالحه اللئيمة. «وَلَمَّا رَأَى سِيمُونُ أَنَّهُ بِوَضْعِ أَيْدِي الرُّسُلِ يُعْطَى الرُّوحُ الْقُدُسُ قَدَّمَ لَهُمَا دَرَاهِمَ، قَائِلاً: “أَعْطِيَانِي أَنَا أَيْضًا هذَا السُّلْطَانَ، حَتَّى أَيُّ مَنْ وَضَعْتُ عَلَيْهِ يَدَيَّ يَقْبَلُ الرُّوحَ الْقُدُسَ”»، فكان الرد الفوري من بطرس «لِتَكُنْ فِضَّتُكَ مَعَكَ لِلْهَلاَكِ، لأَنَّكَ ظَنَنْتَ أَنْ تَقْتَنِيَ مَوْهِبَةَ اللهِ بِدَرَاهِمَ! لَيْسَ لَكَ نَصِيبٌ وَلاَ قُرْعَةٌ فِي هذَا الأَمْرِ، لأَنَّ قَلْبَكَ لَيْسَ مُسْتَقِيمًا أَمَامَ اللهِ»، فأمور الله لا يمكن أن تحكمها مصالح البشر المنافقين، ولكن تحكمها مشيئة الله!! ولهذا فعلينا أن نحذر من أن يتسرب النفاق إلينا، فنطلب أمورًا روحية سامية، ونشترك في خدمات وأنشطة ذات أهداف نبيلة، ولكن قلوبنا تكون غير مستقيمة، وتبغي مصلحة جانبية، غير أهداف ومشيئة الله الأصلية؛ فإلهنا مستقيم، ويجب أن تكون قلوبنا ودوافعنا أمامه مستقيمة و“دوغري”!! “دوغري” والالتواء! الأمر الثاني الذي يجب أن نتحَذر منه؛ هو الالتواء. والعجيب أن الملتوي يرى أنه يسير في الطريق المستقيم الصحيح، وأنه لا يحتاج لأحد أن “يُعدِّل” عليه حياته، فتتم فيه الآية «كُلُّ طُرُقِ الإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةٌ فِي عَيْنَيْهِ، وَالرَّبُّ وَازِن الْقُلُوبِ» (أمثال21: 2). ورغم أن ضميره المُشتكي يشهد أنه ملتوٍ؛ فإنه يُلقي باللوم الدائم على الله، ويظن أن الله “يستعنده”، ويرفض مساعدته، ويسد الطرق أمامه، ويشعر أن الخطأ عند الله وليس عنده هو، فلا يخرج من فمه إلا التذمر، ولا تظهر من هيئته سوى المرارة والشكوى. فمن يسلك بالاعوجاج والالتواء أمام الله، يرى نفسه أنه هو المستقيم، وأن الله هو الملتوي!! (مثل السكران الذي ينظر لغيره وكأنه هو الذي يترنح!!) والواقع أن الله في رحمته قد يمنع عنه البركة، ويحرمه من الخير، حتى يتوب عن شره، ويرجع عن التوائه. ومثال لهذا الالتواء الذي يُضاد استقامة الله العلي، كان موجودًا في الفريسيين، والذين مارسوا مع المسيح كل التواء ممكن، فرغم أن المسيح كان للتو قد انتهى من أكبر آية يمكن أن يشهدها إنسان؛ حين أخرج شيطان من مجنون أعمى وأخرس، وجعله يتكلم ويبصر (متى12: 22)، لكنهم طلبوا منه أن يصنع آية ومعجزة معهم قائلين:«يَا مُعَلِّمُ، نُرِيدُ أَنْ نَرَى مِنْكَ آيَةً» (متى12: 38)!! وهنا كشف المسيح التواء قلوبهم، وأن المشكلة في عدم إيمانهم هم، وليس في عدم قدرته هو، فرفض أن يصنع آية أمامهم، ووبَّخ لؤم والتواء قلوبهم «جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ» (متى12: 38). عزيزي القارئ، إلهنا مستقيمٌ، وسيظل مستقيمًا. فعلينا أن نراجع أنفسنا إن تسرَّب نفاق لحياتنا، يجعل أي مصلحة معنوية أو مادية لنا تُزاحم مجد الله وحقه فينا. وعلينا أن نَحذر أيضًا وجود أي التواء في حياتنا، يجعلنا نتهم الله الصالح ظلمًا، ونستذنبه هو لنتبرأ نحن، وندَّعي أن طرقه وخططه وقرارته في حياتنا غير مستقيمة، والحقيقة أن العيب فينا، وقلوبنا هي التي ليست مستقيمة أمامه. فعلينا أن نمتحن قلوبنا لتكون “دوغري” أمام إلهنا “الدوغري”!! من الأزل إنت يا رب بشخصك ووصاياك وأحكامك مستقيمة ولا بتنخدع بحجج البشر، ولا بأفكارهم وأعذارهم اللئيمة ولا ف يوم توافق على نفاق أو التواء ولا بيتضحك عليك بكلام مدح وإطراء علمني أكون مستقيم زيك، وأعيش أفكارك وخططك العظيمة وطهَّر قلبي من أي نفاق أو التواء، ورجَّعه لحالته السليمة |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 14024 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() على الله ![]() قد تسمعها من أم غاضبة أو أب مؤدِّب، تأتي في صيغة التهديد وتنذر بالوعيد: على الله ماتحلش الواجب.. على الله تيجي بعد الساعة 12!! أو قد تسمعها من موظف يستمع لأوامر مديره، يشرح له مهماته ويُحفِّز كل طاقاته، وفي النهاية يقول له: شد حيلك وورينا شطارتك بقى، فيرد الموظف مبتسمًا: كله على الله يا فندم!! ولأنها كلمة رائعة ظاهرها الاتكال على الخالق القدير، وباطنها الثقة في إنجازه، فحري بنا أن نتأملها لا في صيغتها التهديدية، ولكن في صيغتها الاتكالية، التي تجعلنا نعيها ونعنيها عندما ننطق قائلين: على الله!! “على الله” والاتكال! لا شك أن المعنى الأوضح والأبسط لكلمة “على الله”، هو الاتكال الكامل على الله تعالى، وعلى قدرته التي تسهِّل أي صعب، وتتخطى أي مشقات؛ وهذا أمر رائع بلا جدال حرضنا عليه سليمان الحكيم قائلاً «تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ» (أمثال3: 5) وشرحه لنا والده داود موجزًا «وَيَتَّكِلُ عَلَيْكَ الْعَارِفُونَ اسْمَكَ، لأَنَّكَ لَمْ تَتْرُكْ طَالِبِيكَ يَا رَبُّ» (مزمور9: 10). فنحن قد خُلقنا، لا لننفصل عن الله في أفعالنا، ولكن لكي نتكل عليه في كل صغيرة وكبيرة، وهذا ما يشرِّفنا. لكن هذه ليست المشكلة، فالقاصي والداني يتكل على الله في كل ما يعجز عن فعله، ويلقي بكل مهماته (مهما كانت) على الله القدير لينجزها. ولكن تبقى المشكلة الحقيقية هي أنه على قدر تأكيد الناس باللسان اتكالهم على الله، فإن الواقع يثبت عكس ذلك. فالظواهر الطبية تشير إلى انتشار الأمراض التي تنتج من «عَوَلان» هم الإنسان لاحتياجاته، والتفكير المستمر في حلول مشاكله. والظواهر الاجتماعية تشير إلى ابتعاد الناس عن الاتكال على الله، فعند المصالح الحكومية، يبدأ البحث عن أي واسطة، ولا نترك لله فرصة ليظهر سلطانه على الطوابير والتقارير، أو أن يشجِّعنا باختبار جديد لمرافقته لنا. وعند القرارات الفردية، نبتعد عن طلب مشورة الله ورأيه ووجهة نظره، ونستعين إما بأصدقاء الحاضر أو بخبرات الماضي أو بتوقعات المستقبل. وفي كل الأحوال فنحن كثيرًا ما نقول “على الله”، فيما نُدخل أنفسنا فيما لا يعنيها، وفيما هو أصلاً “على الله” وليس علينا نحن!! “على الله” وحروف الجر! والحقيقة أن حل مشكلة ازدواجية قولنا “على الله” وعيشنا بالاعتماد على أنفسنا، يكمن في فهم مشيئة الله وإرادته نحونا، وهذا أمر يستحق الشرح قليلاً. فعندما نذكر أي كلمة عن مشيئة الله، على الفور نستدعي السؤال الأشهر في المؤتمرات، والحيرة الأكبر التي تشغل المخيلات، والتي يقف فيها المؤمن عاجزًا عن معرفة ماذا يريد الرب له؛ خاصةً مع القرارات المصيرية (الزواج، الهجرة، العمل). لكن الحقيقة فإن مشيئة الله أوجزها بولس الرسول، في ثلاث حروف جر في منتهى الأهمية، فنقرأ «يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ!... لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟... لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ» (رومية11: 33 36) ، وهنا بيت القصيد؛ فحرف الجر «منه» يمثل أن الله هو المصدر؛ فيكون هذا الأمر أو القرار أو الفعل هو من يد الرب وليس من يد غيره، أما حرف الجر «به» فهو يمثل الوسيلة والكيفية؛ فالأمر الذي يأتي من الله، فإن الله متكفل بكل ما يلزمه من احتياجات ومتطلبات، أما حرف الجر «له»؛ فيمثل الغرض والهدف، والذي يتمحور حول مجد الله وامتداد ملكوته، وهكذا تكتمل ثلاثية مشيئة الله «منه» و «به» و «له». ولكن ما علاقة مشيئة الله بالاتكال “على الله”؟!! العلاقة تكمن في حرف الجر «به»؛ فالأمر الذي في مشيئة الله، والذي من يده الرائعة «منه»، وفي نفس الوقت يكون لمجده ولبركة خليقته «له»، يجب علينا ألا نعول هَمَّه مطلقًا، لأن الله القدير سيتكفَّل بكل متطلباته. فإن كان الله رتَّب لنا عملاً هو مصدره «منه»، وهذا العمل لمجده «له»، فلا يجب علينا أن نقلق لو حدثت أي مشكلة في هذا العمل، أو حتى فقدناه، أو زادت التزاماته علينا، لأن الله – في هذه الحالة – سيضمن أن يكون هذا العمل «به». فطالما الله هو المصدر، وهو الغرض، فسيكون هو الوسيلة أيضًا، ووقتها سنختبر على حق أننا نعيش “على الله”!! “على الله” والتطبيقات! ولشرح الفكرة السابقة سأكتفي بتطبيقين طبَّقهما المسيح على الأرض، الأول خاص بمتطلبات الحياة اليومية، فنُفاجأ به يقول لهم: «لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ، وَلاَ لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ. أَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ أَفْضَلَ مِنَ الطَّعَامِ، وَالْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ اللِّبَاسِ؟» (متى6: 25). وهنا المسيح يقول لهم، لا تهتموا بالوسيلة «به»، وكيف سيأتي الطعام والشراب والملابس، لأن الذي أعطاكم الأغلى (الحياة، الجسد) ، لن يبخل عليكم بالأرخص (الطعام، اللُباس) ، وطالما أن الجسد “من الله”، والجسد مخلوق لمجد الله «فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ للهِ» (1كورنثوس6: 20) ، فالله سيتكفل بكل ما يتطلبه الجسد، من أكل وشرب وملابس وغيره. فالأمر الذي من الله، ولمجد الله، فطبيعي أن يكون “على الله”. والتطبيق الثاني خاص بالأمور الروحية والخدمة. عندما أرسل تلاميذه (متى10) ، شرح لهم الإرسالية بكل تكلفتها ومخاطرها. وقال لهم إن طالما الخدمة من الله، فلا يعولوا هَمَّ متطلباتها ومصاريفهم الشخصية فيها «لاَ تَقْتَنُوا ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً وَلاَ نُحَاسًا فِي مَنَاطِقِكُمْ...»، ولا يعولوا هَمَّ متطلبات الخدمة الروحية، والكلام والأفكار واستمرارية الفاعلية في الخدمة «فَمَتَى أَسْلَمُوكُمْ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ، لأَنَّكُمْ تُعْطَوْنَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ، لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ» (متى10: 9، 10، 19، 20). فالخدمة أو الإرسالية التي من الله ولمجد الله، فإنها تكون “على الله”! عزيزي القارئ... ليت الرب ينير أذهاننا، ويقنعنا أن كل شيء؛ صغير أو كبير في هذا الكون، وكل قرار أو اختيار لنا، لا بد أن يخضع للقاعدة الثلاثية لمشيئة الله “منه وبه وله”؛ ولهذا فعلينا أن نصرف وقتًا في الصلاة قبل أي خطوة أو قرار، لا لنسأله عن الوسيلة أو الكيفية، ولكن لنطلب من الرب أن يوضِّح لنا إن كان هذا الأمر من يده أم من يد غريبة، وأن نصرف وقتًا آخر في الصوم وامتحان النفس، لكي ننقي دوافعنا الشريرة، لكي يكون هذا الأمر فقط لمجده. وحال يتحقق هذين الأمرين، فلا تَعُل الهَمّ؛ فالأمر الذي من الله، ولمجد الله فسيكون تلقائيًا... “على الله”. ياما قلت إني باتكل عليك، وحياتي اليومية بتكذِّب اتكالي وعُلْت الهَمّ وأنا مسلِّم ليك، ودايمًا ذهني مشغول بأحوالي أتاري مشيئتك في الأمر اللي منك واللي ليك وإرادتك وأهدافك دايمًا بتنفذها ايديك والشيلة كلها مش عليَّ، لكنها عليك “فَلْتَر لي” قراراتي تكون من يدك، ومن غير ما تشغل بالي ونقيلي دوافعي لمجدك، فتبقى خطط ملكوتك هي انشغالي |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 14025 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() صبَّرنا
![]() أو قد تسمعها من متألم فاجأته التجربة بدون سابق تنبيه، تحطمت سيناريوهات أحلامه وتبدَّل نوره بظلامه، كان يقرأ الحوادث ويسمع عنها، وأما الآن فهو يكتوي ويتألم من وخزاتها، يتذكر مفقوده ولا يجد ما ينصب عوده، فيرفع عينيه إلى خالقه قائلاً: صبَّرنا يا رب!! ”صبَّرنا“ و التفسير! على قدر انتشار كلمة الصبر في مجتمعاتنا، واختلاف أساليب صياغتها على ألسنة شعبنا، على قدر اختلاف البشر في تفسير معنى الصبر الدقيق وماهيته؛ فالبعض يرى أنه هو تحمّل التجارب، والسكوت على البلوى المُحرقة، وعدم مناقشة الله فيها أو التذمر عليها. والبعض الأخر يحسب الصبر أنه هو الانتظار لفرج الله بحل معجزي من عنده يجعل المشاكل تهون. ويمكننا أن نلمح مصادقة الكتاب المقدس ذلط مرات مرتبطًا بالانتظار «انْتَظِرِ الرَّبَّ وَاصْبِرْ لَهُ» (مزمور37: 7)، ومرات أخرى مرتبطًا بالتحمل «وَلكِنِ الَّذِي يَصْبِرُ إِلَى الْمُنْتَهَى فَهذَا يَخْلُصُ» (متى24: 13). لكنني أصارحك أن هذا التفسير (رغم صحته وروعته) لم يكن يقنعني بالكامل، لأني اكتشفت عمليًا أن هذا يحوِّل كلمة الصبر إلى درس قاسٍ يبدو أن الله يجبرنا بالآلام أن نتعلمه؛ ولهذا يرفضه أغلب الدارسين، أو ”شَربة“ مُرة يشربها المتألمين لكي تمر بسرعة ضيقتهم؛ ولهذا يتأفف منها أغلب المُجرَّبين. فهل الله هو إله قاسٍ يعذبنا ليرى قوة تحملنا وانتظارنا؟ حاشا أن يكون هذا بالطبع! فلا بد من تفسير آخر للصبر، بعيدًا عن الألم والخسارة والفقدان، يمكننا أن نتفهمه، ونخسر كثيرًا إن تجاهلناه. ”صبرنا“ و التغييرات الجذرية! الحقيقة أنه لكي نفهم تفسير الله عن الصبر، علينا أن نلقي نظرة على المثال الأشهر للصبر البشري المتاح لنا؛ وأقصد أيوب، والذي شهد عنه الرسول يعقوب «هَا نَحْنُ نُطَوِّبُ الصَّابِرِينَ. قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ» (يعقوب5: 11). ومن يدقق في دراسة قصة أيوب المؤلمة، ويقارن بين بدايتها الكارثية (أيوب1)، وبين نهايتها الاحتفالية (أيوب42)، يدرك أن الله المُحب في تجاربنا المتنوعة، لا يهتم فقط بقُدرتنا على التحمل اللطيف أو الانتظار السلبي لنهاية التجربة، ولا حتى بمضاعفة الممتلكات (كما فعل مع أيوب)، أو التعويض عن الخسائر المادية والمعنوية (كما يفعل معنا)، وإلا ما كان لزوم التجربة من البداية؟!! ولكن الله يهتم بالأساس، أن ينجز عمله هو فينا خلال وقت التجربة، وأن يُنضِّج شخصياتنا لتناسب مع خدمتنا له، ومع مجده المراد لنا، سواء هنا أو في الأبدية، وأن يغير جذريًا الأفكار الراسخة في أذهاننا، والسلوكيات الخاطئة في أفعالنا، والتي لا تتناسب مع خططه الصالحة لحياتنا، بمعنى أن الصبر هو فترة من الزمن يحتاجها الإنسان لكي يغنم بركات التحمل والانتظار، ويحتاجها الله أيضًا لإنضاج شخصياتنا وتغيير سلوكياتنا وأفكارنا. وهذا ما حدث بالتمام مع أيوب الصابر؛ فنتيجة صبره، لم تكن مجرد مضاعفة الأملاك والتعويض بالأولاد، ولكن أنظر إلى تغيير أفكاره الجذرية عن الله؛ فبدأ يدرك أن الله هو الخالق القدير، وهو السيد على كل المخلوقات والكائنات، وعلى أيوب أن يخضع لسيادة الله عليه دون شروط فصرخ «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ»، وأنظر إلى إدراكه أن الله هو البار والعادل، وأن قضيته لا تختلف عن مليارات القضايا أمام الله، وعليه أن يتقبل حكمه الصالح، ويتحرر من أي مرارة أو إدانة لله، فهتف بيقين «فَمَنْ ذَا الَّذِي يُخْفِي الْقَضَاءَ بِلاَ مَعْرِفَةٍ؟ وَلكِنِّي قَدْ نَطَقْتُ بِمَا لَمْ أَفْهَمْ. بِعَجَائِبَ فَوْقِي لَمْ أَعْرِفْهَا» (أيوب42: 2، 3). وأنظر إلى تغيير أفكار أيوب الجذرية عن نفسه، فأدرك أنه معدوم المعرفة ومحدود العلم، فترك اعتماده على فلسفته وحكمته، وشعر باحتياجه أن ينهل من نبع العلم نفسه، فطلب «اِسْمَعِ الآنَ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ. أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي»، وفي نفس الوقت نجده على غير عادته، يرفض أن يعتد بذاته، بعد أن كان يفخر ببرها أمام أصحابه، فيقول «بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي، لِذلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ» (أيوب42: 4، 5). وملخَّص هذه التغييرات الفكرية الجذرية، أن الله أصبح بالنسبة لأيوب هو القدير والسيد والعليم والبار والعادل والصالح، وأن أيوب أصبح بالنسبة لنفسه هو المخلوق والمحدود والمعدوم والجاهل والرافض لذاته، وكلها تغييرات تحتاج عشرات السنوات لكي تتم في حياة الإنسان، وبدونها لا علاقة صحيحة مع الله، ولا أي بركة روحية تأتي للإنسان، وكان السبب المباشر لها هو الصبر!! ”صبَّرنا“ و المرونة! إلا أن الأمر لم يتوقف مع أيوب، على تغيير أفكاره الجذرية أثناء الصبر، ولكن الله صنع أمرًا رائعًا في شخصيته، ليجعله أكثر نضجًا ومرونة، وهو أمر غاية في الروعة لم يمتلكه أيوب قبل تجربته. فرغم غضبه من أصحابه، وكم النقاشات الجارحة معهم، نجده يصلي لأجلهم، ويقدم ذبائح لله نيابةً عنهم (أيوب42: 10)!! ورغم حالته النفسية الصعبة، نجده يخرج من أنانيته، ويكون كريمًا مع اخوته ومعارفه (أيوب42: 11)!! وكلا الأمرين لا نقرأ أن أيوب فعلهما أثناء غناه وعظمته قبل تجربته، لأنه كان فقط محصورًا في نفسه وعائلته، ولكن بعد أن تعلم الصبر أصبح مرنًا مع الله ومع نفسه ومع الناس. وهو ذات المعنى الذي يشرحه بولس الرسول قائلاً «نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ، عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا، وَالصَّبْرُ تَزْكِيَةً، وَالتَّزْكِيَةُ رَجَاءً» (رومية5: 3،4)، فالصبر في الضيق لا يدفعنا فقط لأن يكون لنا رجاء أن ينتهي هذا الضيق، ولكن هناك حلقة مفقودة تغيب عننا؛ وهي التزكية، والتي تأتي بمعنى المرونة في الشخصية، والتي تُعتبَر من أكبر مكاسب الصبر التي يصنعها فينا إلهنا، والتي إن غابت عن المؤمن والكنيسة، كثرت الاحتكاكات، وزادت الانشقاقات، وفترت العلاقات، بسبب قلة المرونة، أو لنقل قلة الصبر!! عزيزي القارئ المتألم ... لعل هناك تجربة مُرّة في حياتك (كما في حياتي)، وأعلم أن الأَمَرّ منها هو عدم قدرتك على الصبر، وتململك من الانتظار والتحمل، لكن اعلم أن الصبر بالنسبة لله ملك الدهور، ليس وقتًا ضائعًا، ولا كأسًا مرًا لزامًا علينا أن نتجرعه، لكنه فترة مجيدة يستغلها الله ليغيّر أفكارنا الجذرية الخاطئة، وينضِّج شخصياتنا، ويكسبها المرونة اللازمة، والتي بدونها لا خدمة صحيحة، ولا شخصية سوية، وفي نفس الوقت سيكافئ الله صبرنا باستعلان مجده في شخصياتنا. كتير رفضت درس الصبر، واعتبرته كاس مليان مرار وماكنتش فاهم تفسيره عندك، غير أنه تحمُّل وانتظار لكن أتاريه ده مصنعك، وخط انتاجه تحف ذهبية لما تضغط ساعات إيدك، وتحفر بعمق في الشخصية ساعتها يتنقل حبيبك نقلات، وتباركه بصفات الأبدية ساعدني أفهمك، وأصدَّق صلاحك وحكمتك ولو فيها أسرار وأعرف إن مفيش وقت ضايع في سكتك، وبالصبر يكمل المشوار |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 14026 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() يا مسهل ![]() قد تسمعها من طالب ثانوية غامة (بالغين!!)، يملأ أسبوعه بالدروس ويستهلك “تحويشة” والده من الفلوس، يعتمد خطأً على المدرس، ولا يجد وقتًا لمذاكرة المدروس، يتحمَّس في سبتمبر، ويتملّمل في فبراير، ويصرخ في مايو قبل الامتحانات قائلاً: يا مُسهِّل! كلمة شهيرة في مجتمع مكتظّ بالصعوبات، من أول صعوبة الدراسة للإنسان إلى صعوبة المرور بأمان، وما بين قسوة المصاعب المختلفة، وما بين ما يخصنا نحن المؤمنين منها، علينا أن نتأمل قليلاً في كلمة: يا مُسهِّل! “يا مُسهِّل” والنسبية! لا جدال أن في حياة كلاً منا أمورًا صعبة، تستدعي تنشيط العزم وتخزين الحماس لها، سواء كانت صعوبات مرحلية (الدراسة، العمل، الزواج، الشيخوخة)، أو صعوبات مجتمعية (المرور، التحرش، الاضطهاد، عدم الأمان)، أو حتى صعوبات نفسية (الوحدة، الغربة، المرض، الجرح العاطفي)؛ وكلها أمور صعبة يقف أمامها الإنسان حائرًا، وهو يدرك مدى صغره وعجزه، فلا يجد سوى أن يرفع عينيه لخالقه، ويستدعي الصعب الذي يقاومه، ويقول: “يا مُسهِّل”! والحقيقة أن تصنيفنا للأمور، على أنها صعبة أو سهلة، هو أمر نسبي ومتغيّر؛ فالوحدة قد تكون صعبة عند إنسان وسهلة التكيف مع آخر، والجرح العاطفي قد يكون مدمِّرًا لحياة إنسانة ولكنه سهل التعامل مع أخرى، وقد تكون مادة معينة هي مكنون الصعوبة عند طالب الثانوية ولكنه عندما يدخل الجامعة قد يصطدم بمادة أخرى سيدرك أمامها أن