منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 25 - 07 - 2016, 06:47 PM   رقم المشاركة : ( 13681 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,513

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

صموئيل (2)

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


فى هذا العدد نتحدث أيضاً عن صموئيل أصغر شخص ينادي الله باسمه ويدعوه ليتحدث معه حديثاً شخصياً.

وقد ذكرنا فى العدد السابق كيف قضى سنى طفولته فى هيكل الرب مع عالى الكاهن. وكيف أن هذه الفترة تركت تأثيرات عميقة فى حياته - لكن وجوده فى الهيكل لم يكن دائماً خالياً من الصعاب .. تعالَ وتتبع معى ماحدث مع هذا الصبى ....

صموئيل ومخاطر محيطة (1صم 2 :11 -17 )
كان الذين يعملون جنباً إلى جنب مع صموئيل (فى الهيكل) أشراراً جداً. ففى هيكل الرب كان بنو عالى يفعلون الشر (2: 20) حتى أن أباهم عالى قال لهم فى ع 32 «لماذا تعملون مثل هذه الأمور؟ لأنى أسمع بأموركم الخبيثة من جميع هذا الشعب» .

لم يجد صموئيل أتقياء حوله ولا أمثلة حسنة أمامه، علماً بأنه كان أصغر الجميع سناً، وهذا سبّب، بلا شك ضغطاً شديداً على نفسه. لكنى أتصوَّر أن صموئيل لم يسترسل فى التفكير فى الشرور التى يرتكبونها ولم يحاول حتى اصلاحهم إذ لم يكن هذا دوره. لكنه ازداد التصاقاً بالرب وتعلقاً به. لاشك أنه كان يقضى أوقاتاً طويلة يقرأ فى سفر الشريعة ويتعلم عن عظمة الله وقدرته وقداسته. كان يركز ذهنه فى فهم مطاليب الرب وعكف على دراسة شريعته.

صموئيل ودعوة غريبة (1صم 3 )
فى إحدى الليالى وبينما صموئيل نائم فى مكانه فى هيكل الرب إذا بصوت يُناديه باسمه «فقال هأنذا وقام مُسرعاً إلى عالى ظاناً أنه هو الذى ناداه فقال له : لم أدعُ إرجع واضطجع. فعاد ونام. وتكررت الدعوة لصموئيل مرتين، وفى كل مرة كان يذهب إلى عالى معتقداً أنه هو الداعى. لم يكن صموئيل قد سمع صوت الرب قبلاً ولا تكلم معه الرب سابقاً. كان لازال ادراكه محدوداً. لكنه تميز بصفات جميلة.

كان شخصاً نشيطاً - رغم صِغر سنه - ومستعداً للتحرك بمجرد أن يُنادَى عليه ورغم أن النداء جاءه وهو نائم إلا أنه لم يفضل النوم والراحة على تأدية واجبه فقد قام من مكانه وركض إلى عالى. ورغم تكرار الصوت فهو لم يمل من القيام فى كل مرة والذهاب إلى عالى. كان أميناً فى القليل. فدوره أن يُجيب على نداء عالى. ولم يكن يدرك أن هذا صوت الرب. لكن بقدر ادراكه تصرف - كان أميناً فى خدمته الصغيرة لعالى، لذا أقامه الرب على خدمة عظيمة له ولشعبه الكبير.

من الجانب الآخر : ماأطيب الرب معنا ويالطول أناته. فهو يتعامل معنا حسب قلبه الصالح. لقد جاء الرب بنفسه ووقف ودعا كالمرات الأولى صموئيل (3: 10). ألم تمل يارب من تكرار دعوتك له؟ ألا يوجد من تُرسله ليتكلم إلى صموئيل بالنيابة عنك؟ كلا. فلقد أراد الرب أن يتكلم مع صموئيل شخصياً ويُعلن له أفكاره. أخى الشاب. أليس أمراً مشجعاً لك أن الرب يقدم نفسه لك شخصياً ويريد أن يتحدث معك؟ إن ماحدث مع صموئيل يحدث معى ومعك كل يوم، فالرب لازال يقول «هأنذا واقف على الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتى وفتح الباب أدخل إليه وأتعشى معه وهو معى». إنه يشتاق أن يتحدث معك. يتخذ منك صديقاً له، ويخبرك بما عنده. وفى كل مرة تفتح كتابك المقدس وتقرأه بروح الصلاة والطاعة قائلاً : «تكلم لأن عبدك سامع» فهو سيتحدث معك حديثاً شيقاً. سيُخبرك بما يريده منك وسيمنحك القوة لتنفيذه. فقط كُن كصموئيل عبداً سامعاً مطيعاً.

صموئيل وامانة فريدة
أخبر الرب صموئيل بما هو مُزمع أن يعمله مع عالى وبيته بسبب شر أولاده. وتعلم صموئيل من هذا أن الرب قدوس ولايتساهل مع الشر أبداً، وفهم أن القضاء سيأتى على عالى لأنه لم يردع أولاده الأشرار. وعلى الرغم من أن كلام الرب هذا كان صعباً على صموئيل وربما أكبر من طاقة ادراكه كصبى إلا أن الرب قصد أن يعلّمه دروساً هامة حُفرت فى ذهنه وكيانه العمر كله.

