شرور تنتج عن محبة المديح والكرامة
إنها كثيرة جدًا. وربما نتعرض في هذا المقال إلى أربعة عشر نوعًا. وهي:
1 - الرياء..
محب لمديح يصير إنسانًا مرائيًا، يكون غرض الخير عنده هو أن يراه الناس، دون أن يكون للخير قصد في ذاته، فهو لا يحب الخير لذاته، وإنما حبًا للظهور..!
2 - الغضب وعدم الاحتمال..
محب المديح دائمًا يخفي عيوبه. وهكذا بالضرورة لا يحتمل أن ينسب إليه عيب.. فهو يكره الانتقاد. وإذا انتقده أحد، لا يطيق ذلك مطلقًا. وقد لا يقف الأمر عند حدود عدم الاحتمال، بل ربما يتطور إلى الغضب والهياج والنرفزة والثورة..
إنه يحب أن تكون نفسه جميلة في عينيه باستمرار. فمن يكشف له عيوبًا في نفسه، يتعرض لغضبه، صونًا لجمال هذه النفس.
وهنا نشير إلى أن أنواعًا كثيرة من الغضب، يكون علاجها بعلاج محبة المديح والكرامة، التي فيها يعتبر الإنسان كل نقد وتوجيه كأنه إهانة وقد يتطور الأمر إلى:
3 - الكراهية:
فلا يكره فقط من ينتقده، وإنما قد يكره أيضًا من لا يمتدحه، وقد يكره من يمدح شخصًا آخر غيره، وبخاصة لو كان هذا المديح خاصًا بعل اشترك هو فيه، ويحب أن يستأثر بالفخر كله لنفسه!
4 - الحسد:
الذي يحب المديح والكرامة، يحسد كل من يناله مديح وكرامة، ويود لو كان يأخذ كل ذلك بدلًا منه. إذ هو لا يحب أن يكون أحد أفضل منه!
5 - إدانة الغير والتشهير به:
وإذ هو يحب أن يكون متفوقًا على الكل فلكي يكون مشاركوه أقل منه، قد يعيب شخصياتهم وأعمالهم. وبهذا نراه دائمًا ينتقض من قدر غيره لكي يكون هو الأفضل بالمقارنة.
6 - وبذلك يخسر محبة الناس:
إن الناس يكرهون الافتخار والتباهي ففيما يسلك محب المديح بهذا الأسلوب يخسر تقدير الناس. وفيما يشهر بغيره، ويفضل ذاته على غيره، يخسر محبة الناس أيضًا.
7 - ومحب المديح يحب المتكآت الأولي:
يحب العظم، يحب الظهور، يحب أن يكون الأول، وأن يكون الظاهر موضع اهتمام الناس، وموضوع حديثهم وكل هذا يجعله يدخل في مناقشات ومشاحنات مع غيره. وكل من يراه ظاهرًا، يحاول أن ينزله، ويقول عنه إنه رديء!
8 - وقد يقع في الكذب أيضًا:
لا مانع عنده من الكذب، إن كان هذا يوصله إلى المديح. فهو ق يكذب فيما ينسبه إلى نفسه من فضائل، وفي إعطاء الآخرين صورة مثلي عن ذاته ليست هي له. وهو قد يكذب فيما ينبه إلى غيره من عيوب.. ويكذب بأن ينسب إلى نفسه مواقف، الفضل فيها للغير.
9 - وقد يقوم بمؤامرات ودسائس:
وذلك ضد من يراهم منافسين له في الكرامة، حتى ينزعهم من طريقة، ويبقي الفخر كله له وحده.
10 - وربما يمتلئ بالشر:
فيشتهي موت غيره لكي يأخذ مكانه! وقد يشتهي خراب الآخرين وضياعهم لكي يأخذ هو مركزهم. وقد يشتهي بالنسبة إلى زميل له، أن يغضب عليه رؤساؤه، أو أن توجه إليه تهمة، لكي يظهر هو، ويخلو الجو له.
وقد لا يصل إلى المستوي الذي يلفق فيه تهمًا ضد غيره، ولكنه يسر في داخله إذا وجهت هذه التهم من طريق آخر..!