الأولى كانت سهلة، والحفظ والتذكر يكون سهلاً جدًا في أيام الشباب والصبا ولكنه صعب جدًا في مراحل الشيخوخة والكهولة. إذًا فالصعوبة والسهولة هو أمر نسبي، فما هو صعب أمام الإنسان اليوم، قد يكون سهلاً أمام إنسان غيره، أو حتى يكون سهلاً أمام نفس الإنسان في وقت ما لاحق، وهنا نتساءل: هل الحياة المسيحية الحقيقية هي حياة سهلة أم صعبة أم تخضع أيضًا لقانون النسبية؟!! “يا مُسهِّل” والحياة المسيحية! الحقيقية أن الإجابة على السؤال السابق، قد لا تُعجب بعض القرّاء الأعزاء؛ فالحياة الروحية التَقَوية هي حياة صعبة، وليست سهلة على الإطلاق، وهذا ما شهد به كل مؤمني الكتاب المقدس، لدرجة أن داود طلب من الرب صراحة أن يسهِّل له هذا الصعب، فصلى: «يَا رَبُّ، اهْدِنِي إِلَى بِرِّكَ بِسَبَبِ أَعْدَائِي. سَهِّلْ قُدَّامِي طَرِيقَكَ» (مزمور5: 8)، فقد اعتبر داود أن طريق الحياة مع الله هو أمر صعب جدًا، وقد امتلأ بكثير من الأمور المُكدِّرة والمُعيقة التي تجعله يستصعب هذا الطريق، ومنها الشر (ع4)، فاعلي الإثم (ع5)، المتكلمين بالكذب (ع6)، رجال الدماء والغش (ع7)، الأعداء (ع8)، المؤامرات (ع10)؛ ولهذا فقد طالب داود الرب في صلاته أن يستعمل نفوذه وإمكانياته في تسهيل هذا الطريق الصعب، ولسان حاله: “يا مُسهِّل”. ونفس الأمر أدركه بولس في أخر أيامه وأخر رسائله، عندما ذكر أكثر من 20 صفة للناس في الأيام الأخيرة (يمكن للقارئ الإطلاع عليها في 2تيموثاوس3)، تكفي لأن تجعل واقع المؤمنين قمة في الصعوبة، ولخَّصها بولس في الكلمات «وَلكِنِ اعْلَمْ هذَا أَنَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ» (2تيموثاوس3: 1). أضف إلى هذا أن معاملات الله مع المؤمنين قد تكون صعبة الفهم في بعض الأوقات «لأَنَّ أَفْكَارِي لَيْسَتْ أَفْكَارَكُمْ، وَلاَ طُرُقُكُمْ طُرُقِي، يَقُولُ الرَّبُّ» (إشعياء55: 8)، وحتى كلام الرب قد يكون صعبًا في بعض الأحيان، خاصةً عندما يتكلم عن حساب النفقة (لوقا14: 28)، أو عن إهلاك النفس (متى16: 25)، أو عن الطريق الضيق (متى7: 13)، أو عن غيره من الكلام الذي يبدو منه أنه كان ينفِّر أتباعه أكثر من سرد المكافآت لجذبهم، لدرجة أن تلاميذ المسيح صارحوه في وقت ما وقالوا له «إِنَّ هذَا الْكَلاَمَ صَعْبٌ! مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَسْمَعَهُ؟» (يوحنا6: 60). والملخَّص أن المؤمنين يعيشون في أزمنة صعبة ويتعاملون مع ناس صعبة، وفي داخلهم طبيعة قديمة صعبة، وقد يعاملهم الرب بمعاملات صعبة، وكل هذا يستدعي الصراخ اليومي: يا مُسهِّل!! “يا مُسهل” والعُلو! والحقيقة أن كثير من المسيحيين يجهلون صعوبة الحياة الروحية، فيفرِّطون في الجهاد ويستسلمون للإجهاد، ولكن الحل ليس أن نستسهل الصعب، ولكن أن نستخدم إمكانيات الله لنا لنعلو فوق الصعب؛ فالله في نعمته أجزل لنا إمكانيات هائلة تجعلنا نعلو أي صعب يواجهنا أو يعيقنا في الحياة معه، فأعطانا الروح القدس الذي يعلِّمنا أفكاره «رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ» (يوحنا16: 13)، وبالتالي ظل الكلام الصعب والمعاملات الصعبة كما هي، ولكن أرسل الله داخلنا مُفسِّر وشارح ومُرشد في منتهى التمكّن والاقتدار. ولقد طمأننا الرب يسوع أنه بنفسه يجتاز معنا في هذه الأزمنة الصعبة حين قال «فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ» (يو16: 33)، فنختبئ في حنانه إذا لوَّحتنا شمسها،ونستدفئ بحنانه حين تصدمنا مفاجآتها. ولهذا فحري بنا أن نهتف مع بطرس «أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى» (2بطرس1: 3). وبالتالي، علينا ألاّ تكون لغتنا هي الاستسلام والانهيار، ولكن لغة الثبات والانتصار «وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا» (رومية8: 37). عزيزي القارئ.. دعنا نعترف، أنا وأنت، أن الحياة المسيحية الصحيحة هي صعبة، ودعنا نعترف أننا لا نقوى على أي من تفاصيلها الصغيرة بأنفسنا، بدءًا من مكالمة افتقاد صغيرة أو حوار هامشي مع مؤمن، إلى أصعب الأمور التي نواجهها؛ فلا مجال للاعتماد على أي شيء فينا؛ لأن سر قوتنا هو في إدراكنا لضعفنا، وسر تمتعنا بالحياة ولذّتها، هي في استخدامنا اللحظي لإمكانيات الله “المُسهِّل” الهائلة لحسابنا، والتي تجعلنا نعبر البرية الصعبة، بدون أن تترك علينا أي من آثارها. باعترف إن الحياة معاك صعبة في أوقات كتير وإن التقوى نادرة، وجبل البِرّ قُدامي عَسير بس انت عامل لكل ده حساب بحكمتك ومدعَّمني بإمكانياتك وروحك وكلمتك وبتعلّيني فوق أي صعب بفضل سندتك علّمني أتّكل عليك، في الصغير قبل الكبير وافهم قوتي في لاشيئيتي، فتسهل قدامي المشاوير |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 14027 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() توب علينا ![]() قد تسمعها من مواطن متأفف من أوضاع البلاد والعباد، يحلم بيوم تنتهي فيه الطوابير ويمتلئ “جيبه” بالمال الوفير، تحاصره “حكومته” المنزلية بالطلبات والاحتياجات، و“حكومته” الخارجية بالمتاعب والإحباطات، حينها يتنهد ويرفع بصره لأعلى: “توب علينا من الأيام دي يا رب! ”أو قد تسمعها من مواطن آخر زميل له، يهرب من حر يومه، ويشكو كثرة مشاكله وهمومه، يلجأ في آخر ليله لسيجارته أو مكيفاته أو “ترامادوله”، يدمِّر صحته ويكتب بنفسه شهادة وفاته! وحين تواجهه بخطر هذا على صحته وعلى صُحبته، يجاوبك بدون اكتراث: “ربنا يتوب علينا من الحاجات دي يا بيه!” “توب علينا” والاختزال! لا شك أن كلمة “التوبة” منتشرة بشكل كبير في شوارعنا، ومتأصلة بعمق في ثقافتنا، كشعب متدين بطبيعته. فالتوبة هي مطمح الجميع، وهي شهادة التغيير الأخلاقي من الجميع. فنسمع أن فلانًا “ربنا تاب عليه” من... وهكذا ينقسم المجتمع إلى مجموعة من التائبين، ومجموعة أخرى من الطامحين أن يكونوا تائبين، ولكني هنا أتساءل: ما معنى التوبة الحقيقي؟! وهل هي مجرد إبداء الأسف أو الاعتذار، أو التعهد بعدم تكرار الخطأ؟! أم أن هناك معنى آخر للتوبة علينا أن نختبره وعليه أن يختبرنا؟! الحقيقة أن البعض اختزل معنى التوبة في مجرد كلمات اعتذارية شفهية يُبدي فيها الإنسان بعض الأسف عن الخطإ الموجَّه نحو الله ونحو الناس. والبعض الآخر اختزل معنى التوبة في بعض التعهدات المستقبلية التي يتعهد فيها الإنسان بعدم تكرار الخطأ مرة أخرى منه. فكثيرًا ما نسمع الطفل الذي يختزل خطأه لوالدته قائلاً: “مش هاعمل كدا تاني!” أو نسمع العامل يختزل تأخره وإهماله لرئيسه قائلاً: “آخر