06 - 08 - 2016, 06:29 PM | رقم المشاركة : ( 13931 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الكبش الذي قُدم عوضاً عن إسحاق
الكبش الذي قُدم عوضاً عن إسحاق طلب الرب من إبراهيم أن يأخذ ابنه الوحيد الذي يحبه إسحاق، ويذهب إلى أرض المُرِيَّا، ويُصعده هناك محرقة على أحد الجبال. فأطاع إبراهيم صوت الرب وأخذ ابنه وذهب إلى الموضع الذي قال له الله، وبنى هناك المذبح ورتَّب الحطب وربط إسحاق ابنه ووضعه على المذبح فوق الحطب، ثم مَدَّ يده وأخذ السكين ليذبح ابنه، فناداه ملاك الرب من السماء وقال له: «لاَ تَمُدَّ يَدَكَ إِلَى الْغُلاَمِ وَلاَ تَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا،.. فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ مُمْسَكًا فِي الْغَابَةِ بِقَرْنَيْهِ، فَذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ وَأَخَذَ الْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضًا عَنِ ابْنِهِ.» (التكوين 22: 12-13) هذا الكبش صورة للرب يسوع، المكتوب عنه: «كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ.» (إشعياء53: 7)، وعندما نظر يوحنا المعمدان يسوع مُقبِلاً إليه قال: «هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!» (يوحنا1: 29). ونجد عدة أمور مرتبطة بهذا الكبش: (1) الكبش في الغابة الغابة بها حيوانات مُسالمة وأخرى مُفتَرِسة، طاهرة وأخرى نجسة، وبها أيضًا الأشواك التي تجرح وتؤذي. والكبش من الحيوانات الطاهرة والمسالمة، ولكنه كان موجودًا في الغابة؛ صورة للرب يسوع المسيح القدوس البار، الوديع والهادئ، الذي لا يخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته (متى12: 19)، ولكنه عندما جاء إلى الأرض عاش في وسط الأشرار وتألَّم منهم. ولقد وصل العداء للمسيح إلى نهايته في مشهد الصليب لذلك قال بروح النبوَّة: « أَحَاطَتْ بِي ثِيرَانٌ كَثِيرَةٌ.أَقْوِيَاءُ بَاشَانَ اكْتَنَفَتْنِي . فَغَرُوا عَلَيَّ أَفْوَاهَهُمْ كَأَسَدٍ مُفْتَرِسٍ مُزَمْجِرٍ... أَحَاطَتْ بِي كِلاَبٌ. جَمَاعَةٌ مِنَ الأَشْرَارِ اكْتَنَفَتْنِي ..» (مزمور22: 12، 16). (2) الكبش وراء إبراهيم يقول الكتاب: « فَرَفَعَ إِبْرَاهِيمُ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا كَبْشٌ وَرَاءَهُ » (تكوين22: 13). لقد كان الكبش موجودًا في الغابة قبل أن يأتي إبراهيم وإسحاق إلى أرض المُرِيَّا، صورة لأزلية المسيح، فهو الذي : « وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ» (ميخا5: 2). ولقد شهد عنه المعمدان قائلاً: «هذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ: إِنَّ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي» (يوحنا1: 15). (3) الكبش مُمسَكًا من قرنيه القرنان يتكلّمان عن القوة وبهما يدافع الكبش عن نفسه. وهذا الكبش كان مُمسَكًا من قرنيه؛ أي إنه لا يستطيع أن يدافع عن نفسه، وبالتالي لا يستخدم قوته وهنا يظهر ضعفه، صورة للمسيح؛ فهو الله القدير والقوي، والقادر على كل شئ، القائل: «هُوَذَا بِزَجْرَتِي أُنَشِّفُ الْبَحْرَ. أَجْعَلُ الأَنْهَارَ قَفْرًا.» (إشعياء50: 3). لكن في طريق ذهابه إلى الصليب لم يستخدم قوته بل صار : « ..كَرَجُل لاَ قُوَّةَ لَهُ.» (مزمور88: 4). عندما أتوا ليقبضوا عليه : « وَقَالَ لَهُمْ: «مَنْ تَطْلُبُونَ؟» أَجَابُوهُ: «يَسُوعَ النَّاصِرِيَّ». قَالَ لَهُمْ: «أَنَا هُوَ». فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ: «إِنِّي أَنَا هُوَ»، رَجَعُوا إِلَى الْوَرَاءِ وَسَقَطُوا عَلَى الأَرْضِ. (يوحنا18: 4-6). وهذا يرينا أن كلمة واحدة منه كانت تكفي للقضاء على كل أعدائه الأشرار، لكنه لم يستخدم قوته هذه. لذلك صُلِب من ضعف : (2كورنثوس13: 4). ولكن الشيء العجيب أنه في مشهد الضعف هذا ظهرت قوة الله، لأن ضعف الله أقوى من الناس (1كورنثوس1: 18، 25)! (4) الكبش على المذبح مربوطًا لقد ربط إبراهيم إسحاق ابنه ووضعه على المذبح فوق الحطب، ولكن قام إسحاق من على المذبح، وذهب إبراهيم وأخذ الكبش، ولكي يُصعده محرقة كان لا بُد أن يربطه، صورة للمسامير التي كانت في يدي المسيح ورجليه وهو مُعَلَّق على الصليب، فلقد قال بروح النبوة: «ثَقَبُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ.» (مزمور22: 6). لكن الذي ربط المسيح على الصليب ليس المسامير في يديه ورجليه لكن رُبُط المحبة، فهو الذي أحب الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها (أفسس5: 25). (5) الكبش مذبوحًا كان مع إبراهيم السكين ليذبح إسحاق ابنه، لكنه ذبح الكبش الذي وضعه على المذبح، صورة لذبح المسيح على الصليب كما هو مكتوب: « لأَنَّ فِصْحَنَا أَيْضًا الْمَسِيحَ قَدْ ذُبحَ لأَجْلِنَا.» (1كورنثوس5: 7). وبالتأكيد تألَّم هذا الكبش كثيرًا عندما اجتاز السكين في رقبته، صورة للآلام التي اجتاز فيها المسيح - له المجد - وهو مُعَلَّق على الصيب كما هو مكتوب: «فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا،» (1بطرس3: 18). عندما ذُبِح هذا الكبش سالت دماه على المذبح، ودم المسيح الثمين سُفِك على الصليب لأجلنا. فلقد خرج الدم من ظهره نتيجة الجلدات، ومن رأسه نتيجة إكليل الشوك، ومن يديه ورجليه نتيجة المسامير، ومن جنبه نتيجة الطعنة. ونحن كمؤمنين بالرب يسوع قد تطهرنا من خطايانا بهذا الدم الثمين، فيجب علينا باستمرار أن نذكر حبه وآلامه وموته ودمه المسفوك لأجلنا. (6) الكبش محروقًا بالنار كان مع إبراهيم أيضًا نار، فبعد أن ذبح الكبش ومات، أحرقه بالنار ليصعده محرقة لله. وهذه النار التي اجتازت في الخروف تشير إلى الآلام الكفارية التي احتملها رب المجد على الصليب في ساعات الظلمة، فلقد قال بروح النبوة: «مِنَ الْعَلاَءِ أَرْسَلَ نَارًا إِلَى عِظَامِي فَسَرَتْ فِيهَا» (مراثي 1: 13). ما أرهبها تلك الدينونة التي من الله الديَّان العادل، والتي نزلت على المسيح! إن كان الكبش لم يشعر بتلك النيران لأنه كان قد مات، لكن المسيح شعر بنيران تلك الآلام الكفارية الرهيبة، لذلك صرخ في نهاية ساعات الظلمة قائلاً: «إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» (متى27: 46). (7) الكبش فدى إسحاق يذكر الكتاب أن إبراهيم : «وَأَخَذَ الْكَبْشَ وَأَصْعَدَهُ مُحْرَقَةً عِوَضًا عَنِ ابْنِهِ.» (تكوين22: 13). لقد كان يجب أن يُذبَح إسحاق لكن إبراهيم ذَبَح الكبش عوضًا عن إسحاق، وبالتالي هذا الكبش أنقذ إسحاق من الذبح والموت والحرق، صورة للرب يسوع المسيح الذي بموته على الصليب أنقذنا من الموت والهلاك الأبدي، ولذلك نستطيع أن نتغنى قائلين: «الَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا.» (كولوسي1: 14). * أخي، أختي، هذا الكبش فدى إسحاق وأنقذه من الموت لأنه قُدِّم عوضًا عنه، والرب يسوع المسيح الذي أحبك، مات على الصليب لأجلك. فهل استفدت من خلاصه المجاني المُقَدَّم لك؟ وهل احتميت في دمه الثمين؟ ولكل من تمتع بالخلاص والغفران وامتلك الحياة الأبدية، هل تعيش لنفسك أم لمن مات لأجلك وقام؟ * * * يارب أشكرك أحبك كثيراً... بركة الرب لكل قارئ .. آمين . وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين يسوع يحبك ... |
||||
