21 - 03 - 2014, 06:06 PM | رقم المشاركة : ( 131 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ك - تفسير سفر المزامير 11- ك رجاء وسط الظلمة[81-88] بعد أن تحدث المرتل عن التأديبات، مدركًا أحكام الله العادلة، فمن جهته يستحق التأديب على خطاياه، كما تدفعه المذلة إلى الالتجاء إلى كلمة الله ومواعيده، ومن جهة الأشرار المتكبرين فإن عدالة الله تلاحقهم لتوبتهم، فإن أصروا على الاستخفاف بناموس الله يهلكون. الآن، إذ يشعر المؤمن بالمضايقات الشديدة التي تحوط به من كل جانب وكأن الظلمة تكتنفه يمتلئ رجاء حين يشرق عليه المخلص شمس البرّ. 1. صرت كزقٍ في جليد 81-83. 2. هذيان الأشرار وحق الوصية 84-87. 3. كرحمتك أحيني 88. سرّ الرجاء من وحي المزمور119(ك) 1. صرت كزقٍ في جليد يقول المرتل: "صرت مثل زقٍ في جليد" [83]، وحسب النسخة العبرية: "صرت كزقٍ في الدخان". الزق هو وعاء من جلد الحيوانات المدبوغ بعد ذبحها "قربة"، كانت الشعوب القديمة تستخدمها في نقل الماء إلى المنازل، كما في تخزين السوائل مثل الخمور واللبن. كانت هذه الأوعية تُحفظ في جوٍ جافٍ قريبة من حرارة الموقد أو الفرن. ربما يشّبه المرتل نفسه هنا بالزق الذي يُعلق في الخيمة بينما يشعل صاحب الخيمة النار (الحطب) فيملأ الدخان الخيمة ويصعب على الإنسان أن يرى الزق المعلق لأن لونه اسمر داكن يحمل ذات لون الخيمة. لقد كادت التجارب أن تحطمه إذ حوطته كالدخان، وصار شبه مجهول، مُعلق في خيمة، لا يحمل إلا رائحة الموت (جلد حيوانات ميتة)... وسط هذه المشاعر المرة تتوق نفس المرتل إلى المخلص القادم حسب الوعد الإلهي، فهو وحده يقيم له وزنًا ويهتم بحياته، إذ يقول: "تاقت نفسي إلى خلاصك، وعلى كلامك توكلت" [81]. * من الذي ينطق بهذا إلاَّ الجيل المختار، الكهنوت الملوكي، الأمة المقدسة (1بط9:2)، هؤلاء يتوقون إلى المسيح (المخلص) منذ بدء الجنس البشري حتى نهاية هذا العالم، كل واحدٍ حسب زمانه سواء الذين عاشوا، والذين يعيشون أو سيعيشون...؟! كان في الأجيال الأولى للكنيسة قديسون جاءوا قبل ميلاد البتول، هؤلاء اشتهوا تحقق تجسده. أما في هذه الأيام حيث صعد (البتول) إلى السماء فيوجد قديسون يتوقون إلى ظهوره ليدين الأحياء والأموات... "وعلى كلامك ترجوت" [81]، أي على مواعيدك صار لنا الرجاء الذي به ننتظر الأمور التي لا يراها غير المؤمنين. يفضل البعض ترجمة الكلمة اليونانية هنا "رجوت أعظم"، فإنه بلاشك الرجاء (في مواعيد الله) أعظم من أن يوصف. القديس أغسطينوس "كلت عيناي من انتظار أقوالك، قائلتين:متى تعزيني؟!" [82]. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: [مزامير داود تسبب ينابيع دموع تفيض1.] يرى البعض أن المرتل وقد طال انتظاره وترقبه لمجئ المخلص يعلن شوقه إليه، طالبًا التعزيات الإلهية، وأن يحل كالندى أو كالجليد عليه، فقد صار المرتل كالزق الذي يميت بالتوبة شهوات جسده متقبلًا عمل المخلص فيه كالندى. يقول القديس أثناسيوس أن المخلص هو ابن الله الذي خلصنا، وإليه تتوق النفس، وعليه يتكل المؤمنون، حتى قال أن أعين الآنبياء قد ذبلت منتظرة حضوره وعزائه. عنه كتب يوحنا الحبيب في الأصحاح الثاني من رسالته الأولى الجامعة: "وإن أخطأ أحد فلنا معزٍ عند الآب يسوع المسيح وهو كفارة لخطايانا". إنه يعزي من ينتظر مواعيده ويتطلع على أقواله الواردة في الأسفار الإلهية. * "كلت (ذبلت) عينايْ من انتظار أقوالك: قائلتين: متى تعزيني" [82]... هذا الذبول الطوباوي الذي للعينين الداخلتين المستحق للمديح لا يقوم على ضعف العقل بل على قوة الاشتياق نحو الوعد الإلهي، لهذا يقول "من انتظار أقوالك". بهذا المعنى يمكن لهاتين العينين أن تقولا: "متى تعزيني؟" سواء عندما نصلي أو نتنهد بهذه الغيرة والآنتظار الشغوف. القول: "متى تعزيني؟" يكشف عن امتداد المعاناة من الألم. متى يحدث هذا؟ يا رب، إلى متى تعاقبني؟ "مز3:6. تتحقق (التعزية) عندما نشعر بلذة السعادة بتأجيل (الألم) أو عندما نشعر بأن الزمن مقصر وسيأتي الله سريعًا للمساعدة. لكن الله يعرف ماذا يفعل ومتى، إذ هو "يرتب كل الأشياء بقياسٍ وعددٍ ووزنٍ" (حك18:11). القديس أغسطينوس "صرت مثل زق في جليد، ولحقوقك لم أنسَ" [83]. * إذ شُبه تجسد ابن الله بالندى على الجزة (قض37:6)... فإذًا يكون قوله وتعليمه جليدًا. وكل الذين يذعنون لقوله ويقبلون تعليمه يميتون أعضاءهم التي على الأرض كقول الرسول الإلهي، وهي الزنا النجاسة الهوى الشهوة الردية الطمع الذي هو عبادة الأوثان التي من أجلها يحل غضب الله على أبناء المعصية (كو5:3،6). لكن كل من يميتها ويضمر جسده ويجعله مثل الزق مقدمًا محبة لله الذي مات (من أجله) يستحق أن يقول: "تاقت نفسي إلى خلاصك، وعلى كلامك توكلت"... ولا ينسى أيضًا حقوقه. أنثيموس أسقف أورشليم واضح أن المرتل وقد اشتدت به الضيقة كاد أن يدخل إلى اليأس لولا رجاءه في وعود الله بالخلاص، وهنا نلاحظ الآتي: أ. مع ما بلغه المرتل من حزنٍ شديدٍ وكآبة قلب حتى شبّه نفسه بالزق، إلا أنه بقي أمينًا في ثقته في مواعيد الله: "على كلامك توكلت"، واثقًا في مراحم الله التي تقيم من الموت إلى الحياة [88]، متمسكًا بحفظ شهادات الرب مهما يكن الثمن [88]. ب. أعلن المرتل شوقه إلى خلاص الرب [81]، فإنه لا ينتظر خلاصًا من آخر سواه. سرّ شوقه لا أن ينجو من الضيقة فحسب، وإنما أن يلتقى معه كمخلصٍ ويتعرف على حبه وأحكامه وأسراره. ج. مهما اسودت الدنيا في عينيه يبقى المرتل منتظرًا خلاص الله، فهو آتٍ حتمًا، لأن الله لا يمكن أن ينقض وعوده أو يخزى الرجاء الذي بعثته كلمته. الخلاص قادم، وعلى المؤمن أن يطلبه ويلح في الطلب علامة ثقته في وعد الله. د. ليس لنا أن نحدد لله أوقاتًا، إنما تبقى أعيننا تتطلع إليه وتنتظر تحقيقه: "كلّت عيناي من انتظار أقوالك، قائلتين: متى تعزيني؟" [82] قد تكل أعيننا من انتظارها تحقيق مواعيد الله، لكن تبقى قلوبنا مملوءة رجاءً لا تعرف الفشل، فلا تكل. لقد تطلع إبراهيم بعينيْ قلبه وذلك بالإيمان فرأى يوم الرب، أدرك خلاصه العجيب من بعيد (يو56:8). ه. الإنسان بكل كيانه ينتظر تعزية الرب برجاءٍ مفرحٍ: الشفتان تنطقان لتعبّرا عما في داخل النفس: "تاقت نفسي إلى خلاصك" [81]، وتكل العينان من ترقبا انتظار الرب، ويصير الإنسان كله كزقٍ في جليد. تكل العينان بارتفاعهما المستمر في اتضاع نحو السماء تترقبان خلاص الله العجيب. فما يعجز اللسان عن التعبير عنه تعلنه العينان بانسحاقهما ودموعهما، فتنفتح أبواب السماء وتدخل الطلبة إلى العرش الإلهي. * حقيقة يريدنا أن نفهم بالزق الجسد المائت، وبالجليد البركة السمائية. تُربط شهوات الجسد كما بجليد فتصير بطيئة الحركة، بهذا لا ينسحب برّ الله من الذاكرة، حيث تعبر كلمات الرسول: "لا تعطوا الجسد مئونة لأجل شهواته" رو14:13، "أنا لا أنسى بركم"... لأن هوى الشهوة يبرد، فتشرق ذاكرة الحب. القديس أغسطينوس * من يميت أعضاءه ويشعر أنه يسير في عرضٍ باطلٍ (العالم الزائل) لا يكف عن القول: "صرت كزقٍ في الجليد"، كل ما كان فيَّ من نقط متسربة للشهوة قد جفَّ فيَّ. وأيضًا "ركبتاي ضعفتا من الصوم، نسيت أن آكل خبزي، بسبب صوت تنهدي التصقت عظامي بجلدي" (مز7:102)1. القديس جيروم 2. هذيان الأشرار وحق الوصية مع اشتياقه نحو المخلص وطول انتظاره لمجيئه وتمتعه بتعزياته يشعر المرتل بالمرارة التي تحل به بسبب مؤامرات الأشرار وافتراءاتهم وخداعاتهم، مقارنًا بين كلماتهم المهلكة وكلمة الله الواهبة الحياة. "كم هي أيام عبدك؟! متى تصنع لي حكمًا من الذين يضطهدونني؟!" [84] * الذين يضطهدون المؤمنين هم الشياطين، يحاربوننا إما بواسطة الناس أو بدونهم، فيلتمس النبي من الله طالبًا كسر قوتهم وإخضاعهم تحت أقدامنا. أنثيموس أسقف أورشليم * هذه هي كلمات الشهداء في الرؤيا (10:6،11)، فقد طُلب منهم طول الآناة حتى يتم عدد رفقائهم. "كم هي أيام عبدك؟" يسأل جسد المسيح بخصوص عدد أيامه، ماذا تكون في هذا العالم. هذا لا يفترض توقف وجود الكنيسة هنا قبل نهاية العالم، أو أنها تنسحب منه... أظهر بالحقيقة أن الكنيسة تبقى على الأرض إلى يوم الدين عندما يحل الآنتقام بمضطهديها. ولكن إن كان أحد يندهش لماذا قُدم هذا السؤال... فقد سأل التلاميذ سيدهم ذات السؤال، وأجابهم: "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات" (أع7:1). القديس أغسطينوس يستدر المرتل مراحم الله بحديثه عن قصر أيام غربته، فإن حياته الزمنية تفنى سريعًا وها هي أحزان العدو بالأكثر تدمرها، لذا يطلب نجدة الله وسرعة تدخله ليرى عجائبه قبل رحيله. إنه يصرخ طالبًا عدل الله ضد عدو الخير وضد أعماله الشريرة. "تكلم معي مخالفو الناموس بكلام هذيان لكن ليس كناموسك يا رب" [85]. يرى القديس أغسطينوسأن الكلمة اليونانية المترجمة "هذيان" يترجمها البعض "الملذات"، بمعنى أن مخالفي الناموس يدخلون في مناقشات تحمل نوعًا من اللذة الفكرية. * يضيف: "لكن ليس كناموسك يا رب" [85]، لأن ما يبهجني هو الحق لا الكلمات. القديس أغسطينوس * لكي يضطهدونني يروون لي قصصًا مبهجة، أما أنا ففضلت ناموسك عنها، "لأن كل وصاياك هي حق"، أما مناقشاتهم فتحمل بطلانًا متزايدًا. لهذا يضطهدونني باطلًا، إذ لا يضطهدون فيَّ إلاَّ الحق. إني محتاج إلى عونك كي أجاهد من أجل الحق حتى الموت. هذه هي وصيتك، وهي أيضًا الحق. القديس أغسطينوس يحاول العدو أن يخدعني بكلام هذيان، أيضًا يغويني بالملذات، لكن المرتل يدرك أن لذته الحقيقية هي في ناموس الرب. * تطلع أيها الرب إلهي، أين هي لذتي؟ يخبرني الأشرار عن الملذات، لكن ليست هناك لذة مثل ناموسك يا رب!1. القديس أغسطينوس * الهذيان هو أقوال العالم وتعاليم اليهود التي اتخذوها من تقليدات بشرية (تخالف الكتاب المقدس) وتفاسير الهراطقة، وكتب غير المؤمنين، هذه كلها لا نفع منها ولا خلاص مثلما في ناموس الله... لقد طرد اليهود ربنا يسوع المسيح ورسله القديسين، وطرد غير المؤمنين المسيحيين، لا بسبب سرقة أو فسق أو ظلم أو قتل أو شيء آخر يوجب الموت، وإنما لأجل كلامهم بالحق. هذا عمل ظلم ونفي للحق... كاد الأشرار أن يفنوا حياتي ويجعلونني مولعًا بالأرضيات، أما أنا فلم أبرح عمل وصاياك. أنثيموس أسقف أورشليم "لأن كل وصاياك هي حق. وبظلم طردوني فأعني" [86]. "عما قليل أفنوني على الأرض. وأنا فلم أرفض وصاياك" [87]. * تمت مذبحة عظيمة للشهداء وهم يعترفون بالحق ويشهدون له. وإذ لم يحدث هذا باطلًا يضيف: "أعني، وأما أنا فلم أترك وصاياك". القديس أغسطينوس لقد أدرك المرتل أن طريق الرب مملوء متاعب. يثيره العدو ناكرًا العناية الإلهية لكي يلقيه أرضًا أو يفنيه تمامًا، لكن لم يرفض المرتل وصايا الرب التي تحول اضطهادات الأشرار له إلى أكاليل مجد. عبارات النبي هذه يرددها كل مؤمن في صلاة نصف الليل، لأنها كلمات تمس الواقع اليومي للإنسان التقي الذي لا يكف العدو عن مقاومته بكل الطرق، سواء كان شابًا أو شيخًا، رجلًا أو امرأة! 3. كرحمتك أحيني فم الأشرار يخرج هذيانًا غايته قتل نفسي وإهلاكها أبديًا، أما فم الله فيقدم لي شهادات واهبة الحياة. لهذا يقول المرتل: "نظير رحمتك أحيني، وأحفظ شهادات فيك" [88]. * ليس لله البرئ من الحسيات فم، لكن لما تجسد ربنا يسوع المسيح صار له فم ناطق. إذن شهادات فم الله هي أوامر الإنجيل المقدس المنطوق به منه. وأيضا الآنبياء والرسل والمعلمون هم فم الله، لأنهم يتكلمون كلامه بجهاد. أنثيموس أسقف أورشليم هكذا يختم المرتل حديثه المملوء مرارة من جهة متاعب الأشرار له بالفرح والرجاء، مختبرًا مراحم الله الواهبة الحياة، ومتذوقًا كلمة الله الحية الثابتة. سرّ الرجاء تحولت حياة المرتل إلى زقٍ، وكادت الضيقات تحطم نفسه، لكن رجاءه في الرب أشرق بالنور في حياته، فتحولت مرثاته المرة إلى تسبحة مفرحة: 1. أنه لن يقبل الخلاص إلا من الله وحده... وقد تاقت نفسه إلى هذا الخلاص الذي ليس فقط ينجيه من الضيق وإنما يكشف له عن حب المخلص وأسراره [81]. 2. الخلاص قادم على الأبواب، فإن الله وعد به، وهو يعطيه إن سألناه إياه، وتمسكنا بكلمته، دون أن نحدد له أوقاتًا. 3. يعلن المؤمن عن رجائه في الخلاص بكل كيانه، فاللسان يكشف عن اشتياق النفس، والدموع تنطق بما يعجز اللسان عن النطق به، ويتحول لسان جسده ونفسه إلى صلاة مرتفعة نحو السماء تعلن ثقتها في الله مخلصها. 4. يبذل عدو الخير كل قوته لتحطيم المؤمن وإفنائه تمامًا، أما المؤمن فلا ينحرف عن وصية الرب مطمئنًا أن كل محارباته تتحول إلى أمجاد. 5. لا يتوقف عدو الخير عن السخرية بالمؤمن لتحطيم كل رجاء فيه، ولا تتوقف كلمة الله عن تقديم الحياة له. من وحي المزمور119(ك) وعودك تملأ نفسي بالرجاء المفرح * إذ تحوط بي التجارب من كل جانب، أصير كزقٍ من جلد الحيوان الميت في وسط الدخان، يملأ الدخان الخيمة فأختفي عن الآنظار، أصير نكرة، ليس من ينظر إليّ، ولا من يهتم بي. لكن وعودك الإلهية صادقة، تملأ نفسي رجاء عظيمًا، وتفتح لي باب الخلاص. * إذ تشتد بي الضيقة جدًا تتطلع عيناي إليك وحدك. لقد طال انتظاري وذبلت عينايْ، لكن الخلاص قادم حتمًا! متى تعزيني؟ فإن الرجاء فيك أكيد! متى ترفع عني التجارب ولو مؤقتًا؟! أو متى تأتي لتدين العالم وينتهي العالم بآلامه؟! حقًا إن الوقت مقصر، ولكل شيءٍ زمان عندك يا ضابط الكل! * إذ يعجز لساني عن التعبير، تنطق عيناي بالدموع والذبول. صوتها أسرع وأعظم من صوت الفم واللسان! عيناي تصرخان مع المرتل ومع الشهداء: كم هي أيام عبدك؟ متى تصنع لي حكمًاضد إبليس وملائكته، الذين يضطهدونني. لتسرع، فإن العدو يريد تحطيم أيام غربتي القصيرة! * يحاول العدو أن يجتذبني إلى كلمات هذيان برَّاقة، لكن لا أشعر بلذة إلا في ناموسك. يريد أن يلهب قلبي بمحبة الأرضيات، لكنني لن أبرح وصاياك! كلمات العدو جّذابة لكنها مهلكة لنفسي، أما كلمتك فحازمة، لكنها واهبة الحياة! * يحاول العدو أن يحطم كل الرجاء فيّ، ساخرًا بي، لكنك تحدثني بفمك خلال الآنبياء والرسل، بل جاء كلمة الله نفسه يحدثني بلغة الحب على الصليب، فتح لي باب الرجاء المفرح على مصراعيه! |
||||
10 - 04 - 2014, 04:48 PM | رقم المشاركة : ( 132 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ل - تفسير سفر المزامير 12 - ل كلمتك دائمة في السموات[89 - 96] إذ تحدث عن هذيان الأشرار -الذين يطلبون إفناءه على الأرض- كظلمة قاتلة للنفس يقدم لنا كلمة الله الواهبة الحياة، بكونها الكلمة الثابتة في السموات والمتسعة بلا حدود، تعطي النفس استقرارًا داخليًا، وحياة سماوية مع اتساع حب بلا حدود، إنها تناسب كل العصور، كما يمكن أن تمس حياة كل إنسان. 1. كلمة الرب ثابتة سماوية 89. 2. كلمة الرب تناسب كل الأجيال 90. 3. كلمة الرب تناسب كل بشرٍ 91. 4. كلمة الرب تناسبني شخصيًا 92-95. 5. كلمة الرب واسعة جدًا 96. من وحي المزمور 119 (ل) 1. كلمة الرب ثابتة سماوية كثيرون يظنون أن العالم كله ألعوبة في يد الأشرار، خاصة المتسمين بالعنف، والمستغلين للسلطة. هذا هو سر أنين الأتقياء عبر الأجيال. لكن المرتل يدرك أن كل خطط الأشرار وعنفهم وممارساتهم لن تدوم، فالباطل ينتهي وتبقى كلمة الرب ثابتة أبدية سماوية: "يا رب كلمتك ثابتة في السماء إلى الأبد" [89]. من يلتصق بالأشرار ينحدر معهم إلى الباطل، لأنه تخرج روحهم فيعودون إلى ترابهم، أما من يلتصق بكلمة الرب فينعم باستقرار داخلي وحياة سماوية مع خلود أبدي. حين عصى آدم الوصية عزل نفسه عن كلمة الله ففقد بهجته، وحياته الفردوسية، وصارت أرضه تنبت له شوكًا وحسكًا، وسمع الحكم الإلهي: "من تراب وإلى تراب تعود". لكن جاء آدم الثاني، السيد المسيح، كلمة الآب الأبدي، حتى نتحد به، نحمل طاعته (عب5:5)، فنشاركه طبيعته الإلهية، نجلس معه في السمويات (أف 6:2)، وننعم بشركة أمجاده الأبدية. يرىالعلامة أوريجينوس أن كلمة الله تدوم في السماء إلى الأبد، لأن السمائيين يسلكون بنظام دقيق للغاية وضعه كلمة الله، لا ينحرفون عنه. أما بالنسبة للأرض فإن النظام الكوني يخضع لكلمة الله، بينما ينحرف الشرير عما وضعه له الكلمة حيث يمارس الزنا والنجاسة والشهوات الأخرى، فلا يكون لكلمة الله موضع فيه، "لأنه أية خلطة للبر والإثم؟! وأية شركة للنور مع الظلمة؟!" 