11 - ومحب المديح كثيرًا ما يصبح مشكلة للمجتمع الذي يعيش فيه:
فهو دائمًا عبء على هذا المجتمع وتصرفاته توقع الآخرين في الإدانة أو في الاشمئزاز. وسعيه لأن يصبح كل شئ في يده، وكل مديح موجه إليه، يجعله لا يعطي فرصة لغيره، فيتعب كل من يشترك معه في عمل.
وعدم قبوله النصح والتوجيه يجعله عقدة صعبه الحل أمام من يتعاملون معه.
وهو قد يلغي أحيانًا من الداخل، ولا يستطيع أن يقدم سببًا لغليانه.
فهو مريض، لا يمكن أن يفصح عن حقيقة مرضه. وهو أيضًا مريض يرفض كل علاج. ولا يشعر في داخله أنه مريض.
وهو سريع الحساسية والتذمر.
لا يحتمل أحدًا. وقليلون هم الذين يستطيعون احتماله. ربما لو دخل زائر وسلم على غيره بحرارة أكثر منه يتضايق..!
12 - ومحب المديح قد يتحول إلى إنسان متلون غير ثابت:
ليس له خط واضح يسير فيه، إنما هو يسير مع كل خط يوصله إلى المديح. أنه يتلون مع الناس كيفما كانت صورهم.
فهو مع الشخص الوقور، وقور ومتزن. وهو مع محب الفكاهة، إنسان خفيف الظل إلى أبعد حد. هو مع محب الصمت، يصمت ومع المتكلمين يتكلم، ليظهر أنه واسع المعلومات.
إذا وجد الدفاع عن شخص يكسبه مديحًا، يدافع عنه.
وإن وجد الكرامة في مذمة هذا الشخص يذمه ويبالغ في ذلك!
يدافع عن الحق، إن كان هذا يضعه في موقف البطولة، أما إذا كان الدفاع يسبب له ضررًا، أو يعرضه إلى ذاته تنقص من قدره، فإنه يقول لنفسه: "يصمت الحكيم في ذلك الزمان لأن الأيام شريرة" (عا 5: 13).
إنه يري المدح بأية الطرق، حتى لو كانت متناقضة!
واحد محب للنسك، لا يأكل أمامه وآخر يحب الممتعة، يقدم له أصنافًا كثيرة على المائدة.
إنه يلبس لكل حالة لبوسها، ويتخذ شكلًا يتفق وحالة الشخص الذي يتعامل معه، لكي ينال رضاه وثقته ومدحه، ويكون في وضع كريم أمامه! وماذا أيضًا؟
13 - ومحب المديح قد يقع في الغطرسة والكبرياء..
مع كل ما تسببه الكبرياء من نتائج سيئة.. وفي نفس الوقت إن وجد أن التواضع يهبه هذه العظمة، ويكون به مكرمًا أمام الناس، لا مانع من أن يبدو متواضعًا، لكي يمدح منهم!
14 - ومحب المديح يخسر حياته الروحية خسرانًا كاملًا، ويخسر السماء والأرض:
يخسرها بكل هذه الأخطاء السابقة التي يقع فيها. ويخسرها لأن الفضائل التي يعملها تفقد روحانيتها لانحراف الهدف منها إلى محبة المديح، وهكذا لا تصبح له فضيلة على الإطلاق.
إنه مهما عمل ومهما تعب، يقف أمام الله صغر اليدين، ولا جزاء له عند الله، لأنه أخذ أجرته على الأرض.
باع كل أعماله بالكبرياء والمجد الباطل، وبالمديح والكرامة. ويقول له أبونا إبراهيم: "إنك استوفيت خيراتك في حياتك" (لو16: 25). إنك لم تفعل فضيلة واحدة من أجل الله.
فيفقد أبديته كما يفقد الأرض أيضًا وقد يفقد الكرامة أيضًا.
فهو يفقد الأبدية، بسبب كل الخطايا التي يقع فيها. وهو أيضًا يفقد محبة الناس واحترامهم. ويعيش على الأرض شقيًا، يسعى بكل الطرق إلى المديح، وينافس ويحسد، ويفقد سلامه الداخلي.
هو قد يفقد الكرامة أيضًا، حسبما قال ماري إسحق عبارته الجميلة:
[من سعي وراء الكرامة، هربت منه ومن هرب منها بمعرفة، سعت وراءه].