08 - 08 - 2016, 02:51 PM | رقم المشاركة : ( 13932 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أبولونيا قديسة قبطية ذات شهرة العديد من ابطال الإيمان الاقباط رجال وناساء معروفون حول العالم ، من بينهم الشهيدة "أبولونيا" الشجاعة بنت "الإسكندرية" مدينة الشهداء . ولدت لأسرة مسيحية غنية بالتقوى والمال ، عاشت حياتها كعذراء خادمة إذ نذرت البتولية مع العبادة بعد وفاة أبويها ، وكانت تعطى بسخاء للفقراء من ميراثها ، وقد فضلت أن تعيش بمنزل بسيط خارج أسوار مدينة الإسكندرية حياة صلاة هادئة بعيداً عن صخب المدينة. عام 250م أصدر الأمبراطور "دايكوس" مرسوم، يُحتِّم فيه ضرورة إعادِة ديانِة الدولة الوثنية، ويحذر كل من لم يخضع لهذا المرسوم بأنه يعرض نفسه لعقاب عنيف. والحقيقة أن هذه الموجة من الإضطهاد بدأت قبل هذا المنشور بعام لكن بشكل غير رسمى عن طريق تحريض وتهييج الرعاع والمتطرفين على الهجوم على منازل الأقباط ونهبها وسحبهم منها وإهانتهم وتعذيبهم وقتلهم بلا رادع غير مفرقين بين كبير أو صغير، رجل أو إمراة.. فى ذلك العام 249م كانت أبولونيا العذراء الفاضلة قد أصبحت سيدة مسنة ، توالت أخبار هذه الآلام المتتالية التى تحل بالاقباط لأجل إيمانهم إلى سمعها فتحرك قلبها ان لا تظل صامتة عما يحدث لأخوتها ، وبعد ليلة قضتها فى الصلاة انطلقت فى الفجر إلى قصر الوالى طالبة لقائه. وعندما قابلته قالت له بشجاعة وصراحة: "يا سيدي، كيف عملت هذه المظالم، وأتيت بهذا الدمار على من أنت مؤتمن عليهم لرعايتهم، دون أن تخاف إله الآلهة وملك الملوك، مشجعًا هذه الجرائم بغير فهم، قاتلًا عبيد الله؟!" عاتبها الوالي كيف تتحدث معه هكذا بهذه الجسارة محاولًا أن يهدئ من ثورتها عندما علم بمكانتها الاجتماعية ، وإذ لم يستطع تهدئتها هددها بالموت إن لم تبخر للأوثان. فلم تبال بتهديداته. حملها الوالي إلى معبد وثنى وسألها أن تسجد، فشعرت بقوة روحية تملأها، ثم رشمت علامة الصليب لتسقط الأصنام وتتحطم وصارت في هدوء عجيب تحدث جماهير المشاهدين عن السيد المسيح وعمله الخلاصى ، فانجذب الكثيرون إلى حديثها الهادئ بينما قام البعض بضربها وإهانتها. بدأ الوالي فى تعذيب هذه العذراء التقية وهو يعيرها، قائلًا: "أين هو إلهك الذي يقدر أن يعينك؟" محاولًا معها أن تتراجع عن رأيها وتخضع له. أمر بجلدها حتى تناثرت دمائها ولحمها ، ثم أمر بتكسير وخلع اسنانها بالكماشات وضربها بعنف على فمها الذى نطقت به الحق . اصابتها آلام مريرة لكن في وسطها نسيت كل ما هو حولها لتركع تطلب عون عريسها السماوي، وقد سمع الحاضرون صوتًا سماويًا يقول: "لقد قبلت صلاتك يا عروس المسيح". أعدوا لها نارًا متقدة ثم أمروها بالعبادة للأوثان وإلا ألقوها في الأتون ، أما هي فوقفت قليلًا حتى حسب الحاضرون أنها بدأت تتراجع وتعيد التفكير. لم يمض وقت طويل وكل الأنظار مسلطة عليها ماذا تفعل أمام النار، وإذا بها في هدوء وشجاعة تسير بنفسها نحو النار بأيد مبسوطة للصلاة، وتدخل وسط النار بإرادتها لتسلم روحها في يدّ مخلصها. تعتبر القديسة هى شفيعة من يعانون من آلام الأسنان والصداع الحاد الذان عانت منهم بعنف. وترسم أيقونتها وهى حاملة كماشة بها واحدة من أسنانها ، وما يزال احد ضروسها محفوظا فى كاتدرائية بورتو فى البرتغال |
||||
08 - 08 - 2016, 04:48 PM | رقم المشاركة : ( 13933 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
(العتق واختبار رومية)
رأينا في المرة السابقة الأساس التعليمي الذي شرحه الرسول في رومية6 للعتق من سلطان الخطية الساكنة فينا، حيث لخص ذلك في ثلاث نقاط: • «عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليُبطَل جسد الخطية» (ع6). • «احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطية» (ع11). • «قدموا ذواتكم لله كأحياء... وأعضاءكم آلات بر لله» (ع13). لكننا عندما نبدأ عمليًا في تنفيذ هذه الخطوات الثلاث، فإننا نصطدم في الاختبار العملي بوجود الخطية كطبيعة فاسدة تعمل فينا. فكيف أحسب نفسي ميتًا عن الخطية وأنا أرى أنها كائنة فيَّ بكل نشاطها وميولها؟ وهنا يأتي دور التدريب والاختبار في رومية7، ومُلخص تدريبات النفس في هذا الفصل العظيم أنه يمر بثلاث مراحل: 1. «أنا جسدي مبيع تحت الخطية» (ع14). وهذا القول لا يصدر إلا عن شخص وُلد من الله ونال الحياة الجديدة. فالذي لم يوُلد من الله لا يشعر بوطأة طبيعة الخطية في كيانه. أما المولود من الله فينزعج عندما يكتشف وجود هذه الطبيعة بنشاطها وعنفوانها كما هي، وأنه لا يقدر عليها، فيظن أنه بجملته جسدي مبيع تحت الخطية. وهذا استنتاج غير صحيح. 2. ثم يتقدم مرحلة أخرى في الاختبار فيقول: «إن كنت ما لست أريده إياه أفعل، فلستُ بعد أفعله أنا بل الخطية الساكنة فيَّ» (ع20)، التي تريد شيئًا مختلفًا عن إرادته الجديدة. فهو هنا يُميِّز بين الطبيعتين، ويعرف أنه شخصيًا ينحاز إلى الطبيعة الجديدة برغباتها المقدسة، ولكنه يرى الطبيعة القديمة تقاومها وتعمل في الاتجاه المضاد. فيقول أيضًا: «إني أُسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن (الطبيعة الجديدة)، ولكني أرى ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية» (ع22، 23). 3. ثم تأتي الخطوة الثالثة في الاختبار: فبعد أن وجد بعض الراحة في أنه شخصيًا يريد أن يعمل الحُسنى ويتمم إرادة الله، ولا يريد أن يعمل إرادة الجسد، إلا أنه يجد أن إرادته الجديدة عاجزة أمام رغبات الطبيعة القديمة، والنتيجة أن الشر حاضرٌ عنده، وأن ما يبغضه إياه يفعل مُجبرًا، وأن هذا الناموس الآخر الكائن في أعضائه يسبيه إلى ناموس الخطية. بالاختصار يجد أن الطبيعة القديمة هي الأقوى. ومع الفشل المتكرِّر ييأس من المحاولات ويشعر أنه لا أمل في نفسه فيصرخ: «ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت». إنه لا يقول: كيف أخلص من جسد هذا الموت؟ بل من ينقذني؟ (ع24). إنه يمد البصر إلى خارج ذاته باحثًا عن شخص آخر كلية، وليس عن وسيلة أو قوة للإنقاذ، بعد أن يأس من نفسه ومحاولاته. وعندما ينفض يده من نفسه ويتطلع بعيدًا عن ذاته فإنه يكتشف العلاج الكامل في المسيح، فيهتف من أعماقه: «أشكر الله بيسوع المسيح ربنا» (رومية7: 25)، ودائمًا نهاية الإنسان هي بداية الله. إن الكثيرين يعتقدون أنهم مسؤولون عن إخماد ثورات الطبيعة الفاسدة فيهم بقوتهم الذاتية، وهم لا يدركون أن الطبيعة الجديدة تعطي الرغبات والأشواق المقدسة، لكنها لا تعطي القوة لتنفيذ هذه الرغبات، أما القوة الحقيقية الفعالة فهي في الروح القدس الذي يمنحنا حياة المسيح المُقام من الأموات، هذه الحياة الظافرة والمنتصرة. وبدون امتلاك هذه الحياة بالروح القدس الذي يُدفِّقها ويُفعِّلها فينا، عبثًا نحاول الانتصار على الجسد. لهذا قال الرسول: «لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت» (رومية8: 2). والنتيجة المباركة هي: «فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ» (غلاطية2: 20). والروح القدس الساكن، هو القوة العاملة في هذه الحياة الجديدة، والتي تُمكِّن المؤمن أن يسلك بالروح فلا يُكمل شهوة الجسد، بل وبه يُميت أعمال الجسد ويكبح جماحه. وعندما نتأمل في رومية7 لا نجد في الأعداد 7-24 أيَّة إشارة إلى عمل المسيح الفدائي، أو إلى الروح القدس، أو إلى النعمة، ولا يُذكر اسم الرب يسوع في هذا الجزء كله. فالشخص هنا يدور في فلك ذاته باحثًا عن الصلاح. ونلاحظ كثرة تكرار كلمة “أنا” “وياء المتكلم” في رومية7: 7-24، والتي تصل إلى أكثر من 40 مرة. ولكن في (ع24) نلاحظ التغيير الفجائي، إذ وصل المتكلم إلى حافة اليأس قائلاً: «من ينقذني؟». فما هو إذًا سرّ الحصول على العتق؟ الجواب هو بكل بساطة: التحول عن الذات والمشغولية الكاملة بالمسيح. إن الكمال ليس في داخلك بل في المسيح الممجَّد، وأنت صرتَ كاملاً فيه. وهذا ما يعطي للنفس الراحة والأمان، ويجعل الخطوات تستقيم بتلقائية. «ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت»، وكلمة ناموس تعني “قاعدة عمل”. فناموس الروح القدس، أي القاعدة التي يعمل بها، هو الذي يعتق ويحرر. ولكي نفهم مدلول هذه العبارة نقول على سبيل التشبيه: “إن المغناطيس يجذب بُرادة الحديد”. هذه حقيقة علمية، ولكن يلازمها أن المغناطيس يعمل في المجال المغناطيسي من حوله فقط. فلو وُضعتْ بُرادة الحديد في مكان بعيد خارج نطاق المجال المغناطيسي لن يجذبها المغناطيس. هكذا الروح القدس يعمل فقط ويعطي القوة والنصرة على الجسد، عندما يكون المؤمن في المناخ الذي يناسب الروح القدس. فإذا كان الشخص في مجال عمل الجسد، ونشاطه وقراءاته ومشاهداته وعلاقاته والأماكن التي يتردد عليها، كلها فيما يغذي الجسد، فلن يعمل الروح القدس ولن تتحقق النصرة. لكنه سيعمل بقوة وبتلقائية عندما يكون المؤمن في أجواء روحية نقية ومقدسة تناسب الروح القدس. إن الروح القدس يُسَرّ بأن يُدفق حياة المسيح المُقام في داخلك، ويعطيك أن تختبر حلاوة العتق والنصرة على الخطية، فهل تفسح له المجال؟ وهل تخضع له، وتقبل توجيهاته؟ إن الجسد في المؤمن أكثر شراسة من غير المؤمن لأنه ليس حرًا طليقًا. إنه يشبه الكلب المحبوس داخل غرفة ومغلق عليه فيها. هذه الغرفة هي واحدة من قصر فسيح يعيش فيه المؤمن هانئًا ومستريحًا. الكلب لن يستطيع الخروج ما لم يفتح له المؤمن الباب، وعليه أن يهمله. ليتنا ننشغل بالأمور الأفضل، ونشبع بنصيبنا في المسيح، والنفس الشبعانة تدوس العسل. سيظل هذا الجسد الفاسد فينا طالما نحن في الأجساد الترابية على الأرض، إلى أن يأتي الرب ويفتدي أجسادنا، ويغير هذا الجسد الترابي الوضيع ليكون على صورة جسد مجد المسيح، وعندئذ سنتحرر نهائيًا من جسد الخطية الذي فينا، وينتهي الصراع، ولما تنتهي الحرب نُكلل. |
||||
08 - 08 - 2016, 04:52 PM | رقم المشاركة : ( 13934 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
العتق من سلطان الخطية الساكنة فينا
«لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت» (رومية8: 2) من أشهر أسباب السقوط المتكرر في الخطية، خاصة في بداية الطريق مع الرب في الحياة الروحية، هو أن يكون الشخص لم يختبر العتق بعد، ولم يعرف سر الانتصار. فالراجع إلى الله، كل ما يشغل تفكيره ويقلقه هي خطاياه الكثيرة التي تظهر أمامه في بشاعتها وما تستحقه من دينونة طبقًا لقداسة الله. وعندما يسمع البشارة ويعرف قيمة وفاعلية دم المسيح الذي يُطهر من كل خطية، فإنه يجد راحة الضمير المُتعَب ويتمتع بالسلام مع الله. والرسول بولس قد تناول في رسالة رومية الأصحاحات (1: 1 – 5: 11) موضوع المذنوبية المرتبطة بخطايانا الفعلية، وكيف أننا بسببها كنا مُدانين وتحت قصاص من الله. وأوضح أن علاج هذه الحالة كان في سفك دم المسيح على الصليب، وأننا بالإيمان صرنا «متبررين الآن بدمه» (رومية5: 9)، و«إذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح» (رومية5: 1). أما مشكلة الخطية التي في الجسد (الطبيعة الفاسدة فينا)، وهي المشكلة الأعمق، فقد تناولها الرسول في القسم التعليمي الثاني من الرسالة (رومية5: 12 – 8: 39)، وفيها يتكلَّم عن الخطية بالمفرد. ليس ماذا فعلتُ، بل من هو أنا في الأصل؟ فالمشكلة هنا ليست هي الخطية التي ارتُكبتْ، بل الخاطي نفسه بحسب الطبيعة. إن القلب أخدع من كل شيء وهو نجيس، والقلب منه مخارج الحياة. ومن الداخل من قلوب الناس تخرج كل الشرور. وإن كان الدم يتعامل مع خطايانا الفعلية ويطهرها، لكنه لا علاقة له بموضوع الخطية التي في جسدنا، ولا كيفية التحرر منها. فهذه المشكلة علاجها في الصليب، حيث أن المؤمن قد مات اعتباريًا وشرعيًا مع المسيح يوم مات المسيح. هذا ما قاله بولس: «مع المسيح صُلبت، فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ» (غلاطية2: 20). هذا يعني أنني كإنسان أحتاج إلى بديلين: بديل مات لأجلي ليضمن الغفران بسفك دمه على الصليب، وبديل في داخلي يضمن الانتصار على قوة الخطية، بحياته فيَّ التي أمتلكها بالروح القدس. وفي الواقع فإن الحياة المسيحية الصحيحة لا يستطيع أن يحياها سوى المسيح نفسه. والروح القدس هو الذي يُدفق حياة المسيح فينا ويُفعِّلها ويُظهرها، وهذا هو الطريق للنصرة وفعل ما هو مرضي عند الله. ويجب أن نعرف أنه في الصليب لم يمُت المسيح لأجل الخطاة فقط، بل إن المؤمن نفسه قد مات مع المسيح، والمعمودية تشهد بذلك. ويقول الرسول: «إن كنا قد صرنا مُتحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته» (رومية6: 5). وبالطبع فإن المؤمن لم يمُت حرفيًا، ولكن شرعيًا واعتباريًا. هذه الحقيقة تُقبَل بالإيمان بما فعله الله في المسيح لتحريرنا. هذا الموت قد قطع العلاقة بالخطية كأصل موروث وطبيعة ساقطة ونبع فاسد يسكن فينا ويسود علينا طالما كنا أحياء. وهذا ما قاله أيوب عن الموت: «الصغير مثل الكبير هناك والعبد حر من سيده» (أيوب3: 19). إن السيد القديم لم يتغير، والمسألة ليست هي أن أتغلب أنا عليه، لكن الذي حدث هو أني أنا الذي مُت في صليب المسيح، وهذا ما قطع العلاقة بيني وبين هذا السيد. والمولود من الله حديثًا، بعد أن فرح بغفران خطاياه، فإنه يصطدم بخيبة أمل مريرة عندما يكتشف أن الخطية كنبع فاسد بكل رغباتها الشريرة باقية كما هي لم تتغير، بل على العكس ازدادت عنفًا وشراسة. لقد امتلك الطبيعة الجديدة برغباتها المقدسة ورفضها للخطية، وهو يريد أن يعيش مقدَّسًا روحًا ونفسًا وجسدًا، ويعمل إرادة الله، ويحاول جاهدًا بكل إخلاص تنفيذ تلك الرغبات الحسنة بقوته الذاتية، واضعًا نفسه تحت مبدإ الناموس على أنه مسؤول أمام الله عن كبح رغبات الجسد، لكنه يصطدم بقوة معاكسة في كيانه، هي جسد الخطية الكائن في أعضائه. هذا الجسد نشيط جدًا في فعل الخطية، وضعيف جدًا وعاجز إلى حد الموت في السيطرة على الجسد أو في فعل إرادة الله. لهذا يسميه الرسول «جسد الخطية» (رومية6)، و«جسد هذا الموت» (رومية7). والرسول قبل أن يستعرض التدرج في الاختبار العملي (رومية7)، حتى يصل إلى العتق الكامل ويهتف من أعماقه هتاف النصرة والغلبة على الخطية التي أذلته لفترات طويلة واستنفدت كافة المحاولات (رومية7: 25 – 8: 1-3)، فإنه قد شرح لنا في رومية6 الأساس التعليمي لهذا الاختبار في ثلاث نقاط محددة: 1. «عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صُلب معه ليُبطَل جسد الخطية، كي لا نعود نُستعبَد أيضًا للخطية» (رومية6:6). والكتاب لا يطالبني أن أموت فهذا ليس في مقدوري، لكنه يخبرني بأنني قد مُت يوم مات المسيح. هذا ما عمله الله ويريدني أن أصدقه. الجسد لم يمت فهو لا يزال نشيطًا ويتحرك، لكنني أنا الذي مُت (أنا القديم)، وبالتالي لن يجد من يستخدمه. 2. «احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطية ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا» (رومية6: 11). وذلك عندما أقبل هذه الحقيقة بالإيمان وأطبقها عمليًا. 3. «لا تملكن الخطية في جسدكم المائت لكي تطيعوها في شهواتها، ولا تقدموا أعضاءكم آلات إثم للخطية، بل قدموا ذواتكم لله كأحياء من الأموات وأعضاءكم آلات بر لله» (رو6: 12، 13). وهذه هي الخطوة الإيجابية بعد التحرر من سيادة الخطية. فالقصة تبدأ بالمعرفة والاستنارة بما عمله الله معنا إذ وضعنا في المسيح واعتبرنا قد متنا معه في الصليب، وعلينا أن نقبل هذا بالإيمان رغم أننا لم نشترك فيه حرفيًا، فلم نكن هناك يوم مات المسيح. وإذ نقبل ذلك علينا أن نعيش في ضوء هذه الحقيقة ونتصرف طبقًا لها، فنحسب أنفسنا، كل يوم وطول اليوم، أمواتًا عن (تجاه) الخطية وأحياء لله. فعندما تنادينا الخطية وتُغرينا لا نتحرك أو نتجاوب معها، ونُذكِّر أنفسنا أننا قد متنا عن الخطية، والذي مات لا يتحرك. وأخيرًا علينا أن نُقدِّم ذواتنا لله وأعضاءنا آلات بر لله، بعد أن كانت الخطية تستخدم هذه الأعضاء لتحقيق رغباتها. وللحديث بقية إذا تأنى الرب |