مرة يا باشمهندس!” وكل ما سبق يقع في خانة الأعذار الكلامية أو “التأسفات” الشفهية أو التعهدات المستقبلية، وكلها بعيدة تمامًا عن معنى التوبة الحقيقية! والكتاب المقدس يخبرنا عن كثيرين غاب عنهم معنى التوبة الحقيقي، واختزلوه في مجرد اعتذارات كلامية، فنقرأ عن فرعون بعد ضربة البَرَد الرهيبة أنه قال «أخْطَاتُ هَذِهِ الْمَرَّةَ. الرَّبُّ هُوَ الْبَارُّ وَأنَا وَشَعْبِي الأشْرَارُ. صَلِّيَا إلَى الرَّبِّ وَكَفَى حُدُوثُ رُعُودِ اللهِ وَالْبَرَدُ» (خروج9: 27-28). وهنا لم يَتُب فرعون بل قسَّى قلبه، ورغم أنه اعتذر واعترف شفاهيًّا بشرِّه وشر شعبه، إلا إن هذا الاعتراف كان خارجيًّا ومزيفًا، وتحت ضغط؛ فزال بزوال الظرف الذي يضغطه ويخاف منه. ونقرأ عن سيمون الساحر، بعد أن أخطأ خطأً رهيبًا في محاولته لشراء موهبة الروح القدس، أن بطرس قال له: «فَتُبْ مِنْ شَرِّكَ هَذَا وَاطْلُبْ إِلَى اللهِ عَسَى أَنْ يُغْفَرَ لَكَ فِكْرُ قَلْبِكَ»، ولكنه بدل من أن يعمل بالنصيحة، اختزل التوبة في بعض التعهدات المستقبلية الفارغة: «اطْلُبَا أَنْتُمَا إِلَى الرَّبِّ مِنْ أَجْلِي لِكَيْ لاَ يَأْتِيَ عَلَيَّ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْتُمَا» (أعمال8: 22، 24). وبذلك نرى أن في الحالتين السابقتين، كان لسان حال فرعون وسيمون، هو اختزال التوبة في اعتذار كلامي أو تعهّد هُلامي، فهلك الاثنين غير التائبين قلبيًّا، رغم أن لسان حالهما ظاهريًّا كان: توب علينا يا رب! “توب علينا” والأفكار الثلاثية! فإن كانت التوبة الحقيقية ليست مجرد اعتذارات كلامية وتعهدات مستقبلية، فما هو معنى التوبة الحقيقي الذي يريده الله ويشفي من لوعة الإنسان؟! الإجابة يلخِّصها لنا النبي إشعياء مصرحًا: «لِيَتْرُكِ الشِّرِّيرُ طَرِيقَهُ وَرَجُلُ الإِثْمِ أَفْكَارَهُ وَلْيَتُبْ إِلَى الرَّبِّ فَيَرْحَمَهُ وَإِلَى إِلَهِنَا لأَنَّهُ يُكْثِرُ الْغُفْرَان» (إشعياء55: 7). فالتوبة - حسب الكتاب المقدس - تكمن أساسًا في تغيير عميق للأفكار، ومراجعة فكرية لجذور الذهن، فيقتلع منها ما هو شرير، وينضِّج منها ما هو صالح. إن أبرز الأفكار التي تحتاج للتغيير الجذري، تكمن في ثلاثة أمور رئيسية؛ أولها: أن تتغير أفكار الإنسان عن الله، فيدرك كم هو قدوس (1بطرس1: 16) وعظيم وصالح ومُحِب وجَوَّاد (يوحنا3: 16)، وثانيها: أن تتغير أفكاره عن الخطية، فيدرك كم هي خاطئة جدًّا (رومية7: 13)، وجارحة ومميتة ومدمرة (أمثال7: 26)، وثالثها أن تتغير أفكاره عن نفسه، فيدرك كم هو جائع ومحتاج وشقي وعريان (رؤيا3: 17) وأنه عطشان للعلاقة الحية مع الله، فإذا تغيرت هذه الأفكار الثلاثية الجذرية، جاءت على الفور التوبة الحقيقية القلبية. “توب علينا” والرجوع للنفس! ولكي نفهم هذه التغيرات الفكرية الثلاثية، فعلينا أن نلقي نظرة على أوضح أمثلة التوبة في العهد الجديد، والذي رواه لنا فم الرب يسوع الكريم؛ وهو مثل الابن الضال. فهذا الابن الذي ترك أبيه، وكفر بوصايا أبيه وبمبادئه، لم يَعُد من ضلاله المُبين إلى أبيه المشتاق، إلا بعد أن تغيرت أفكاره الثلاثية تمامًا؛ فقد تغيرت أفكاره عن أبيه (ممثلاً لله)، وعن نفسه، وعن الخطية. فنقرأ هذه الكلمات الخالدة «فَرَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ وَقَالَ: كَمْ مِنْ أَجِيرٍ لأَبِي يَفْضُلُ عَنْهُ الْخُبْزُ وَأَنَا أَهْلِكُ جُوعًا! أَقُومُ وَأَذْهَبُ إِلَى أَبِي وَأَقُولُ لَهُ: يَا أَبِي أَخْطَأْتُ إِلَى السَّمَاءِ وَقُدَّامَكَ» (لوقا15: 17، 18). فهنا فَطن الابن الضال أن أباه ليس هو الأب القاسي الصامت “البخيل” الذي يحرمه من الخير والسعادة، ولكنه الأب الصالح الكريم الذي يُمتِّع حتى أجراه بالأكل الشهي وفيضان الخير، لدرجة أنه يفيض عنهم الخبز، وبهذا غيَّر أفكاره عن أبيه، وتاب عن طلبته القديمة الأنانية الحمقاء: «أَعْطِنِي الْقِسْمَ الَّذِي يُصِيبُنِي مِنَ الْمَالِ» (لوقا15: 12). وتغيرت أفكاره عن خطيته، فلم تعُد مجرد حرية واستخدام طبيعي ومبكر لميراثه الأصيل، ولكن أصبحت خطيته بمثابة الجريمة نحو أبيه ونحو السماء: «أخطأت إلى السماء»، وهذا عامل جديد لم يلتفت إليه الابن، وهو يترك بيته هاربًا وفرحًا بحريته المزعومة. وأخيرًا تغيَّرت أفكاره عن نفسه، فلم يبقَ هو الابن الذكي المُخطِّط الذي لا تقف أمامه مشكلة أو ضيقة، والذي لا يغلب في اتصالاته وعلاقاته، ولكنه وجد نفسه جائعًا ذليلاً، عاجزًا ومُحبَطًا: «أنا أهلك جوعًا»، بعد أن كان ابنًا مُعَزَّزًا مُكَرَّمًا، مُحَاطًا بحماية الأب ورغدته. ولما تغيرت هذه الأفكار الثلاثة، اتخذ القرار الصحيح بالرجوع لأبيه، واعترف له بكلمات رقيقة، ولكن قبل كل هذا تغيرت أفكاره عن أبيه وعن الخطية وعن نفسه، و«رجع إلى نفسه»، وهذا هو معنى التوبة الحقيقي المراد لنا، والذي به نختبر يوميًا روعة هذه الكلمات: “توب علينا يا رب!” كنت فاكر إن التوبة قدامك مجرد كلمات أسف وآهات اعتذار وإن بِدهائي هاهرب من عقابك، وأكمِّل طريقي زي بقية الأشرار أتاريك عظيم وما يِضِّحكش عليك بزيف الكلمات وكاشف القلب وفاحص للأفكار وقاري للنيَّات وما ينفعكش غير توبة مُخلِصة قبل التعهدات والاعترافات غيَّر أفكاري عن نفسي وعن جرايمي وعن شخصك المُحِب البار وجدِّدني يوماتي في محضرك، بتوبة تغسلني من فساد الأفكار |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 14028 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() المُلك لله ![]() أو قد تسمعها من جالس على “القهوة”، ضاق به الحال فجلس يتأمل الأحوال، وينظر لأعلى قائلاً: “إيه ... صحيح المُلك لله”!! هي كلمة خاصة جدًا، سنأخذها هنا من معناها الروحي، الذي يجعلنا نختبر ونعيش في حياتنا المسيحية، روعة كلمة “المُلك لله”. “المُلك لله” و العقد المزدوج! حقيقة “مُلك الله” للكون يقينية، فالكل يعلم أن الله هو الملك المتوج على كل الخليقة، ما نراه منها وما لا نراه، أو بلغة إبراهيم أبو المؤمنين هو «الرَّبِّ الإله الْعَلِيِّ مَالِكِ السَّمَاءِ والأرض» (تكوين14: 22). وبأنه وحده له اختصاص إعطاء “المُلك” لمن يشاء، ونزعه منه متى يشاء. عرف عنه أقوى ملوك التاريخ وأشرسهم «أنّ اللَّهَ الْعَلِيَّ سُلْطَانٌ فِي مَمْلَكَةِ النَّاسِ وَأَنَّهُ يُقِيمُ عَلَيْهَا مَنْ يَشَاءُ» (دانيآل5: 21؛ أمثال 8: 15، 16). فلا جدال بين رئيس ومرؤؤس أن “المُلك لله” وحده في هذه الأرض. لكن ما يخصّنا نحن، أتباع الرب يسوع المسيح، هو البُعد الأخر لهذه الكلمة، وأقصد