2كو 14:6. من تصير سيرته في السماء، وإن بقي بجسده على الأرض يسكنه كلمة الله. ويرى القديس أثناسيوس الرسولي أن المرتل يتحدث هنا عن النظام الكوني، خاصة الأفلاك السماوية وخضوعها لكلمة الله بكون الخليقة كلها "عبيده" [96]. رأينا في الفقرات السابقة [81-88] كيف عانى المرتل من كلمات الأشرار الذين لا يطلبون أقل من إفناء حياته على الأرض. لا يروق لهم حرمانه من العرش فحسب بل يتآمرون على قتله. الآن وقد اختبر وسط هذا المرّ إمكانية وعود الله وكلمته تهلل قلبه طربًا بالرب. عرف المرنم الحلو أن يجد وسط تيارات العالم المهلكة صخرة الحق التي يقفز إليها ويحتمي فيها فلا يتزعزع! لتمارس التيارات المهلكة عملها حسبما تريد فإنها لن تقدر أن تحرك صخرة كلمة الله التي يتحصن المرتل فيها. لم تعد تكل عينا المرتل ولا تصرخ شفتاه ولا يصير كزقٍ يتشقق... وإنما يستريح على الصخرة ليضرب بروح الحق على قيثارة نفسه سيمفونية الحب والإيمان والرجاء. ليدرك أنه لن تخور قواه بعد ولا يكل، لأنه عوض الآنشغال بالتيارات التي حوله يتهلل بالملكوت الإلهي الذي في داخله، ويشترك مع السمائيين في تسابيحهم. وها هو يشهد المرنم الحلو أن ما يختبره لا يخصه وحده، إنما هي خبرة الأجيال كلها في معاملاتها مع الله. هي خبرة كل جماعة المؤمنين في كل عصر، كما هي خبرة شخصية يتذوقها كل مؤمن في حياته الخاصة. * إذ التهب بالاشتياق نحو أورشليم السمائية، تطلع إلى أعلى الممالك العلوية وقال: "يا رب كلمتك دائمة في السموات إلى الأبد"، أي دائمة بين الملائكة الذين يخدمونك أبديًا في جيوشك بدون توقف. القديس أغسطينوس هذا وكلمة الرب أبدي: * تحرك داود ليقول: "يا رب، كلمتك باقية إلى الأبد في السماء" [89]، لأن ما يبقى لا ينتهي وجوده حتى الأبدية1. القديس أمبروسيوس * كلمة الله هو بعينه واحد، وقد كُتب: "كلمة الله ثابتة إلى الأبد" [89]. إنه لم يتغير لا من قبل ولا فيما بعد بل يبقى كما هو دائمًا. فإنه يليق بالله الذي هو واحد أن تكون صورته واحدة، وكلمته واحدة، وحكمته واحدة2. * لم يُكتب في الكتاب المقدس "بكرالله" ولا "خليقة الله"، بل "الابن الوحيد"، "الابن" و"الكلمة" و"الحكمة" لتشير إليه في علاقته بالآب3. البابا أثناسيوس الرسولي 2. كلمة الرب تناسب كل الأجيال "وإلى جيل فجيل حقك، أسست الأرض فهي ثابتة" [90]. تعمل كلمة الرب فينا نحن الأرض، فيهبنا الثبات فيه، وهو أساس بنياننا الروحي! يحول أرضنا الجافة التي تنبت شوكًا وحسكًا إلى أرض جديدة، تصير أيقونة السماء. كلمة الرب تناسب كل العصور، لا تشيخ ولا تقدم، لأن مواعيد الله ثابتة. الكلمة تناسب كل جيل بكونها "حق الله" أو "الحق" الذي لا يتغير. قُدم الحق خلال الظلال والرموز في العهد القديم، وجاء في ملء الزمان مُعلنًا بالتجسد الإلهي، لنتأسس نحن فيه كما على الصخرة، لا يقدر الزمن أن يفسدنا. * "وإلى جيل فجيل أمانتك (حقك)"... لقد نزع الجيل الأول (اليهود رافضوا المسيح) الأمانة (الحق)، قائلًا: "ارفع، ارفع من الأرض مثل هذا" (راجع أع 22:22)، فانتقلت الأمانة من جيل إلى جيل آخر. على هذا الجيل تأسست الأرض، على حجر الزاوية المُلقى كأساس، وقد قاد (هذا) الجيل جميع المخلصين الذين على الأرض، لهذا صارت "الأرض ثابتة"، إذ لها أساس أو قاعدة صلبة لا تتزعزع. العلامة أوريجينوس 3. كلمة الرب تناسب كل بشر كلمة الرب ليست فقط تناسب كل الأجيال، وإنماتناسب كل البشرية في ذات الجيل، أيا كانت جنسياتهم أو ثقافتهم أو جنسهم الخ. "على ترتيبك يثبت النهار، لأن كل البرايا عبيد لك" [91]. * لا يفلت شيء من سلطان الله، إذ يقول الكتاب: "لأن كل الأشياء تتعبد لك" [91]. الكل سواء كخدم لله... واحد فقط وحده هو ابنه الوحيد، وواحد هو روحه القدوس، كلاهما مستثنيان. أما الباقي فجميعهم يخدمون الله بالابن الوحيد في الروح القدس. إذن الله يحكم الكل، وبطول أناته يحتمل حتى المجرمين واللصوص والزناة، محددًا وقتًا معينًا لمجازاة كل أحدٍ. لكن إن أصرَّ من يحذرهم على عدم التوبة من القلب ينالون دينونة عظيمة1. القديس كيرلس الأورشليمي * قد أسس الله الأرض، أي الأرضيين الذين آمنوا بالسيد المسيح الإله المتأنس، أسسهم على هذا الحق، أي على نفسه الذي هو "الحق"، مبنيين عليه كما على صخرة ثابتة. وبإشراقه وظهوره على الأرض متجسدًا رتب نهارًا مضيئًا للمؤمنين، لكن ليس مثل النهار الذي تصنعه الشمس الحسية، لأن النهار الحسي يعقبه ليل ويزول. أما النهار الذي رتبه ربنا يسوع المسيح شمس العدل فيثبت ويدوم. في هذا الدهر تكون إنارته بالرموز والرسوم، أما في الدهر الآتي فيكون جهارًا وعلانية. ويتمتع المؤمنون بنهارٍ أبديٍّ وفرحٍ لا يعقبه ليل، وأما لغير المؤمنين فتكون ليلة أبدية لا نور لها. كافة البشرية خاضعة لسيادة الله. أنثيموس أسقف أورشليم * اليوم الذي صنعه الحق (مز24:118) منير، لأن الله نفسه قد أناره. هذا اليوم يثبت ويدوم بنفس الأمر (مؤسس على المسيح رأس الزاوية)، لا يتغير، ولا نهاية له...* إذ يكون المراد هو الزمن الجديد، النهار المقبل حيث "يكون الرب لك نورًا أبديًا، وإلهك يكون فجر الأبرار" إش 19:60. إذن فالنهار قائم، ولا تغرب شمسك من بعد، أي شمس الظهيرة (عاموس 9:8). أما على الأرض فليس الكل أبرارًا. لا يوجد نهار دائم ولا ليل دائم. حينما يتم الفصل بين الأبرار والأشرار حينئذ يكون الليل للأشرار حيث يلقون في "الظلمة الخارجية" مت 12:8. ويكون النهار للأبرار، حيث يدوم النهار، ولا يعقبه ليل. عن هذا النهار على ما أظن يقول: "يثبت النهار، لأن كل البرايا عبيد لك" [91]. العلامة أوريجينوس * "والنهار (اليوم) أيضًا ثابت" [91]. كل هذه الأشياء هي يوم (نهار): "هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، فلنفرح ولنبتهج فيه" مز14:118. "لنسلك بأمانة كما في النهار" رو13:13. "لأن كل الأشياء متعبدة لك" [91]. يقول "كل" على "البعض"، لأن كل ما ينتمي إلى الليل (هو5:4 LXX) لا يتعبد له. القديس أغسطينوس بقوله: "لأن كل البرايا عبيد لك" [91] يؤكد المرتل أنه يليق بكل المخلوقات أن تخضع لكلمة الرب بكونها عبيد الرب. كل الخليقة السماوية والأرضية تخدم الله في النظام الموضوع لها ليحقق أهدافها، فهل يبقى الإنسان وحده ثائرًا ضد الله وعاصيًا خالقه؟ فكيف لا نقبل نحن المؤمنون ناموسه؟! لنخضع لكلمته ونقبل أحكامه ونخدمه بكل قلوبنا فنثبت إلى الأبد! 4. كلمة الرب تناسبني شخصيًا إن كانت كلمة الرب تناسب كل الأجيال، وتناسب كل بشر، فهي تناسبني أنا شخصيًا. هذه هي مشاعر المرتل الذي مرّ بمرحلة قاسية حيث كاد اليأس أن يحطمه تمامًا، فجاءت كلمة الله ترد له الرجاء، إذًا يقول: "لو لم تكن شريعتك تلاوتي، لكنت حينئذ هلكت في مذلتي. إلى الدهر لا أنسى حقوقك، لأنك بها أحييتني" [92،93]. في وسط الضيق أتلو كلماتك وأذكر وعودك، فتنكشف لي أحكام عدلك وأحب حقوقك. هي سندي الشخصي وسط آلامي وذلي، عوض اليأس تمتعت ببهجة الرجاء. إنها رفيق ممتع ومعزي للنفس. حين ينساني الكل، لا أنسى أنا حقوقك، وحقوقك لا تنساني! بالوصية الإلهية يُنتزع عني الشعور بالعزلة وسط متاعبي، وأتمتع بالحياة (لا 5:18). * لقد قلت أن وقت التجارب والشدائد يُسمى "مذلة"، فطوبى لمن يُوجد في المذلة ولا يهلك. مثلًا، إذا دخلت في تجربة الاستشهاد... وكانت شريعة الله هي تأملي على الدوام، وأتمرن عليها، فإنني إذ أبلغ هذه المذلة لا أهلك، مهما كانت (نهاية) تجربة الاستشهاد. ويمكننا أن نقول ذات الشيء عن أية تجربة أخرى. أيضًا عندما تحاربني الأفكار الشريرة والقوات المعادية أهلك ما لم تكن شريعتك هي عوني... * "لو لم تكن شريعتك تلاوتي، لهلكت حينئذ في مذلتي" [92]... هذه هي شريعة الإيمان، وهو ليس إيمانًا باطلًا، بل العامل بالمحبة (غلا6:5). خلال هذه النعمة يُقتنى (الإيمان) فيجعل الناس شجعانًا في الآلام الزمنية لكي لا يهلكوا في مذلة الأمور الزمنية. القديس أغسطينوس * حسب قول الرسول: فالناموس إذًا كان مؤدبنا يرشدنا إلى المسيح... من كان له الناموس مرشدًا حتى يبلغ ملء الزمان (غلا4:4)، حينما يتخلص مما هو للطفل ويبطله (1كو 11:13)، مثل هذا ليس بفاسدٍ ولا جاحدٍ. يقول المرتل: "إلى الدهر لا أنسى حقوقك، لأنك بها أحييتني". سأحفظ ذكرى تعاليمك التي تسلمتها منك، هذه التي تعلمتها هنا على الأرض، وبها انتقلت من الأرض إلى السماء، وصرت ساكنًا مع الملائكة. العلامة أوريجينوس * برعاية الطبيب يستعيد (المرتل) صحته بعد معاناته من مرض خطير. إنه لا ينسى (وهو في كامل صحته) الدواء الذي أدى به إلى الشفاء. هكذا يحيا المرتل بواسطة حقوقه التي أخذها منه، معلنًا أنه لا ينساها إلى الدهر، مقدمًا السبب وهو أنه بها أحياه الله. القديس ديديموس الضرير * انظروا كيف أنه لم يهلك في اتضاعه، لأنه ما لم يحييه الله يمكن لإنسان ما أن يقتله ولا يقدر أن يحييه. القديس أغسطينوس يكمل المرتل حديثه مع الله عن خبرته الشخصية مع أعماله الإلهية، قائلًا: "لك أنا فخلصني، لأني لحقوقك طلبت. إياي انتظر الخطاة ليهلكوني، ولشهادتك فهمت" [94،95]. إذ يدخل المرتل في علاقة شخصية مع الله يقول له "لك أنا"، فلا يقوم خلاصي على أعمال بري ولا جهادي الذاتي، وإنما على عملك الإلهي، إذ تقتنيني لك، أكون نصيبك وأنت نصيبي... خلال هذه الشركة القائمة على الحب الحق اشتهي حقوقك. عندئذ لا أبالي بترقب الأشرار وتخطيطهم لهلاكي، إنما انشغل بالأكثر بالتمتع بالمعرفة والفهم لشهاداتك. * إنه كمن يقول: لقد أردت أن أكون أنا لذاتي ففقدت نفسي. إنه يقول: "لك أنا فخلصني، إذ طلبت برك"، لم أطلب رأيي الذاتي، الذي به كنت أنا لذاتي لا لبرك، والآن فأنا ملكك. القديس أغسطينوس * من يرتب أعماله وأقواله حسب شريعة الله، ويطلب حقوق الله، يحق له أن يقول "لك أنا فخلصني". بطبيعتي أنا عبدك، وبنعمتك أنا ابنك. حسب عمل وصاياك أنا خادمك، وحسب احتمالي مصادمات الأعداء المنظورين وغير المنظورين أنا جندي لك... فخلصني من الهلاك الذي انتظروا أن يلحقوني به، وذلك لأني لحقوقك طلبت، ولشهادتك عرفت. أنثيموس أسقف أورشليم * انتظرني الأشرار لكي يسلمونني للموت، أما أنا فكنت منشغلًا بشهاداتك، فاقتنيت الحياة العتيدة من هنا. الأب ثيؤدورت * إن تأملنا العبارة بدقة نرى أن الهلاك هو البُعد عن الله، فإنه ليس للقوات المعادية مأرب آخر غير هلاكنا. حين ترقبوني لإهلاكي فهمت شهاداتك ولم ابتعد عنها. العلامة أوريجينوس 5. كلمة الرب واسعة جدًا ارتباطي بالوصية على مستوى شخصي يدخل بي إلى كمالٍ لانهائي، فالكلمة الثابتة السماوية تحول القلب إلى سماء لا تعرف حدودًا. "لكل تمام رأيت منتهي، أما وصاياك فواسعة جدًا" [96]. لقد قدم لنا النبي خبرته، فقد رأى جليات الجبار الذي أذل جيشًا باكمله يسقط بضربة مقلاع؛ ورأى الحكيم المشير أخيتوفل يقدم مشورة فاسدة لابشالوم، وابشالوم القوي والجميل الصورة معلقًا على شجرة ومحتقرًا... هذه هي كمالات العالم ومجده؛ إنه كالعشب سرعان ما يزول. أما كلمة الرب فباقية إلى الأبد، وكما يقول الرسول بطرس: "كل مجد إنسان كزهر عشبٍ، العشب وزهره سقط؛ وأما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد" 1بط25:1. يقول القديس باسيليوس إن وصية محبة الله وقريبنا وعدونا وصية واسعة بلا حدود، لأنها تشمل الكل، فهي تحوى مجموع كل كمالاتنا وهي الاختيار الذي يتوجها. * الحب هو اتساع الوصية. القديس أغسطينوس * لكل فضيلة رأيت منتهي: فالعفة منتهاها ضبط الشهوات، والعدل منتهاه إعطاء كل أحدٍ حقه... والرجولية منتهاها الشجاعة والتجاسر على الأهوال. كل شيء له نهايته، أما الصالحون فنهايتهم ملكوت الله...! رأيت وصيتك واسعة جدًا؛ وإن كان الطريق المؤدي إلى الخلاص ضيق، لكن وصيتك توسعها للذين يحفظونها، وتجعلهم شجعانًا وأقوياء، ونهايتها فسحة فرحة منيرة. أنثيموس أسقف أورشليم كلمة الرب ثابتة وسماوية 1. العالم ليس ألعوبة في يد الأشرار، إنما يضبطه خالقه، أي "الكلمة الإلهي". 2. الكلمة الإلهي يحول أرضنا المنبتة شوكًا وحسكًا، أي جسدنا الشهواني إلى سماء مفرحة، حيث يتقدس الجسد لحساب ملكوت الله. 3. كلمة الرب مقدمة لكل الأجيال، بل ولكل إنسان، ليختبرها المؤمن في علاقة شخصية مع الله. 4. العالم وكل المخلوقات تخضع في ولاء لكلمة الرب... أفلا يليق بنا أن نقبل نحن المؤمنون ناموسه؟! 5. كلمة الرب واهبة الحياة، ولاتساعها لا حدود! من وحي المزمور 119 (ل) كلمتك تبدد هذيان العدو! * يظن عدو الخير أنه صاحب سلطان عليّ، تارة يهددني وأخرى يحاول أن يغويني بكلام هذيان. أما أنا فأتمسك بكلمتك التي تبدد هذيانه! * كلمتك ثابتة في السموات، يتمتع بها السمائيون، التصق بها، فأثبت بها إلى الأبد، وأنعم ببهجتها لأصير سماويًا! * وعود إبليس وجنوده باطلة وزمنية، من يلتصق بها يصير باطلًا! بسببه قيل لي: أنت تراب وإلى تراب تعود! الآن اسمعك تقول لي: أنت سماء وإلى سماءٍ تعود! * تبقى كلمتك عاملة عبر الأجيال. رفضها اليهود حين صلبوا كلمة الله المتجسد، وتلقفتها الأمم إذ آمنت بالصليب! انفتح باب الكلمة أمام كل بشرٍ! * أشرق نور الكلمة، شمس البر، على كل البرايا. فتحول ليلهم إلى نهارٍ ثابت لا يعقبه ليل. هذا هو النهار (اليوم) الذي صنعه الرب، لأفرح وابتهج فيه، كل ما في داخلي يتهلل متعبدًا لك! |
||||
10 - 04 - 2014, 04:50 PM | رقم المشاركة : ( 133 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة م - تفسير سفر المزامير 13- م كلماتك حلوة في حلقي[97 - 104] لما كانت كلمة الرب ثابتة في السمويات، تناسب كل الأجيال وكل العصور وكل الأشخاص، يتمتع بها المؤمن في علاقة شخصية لتدخل به إلى اتساع السماء ورحبها، لذا يجد فيها عذوبة خاصة وحلاوة افضل من العسل. 1. الوصية العذبة وأيضًا تلاوة اسم الله 97. 2. الوصية العذبة والحكمة الأبدية 98-100. 3. الوصية العذبة والجهاد 101-102 4. يا لعذوبة الوصية! 103. 5. عذوبة الوصية وكراهية الظلم 104. من وحي المزمور 119 (م) 1. الوصية العذبة وأيضًا تلاوة اسم الله إن كانت الوصية عذبة فسرّ عذوبتها هو ارتباطنا بالله واستعذابنا لاسمه المحبوب الذي لا نتوقف عن تلاوته كل نهار حياتنا. "محبوب هو اسمك يا رب، فهو طول النهار تلاوتي" [97]. إذ نلتصق بكلمة الرب، شمس البر تتحول حياتنا إلى نهارٍ دائمٍ بلا ليل، فنطرح عنا أعمال الظلمة ونتمتع بتلاوة اسمه القدوس كسلاح النور الذي لا تقدر الظلمة أن تجابهه. إننا لسنا نوقر الوصية فحسب وإنما نحبها أيضًا، لذا نقبلها في حياتنا لتهبنا الشركة في سمات القدوس. ونحن أيضًا لا نكرم اسم الله فحسب وإنما نحبه ونلهج فيه كل أيام حياتنا بكونه علامة حضرته فينا وحضورنا قدامه، نتمتع دومًا بمعيته. لم ينشغل داود النبي بعرشه ولا بمشاكله ولا بأموره الأسرية، إنما في كل شيء وتحت كل الظروف ينعم بحضرة الله وينشغل باسمه القدوس العذب ووصيته المبهجة. مع مرور الزمن يزداد بالأكثر تعلقًا بالله ويشتاق إلى أعماق جديدة في شركته معه. 2. الوصية العذبة والحكمة الأبدية بالتصاقنا بكلمة الله المتجسد تحولت حياتنا إلى نهارٍ دائمٍ، وصار اسمه حلوًا في أفواهنا، أما قادة اليهود فحملوا روح عداوة ضد السيد المسيح وكل خاصته، فاظلمت عيونهم عن معرفة الحق. كان يجب أن يكونوا معلمي المسكونة عن السيد المسيح، لكنهم رفضوه، أما الأمم فقبلته وتمتعت بحكمته الأبدية ونالت استنارة البصيرة. صار اليهود أعداءً للمؤمنين الذين من أصل أممي مع أنه كان يجب أن يكونوا معلمين وشيوخًا. "علمتني وصاياك أفضل من أعدائي لأنها ثابتة إلى أبد الأبد. أكثر من جميع الذين يعلمونني فهمت، لأن شهاداتك هي درسي. أكثر من الشيوخ فهمت، لأني طلبت وصاياك" [98-100]. ربما لم يكن يحمل داود كتابه المقدس في يديه منذ صباه، لكنه حمله في فكره كما في قلبه، فكانت الوصية الإلهية هي سنده وسرّ حكمته حين كان يرعي غنم أبيه في صباه، وهي معلمه حينما دهنه صموئيل النبي ملكًا في الخفاء، وكانت ترافقه كل أيام غربته. ارتبط بمدرسة الوصية في كل مراحل حياته، لهذا كان ينمو في الحكمة والنعمة. أحب الحق الإلهي الذي نقى قلبه وفكره، فصار أكثر من كل الشيوخ فهمًا. ليس في هذا إهانة للشيوخ بل فيه فرحهم ومجدهم، أن يسبقهم تلميذهم في المعرفة. فالمعلم الصالح الحيّ يريد أن يسبقه تلاميذه في كل شيء! * "علمتني وصاياك أفضل من أعدائي"... لأنه بالحقيقة كان "لهم غيرة الله ولكن ليس حسب المعرفة" رو2:10، أما المرتل فكان يفهم وصية الله أكثر من أعدائه، هذا الذي أراد أن يُوجد مع الرسول القائل: "ليس لي بري الذي من الناموس بل الذي بإيمان المسيح، البرّ الذي من الله بالإيمان" في9:3. ليس أن الناموس الذي يقرأه الأعداء ليس من الله، إنما هم لا يفهمونه كما يفهمه هو أكثر من كل أعدائه، مرتبطًا بالحجر (المسيح) الذي تعثروا فيه، "لأن غاية الناموس هي المسيح" رو4:10، لكيما يتبرروا مجانًا بنعمته (رو4:3)، ظانين أنهم يطيعون قانون قوتهم الذاتية. لذلك وإن كانوا يتمسكون بناموس الله إلاَّ أنهم يسعون إلى إقامة برّهم الذاتي. إنهم لا يسلكون كأبناء للموعد، يجوعون إلى البرّ ويعطشون إليه (مت6:5) سائلين وطالبين وقارعين الباب (مت11:7)، متوسلين من الآب ليتمتعوا بالبنوة خلال الابن الوحيد... بل يطلبوا المكافأة الزمنية من نفس الوصية (التي خلالها يتمتع المرتل بالبركات الإلهية). القديس أغسطينوس * "أكثر من جميع الذين يعلمونني فهمت، لأن شهاداتك هي درسي"... من هو هذا الذي له فهم أكثر من كل معلميه؟ إنني أسأل: من هو هذا الذي يتجاسر ويفضل نفسه عن كل الآنبياء، الذي ليس فقط بالكلام علَّم بسلطانٍ عظيمٍ هكذا الذين عاش معهم، وأيضًا الأجيال المتعاقبة بكتاباتهم...؟ ما قد قيل هنا لا يمكن أن يكون عن شخص سليمان... إنني أعرفه بوضوح ذاك الذي يفهم أكثر من كل الذين يعلمون، فإنه إذ كان صبيًا في الثانية عشرة من عمره بقي يسوع في أورشليم ووجده والداه بعد ثلاثة أيام (لو 42:2-46). قال الابن: "كما علمني أبي أنطق بهذه الأمور". من الصعب جدًا أن نفهم هذا عن شخص الكلمة، ما لم ندرك أن الابن المولود من الآب... "أخذ شكل العبد" (في 33:5-36)، فإنه إذ اتخذ هذا الشكل، ظن من هم أكبر منه سنًا أنه يجب أن يتعلم كصبي، لكن ذاك الذي علَّمه الآب له فهم أكثر من كل معلميه، لأنه درس شهادات الله الخاصة به، وهو يفهمها أكثر منهم عندما نطق بالكلمات: "أنتم أرسلتم إلي يوحنا فشهد للحق، وأنا لا أقبل شهادة من إنسان" (يو 33:5، 34). القديس أغسطينوس * "أكثر من الشيوخ فهمت، لأني طلبت وصاياك"... إن كنا مهتمين أن نبحث في الإنجيل عن تعبير "الشيوخ" الذي يفهم (السيد) أكثر منهم، نجد ذلك عندما قال له الكتبة والفريسيون: "لماذا يتعدى تلاميذك تقليد الشيوخ؟ فإنهم لا يغسلون أيديهم حينما يأكلون خبزًا" مت 2:15. انظروا تعدي تقليد الشيوخ الذي اعترض (المسيح) عليه. لنسمع إجابة هذا الذي هو أحكم من الشيوخ: "وأنتم أيضًا لماذا تتعدون وصية الله بسبب تقليدكم؟" مت3:15. القديس أغسطينوس * إننا نفهم نحن المؤمنون وصايا الله أكثر من اليهود، لأن ربنا يسوع المسيح حكَّمنا بروح قدسه لكي نفهم روح الكتاب. هم فهموا ظاهره وجسده... أما نحن المؤمنون فقد تمسكنا بفحواه ومعانيه الروحية التي تدوم لنا إلى الأبد. دعاهم النبي أعداء، لأنهم يعادوننا ويبغضوننا ويلعوننا، أما نحن فنحبهم، ونصلي من أجل خلاصهم، ونباركهم كما أمرنا الرب. الذين سبق فدعاهم النبي أعداء يدعوهم أيضًا معلمين، لأنهم أؤتمنوا على أقوال الله قبلنا، وهي شريعته. وكان عندهم موسى والأنبياء. ومن هذه الأسفار الإلهية اتخذنا نحن العلم، وفهمنا أكثر منهم، إذ قبلنا شهادات ربنا يسوع المسيح وندرسها على الدوام. كان عيسو أكبر من أخيه يعقوب؛ وأما بركة أبيهما إسحق فكانت عتيدة أن تكون للأكبر. ولكن لما طلب منه إسحق طعامًا، خرج إلى البرية ليصطاد ويفترس مثل الوحوش. هكذا كان الإسرائيليون (كشيوخ) أكبر منا نحن الأمميين؛ وكان مقامهم مقام شيوخ مختبرين. وكانت البركات مُعدة لهم، لأن الشرائع والآنبياء أُعطيت لهم. ولكنهم راموا أن يرضوا الله بسكب دماء حيوانية مثل الوحوش، فعندما خرجوا من بيت أبيهم الله أب كافة البشرية، تزينا نحن بمشورة أمنا الكنيسة المقدسة متجملين بالأسفار الإلهية التي كانت حلتهم وزينتهم، وتوشحنا بجلد الحمل الذي ذُبح لأجلنا، أعني بإيمان ربنا يسوع المسيح، وتقدمنا إلى أبينا ليهدينا، وأخذنا البركة وأوائل البكورية. أما هم فاعتزلوا منها، وصاروا في ويلٍ وأسفٍ وعبوديةٍ للشيطان إلى أن يرجعوا إلى الله بالتوبة والإيمان... أنثيموس أسقف أورشليم إذن تهب الوصية معرفة وعلمًا وحكمة، وكما يقول السيد المسيح: "إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم" )يو17:7(. بالوصية الإلهية نعرف كيف نمارس البساطة كالحمام لكن بحكمة أكثر مما للحيات (مت 16:10). يقول المرتل: "أكثر من جميع الذين يعلمونني فهمت"، هذا ليس عن تشامخٍ أو كبرياءٍ، إنما هو اعتراف بعمل الله الذي وهب المرتل حكمة وعلمًا أكثر من معلميه. والمعلم الحقيقي الذي يحمل روح الأبوة يشتهي أن يكون تلاميذه أكثر منه علمًا ومعرفة وحكمة، إذ يفرح كل جيل أن يتقدم الجيل الجديد عليه، وإلا فلا نمو للبشرية ولا بنيان لكنيسة الله. هذا هو التقليد الحيّ الذي يتكئ على الماضي ليمارسه خلال خبرة الحاضر وبلغة العصر ليشهد للإيمان الحيّ في حياة نامية ملتهبة بالروح. هذا التقليد يقوم على كلمة الله التي عاشها الرسل وكل الأجيال التالية لتعيشها كنيسة الحاضر وتقدمها حيَّة بلا انحراف للأجيال المقبلة. 3. الوصية العذبة والجهاد إن كان قد سبق داود معلميه في الحكمة والمعرفة والفهم، فقد زيَّن هذا لا بالكبرياء والتشامخ، بل بالحذر من كل طريق خبيث، حتى يثبت المعرفة بالحياة المقدسة، مؤكدًا رغبته العملية في قبول ناموس الرب ناموسًا له. إن كان ارتباطنا الشخصي بالله إلهنا وباسمه القدوس يعطينا عذوبة خاصة في ممارستنا لوصيته التي بدورها تهبنا حكمة سماوية وفهمًا أكثر من قادة اليهود الذين رفضوا الإيمان، فمن جانبنا علينا مقابل هذه المتعة والعذوبة مع الفهم والحكمة أن نجاهد في حفظ الوصية والالتزام بناموس الرب: "من كل طريق خبيث منعت رجلي، لكي أحفظ كلامك. عن أحكامك لم أحِدْ، لأنك وضعت لي ناموسك" [101،102]. إن كنا قد قبلنا كلمة الله المتجسد، نحن الذين كنا قبلًا أممًا، فمن جانبنا نلتزم أن ننسى كل طريق خبيث ومُخادع، لكي نقبل "الطريق" الواحد الجديد! سرّ عدم حيدان المرتل عن أحكام الله شعوره بأن ناموس الرب وُضع له خصيصًا، كأنه قد شُكل ليناسبه هو شخصيًا، ويهيئه للحياة الجديدة السماوية. لهذا يقول "وضعت لي ناموسًا". إذ ارتبط المرتل بناموس الرب أو وصيته منع رجليه من كل طريق خبيث كي يتمم مشيئة الله في حياته ويحفظ ناموسه، وكلما منع رجليه عن الطريق الخبيث اكتشف بالأكثر عذوبة أعماق ناموس الله. وكأن الناموس يدفعه إلى الجهاد، والجهاد يسنده في اكتشاف الناموس. امتناعنا عن الطريق الخبيث ليس بغية مديح الناس، ولا لنوال مكافأة زمنية، وإنما بغية حفظ ناموس الرب، علامة الطاعة الكاملة لله المحبوب لدينا جدًا. * لأن هذا الذي هو رأسنا، مخلص الجسد نفسه، لا يمكن أن يُحمل بأية شهوة جسدية في أي طريقٍ شريرٍ، حتى يكون محتاجًا أن يمنع منه قدميه، ومع ذلك يمكنهم (أعضاء جسده) بحرية إرادتهم أن يسلكوا هكذا. هذا ما نفعله عندما نمنع أقدامنا عن الشهوات الشريرة، الطريق الذي لا يسلكه هو لكي لا نسلك نحن فيه. بهذا نقدر أن نحفظ كلمة الله، إن كنا لا نسير وراء الشهوات الشريرة (ابن سيراخ 30:17). بهذا لا نطلب الشهوات الشريرة بل نقاومها بالروح الذي يشتهي ضد الجسد (غلا 17:5)، فلا تسحبنا وتغوينا وتلقي بنا في الطرق الشريرة. القديس أغسطينوس * "عن أحكامك لم أحِد، لأنك وضعت لي ناموسًا"... يقرر ما جعله يخاف، حتى منع قدميه عن كل طريق شرير... أنت أعمق من عمقي نفسه، لقد وضعت ناموسًا في قلبي بروحك، كما بأصابعك، فلا أخاف منه كعبدٍ لا يحمل حبًا، بل أحبه بخوفٍ رقيق كابن، وأخاف بحبٍ رقيقٍ. القديس أغسطينوس 4. يا لعذوبة الوصية! تتطلب الحياة الجديدة الجدية والاغتصاب، وامتناع المؤمن عن سلوك كل طريق خبيث ليدخل الطريق الضيق، طريق كلمة الرب المصلوب، ليجد مع الضيقة عذوبة فائقة، فيقول: "إن كلماتك حلوة في حلقي، أفضل من العسل والشهد في فمي" [103]. لكلمة الله عذوبة خاصة، أحلى من كل فلسفات العالم ومعرفته وحكمته. شتان بين من يدرس كلمة الله بطريقة عقلانية بشرية جافة، وبين من يأكلها ليغتذي بها، فيجدها طعامًا مشبعًا وحلوًا، أشهي من العسل والشهد. إنها تعطي عذوبة للنفس، فتحول جفاف قلبنا القاسي إلى عذوبة الحب المتسع والمترفق! كأن كلمة الله في عذوبتها تحول المؤمن إلى الحياة العذبة، فيستعذب الآخرون الشركة معه. * إذا أكل إنسان حصرمًا تضرست أسنانه وصارت تعاني من فرط الحساسية فلا يقوى على أكل الخبز، هكذا أيضًا إذا ما اقتات إنسان على دنس هذا العالم بإفراط وانغمس في أحاديث النميمة الباطلة فإنه يحتقر ويرفض الدرس الإلهي الحلو حتى إذا ما قَرأه هذا الإنسان لا يستطيع أن يقول مع النبي: "ما أحلي قولك يا رب"1. * تبقى حلاوة كلمة الله دائمة فينا شريطة أن نرغب في غرسها في الآخرين بتكرارها وترديدها دومًا بحبٍ كاملٍ متدفقٍ2. الأب قيصريوس أسقف آرل * أحيانًا يكون لعبارات كتابية عذوبة متزايدة في الفم (مز 103:119) كما يكرر المرء عبارة بسيطة في الصلاة عدة مرات دون أن يشبع منها وينتقل منها إلى عبارة أخرى3. مار اسحق أسقف نينوى * الآن تعليم الحكمة المُعلن يشبه العسل، وكالشهد الذي يُضغط عليه من الأسرار الغامضة كما يُفعل بخلايا الشمع بفم المُعلم كمن يمضغه، فيكون حلوًا في فم القلب لا الفم الجسدي. القديس أغسطينوس * إنه سحر الحق الذي عبَّر عنه المرتل مؤكدًا ذلك عند قوله: "كم هي حلوة كلماتك لحلقي، إنها أحلى من العسل في فمي". القديس باسيليوس * صارت كلمات الله حلوة لي مثل عسل الشهد، وصرخت من أجل المعرفة، ورفعت صوتي لأجل الحكمة1. القديس غريغوريوس النزينزي القديس كيرلس الأورشليمي يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أنه ليس كل نفسٍ تجد عذوبة في كلمة الله، بل النفس السوية غير المريضة، فإن المريض لا يشعر بطعم الطعام وعذوبته 3. * مع هذا... لا يعرف البعض حتى أنه توجد كتب مقدسة لانهائيًا. لهذا السبب صدقوني ليس شيء سليمًا، ليس من أمرٍ نافعٍ يصدر عنا4. القديس يوحنا الذهبي الفم إذ يكتب القديس جيروم عن الأرملة Furia تحدث عن دبورة بكونها النحلة التي تجمع من زهور الكتاب المقدس عسل النحل. [حسنًا دعيت نحلة (دبورة)، لأنها تتغذى على زهور الكتاب، وكانت تُحاط برائحة الروح القدس الذكية، وتجمع معًا في وحدة مع الشفاه النبوي عصير النكتارين الحلو.5] 5. عذوبة الوصية وكراهية الظلم إذ يختبر المؤمن عذوبة كلمة الله المملؤه حبًا وترفقًا لا يطيق العنف ولا يقبل الظلم. "من وصاياك تفطنت، فلهذا أبغضت كل طرق الظلم، لأنك وضعت لي ناموسًا" [104]. يميز القديس أغسطينوس بين تعبيرين: "أنا فهمت وصاياك" و"من وصاياك فطنت (فهمت)". الأول يكشف عن إدراكه لمعنى الوصايا، أما الثاني فيكشف عن تمتعه بعطية الفهم أو الفطنة أو الحكمة النابعة عن حفظ الوصايا. * ينطق جسد المسيح بحق بهذه الكلمات، فإن هؤلاء الذين يحفظون الوصايا ينالون معرفة أكثر للحكمة بسبب حفظهم الوصايا نفسها. يضيف أيضًا "فلهذا أبغضت كل طرق الشر". محبة البرّ تستلزم بُغض كل الظلم. هذا الحب الذي هو أعظم قوة بسبب عذوبة الحكمة العلوية التي توحي به، الحكمة التي تُعطى لمن يطيع الله، وتهب فهمًا من خلال وصاياه. القديس أغسطينوس عذوبة كلمة الله 1. لسنا نوقر الكلمة فحسب بل ونحبها، فتحول أيام غربتنا إلى نهارٍ مبهجٍ [97]. 2. بالكلمة الإلهية نتمتع بالحكمة الفائقة، نعيشها كما عاشتها الأجيال السابقة بروح العصر بلا انحراف كي نسلمها وديعة حيَّة للأجيال القادمة [100]. 3. تحفظنا الكلمة من الطريق الخبيث، وحفظنا يعطينا فهمًا أعمق للكلمة. تسندنا الكلمة الإلهية في جهادنا، وجهادنا القانوني يكشف عن أعماق الكلمة [101]. 4. في جهادنا الروحي نكتشف أن الله وضع لكل مؤمنٍ ناموسه الإلهي، كأنه قد أعده خصيصًا له، مما يعمق علاقته الشخصية بكلمة الله [102]. 5. كلمة الله عذبة، تشبع وتقوت، وتعطي النفس حلاوة، فيشتهي الكل أن يلتقي معها ويشاركها عذوبتها في الرب [103]. من وحي المزمور 119 (م) كلمتك عذبة ومشبعة لنفسي! * اسمك حلو ومحبوب، ألهج فيه كل أيام حياتي! العالم بكل مغرياته وآلامه لن يشغلني عن تلاوته! * كلمتك عذبة ومشبعة لنفسي. تهبني معرفة وعلمًا وحكمة من عندك. فهمتها أكثر من اليهود الذين كان يلزمهم أن يكرزوا لي بها. * ناموسك حلو، وضعته خصيصًا لي، ودفعت به في قلبي تسجله بروحك القدوس! بحب التزم به لأتمم إرادتك. أحفظ وصاياك وأمنع رجلي عن كل طريق خبيث. * ناموسك يهبني حبًا لك مملوء مخافة رقيقة، ومخافة ممتزجة بحبٍ رقيقٍ. ناموسك العذب يدفعني للجهاد بقوة، لأتمتع بالطاعة لك أيها المحبوب. * خضعتَ لناموسك أيها الكلمة المتجسد فأعطيته عذوبة، أسلك فيه كما سلكت أنت أيها الرأس المقدس! * كلمتك يا إلهي أحلى من كل فلسفات العالم ومعرفته وحكمته. |
||||
10 - 04 - 2014, 04:54 PM | رقم المشاركة : ( 134 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ن - تفسير سفر المزامير 14- ن مصباح لرجلي كلامك [105-112] عذوبة كلمة الله في فم المرتل لا تعني مجرد لذة فكرية، وإنما هي عذوبة خبرة وتمتع بالنور الحقيقي بعدما ألقته الخطية في ظلمة القبر وحكمت عليه بالموت الأبدي. يبعث الله بكلمته كنورٍ يشرق على العالم المظلم بمعرفة الشر، فتدخل إلى قلب المؤمن لتنير أعماقه وتكشف له عن عالم الروح. عوض خبرة الشر وعالم الإثم يتمتع المؤمن بخبرة برّ الله الساكن في نور لا يُدنى منه، فيرتل قائلًا: "بنورك يا رب نعاين النور".يرىالقديس كيرلس الكبير أن الإيمان هو السراج، وكلمة الله المتجسد هو النور، إذ يقول: [كلمة الله هو موضوع إيماننا، وهو النور. فالسراج هو الإيمان، إذ كان هو النور الحقيقي الذي يضيء لكل إنسان آتيًا إلى العالم (يو 9:1)1.] 1. الوصية نور حقيقي 105. 2. الوصية دخول في عهد 106. 3. الوصية واهبة الحياة 107. 4. الوصية واهبة القوة 108. 5. الوصية والتسليم 109. 6. الوصية تكشف الفخاخ 110. 7. الوصية واهبة البهجة 111. 8. الوصية والتمتع بالإكليل الأبدي 112. كلمة الله نور وحياة من وحي المزمور 119(ن) 1. الوصية نور حقيقي "مصباح لرجلي كلامك، ونور لسبيلي" [105]. كلمة الله نور مثل المنارة الذهبية المتقدة سرجها بلا انقطاع في هيكل الرب، ومثل عمود النور الذي كان يقود شعب بني إسرائيل في البرية نهارًا. أينما كنا سواء في الهيكل أو في الطريق فإن كلمة الله هي القائد الحقيقي الذي ينير لنا الطريق. لماذا يدعوها: "مصباح لرجلي"؟ إنها لا تنير العينين فقط فتنال فهمًا وحكمة، وإنما تنير للقدمين كي يسيرا في الطريق الملوكي، فلا يكفي للمؤمن أن يتعرف عليه خلال الاستنارة الإلهية، إنما أن يسير فيه حتى يبلغ غايته. وكأن غاية الوصية ليس فقط الكشف عن إرادة الله لنا، إنما تبدد من أمامنا ظلمة الطريق الخاطئ، وتكشف لأقدامنا طريق الحق فنتبعه. إذ يتحدث المرتل في ضعفه لم يقل عن الوصية أنها شمس بل مصباح. ففي هذه المرحلة لا تستطيع عيناه على معاينة الشمس، إنما يكفيها مصباح فينير ويبدد الظلام ويقودها إلى السيد المسيح، شمس البر، كلمة الله المتجسد، وكما يقول القديس بطرس: "وعندنا الكلمة النبوية وهي أثبت التي تفعلون حسنًا إن انتبهتم إليها كما إلى سراجٍ منيرٍ في موضع مظلمٍ إلى أن ينفجر النهار ويطلع الصبح في قلوبكم" 2 بط 19:1. عندئذ يُقال: "وهم سينظرون وجهه واسمه على جباههم، ولا يكون ليل هناك ولا يحتاجون إلى سراجٍ أو نور شمسٍ، لأن الرب الإله ينير عليهم، وهم سيملكون إلى أبد الأبدين" رؤ 4:22، 5. في العهد القديم كان للمنارة الذهبية طقسها الخاص، من جهة سُرجها السبعة ونوع الزيت والفتائل، وكان ديمومة إنارتها أمرًا جوهريًا في حياة هذا الشعب. فقد كان ذلك رمزًا إلى حاجة الطبيعة البشرية إلى الاستنارة الإلهية حتى تُنزع عنها طبيعة الظلمة، وتحمل الشركة مع المسيح النور الحقيقي الذي ينير العالم. إن كان السيد المسيح هو "الطريق" الذي يقود إنساننا الداخلي إلى حضن الآب، فإنه هو أيضًا النور الذي يكشف لنا هذا السبيل الملوكي فلا ننحرف عنه. * كان النور بالحق مخفيًا ومحتجبًا في ناموس موسى، لكن لما جاء يسوع، أشرق إذ رُفع البرقع وأعلنت في الحال وبالحق البركات التي قُدم ظلها في الحرف1. العلامة أوريجينوس يمكننا القول إنه عندما جاء "كلمة الله" اللوغوس من السماء، أضاء كل مؤمن في داخله دون أن ينقص اللوغوس. خلال اللوغوس - المصباح والنور - تولدت مصابيح كثيرة من النور الفريد، فيقول كل من أدرك نعمة "كلمة الله"، السراج المنير، "أتطلبون برهان المسيح المتكلم فيَّ؟" (راجع 2كو3:13) تحت كل الظروف، إذ قبلنا كلمة الله نتهيأ لنتحرك في كلماتنا وسلوكنا وفكرنا مستخدمين السراج الذي نضعه أمامنا. فإنه "ليس أحد يوقد سراجًا ويغطيه بمكيال أو يضعه تحت سرير، بل يضعه على منارة لينظر الداخلون النور" لو16:8... فإنه ليس بيننا من أضاء سراجه وصار مدركًا اللوغوس، يجعله عاطلًا بوضعه تحت إناء، أي تحت المكيال (لو33:11؛ مت15:5)، أو تحت سريره، بل يضعه على منارة؛ والمنارة هي موضع السراج... بحسب التفسير الأول "موضع المنارة" هي نفسك، حيث يجب أن تكون موضعًا لكلمة الله. وبحسب التفسير الثاني: فكر في فمك، وفي الكلمات التي ينطق بها عندما تفتحه لكلمة الله (اللوغوس)، وذلك بوضع السراج على منارة، أي في فمك. الداخلون إليك ينظرون النور (لو33:11؛ مت15:5) سواء حسب التفسير الأول (أي متجليًا في نفسك) أو التفسير الثاني (معلنًا في كلماتك وفي فمك). لهذا يقول الكتاب المقدس: "لتكن أحقاؤكم ممنطقة وسرجكم موقدة" لو35:12. السراج هو كلمة الله، اللوغوس، الذي قبلناه والذي به آمنا بالله(الآب)، ليظل مشتعلًا ولا ينطفئ أبدًا. "نور الصديقين أبدي، وسراج الأشرار ينطفئ" (أم 9:13). كان في خيمة الشهادة (خر21:27) السراج موقدًا حتى يراه الذين يخدمون الله ويمارسون طقوسهم ويصيرون مستنيرين به. هكذا بنفس الطريقة يوقد سراج في الكنيسة، خيمة الشهادة (الجديدة). "سراج الجسد هو العين" مت22:6؛ لو34:11. الجسد الكامل يمثل الكنيسة، والسراج الذي يمثل عينها هو البصيرة الروحية في الآنسان. [يربط أوريجين بين المعرفة والعمل] من يدرك اللوغوس، لا يقدر كعين أن يقول لليد: ماذا تفعلين؟ ولا اليد تقول للعين: "لا حاجة لي إليكِ" 1كو12:12، لأن اليد لا ترى لكنها هي التي تمارس (الحياة المسيحية) دون أن ترى الحقائق الروحية. هناك اختلاف بين الذين يدركون اللوغوس (كلمة الله)، فالبعض يدركه مصباحًا والآخرون يدركونه نورًا... العذارى الجاهلات كان لهن مصابيح منطفئة (مت2:25)، "لأن كل من يعمل السيئات يبغض النور، ولا يأتي إلى النور، لئلا توبخ أعماله" يو20:3. كذلك يوبخ يسوع الذين لا ينتفعون دائمًا من النور، الذي معهم ساعة أو لحظة (يو35:5) عند استخدامهم هذا السراج. يقول يسوع: "كان هو السراج الموقد المنير، وأنتم أردتم أن تبتهجوا بنوره ساعة" يو35:5. إنني في حاجة إلى أمرين: مصباح لرجلي، ونور قوي لكل سبلي؛ عندما أسير في الطريق أحتاج إلى سراج أمام خطواتي، لكنني بعد ذلك أحتاج أيضًا إلى نور قوي. العلامة أوريجينوس يرى المرتل أن سياحته في هذا العالم تتطلب الاستنارة بتعاليم الله، التي تقوده في الطريق الملوكي مهما كانت المخاطر التي يتعرض لها. * أشعة الكلمة مستعدة سرمديًا أن تشرق مادامت نوافذ النفس مفتوحة خلال الإيمان البسيط. القديس هيلاري أسقف بواتييه * السراج هو الشريعة بالنسبة للذين يسلكون في الظلمة قبل أن تشرق عليهم شمس البر (ملاخي 20:3)، والنور الحقيقي ليس مصباحًا بل هو الشمس التي تضيء على الذين قد تناهي الليل بالنسبة لهم وتقارب النهار (رو12:13). في هذا النهار يمكننا أن نسلك بلياقة (رو13:13). القديس ديديموس الضرير في اختصار كلمة الله هي مصباح للمؤمن، "لأن الوصية مصباح والشريعة نور" أم 23:6؛ إن عاشها بالروح يكون منيرًا، وإن توقف عند الحرف يصير منطفئًا كمصابيح العذارى الجاهلات. في هذا العالم نحتاج إلى مصباحٍ منيرٍ وسط ظلمة هذه الحياة، فنسلك الطريق الملوكي، حتى نرى الرب وجهًا لوجه فننعم بالنور الأبدي. عاش رجال العهد القديم قبل مجئ شمس البر يستنيرون بمصباح الشريعة، أما رجال العهد الجديد فيتمتعون بنور شمس البر، بكونهم قد صاروا أبناء نهار. * من يرفض قبول نور كلمة الله ينبغي أن يخشى عقاب الظلمة الأبدية1. الأب قيصريوس أسقف آرل * ترجّوا واحتملوا حتى يعبر غضب الله على الليل الذي هو أب الأشرار. لقد كنا نحن ابناء الليل، كنا أحيانًا ظلامًا (أف 3:2؛ 8:5)، وها هي تظهر أثاره في جسدنا إذ نحن أموات بالخطايا (رو 10:8) حتى يميل النهار وتهرب الظلال (نش 17:2)2. القديس أغسطينوس * قيل هذا أيضًا عن المسيح، فقد قيل أنه أُعطى نورًا للأمم كما يقول إشعياء النبي: أعطيتك كنورٍ لكل الأمم، لكي تكون أنت خلاصي إلى أقاصي الأرض. لهذا يقول داود "مصباح لرجلي كلمتك، ونور لسبيلي"3. الأب أفراهات * ليست خليقة، سواء كانت عاقلة أو لها قوة فهم، تنير بذاتها، بل تستنير بالشركة مع الحق الأبدي. القديس أغسطينوس يرى القديس جيرومأن النور هنا لا يشير إلى تبديد الظلام فحسب بل إلى بعث روح الفرح في المؤمنين. ولعل العذارى الحكيمات في استقبال العريس كن يحملن مصابيحهن متقدة وهن أمام شمس البرّ، لا مجال للظلمة، لكن كتعبيرٍ عن الفرح. * خلال كل الكنائس الشرقية، حتى حين لا توجد رفات للشهداء عندما يُقرأ الآنجيل توقد الشموع بالرغم من أن الفجر ربما يكون قد ظهر في السماء، ليس لأجل تبديد الظلمة بل للشهادة للفرح. ولهذا فإن مصابيح العذارى في الآنجيل دائمًا مشتعلة. ويخبرنا الرسل أن تكون الأحقاء ممنطقة والمصابيح في الأيدي متقدة. ونقرأ عن يوحنا المعمدان "كان السراج الذي يضيء" حتى خلال رمز النور المادي يُقدم النور الذي نقرأ عنه في المزمور: "سراج لرجلي كلامك يا رب، ونور لسبيلي"4. القديس جيروم لقد أشرق الآنجيل بالنور الذي كان مختفيًا وراء الحروف في العهد القديم. * الإنجيل، العهد الجديد، يخلصنا من النظام القديم، نظام الحرف، ويُعلن عن سمو النظام الجديد. هذا هو نظام الروح متحققًا بنور المعرفة ومنتميًا بطريقة لائقة إلى العهد الجديد لكنه يوجد مخفيًا أيضًا في الكتب في القديم5. العلامة أوريجينوس 2. الوصية ترفعنا من المذلة في الظلمة يسلك الآنسان بخوفٍ وقلقٍ، متوقعًا السقوط في حفرة أو في هوة أو التعثر بحجرٍ، أما السالك في النور فالطريق بالنسبة له مكشوف، لذا يسير فيه بشجاعةٍ ويقينٍ، لا يخاف الآنحراف ولا العثرة ولا المذلة. لذا إذ وجد المرتل في الوصية الإلهية نورًا لسبيله قال: "حلفت فأقمت على حفظ أحكام عدلك" [106]. يرى القديس أغسطينوسأن القَسَم هنا يعني الإصرار على السلوك في النور وحفظ أحكام عدل الله. * تُحفظ أحكام الله البارة بالإيمان، وذلك عندما لا يُظن أن أي عمل صالح يكون بلا مكافأة، ولا أية خطية لا يُعاقب عنها وذلك حسب أحكام الله البارة. القديس أغسطينوس * يجب أن نتساءل هنا: ماذا تعني "حلفت"؟ لقد قطع الرب عهدًا على مختاريه (مز4:88)، وبعد قطعه العهد قبله المؤمن. هذا العهد قائم بين الله والمؤمن كقَسمٍ بقبوله العهد المقطوع مع الله. بقبولنا العهد نكون قد قطعنا عهدًا نحن معه، وهو أن نقوم على حفظ أحكام برّ الله. أثبت أحكام برّ الله في نفسي، وعندما أثبتها يحدث لي ما قاله سليمان الحكيم في سفر الأمثال: "أحكام الصديقين عدل" أم5:12. هذه الأحكام هي أحكام "برّ" الله. متى تأتي هذه الأحكام؟ عندما "حلفت"، أي ثبَّت هذه الأحكام فيَّ. العلامة أوريجينوس * كلمة "حلفت" لا تعني النطق باسم الله، وإنما هي تعبير عن التحدث بكلمات لا تغيير فيها، وحفظ (العهد) دون ضعف، وذلك بالتنفيذ الحقيقي للعمل فيكون كمن أقسَم (فنفذ). القديس ديديموس الضرير 3. الوصية واهبة الحياة إذ أنارت الوصية للمرتل سبيله انفضحت أمام عينيه خطيته، وأدرك بشاعتها، فتذلل جدًا إلى الغاية، طالبًا مراحم الله وعمله الخلاصي. أدرك أن الموت قد ملك على نفسه وأهلكها، لذا يحتاج إلى كلمة الله النور لكي يرد لها الحياة، فيقول: "تذللت جدًا للغاية، يا رب أحيني كقولك" [107]. * تذللت إما بسبب هجوم الأعداء أو بسبب مقاومة (شهوات) الجسد لنا شخصيًا، والتي تأتي علينا بإرادتنا. القديس أثناسيوس الرسولي * يقول: حتى وإن كان لأي سبب أو علة أنتفخ وأتكبر وأفتخر لأنني ملك وحكيم ونبي، لكنني "تذللت إلى الغاية"؛ لأن الله "يستهزئ بالمتكبرين هكذا يعطي نعمة للمتواضعين" أم34:3. "يا رب أحيني كقولك" الكائنات المحرومة من العقل تحيا ولكن كخليقة غير عاقلة، أما الكائنات العاقلة فتحيا حسب العقل، لأنها خُلقت بطبيعة عاقلة. لكن الجزء الأكبر من الخليقة العاقلة - أتحدث هنا على وجه الخصوص عن البشر - لا يعيشون "كأقوال الله"، وإنما حسب كبرياء (اهتمام) الجسد (رو6:8) وأفكاره. قليلون جدًا هم الذين يعيشون "كأقوال الله". العلامة أوريجينوس 4. الوصية واهبة القوة إذ يختبر المرتل النور بعد الظلمة والحياة المُقامة بعد الموت، يقول: "تعهدات فمي باركها يا رب، وأحكامك علمني" [108]. إذ غمرت المرتل نعمة الله، وأنارت الوصية حياته أراد تقديم ذبائح روحية مقبولة لدى الله، فقدم تعهدات الشكر والحمد لله تحت كل الظروف، ذبائح إرادته الحرة. ماذا يعني ب "تعهدات فمي" حسب النص القبطي، أو "ارتضى يا رب بطوعيات فمي" في الترجمة السبعينية، أو"ارتضى بكلمات فمي" في السريانية؟ إذ تمتع المرتل بالحياة المقامة تعهد أن يعيش بناموس المسيح، أو ناموس الحياة الجديدة، فيمارس الحياة الروحية بما تحمله من جوانب إيجابية كالحب والشركة مع الله وملائكته وقديسيه، وجوانب سلبية كالامتناع عن طرق الشر، هذا مع بعض التعهدات الأخرى، كأن يصمم إنسان على البتولية أو الحياة النسكية الخ. كل هذه التعهدات التي تتناغم مع الوصية الإلهية لا يقدر المؤمن أن يحققها ما لم تعمل الوصية فيه بكونها بركة الرب فيه، فيهبه الرب قوة للتنفيذ كما يعلمه أحكامه ويقوده بنفسه حتى لا ينحرف في تعهداته خارج دائرة الروح. بالإيمان الحي والثقة في إمكانية الله وخلال الحب المتقد فينا نتعهد أن نقدم حياتنا ذبيحة حب لله يوميًا، ولتعمل الوصية فينا فننال بركة الرب ونكون تحت قيادته. * "تعهدات فمي باركها يا رب؛ وأحكامك علمني"... بمعنى لتجعلها ترضيك؛ لا ترذلها بل وافق عليها. تُفهم تقدمات الإرادة الحرة التي للفم على أنها ذبائح الحمد، تُقدم في اعتراف الحب، وليس عن الخوف من الالتزام، كما قيل: "أقدم لك تقدمة الإرادة الحرة" مز6:5. القديس أغسطينوس * نطلق على الأعمال التي نود أن نمارسها بإرادتنا طواعية "تعهدات" فمنا. نذكر على سبيل المثال: "وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهن" 1كو25:7، يقصد البتولية التي لم يصدر عنها وصية أو أمر لكنني أمارسها طوعًا، إذ اختار النصيب الصالح أو النصيب الأفضل (1كو38:7)؛ هذه اقبلها يا رب! هكذا في باقي أمور حياتنا نكتشف أننا نتمم بعض الأعمال كعبيدٍ يتلقون الأوامر، وننفذ الأخرى طوعًا. "وأحكامك علمني" [108]. يقول إنني أعرف جيدًا أن أحكامك بعيدة عن الفحص (رو33:11)، ومع هذا علمني إياها لكي إذ أتعلمها أقوم بتنفيذها، وأبتهج بأحكامك الصالحة. العلامة أوريجينوس 5. الوصية والتسليم إذ يرى المرتل في الوصية عهدًا بين الله والآنسان أو "ديالوج Dialogue" حبٍ من الجانبين، فيه يختبر المؤمن قوة الكلمة كمصباحٍ ينير له طريق غربته وكنورٍ أبديٍ يلازمه في الأمجاد السماوية، وكقوة قيامةٍ تهب حياة جديدة وبركة، يطلب من الرب أن يعلمه أحكامه ويقوده بنفسه. أما المرتل ففي دالة البنوة وطاعة الحب يعلن تسليم حياته في يدي الله، وانشغال كيانه كله بناموسه، قائلًا: "نفسي في يديك كل حين، وناموسك لم أنسه" [109]. أدرك المرتل أن الأخطار تحوط به من كل جانب، ففي مواقف كثيرة كان على عتبة أبواب الموت، تارة خلال خطط شاول الملك ضده، وأخرى خلال ابنه أبشالوم والذي خطط له مشيره الشخصي أخيتوفل. لم يجد لنفسه مأوى آمن إلا يدي الله، فيطلب أن تُحفظ هناك. بين يدي الله لا نفكر في المخاطر التي تحل بنا ولا في عداوة الآخرين إنما نجد لذتنا في ناموس الرب ونرتبط بالحق. يقول القديس أغسطينوس أنه جاء في بعض النسخ: "نفسي في يدي". على أي الأحوال إنها في يد الله حيث يعود المؤمن بالتوبة كالابن الراجع إلى أبيه ليسلمه حياته ونفسه فيحييها، أو هي في يد المؤمن يقدمها لله تقدمة محبة لكي يهبها الحياة. * "نفسي في يدي"... تكون نفس أي إنسان بين اليدين حين يكون في وسط مخاطر... إذن يقول البار: بالنسبة لي فإني أموت كل يوم، أنا في خطر دائم من أجل (ارتباطي) بكلامك، ومن أجل الحق... ولكنني لم أنسَ ناموسك، لأن خطر الموت لا يقدر أن ينسيني ناموسك. يمكننا أن نفهم هذه العبارة بطريقة أخرى، وهي أن نفسي دائمًا في كفي، أي أنها دائمًا تمارس الأعمال الصالحة، لأن "اليد" أو "الكف" تُطلق دائمًا على العمل. العلامة أوريجينوس كأن نفسي في يدي الله العامل فيّ، إذ يحول وصاياه إلى خبرة حياة وعمل في حياتي اليومية، وأما أنا فمن جانبي أتجاوب مع هذا العمل بعدم نسياني لناموسه. فما أمارسه حسب ناموس المسيح إنما هو هبة الله ونعمته لي. * لأن نفوس الأبرار في يد الله" حك1:3، هذا الذي في يده نحن وكلماتنا (حك16:7)... يمكن فهم "نفسي في يديك"... على انها كلمات الآنسان البار لا الشرير، هذا الذي يعود إلى الآب ولا يرحل عنه (لو12:15،24)... في موضع آخر يقول: "إليك يا رب رفعت نفسي" مز1:25. القديس أغسطينوس 6. الوصية تكشف الفخاخ نفسي محفوظة بين يديك تحميها وتسندها، عاملًا فيها لتتجاوب مع عمل نعمتك. أما الأشرار فلا يستسلموا ولا يتوقفوا بل بالأكثر يقاومونني بكل وسيلة. "أخفي الخطاة لي فخًا، ولم أضل عن وصاياك" [110]. * متى يحدث هذا إلا أنه بسبب أن نفسه في يدي الله، أو أن نفسه في يده يقدمها لله كي يحييها. القديس أغسطينوس * انهم مثل صيادي الحيوانات غير العاقلة يضعون فخاخًا لاصطيادها، هكذا يفعل الشيطان وجنوده. لقد ملأوا العالم كله بالفخاخ، وملأوا الحياة بالشباك. يقول: نصب هؤلاء لي فخاخًا في كل موضع، ومع هذا فإنني حفظت وصاياك على الدوام ولم أضل بعيدًا عنها. وفي مزمور آخر بعد ذلك يقول: "نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين" 7:124. العلامة أوريجينوس 7. الوصية واهبة البهجة إذ تفتح الوصية الإلهية عيوننا لنرى يدي الله مبسوطتين لاحتضاننا ندرك أن كل فخاخ العدو لا تقدر أن تصطادنا، عندئذ نتمسك بها كميراثٍ أبديٍ ويبتهج قلبنا بها. "ورثت شهاداتك إلى الأبد، لأنها بهجة قلبي هي" [111]. اكتشاف المؤمن لقوة كلمة الله يهبه الغيرة ليعلن أنها ميراثه الشخصي ونصيبه ليس إلى حين بل أبديًا، يقبلها بفرح وبهجة قلب فلا يتزعزع أبدًا. يرى العلامة أوريجينوس أن "شهادات الرب" تعني قبول الوصية برضى، والشهادة للحق أي للمسيح أمام الناس بلا خجل، مجاهدًا حتى الموت. هذه الشهادات تهب المؤمن فرحًا كما قيل عن الرسل: "ذهبوا فرحين من أمام المجمع، لأنهم حُسبوا مستأهلين أن يُهانوا من أجل اسمه" أع41:5. * لقد اقتناها ميراثًا وذلك إلى الأبد، لأنها لا تحمل فيها مجدًا زمنيًا للبشر الذين يطلبون الأمور الباطلة، بل تحمل المجد الأبدي للذين يتألمون إلى زمن قصير والذين يملكون بلا نهاية. لذلك جاءت الكلمات التالية: "لأنها بهجة قلبي هي"؛ فمع أحزان الجسد توجد بهجة القلب. القديس أغسطينوس 8. الوصية والتمتع بالإكليل الأبدي أخيرًا فإن الوصية جذابة للقلب الذي ينفتح على الأبدية ليرى المكافأة. "عطفت قلبي لأصنع فرائضك إلى الأبد من أجل المكافأة" [112]. * "عطفت" قلبي نحو شريعتك، نحو "فرائضك"، نحو "أوامرك"، لأني عرفت أن هناك مكافأة تنتظرني. هذه المكافأة هي "ملكوت الله"؛ "ما لم تره عين، وما لم تسمع به أذن، وما لم يخطر على قلب بشرٍ، ما أعده الله للذين يحبونه" 1كو9:2. العلامة أوريجينوس ربما نتساءل: هل نصنع فرائض إلى الأبد؟ حتمًا لا! لكن إن كان الحب هو جوهر الفرائض الإلهية، فيبقى الحب أبديًا. بهذا تحسب أعمال الفرائض أبدية. * الذي يقول "عطفت قلبي" سبق فقال "أمل قلبي إلى شهاداتك" [26]، وذلك لكي تفهم أن ذلك عطية إلهية وأيضًا هي عمل الإرادة الحرة. هل نصنع برَّ الله إلى الأبد؟ هذه الأعمال التي نتممها لأجل احتىاجات أقربائنا لا يمكن أن تكون أبدية حيث يتوقف الاحتياج إليها. لكن إن كنا لا نمارسها عن حب لا تكون برًا. أما إذا مارسناها عن حب، فهذا الحب أبدي، وله مكافأة أبدية مخزونة لأجله. القديس أغسطينوس كلمة الله نور وحياة 1. إن كانت الظلمة قد سادت العالم، لا نخاف مما فيه من عثرات أو أشراك أو فخاخ، مادمنا نمسك بمصباح حكمة الله المنير [105] الذي يبدد ظلام الجهل والحماقة. 2. إذ نختبر نور كلمة الله ندخل في عهد ثابت مع الله، فيه نعلن ولاءنا وطاعتنا له [106]. 3. تكشف كلمة الله عن الموت الذي ملك علينا بالخطية لتهبنا الحياة [107]. 4. بكلمة الله نقدم من جانبنا تعهدات بكامل حريتنا يباركها الرب [108]، كما نتعهد بتسليم حياتنا له [109]. 5. كلمة الله تكشف لنا عن فخاخ العدو وتحمينا منها [110]. 6. كلمة الله ميراث لنا يعكس علينا روح البهجة [111]، بها ننال مكافأة أبدية [112]. من وحي المزمور 119(ن) كلمتك تنير لي طريق الفرح * كلمتك هي المنارة التي تنير مقادسك في داخلي، وعمود النور الذي يقود كل كياني في الطريق إلى كنعان السماوية. تبدد كل ظلمة في أعماقي لتعلن نورك السماوي. أحملها أينما وجدت، فلا أتعثر في الظلمة! * في العهد القديم كانت النبوات مصباحًا، حملته حتى دخلت إليك فرأيتك يا شمس البرّ. أشرقت عليّ بنورك الإلهي الأبدي، فجعلتني نورًا للعالم. * أشرقت بنور الروح عليّ، فحملتني من الحرف القاتل إلى الروح المحيي. أدركتك وراء حروف الكتاب، وتلاقيت معك أيها النور الفريد! * كلمتك هي نور الفرح والبهجة. لأحملها مع العذارى الحكيمات فأدخل معهن في صحبة شمس البرّ. لا تحتاج السماء إلى مصباحي، بل أنعم أنا بنور الفرح في عرسٍ أبديٍ لا ينقطع. * إذ تنير لي كلمتك اكتشف خطاياي فأتذلل، وأدرك قوة مواعيدك، فأحيا بقولك. أقدم لك نفسي التي في يدي تقدمة حب، أسلمها لك فتتعهدها بنفسك وتحييها. * تنير لي كلمتك فاكتشف الفخاخ المنصوبة، حسبوني كحيوانٍ مفترسٍ وأرادوا اصطيادي وقتلي. * كلمتك تنير لي عن ميراثي الأبدي ومكافأتي، فأجاهد بروح الفرح والبهجة. أجري إليك وأضع نفسي بين يديك فتحييها وتحميها. |
||||
10 - 04 - 2014, 04:56 PM | رقم المشاركة : ( 135 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة س - تفسير سفر المزامير 15- س عضِّدني حسب قولك [113 - 120] يسلم المرتل حياته بين يديْ الله ليبقى دائمًا متمسكًا بالوصية الإلهية كمصباحٍ ينير له طريق غربته ونورٍ أبدي يرثه في الحياة الأخرى. الآن وهو في يدّي الله يطلب عونه وتعضيده ضد مقاومي الوصية، سائلًا إياه أن يهبه خلاصًا وحكمة مع مخافة الرب حتى يُحفظ في الوصية دون انحراف. 1. عون ضد مقاومي الوصية 113-115. 2. عون لحياته الداخلية 116-117. 3. عون لاحتمال الظلم 118-119. 4. حاجته إلى مخافة الرب 120. من وحي المزمور 119 (س) 1. عون ضد مقاومي الوصية "لمتجاوزي الناموس أبغضت، ولناموسك أحببت" [113]. مع أن داود النبي لم يستطع القول بأنه قد تحرر من الأفكار الباطلة، لكنه كان يبغضها. كان يبذل كل الجهد لطردها والتغلب عليها. وبقدر ما كان يقاومها كان قلبه يزداد حبًا نحو ناموس الرب. فالحياة المقدسة والتأمل في الوصايا رفيقان كل منهما يسند الآخر. إذ نكره الخطية نحب الوصية، وإذ نحب الوصية تزداد كراهيتنا للخطية. * لم يبغض النبي المغبوط أناسًا مثل أبشالوم وشاول وأمثالهما، وإنما عني ببغضه مخالفي الناموس الأفكار والأعمال والحركات التي تسوق إلى مخالفة ناموس الله. ويمكن أيضًا أن يعني الذين يغوون الناس لمخالفة الناموس. فقد أمرنا أن نبغض والدينا وأقرباءنا؛ ولكن ليس المراد من هذا القول أن نبغض أناسًا، لأنه كيف يناقض قوله أن نحب أعداءنا؟! وإنما عني أن نبغض ونرفض أقوالهم وأعمالهم التي تخالف ناموس الله. لقد طلب أن نبغض أنفسنا، بمعنى أنه إذا كانت شهواتنا مضادة لإرادة الله فلا نطيعها. وأيضًا البغضة تعني تأخير محبة الأقرباء ومحبتنا لأنفسنا مفضلين محبة الله عنها. وذلك كما يُقال عن نور السراج ظلمة قياسًا إلى نور الشمس. فمن يحب ناموس الله يبغض أي يزدري بكل أمر يحثه على مخالفته، ويكون الله معينًا له، وناصرًا، على أعدائه بسبب اتكاله على أقواله. أنثيموس أسقف أورشليم * إنه لم يقل "أبغض الأشرار وأحب الأبرار" ولا "أكره الظلم وأحب شريعتك"، لكن بقوله "أبغضت الأشرار" أوضح السبب بإضافته: "ولناموسك أحببت"، مظهرًا أنه لم يكره الطبيعة البشرية في الأشرار، بل شرهم الذي هو عداوتهم للناموس الذي يحبه. القديس أغسطينوس قدرما يحب المرتل ناموس الله ويتعلق بكلمة الله لا يطيق ما يناقض أفكار الله وطرقه المقدسة، إنه يبغض ما ينقض الشريعة. "لأنك معيني وناصري أنت، وعلى كلامك توكلت. اعدلوا عني أيها الأشرار، فأفحص عن وصايا إلهي" [114، 115]. جاء في النص العبري: "سري ومجني أنت" [114]، فالله بالنسبة لداود النبي هو موضع سري يختفي من الأعداء، ومجن يصد به السهام. فقد اعتاد النبي أن يهرب من وجه شاول مختفيًا حتى لا يسقط تحت يده فيقتله، كما كان يمسك بالمجن أثناء الحروب ليصد السهام عنه. لقد صار الله بالنسبة له كليهما، يختفي فيه هاربًا من وجه الشر، أما إذا دخل في معركة فيمسك به كمجنٍ حتى ينجو من فخاخ العدو وحروبه. في هذا يقول المرتل: "لأنه يخبئني في مظلته في يوم الشر؛ يسترني بستر خيمته" مز 5:27؛ "أما أنت يا رب فترس لي" مز 3:3؛ "ترسي عند الله مخلص مستقيمي القلوب" مز 10:7. يحب المرتل كلمة الله الثابتة إلي الأبد ولا يقبل آراء الناس المتغيرة والمناقضة لناموس الرب، فلا يتكل عليها، لهذا يكمل حديثه: "وعلى كلامك توكلت". كأن المرتل لا يكره الناس الأشرار وإنما الاتكال على مشوراتهم الشريرة. أخيرًا فإنه يجد في الأشرار عقبة في فحصه وصايا إلهه، يريدون أن يشغلوه عن الكلمة الإلهية بكل وسيلة، لهذا يطلب إليهم أن ينصرفوا عنه، فلا يدخل معهم في عشرة وشركة. بهذا يتفرغ لفحص وصايا الله إلهه، وكأنه إذ يعتزل الشركة مع الأشرار يتمتع بالشركة مع الله على مستوى شخصي. إذ يصير الله هو إلهي، أحسب شريعته شريعتي، وناموسه هو ناموس حياتي. * يدعو النبي الأفكار الشريرة النابعة من القلب والتي تنجس الإنسان "أشرارًا" فيزجرها ويقصيها بعيدًا عنه، لأن وجودها يصد فحص وصايا الله. ولما كان طردها ليس في قدرة الإنسان دون معاضدة الله، لذلك يقول: "عضِّدني". أنثيموس أسقف أورشليم * "أنت معيني" في صنع الأعمال الصالحة، "ناصري" في الهروب من الشر فورًا. يلي ذلك الكلمات: "وعلى كلامك توكلت"، إنه يتحدث كابن الموعد. القديس أغسطينوس "أعدلوا عني أيها الأشرار، فأفحص عن وصايا إلهي"... * لم يقل "أتمم" (وصايا إلهي)، بل "أفحص عنها"، لكيما يتعلم هذا الناموس باجتهاد وفي كمال. إنه يأمر الأشرار أن يفارقوه، بل يُلزمهم بالقوة أن ينسحبوا من رفقته. لأن للأشرار دور في عدم تنفيذ الوصايا، يقودونا بعيدًا عن فحصها، ليس فقط عندما يضطهدوننا أو عندما يريدون أن يقيموا دعوى ضدنا، بل وحتى عندما يكرموننا... فإنهم يتوقعون منا أن ننشغل معهم في شهواتهم الشريرة المتواصلة، وأن نقضي وقتنا معهم... إنهم يسببون لنا ضياع الوقت الذي كان يلزم أن نقضيه في خدمة الإلهيات. بالتأكيد، أقول: إننا بسبب هؤلاء الناس نصرخ بهذه الكلمات التي لجسد المسيح: "أعدلوا عني أيها الأشرار، فأفحص عن وصايا إلهي". القديس أغسطينوس 2. عون لحياته الداخلية إذ دخل المعركة الروحية فوجد الله مخبأه من الخطر، وترسه ضد سهام الخطية، وكلماته هي القانون الحربي الروحي للغلبة على إبليس، الآن يطلب من الله العون والعضد. يحتاج المؤمن إلى تعضيد الله ومساندته، فهو وحده واهب القيامة، يقدر أن ينتشله من موت الخطية ويهبه الحياة الجديدة، بهذا لا يخيب رجاؤه المفرح. لن يتحقق خلاصه ولا يدرك أسرار وصيته دون النعمة الإلهية، وفي نفس الوقت إذ يدرس وصيته ويدخل إلى أعماقها يتمتع بنعمة الله وبسنده، فيقول: "أعضدني حسب قولك فأحيا، ولا تُخيِّب رجائي" [116]. * ذاك الذي قال قبلًا: "أنت ناصري"، يصلي لكي ما يُسند أكثر فأكثر... الأمر الذي من أجله يحتمل أتعابًا كثيرة... يقول عن المستقبل "فسأحيا"، كما لو كنا لا نحيا حاليًا في هذا الجسد المائت. بينما ننتظر رجاء أجسادنا نخلص بالرجاء، مترجين ما لا نراه، منتظرين بصبرٍ (رو23:8-25). لكن الرجاء لا يخيب، إن كان حب الله ينتشر في قلوبنا بالروح القدس الذي أُعطي لنا (رو5:5). القديس أغسطينوس "أعني فأخلص، وأدرس في وصاياك كل حين" [117]. هكذا يربط المرتل بين التمتع بالحياة الجديدة والخلاص مع الدراسة الدائمة في الوصية. إنه يطلب العون الإلهي الذي به يقدم تعهدًا أن يدرس وصايا الرب بلا انقطاع. * يقول: "أدرس في عدلك كل حين"... لأن هذه النعمة يحظى بها الذين يحفظون الناموس هنا وفي الحياة العتيدة. أنثيموس أسقف أورشليم 3. عون لاحتمال الظلم بعد أن طلب عون الله ضد الشر الداخلي والإغراءات الخارجية [113-115]، وسأل أن تعمل قيامة الرب في حياته، تفتح له أبواب الرجاء وتكشف له أسرار الوصية وقوتها، يطلب عونًا خاصًا لمواجهة الظالمين العصاة. "رذلت سائر الذين حادوا عن وصاياك، لأن فكرهم ظلم. عصاة حسبت سائر خطاة الأرض، فلهذا أحببت شهاداتك في كل حين" [118،119]. يرى المرتل في الأشرار أن فكرهم باطل أو ظلم وأنهم خطاة الأرض، وليسوا كالمؤمنين الحقيقيين الذين هم ليسوا من هذا العالم. فإن كانت وصية الرب ترفع القلب إلى السمويات فإن الشر يربط صاحبه بالتراب والأرض. * لماذا تركوا برّ الله؟ "لأن فكرهم ظلم". لقد ساروا في هذا الاتجاه وهم يتركون الله. كل أعمالهم - صالحة أو شريرة - تصدر عن الأفكار؛ فكل إنسان يكون بريئًا أو مجرمًا حسب فكره. القديس أغسطينوس "عصاة حسبت سائر خطاة الأرض"... يرفض القديس أغسطينوسرأي بعض الشراح القائلين بأن الذين بلا ناموس يهلكون أما الذين تحت الناموس فيدانون على خطأهم ولا يهلكون، أي يخلصون كما بنار. هنا يرفض القديس أغسطينوس فكرة المطهر تمامًا. ويرى أن الذين بلا ناموس يعصون ناموس الطبيعة الذي فيهم، كما يُحسب كاسروا الناموس عصاة أيضًا. بهذا كل الخطاة المصرّين على خطأهم بلا توبة يدانون. لهذا يلجأ المرتل إلى النعمة الإلهية، ويطير نحو الروح واهب الحياة لكي تمحى خطاياه. 4. حاجته إلى مخافة الرب السند الحقيقي للإنسان ضد كل شر هو خوف الله. "سمِّر خوفك في لحمي، لأني من أحكامك جزعت" [120]. يرتبط الرجاء المفرح بمخافة الرب فكما جاء في سفر حبقوق: "سمعت فارتعدت أحشائي، من الصوت رجفت شفتاي، دخل النخر في عظامي وارتعدت في مكاني لأستريح في يوم الضيق... فإني ابتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي" حب 16:3، 18. * الشهوات الجسدية تمثل جزءًا أساسيًا في الجسد، وبوصايا العدالة والمسامير يمزق خوف الله جسدنا ويصلبه كذبائح مقبولة لدى الرب. القديس أغسطينوس يتساءل القديس أغسطينوس قائلًا: "إن كان بالفعل قد خاف (الله) أو إن كان الآن يخاف فلماذا لا يزال يصلي إلى الله لكي يُصلب جسده في خوفه؟ هل يطلب خوفًا إضافيًا متزايدًا يخصص له يكفي لصلب جسده، أي صلب شهواته الجسدية، وكأنه يقول: "اجعل خوفك كاملًا فيَّ؛ لأنني أخاف أحكامك؟" ويجيب على ذلك بقوله أنه خلال الناموس الذي يعاقب على الشهوات الجسدية كان المرتل يخاف الله، يخافه من التهديدات بالعقوبة، لكنه يطلب الحب الذي يطرد مثل هذا الخوف خارجًا ويسمر فيه خوفًا جديدًا ينبع عن البهجة بالبركات الروحية. خلال حب البرّ يحسب الخطية نفسها عقوبة. بمعنى آخر عوض الخوف من العقوبة التي يهدد بها الناموس الإلهي، صار لنا في عهد النعمة خوفًا جديدًا، وهو الخوف من الخطية نفسها، إذ نحسبها عقوبة مرة مادمنا نذوق نعمة البركات الروحية السماوية. * يعني كما أن المُسمر على الصليب لا يتحرك خوفًا من الألم، كذلك من يفتكر فيما حكم به الله على المذنبين لا يتحرك أية حركة ذميمة خوفًا من ألم العذاب. أنثيموس أسقف أورشليم * يا للسرّ الإلهي الذي للصليب! يتعلق عليه الضعف، وتُسمر فيه الرذائل، وترتفع عليه تذكارات الغلبة حتى أن قديسًا قال: "سمِّر خوفك في لحمي". إنه لا يقصد مسامير حديد بل الخوف والإيمان، لأن روابط الفضيلة أقوي من روابط العقاب 1. القديس أمبروسيوس * كما أنه لا يمكن لريحٍ ما أن تقتلع شجرة سنديان لها جذورها المتأصلة من الطبقات الدنيا في الأرض، بل تبقى ثابتة، هكذا أيضًا النفس التي تُسمر بخوف الله لا يقدر أحد أن ينتزعها، فإن الذي يُسمر أقوى من الذي له جذور 2. القديس يوحنا ذهبي الفم * أن تتطلع إلى الصليب يعني أن يجتاز الإنسان بكل حياته كميتٍ ومصلوبٍ عن العالم (غلا14:6)، لا يحركه الشر. حقًا كما يقول النبي "سمروا جسدهم بخوف الله" [120]. المسمار هو ضبط النفس الذي يضبط الجسد 3. القديس غريغوريوس أسقف نيصص * يريدنا أن نلتصق به هكذا ونتحد معه حتى لا ننفصل قط عنه 4. القديس يوحنا ذهبي الفم كلمة الله عضدي وعوني! 1. يعلن المرتل رغبته في اعتزال الأشرار[113]، فلا يطيق مشوراتهم الشريرة وآرائهم المناقضة للناموس، حتى يدخل في شركة مع الله إلهه، حاسبًا ناموس الله ناموسه الشخصي [114]. 2. كرجل حرب يجد في الله سرّ نصرته: * إذا رأى الخطر قادمًا يهرب إلى الله ليختفي فيه. * إذا حلّ الخطر يرى في الله المجن والترس يصد به سهام الشريرة الملتهبة نارًا. * يخضع لكلمات الله بكونها أوامر عسكرية روحية تسنده على النصرة، بطاعته إياها. 3. يطلب العون الإلهي والسند، ومن جهته يلتزم بدراسة وصية الله كل حين. [117]. 4. يطلب العضد الإلهي حتى يرفض الشركة مع خطاة الأرض [119] الذين يحيدون عن ناموس الرب، بغية ارتباطه بالوصية فينال شركة مع السمائيين. 5. أخيرًا لكي تكون الوصية سنده يحتاج إلى مخافة الرب التي هي رأس الحكمة [120]. من وحي المزمور 119(س) اسندني كمواعيدك الإلهية * كثيرون يبغضون ناموسك، هب لي أن أحب الناموس وأبغض بغضتهم له. لأبغض كل فكرٍ أو قول أو عمل يسوقني إلى مخالفة ناموسك . لأبغض أعمال وأقوال والدي التي تدفعني لمخالفة ناموسك، بل أبغض أعمالي وأقوالي التي تحثني على بغض وصاياك. لا أكره الطبيعة البشرية بل الشر المقاوم للحق! * أنت صخرتي، فيك أستتر وأختفي من الأعداء. أنت مجني، بك أصد سهام الشرير الملتهبة. * اعدلوا عني أيها الأشرار، لأنكم تريدون اعتزالي كلمة الله. لاعتزل شركتكم بالشركة مع إلهي، وأحسب شريعته شريعتي، وناموسه ناموسي الشخصي. لتفارقونني، فإنكم تضطهدونني بسبب الوصية الإلهية، أو تمالقونني لأنشغل عنها! * اسندني فأدرس وصاياك هنا وفي الحياة العتيدة. اسندني فأطير بنعمتك، وأخلص من خطاياي. سمِّر خوفك في لحمي، فهو سندي ضد كل خطية! عوض الخوف من العقوبة سَّمر فيَّ خوف الابن المملوء حبًا لأبيه. |
||||
10 - 04 - 2014, 05:00 PM | رقم المشاركة : ( 136 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ع - تفسير سفر المزامير 16 - ع لا تسلمني إلى الذين يظلمونني[121 - 128] لا يتوقف المرتل عن طلب العون الإلهي، خاصة أنه كلما ارتبط بالوصية الإلهية وتمتع بالنعمة يثور ضده عدو الخير وكل جنوده، فيستنجد بالأكثر بالله معينه. 1. استنجاده من الظالمين 121. 2. استنجاده من المتكبرين 122. 3. استنجاده بخلاص الله 123-124. 4. استنجاده بالوصية الإلهية 125-128. من وحي المزمور 119 (ع) 1. استنجاده من الظالمين "قد صنعت حكمًا وعدلًا، فلا تسلمني إلى الذين يظلمونني" [121]. * ليس عجيبًا أن يمارس (المرتل) حكمًا وعدلًا، إذ صلى قبلًا من أجل خوف الله العفيف، الذي به يسمر جسده، أي شهواته الجسدية التي تريد أن تمنع حكمنا من أن يكون مستقيمًا. القديس أغسطينوس * من يصنع إنصافًا وحكمًا لا يسلمه الله إلى الظالمين، وإن سقط في أيديهم ينجيه. أنثيموس أسقف أورشليم اعتاد الكثيرون من أصحاب السلطة أن يحققوا لأنفسهم مكاسب مادية أو كرامات أو ملذات ولائم دون مراعاة للعدالة، أما داود الملك فكان يجري حكمًا وعدلًا، مرضاة لله، وطاعة لوصيته المستقيمة، لهذا يطلب من الله في دالة ألا يسقط تحت جور الظلم. فإن السلوك المستقيم يشجعنا الصلاة والطلبة من الديان أن ينجينا من ظلم الآخرين، ليس عن برِّ ذاتي ندعيه وإنما خلال عمل نعمته فينا. 2. استنجاده من المتكبرين "كن لعبدك كفيلًا في الخير، لئلا يجوز المتكبرون" [122]. * إنهم يسحبونني لكي أسقط في الشر، انتزعني إلى ما هو صالح. القديس أغسطينوس * ترجمها أكيلا "اضمن عبدك"، بمعنى اشملني والتزم بحراستي وأعني فعل الخير، لئلا يجد المتكبرون علة أن يفتروا بهتانًا. بهذا المعنى أمرنا ربنا أن نصلي لئلا ندخل في تجربة؛ فإنه ليست تجربة أشد من البهتان. أنثيموس أسقف أورشليم لقد وضع المتكبرون في قلبهم أن يفتروا باطلًا، فليس لي من يدافع عني ويكون كفيلًا عني سواك. أنت ضامني، تدافع عن قضيتي، فلا يقدر الأشرار أن يسحقونني بافتراءاتهم، بل تخلصني منهم كعصفور من فخ الصياد. إنني لا أئتمن أحدًا حياتي ومتاعبي وقضاياي سواك! عندما دخل حزقيال الملك في ضيقة قال: "صرخت إلى الصباح، كالأسد هكذا يهشم جميع عظامي... كسنونة مزقزقه هكذا أصيح، أهدر كحمامة، قد ضَعَفَتْ عينايَ ناظرة إلى العلاء؛ يا رب قد تضايقت؛ كن لي ضامنًا" إش 13:38، 14. 3. استنجاده بخلاص الله إن كان المرتل يطلب من الله ألا يسلمه للظالمين، وأن يحميه من المتكبرين، فإن عينيه لا تجفان قط مشتاقتين بدموعٍ إلى خلاصه أو إلى مجيء المخلص الذي يحقق بصليبه عدل الله ورحمته؛ إذ يفي الدين، ويقدم الحب، ويعلن ذاته ضامنًا وكفيلًا لدى الآب لمؤمنيه المتمسكين به والمختفين فيه. "عيناي قد فنيتا إلى خلاصك وقول عدلك. اصنع مع عبدك نظير رحمتك، وحقوقك علمني" [123،124]. * لكي يقدم رمزًا لصليبه رفع موسى بأمر الله الرحيم صورة حية عمودٍ في البرية، في شبه الجسد الخاطي الذي يلزم أن يُصلب في المسيح مرموزًا إليه (يو14:3). بالنظر إلى هذا الصليب الذي تعمَّد المرتل أن يتطلع إليه ويقول: "عيناي قد ذبلتا من انتظار خلاصك، وقول برك" [123]، لأنه جعل المسيح نفسه "خطية لأجلنا، وذلك شبه الجسد الخاطي، لكي نصير برّ الله فيه" رو3:8؛ 2كو21:5). من أجل النطق ببرّ الله يقول أن عينيه قد ذبلتا من النظر بغيرةٍ وحماسٍ، بينما يتذكر الضعف البشري، متطلعًا إلى النعمة الإلهية في المسيح. القديس أغسطينوس * قوله: "عيناي قد فنيتا إلى خلاصك" يدل تزايد اشتياقه ورغبته في الخلاص الذي وعد الله أن يصنعه للعالم بعدله ورحمته؛ كما يلتمس منه أن يعلّمه حقوقه ويفهمه شهاداته. أنثيموس أسقف أورشليم لقد بكى وانتظر، متطلعًا إلى يد مخلصه، الذي يسمع صوت الدموع وتنهدات القلب الخفية أكثر من كلمات الشفتين. لقد كلَّت عيناه وفنيتا، أما الله فلا يكل. 4. استنجاده بالوصية الإلهية "عبدك أنا ففهمني، وأعرف شهاداتك. إنه وقت يُعمل فيه للرب، وقد نقضوا ناموسك" "لأجل هذا أحببت وصاياك أفضل من الذهب والجوهر [الزبرجد]" [125 - 127]. لقد وجد المرتل في كلمة الله الإجابة على كل أسئلته والشبع لكل احتىاجات نفسه أكثر من الذهب والفضة، فأحبها أكثر من كل كنوز العالم. * "عبدك أنا؛ فهمني فأعرف شهاداتك"... يجب ألا تنقطع قط هذه الطلبة. فإنه لا يكفي أن تنال فهمًا وأن تتعلم شهادات الله ما لم تنل الزود المستمر من ينبوع النور الأبدي. لأن شهادات الله تُعرف بطريقة أفضل فأفضل كلما نال الإنسان فهمًا أكثر. * "إنه وقت يُعمل فيه للرب، لأنهم قد نقضوا ناموسك"... الآن، ما هو هذا إلا النعمة التي أُعلنت في المسيح في حينها؟ عن هذا الوقت يقول الرسول: "لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه" غلا4:4... عندما نُقض الناموس، جاء الوقت الذي فيه تُرسل الرحمة بابن الله الوحيد. * "لأجل هذا أحببت وصاياك أفضل من الذهب والياقوت"... للنعمة هذا الهدف، أن الوصايا التي لم يكن ممكنًا تنفيذها بالخوف تتم بالحب... لهذا فهي أفضل من الذهب والياقوت. قيل في مزمورٍ آخر: "أشهي من الذهب والحجارة الثمينة الكثيرة" مز10:19. لأن الياقوت يُحسب حجرًا ثمينًا للغاية. لكنهم إذ لم يفهموا النعمة الخفية التي في العهد القديم بدى لهم كأنه شرير (حز33:34-35؛ 2كو13:3-15) (هذا عني به عندما كانوا عاجزين عن التطلع وجه موسى)، حيث كانوا يودون طاعة وصايا الله من أجل المكافأة الأرضية والجسدية، لكنهم لم يستطيعوا طاعتها، لأنهم لم يحبوها... وذلك عندما لم تكن الوصايا أعمالًا صادرة عن إرادتهم بل ثقلًا غير مرغوبٍ فيه. لكن عندما صارت الوصايا محبوبة لأجل ذاتها أفضل من الذهب والحجارة الثمينة جدًا، صارت كل مكافأة أرضية تقارن بالوصايا تحسب رديئة. ولم يعد شيئ من كل أمور الإنسان الأخري الصالحة تقارن بهذا الصلاح الذي به يصير الإنسان نفسه صالحًا. القديس أغسطينوس * يقصد بـ"أوقاته" [125] الأوقات المناسبة اللائقة 1. القديس يوحنا ذهبي الفم إن كان الإنجيل يدعونا إلى عمل حساب النفقة عند بناء البرج، فإن برج حياتنا الروحية الشاهق لا يقوم حجرٍ واحدٍ بل حجارة كثيرة من الفضائل أثمن من الذهب والحجارة الكريمة، وكما يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [حقًا إن حجرًا واحدًا لا يقيم مبنى البرج الضخم كله، وهكذا حفظ وصية واحدة لا يبلغ بكمال النفس إلى العلو المطلوب. يجب وضع الأساس بكل وسيلة، ولكن يُبنى الأساس كما يقول الرسول (1كو12:3) ذهب وحجارة كريمة. هكذا هو عمل الوصية كقول النبي الذي يصرخ: "لأجل هذا أحببت وصاياك أفضل من الذهب وحجارة كريمة كثيرة"1.] * لنقرع باب المسيح الذي قيل عنه: "هذا هو باب الرب والصديقون يدخلون فيه" مز20:119، حتى متى دخلنا يفتح لنا الكنوز المخفية بالمسيح يسوع الذي فيه كل العلم: "المذخر فيه كنوز الحكمة والعلم" كو3:2.2 القديس جيروم "ولأجل هذا بإزاء كل وصاياك تقومت، وكل طريق ظلم أبغضت" [128]. إن كان الظالمون والمتكبرون قد قاوموني من أجل ارتباطي بالوصية، فإنني بالحق احتمي فيها، وأدخل إلى أعماق أسرارها، فاشتاق إلى الشهادة لها مهما يكن الثمن. * بلاشك تقومت لأنني أحب (وصاياك)، وتمسكت بمحبتها، التي هي مستقيمة فأصير أنا نفسي مستقيمًا. ما أضافه بعد ذلك جاء طبيعيًا: "وكل طريق ظلم أبغضته تمامًا". فإنه كيف يمكن لمن يحب الاستقامة إلا أن يبغض طريق الظلم؟ وذلك كمن يحب الذهب والحجارة الكريمة فإنه يبغض كل ما يسبب له فقدانها. هكذا إذ أحب وصايا الله أبغض الطريق الذي فيه يتعرض لكسر السفينة الثمينة جدًا. ولكي لا يكون نصيبه هكذا، فمن يبحر خشبة الصليب بالوصايا الإلهية حاملًا بضاعته يلزمه أن يبتعد عن هذه الصخرة (طريق الظلم). القديس أغسطينوس هنا يبرز المرتل الأمور التالية: أ. لا يقوم فهم الوصية قدراتي الذاتية بل عمل الله واهب الفهم والحكمة [125]. لا يعطي معلمنا الإلهي فقط العلم وإنما يهبنا أيضًا الفهم، الأمر الذي لا يقدر معلم آخر أن يهبه. وكما يقول القديس إكليمنضس الإسكندري: [قد يقول قائل إن اليونانيين قد اكتشفوا الفلسفة خلال الفهم البشري، لكنني أجد الكتاب المقدس يقول بأن الفهم هو من عند الله3.] ب. المعرفة للوصية تهبني قوة للشهادة [125] وذلك بالتنفيذ العملي والمفرح للوصية الإلهية، فيشهد المؤمن للنور بسلوكه فيه. ج. إنه الآن وقت يعمل فيه الرب، فلا يليق بي التأجيل [126]. وكما جاء في سفر إشعياء: "هكذا قال الرب: في وقت القبول استجبتك، وفي يوم الخلاص أعنتك، فأحفظك وأجعلك عهدًا للشعب... قائلًا للأسرى اخرجوا، للذين في الظلام اظهروا" إش8:49 إلخ. ويقول الرسول: "لأنه يقول: في وقت مقبول سمعتك، وفي يوم خلاصٍ أعنتك. هوذا الآن وقت مقبول. هوذا الآن يوم خلاص" 2كو2:6. كان وقت داود كله وقت عملٍ للرب، لا يعرف الرخاوة. ففي وقت الضيق أو وقت الفرج، في عمله العام أو حياته الأسرية أو حتى أكله وشربه ونومه، يتصرف لحساب ملكوت الله. بينما لا يكف المرتل عن العمل لحساب الرب بلا انقطاع ينشغل الأشرار بمقاومة ناموس الرب، كما فعل الساحران عند مقاومتهما عمل الله يدي موسى (خر11:7 إلخ). د. الوصية أثمن من الذهب والجوهر [127]. * لما حلّ هذا الوقت، وصارت الأمم للرب، أبغضوا الذهب والجواهر التي منها كانت أوثانهم مصنوعة، وأحبوا وصايا الله وفضلوها كل نفائس وكرامة العالم. أنثيموس أسقف أورشليم لا تسلمني إلى الذين يظلمونني! 1. من يسلك بنعمة الله باستقامة، فيجري عدلًا في أحكامه وتصرفاته، يجسر أن يطلب من الله أن يخلصه من ظالميه [121]. 2. لا يقف عند خلاص المؤمن من ظالميه، إنما يطلب من الله أن يكون ضامنًا أو كفيلًا يدافع عنه [122]، فإنه لا يأتمن أحدًا قضاياه سواه. 3. يتحدث المؤمن المتألم بدموعه التي تفتح أبواب السماء أكثر مما للكلمات المنمقة [123]. 4. يشغل المؤمن كل وقته لحساب ملكوت الله، ويعمل الأشرار هدمه [126]. 5. تعطي قوة للعمل في طريق الحق وكراهية طبيعية لطريق الظلم [128]. 6. يلذ للمرتل أن يدعو نفسه في هذا الاستيخون "عبد (الرب)" ثلاث مرات: - كن لعبدك كفيلًا [122]. - اصنع مع عبدك نظير رحمتك [124]. - عبدك أنا ففهمني [125]. كعبدٍ أمينٍ لسيده يطلب منه أن يدافع عنه، ويهبه رحمته، ويعطيه فهمًا! من وحي المزمور 119(ع) كن لي كفيلًا! * من يسندني ويحفظني من الظالمين المتكبرين؟! كن لي كفيلًا، ولتدافع عن قضيتي. خلصني من الأشرار كعصفورٍ من فخ الصياد. من أئتمنه حياتي وقضاياي سواك؟ إني أصرخ لك بدموع عيني، طالبًا خلاصك! * احسبني عبدًا أمينًا لك تدافع عني، تصنع معي حسب رحمتك. وتقدم لي فهمًا من عندك. بهذا أحب وصاياك أفضل من الذهب والحجر الكريم. الوصايا التي لم أكن قادرًا تنفيذها حتى بالخوف من العقوبة، تصير عذبة وثمينة ومحبوبة لديّ جدًا! أتممها بالحب ولا أطلب عنها مكافأة زمنية! * أحب وصاياك التي هي أثمن من الذهب والحجارة الكريمة. أحملها في سفينة الصليب، واهرب من طريق الظلم حتى لا تتحطم السفينة الثمينة للغاية! |