خاف صموئيل أن يُخبر عالى بالرؤيا، وهذا أمر طبيعى والرب لم يكلفه بذلك. وماأطيب الرب !! إنه يعرف تماماً امكانياتنا وحدودها وماهو صعب علينا، لذا لايضع علينا حملاً أكبر من طاقتنا لكن عالى الكاهن ألزم صموئيل أن يحكى له كل شئ. فأخبره صموئيل بشجاعة بجميع كلام الرب ولم يُخفِ عنه. ألا تلاحظ معى أمانة صموئيل. فمع أنه كان خائفاً إلا أنه كان أميناً فلم يُخفِ شيئاً؟

هل نتعلم هذه الفضيلة، أن نكون أمناء ولا نُخفى شيئاً متى طُلب منا أن نقول الحق، حتى ولو كان الموقف صعباً علينا؟

«وكبر صموئيل وكان الرب معه ولم يدع شيئاً من جميع كلامه يسقط إلى الأرض» (1صموئيل 3: 19). صار الصبى رجلاً وقيل عنه: «وعرف جميع الشعب أنه قد أؤتمن صموئيل نبياً للرب» . أصدقائى ... الرب لازال يبحث عن فتيان مُخلصين، نشطين، طائعين ليستخدمهم ويجعل منهم رجالاً عظماء. هل أنت منهم؟!
 
قديم 25 - 07 - 2016, 06:53 PM   رقم المشاركة : ( 13682 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,513

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

تعرفوا
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أجمل إحساس فى طفولتك وانت صغيّر وبتجري على أبوك...
إنك بتترمي في الحضن اللي فيه المسئوليّة والطاقة والقوّة والحبّ...
الصلاة في فكر المسيح هي لحظة التقاء في حضن الآب...
أنت بترمي نفسك في حضن ربنا.
وانت بتقوله مالي غيرك يارب
اتصرف انا محتاجلك قوي خليني جوة حضنك
الفرح المسيحي هو الحضن التاني لينا
لما بنكون مضايقين او مخنوقين بنجري نفتحه
ونقرأ الكلمات المعزية
دائما ربنا بيبعت لكل واحد فينا رسالة عن طريقه
بتوضح له الطريق وبيطبطب عليك وبيقوله انا معاك لا تخف
كل سنة وانتم طيبين
 
قديم 25 - 07 - 2016, 06:57 PM   رقم المشاركة : ( 13683 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,513

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

رضى السيد

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كان رودولف موسيقياً شاباً يعيش فى النمسا، وقد عكف لزمنٍ طويلٍ على كتابة أولى سيمفونياته. وبعد الكثير من التعديل والتنقيح جاء وقت تقديمها للجمهور. وبعد عزف آخر جزءٍ من السيمفونية سادالصمتُ للحظات ثم ضجت القاعة بالتصفيق معلنةً إعجاب الجماهير بما قدّمه رودولف، وعبّر الكثيرون عن تقديرهم بطرقٍ مختلفةٍ.

لكن رودولف بقى صامتاً حتى تقدّم نحوه رجلٌ متقدمٌ فى العمر ووضع يده على كتف الموسيقار الصغير مبتسماً وهو يقول له «أحسنت يا رودولف»، وهنا فقط إبتسم رودولف وظهرت على وجهه علامات الإرتياح والرضى؛ لقد نال الإعجاب من الشخص الذى كان يهمه أن ينالَ المدح منهُ، إذ كان هذا الرجل هو معلّمهِ الذى يكّنُ له كل تقديرٍ.

فى كل أعمالنا دعونا لا ننتظر مدح الناس وإن كان هذا يشجعنا، المهم أن ننال رضى إلهنا وسيدنا إذ يقول لنا: «منعّماً أيها العبد الصالح و الأمين» (متى 25: 21).
هذا هو المهمِ حقاً ،،
 
قديم 25 - 07 - 2016, 07:09 PM   رقم المشاركة : ( 13684 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,513

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

أنــا نــادَيتُــكَ يــا الله


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أنــا نــادَيتُــكَ يــا الله
وعَطفَــكَ لبّــي نِــدائـــي
نــدى يُمنـــاكَ يفــوحُ شــذاه
فــانــتَ سبيــلُ عــزائــي
مِــنَ الضيقــاتِ تُنَجّيـنــي
وتُصـغـــي إلــيَّ أُنـــادي
تُكَفكِـــفُ دمعــي مِـــن عينــي
وأنـــتَ تُنيــرُ فـؤادي
بفيــضِ عطــائِـــكَ تغنينــي
وفيـــكَ يطيـــبُ جهــادي
ومِــن جنـــاتِـــكَ تــدْنيـــنــــي
وأنـــتَ بهـــاء سمـــائـــي
نسيـــتُ بفضلِـــكَ أسقـــامـــي
وكنـــتَ كخيـــرِ طبيـــبِ
سمـــوت إليـــكَ بأحــــلامـــي
بــكَ يـــزدادُ نصيبـــي
ضيـــاؤكَ خفّــــفَ آلامــــي
شبـــابــــي لــــكَ ومشيبــــي
غمـــرتَ بنـــوركَ أيـــامــــي
وأنـــتَ ســــلامُ ضيــــائــــــــي
 
قديم 26 - 07 - 2016, 11:41 AM   رقم المشاركة : ( 13685 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,513

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

تذكار استشهاد القديسين الأنبا بضابا أسقف قفط
وأنبا أندراوس وأنبا خرستوذولوس
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