به هو “مُلك الله” على حياة الإنسان. فمن سلَّم حياته مرة للمسيح، خضع بإرادته لعقد امتلاك مزدوج لمُلك الله على حياته؛ وهذا العقد المزدوج، في صفحته الأولى، أن الله له الحق أن يملك على الإنسان، لأنه خلقه لمجده (إشعياء 43: 7)، أما في صفحته الثانية، فإن الله له حق “المُلك” على حياة الإنسان، لأن المسيح؛ الله الظاهر في الجسد (1تيموثاوس 3: 16) «صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا» (عبرانيين1: 3)، ودفع ثمن امتلاكه للمرة الثانية. فالمؤمنون يخضعون لمُلك الله على حياتهم بشكل كلي، لأنه خلقهم ولأنه فداهم، «لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ» (1كورنثوس6: 20). فإذا قال البشر العاديين والملوك الزائلين مرة أن “المُلك لله”، فإن على المؤمنين المفديين، أن يقولوها ويعيشوها باستمرار: أن “المُلك لله” على بيوتهم وأجسادهم وأرواحهم وكلهم. “المُلك لله” و الإجابة! كل ما سبق ليس فيه جديد عليً ولا عليك، ولكن ما قد يكون جديدًا عليك - عزيزي القارئ - هو ذلك السؤال الذي طالما سألته وهو: أنا أعلم أني ملكٌ لله مرتين؛ مرة عندما خلقني، ومرة عندما فداني، وأشتاق كثيرًا أن يملك الله بالكامل على حياتي، وأرنم أكثر عن هذا الأمر (ملكي يا ملكي... تُملك فيَّ يا ربي...)، ولكن: لماذا لا يحدث هذا “المُلك” فعليًا وعمليًا في حياتي؟!! ولماذا لا يراني الناس أرضًا غير قابلة للبيع، ويرونني دائمًا طريقًا (متى13: 4) يطمع فيه الذاهب والآتي؟!! وهل سأظل أرنم وأتكلم أن “المُلك لله” ولا أعيش وأنفذ حقيقة أن “المُلك لله”!! والحقيقة أني وجدت إجابة بديهية لهذا السؤال المحوري، وتخيلت الله كمن يقف على باب شقتي (حياتي)، ويحمل في يده العقد المزدوج الذي يثبت امتلاكه لي، وأنا من الداخل أريده أن يمتلك كل شبر فيَّ، وتساءلت عن المانع الذي يعيقه ويعطله؟! فإذ بي أكتشف، أن هناك الكثير من الأمور والأفكار، التي أعتمد عليها وأتمسك بها، والتي تملأ شقتي دون إرادة الله، وعلي أولاً أن أفرغها خارجيًا، ثم تأتي المرحلة الثانية، ويدخل هذا الغني، ليمتلك كلّيًا ما قد خلقه وفداه. “المُلك لله” و عملية التفريغ!! مُلك الله لحياتنا، لا يتم في الفرص الملتهبة، ولا بالترانيم الحماسية التي تطالبه بذلك، وإن كان هذا حسنًا، ولكن يجب أن يسبق هذا عملية في منتهى الأهمية؛ هي عملية التفريغ، وفيها يتفرغ المؤمن من كل ما يعطِّل مُلك الله لحياته، سواء كان شرورًا أو أفكار أو أي أمور أخرى، وبالتالي يكون جاهزًا لمُلك الله في حياته. فكِّر في موسى، الذي خطَّط له الله قبل ولادته أن يستخدمه لخلاص شعبه، لذا كان يجب أن يمتلك كيان موسى بالتمام، فيسيطر على عقله ومشاعره وإرادته وكل تحركاته. ولكن للأسف، عندما كبر موسى، كان يحتفظ ببعض المُتَكَلات التي يعتمد عليها، والتي لم يكن على استعداد لتركها، وظن أنها ربما ستساعد الله في خطته، ولكنها للأسف كانت عائقًا عطَّل “مُلك الله” في حياة موسى! فقد اعتمد موسى أولاً على علاقته واتصالاته ومكانته عند فرعون (أعمال 7: 21)، واعتمد ثانيًا على فصاحته الكلامية وقدراته الدبلوماسية (أعنال7: 22)، واعتمد ثالثًا على عواطفه المشتعلة على معاناة العبرانيين إخوته (خروج2: 11). وعلى أساس العوامل الثلاثة السابقة، خرج ليخلِّص شعبه معتمدًا على ذاته، وظن أن قتله للرجل المصري هو أول خطوات نجاح هذا الأمر، ولكن في اليوم التالي، عندما رفض الرجلان العبرانيان وساطته، وأخبروه أنهما يعرفان بقتله للمصري، كانت الصدمة الكبرى له، فقد خسر مرة واحدة كل ما كان يعتمد عليه؛ فقد بات مطَارَدًا من فرعون، ومرفوضًا من شعبه إسرائيل، وخاسرًا لكل مهارته وحكمته ودبلوماسيته!! وهنا كان لابد أن تحدث عملية التفريغ له، واستغرقت 40 سنة، وتمت في أصعب غرفة عمليات في البرية الحارقة؛ فقد انفرد به الله، لكي يفرغه مما اعتمد عليه، ولكي يجهزه لكي يمتلك حياته بالتمام. ونجحت العملية بامتياز، إذ نسمع موسى عندما دعاه الله ليخلص شعبه، يقول: «مَنْ أنَا حَتَّى اذْهَبَ إلَى فِرْعَوْنَ... هَا هُمْ لا يُصَدِّقُونَنِي وَلا يَسْمَعُونَ لِقَوْلِي بَلْ يَقُولُونَ لَمْ يَظْهَرْ لَكَ الرَّبُّ... ولَسْتُ أنَا صَاحِبَ كَلامٍ مُنْذُ أمْسِ وَلا أوَّلِ مِنْ أمْسِ .... بَلْ أنَا ثَقِيلُ الْفَمِ وَاللِّسَانِ» (خروج3: 11؛ 4: 1، 10). ومن يدقِّق في الكلمات السابقة يكتشف أن الثلاثة المعتمدات، والتي كان يتكل موسى عليها، ها هو يعلن لله، أن حياته قد فرغت من أي متكل أو معتمد ضد الله، وبالتالي فالمكان في حياته (شقته) أصبح شاغرًا، وهو جاهز لمُلك الله الكامل عليه، ولقيادة الله الكاملة على تحركاته، وهنا فقط استطاع موسى أن يقول “المُلك لله”!! لا جدال على أن الله يريد أن يملك على حياتنا، ولا جدال أيضًا أننا نطلب منه هذا الأمر كثيرًا، ولكن دعنا ننتبه أننا لن نختبر “مُلك الله” لحياتنا، وقيادته الكاملة لنا، وعجائبه التي سيفعلها بنا، إن لم نقبل عملية التفريغ التي يفعلها في حياتنا، والتي قد يستخدم فيها أمور صعبة لا نفهمها، فقد يفرغنا من اتكال على إنسان أو على أنفسنا، أو يفرغنا من ميزة ظننا أننا سنظل نمتلكها، أو يسمح لنا بخسارة في المكان الذي طالما شهد مكاسبنا. ولكن تأكد أنه إن كانت عملية التفريغ مؤلمة وطويلة، فإن كل رجال الله المستخدمين، في الماضي والحاضر، قد اجتازوا فيها، وعند نجاحها ستعيش هذه الكلمة الرائعة: “المُلك لله”. ياما رنمّتلك وصلّيت، إنك تيجي تملك عليَّ وتسمع طِلباتي ومن قلبي اشتقت واتمنيت، إنك بجلالك تهدي وتقود خطواتي وكنت باسأل: ايه اللي بره حياتي موقَّفك؟!! واكتشفت إن ماعنديش مكان في كياني فاضي يقبلك وإن عليً أفضى من جوايا، من كل اعتماد بيعطلك ساعدني اجتاز في أصعب عملية، واتفرغ من جميع متكلاتي ولو كانت صعبة ومؤلمة ليّ! كفاية إن “مُلكك” ها يتستعلن في حياتي |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 14029 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() يا كــريم