||||
10 - 04 - 2014, 05:03 PM | رقم المشاركة : ( 137 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ف - تفسير سفر المزامير 17- ف عجيبة هي شهاداتك[129 - 136] إذ سبق فتحدث عن بركات الوصية كسندٍ وحيدٍ له وملجأ ضد الظالمين والمتكبرين [121-128]، الآن وقد تمتع بخلاص الرب وانفتحت عيناه على أعماق الوصية شاهد فيها عجبًا! 1. عجيبة هي شهاداتك! 129. 2. استنارة وبساطة! 130. 3. عطية الروح! 131. 4. شهادات الرب تشعل الحب لله! 132. 5. تقوّم الخطوات! 133. 6. تحفظ من الافتراءات! 134. 7. تهبني معاينة وجهك! 135،136. عجيبة هي شهاداتك من وحي المزمور 119(ف) 1. عجيبة هي شهاداتك! "عجيبة هي شهاداتك، حفظتها نفسي" [129]. * شهادات الله عجيبة، لأن منها نتعلم كل ما يستوجب العجب وحب كل أنواع الفضيلة مع رفض كل أنواع الرذيلة. منها نتعلم مجازاة كل (فضيلة ورذيلة). أنثيموس أسقف أورشليم * من يحصي شهادات الله بأنواعها؟ السماء والأرض، أعماله المنظورة وغير المنظورة، تعلن بطريقة ما عن شهادة صلاحه وعظمته... لم يرتعب المرتل من دهشته بسبب الخليقة بل بالحري قال إن هذا يُلزمه بالبحث فيها، لأنها أمور عجيبة. فبعد قوله: "عجيبة هي شهاداتك" أضاف: "لذلك حفظتها نفسي"؛ كمن صار بالأكثر شغوفًا للدخول في صعوبات للبحث فيها. فكلما كان يصعب فهم علة الشيء كان بالأكثر عجيبًا. القديس أغسطينوس عجيبة هي شهادات الرب؛ فهي فريدة في كمالها الذي لا يعرف الحدود؛ عجيبة في نقاوتها، خالية من كل الأباطيل؛ عجيبة في إمكانياتها، فهي قادرة أن تسحب الإنسان إلى حضرة الله؛ عجيبة في صدقها، تقدم وعود إلهية أمينة إلى المنتهي. عجيبة هي كلمة الرب لأنها تكشف عن شخص الله وتعلن عن خطته الإلهية ونظرته إلى الإنسان واهتمامه بخلاصه الأبدي. كلمة الرب المكتوبة عجيبة في كل جوانبها، وكلمة الله المتجسد يُدعى اسمه عجيبًا (إش 6:9)، لأنه جاء يحدثنا بلغة الحب الإلهي العملي، مقدمًا حياته ذبيحة حب ترفع خطايا العالم كله. تأثر المرتل بشهادات الرب العجيبة فلم يحفظها في ذاكرته فحسب، وإنما في نفسه، في أعماقه الداخلية، لتثمر روحيًا في فكره وأحاسيسه ومشاعره وحتى في جسده. حفظها داود النبي في نفسه لتقدس قلبه وأعماقه، وتقود كلماته وسلوكه الظاهر أيضًا. 2. استنارة وبساطة! "إعلان أقوالك ينير لي، ويفهم الأطفال الصغار" [130] * من هم الصغار إلا المتواضعون والضعفاء؟ لا تكن متكبرًا، ولا تفكر في قوتك التي هي كلا شيء فتفهم لماذا أُعطى الناموس الصالح بواسطة الله الصالح، وإن كان عاجزًا عن إعطاء الحياة. فقد أُعطي لهذا الهدف أن يجعلك صغيرًا عوض كونك عظيمًا، وليظهر لك أنك بلا قوة لإتمام الناموس بقدرتك، بهذا تشعر بالحاجة إلى العون وأنك فقير للغاية، فتطير بقوة نحو النعمة قائلًا: "ارحمني يا رب فإني ضعيف" (مز2:6)... ليصر الكل صغارًا مرة، وليكن كل العالم مذنبًا أمامك، "لأنه بأعمال الناس كل ذي جسد لا يتبرر أمامه، لأن بالناموس معرفة الخطية" رو20:3. هذه هي شهاداتك العجيبة، التي تبحث عنها نفس هذا الطفل ويجدها، إذ صار متضعًا وصغيرًا. لأنه من يتمم وصاياك كما ينبغي أي بالإيمان العامل بالمحبة (غلا6:5)، ما لم ينتشر الحب نفسه في قلبه بالروح القدس؟ (رو5:5). القديس أغسطينوس * إن بداية أقوالك يا رب تنير وتثقف الأميين الذين بسبب عدم معرفتهم يُدعون أطفالًا. كما تنير الذين باختيارهم رجعوا وصاروا أطفالًا، كما فعل رسلك القديسون وغيرهم. كما أُعطيت حكمة لأطفال اليهود وصبيانهم ووهبتهم إلهامًا لمعرفة أنك المخلص الآتي إلى العالم ومبارك هو اسم الرب، فاستقبلوك بأغصان الأشجار. أنثيموس أسقف أورشليم ما أن تدخل كلمات الرب وأقواله إلى النفس حتى تنيرها، إذ خلالها يدخل كلمة الله - شمس البر - ويشرق عليها، مبددًا ظلمتها، وواهبًا إياها إشراقته، ساكبًا بهاءه عليها. كلمات الرب تنير لنا الطريق الملوكي لنعبر من العالم إلى السموات. والعجيب أن هذه الآنارة التي تهب فهمًا ومعرفة وحكمة لا تجلب كبرياءً بل اتضاعًا وبساطة، فيصيرالمؤمنون كالأطفال الذين من أجلهم تهلل ربنا يسوع بالروح، قائلًا: "أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض، لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال" مت25:11. + لقد انفتحت بالفعل أعيننا. لقد جاء يسوع ليفتح عيني، ورُفع البرقع الذي غطاهما1. العلامة أوريجينوس 3- عطية الروح! "فتحت فمي واجتذبت لي روحًا، لأني لوصاياك اشتقت" [131]. يشَّبه المرتل نفسه بمسافرٍ في جوٍ حارٍ جدًا، يفتح فمه ليجد كوب ماء بارد وسط الحر القاتل، هكذا تشتاق نفس المرتل إلى عمل الروح القدس الذي يلهب القلب بالحنين نحو كلمة الإلهية. في مزمور آخر يقول: "عطشت إليك نفسي في أرضٍ ناشفة ويابسة بلا ماء" مز 1:63. الروح الذي فتح أفواه الأطفال والرضع ليسبحوا للمخلص، هو أيضًا يدخل في أذهاننا وفي إنساننا الداخلي لفهم أسرار المخلص والخلاص، فيلهب النفس شوقًا نحو وصايا الرب أو ناموس المسيح الروحي. يفتح المرتل فمه بعد جري طويل ليجتذب له نفسًا، أي ليتنفس الصعداء... فإن الوصية بالنسبة له هي نسمة يستنشقها في داخله، ترد له حياته. كثيرًا ما يكرر المرتل قوله "لوصاياك اشتقت"، فقد اشتاق أن ينالها من يدي إلهه كناموسه الخاص، واشتاق أن يتفهمها ليدرك أسرارها، واشتاق أن يحفظها في نفسه ككنزٍ ثمينٍ، واشتاق أن يحملها في الطريق كسراجٍ منيرٍ، واشتاق أن يطيعها كابن يحب وصية أبيه، واشتاق أن يعلمها للغير كي ينعموا بها معه، واشتاق أن يأكلها فهي أشهي من العسل والشهد، واشتاق أن يتمتع بها كميراثه الأبدي. * ماذا يشتهي إلا طاعة الوصايا الإلهية؟ لكن لم تكن توجد إمكانية للضعيف أن يمارس الأمور الصعبة، ولا للصغير أن يمارس الأمور العظيمة، لهذا فتح فمه معترفًا أنه قد عجز عن إتمام هذا بنفسه. فتح فمه بالسؤال والطلب والقرع (مت7:7)، وعطش ليشرب الروح الصالح، الذي يمكنه أن يفعل مالا يستطيع فعله بنفسه، فإن "الوصية مقدسة وعادلة وصالحة" (رو13:7). ليس أن الذين أقتيدوا بروح الله (رو14:8) لم يفعلوا شيئًا، وإنما لكي لا يتوقفوا عن العمل يحركهم الروح الصالح للعمل. بقدر ما يصير الإنسان ابنا صالحًا يُعطيه الآب الروح الصالح بدرجة أعظم. القديس أغسطينوس * فتحت فمي وأُجتذبت فيَّ الروح، وسلمت نفسي وكل كياني للروح: عملي وكلامي وصمتي، فقط ليمسك بي ويقودني، ويحرك اليد والذهن واللسان إلى ما هو حق، إلى ما يريد. وليضبطهم في الحق فيما هو أكيد. إنني آلة الله، آلة عاقلة، آلة يضرب عليها الروح، الفنان الماهر فيقدم انسجامًا. بالأمس كان عمله فيَّ هو السكون، فعزفت عن الكلام. هل يضرب على ذهني اليوم؟ فيُسمع صوتي بمنطوقات... إني أفتح بابي وأغلقه حسب إرادة العقل (الإلهي) والكلمة والروح، اللاهوت الواحد...1 القديس غريغوريوس النزينزي يربط العلامة أوريجينوس بين تلك الكلمات وبين نشيد الآنشاد: "فليقبلني بقبلات فمه" (نش 2:1)، لأن عروس المسيح تفتح فمها الداخلي لتقبل الروح القدس الذي ينير فكرها، ويهبها استحقاقات نوال قبلات المحبة لعريسها 1. واقتبسالقديس أمبروسيوس نفس الفكر حين تحدث عن هذه النعمة، وهي عندما تُقَبِّل النفس السيد المسيح تتقبل الروح القدس عاملًا فيها. يُقبِّل السيد المسيح من يعترف به بلسانه ويؤمن به بقلبه (رو10:10)، ذاك الذي عندما يقرأ الآنجيل يتعرف على أعمال الرب يسوع ويُعجب بها بروح التقوى فيقبل بورع خطواته التي سار بها. نُقَبِل السيد المسيح بقبلة الشركة معه 2. 4- شهادات الرب تشعل الحب لله! إذ يفتح المؤمن فمه الداخلي ويتقبل عمل الروح القدس فيه يمتلئ قلبه حبًا لله فيمارس وصيته، وبممارسته الوصية أو طاعته لها يعلن عن حبه لله ويجتذب نظراته إليه. لهذا يطلب المرتل من الله أن ينعم عليه بنظرته الإلهية التي بها يتطلع إلى محبوبيه الأخصاء، ويهبهم رحمته الخاصة بالذين يحبونه. "أنظر إليَّ وارحمني، كرحمتك للذين يحبون اسمك" [132]. في اتضاع لم يطلب من الله أن يمد يده للعون فهذا كثير جدًا، لكنه يكفيه نظرات حنانه وابتسامته له لتلهب الحياة. إنه لا يطلب ما يستحقه بل حسب المراحم الإلهية المجانية لمحبي اسمه القدوس. * المرحومون من الله صنفان: أحدهما الذين كفوا عن الخطية، يرحمهم الله ويغض نظره عن خطاياهم. والثاني الذين نجحوا في عمل الفضيلة... الذين لأجل محبة اسمك يصنعون ما يجتذب إليهم نظرك. أنثيموس أسقف أورشليم * لا يزال يصلي، يفتح فمه ويجتذب فيه الروح. إنه لا يزال يقرع على باب الآب بالصلاة. يطلب ويشرب، وكلما وجده عذبًا أكثر يعطش بأكثر شغف. اسمع كلماته في عطشه: "أنظر إليَّ وارحمني، كأحكامك للذين يحبون اسمك"... إذ أحببتهم أولًا جعلتهم يحبونك، هكذا يقول الرسول: "نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولًا" 1يو19:4. القديس أغسطينوس ممارسة المرتل للوصية من واقع حبه لله يهبه نظرات الرب الخاصة ومراحمه، بهذا تتشدد قدماه للتحرك في الطريق الملوكي بحرية كمن يطير، لا سلطان للإثم عليه، ولا يقدر أن يوقف خطواته الرزينة القوية. "قوّم خطواتي كقولك، ولا يتسلط عليّ أي إثم..." [133]. * إن رجعنا عن عمل السوء، واتجهنا نحو عمل الخير يقوِّم (الله) خطواتنا، ويمهد طرقنا، ويصلح سيرتنا، ولن تقدر الخطية أن تتسلط علينا. أنثيموس أسقف أورشليم تترنم حنة أم صموئيل قائلة: "أرجل أتقيائه يحرس، والأشرار في الظلام يصمتون" 1صم 9:2. هكذا يشعر أتقياؤه أن الله يعين خطواتهم بنعمته، فلا يتحركون إلا حسب مشيئته المقدسة، لأن لا سلطان لهم عليهم مادام الرب نفسه يقود حركتهم في طريق الكمال. * بقدر ما يزداد حب الله مالكًا على كل إنسان، يقل بالأكثر سلطان الإثم عليه. ماذا يطلب سوى أن يعطيه الله أن يحبه؟ لأن بحبه لله يحب نفسه، ويحب قريبه كنفسه بطريقة صحية. على هاتين الوصيتين يتعلق كل الناموس والآنبياء (مت37:22-40). بماذا إذن يصلي سوى أن الله يقدم معونته في إتمام هذه الوصايا التي فرضها ليرتبط بها؟ القديس أغسطينوس 6- تحفظ من الافتراءات! "انقذني من بغي الناس، فأحفظ وصاياك" [134]. * تعبير "انقذني من بغي الناس" جاء باليونانية "انقذني من بهتان الناس"، أي من افتراءاتهم، ومعناه "من تعاليم الهراطقة"، لأنهم يفترون على الإيمان الحقيقي بنطقهم ما يخالف الحق. أنثيموس أسقف أورشليم * ألم يحفظ أناس الله القديسون الوصايا بأكثر مجد وسط هذه المصائب عينها، عندما كانوا في أشد لحظات الضيقة، ولم يذعنوا لمضطهديهم ويرتكبوا سيئات؟ لكن بالحق معنى هذه الكلمات هنا هي: هل بسكبك روحك عليّ تحفظني فلا انهزم أمام رعب المصائب البشرية، ولا انسحب من وصاياك إلى الأعمال الشريرة؟ فإن صنعت هكذا معي، أي إن كنت بوسيلة ما تخلصني بعطية الصبر من مصائبهم، فلا أخاف من الاتهامات الباطلة التي يوجهونها ضدي، بهذا أحفظ وصاياك وسط هذه المصائب. القديس أغسطينوس ذاق داود النبي المرارة بسبب افتراءات الأشرار، فحُرم مرات كثيرة ولفترات طويلة من التمتع من مقدس الرب ومن شركة العبادة الجماعية ومن الوجود وسط الشعب، ليبقى طريدًا بلا ذنب من جانبه. وها هو يطلب معونة الله وخلاصه لئلا تشتد الضيقة فوق احتماله. حقًا في أحلك اللحظات كان وهو مطرود يشعر أنه كشجرة الزيتون المغروسة في بيت الرب، لا يقدر أحد أن يقتلعه من مقدس الرب، ولا من ينزع المقدس من أعماقه... ومع هذا لم يكف عن الصراخ طالبًا العون الإلهي، وكأنه يقول: "لا تدخلنا في تجربة". إذ يُرفع الظلم عن أولاد الله لا يستخدمون الحرية للانحراف بل لمجد الله، فعندما أُطلق بطرس ويوحنا "أتيا إلى رفقائهما" أع23:4 يسبحان الله ويمجدانه. 7- تهبني معاينة وجهك! عمل الوصية تقديم الحق الذي ينقذنا من افتراءات الهراطقة، ويهيئنا لمعاينة المخلص "وجه الآب"، شمس البرّ، لذا يقول: "أضيء بوجهك علي عبدك، وعلمني حقوقك" [135]. * بمعنى أعلن حضرتك بمساعدتك ومعونتك لي، "وعلمني برّك". علمني أن أصنع برّك، وقد عبَّر عن ذلك بأكثر وضوح في موضع آخر: "علمني إرادتك" (مز10:143). فالذين يسمعون، مع أنهم يحفظون في ذاكرتهم ما يسمعونه، ألا أنهم لا يُحسبون بأية طريقة أنهم يتعلمون ما لم يمارسوا ما يسمعونه. فإن كلمة الحق هي: "كل من سمع من الآب وتعلَّم يقبل إليَّ" يو45:6. لذلك من لا يطيع بالعمل، أي لا يُقبل (إليه) لا يكون متعلمًا. القديس أغسطينوس كان داود الملك يعتز بلقب "عبد الرب"، حاسبًا هذا كرامة له، يطلب رضاه حتى وإن وقف الكل ضده. إن كان الأشرار يتهمونني ظلمًا ويفترون عليَّ ليدخلوا بي إلى ظلمة القبر، فأنت تشرق عليّ بوجهك فأمتليء بهاءً. هم يحثونني على كسر وصيتك وأنت تكشف لي أسرارها وتعلمني حقوقك. عندما يشرق الله علينا بنوره لا نظن أننا قد بلغنا الكمال فنعلِّم الآخرين في كبرياء وتشامخ، وإنما بالأكثر نشعر بالحاجة إلى التعلم لندخل إلى أعماق جديدة ونتمتع باستنارة أعظم. أما من جهة الآخرين فنعلمهم لا من كراسي المعلمين ولكن بروح الأبوة الحانية، حيث لا تجف دموعنا من أجل توبتهم ورجوعهم إلى الله. فإن إشراق شمس البر علينا يهبنا دموعًا لا تجف من أجل الخطاة. "غاصت عيناي في مخارج المياه، لأنهم لم يحفظوا ناموسك" [136]. * لا تتركوا شيئًا يُبعدكم عن الندامة، ففي هذا تشتركون مع القديسين، فإنه بمثل هذا الحزن على الخطية تشبهون القديسين. داود "أكل الرماد خبزًا، ومزج شربه بالبكاء" مز9:102. لهذا يفرح كثيرًا لأنه بكى كثيرًا، إذ قال: "جرت عيناي في أنهار المياه"1. القديس أمبروسيوس * يقول في نوع من المبالغة أنه في بكائه قد عبر مجاري المياه، أي ببكائه أكثر من المياه التي تفيض من مجاريها. القديس أغسطينوس لم يبكِ داود على آلامه وأتعابه الكثيرة واليومية، لكنه بكى على الخطاة لأنهم يهينون ويفقدون خلاصهم الأبدي. بهذا حمل روح إلهنا القائل: "لأني لا أُسر بموت من يموت" حز32:18. بكى المخلص أيضًا على مدينة أورشليم لأن سكانها لم يتوبوا. وغسل بطرس إنكاره الثلاثي بدموع غزيرة مرة، محققًا كلمات النبي: "جرت أنهار مياه من عينيْ". وناح إرميا أيضًا على شعبه غير التائب، قائلًا: "ياليت رأسي ماء وعيني ينبوع دموع فأبكي نهارًا وليلًا... شعبي2". عجيبة هي شهاداتك 1. فريدة في كمالها ونقاوتها وفاعليتها وأمانتها، لذا حفظها المرتل ليس في فكره بل في نفسه لتثمر في كل جوانب حياته [129]. 2. تشرق بالنور في النفس فتمتليء بهاءً، لكن بروح البساطة والوداعة، فتجعلها كطفلٍ بسيطٍ وحكيمٍ [130]. 3. يفتح فمه ليلهث مستنشقًا إياها، ومعلنًا شوقه إليها كي يحفظها في داخله، يأكلها، ويمارسها، ويتفهم أعماقها، ويرثها، ويعلم بها. 4. إذ نحفظها في أعماقنا وفي سلوكنا نتأهل إلى نظرات الله نحونا المملوءة حبًا ورحمة! 5. بالنعمة تسند وصية الرب خطواتنا وتحفظنا من سلطان الشر والأشرار علينا حتى نبلغ الكمال ونتمتع بالقداسة. 6. يشتاق المؤمن أن يحفظه الله من افتراءات الأشرار [134]، وأن يشرق بوجهه عليه فيكسبه بهاءً [135]، ويدخل إلى معرفة جديدة للوصية مع محبة حانية لتوبة الخطاة ورجوعهم. من وحي المزمور 119(ف) شهاداتك عجيبة تهواها نفسي! * عجيبة هي شهاداتك، فهي فريدة في كمالها ونقاوتها، قادرة في صدقها، تقدم لي مواعيد إلهي الأمينة. عجيبة هي شهادتك، احفظها لا في ذاكرتي فحسب، وإنما في أعماقي لتعمل في افكاري وأحاسيي وكل كياني. تقدس قلبي، وتقود كلماتي وسلوكي. * ناموسك يشرق عليّ، فيكشف لي عن ضعفي!اعترف لك إني طفل صغير وجاهل. تهبني العلم والمعرفة لأتقبل عمل الروح فيّ. إني أفتح فمي لأقبلك، فأتقبل عمل روحك فيّ! * إذ أهوى شهادتك تتطلع إليّ، تؤهلني لنظراتك المملوءة حبًا ورحمةً!تتشدد قدماي للتحرك في طريق وصاياك بحرية. أطير كما إلى السموات، ولا سلطان للإثم عليّ! لا أبالي بافتراءات الأشرار الباطلة، ولا أنسحب من وصاياك إلى الأعمال الشريرة! بهذا أعاين وجهك، ويشرق نورك عليّ! تئن نفسي وأبكي بمرارة علي من لم يتمتع معي بنورك. |
||||