في مثل هذا اليوم من سنة 19 للشهداء ( 303م ) استشهد القديس العظيم الأنبا بضابا أسقف قفط (قفط: حالياً مدينة تابعة لمحافظة قنا ) وزميلاه القس أندراوس ابن خالته والقديس خرستوذولس. وُلِدَ هذا القديس بمدينة أرمنت (أرمنت: مدينة ومركز تابع لمحافظة قنا)، من أبوين مسيحيين. وكانت لوالدته أخت رُزقت بغلام أسمته أندراوس. وقد تربى الغلامان تربية مسيحية حقيقية، فأحبا بعضهما منذ الصغر. وكانا يدرسان معاً الكتب المقدسة.
لما كبرا اتفقا على هجر العالم، فذهبا إلى الجبل الشرقي عند ناسك اسمه إيساك في جبل قصر الصياد (قصر الصياد: قرية تابعة لمركز نجع حمادي على الشاطىء الشرقي للنيل). وهناك انفردا للعبادة والتأمل. تنبأ القديس إيساك للأنبا بضابا أنه سيصير راعياً لقطيع المسيح وينال إكليل الشهادة وأن أندراوس سينال معه الإكليل. وكان القديسان يعيشان على نسخ الكتب وبيعها وما تبقى يوزعانه على الفقراء.
سمع بهما الأسقف الأنبا تادرس أسقف قفط فرسم بضابا قساً وأندراوس شماساً. وأقاما معه، وبعد نياحة الأسقف اجتمع رأى الشعب على تزكية القس بضابا أسقفاً، فرسمه البابا بطرس خاتم الشهداء أسقفاً على قفط. وعند رجوعه استقبله الشعب بفرح. ولما جلس على كرسي الأسقفية عاش ناسكاً زاهداً. وشرفه الله بعمل المعجزات. وقد رسم الشماس أندراوس قساً.
وعندما أثار دقلديانوس الاضطهاد، حضر أريانوس والي أنصنا إلى إسنا، فتوجه إليه القديس بضابا واعترف أمامه بالسيد المسيح وكان معه القس أندراوس والقديس خرستوذولس. ولما عرف الوالي شخصياتهم أخذ يلاطفهم بالوعود، فلم يفلح معهم. فأمر بوضعهم في السجن، فظهر لهم السيد المسيح وعزاهم.
وفي الصباح أمر الوالي بإخراجهم من السجن وأمر بقطع رؤوسهم، فنالوا أكاليل الشهادة (يوجد للقديس بضابا دير باسمه بين بهجورة ونجع حمادي. وله مذبح باسمه بكنيسة الأنبا أمونيوس بدير الشهداء بإسنا في مكان استشهاده).
بركة صلواتهم فلتكن معنا. آمين.
 
قديم 26 - 07 - 2016, 05:16 PM   رقم المشاركة : ( 13686 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,513

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

فارس طواحين الهواء

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
فارس طواحين الهواء
“ميجيل ثربانتس”
كاتب أسباني عاش في القرن السادس عشرـ عمل بالجيش، وأُسِرَ. عمل بعد ذلك في عدة أعمال جالت به البلاد طولاً وعرضًا. أخيرًا امتهن الكتابة للشعر والقصة. لم يكن مشهورًا حتى أصدر رائعته
“دون كيخوتي دي لامانتشا”،
والمعروفة أيضًا في العربية بأسماء
“دون كيشوت” و“دون كيخوته”.
وهي قصة كبيرة في جزئين، اعتبرتها الجهات الأدبية واحدة من أروع الأعمال الروائية على مَرِّ التاريخ.
*
والرواية تحكي مغامرات “ألونسو كيخانو”، وهو رجل نحيف طويل، في الأربعينات من عمره، متوسط الحال، يعيش في إحدى قرى أسبانيا في القرن السادس عشر. لم يكن يشغله شيء في الحياة إلا قراءة قصص الفروسية والبطولات القديمة. ومن الفراغ الذي يعيش فيه وتشبُّعه بقصص البطولة، أصبح توق قلبه أن يعيش أحد هذه القصص بأي شكل، لكي ينشر العدل وينصر الضعفاء، ويدافع عن المساكين!
*
قرَّر أن يجهِّز عدة الفروسية؛ فاستخرج من مخزن المنزل معدات قديمة متآكلة من مخلّفات آبائه، جعل منها سلاحًا له. اجتهد أن يصنع لنفسه ملابسًا تليق بالفرسان، من وجهة نظره، اختارها بعناية من ملابسة الرثة. لفَّق لنفسه درعًا، ولبس ما أشبه الخوذة وحمل رمحًا وسيفًا، وركب حصانه الهزيل “روسينانتي”. وهكذا صار كأحد الفرسان السابقين الذين انقرضوا منذ أجيال، يتكلم بكلام كبير مثلهم، يتبختر في سيره. ولتكتمل الصورة، إذ قرأ عن الفرسان أن لكل منهم تابعًا أمينًا، قرَّر أن يختار تابعًا له، فاختار جاره المزارع الساذج القصير البدين “سانشو” ليكون حامل سلاحه، واعدًا إياه بأن ينصِّبه حاكمًا على إحدى الجزر بمجرد أن يتبوأ هو، أي دون كيخوتي، مكانته المنشودة.
وهكذا انطلق حاملاً لقبًا جديدًا هو :
“دون كيخوتي دي لامانتشا”،