![]() عرفنا - في العدد الماضي - أن الله “الرزاق” هو قناعة مغروسة في أذهان البشر، ومطبوعة في أفعالهم اليومية. أما هنا، فإن الله “الكريم” تختلف قليلاً عن الله “الرزاق”؛ فالرزق يُعتبر عمل سيادي من أعمال الله تعالى، ولا يمكن أن يقوم به سواه، ولكن “الكرم” هو صفة إنسانية كما أنه صفة إلهية أيضًا، فيصح لنا أن نُخفِض نظرنا ونصف الإنسان الترابي أنه “كريم” (أو بعكس الصفة أنه “بخيل”)، ويصح لنا أيضًا أن نرفع عيوننا للعلي لكي نترجاه قائلين: يا “كريم” (وسيفاجئنا بالخير الجزيل)!! “يا كريم” والامتحان!! تتميز صفة “الكرم” أنها صفة حميدة مأمولة من الجميع، وأنها لا يمكن أن يُعبَّر عنها بالكلام فقط، ولكن يجب أن تُمتحَن بالمواقف العملية المختلفة. بمعنى أنك سهل جدًا أن تُقنع الناس شفاهةً أنك “كريم”، وسهل جدًا أن تُنسِج القصص من خيالك التي تثبت ذلك، ولكن في المواقف العملية يتم امتحان وجود هذه الصفة فيك من عدمها، وهو امتحان يجيده الأصدقاء بشكل كبير!! والحقيقة أن الكتاب المقدس يحكي لنا عن ملكين عظيمين تعرضا لهذا الامتحان لإثبات كرمهما من عدمه: الأول هو أحشويرش، الذي كان يحكم دولة فارسية مترامية الأطراف مكونة من 127 دولة، وتم امتحان كرمه من خلال وليمة كبيرة جدًا لآلاف من رؤساء شعبه، واستمرت لمدة 180 يوم!! وختمها بوليمة أخرى لمدة سبعة أيام، خاصة بسكان عاصمته “شوشن القصر” فقط!! (أستير1: 1-9). ونجح أحشويرش في الامتحان وشُهِد عن “كرمه” في تسلسل بديع «جلس على كرسي المُلك... عمل وليمة لجميع رؤسائه وعبيده... أظهر غنى مجد ملكه ووقار جلال عظمته... حسب كرم الملك» (أستير1: 2-4، 7). أما الملك الثاني فتم امتحان “كرمه” من لجنة خارجية أتت من اليمن!! حين «سَمِعَتْ مَلِكَةُ سَبَا بِخَبَرِ سُلَيْمَانَ لِمَجْدِ الرَّبِّ، فَأَتَتْ لِتَمْتَحِنَهُ بِمَسَائِلَ»، وبعد أن قضت معه وقتًا ما، كانت النتيجة هي نجاح سليمان الباهر في الامتحان، وأيضًا انبهار الملكة الكامل بعظمته وبحكمته وبعظمة “كرمه” على عبيده وعلى زواره، وشهدت هي بنفسها «هوذا النصف لم أُخبَر به»، وتمت الكلمات «وَأَعْطَى الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ لِمَلِكَةِ سَبَا كُلَّ مُشْتَهَاهَا الَّذِي طَلَبَتْ، عَدَا مَا أَعْطَاهَا إِيَّاهُ حَسَبَ كَرَمِ الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ» (1ملوك10: 1، 7، 13)، ومن هذين المثالين السابقين نستنتج فكرة بسيطة لكن هامة: أنت “كريم”؟! رائع... اثبت ذلك بدلاً من أن تقوله!! “يا كريم” والفيضان!! والآن، فلنترك البشر (الكرماء المساكين) ونرفع أعيننا إلى ساكن السماء (الكريم الأعظم) لنسأله: أيها الإله “الكريم” هل ستنجح في امتحان “الكرم”؟! وهل ستثبت لنا “كرمك” بالأفعال، أم أنك ستكتفي فقط بالشعارات والأقوال؟! وقبل أن تنزِل من السماء أعيننا، وقبل أن يجف الدعاء من أفواهنا، سنكتشف أن الإله العظيم المحب، قد أغرق الإنسان بفيضان من “الكرم” غير المحدود، يتناسب بشدة مع عظمته ومحبته غير المحدودة. فإذا تلقفنا بداية خيط النسيج البشري، وتأملنا في أول أحداثه الكبرى في الخليقة، فسنكتشف أن الله “الكريم” تعمد أن يخلق الإنسان بعد أن جهز له، في خمسة أيام سابقة، كل ما يحتاجه قبل حتى أن يوجد. فلم يخلق الله للإنسان نوعًا واحدًا من النباتات ليأكله، ولكنه كثَّر من الأنواع والألوان والأطعمة المختلفة (تكوين1: 11)!! ولم يخلق الله “الكريم” للإنسان مصدرًا واحدًا للإنارة، ولكن خلق النورين الأعظمين؛ الشمس والقمر (تكوين1: 16)، بالإضافة لنجومه وآياته في الفلك! ولم يكتفِ الله “الكريم” بكل هذا، ولكنه وضع الإنسان شخصيًا تحت نظره، لكي يتلامس لحظيًا مع احتياجاته، ويستمتع يوميًا بالشركة والسير معه (تكوين2: 8)، وكانت واحدة من أروع “إكراميات” الله للإنسان في الجنة، هو عندما “أكرمه” بزوجة من صنع الله شخصياً تؤنس وحدته الإنسانية، وتعينه على تحقيق أعماله الوجودية، فيا له من “كريم”!! بل إننا إذا مررنا إلى أصعب عقدة في النسيج البشري؛ وهي الخطية، فسيفاجئنا الله بدُرَّة هذا الفيضان من “الكرم” الإلهي الفائق؛ وهو مشروع الصليب، والذي فيه لم يبخل الله “الكريم” بأعز ما يملك؛ وهو ابنه الحبيب يسوع فـ«لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين» (رومية8: 32)، قدَّمه من أجل خلاص نفوسنا الملوثة بالخطية. أما إذا ألقينا نظرة على نهاية خيط النسيج البشري في الأبدية، فلا يوجد وصف لكرم الله فيها، إلا ما كتبه بولس الرسول «ما لم ترَ عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه» (1كورنثوس2: 9)، وبالتالي أجزل الله إعلان “كرمه” للبشرية من أول أحداثها (الخليقة) إلى أهم أحداثها (الصليب) إلى أخر أحداثها (الأبدية)، وكلها تعلن بقوة كيف يمكن أن يكون الله بالحقيقة هو “الكريم”!! “يا كريم” والتساؤلات!! إذًا علمنا أن “الكرم” هو صفة جميلة تُثبت بالامتحان العملي وليس بالقول العسلي، وعلمنا أيضًا أن الله “الكريم” غمرنا بفيضان رهيب من “كرمه” يشهد عنه تاريخ النسيج البشري من بدايته حتى نهايته، وهنا نتساءل: لماذا نحن “بخلاء” جدًا مع أنفسنا، فلا نستمتع بما جهَّزه الله خالقنا من “كرم” وفير، وفي نفس الوقت نحن “كرماء” جدًا في أن نعيش حالة من اليبوسة والقحط والشُح المرير؟ ولماذا نحن “بخلاء” مع الله، فلا نجزل له الشكر والحمد والعطاء، وفي نفس الوقت نحن “كرماء” جدًا في نقده والتذمر على خططه ووصاياه عند أي تجربة أو ابتلاء؟ ولماذا نحن “بخلاء” مع احتياجات الناس حولنا، فلا نتجاوب معهم، ونمنع أخبار الفداء والغفران عنهم، وفي نفس الوقت نحن “كرماء” جدًا في تصدير “التكشيرة” و“التبويز” لهم الذي يشوه صورة الله “الكريم” في أذهانهم؟!! ولماذا نعيش حياة كئيبة منتظرين “إكراميات” زمنية (أموال، عقارات، مقتنيات، زوجة، أولاد)، وفي نفس الوقت نكون متغافلين عن ما أعده الله “الكريم” من “إكراميات” الأبدية؟! الكل بيمثِّل إنه جوَّاد وكريم، وكرمه ما يزيد عن أماني وأقوال والغالب فيهم بيفضل أناني وبخيل، ولا عنده للحب والعطاء أي احتمال لكني فخور بيك يا إلهي، لأنك عن الناس متميز ومختلف ومن الأزل للأبد حاببني، وواخدني لكرمك ولحبَّك هدف لدرجة عطيتني ابنك حبيبك، لما قلبي عن وصاياك انحرف إدّيني ماكنش “بخيل” مع اسمك، وأشهد بكرمك للناس وللأجيال وينطبع في ابتسامتي ملامح كرمك، وساعتها ها تتغير الأحوال |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 14030 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() يا رزاق ![]() أو قد تسمعها من صياد يخرج “على باب الله” لـ“يصطبح” بالمُلك الذي له!! يبدأ يومه مشبَّعًا بدعوات زوجته، ويقضي نهاره بين طبيعة خالقه، يصطاد سميكاته ويعود في نهاية يومه فرحًا “برزقه” وسط لهفة أولاده، فيجاوبهم بابتسامته: رزقنا الرزَّاق!! ولأنها كلمة غنية بالخير والنماء، ولأننا تأملنا سابقًا في الجزء الأول منها (راجع مقال “يا فتَّاح يا عليم” بالعدد106)، فجدير بنا أن نلقي نظرة