||||
08 - 08 - 2016, 04:54 PM | رقم المشاركة : ( 13935 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كيف تتعامل مع الجسد؟
بعد أن استعرضنا ملامح وخصائص الجسد، وأساليب عمله وخطورته، وكيف أنه فاسد ونشيط نحو الخطية وفعل الإرادة الذاتية، وفي نفس الوقت عاجز تمامًا عن فعل إرادة الله، نتحدث الآن عن كيفية مواجهته والتعامل معه. وفي البداية لكي نأخذ الموقف الصحيح يجب أن نعرف فكر الله في المكتوب من جهة الجسد، وكيف أنه يرفضه ويدينه في كل صوره، سواء في العهد القديم أو الجديد. ففي تاريخ إبراهيم، نقرأ عن نشاط الجسد الذي أتى بإسماعيل (تكوين16). لكن الرب رفض هذا ولم يَقبَله، وبعد 13 سنة من الصمت الإلهي ظهر له الرب، وهو ابن 99 سنة، وقد صار مُماتًا، وقال له: «أنا الله القدير. سر أمامي وكن كاملاً» (تكوين17: 1). مما يدل على أنه، عندما تصرَّف بالجسد، لم يكن سائرًا أمام الرب، ولم يكن كاملاً. وفي نفس الأصحاح نقرأ عن الأمر الإلهي له بالختان هو وكل ذكر في عائلته. والختان هو قَطع جزء من الجسد حرفيًا، وهو شيء مؤلم بلا شك. والدرس الروحي في هذا الرمز هو الحكم على الجسد وإدانته ورفضه، وبالتأكيد أن هذا سيقترن بالألم. وقبل الخروج من مصر، نقرأ أن الرب التقى موسى وطلب أن يقتله لأنه تهاون في ختان ابنه، فأسرعت صفورة وأخذت صوانة وقطعت غرلة ابنها، فانفك عنه (خروج4: 24-26). وكان الرب يريد أن يؤكِّد لموسى ضرورة الحكم على الجسد، وأنه لا يقبل مُطلقًا أي مهادنة معه، وأن من سيستخدمه يجب أن يراعي مطاليب قداسة الله أولاً. وفي رحلة شعب الله بعد خروجهم من مصر وعبورهم البحر الأحمر، يظهر عدو آخر بخلاف فرعون هو عماليق، فنقرأ القول: «وأتى عماليق وحارب إسرائيل في رفيديم، فقال موسى ليشوع انتخب لنا رجالاً واخرج حارب عماليق ... فهزم يشوع عماليق بحد السيف ... فإني سوف أمحو ذكر عماليق من تحت السماء ... للرب حرب مع عماليق من دور إلى دور» (خروج17: 8-16). وعماليق صورة للجسد بشهواته التي تحارب النفس (1بطرس2: 11)، أو الجسد الذي يشتهي ضد الروح (غلاطية5: 17). وفي سفر يشوع، بعد أن دخل إسرائيل أرض الموعد، نقرأ أنهم حَلّوا في الجلجال، وهناك قال الرب ليشوع: «اصنع سكاكين من صوان وعُد اختن الشعب»، لأن جميع الذكور الذين ولدوا في البرية لم يختنوا، وبعد ذلك قال الرب ليشوع: «اليوم قد دحرجت عنكم عار مصر» (يش5: 2-9). وفي حروب شعب الرب لامتلاك الأرض بقيادة يشوع، كان الشعب يخرج من الجلجال ويعود بعد النصرة إلى الجلجال. والجلجال المرتبط بالختان يعني الاتضاع أمام الرب والحكم على الجسد وإدانته. ويبدأ تاريخ مملكة إسرائيل بأول ملك اختاره الشعب وهو شاول الذي يُمثِّل الجسد، ونرى بوضوح كيف فشل شاول فشلاً ذريعًا في قيادة شعب الرب، وفي صنع إرادة الله، ولا سيما في القضاء على عماليق، حيث عفا عن أجاج ملك عماليق، وعفا عن خيار الغنم والبقر، وكذب على صموئيل، وألقى التهمة على الشعب (1صموئيل15). ولأنه رفض كلام الرب قد رفضه الرب. وعندما ناح صموئيل على شاول، قال له الرب: «حتى متى تنوح على شاول وأنا قد رفضته» (1صموئيل16: 1). وبذلك أعلن الرب فِكرَه الواضح من جهة الجسد، ورفضه الكامل له. وهذا أمر ثابت في كل الكتاب، وبناء عليه يجب أن نرفض نحن أيضًا الجسد ولا نتساهل معه. ولأن الجسد فاسد وعديم الشفاء ولا يُرجى منه أي خير أو إصلاح، وهذا ما قاله بولس: «إني أعلم أنه ليس ساكن فيَّ، أي في جسدي، شيء صالح» (رومية7: 18)، لهذا فإن العلاج الوحيد له هو الصليب. «فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية، ولأجل الخطية، دان الخطية في الجسد» (رومية8: 3). أي أن الله دان الطبيعة القديمة التي فينا في صليب المسيح، وهذا تمّ شَرعًا يوم مات المسيح. وعمليًا يقول الرسول: «الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات» (غلاطية5: 24)، أي يضعون الجسد في حُكم الموت، مصادقين على ما فعله الله في الصليب. وهذا ما فعله بولس وهو يركض في السباق في ميدان الخدمة، ويضبط نفسه في كل شيء، ويخاف أن يعطِّله الجسد، فقال: «أقمع جسدي وأستعبده» (1كورنثوس9: 27). والمؤمن قد مات شَرعًا في صليب المسيح فتحرَّر من سيادة الخطية الساكنة فيه، والتي كانت تُسيطر عليه وتستعبده. لهذا يقول الرسول: إننا «لسنا مديونين للجسد لنعيش حسب الجسد» (رومية8: 12)، أي أننا لسنا تحت التزام أن نُرضي رغبات الجسد ونعمل إرادته، بل نعمل إرادة الله بقوة الروح القدس. ولكن هذا ليس سهلاً فهو يتطلب موقفًا صَلبًا للغاية ضد رغبات الجسد ونداءاته. ونحن لسنا مطالبين أن نحارب الجسد الذي فينا بشهواته، بل أن نمتنع عن الشهوات الجسدية التي تحارب النفس (1بطرس2: 11)، أي أن الشهوات هي التي تحاربنا، ونحن علينا ألا نتجاوب معها. فالتحريض سلبي لكي نمتنع عن الشهوات. كذلك يقول بولس لتيموثاوس: «أما الشهوات الشبابية فاهرب منها» (2تيموثاوس2: 22). فقضيتنا الأساسية هي أن نحارب المحاربة الحسنة ونحقِّق نجاحات روحية إيجابية في النمو في النعمة وفي معرفة ربنا يسوع المسيح، فنتغيَّر ونصبح أكثر تشبهًا به، ونجاحات في الشهادة للعالم عن المسيح الذي لم يعرفوه، ونجاحات في الخدمة وحياة البر وفعل إرادة الله والخضوع لمشيئته، واختبار ما هو مرضي عنده. هذا هو مسارنا الطبيعي الذي به نمجِّد الله إيجابيًا وليس سلبيًا. لكن الجسد دائمًا هو الذي يحارب كل رغبة مقدَّسة فينا ويحاول جاهدًا أن يُعيق تقدُّمنا ويُحوِّل مسارنا إلى فعل الخطية والإرادة الذاتية. وهذا ما قاله الرسول: «لأن الجسد يشتهي ضد الروح، والروح (يقف) ضد الجسد» (غلاطية5: 17). وللحديث بقية إذا شاء الرب |
||||
08 - 08 - 2016, 04:55 PM | رقم المشاركة : ( 13936 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الجسد الذي لا تعرفه