وأسموه فيما بعد
“فارس الظل الحزين”!
*
وفي الجزء الأول من الكتاب نرى دون كيخوتي يجول بحثًا عن الأعداء ليقاتلهم ويخلِّص العالم من شرهم. وفي يوم وجد نفسه وجهًا لوجه مع أحدهم، بل ما اعتقد أنه مصدر الشر في الدنيا كلها، شياطين ذات أذرع هائلة تصدر أصوات حفيف مزعجة تنمّ عن نواياها الشريرة. فشعر أن الفرصة قد واتته ليعلن عن فروسيته وبطولته. فبدأ في مهاجمتها، بشهامة الفارس، غير مبالٍ بصراخ سانشو وتحذيره له. ما كان هذا العدو إلا طواحين هواء تُستخدم في توليد بعض الطاقة ورفع المياه من الأعماق. استل رمحه ورشَقَه تجاهها فرفعته أذرعها في الفضاء، ودارت به وطرحته بعنف إلى الأرض متوجِّعًا في كل جسده، مهلهل الثياب، خائب الأمل.
*
وفي مرة أخرى اعتقد أنه يواجه زحف جيشٍ جرار يملأ الجو غبارًا وضجيجًا، فاندفع بجواده ليخوض المعركة التي أتاحها له القدر مرة أخرى حتى يثبت شجاعته ويخلّد اسمه. ولكنه في الحقيقة كان قطيعًا من الأغنام. وأسفرت المعركة عن قتل عدد من الأغنام، وعن سقوط دون كيخوتي نفسه تحت وابل من أحجار الرعاه الحانقين عليه، فقد على أثرها بعض أسنانه.
*
لم يتعلّم الدرس، ولم يكفّ، بل أكمل مسيرته من عدو وهمي إلى آخر، ومن توجّع إلى التالي. وفي نهاية المطاف، قام بعض جيرانه بمحاصرته وإمساكه، ثم إعادته إلى قريته داخل قفص. ورغم كل هذا، ظل على ظنه أنه سينال تكريمًا ونياشين من ملك البلاد جزاء عمله.
*
تُختم القصة وألونسو (أو دون كيخوتي) على فراش الموت ونسمعه يندم على :
“سحابة الجهل الذي نشرته كتب الفروسية”
ويعلن
“لست آسفًا إلا على شيء واحد، أن زوال الغشاوة عني قد أتى في وقت متأخر بحيث لن أستطيع تعويض الزمن الضائع”.
*
بعض أفكار
لو عاد ثربانتس للحياة سيجد مادة أكثر خصبًا لروايته في واقعنا اليوم. فكم من دون كيخوتي وكم من طواحين هواء وقطعان دمَّروها.
ولو كان لثربانتس حسابًا على الفيسبوك أو تويتر، لَجمع آلاف الفصول لروايته دون جهد أو خيال.
كم من حروب وهمية انتهت بأوجاع المقاتل وخسائر للآخرين. كان أولى أن يُصرف هذا الجهد للفائدة، ووقتها كانت ستعمّ على كثيرين. ما يستحق الجهد هو ما يبني لا ما يهدم، ما يقود الناس لله لا للعراك.
كم من فوارس ظنّوا أنهم على حق، وما كانوا إلا في أقصى بعدٍ عنه. الاقتراب الحقيقي من الله هو ما يضمن أن الحقَّ حقٌّ.
*
حرب المؤمن الحقيقية تبدأ مع النفس والطبيعة الشريرة التي فيه ليقمعها :

«بَلْ أَقْمَعُ جَسَدِي وَأَسْتَعْبِدُهُ، حَتَّى بَعْدَ مَا كَرَزْتُ لِلآخَرِينَ لاَ أَصِيرُ أَنَا نَفْسِي مَرْفُوضًا.»
(1كورنثوس9: 27)،
ثم مع أجناد الشر الروحية، إبليس وملائكته :

«فَإِنَّ مُصَارَعَتَنَا لَيْسَتْ مَعَ دَمٍ وَلَحْمٍ، بَلْ مَعَ الرُّؤَسَاءِ، مَعَ السَّلاَطِينِ، مَعَ وُلاَةِ الْعَالَمِ عَلَى ظُلْمَةِ هذَا الدَّهْرِ، مَعَ أَجْنَادِ الشَّرِّ الرُّوحِيَّةِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ.»
(أفسس6: 12)
لهدم أفكاره ومواجهة خططه، وتحرير ضحاياه من يده بالوصول بهم إلى المخلِّص.
*
هناك من يستفيقون، ولكن متأخرًا جدًا؛ فيجدون العمر وقد ولّى في اللهث وراء السراب، وما ضاع قد ضاع ولا يمكن للوقت أن يعود.
اسمع ما قاله الحكيم :
«مَجْدُ الرَّجُلِ أَنْ يَبْتَعِدَ عَنِ الْخِصَامِ، وَكُلُّ أَحْمَقَ يُنَازِعُ... كَمُمْسِكٍ أُذُنَيْ كَلْبٍ (لا بد وأن يعقره الكلب)، هكَذَا مَنْ يَعْبُرُ وَيَتَعَرَّضُ لِمُشَاجَرَةٍ لاَ تَعْنِيهِ»
(أمثال20: 3؛ 26: 17).
واسمع أيضًا ما قاله الرسول بولس لتلميذه المحبوب تيموثاوس :
«فَكِّرْ بِهذِهِ الأُمُورِ، مُنَاشِدًا قُدَّامَ الرَّبِّ أَنْ لاَ يَتَمَاحَكُوا بِالْكَلاَمِ