تأملية عميقة على جزئها الثاني “يا رزَّاق”، ونترك جزئها الثالث “يا كريم” لمرة أخرى قادمة. “يا رزَّاق” والقناعة من أكثر القناعات الحميدة المتغلغلة في ذهن المواطن المصري؛ هي قناعته بأن الله سبحانه هو “الرزَّاق الكريم” للبشر؛ فالمصري بطبيعته لا يخشى كثيرًا إذا طرأ طارئ على عمله (طُرد أو فُصِل أو نافسه أحد في مكان عمله)، لأن مقتنع أن الله “الرزَّاق” سيتكفل بتوفير العمل البديل له، ولسان حاله “محدش بيبات من غير عشا”. وكذلك هو لا ينشغل كثيرًا إذا أنجب مزيدًا من الأولاد (رغم ثبات دخله كما هو) لأنه مقتنع أن الله “الرزَّاق” سيفتح مع المولود الجديد بابًا جديدًا للرزق، ولسان حاله “كل مولود وليه رزق”. بل الأكثر من هذا، أن كثير من المهن اليومية غير الحكومية (الصياد أو السائق أو التاجر أو المندوب او غيرها)، يكون رأس مالها الوحيد هو هذه القناعة، فيخرجون لعملهم طالبين “الرزَّاق”، ويعيشون حياتهم هم وأولادهم على فيضه “الكريم”. والحقيقة أن هذه القناعة صحيحة مئة بالمئة، ليس فقط لأن الواقع والحياة والمجتمع يدعمها بشكل يومي، ولكن لأن الكتاب المقدس يعلن لنا كثيرًا أن “الرزَّاق” هي صفة رائعة من صفات الله العظيمة، والتي حاشا أن تتغير أو تتبدل، كما أعلنها أليهو «هُوَذَا اللهُ عَظِيمٌ وَلاَ نَعْرِفُهُ وَعَدَدُ سِنِيهِ لاَ يُفْحَصُ ... وَيَرْزِقُ الْقُوتَ بِكَثْرَةٍ» (أيوب36: 26، 31). أو كما رنّمها داود «مَا أَعْظَمَ أَعْمَالَكَ يَا رَبُّ! ... مَلآنَةٌ الأَرْضُ مِنْ غِنَاكَ ... كُلُّهَا إِيَّاكَ تَتَرَجَّى لِتَرْزُقَهَا قُوتَهَا فِي حِينِهِ» (مز104: 24، 27). وبالتالي ستظل هذه القناعة ثابتة ثبات صفات الله، وسيظل الله يرزق البشر «بكثرة» و«في حينه» و«لمحبيه» طالما في قلب الإنسان نبض وحياة. “يا رزَّاق” والنعمة كثير من البشر يتعاملون مع الله “الرزَّاق” باعتباره مجبرًا على أن يرزقهم؛ لأنهم أفضل من غيرهم، ويعتبرون أنه كلما زاد بِرِّ الإنسان وتقواه لله، كلما زاد نصيبه من “الرزق” المادي والمعنوي، وغاب عن هؤلاء أن المبدأ العام الذي يحكم جميع عطايا الله بالبشر، هو مبدأ النعمة، فهو “يرزقهم” بنعمته فقط، وليس لأي استحقاق بشري. هذا ما أراد المسيح أن يوضحه، في موعظة الجبل، عندما قال: «...أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ ... لكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ» (مت5: 44، 45). فهنا الله “الرزَّاق” يعامل جميع البشر بنفس الدرجة، مهما كانوا أشرارًا أو صالحين، أبرارًا أو ظالمين، فعلى جميعهم يشرق شمسه التي تدفئهم وتنير لهم وتساعد في تكوين غذاء أجسادهم، وعلى جميعهم أيضًا يجود بمطره عليهم، الذي يملأ أنهارهم، ويسقيهم، ويخرج لهم نباتاتهم وعشبهم. فإذا أدرك الناس هذه الحقيقة، لكفوا كثيرًا عن تزاحمهم حول “رزق” غيرهم، ولرجعوا للـ“رزَّاق” الحقيقي يشكرون نعمته ويتوبون عن خطاياهم ويطلبون رضاه. “يا رزَّاق” والأبوة والكثير من البشر يتعاملون مع الله باعتبار أنه مصدر جامد، بدون مشاعر، للأموال والملابس والطعام، وكل علاقتهم به لا تتعدى علاقتهم مع ماكينات صرف الأموال الصماء. فيقدِّمون في صلواتهم وأدعيتهم قائمة بالأشياء التي يحتاجونها، ولا ينتظرون أي رد فعل إلهي سوى استجابة هذه الطلبات. غاب عنهم أنه لا يرزق البشر، فقط لأنه “الرزَّاق” المنَّان، ولكن لأنه أيضًا “أبٌ” حنَّان، الأمر الذي يجهله الكثيرون. وهذا ما تكلم عنه المسيح أيضًا في ذات الموعظة الشهيرة، حين تكلم عن “الرزق” الإلهي «اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ... أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟»، ثم تبعه بمثال أخر عن الكساء «تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو! لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ. وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ وَلاَ سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا ... أَفَلَيْسَ بِالْحَرِيِّ جِدًّا يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟»، وفي النهاية يلخِّص نصيحته «فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ ... لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هَذِهِ كُلِّهَا. لَكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ» (مت 6: 26-33). ومن يراجع الكلمات البديعة السابقة، يدرك أن المسيح لم يتكلم عن الله باعتباره فقط “الرزَّاق” الأفضل، بل أيضًا باعتباره الأب الأفضل!! والفرق كبير بين الله “الرزَّاق”، وبين الأب “الرزَّاق”!! فالمسيح شرح لنا أن الأب السماوي، ليس مجرد كائنٍ صامتٍ بدون مشاعر، لكنه يشعر بكافة احتياجات خليقته. فهو كأب نشيط، يُسَرّ بأن يقوت خليقته بيديه بشكل يومي (كما يفعل مع العصافير)، ويسر أكثر وأكثر حين يدرك البشر قيمتهم الغالية جدًا والثابتة في عيني خالقهم (أنتم بالحري أفضل منها). وهو كأب جميل يستمتع باختيار ملابس أولاده وألوانها (كما يفعل مع الزنابق). وهو كأب حنون يشعر بكل الاحتياجات مهما صغرت أو كبرت (يعلم أنكم تحتاجون). بل والأكثر من هذا يريد أن يشركنا نحن في احتياجات ملكوته الأبدي (اطلبوا ملكوت الله وبره) والباقي يعطيه لنا “على البيعة” (وهذه كلها تزاد لكم)، فيا له من “أب” ويا له من “رزَّاق”. عزيزي، أعرف أنك تدرك جيدًا معنى أن يكون إلهك هو “الرزَّاق”؛ الذي يسدد الاحتياجات ويجيب الصلوات، فهذا أمر تختبره عشرات المرات في يومك، وأثاره عظيمة في جيبك!! ولكن أدعوك – وأدعو نفسي- أن لا نكتفي فقط بهذا المعنى، وندرك أنه في كل “جنيه” يدخل جيبنا وفي كل ذرة طعام تدخل جوفنا، فإن الله العلي يعلن لنا عن أبوته الجليلة التي يريدنا أن نتمتع بها. وكذلك أدعوك - وأدعو نفسي أيضًا - أن نعود إليه بالتوبة، عن كل مرة انشغلنا عن أبوته باحتياجاتنا، وشكَّكنا في محبته وصلاحه الدائم نحونا، واعتمدنا على غيره ليكون هو رأسمالنا وأماننا المادي، وتركنا العصافير والزنابق وحدها تتمتع بالأب “الرزَّاق”، واكتفينا نحن معشر البشر بقناعة في أذهاننا بأن الله هو“الرزَّاق”!! كنت فاكر إنك مجرد للأكل والشرب واللبس مصدر وإنك بتدي بس الكويس، أو بجودك بتكون ليه مُجبر أتاري كل أعمال رحمتك، أساسها نعمتك الغنية وأكلي وشربي ولبسي وقرشي، بيحتويهم معنى الأبوية ده كفاية متعة الوجود في أحضانك، ودفدفتك عليَّ بحنية إرزقني يا “رزَّاق” بفهم يخليني لأبوتك مقدَّر وأشهد للكون بإحسانك، وباختباري لرزقك أكتر |
||||