10 - 04 - 2014, 05:04 PM | رقم المشاركة : ( 138 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ص - تفسير سفر المزامير 18- ص عادلة هي شهاداتك إلى الأبد [137 - 144] تلامس المرتل مع الوصية فوجدها عجيبة في قوتها وفاعليتها، والآن يلمس فيها العدالة بالرغم مما يظنه البعض كأن أمور العالم يسودها الظلم بلا رادع. أدرك المرتل أنه أصغر من أن يدافع عن عدالة أحكام الله وشهاداته أو حتى أن يفهمها أو يفسرها. لقد تأكد أن الله حب، في حبه رحوم وعادل، رحمته مملوءة عدالة، وعدله مملوء رحمة. لقد ظهر هذا بكل وضوح في الصليب ينبوع الحب الإلهي والعدالة.1- عادل أنت يا رب 2- غيرة المرتل على عدالة الله شهاداتك هي عدل إلى الأبد من وحي المزمور 119 (ص) 1. عادل أنت يا رب "عادل أنت يا رب، وقضاؤك مستقيم. أمرت بالحق والعدل جدًا، اللذين هما شهاداتك" [137،138]. يبدو للإنسان في أول وهلة أن الظلم يسود العالم، لكن من يتأمل بروية وحكمة أحكامك يعرف أنك أنت هو "العدل" و"الحق"، وأن قضاءك مستقيم. * فلنتأمل كلمات المزمور الحكمي: "بار أنت يا رب، وقضاؤك مستقيم". لا يقدر أن ينطق بهذا إلا الذي يعظم الرب في كل ضيقاته، وينسب آلامه إالى خطاياه، مقدمًا الشكر لله من أجل رحمته1. القديس جيروم * "بار أنت يا رب، وقضاؤك مستقيم"... برّ الله هذا وحكمه المستقيم والحق يجب أن يخشاه كل خاطئ. فإن كل من يُدان إنما يُدان بواسطة الله، ولا يمكن أن يوجد من يشتكي بحق ضد برَّ الله عندما يُلقى في جهنم. لهذا توجد حاجة إالى دموع الندامة، فإنه بعدل تُدانٍ القلوب غير التائبة. يدعو شهادات الله برًّا، إذ يؤكد أنه بار بتقديمه وصايا بارة. وهذا أيضًا حق؛ بمثل هذه الشهادات يُعرف الله. القديس أغسطينوس عجيب هو الرب في عدله الممتزج بالحب، فإن كان بالعدل قد حكم علينا بالموت كثمرة طبيعية لانفصالنا عنه، مصدر حياتنا، فبمحبة قَبِلَ الحكم في جسم بشريته، محققًا العدالة الإلهية ليصالحنا مع الآب فنسترد الحياة. كما أن الله عادل ولا يمكن أن يصنع شيئًا بدون عدلٍ، هكذا يريدنا نحن أن نقتدى به فنسلك بالبرّ والعدل كأبينا السماوي، وذلك في معاملاتنا مع أنفسنا أو مع الغير أو مع الله نفسه. 2. غيرة المرتل على عدالة الله إذ يرى المرتل في الكنيسة بيت الله، بيت العدل الإلهي والبرّ، لذا ذاب في غيرته عليها، هذه التي هي موضع هجوم العدو المستمر من اتجاهات متعددة. "غيرة بيتك أذابتني، لأن أعدائي تناسوا أقوالك" [139]. ينطبق هذا القول على السيد المسيح الذي في غيرته على كنيسة الله، أي حبه لخلاص المؤمنين ذاب كالشمع حين عُلق على الصليب ليحقق العدالة الإلهية وفي نفس الوقت يكشف عن الحب الإلهي اللانهائي، لكن خاصته التي تحولت إالى العداوة تناسوا أقواله التي سبق فأعلنها على ألسنة الآنبياء. المؤمن الحقيقي أيضًا يمتلئ غيرة على بيت الرب الذي في داخله، وبيته المُقام في كل نفس بشرية. يشعر بقيمة النفس باذلًا كل حياته الزمنية، متنازلًا عن كل حقٍ وكرامة من أجل إقامة بيت الرب المجيد في أعماق النفس. يغير الإنسان على وقته أيضًا وطهارته... وتبقى هذه الغيرة ملتهبة حتى ما بعد الموت. وكما يقول القديس جيرومهل تظن أن بولس الرسول الذي كان مملوء غيرة على خلاص كل نفسٍ، فكان يتنقل من بلد إالى أخري كما من حجرة إالى حجرة في بيتٍ واحدٍ، هل تتوقف غيرته ومحبته بعد رحيله من الجسد؟! حتمًا لا، بل تزداد غيرته مصليًا من أجل خلاص العالم كله. * ع139 "غيرة بيتك أكلتني، لأن أعدائي نسوا وصاياك"... جاء في بعض النسخ "غيرتك"، وهي تعني إنسانًا غيورًا على الله لا على ذاته... تُفهم غيرة المرتل هنا بمعنى صالح، مقدمًا السبب لها، قائلًا: "لأن أعدائي نسوا وصاياك" [139]. القديس أغسطينوس بقول المرتل "تناسوا أقوالك" يكشف عن مدى تماديهم في الشر، فإنه قد يكسر الإنسان الوصية لكن ضميره في الداخل يثور ويبكته حتى إن حاول تهدئته، أما أن يتناسى الإنسان الوصية ويتجاهلها تمامًا، فهذا أمر له خطورته. "مُحمي قولك جدًا وعبدك أحبه" [140]. * إن قول مُحمي أي لا غش فيه ولا تملق ولا مزاح، ولا مراءاة؛ لكنه حيّ وفعّال وأمضى من كل سيف ذي حدين، وخارق إالى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميز أفكار القلب ونياته... (عب12:4 إلخ)، فالذي يكون عبدًا لله يحبه. أنثيموس أسقف أورشليم إذ يشتاق قلب المرتل إالى النقاوة يرتبط بأقوال الله النارية، أو النقية في معانيها وفي روحها وفي فاعليتها، إذ وهي نقية قادرة أن تهب النقاوة، وتلهب القلب بنارها. * يا لها من نفس بائسة تلك التي انطفأ فيها نار الإيمان، وتحول دفء المحبة إالى برودة! حينما يأتي رئيس كهنتنا السماوي إليها ويطلب منها جمرًا مشتعلًا يُقدم عليه بخور للآب يجد أعشابًا يابسة ورمادًا باردًا فيها! هذا هو حال من ينسحبون ويبتعدون عن كلمة الله لئلا يسمعوا الكلمات الإلهية ويلتهبوا بالإيمان وينموا في دفء المحبة، ويشتعلوا بالرحمة. أتريدون أن أريكم كيف تتوهج النار بكلمات الروح القدس فتضيئ القلوب في المؤمنين؟ انصتوا إالى داود وهو يتحدث في المزمور "ممحص قولك جدًا" [140]. ومكتوب في الإنجيل أيضًا بعد أن تحدث الرب مع كليوباس: "ألم يكن قلبنا مشتعلًا فينا؟" (لو 32:24). وأنتم متى تقتنون النار؟ كيف يوجد فيكم جمر النار إن لم تشتعلوا دائمًا بكلمات الرب، وتتقدموا أبدًا بكلام الروح القدس؟ انصتوا إالى داود نفسه الذي يقول في موضع آخر "حمي قلبي في جوفي، عند لهجتي اشتعلت النار" (مز 3:39) فكيف تزدادون دفئًا؟ أين تتوقد فيكم النار إن لم تتأملوا أبدًا في الكلمات الإلهية؟ بل والأسوأ من ذلك إذ حميت ناركم في الملاهي (السيرك) أو في سباق الخيل أو في الحلبات الرياضية، هذه النار لا تأتي من مذبح الرب بل هي تلك النار المسماة "نار غريبة". وها أنتم قد استمعتم منذ لحظات ماذا حدث عندما أحضر بعض الناس نارًا غريبة قدام الرب، وكيف أُبيدوا (لا 1:16)1. العلامة أوريجينوس * يصعب على النفس البشرية أن تتجنب أن تحب شيئًا ما، بل يلزم لذهننا بالضرورة أن يفتح الطريق للعاطفة لشيءٍ أو آخر. محبة الجسد تُغلب بمحبة الروح. تُطفأ الشهوة بشهوة أخرى. ما يؤخذ من الواحد يُزاد بالآخر2. القديس أمبروسيوس أما سرّ غيرة داود منذ شبابه على عدالة الله، فلأنه اختبرها عمليًا عندما كان أصغر إخوته، مرذولًا حتى من أبيه الذي لم يستدعه عندما أراد صموئيل النبي أن يمسح أحد ابنائه ملكًا، أما الله فلم ينسه. وكما يقول: "شاب أنا ومرذول، وحقوقك لم أنسَ. عدلك حق هو إالى الأبد. كلامك حق هو" [141،142]. يشعر المرتل أنه شاب صغير، أصغر من أن يقف موقف الناقد لكلمة الله وللوصية، إنما موقف الإنسان الناري المشتاق إالى التمتع بوعود الله. إنه يعلم أن عدل الله حق، وكلامه حق. لذا يخضع لينعم بهذا الحق الإلهي ويتمتع بالمعرفة السماوية الفائقة. * "صغير أنا ومرذول، وحقوقك لم أنسَ"... يبدو أن الأصغر يحزن على من هم أكبر منه، هؤلاء الذين نسوا برَّ الله، أما هو فلم ينسَ. فإنه ماذا يُعني بقوله: "صغير أنا... ولكنني لم أنسً"؟ سوى هذا: هؤلاء الأكبر مني قد نسوا... لنتعرف على الأمتين، اللتين كانتا تتصارعان حتى في رحم رفقة، عندما قيل لها ليس من أجل الأعمال بل من أجل ذاك الذي يدعو: "الكبير يُستعبد للصغير" (تك22:25،23؛ رو12:9،13). لكن الأصغر هنا يقول أنه بلا صيت، لهذا صار الأعظم، "هكذا يكون الأوَّلون آخرين، والآخرون أوَّلين" مت 16:20. * إننا لا نعجب أن الذين نسوا كلمات الله، الذين اختاروا أن يثبتوا برّهم الذاتي يجهلون برّ الله (رو3:10)، وأما هو، الأصغر، فلم ينسَ، لأنه لا يطلب برّ نفسه الذاتي، بل برّ الله، والذي يقول عنه الآن: "برّك هو إالى الأبد، وناموسك حق هو" [142]. القديس أغسطينوس يرى العلامة أوريجينوس أن هذا الشاب هو أيضًا جماعة الأمم الحديثون في الإيمان، كانوا مرذولين من اليهود الذين سبقوهم في الإيمان بالله (في العهد القديم). لم ينسَ الله الأمم إذ فتح لهم باب الإيمان.* كيف لا يكون الناموس هو الحق،هذا الذي جاءت منه معرفة الخطية والذي يشهد لبرّ الله؟ هكذا يقول الرسول: "برّ الله مُعلن، مشهود له من الناموس والآنبياء". القديس أغسطينوس كلام الرب ليس حقًا فحسب وإنما هي "الحق" بعينه الذي يلزم دراسته والتدرب عليه."ضيق وشدة أدركاني، ووصاياك هي درسي" [143] * لا يشترك أي رياضي في مسابقة رياضية ما لم يتدرب أولًا. فلندهن أذرع نفوسنا بزيت القراءة، ويكون لنا تدريب منتظم نهارًا وليلًا في صالة تدريب (جمينزيم) الكتاب المقدس. القديس أمبروسيوس * من أجل الناموس احتمل الأصغر اضطهادًا من الأكبر، فيقول الأصغر: "ضيق وشدة أدركاني، ووصاياك هي درسي".* ليثوروا وليضطهدوا، فبحسب الوصايا لنحب حتى الثائرين. القديس أغسطينوس "عادلة هي شهاداتك إالى الأبد،فهمني فأحيا" [144]. من يقبل الوصية يتعرض لمتاعب كثيرة، وكما يقول الرسول: "من خارج خصومات، من داخل مخاوف" 2كو5:7. لكن دراسة وصية الرب والآنشغال بها كفيلة برفع القلب فوق الضيق والشدة. * يصلي هذا الصغير من أجل الفهم، حتى إذا لم يكن له فهم يصير أحكم من الشيوخ [100]. إنه يُصلي إذ هو في متاعب ومصاعب حتى يفهم أن كل أعدائه المضطهدين يستخفون به، إذ يقول أنهم يحتقرونه. لذلك يقول: "فأحيا"، لأنه إن كانت المتاعب والأثقال قد بلغت به إالى حُفرةٍ كهذه حيث صارت حياته في أيدي أعدائه المقاومين، إلا أنه يحيا إالى الأبد، فهو يفضل البرّ الذي يبقى إالى الأبد عن الأمور الزمنية. هذا البرّ وسط المتاعب والمصاعب هو شهادات لله Martyria Dei بها يكلل الشهداء. القديس أغسطينوس شهاداتك هي عدل إلى الأبد 1. إن كان الظلم يسود العالم، لكن عدل الله باقٍ إالى الأبد. 2. يعلن المرتل غيرته الشديدة في الدفاع عن عدل الله وحقوقه. 3. شهادات الله عدل وبرّ قادرة أن تهبنا النقاوة وتدخل بنا إالى الحق ذاته. 4. يستصغر الأشرار المرتل ويرذلونه، أما هو فمتهلل بالوصية التي تحمله إالى ما فوق الضيق. من وحي المزمور119 (ص) عادل أنت يا رب.. حتى إن ساد العالم الظلم * من أنا يا رب حتى أدافع عن عدلك وبرّك؟! من يشتكي ضد برّك، فإن ما يحل بي هو بسبب خطاياي! * بعدلٍ حكمت على بالموت الأبدي، وبحبك حملت الحكم في جسم بشريتك. عادل وأنت ومحب يا مخلص البشر! * في غيرتك على كنيستك ذاب قلبك كالشمع على الصليب. وفي غيرتي على كنيستك أشتهي الموت من أجل خلاص كل نفسٍ! تبقى غيرتي على كنيستك حتى بعد رحيلي. ها هو كل القديسين يطلبون بنيانهم وخلاص الجميع. * التهب قلبي بنار الغيرة المقدسة. لتبقى كلماتك نارًا مشتعلة في أعماقي. لتلهب حبي فلا يستطيع العالم أن يطفئ ناره. لتحرق نار كلماتك المقدسة نيران الشهوات الجسدية والملذات! * تجاهل يسى ابنه داود الصبي حين جاء صموئيل النبي ليدهنه ملكًا! أبي وأمي يتجاهلاني، أما أنت فلن تنساني! صغير أنا ومرذول عن أن أنتقد عدلك. عدلك حق، حتى وإن لم أستطع فهمه. |
||||
10 - 04 - 2014, 05:07 PM | رقم المشاركة : ( 139 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ق - تفسير سفر المزامير 19- ق قريب أنت يا رب[145 - 152] يؤمن المرتل بعدالة الله ويثق في أحكامه مهما كانت الظروف المحيطة به، بهذا تخرج صلاة القلب لتستقر في قلب الله، وتجد هناك تجاوبًا معها. يصرخ بقلبه إلى الله العادل والقريب إليه جدًا، ليسمعه ذاك الحالّ في قلبه. 1. صرخات قلبية 145-146. 2. صرخات عاجلة 147-149. 3. اقتراب الأشرار واقتراب الرب 150-152. من وحي المزمور 119 (ق) 1. صرخات قلبية "صرخت من كل قلبي، فاستجب لي يا رب؛ أطلب حقوقك" [145]. بينما كان موسى النبي صامتًا بفمه قال الرب: "مالك تصرخ إليّ؟!" خر15:14. هكذا إذ كان قلب موسى النبي مقدسًا سمع الله صرخاته الخفية واستجاب لها قبل أن يعبِّر عنها بشفتيه. على العكس قد يصرخ إنسان لله لساعات طويلة فيسمع القول: "ليس كل من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السموات". لكي يسمع الله صرخاتنا يلزمنا أن نقدمها من كل القلب، فلا يكون القلب مشغولًا بآخر غير إلهه، وأن يكون القلب مقدسًا متجاوبًا مع الله القدوس، وأن تكون الصرخة متفقة مع فكر الله وإرادته. لقد كان داود رجل صلاة بحق يعرف كيف يقدم صلواته فتستجيب له السماء: * كان يقدمها من كل قلبه [145]. هذا هو جوهر الصلاة، حيث تتكرس النفس بكل طاقاتها ومشاعرها لحساب الله. * كان يطلب حقوق الله، أي صلاة حسب إرادته الإلهية [145]. * يطلب لنفسه الخلاص لا الأمور الزمنية [146]. * يطلب عونًا ليحفظ وصاياه، أيضًا ينفذها ويثابر عليها [146]. * يطلب استجابة الصلاة من الله وحده، إذ لا رجاء له في ذراع بشري. لقد أدرك أن الحاجة إلى واحدٍ (لو 42:10). * الصرخة ليست إلا صوتًا قويًا يدل على أهمية ما ينقله إلى الله. في الحقيقة، يصرخ الصديق إلى الله عندما يطلب أمورًا عظيمة وسماوية. هكذا قيل عن هابيل الصديق عند موته: "صوت دم أخيك صارخ إليّ من الأرض" تك10:4. قيل هكذا لتوضيح أن الصديق يصرخ إلى الرب مصدرًا صوتًا قويًا. يقول الرب لموسى النبي المُطارد من المصريين: "مالك تصرخ إليّ؟" خر15:14. أما نحن، فعندما نصير قديسين، تكون في داخلنا هذه الصرخة، لأن الروح الساكن فينا يصرخ، قائلًا: "يا أبَّا الآب" رو15:8؛ غل6:4... أيضًا اسمع القول: "وقف يسوع وصرخ قائلًا: "إن عطش أحد فليقبل إلى ويشرب" يو35:7. إذن، من هو هذا الذي يصرخ إلى الله؟ ذاك الذي يتضرع من أجل أمورٍ عظيمةٍ، ولا يطلب أمورًا تافهة. كيف صرخت؟ "من كل قلبي، فاستجب لي"... يقول المرتل: إنني لا أنطق بفتور، ليس بشفتي ولا بالفم فقط، وإنما انطق بقلبي... أوجه إليك صلاتي طالبًا منك أن تستجب لي يا رب، إذ أنا أطلب حقوقك، كي أنال فهمًا دقيقًا وأصير بها حكيمًا. العلامة أوريجينوس * إلى أي مدى تنفع صرخته، يجيب: "إني أبحث عن البرّ. لهذا الهدف يدعو الله من كل قلبه". لقد اشتهي أن ينال هذا من قِبل الرب الذي ينصت إليه طالبًا برَّه. القديس أغسطينوس "صرخت إليك فخلصني، لأحفظ شهاداتك" [146]. كانت صلاته قصيرة جدًا: "خلصني"، لكنها تحمل معانٍ كثيرة، منها: * خلاص من مؤامرات الأعداء. * خلاص من التجارب القاسية. * خلاص من الخطايا والإغراءات. * خلاص للنفس بتجديدها المستمر. * خلاص من العار وللتمتع بالمجد الفردوسي المفقود. أما غاية هذه الصلاة أو غاية خلاصه فهو: "لأحفظ شهاداتك"، أيضًا يبقى شاهدًا أمينًا لله مخلصه بحياته الملتهبة حبًا لله والناس. يقول القديس أغسطينوسأنه في بعض النسخ اليونانية واللاتينية جاءت "دعوتك" بدلًا من "صرخت إليك". ماذا تعني "دعوتك" إلا أنه بدعوتي إليك أبتهل إليك. * عندما قال: "خلصني"، ماذا أضاف؟ "لأحفظ شهاداتك". فإنه متى كانت النفس سليمة (غير مريضة، أي متمتعة بالخلاص) فإنها تتمم ما يلزم أن تعمله. فتجاهد حتى إلى موت الجسد، وذلك عندما تمتد التجربة إلى هذه الدرجة من أجل الدفاع عن الحق الخاص بالشهادات الإلهية. أما إذا كانت النفس عليلة فيغلب عليها الضعف ويصير الحق مُستهانًا به. القديس أغسطينوس * طلبتك بصوتٍ عالٍ لذلك "خلصني"، وأنا أتعهد أنني إذ أخلص أحفظ الأوامر التي سلمتني إياها أمام الشهود من أجل خلاصنا. العلامة أوريجينوس 2. صرخات عاجلة إذ كان الأمر جد خطير للغاية يمس أبديتي رفعت صوت قلبي بصرخات متوالية طالبًا الخلاص مع تعهدى بحفظ شهاداتك حتى وسط الضيق. ولما كان الوقت مقصرًا والأيام شريرة (1كو 29:7) فإننى أسرع لأقدم صرخات عاجلة في الليل والسحر حتى تشرق عليَّ يا شمس البرّ وتحول حياتي إلى نهارٍ دائمٍ. إنني لا أتوقف عن الصراخ ودراسة مواعيدك لي: "سبقت فبلغت في غير وقت (في وقت الظلمة) وصرخت، وعلى كلامك توكلت. سبقت عيناي فبلغتا وقت السحر لتدرسا في أقوالك" [147،148]. * يمكننا أن نستفيد بتفسير النص حرفيًا، كما ننتفع بتفسيره روحيًا أيضًا. هذا هو المعنى الحرفي: إنني لم أنتظر قدوم النهار لأصلي لك، لكنني نهضت في وقت الظلام، في الليل، مصليًا إليك... حتى أنال شروق نور الحق في نفسي. هذا وخلال رجائي (في كلامك) "انتظرت" من جديد، ناميًا في الحب، حيث أن "المحبة ترجو كل شيء" 1كو7:13. أما المعنى الروحي فهو: أنه ليس بالأمر المدهش أن ينهمك شيخ لم تعد تزعجه شهوات جسده، وإنما ما هو مدهش أن شابًا (سبق فبلغ في غير وقت) يحتقر الرذائل الشبابية ولا ينتظر، بل في وقت الظلمة يريد أن ينتصر على شهواته الشبابية بحكمة الشيوخ. حينئذ أستطيع أن أقول عن هذا الشاب أنه حقق المعنى الروحي لهذه الكلمات: "لم أنتظر وصرخت في وقت الظلمة. انتظرت كلامك في رجاء متزايد". * فتحت عيني في السحر، منشغلًا بالصلاة إليك، لكي ألهج بكلامك قبل أي عمل. العلامة أوريجينوس * كان أولًا "في وقت الظلمة" [147]، التي يمكن أن تُشبه بالعالم الحاضر، فإننا كثيرًا ما نسميه ليلًا بمقارنته بالعالم العتيد الذي يُطلق عليه "نهار"، كما يظهر من النص التالي: "قد تناهي الليل وتقارب النهار" رو12:13. * ما يُسميه هنا "عينيه" [148] يعني به قدرته على الرؤيا، فإنه لم ينتظر شروق شمس البرّ (ملا 20:3) حيث يستنير ويحل ملء النهار، بل صار يلهج في أقوال الله لتهبه أجنحة فينطلق إلى المرتفعات، ويدخل إلى الشركة مع النور الحقيقي نفسه دون استخدام برقع، فلا يكون "وقت ظلمة" بل يتواجد في النور الكامل، الذي هو نور الظهيرة. القديس ديديموس الضرير * يتطلع إليك "الشمس" بنظرة متجردة إذا ما أشرق ليجدك في السرير تغط في شخير وكسلٍ عميق! فأنت مدين بأبكار ثمار قلبك وصوتك لله حيث أمضى الرب يسوع ليالٍ في الصلاة. إعطه ما أعطاك. القديس أمبروسيوس * إن كنا هنا نشير إلى كل مؤمن... فغالبًا ما تستيقظ (فيه) محبة الله في تلك الساعة من الليل، وتحثنا محبة الصلاة بقوة في ساعة الصلاة، التي تريد أن تكون قبل صياح الديك. أما إن فهمنا هنا ليل هذا العالم، فإننا بالحقيقة نصرخ إلى الله في منتصف الليل، قبل نهاية الزمن الذي فيه سيُصلح من حالنا كما وعدنا... إن اخترنا أن نفهم هذا الليل بالزمن الذي لم يتم بعد، أي قبل مجيء ملء الزمان (غلا4:4)، حيث يظهر المسيح في الجسد، فإنه في ذلك الوقت في أيام العهد القديم لم تكن الكنيسة صامتة، بل كانت تصرخ خلال النبوات، واثقة في كلمات الله القادر أن يتمم ما وعد الله به، أن جميع الأمم تتبارك بنسل إبراهيم (تك3:12؛18:22). القديس أغسطينوس ربما عني المرتل أنه وهو في وقت الظلمة، أي تحت ظلال العهد القديم، حيث لم يشرق بعد شمس البرّ استطاع المرتل بصرخات قلبه الداخلية ودراسته لوعود الله وأقواله أن تنفتح بصيرته الداخلية ويعاين أسرار الخلاص كما في وقت السحر! لقد حسب المرتل نفسه كمن يعيش في ظلمة الليل حيث يرى المسيح قادمًا ليشرق بنوره على الجالسين في الظلمة. لقد رآه خلال النبوات والرموز، خلال الظلال، لذا ما أن حلّ السحر وبدأت بوادر النور الإلهي حتى أسرع يدرس في أقوال الله ليتعرف على شخص المسيا القادم لخلاصه. يترجم البعض تعبير "وقت السحر" ب "الهجعات" وحراسات الليل، فقد اعتاد اليهود أن يقسموا الليل إلى ثلاث هجعات، كل هجعة 4 ساعات، بينما يقسم الرومان الليل إلى أربع هجعات، كل هجعة 3 ساعات. مع كل هجعة كان حارس الليل يعلن عن حلول ساعات الليل. أما المرتل فكان يقوم قبل صياح حارس الليل ليصرخ إلى الله، فإنه