(يدخلوا في مجادلات كلامية).
الأَمْرُ غَيْرُ النَّافِعِ لِشَيْءٍ، (بل) لِهَدْمِ السَّامِعِينَ...
الْمُبَاحَثَاتُ الْغَبِيَّةُ وَالسَّخِيفَةُ اجْتَنِبْهَا، عَالِمًا أَنَّهَا تُوَلِّدُ خُصُومَاتٍ، وَعَبْدُ الرَّبِّ لاَ يَجِبُ أَنْ يُخَاصِمَ، بَلْ يَكُونُ مُتَرَفِّقًا بِالْجَمِيعِ»
(2تيموثاوس2: 14 ; 23-24).
*
لام أليشع جيحزي على خطئه بالقول :
«أَهُوَ وَقْتٌ؟»
(2ملوك5: 26).
وعلينا أن نقولها لأنفسنا:
أهو وقت للجدال والعراك والبطولات الوهمية في الواقع وعلى مواقع التواصل الاجتماعية؟
أهو وقت لإهدار الطاقات في مهاترات والبحث عن أمجاد من قشّ لن تصمد أمام نيران الاختبار؟
أهو وقت لإضاعة الفرص أن نخدم السيد ونعيش :
“لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ.”
(2كورنثوس5: 15)؟
*
يا نفسُ استفيقي فالعمر ما إلا بخار
لحظة ينتهي طيش الليل ويطلع النهار
وما عملتِ للحبيب إكرامُا وتمجيدًا
وحده يبقى ويكافأ في قيامة الأبرار

* * *
يارب أشكرك أحبك كثيراً...
بركة الرب لكل قارئ .. آمين .
وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين

يسوع يحبك ...
 
قديم 26 - 07 - 2016, 05:50 PM   رقم المشاركة : ( 13687 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,513