لا زلنا نستعرض خصائص الجسد، ذلك العدو الخبيث الذي يُعطل نمونا ونجاحنا الروحي، ولأنه ساكن فينا فهو يلازمنا حيثما نذهب، ويحتاج منا إلى الحذر والسهر الدائمين، وإلى فطنة روحية لندرك أساليبه وخصائصه؛ حتى يمكننا أن نتصدى له ونرفض وندين كل أعماله ورغباته. وكنا قد رأينا العديد من صفاته وإليك بعض الخصائص الأخرى التي تميِّز الجسد حتى تعرفه جيدًا، قبل أن نتكلم عن كيفية الانتصار عليه والتعامل معه. 1. الجسد يحب الاسترخاء ويختار الطريق الأسهل، ولا يكلِّف نفسه عناء فحص النفس والتوبة. قيل عن يساكر ابن يعقوب: «رابض بين الحظائر، رأى المحل أنه حسن والأرض أنها نزهة، فأحنى كتفه للحِمْلِ وصار للجزية عبدًا» (تكوين49: 14، 15). فالجسد يبحث عن رغدة العيش وأكبر قدر من الترفيه لإشباع وإمتاع رغباته، ويضحّي بالمبادئ والقيم في سبيل ذلك، ويرفض المعاناة والحرمان في طريق البر وإرضاء الله. إنه يبحث عن ذاته وليس عن إرادة الله. وعندما ارتحل أبرام ارتحالاً متواليًا نحو الجنوب، حدث جوع في الأرض، وكان الأجدر أن يسأل الرب ويفحص الأمر ويبحث عن فكر الله، وحتمًا كان الرب سيقوده رجوعًا إلى بيت إيل. لكنه سلك الطريق الأسهل؛ فانحدر إلى مصر حيث الشبع المادي، ولم يفكِّر في الجوع الروحي والخسائر التي ستحلّ به (تكوين12). ونفس الشيء حدث مع نُعمي وأليمالك عندما حدث جوع في الأرض، فذهبوا من بيت لحم ليتغرَّبوا في بلاد موآب، دون أمر الرب (راعوث1). وكان الأجدر أن يسألوا الرب: لماذا الجوع؟ ويراجعوا طرقهم ويتوبوا عن الشر، والرب سينظر ويصفح ويفتقدهم ليعطيهم خبزًا؛ وهذا هو الموقف الروحي الصحيح. لكن هذا ما لا يرغبه الجسد، فهو يبحث عن أي طريق آخر بخلاف فحص النفس والتوبة. 2. الجسد لا يعرف أن ينتظر الرب ويصبر له ويحترم مواقيته. لقد وعد الرب أبرام أن يعطيه نسلاً، وهذا النسل سيكون كتراب الأرض وكنجوم السماء في الكثرة (تكوين13، 15). وأبرام آمن بالرب ووثق في وعده، بالرغم من الصعوبة المنطقية في ذلك بسبب تقدُّمه في الأيام هو وسارة. لقد تأنى الرب في تحقيق الوعد، وكان على أبرام أن ينتظر. لكن الذي نجح في امتحان الإيمان فشل في امتحان الأناة والانتظار. والجسد سريع القلق، ويحاول اختصار الطريق بحلول بشرية. وهذا ما حدث، حيث أخذ هاجر الجارية وأنجب منها إسماعيل (تكوين16)، ولم يكن هذا موافقًا لفكر الرب على الإطلاق، بل سبَّب متاعب لا حصر لها. ونفس الشيء حدث مع ألقانة رجل حنة. لقد أغلق الرب رحمها، وكان المفروض أن يصلي معها وينتظر الرب، لكنه اختصر الطريق وتصرف بالجسد ليحل مشكلته وأخذ فننة زوجة ثانية، مخالفًا لترتيب الله الذي من البدء (1صموئيل1). ولم تكن بركة له بأي شكل، مع أنها أنجبت بنين وبنات. كذلك فشل داود في انتظار الرب الذي مسحه ليملك على إسرائيل وقال «إني سأهلك يومًا بيد شاول، فلا شيء خيرٌ لي من أن أفلت إلى أرض الفلسطينيين فييأس شاول من أن يفتش عليَّ» (1صموئيل27). وفي كل مرة نرى تسرع وقلق الجسد الذي يفشل في انتظار الرب ومواقيته. 3. الجسد أناني ولا يحب سوى نفسه، ولا يعرف مبدأ العطاء. لقد أحب شاول داود جدًا (1صموئيل16: 21)، لكنه بعد ذلك أبغضه جدًا وحاول أن يقتله 7 مرات. وأحب أمنون ثامار، لكنه أذلها وأبغضها بغضة مُرة وطردها (2صموئيل13). هذا هو الجسد الفاسد الأناني الذي يغدر. وفي قصة نابال الكرملي نسمعه يقول لعبيد داود الذين أرسلهم: «أآخذ خبزي ومائي وذبيحي الذي ذبحت لجازيَّ، وأعطيه لقوم لا أعلم من أين هم»؟ (1صموئيل25: 11). وهذا هو الجسد الذي لا يعرف العطاء. 4. الجسد مليء بالشهوات والرغبات الفاسدة الجامحة التي لا تشبع ولا تكتفي. هذا ما نراه في شمشون، البطل والنذير الأول، والذي كان روح الرب يحرِّكه في محلة دان بين صُرعة وأشتأول (قضاة13). لكننا نرى شيئًا آخر في أعماقه يحرِّكه في اتجاه مضاد. إنه الجسد الفاسد بشهواته. فنراه ينزل إلى تمنة وإلى كروم تمنة، وينزل إلى غزة، وينزل إلى وادي سورق. وفي الثلاث مرات، نزل لأجل امرأة فلسطينية. في المرة الأولى نزل ليتزوج واحدة من بنات الفلسطينيين في تمنة، رغم نصائح والديه؛ فكيف ولماذا يرتبط النذير بفتاة وثنية من أعداء شعب الرب؟ بالأسف كان جوابه: «لأنها حسنت في عينيَّ» (قضاة14: 3). أما المرة الثانية فقد نزل إلى غزة إلى امرأة زانية (قضاة16: 1). وبكل أسف كان يعرف إلى أين ولماذا هو ذاهب؟ ولم يتحذر أو يرتعب. فقد كان مدفوعًا بشهوة الجسد. أما المرة الثالثة فقد نزل إلى وادي سورق وأحب امرأة اسمها دليلة (قضاة16: 4)، وتملَّقته لتعرف سر قوته، وكان يراوغ ويخادع ويكذب ويستعرض قوته ويتحاور، ولم يتحذر. كان تحت تأثير المخدِّر الشيطاني، أو كان قد سكر بخمر الشهوة التي أدمنها. كان يتصرف كأحد السفهاء في إسرائيل، وجلب العار على الشهادة وعلى اسم الرب الكريم. وتحت الإلحاح كشف لها كل ما بقلبه، وعرَّفها بسر قوته، فأنامته على ركبتيها، وحلقت خصل شعر رأسه، وفارقته قوته، ولم يعلم أن الرب قد فارقه. فأخذه الفلسطينيون وقلعوا عينيه وقيدوه بسلاسل نحاس ونزلوا به إلى غزة، وكان يطحن في بيت السجن. وانتهت حياته نهاية مأساوية إذ مات مع الفلسطينيين، ومات في عز شبابه. والدرس المؤلم أنه ما أخطر تدليل الجسد وإطاعة رغباته. وليس فقط شمشون بل داود أيضًا وهو شيخ، عندما ترك المجال للجسد وشهواته ورغباته، ولم يقمَع هذا الجسد، نراه في وقت الفراغ يصعد ليتمشى على السطح، ويتطلع إلى امرأة ويشتهيها ويضطجع معها، ويحاول تغطية الأمر بعدة محاولات انتهت بقتل أوريا الحثي (2صموئيل11)، وبذلك كسر ثلاث وصايا في الناموس هي: لا تشته امرأة قريبك، لا تزن، لا تقتل. وما فعله كان قبيحًا في عيني الرب. وتبقى الحقيقة أن من يزرع للجسد فمن الجسد يحصد فسادًا. وللحديث بقية إذا شاء الرب |
||||
08 - 08 - 2016, 05:00 PM | رقم المشاركة : ( 13937 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
انتبه... هذا هو الجسد!
رأينا في المرة السابقة بعض خصائص الجسد التي تظهر في القالب الروحي، وها نحن نواصل حديثنا عن هذا العدو الخبيث الكامن في أعماقنا، والذي إن لم نتنبَّه لأساليبه ورغباته وخصائصه، فإننا نصبح في خطر حقيقي يُهدِّد حياتنا الروحية بالكامل. والكتاب يقول: «إن عشتم حسب الجسد فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح تُميتون أعمال الجسد فستحيون» (رومية8). 1. الجسد يحبّ الخصام ولا يريد أن يعيش في سلام. مع أن «ثمر البر يُزرع في السلام» (يعقوب3: 18)، وثمر الروح يتضمَّن المحبة والفرح والسلام، والكتاب يوصينا أن نتبع السلام مع الجميع، وأننا حسب طاقتنا نُسالِم جميع الناس؛ لكن الجسد لا يعنيه الثمر ولا يعبأ بحفظ وصايا الله. إنه يبحث عن نفسه ومصالحه، وفي سبيل ذلك فهو على استعداد أن يُثير المشاكل ويحتَّد، ويلجأ إلى النزاع والخصام. وهذا ما أشار إليه يعقوب في رسالته بالقول: «من أين الحروب والخصومات بينكم؟ أليست من هنا: من لذاتكم المحاربة في أعضائكم؟» (يعقوب4: 1). هذا هو الجسد الذي أشار إليه بولس بقوله: «أرى ناموسًا آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني، ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي» (رومية7: 23). الجسد ليس في سلام مع نفسه وليس في سلام مع الآخرين، وهذا ما نراه في لوط ورعاته. فالكتاب يخبرنا أنه بعد أن ردَّ الرب نفس أبرام، فصعد من مصر هو وامرأته وكل ما كان له، واستعاد اتزانه الروحي وشهادته للرب (تكوين13)، حدثت مخاصمة بين رعاة مواشي أبرام ورعاة مواشي لوط، ولم تحتملهما الأرض أن يسكنا معًا إذ كانت أملاكهما كثيرة. وبات واضحًا الطمع الذي في قلب لوط، وكان هذا سبب المخاصمة. أما أبرام، الشخص الروحي، فكان حريصًا على السلام وعلى نجاح الشهادة، وأظهر كل نُبل واستعداد للتضحية وتحمُّل الخسارة. وذات الشيء ظهر في كنيسة كورنثوس، حيث كان بينهم حسد وخصام وتحزُّب وانشقاق، وكلها من أعمال الجسد. والرسول وبَّخهم بقوله: «لم أستطع أن أكلمكم كروحيين بل كجسديين، كأطفال...» (1كورنثوس3: 1). 