ليس بمحتاج إلى من ييقظه أو يذكِّره بحلول ساعة الصلاة، إذ كان قلبه يطير مع كل ساعة من ساعات النهار والليل. كان الجنود يتناوبون ليلًا في ورديات للحراسة، أما داود النبي فكان يخدم الله طوال الليل دون ترقب لآخر يحتل مكانه، إذ كرَّس كل ساعات عمره للشركة مع الله. اعتاد المرتل أن يستيقظ قبل شروق الشمس ويبدأ صلواته بالصراخ لله مقدمًا تضرعات حارة إلى الله إلهه. يمزج صرخاته بدراسته للكتاب المقدس، فإن الصلاة ودراسة الكتاب لا ينفصلان بل يمثلان حديثًا بين الله والآنسان. * لنحسب "الصباح" هنا بمعنى الوقت الذي فيه أشرق النور على الجالسين في ظلال الموت (إش2:9)، فإن عيني الكنيسة لم تتوقفا في وقت هذا الصباح، وذلك في القديسين الذين كانوا قبلًا على الأرض، إذ سبقوا فرأوا مقدمًا أن هذا (الوقت) يعبر، فكانوا يلهجون في أقوال الله التي أعلنت عن هذه الأمور خلال الناموس والآنبياء. القديس أغسطينوس "استمع صوتي يا رب نظير رحمتك، وبحسب أحكامك أحيني" [149]. إذ صار المرتل وهو في وقت الظلمة يدرس أقوال الله ويتفحص وعوده بالخلاص استنار ولو جزئيًا كما في وقت السحر، طالبًا محبته الفادية، ومتمسكًا بالوعد الإلهي، قائلًا: "بحسب أحكامك أحيني" [149]. هكذا تحوَّلت حياة داود الدراسية لكلمة الله إلى صلوات وصرخات. وكأن إنجيلنا ليس للدراسة المجردة إنما هو كنز يلزمنا التمتع به خلال حديثنا الودي مع مخلصنا واهب الحياة. * لست أتوهم ولا أطلب أن تحيني حسب سلوكي (برِّي الذاتي) وإنما حسب أحكامك، بمعنى آخر أحيني بالطريقة التي تريدني بها أن أحيا، فإنني أريد أنا أيضًا أن أحيا. العلامة أوريجينوس * أولًا رفع الله العقوبة عن الخطاة برأفاته وسيهبهم الحياة العتيدة، وذلك للأبرار حسب دينونته. فإنه ليس باطلًا قيل له: "رحمة وحكمًا أغني، لك يا رب أرنم" مز1:101. هذا الترتيب في الاصطلاحين (رحمة أولًا ثم الحكم، أي تقديم الرحمة في هذا الزمان والحكم في يوم مجيء الرب)، وإن كان في عصر الرحمة نفسه لا تكون الرحمة بدون الحكم، حيث يقول الرسول: "لأننا لو كنا حكمنا على أنفسنا لما حُكم علينا" 1كو31:11... وأيضًا الحكم الأخير لا يكون بدون رحمة، حيث يقول المزمور: "يكللك بالمراحم والرأفات"، لكن سيكون الحكم بلا رحمة للذين هم على اليسار، الذين لم يمارسوا الرحمة (يع13:2). القديس أغسطينوس 3. اقتراب الأشرار واقتراب الرب كلما رفع المؤمن قلبه بالصراخ إلى الله وكرس حياته لدراسة أقوال الله ووعوده يقترب إليه الأشرار ليطردوه خارجًا حتى يتحطم، فإذا به يجد الرب المطرود خارج المحلة أو خارج أورشليم قريبًا إليه جدًا، بل وفي داخله. لقد عانى داود النبي من ذلك إذ قال ليوناثان بن شاول: "إنه كخطوة بيني وبين الموت" 1 صم 3:20. لكنه وجد أيضًا في ذلك سعادته فإنه كلما اقترب الشرير إليه جدًا يقترب إليه الرب ليدافع عنه وينقذه. "اقترب بالإثم الذين يطردوننى، وعن ناموسك ابتعدوا" [150]. لقد سمع داود النبي بآذانه الداخلية وقع أقدام مطارديه، فقد جاءوا من ورائه ليطاردوه. ركضوا خلفه ليسيئوا إليه، لذلك رفع أمره إلى الله وتوسل إليه أن يتدخل. لقد أبغضوه لأنهم ابتعدوا عن ناموس الله، وكأن بغضتهم له هي بغضه لله نفسه. * يُستفاد من هذا النص معرفة مصير من يضطهد الصديق. كلما اقترب لاضطهاده ابتعد عن الناموس، وابتعد عن الحياة، لأن الناموس هو "حياتنا" تث47:32. العلامة أوريجينوس * بقدر ما اقتربوا من البار المُضطهد كانوا بالأكثر بعيدين عن البرّ. أي ضرر يصيبون به هؤلاء (الأبرار) الذين يقتربون إليهم بالاضطهاد مادام اقتراب ربهم إلى المضطهدين أسرع، هذا الذي لا يتركهم؟! القديس أغسطينوس "قريب أنت يا رب، وكافة وصاياك حق هي" [151]. إن كان العدو يقترب إلينا من خلفنا لمقاومتنا فالله أقرب إلينا، هو في داخلنا، قادر أن يسندنا، يسمع صرخاتنا الخفية ويطارد أعداءنا. * في موضع آخر يقول الرب: ألعلي إله من قريب يقول الرب ولست إلهًا من بعيد؟! إر23:23. حقًا إن ربوبية الله هي في كل مكان، حيث تؤكد عنايته الإلهية بالخليقة. يقول بولس الرسول لليونانيين كما جاء في سفر أعمال الرسل: "نطلب الله، وهو ليس بعيدًا عنا، لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد" أع28:17. كما قيل: "روح الله يملأ المسكونة" حكمة7:1. إذن كيف يكون الله قريبًا؟ إذ يقترب الله منّا، فإننا ما لم نقترب نحن منه لا نبتهج بقربه منّا. لهذا فإن الخطاة بعيدون عنه. "هوذا البعيدون عنك يبيدون" مز27:73؛ أما البار فيقترب من الله. لأن الله ليس فقط الخالق (للبشر) وإنما يدخل بهم إلى الشركة معه. "ويقترب موسى وحده إلى الرب وهم لا يقتربون" خر2:24. يقترب إلى الله من كان على اتصال (شركة) به، وذلك حسب استعداده ودرجة كماله، فيقول عنه الرسول بولس: "من التصق بالرب فهو روح واحد" 1كو17:6. "قريب أنت يا رب، وكافة وصاياك حق هي" [151]. لا يستطيع اليهودي الجسداني أن ينطق هكذا بالحق، لأن ممارسته هي في مجال الحرفية. إنه مختون، لكن ليس ختانًا حقيقيًا. أنه يحتفل بعيد الفطير، لكن ليس بالعيد الحقيقي. في كلمة واحدة نصفه بأنه يقضي وقته في "الحرفية" مع أنه لم ينلها بعد. أما من يدرك حقائق و"أسرار ملكوت السموات" مت11:13؛ مر11:4؛ لو10:8، ويعرف ما هي حقيقة كل كلمة في الكتاب المقدس، مثل هذا يستطيع القول: "كافة وصاياك حق هي". العلامة أوريجينوس * يوجد تفسير آخر للنص: "وكافة طرقك حق هي"، لتعني الطرق المؤدية إلى الله. "كافة هذه الطرق" هو ذاك الذي يقول: "أنا هو الطريق والحق والحياة" يو6:14. من يبلغ كافة هذه الطرق يكون في "الحق"، ويكون الحق وأبوه في داخله. القديس ديديموس الضرير * يعترف القديسون لله حتى وهم في وسط متاعبهم، ناسبين الحق لله، لأنهم يتعذبون ليس عن غير حقٍ. هكذا فعلت الملكة إستير (إش6:14،7)، والقديس دانيال (دا16:4)، والثلاثة فتية في الأتون (تسبحة الثلاثة فتية 2-10)، وغيرهم. ففي قداستهم يعترفون لله. لكن ربما يتساءل البعض: بأي معنى قيل هنا: "كل طرقك حق هي"؟ نقرأ في مزمور آخر: "كل سبل الرب رحمة وحق" مز10:25. من جهة القديسين كل سبل الرب رحمة وحق في نفس الوقت، حيث يعينهم حتى في الحكم، وبهذا لا يكون هناك نقص في الرحمة. وبرحمته عليهم يتمم ما يعد به فلا يكون هناك نقص في الحق. هكذا نحن جميعَا، سواء الذين يحررهم أو يدينهم، نجد كل سبل الرب رحمة وحق، فحينما لا يُظهر الرحمة يظهر حق انتقامه، فإنه لا يدين أحدًا لا يستحق الدينونة. القديس أغسطينوس "منذ البدء عرفت من شهاداتك، أنك إلى الدهر أسستها" [152]. عرف داود النبي أن الله أسس شهاداته منذ البدء، وأنها تبقى ثابتة في كل العصور، لا تستطيع قوى الظلمة أن تحطمها. إنها أساس صخري عليه يبني المؤمنون حياتهم في الرب. مواعيد الله ثابتة لا يغيرها الزمن، هذا ما يملأ نفوس المؤمنين رجاءً مفرحًا. * عندما كنت في بدء حياة التقوى ونلت معرفة شهاداتك... استنرت بها، وجئت إلى المعرفة. "عرفت من شهاداتك أنك إلى الدهر أسستها"، إن كان الرب قد أسس هذه الشهادات، فإن هذه الشهادات... تنتظر ما يُبنى عليها. لكن ماذا يبني الله على هذا الأساس؟ إنه يبني الأوامر والوصايا والأحكام والشريعة والحكمة والمعرفة. هكذا يجعل البناء متكاملًا في كل شيء بالأعمال الصالحة وبكلمات الحكمة والعلم والمعرفة... فيستحق أن يسكن الله فيه ويسير فيه (2كو16:6؛ لا12:226). العلامة أوريجينوس * أسس الرب الشهادات فلا يقدر أحد أن يزعزعها ولا أن يحطمها؛ وكلمتك الذي هو حكمتك وابنك هو أسسها... لذلك يقول: "السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول" مت35:24؛ مر31:13؛ لو33:21. القديس ديديموس الضرير * ما هي هذه الشهادات سوى تلك التي فيها يُعلن الله أنه يُعطي ملكوتًا أبديًا لابنائه؟ إذ أعلن أنه سيُعطي هذه الشهادات في ابنه وحيد الجنس قال (المرتل) أن الشهادات نفسها قد تأسست أبديًا. ما قد وعد به الله خلال هذه الشهادات هو أبدي، ولهذا السبب فإن الكلمات "أنت أسستها" بحق تُفهم هكذا، إذ تظهر حقيقية في المسيح (1كو11:3). القديس أغسطينوس يرى القديس أغسطينوسأن هذه الشهادات التي أسسها الله قد عرفتها الكنيسة منذ البدء، بكرها القديس هابيل الذي ذُبح كشهادة لدم الوسيط المقبل، والذي سُفك بواسطة أخٍ شرير. من وحي المزمور 119(ق) اقترب إليّ يا رب، فقد اقترب الأشرار لهلاكي! * لأقدم مع داود صلاتي صرخة من كل قلبي، أطلب حقوقك لكي تتم إرادتك السماوية، أطلب الخلاص لا الأمور الزمنية. أطلب منك أن تقترب إليّ، لأن الأشرار يقتربون لهلاكي. * اقترب إليَّ وخلصني من مؤمرات الأعداء. خلصني من قسوة التجارب. خلصني من الخطايا والشهوات . خلصني من طبيعتي الفاسدة بتجديدها. خلصني من العار فأتمتع بمجد الفردوس المفقود. * قبل شروق الشمس أقوم، أصرخ إليك لتشرق بنور الحق عليّ! في وسط ظلمة الشهوات أصرخ إليك لتحول حياتي إلى نهارٍ. أعطيك بكور حياتي، قبل البدء بالعمل في الصباح أصرخ إليك لكي تقترب مني. * كم من ليالٍ قضيتها في الصلاة وأنت السامع للصلوات؟! هب لي أن أقضي ليالي حياتي في الصلاة لألتقي بك. * هب لي أن أمزج صرخات الصلاة بجدية الدراسة في كلمتك، ففي كليهما أدخل معك في حوار شيق وارتبط بوعودك! تقترب إلى، وتعلن سكناك فيّ! * يتسلل العدو خلفي مقتربًا إلى لإهلاكي، لكنك تسرع فتقترب إلى لخلاصي! أنت اقرب إليَّ من العدو، أنت في داخل نفسي! |
||||
10 - 04 - 2014, 05:09 PM | رقم المشاركة : ( 140 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير الكتاب المقدس - تفسير سفر المزامير - القمص تادرس يعقوب
مزمور 119 (118 في الأجبية) - قطعة ر - تفسير سفر المزامير 20- ر بعيد هو الخلاص عن الخطاة [153 - 160] إذ يقترب الأشرار إليَّ ليطردونني خارجًا تقترب أنت إليَّ جدًا وتتجلى في داخلي. هؤلاء الأشرار يبتعدون عن ناموسك [150]، فيحرمون أنفسهم من اقترابك إليهم. بإصرارهم على عدم التوبة يبقى الخلاص بعيدًا عنهم، مع أنك تريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون (1تي4:2). 1. بالاتضاع ننعم بخلاصه 153-154. 2. بعيد الخلاص عن الخطاة 155. 3. قبولي رأفاتك ورفضهم لها 156-160. من وحي المزمور 119 (ر) 1. بالاتضاع ننعم بخلاصه سبق فأعلن أن الرب قريب منه [151]، هنا يعلن سرّ هذا القرب من جانبه ألا وهو الاتضاع والطاعة له: "أنظر إلى تواضعي وأنقذني، فإني لم أنسَ ناموسك" [153]. الرب المخلص هو حال في كل موضع، يشتاق في حبه اللانهائي أن يحتضن كل نفس ويخلص الكل. لكن كبرياءنا وعصياننا يحجبان وجهه عنا، فيصير خلاصه بعيدًا. إذ يتضع المؤمن أمام مخلصه، ويحتضن ناموسه الروحي، يتمتع بالشركة معه، فيصير ما له للمؤمن، وما للمؤمن له؛ حتى تصير شكوى المؤمن ومتاعبه كأنها أمور تخص المخلص شخصيًا، الذي يحكم له في دعواه ويخلصه ويهبه حياة أبدية. * ليت كل إنسان ثابت في جسد المسيح لا يظن أن هذه الكلمات غريبة عنه، لأنه بالحق كل جسد المسيح موضوع في هذا الحال المتضع يقول: "أنظر إلى تواضعي وانقذني، فإني لم أنس ناموسك". * لا يمكننا أن نفهم ناموس الله كما ينبغي، حيث تقرر نهائيًا أنه "من يرفع نفسه يتضع، ومن يضع نفسه يرتفع" لو11:14، 14:18. القديس أغسطينوس "أحكم لي في دعواي ونجني، من أجل كلامك أحيني" [154]. يظهر المرتل هنا كمن يستأنف قضيته أمام المحكمة العليا الإلهية، طالبًا من الله أن ينظر إلى دعواه. أما من جانبه فيقدم أمرين: اتضاعه وتمسكه بناموس الله. بهذا فهو مطمئن أن يقف أمام العرش الإلهي. يطلب من الله أن ينظر إليه، فهو وحده يقدر بنظراته الإلهية أن يدرك ما في أعماق النفس من حزنٍ أو ضيقٍ؛ ويعطيها سلامًا فائقًا، ويرد لها بهجتها، كما أن نظراته يصحبها عمل إلهي، وليس كنظرات الناس التي وإن حملت أحيانًا ترفقًا لكنها تعجز عن إنقاذ النفس. * ماذا قيل: "لا أنسَ ناموسك" [153] وهي تتفق مع الكلمات هنا "من أجل كلمتك أحيني" [154]. فإن هذه الكلمات هي ناموس الله الذي لا ينساه، لهذا اتضع فارتفع. أما كلمة "أحيني" فهي تخص هذا الارتفاع عينه، لأن ارتفاع القديسين هو حياة أبدية. القديس أغسطينوس 2- بعيد الخلاص عن الخطاة إن كان المؤمن باتضاعه وطاعته ينعم بالشركة مع مخلصه، فالشرير في كبريائه وعصيانه أو رفضه لأحكام الله ووصيته يحرم نفسه من التمتع بهذه الشركة وثمرها الروحي في حياته. "بعيد هو الخلاص من الخطاة، لأنهم لم يطلبوا حقوقك" [155]. هناك نوعان من الخطاة، نوع يشعر بخطاياه ويعترف بها ويطلب العمل الإلهي، والنوع الآخر لا يبالي بخطاياه لذا لا يطلب الله، مثل هؤلاء الخلاص بعيد عنهم تمامًا. * الخلاص ليس بعيدًا عن جميع الخطاة، لأن المسيح الذي هو الخلاص جاء ليدعوهم إلى التوبة ويخلصهم، إنما هو بعيد عن الذين لم يطلبوا التوبة التي تبرئهم من الخطية. أنثيموس أسقف أورشليم * هذا يفصلك عنهم، لأنهم لا يفعلون ما تفعله أنت، إذ أنت تنظر إلى برّ الله. "وأي شيء لك لم تأخذه؟!" 1كو7:4... لقد أخذت من (الله) الذي دعوته القوة لكي تحفظ برّه. هو نفسه فصلك عن أولئك الذين هم بعيدين عن سلامة (النفس) لأنهم لا يراعون برّ الله. القديس أغسطينوس شعر القديس أغسطينوس بخطورة الحوار مع الشرير الذي يسحب المؤمنين إليه لكي يحرمهم من خلاصهم: "بعيد هو الخلاص من الشرير"، فيقول: "هكذا وقفت أمامه وانسحبت إليه تدريجيًا دون أن أدرك". لا يتمتع الخطاة غير التائبين بالخلاص، الذي يصير بعيدًا عنهم لأنهم لا يطلبون حقوق الله، أو الحق الذي هو المسيح. * شريعتك هي الحق، والحق هو أنت (يو 6:14)1. القديس أغسطينوس 3. قبولي رأفاتك ورفضهم لها إن كان الخلاص بعيدًا عن الخطاة فليس سرَّه الله بل الخطاة أنفسهم، ولئلا يظن أحد أن الله قاسي يكمل المرتل حديثه بتأكيد رأفات الله الكثيرة التي يرفضها الأشرار. يعلن الرب المخلص الرأفات الإلهية على الصليب للعالم كله، وتبقى أبواب محبته مفتوحة حتى اللحظة الأخيرة من حياتنا، من يرد ينعم بها وينال الحياة، عندئذ يقاومه الأشرار ويحزنون قلبه، أما هو فيبقى أمينًا في حفظه لكلمات مخلصه، متمسكًا بناموس الرب ورحمته الواهبة الحياة. "رأفاتك كثيرة جدًا يا رب، فحسب أحكامك أحيني" [156]. وكأن المرتل يوجه اللوم إلى الأشرار بطريقة غير مباشرة مقدمًا خبراته، فقد ذاق رأفات الله التي قدمت له الحياة عوض الموت. لقد حُكم علينا بالموت، لكن بالصليب تبدل الحكم فوهبنا الحياة المُقامة. إنه يدعو الأموات لكي يتمتعوا بالحياة الجديدة خلال مراحم الله كما اختبرها هو، فإن الله لا يشاء موت الخاطى مثل أن يرجع ويحيا. "كثيرون هم الذين يضطهدونني ويحزنونني، وعن شهاداتك لم أجنح" [157]. * هذا ما نتحققه ونعرفه ونتذكره. كل الأرض صارت حمراء بدم الشهداء، السماء تزهر بأكاليل الشهداء، الكنائس تتزين بذكريات الشهداء. الفصول تتميز بأعياد ميلاد الشهداء، أشفية تتحقق باستحقاقات الشهداء. لماذا هذا إلا لأنه قد تحققت نبوة ذاك الذي انتشر في العالم كله. نحن ندرك هذا ونقدم الشكر للرب إلهنا. وأنت يا إنسان قلت بنفسك في مزمور آخر: "لولا أن الرب كان معنا، لابتلعونا ونحن أحياء" مز2:157، 3. انظر السبب لماذا لم تجنح عن شهاداته... القديس أغسطينوس لم يقف الأمر عند بعدهم عن الخلاص وحرمانهم من الحياة الأبدية لكنهم يضطهدون المؤمنين ويحزنونهم بلا سبب. إنهم لا يريدون التمتع بالخلاص ولا ترك الغير في سلامهم الداخلي. يشتهون تحطيم كل نفسٍ بشرية. لكن ما هو موقف المؤمنين الحقيقيين منهم؟ إنهم يبكونهم ويحزنون عليهم. كان لداود كشخصية عامة أعداء كثيرون ظاهرون وخفيون، لكنه لم يخشَ أحدهم، ولا مالق أحدًا على حساب شهادات الرب ووصاياه. "رأيت الذين لا يفهمون فاكتأبت، لأنهم لأقوالك لم يحفظوا" [158]. * من هم هؤلاء الذين لا يحفظون عهدك إلا الذين حادوا عن شهادات الله، ولم يحتملوا متاعب مضطهديهم الكثيرين؟ الآن هذا هو العهد أن من يغلب يكلل. فالذين لا يحتملون الاضطهاد إذ ينحرفون عن شهادات الله لا يحفظون العهد. هؤلاء رآهم المرتل وذاب أسى لأنه أحبهم. فالغيرة حسنة، هذه النابعة عن الحب لا الحسد. أضاف بخصوص الذين فشلوا في حفظ الناموس: "لأنهم لأقوالك لم يحفظوا"، لأنهم صاروا جاحدين في ضيقاتهم. القديس أغسطينوس إذ ننظر إلى الذين لا يفهمون فنحزن عليهم طالبين خلاصهم يرد لنا الرب نظرتنا إليهم بنظرته هو إلينا، وشوقنا إلى خلاصهم برحمته علينا الواهبة الحياة. ما نمارسه من حنو حتى نحو مضطهدينا يرتد إلينا مضاعفًا على مستوى سماوي فائق! "أنظر يا رب فإني أحببت وصاياك، فبرحمتك يا رب أحيني" [159]. * هذه (الوصايا) قدمتني للموت، فأحيني. القديس أغسطينوس لم يقل داود النبي "أنظر فإني قد تممت وصاياك" لأنه يعلم تمامًا أنه مقصر وله ضعفات، لكنه يقول "قد أحببت وصاياك"، مجاهدًا في تنفيذها. "بدء كلامك حق، "وإلى الأبد كل أحكام عدلك" [160]. * من الحق تصدر كلماتك، فهي صادقة ولا تخدع إنسانا، وفيها تُعلن الحياة للأبرار والعقوبة للأشرار. هذه أحكام برّ الله الأبدية. القديس أغسطينوس يرى العلامة أوريجينوس أن بدء كلام الله هو وعده لأبينا إبراهيم، وقد حقق ما وعد به إذ صار نسله الروحي مثل نجوم السماء ورمل البحر، ومن نسله جاء ربنا يسوع المسيح الذي بارك الأمم الذين آمنوا به. من وحي المزمور 119(ر) نظراتك الإلهية تملأني سلامًا! * أنظر إليّ في ضيقي، نظراتك تنقذني وتهبني سلامًا وبهجة. نظراتك مملوءة حنانًا عمليًا، تترفق بي، وتعمل من أجلي، وتهبني حياة أبدية! * هب لي أن اعترف بخطيتي، مقدمًا التوبة عنها، فلا يكون خلاصك بعيدًا عني! لأطلب الحق الإلهي... أنت هو الحق! * رأفاتك كثيرة جدًا يا مخلص العالم، لكن الأشرار يجنحون عنها ولا يبالون بها! يحرمون أنفسهم من الخلاص، ويضطهدون من يطلبون خلاص أنفسهم! هذا ما ملأ نفسي حزنًا وكآبة! لا أخشاهم لكنني أخاف عليهم! * لأنني مملوء حنوًا حتى على مضطهديَّ! لتنظر إليّ وترد حنوي عليهم بحنوك عليَّ! فإن هذا هو وعدك الإلهي، وهذا هو الحق الأبدي! |
||||
|