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يلزم أن نضع آمالنا في الله

الذي يقوي هؤلاء الذين يعظون

ويفسرون الأخبار المفرحة

سفر نشيد الأنشاد



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يقودنا نشيد الأناشيد الآن إلى رغبة في التفكير بعمق في الحسن العظيم. ولكن تتألم نفوسنا عندما نعرف أنه لا يمكننا الإلمام بهذا الحسن. كيف لا يأسف أي شخص عندما يكتشف أن الارتقاء إلى هذا الحسن صعب المنال، إذ ترتفع النفس الطاهرة النقية بواسطة الحب لكي تشارك في هذا الحُسن، ولكن يظهر أنها للآن لم تتمكن من الحصول على ما تبحث عنه، كما يقول القديس بولس (في 3: 11).
عندما وصفت ارتقاء العروس في العظات السابقة، ذكرت أنها نالت النعمة. لقد تعرفت على التفاحة ذات المذاق الحلو، وفرَّقت بينها وبين الغابة الغير مثمرة. لقد اشتاقت إلى ظل عريسها، واستمتعت بمذاق فاكهته الحلوة ودخلت إلى الحجرات الداخلية لفرح. ولقَّبت هذا الفرح “بالخمر” الذي يُفرِّح قلوب من يشربونه (مز 104: 15). وبعد ما ثبتت العروس في الحب زادت قوته بدعم الروائح الزكية من التفاح الذي كان يظللها، ثم اِستقبلت سهم الحب في قلبها وتلا ذلك أيادي مُصَوِّب السهم، وأباحت هي نفسها سهما مُصَوَّبًا إلى معرفة الحق بواسطة الأيادي القوية لمُصَوِّب السهم (مز 127: 4).
لقد فهمت أن العروس تمت تربيتها وتعليمها بواسطة أساليب عديدة، فقد وصلت إلى أعلى قمة السعادة. غير أنه يظهر لي أن ما قد أُنجِز قبلاً كان مقدمة فقط لارتفاع العروس نحو الفضيلة. ولا تُسمَّى العروس الدرجات التي ارتفعتها من قبل إنجازًا أو معرفة واضحة للحق، ولكنها تُسمِّيها “صوت” العريس الذي تريده. أي أنها تتمكن من سماع ومعرفة صوته، ولكنها لا تتمتع بصحبته ولا تعرفه. فإذا ارتفعت العروس إلى مثل هذه المستويات – (لأن بولس ارتفع إلى السماء الثالثة 2 كو 12: 2) – ولم تحصل بعد على ما كانت تبحث عنه كاملاً، فيا ترى ما هو حالنا؟ في أي مستوى نضع أنفسنا، لأننا لم نقترب حتى من الأبواب الخارجية لمكان المعرفة المقدس.
يمكن معرفة الصعوبة التي تواجهها العروس في إدراك العريس مما تقوله “صوت حبيبي” وليست هيئته أو وجهه أو جسمه، ويشير ذلك إلى ما تبحث عنه. ولكن صوته يعطيها فقط فكرة عن المتكلم. لذلك يُعطي النص العديد من الصور عن العريس وليس صوره واحدة، لأن العروس ليس لديها صورة واضحة عنه. تفكر العروس أنها تدرك صورًا مختلفة لعريسها في الأوقات المختلفة وتقول: “أنظر لقد جاء” [ع8]. لا يقف العريس دون حركة ولا يبقى بالقرب منها حتى تتمكن من رؤيته وتتعرف عليه. بدلاً من ذلك ينسحب قبل أن تصل العروس لكي تتعرف عليه: “يقفز على الجبال، مسرعًا على التلال!! فتتخيله كأنه غزال في أحد الأوقات أو كذكر صغير للغزال الأحمر في أوقات أخرى “حبيبي هو شبيه بالظبي أو بِغُفْرِ الأيائل. هوذا واقف وراء حائطنا يتطلع من الكُوى يُوَصْوِص من الشبابيك” [ع9]. لذلك فهيئته تختلف من آن لآخر.
تُسبِّب لي هذه الأشياء الألم إذا فُهمت بمعناها اللفظي وتجعلني أشك أني سوف لا أصل إلى فهم حقيقي للأمور المقدسة. ولكن يلزم أن نضع آمالنا في الله الذي يقوي هؤلاء الذين يعظون ويفسرون الأخبار المفرحة. كما يلزم أن نرى كيف يمكننا تطبيق دراستنا للنص الحالي على تأملاتنا السابقة. يقول النص “صوت حبيبي” ثم يضيف بعد ذلك مباشرةً: “اُنظر هو يأتي” ماذا نفهم من ذلك؟ يُحتمل أن هذه الكلمات تنبئ عن إعطاء كلمة الله التي عرفناها بواسطة الإنجيل. لقد أعلنها الآنبياء مُسبقًا، ثم وضحت من خلال ظهور الله في الجسد يحمل الصوت المقدس شهادة على هذه الأعمال وإنجازاتها، كما أنه يرتبط بكلمة الوعد كما يقول النبي: “ذَكَرْنا يا الله رَحْمَتك في وسط هيكلك” (مز 48: 9). “صوت حبيبي” هذا هو ما سمعناه. “اُنظر ها هو يأتي”، هذا هو ما رأته أعيننا. “الله بعدما كلَّم الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواع وطرق كثيرة” (عب 1:1)، هذا هو الصوت الذي سمعناه: “كلَّمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثًا لكل شيء الذي به أيضًا عمل العالمين” (عب 1: 2). هذا هو ما تكلموا به: “اُنظر، هو آت يقفز على الجبال ويمشي على التلال”. فهو يُشبه من ناحية المقارنة بغزال، ومن ناحية أخرى يقترب في الشكل من ذَكَر صغير للغزال الأحمر. تشير كلمة الغزال إلى حِدَّة الإبصار لأن الغزلان معروفة بقوة إبصار خارقة. ويشتق اسمها من الكلمة اليونانية التي تعني يبصر أو قوة إبصار خارقة تمسح البادية كلها. لذلك فالواحد الذي يمسح ويرى الكون كله، هو الله الذي خلق الكل ويرى الكل. وبما أن الله قد ظهر في الجسد ليحطم قوى الشر بحياته، لذلك فالواحد الذي نظر من السماء إلى الأرض، يُشَبَّه بالغزال. وعلى الجانب الآخر يُشَبَّه الله بذَكَر الغزال الصغير الذي يعبر على الجبال والتلال بقفزاته. أي أنه يدوس ويسحق أعمال الشر التي لإبليس. ويتكلم الكتاب المقدس عن الجبال التي اهتزت بقوة الله. وكما صاغها داود، أنها أُزيحت إلى “قلب البحر” (مز 46: 2) وغُمرِت في قاع البحر العميق. تكلم السيد المسيح عن الجبال في مناسبة شفاء الصَرَع، “لو كان لكم إيمان مثل حبة الخردل لكنتم تقولون لهذا الجبل (الذي يرمز إلى الصَرَع) اِنتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم” (مت 17: 20). ولما كان ذكر الغزال الأحمر الصغير قادرًا على تحطيم الحيوانات البرية وتهرب الثعابين ذعرًا من صوت تنفسه ومن لونه الأحمر، لذلك يُقارن العريس، الذي يراقب من أعلى كل شيء، بالغزال، ولكنه أيضًا يشبه ذَكَر الغزال الأحمر الصغير في قفزاته التي يحطم بها كل القُوى المضادة، التي يرمز لها النشيد بالجبال والتلال.