2. الكبرياء والتمركز حول الذات. إن الجسد لا يحتمل أن يرى آخر أفضل منه، وهذا ما ظهر في شاول الملك، عندما قتل داود جليات، وخرجت النساء بالدفوف يغنين له قائلات: قتل شاول ألوفه وداود ربواته. فاغتاظ شاول وحمي غضبه وأراد أن يقتل داود (1صموئيل18). فالجسد لا يفرح بما يعمله الله بواسطة آخرين، ويريد أن يكون هو الكل في الكل. هذه الروح نراها أيضًا في رجال أفرايم الذين خاصموا جدعون بشدة قائلين: «لماذا لم تدعُنا للذهاب معك لمحاربة المديانيين» (قضاة8)؟ فلم يفرحوا بالنصرة التي حقَّقها لصالح شعب الرب، طالما لم تتم بواسطتهم. لكن جدعون تصرَّف بمنتهى الحكمة والوداعة، وأشعرهم أنهم أفضل منه وما عملوه كان أعظم مما عمل هو ورجاله، وعندئذ ارتخت روحهم عنه. فلنحذر من الجسد، وندينه في أنفسنا إذا ظهر، خاصة في الخدمة وعمل الرب. 3. الجسد لا يعترف بأخطائه بل يسعى لتبرير نفسه وإدانة الآخرين. وهذا ما ظهر أيضًا في شاول الملك، حيث ألقى التهمة على الشعب في أمر عماليق عندما عفا عن أجاج ملك عماليق وعن خيار الغنم والبقر، مخالفًا لتعليمات الرب الواضحة (1صموئيل15). كذلك في محاولاته المتكررة لقتل داود بلا سبب، فعندما دفع الرب شاول ليد داود ولم يقتله وأثبت حسن نواياه نحوه، فإن شاول قال لداود: «أنت أبر مني» (1صموئيل24: 17)! بدلاً من الاعتراف بالخطإ وإدانة نفسه، وكأنّه يؤكِّد أنه بار حتى لو كان داود أبَرّ منه. 4. الجسد عدواني وشرس خاصة نحو من يعمل مع الله. كان شاول على استعداد أن يقتل صموئيل إذا سمع أنه ذهب ليمسح داود ملكًا (1صموئيل16)، وحاول أن يقتل يوناثان ابنه (1صموئيل14)، ومرارًا حاول أن يقتل داود، وقتل فعلاً جميع الكهنة (1صموئيل22). 5. الجسد لا يعرف الاتكال على الرب ولا السير بالإيمان، إنه يثق فقط فيما يراه وفي القدرات والإمكانيات الطبيعية والمادية؛ ولهذا فإن الجسد لا يحب الصلاة. وهذا ما نراه في يعقوب. فقد عاش معظم حياته مستقلاً عن الله، يفكِّر في الحلول البشرية لكل مشكلة تواجهه دون أن يشعر بالحاجة إلى الله. خدع عيسو وأخذ منه البكورية بأكلة عدس. خدع أباه وأخذ البركة بأن انتحل شخصية عيسو. في خلاء مستوحش خرب لم يرفع قلبه ويصلِ طالبًا الحفظ والمعونة. في قرار الزواج لم يستشر الرب بل عينيه، فقد أعجبته راحيل لأنها كانت حسنة الصورة وحسنة النظر. لكي يُكوِّن ثروة لم يطلب من الرب النجاح بل لجأ إلى الوسائل البشرية، وكان يوحِّم الغنم عند مساقي المياه بحيث تكون الغنم القوية له والضعيفة للابان. وهو يواجه عيسو، قبل أن يصلي، قسم القوم إلى فريقين، وجهّز هدية كبيرة ليستعطف بها وجه عيسو. وهكذا كان منهج حياته أن يتكل على مهاراته وخبراته وقوته الجسدية أكثر كثيرًا من اتكاله على الرب. كان يستأمن نفسه أكثر مما يستأمن الله، وهذا منهج الجسد في التفكير واتخاذ القرارات، فلنحذر. 6. الجسد لا يعرف الخضوع، لكنه متمرد وعنده إرادة ذاتية عنيدة. وهذا التمرد ضد الله وضد السلاطين المرتبة من الله. 7. الجسد سريعًا ما يمل ويحب التغيير. فهو سريع الملل من الاجتماعات، خاصة إذا طالت، ومن فرص الصلاة والخلوة مع الرب، ومن قراءة الكلمة أو أيَّة مادة روحية، بينما لا يرفض الترانيم الانتعاشية التي لا تخلو من طرب، وينشط في أي مجال للترفيه. وبوجه عام يبحث عن كل ما يشبع ويمتع رغباته الجسدية وليس ما يشبع احتياجاته الروحية. كما أنه يبحث عن الانبهار والشهرة والأسماء الرنانة (النجوم) حتى في المجال الروحي، ويسير وراء الناس وليس وراء الرب. كما أنه يرغب في أن يخوض تجارب جديدة ولو من قبيل التغيير. وهو دائمًا لا يشبع أو يكتفي، ذلك لأن كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا. وللحديث بقية إذا شاء الرب |
||||
08 - 08 - 2016, 05:04 PM | رقم المشاركة : ( 13938 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الجسد فى القالب الروحى
رأينا في مرة سابقة أن المقصود بالجسد كعدو للمؤمن في حربه الروحية، هو الطبيعة الساقطة الموروثة من آدم، وهي النبع الفاسد لكل الشرور، إنها الخطية الساكنة فينا، والتي لا تتغيَّر أو تتحسن مطلقًا، وهي واحدة في كل الجنس البشري سواء المؤمن أو الخاطي. هذا الجسد يُسمَّى «جسد الخطية» (رومية6) ، أي نشيط في فعل الخطية، لا يمل أو يكل أو يكتفي، ويُسمَّى أيضًا «جسد هذا الموت» (رومية7) ، أي أنه ضعيف إلى أقص درجات الضعف والعجز في فعل إرادة الله، يقول عنه الكتاب «ليس خاضعًا لناموس الله، لأنه أيضًا لا يستطيع. فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله» (رومية8: 7، 8). وتعبير «في الجسد» يعني أنهم تحت سيادة وسيطرة الجسد الذي يقودهم لفعل الإرادة الذاتية وليس إرادة الله. أما المؤمن الذي تحرَّر من سيادة الخطية، واختبر العتق بواسطة ناموس (قوة عمل) روح الحياة في المسيح يسوع (رومية8: 2) ، فليس في الجسد بل في الروح، طالما روح الله ساكن فيه. والجسد لا يظهر في فعل الخطايا والشرور والشهوات العالمية فقط، لكنه يظهر أيضًا في الأوساط الروحية والأنشطة الكنسية. فالجسد يبحث عن مكان له يحقق فيه ذاته، ولا يهمه أن يبحث عن مكان للمسيح. إنه يحب الظهور، ويبحث عن المديح من الآخرين، ويريد أن يلفت الأنظار لنفسه. هذا التوجه عكس ما ظهر في يوحنا المعمدان الذي قال: «ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص» (يوحنا3: 30) ، وهذا ما يليق بكل خادم أمين يبحث عن مجد السيد وإكرامه. وبالأسف، على النقيض، ظهرت رغبات الجسد في التلاميذ الذين لم يكن فيهم فكر المسيح المتضع، بل داخلهم فكر عمن يكون الأعظم، وتطور الفكر إلى مجادلة، وأخيرًا تطور الأمر إلى مشاجرة. هذا هو الجسد الذي يريد المكان البارز ويُعجَب بنفسه، ولا يقنع بالخدمة المستترة. وفي الليلة التي أُسلم فيها، كان الرب مع التلاميذ في العلية حيث صنع الفصح الأخير قبل أن يذهب إلى الصليب، ولم يتحرك واحد منهم ليقوم بخدمة غسل الأرجل، آخذًا مركز العبد والخادم. ولهذا قام السيد عن العشاء، وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ، ويمسحها بالمنشفة التي كان مُتَّزرًا بها، وقال لتلاميذه: «أنا بينكم كالذي يخدم». ومرثا في يومها عندما استقبلت الرب في بيتها، كانت «مرتبكة في خدمة كثيرة» (لوقا10: 40) ، أما مريم فجلست عند قدمي يسوع وكانت تسمع كلامه، فقالت مرثا: «يا رب أما تبالي بأن أختي قد تركتني أخدم وحدي؟ فقل لها أن تعينني!». فأجابها يسوع: «مرثا مرثا: أنت تهتمين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، ولكن الحاجة إلى واحد. فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها». لقد كشف الرب دوافع مرثا ودوافع مريم، وكيف أن مرثا كانت تخدم بدوافع جسدية وتريد المديح ولفت الأنظار، ولم يكن الدافع هو المحبة للرب والرغبة المخلصة في إكرامه. أما مريم فاختارت مكانها عند قدمي السيد لتسمع كلامه، فقد كانت تقدِّره وتقدِّر كلامه، ولم تبحث عن نفسها. وهذا هو الفارق بين المؤمن الجسدي والروحي، وعلينا أن نمتحن دوافعنا، وندع الرب يفحصنا ويختبرنا، فما أكثر الدوافع المختلطة. عزيزي.. هل تشعر بمرارة لأن غيرك يملك ما لا تملكه؟ هل حدث أن خدمت وتعبت، وكنت تتوقع رد فعل إيجابي من الآخرين من المدح والإطراء والتشجيع، ولما لم يحدث أصابك الإحباط، وأخذت خطوات للخلف؟ هل لك شريك يخدم معك وشعرت أن الآخرين يحبونه ويقبلونه أكثر منك فتولدت في داخلك مشاعر كراهية له وقررت الانسحاب من الخدمة؟ هل كنت مستعدًا أن تقوم بخدمة ترغبها، وفوجئت بآخر سبقك وقام بها، وكان مُوَفَّقًا ومؤيَّدًا والجميع شعروا بالفائدة وكانوا مسرورين إلا أنت، فقد شعرت بخيبة أمل لأن آخر قام بالخدم؟ وهل كان شعورك نحو نتيجة الخدمة مختلفًا عن شعور الآخرين طالما أنك أنت لم تقُم بالعمل؟ أتعرف ما الذي أغضبك؟ إنه الجسد الذي يبحث عن نفسه ولا يحتمل أن يرى آخرين أفضل منه، ولا يفرح بما يعمله الله بواسطة آخرين. هل قدَّمت اقتراحًا ورُفض ولم يُأخَذ برأيك بل برأي آخر، وهل شعرت بمرارة نحو هذا الآخر؟ إن الخدمة الحقيقية ليست منافسة على القيادة ومكان الصدارة، بل ماذا يريدنا الرب أن نفعل، وأين يريدنا أن نكون؟ إن مشكلة بطرس الحقيقية كانت هي شعوره بأنه الأول والأفضل من سائر التلاميذ. وكان يثق في نفسه أكثر من اللازم، لذلك قال للرب: «إن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبدًا»، «أنا لا أنكرك»، «إني أضع نفسي عنك». كان الجسد يدفعه ويحركه وكان دائمًا في مكان الصدارة. لكنه أخيرًا تعلم أن الجسد لا يفيد شيئًا، والثقة في الذات لا تحفظه في ساعة التجربة. ما الذي جعل يونان يغتم ويغتاظ ويطلب الموت لنفسه (يونان4) ؟ لقد أرسله الرب إلى نينوى لينادي لها بالتوبة وإلا فإن الرب سيقلب المدينة ويدمِّرها. وهو ذهب مُجبَرًا، ضد قناعته لأنه لا يحب الأمم، ونادى لمدة يوم واحد في المدينة، فاستجاب الناس استجابة مُذهلة، وتابوا بمناداة يونان، الملك وكل الشعب حتى الأطفال، فرجع الرب عن غضبه وعفا عن المدينة. فما الذي أغضب يونان؟ إنه الجسد، لأن كلامه لم يتحقق! الجسد يستثقل الوجود في محضر الرب والصلاة، وقد يغلبه النعاس، وهذا ما حدث مع بطرس ويعقوب ويوحنا عندما كانوا مع الرب على جبل التجلي. كذلك التلاميذ وهم مع الرب في بستان جثسيماني في الليلة الأخيرة قبل الصليب، وكان الرب قد قال لهم: «امكثوا هنا واسهروا معي... اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة». وذهب ليصلي ثم عاد فوجدهم نيامًا، فعاتبهم قائلاً: «أما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة. أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف». وعلى قدر ما يستقل الصلاة، على قدر ما ينشط في الخدمة التي يجد فيها إشباعًا لذاته، وفي الأجواء الترفيهية حيث يجد إمتاعًا لرغباته. هذه بعض خصائص الجسد في ثوبه الروحي التي يجب أن نتنبه لها ونتحذر منها إن أردنا أن نخدم الرب الخدمة المرضية بخشوع وتقوى، فكم من أنشطة كنسية ستُمتحن بالنار أمام كرسي المسيح وسيظهر أنها خشب وعشب وقش. وللحديث بقية إذا شاء الرب. |
||||
08 - 08 - 2016, 05:08 PM | رقم المشاركة : ( 13939 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الحرب الروحية وأعداء المؤمن (الجسد)
تحدثنا في الأعداد السابقة عن الحرب الروحية وأعداء المؤمن وبدأنا بالعدو الأول وهو الشيطان، ثم تناولنا العدو الثاني وهو العالم، والآن نأتي إلى العدو الثالث وهو الجسد. ما المقصود بالجسد؟ الكلمة، في اللغة العربية، تأتي بمعنيين في الكتاب؛ المعنى الأول هو جسم الإنسان أي اللحم والدم، الأعضاء التي نستخدمها ونتحرك بها. هذا هو المعنى الحرفي والمادي للجسد (The body)، فالإنسان كائن ثلاثي، روح ونفس وجسد. وبالطبع ليس هذا هو العدو الذي نحتاج أن نقمعه ونقهره، فهذه الأعضاء تُستخدم كآلات بر لله، وبها نخدم الله ونمجده. والكتاب يقول: «لم يُبغض أحد جسده قط بل يقوته ويُربيه» (أفسس5: 29)، أي يعتني به ويُطعمه ويُدفئه ويُدلِّله. والكتاب حذَّر من التعاليم الفاسدة التي تتعامل مع الجسد المادي باعتباره مصدر الشر، ومن قهر هذا الجسد وإذلاله (كولوسي2: 23). أما المعنى الثاني لكلمة الجسد (The flesh) فتعني الخطية الساكنة فينا، أو الطبيعة القديمة الموروثة من آدم بالولادة الطبيعية. إنها النبع الفاسد الذي يُنتج كل الخطايا والشرور. هذا ما قاله الرب يسوع: «من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة: زنى، فسق، قتل، سرقة، طمع، خبث، مكر، عهارة، عين شريرة، تجديف، كبرياء، جهل. جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتُنجس الإنسان» (مرقس7: 21-23). وهذا ما قاله داود بعد خطيته الشنيعة: «هأنذا بالإثم صورت، وبالخطية حبلت بي أمي» (مزمور51: 5). فقد فهم أن ما فعله (الزنى والقتل) نبع من الخطية الساكنة فيه، وأن الشهوة كامنة في أعماق كيانه، وأن هذه الشهوة موجودة فيه بالولادة الطبيعية، بالوراثة. لهذا صلى قائلاً: «قلبًا نقيًا اخلق فيَّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدِّد في داخلي» (مزمور51: 10). فقد كان يدرك أن المشكلة الحقيقية في القلب الذي منه مخارج الحياة. وهذا ما نقرأه في سفر إشعياء: «فإني علمت أنك تغدر غدرًا، ومن البطن سُمِّيتَ عاصيًا» (إشعياء48: 8). وهذا ما أكده الرسول بولس في العهد الجديد بقوله: «الذين نحن أيضًا جميعًا تصرفنا قبلاً بينهم في شهوات جسدنا، عاملين مشيئات الجسد والأفكار، وكنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين» (أفسس2: 3). وأيضًا: «إن كنت أفعل ما لست أريده (بالطبيعة الجديدة)... فالآن لست بعد أفعل ذلك أنا، بل الخطية الساكنة فيَّ. فإني أعلم أنه ليس ساكن فيَّ، أي في جسدي، شيء صالح... أرى ناموسًا آخر في أعضائي (الجسد أو الطبيعة القديمة) يحارب ناموس ذهني (الطبيعة الجديدة المولودة من الله)، ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي» (رومية7: 15-23). فهو يُميِّز بوضوح بين رغبات الطبيعة الجديدة المقدَّسة والتي تولَّدت في كيانه بالولادة الروحية الجديدة من الله، وبين رغبات الطبيعة القديمة الأصلية الموروثة من آدم بالتسلسل الطبيعي. وهذه الطبيعة لا تتغير ولا تتحسن مع الزمن كما قال الرب يسوع: «المولود من الجسد جسد هو» (يوحنا3: 6). إن الطفل الذي يولد في العالم هو روح ونفس وجسد، ويحمل في داخله كيانًا أدبيًا فاسدًا هو طبيعة الخطية الموروثة من آدم التي تُسمَّى ”الجسد“ أو ”الخطية الساكنة“. هذه الخطية أو البذرة الموروثة تجعله خاطئًا من بداية تاريخه في العالم وقبل أن يعمل أي شيء. إنه خاطئٌ بالطبيعة وليس بالأفعال. فالإنسان يخطئ لأنه خاطئٌ أصلاً بالطبيعة، وليس خاطئًا لأنه يخطئ! ويجب أن نعرف أن هذه الطبيعة القديمة أو الجسد الفاسد هو واحد في كل الجنس البشري من حيث الأصل والمصدر، في الخاطئ أو المؤمن، سواء فعل الشخص الخطية أو لم يفعلها. فالرغبة والشهوة نحو الخطية موجودة في كل إنسان، وإنما الفرق هو في رد فعل الإنسان وتجاوبه مع هذه الرغبات طبقًا للتكوين الشخصي والنفسي، والظروف المحيطة، والأسرة، والتربية، والمجتمع، والكنيسة، والتقاليد، والقوانين التي تحكم بين الناس، ... الخ. وإذا أُتيحت الفرصة للإنسان، واطمأن من جهة النتائج والتبعات، فهو على استعداد أن يفعل أي شيء، وكل ما لا يليق. هذا ما يعلنه الكتاب. عندما سقط الإنسان الأول وكسر الوصية الإلهية، حدثت فيه تغيرات وتشوهات كبيرة وخطيرة لم تخطُر قَطّ على باله، ليس على نفسه فقط، بل على كل الجنس البشري من بعده عبر كل تاريخ البشرية. هذه التشوهات الرهيبة يستحيل إصلاحها. فقد صار «كل الرأس مريض وكل القلب سقيم. من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة، بل جرحٌ وأحباطٌ وضربةٌ طرية لم تُعصر ولم تُعصب ولم تُليَّن بالزيت» (إشعياء1: 5،6). هذه الطبيعة الفاسدة بهذا الشكل يستحيل أن ينبع منها أي عمل صالح يكون مقبولاً ومرضيًا لدى الله. وهذا ما أوضحه الرب بقوله: «هل يجتنون من الشوك عنبًا أو من الحسك تينًا؟ ... لا تقدر شجرة ردية أن تصنع أثمارًا جيدة» (متى7: 16-18). لهذا أيضًا قال الرب يسوع: «ينبغي أن تُولدوا من فوق» (يوحنا3: 7). وعندما يولد الإنسان من فوق، ولادة روحية من الله، فهو يحصل على طبيعة جديدة روحية هي ذات طبيعة الله الأدبية، وفيها كل الرغبات والأشواق المقدسة التي تتناسب مع الله. هذه الطبيعة تتميَّز بالمحبة والبر، لأن الله محبة، والله نور وليس فيه ظلمة البتة. ومن هذه الطبيعة ينبع الخير والصلاح المقبول لدى الله، إنها الشجرة الجيدة التي تصنع أثمارًا جيدة. وهكذا نرى أن المؤمن الذي وُلد من الله امتلك طبيعة جديدة إلى جانب الطبيعة القديمة الموروثة من آدم، ولم تتغير طبيعته. ومن هنا ينشأ الصراع بين الطبيعتين في المؤمن. وبالإضافة إلى ذلك، فقد سكن فيه الروح القدس. وإن كانت الطبيعة الجديدة تُعطي للمؤمن الرغبة والطاقة والإمكانية للهروب من الفساد والشر ولصنع الخير والبر، فإن الروح القدس يعطيه القوة للتنفيذ ولرفض رغبات الجسد. ويظل الصراع قائمًا بين الجسد الذي يشتهي ضد الروح، وبين الروح الذي يقف ضد الجسد ويتصدى له، طالما نحن هنا على الأرض. وفي الأعداد القادمة بمشيئة الرب سنتناول الحديث عن الجسد وخصائصه وكيفية الانتصار عليه في حربنا الروحية. |
||||
08 - 08 - 2016, 05:13 PM | رقم المشاركة : ( 13940 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الإيمان يغلب العالم
يقول الرسول يوحنا: «وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم: إيماننا» (1يوحنا5: 4). ذلك لأن الإيمان ينقلنا إلى الدوائر السماوية، فيفقد العالم بريقه وجاذبيته بالنسبة لنا. الإيمان يقبل الحقيقة التي أعلنها المسيح مرتين في صلاته للآب أننا لسنا من هذا العالم كما أنه هو ليس من هذا العالم (يوحنا17: 14، 16). لقد كان المسيح هو الرب من السماء، وكذلك نحن أصبحنا سماويين إذ ارتبطنا بالمسيح. ويخبرنا الرسول بولس وهو يحدثنا عن مقاصد النعمة الأزلية، أن الله اختارنا في المسيح قبل تأسيس العالم (أفسس1: 4)، أي أننا مشروع إلهي سابق للنظام العالمي الذي تكوَّن بعد السقوط ودخول الخطية، وبالتالي فإننا مشروع أبدي سيبقى بعد انقضاء العالم. وطالما الأمر كذلك، فإننا لا نتبع مسار هذا العالم ولا ينبغي أن نتشبه به ولا نتأثر بمبادئه. إننا نحمل الجنسية السماوية (فيلبي3: 20)، وعلينا أن نعيش في هذا العالم كغرباء وتحكمنا المبادئ السماوية. الإيمان يدرك حقيقة هذا العالم الحاضر الشرير وبُطلان ما يقدّمه، ويعرف مصيره، وأنه يمضي وشهوته تزول، فلا ينخدع ببريقه وإغراءاته. كما أنه لا يخشى وعيده وتهديداته. ومن ناحية أخرى فإنه يمسك بالعالم الآتي ويتعلق بالوطن السماوي. الإيمان يعطينا اليقين بما لا بد أن يكون عن قريب. ظهر إله المجد لإبراهيم ودعاه أن يخرج من أرضه ومن عشيرته ومن بيت ابيه، وهو بالإيمان لما دُعي أطاع وخرج وهو لا يعلم إلى أين يذهب (عبرانيين11: 8). لقد ترك العالم وراء ظهره: الأرض والميراث والأهل والممتلكات والمصالح وكل شيء، وسار بالإيمان في رحلته وهو لا يعلم إلى أين يأتي، لأنه اطمأن واستأمن إله المجد الذي في نعمته رضي أن يتعامل معه ويدعوه، ووثق أنه لن يفعل سوى كل الخير. لقد سار بالإيمان وراء شخص يعلم، حتى لو كان هو شخصيًا لا يعلم إلى أين؟ وبعد الرحلة الطويلة والتي بلغت 1600 كيلومترًا، وصل إلى أرض كنعان. وهناك اجتاز أبرام في الأرض إلى مكان شكيم (تكوين12)، والكتاب لا يقول أنه استقر فيها. ومن اليوم الأول أظهر الطابع السماوي، وأنه مجرد عابر ومسافر وغريب في هذه الأرض. والرسول يخبرنا أنه سكن في خيام لأنه كان ينتظر المدينة التي لها الأساسات (عبرانيين11: 10). لم ينشغل بالأرض ولا بالبركات الأرضية، بل كان مشغولاً بإله المجد ومجد الوطن السماوي، وقنع بأنه غريب ونزيل، يعيش في العالم ولا يعيش العالم فيه. كان سعيدًا بشركته مع الرب الذي ظهر له، مستمتعًا بمواعيده، ساجدًا إذ بنى مذبحًا للرب، ومنفصلاً عن مبادئ العالم إذ نصب خيمته بين بيت إيل وعاي التي تعني كومة خراب، وهي تجسِّم نظرة الإيمان للعالم، وكان شاهدًا للرب في هذه البلاد حيث دعا هناك باسم الرب. كان في قمة النجاح عندما كان يسلك بالإيمان وليس بالعيان. على أننا نراه فجأة يرتحل عن بيت إيل، المكان الذي ظهر له الرب فيه، وينحدر إلى مصر التي تُمثل العالم، وكان ذلك بسبب الجوع. لقد سلك بالعيان وليس الإيمان وفقد البساطة والهدف الواحد، وانخدع وانجذب وراء العالم. وفي مصر حصد المرار، وحلَّت به الخسائر، وتعلَّم درسًا بين الأشواك، وخرج منها موبَّخًا من فرعون. لقد رد الرب نفسه، وتعامل معه بنعمة سامية، ولم يُفقَد له شيء. فاستعاد اتزانه الروحي وعاد إلى المكان الذي كانت خيمته فيه في البداءة، وبنى هناك مذبحًا للرب، ودعا مرة أخرى باسم الرب، وفهم الدرس درسًا للزمان. على النقيض نرى لوطًا الذي كان سائرًا مع أبرام، وكان مؤمنًا، لكنه كان يسير بالعيان وليس بالإيمان، ولا يرى سوى الأمور الوقتية الأرضية، لم يرَ إله المجد ولا مجد المدينة التي لها الأساسات. نزل معه إلى مصر وصعد معه من مصر، لكن قلبه تعلَّق بمصر. إنه صورة لمؤمن يحب العالم وينبهر بالأشياء التي في العالم. فمع أول خلاف بين رعاة مواشي أبرام ورعاة مواشيه اعتزل لوط عن أبرام. وقد أظهرت المخاصمة معدن إبراهيم السماوي كما أظهرت المطامع العالمية في قلب لوط. الشخص السماوي يتحمل الخسارة ويتفادى الخصام حرصًا على الشهادة، ولا تفرق معه الأمور المادية، فهو يدرك أنه غريب وأنه يستعمل هذا العالم مجرد استعمال في الرحلة القصيرة. أما الشخص العالمي فنظرته مادية ولا يُقدِّر أمور الرب، والشهادة ليست أمرًا هامًا بالنسبة له، إنه لا يعرف معنى الدعوة السماوية. وعندما اختار مكانًا لسكناه اختار سدوم ودائرة الأردن لأن جميعها أرض سقي. ولم يشعر بالقلق أن أهلها أشرارٌ وخطاة لدى الرب جدًا. وفي سدوم حلَّت به النكبات وخسر كل شيء وتعرض للسبي والموت. وبينما نرى إبراهيم رجل الإيمان يحارب وينتصر ويحرر من الأسر ويُرجع المسبيين (تكوين14)، فإننا نرى لوطًا يسقط في مصير واحد مع العالم لأنه ربط نفسه بالعالم. وفي رجوعه بعد الانتصار نرى أبرام يترفع عن عطايا ملك سدوم ويقول: «رفعت يديَّ إلى الرب الإله العلي مالك السماء والأرض إني لا آخذ منك خيطًا ولا شراك نعل، لئلا تقول أنا أغنيت أبرام» (تكوين14). فالإيمان يرفض غنى العالم وعطايا الناس. إن كل الآباء عاشوا بالإيمان وأقروا بأنهم غرباء ونزلاء على الأرض، وكانوا يتمسكون بالوطن السماوي والعالم الآتي (عبرانيين11: 13). كذلك يخبرنا الكتاب عن أبوي موسى وهم في أرض مصر، تحت العبودية، أنهما بالإيمان بعدما وُلد موسى أخفاه لأنهما رأيا الصبي جميلاً ولم يخشيا أمر الملك (عبرانيين11: 23). وهنا نرى الإيمان الذي ينتصر على وعيد وتهديد العالم مُمثَّلاً في فرعون والمصريين. أما موسى نفسه فبالإيمان «لما كبر، أبى أن يُدعَى ابن ابنة فرعون، مفضلاً بالأحرى أن يُذل مع شعب الله على أن يكون له تمتع وقتي بالخطية. حاسبًا عار المسيح غنى أعظم من خزائن مصر، لأنه كان ينظر إلى المجازاة» (عبرانيين11: 24-26). وهنا نرى أن الإيمان ينتصر على وعود وبريق العالم ومجده. أخيرًا نراه مرة أخرى يترك مصر غير خائف من غضب الملك، لأنه تشدد كأنه يرى من لا يُرى (عبرانيين11: 27). وهنا نرى أيضًا أن الإيمان ينتصر على وعيد وتهديد العالم. |
||||