سُمِع صوت العريس عندما تكلم الله من خلال الآنبياء وبعد الصوت جاء كلمة الله قافزًا فوق الجبال التي في طريقه وأخضع كل القوى الثائرة صغيرها وكبيرها تحت قدميه، وجعلها من مريديه، بسيْره على التلال. ويرمز الفرق بين الجبال والتلال بالقُوى العظمى والقُوى الصغرى المضادة، التي سُحِقَت وتحطمت بقوة وسلطان كلمة الله. فقد سُحِق الأسد والوحش الأسطورى والحيوانات الكبيرة وأيضًا الصغيرة مثل الحيات والعقارب. دعني أذكر لكم مثالاً. لقد كان في الجموع التي تجمعت حول السيد المسيح “جبال أي شياطين”. لقد كانوا جماعات اليهود في أرض جرسين وفي أماكن أخرى كثيرة حيث امتلأوا تكبُّرًا ورفعوا أنفسهم ضد الطبيعة البشرية. وكان بينهم جبال وتلال، أي شياطين صغيرة وأخرى كبيرة. ولكن ذكر الغزال الأحمر الذي داس الحيّات والذي أعطى لتلاميذه طبيعته قال لهم: “ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولايضركم شيء” (لو 10: 19). ثم داس عليهم جميعًا وطاردهم بعيدًا وذلك ليُمَكِن من ارتفعوا إلى أعلى بالفضيلة أن يحتفظوا بمكانتهم العليا، فلا تُخيفهم قمم تلال الشر. يظهر أن جبال الله (Bethel) بأنها بيت الله ولذلك يذكر [ع8] “يأتي ظافرا على الجبال
إن عين النفس النقية الطاهرة تستقبل هذه الاشياء وتفهمها بفرح وتقفز قفزات مقدسة فوق تلال القوى المقدسة. وتتكلم عَمَّا سيحدث في المستقبل وكأنها كانت حاضرة فيه. وتعتبر آمالها محققة لأنها تعتقد بحزم في وعد النعمة. لأنها تقول أنه يقفز على الجبال بسرعة ورشاقة وينتقل مرتفعًا من تل إلى تل. يُظهر نفسه لنا وهو واقف خلف الحائط متكلمًا مع عروسه من خلال الفتحات الضيقة في الشبابيك. ويقول النص، “اُنظر، أنه يقف خلف حائطنا، يتطلَّع من الكُوى يُوَصْوِص من الشبابيك”. إن ما يقوله النص بمعناه اللفظي كالآتي يتكلم العريس من خلال الشبابيك مع العروس التي تسكن في الداخل ولا تمنعهم الحائط التي تفصلهم من المحادثة لأن رأس العريس تنظر من الشبابيك بينما تُبصر عيناه من الكُوى إلى داخل المنزل. إن التفسير الروحي لهذه الفقرة قريب من التفسير الذي سُقناه من قبل. يرفع النص في نشيد الأناشيد الطبيعةَ البشريةَ إلى الله بطريقة مُعينة وبنظام: أنه ينير بصيرتنا أولاً بالنبوءات وبأوامر الوصايا. (فنفهم أن الشبابيك ترمز إلى الآنبياء الذين أضاءوا لنا الطريق بنبوءاتهم، أما الكُوى فترمز إلى أوامر الوصايا المتشابكة. ومن خلالها يدخل النور الحقيقي إلى الداخل. ) أما الضوء الساطع فيأتي بعد ذلك عندما يظهر النور الحقيقي إلى هؤلاء الجالسين حسب طبيعتنا البشرية. تنير الكتابات النبوية والوصايا نفوسنا من خلال ما نتخيله كأنه شبابيك أو كوى ثم تحفز فينا رغبة قوية لرؤية الشمس خارج المنزل وأخيرًا، نصل إلى ما نرغبه لأنه أصبح حقيقة. دَعوُنا نستمع إلى ما يقوله الواحد الذي يكلمةا من وراء الحائط، أي الكنيسة من خلال الشبابيك والكُوى: “أجاب حبيبي وقال لي قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالي. لأن الشتاء مضى والمطر مّر وزال. الزهور ظهرت في الأرض. بلغ أوان القَضْب، وصوت اليمامة سُمع في أرضنا. التينة أخرجت فّجَّها، وقعال الكروم تُفِيح رائحتها. قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالي” [ع10-13].
ما أجمل أن يصف خلق الربيع حُسن هذا الفصل. يقول داود: “أنت نصبت كل تُخُوم الأرض، الصيف والشتاء أنت خلقتهما” (مز 74: 17). هو الذي أزاح كآبة الشتاء، وأعلن أن الأمطار التي أرهقتنا قد مضت. ثم أشار إلى أن الحقول قد أينعت وازدانت بالزهور. وأن الزهور تفتحت وجاهزة لمن يقطفها ليعمل منها مجموعات للزينة أو لتجهيزها لاستخلاص العطور. إن صدى الصوت يجعل الفصل ممتعًا، ويتردد غناء الطيور في بساتين الفاكهة، ويصل صدى صوت اليمامة الشجي إلى آذاننا. ويتكلم العريس أيضًا عن شجرة التين والكرم التي يُنبئ مظهرها الحاضر بالفرح بما ستنتجه في المستقبل القريب. فيظهر التين الصغير وغيره على الفروع الملساء وكلاهما يمتع حاسة شمنا بالرائحة الزكية. وهكذا يُظهر الكتاب المقدس مقدار الفرح في وصفه لصورة الربيع الغنية. إنها تضع الكآبة جانبًا ونتمتع بجمال الوصف. إنني اعتقد أنه بالإضافة إلى ذلك، يلزم لنا ألاَّ نتوقف في وصف هذه الأشياء التي تُدخل السرور إلى النفس. وبالأحرى يجب أن تقودنا هذه إلى الأسرار التي تتضح من خلال هذه الكلمات حتى نكشف ما تخفيه من كنوز.
وماذا نقول نحن الآن؟ كانت الطبيعة البشرية في وقت من الأوقات متجمدة خلال الوثنية فتحولت طبيعة الإنسان القادرة على التغيير إلى الطبيعة التي لا حياة فيها كالأصنام التي كانوا يعبدونها. يقول الكتاب: “مثلها يكون صانعوها بل كل من يتكل عليها” (مز 115: 8).
ولا يمكن تلافي هذا الأمر لأن كل الذين ينظرون إلى الله ويحفظون وصاياه يكتسبون صفات الطبيعة الإلهية، بينما الذين ينحازون إلى الباطل أي الأصنام يتحولون إلى ما يعبدونه ويصيرون حجارة بدلاً من بشر.
وبما أن طبيعتنا تحولت إلى حجارة بواسطة عبادة الأصنام وأصبحت مُجمدة في الوثنية الباردة وغير قادرة على التقدم، بزغت شمس البر (ملا 4: 2) في هذا الشتاء القارس وحفزت ظهور الربيع. وأزالت رياح الجنوب الدافئة آثار البرد وأدخلت أشعة الشمس المشرقة الدافئة في كل الأرض. لذلك، فالجنس البشري الذي كان قد تحول إلى حجارة بواسطة البرد، قد يشمله الدفء بواسطة الروح القدس، أشعة كلمة الله، وهكذا يصبح مرة أخرى مثل المياه التي تمنح الحياة الأبدية (يو 4: 14). “المُحوِّل الصخرةَ إلى غدران مياه الصَوَّان إلى ينابيع مياه” (مز 114: 8).
أعلن يوحنا المعمدان هذا بوضوح لليهود عندما قال: “إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم (مت 3: 9). سمعت الكنيسة هذه الرسالة من الكلمة الله باِستقبالها العظيم للحق من خلال شبابيك الآنبياء ومن الكُوى التي تنفذ منها أشعة الوصايا. وفي نفس الوقت فإن الحائط الرمزي للتعليم – أعنى الوصايا – اِستمر في مكانه، مُكوّنًا ظلاً لما سيأتي من أشياء طيبة. أنه لم يُظهر الصورة الواقعية لهذه الحقائق. فقد وقف الحق خلفه مختبئًا على هيئة رموز. وصل نور المسيح الكلمة إلى الكنيسة أولاً من خلال الآنبياء ثم بشهادة الإنجيل فزال كل ضباب الرموز وسقط الحائط، الذي كان يفصلنا عن النور. واتصل الهواء داخل المنزل بالنور السماوي وأصبح من غير الضروري أن يصلنا الضوء عن طريق الشبابيك، لأن النور الحقيقي أضاء الداخل إضاءة كاملة بأشعة الإنجيل. لذلك يصرخ كلمة الله إلى الكنيسة من خلال الشبابيك محفزًا إيَّاها لكي ترفع إلى أعلى من قد سقط على الأرض. قائلاً: قوموا الآن من سقطاتكم، أنتم من انزلقتم وسقطتم في الخطية. لقد وقعتم في شرك الحية وسقطتم على الأرض بعد عصيانكم. اِنهضوا إلى أعلى.
قال العريس: “لا يكفي أن تقوموا من سقطتكم على الأرض، ولكن يجب أن تتقدموا في عمل الخير وتصلوا إلى آخر الطريق في الفضيلة. ” نتعلم هذا من مثال المفلوج في الإنجيل (مت 8: 6)، فلم يقل السيد المسيح للمفلوج أن يحمل سريره فقط، بل أمره أن يمشي. إنني اعتقد أن هذا النص يوضح التقدم والسير نحو الكمال. يقول المسيح: “قم وتعالى”. ما هي القوة التي تكمن في هذا الأمر؟ حقًا إن صوت الله هو صوت القوة (مز 68: 34). يقول: “أعطوا عِزًّا لله على إسرائيل جلاله وقوته في الغمام”. ثم يقول: “لأنه قال فكان، هو أَمَرَ فصار” (مز 33: 9). انظر أيضًا ما يقوله العريس لعروسه: “انهضي ثم تعالي”، وفي الحال يتحول أمره إلى حقيقة، وفي نفس الوقت تستقبل العروس قوة كلمة الله، فتقف وتتقدم نحوه، وتقترب من النور. ويشهد كلمة الله عندما يراها ويقول: “أجاب حبيبي وقال لي: قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالي” (نش 2: 10).
ما هو ترتيب الكلمات هنا؟ كيف ترتبط كل كلمة بالأخرى؟ كيف تُحفَظ تسلسل الأفكار دون أن تنكسر السلسلة؟ تسمع العروس الأمر وتتقوى بكلمة الله، ثم تنهض وتتقدم إلى الأمام وتقترب وتُصبح جميلة وتُسمَّى حمامة. كيف يرى الشخص منظرًا جميلاً في مرآة إلا إذا عكست المرآة صورة شيء جميل؟ الطبيعة البشرية هي أيضًا كذلك، ولم تكم طبيعةً جميلةً إلا بعد أن اقتربت من الجمال الحقيقي وتم تغييرها بواسطة صورة الحب الإلهي. تستمر الطبيعة البشرية على صورة الحية طالما بقيت راقدة على الأرض أخذت صورتها. ولكن الآن نهضت الطبيعة البشرية وقامت ورفعت وجهها إلى أعلى لكي تُبصر الخير، وأدارت ظهرها للشر، وأصبحت فرِحةً مسرورًة لما تنظر إليه. أي إلى الجمال الأبدي. لذلك صارت الطبيعة البشرية مُضيئة عندما اقتربت من النور. وفي هذا النور أخذت شكل الحمامة الجميل، وأعنى الحمامة التي تنبئ بحضور الروح القدس.
تكلم الكلمة وسمَّاها “جميلة” بسبب قربها منه، وحمامة لأنها جميلة. ويستمر النص في تقرير أن حُزن الشتاء لا يملك بعد على نفوسنا، لأن البرد لا يمكن أن يواجه أشعة الشمس. “لأن الشتاء قد مضى والمطر مًرَّ وزال” (نش 2: 11).
يُطلق النصُ الكثيَر من الأسماء على الشر حسب تأثيره المختلف: فيسميه الشتاء، المطر، نقط المطر ويرمز كل اسم لنوع مختلف من الإغراءات. تُشير كلمة الشتاء إلى مجموعة الشرور. إن الذي يزدهر، في الشتاء يختفي الآن. إن الأوراق الخضراء الجميلة التي تُزيِّن الأشجار تسقط من الفروع وتختلط بالأرض. ويتوقف غناء الطيور الشجي، ويهرب العندليب. وينام عصفور الجنة وتذهب اليمامة إلى عشها. فكل شيء يشبه حزن الموت. وتشبه فروع الأشجار العِظامَ التي تُعرَّى من اللحم، فهي عارية ومنظرها مؤسف عندما يُقارن بمنظرها وهي تحمل الأوراق والأزهار.
فكِّر أيضًا فيما يحدث للبحر من أحداث مفزعة في الشتاء. إذ ترتفع المياه من الأعماق وتكوِّن قمم الأمواج التي تشبه الجبال حيث ترتفع المياه وكأنها صخور عمودية ثم تنكسر هذه الأمواج الواحدة تلو الأخرى على الشاطئ وكأنها آلات حربية.
يتراءى لي أن آثار الشتاء وكل ما يشبهها لها مع أني تصويرية. فما هو الذي يذبل ويضيع خلال هذا الفصل؟ ما هو الذي يُسقط من الفروع ويُذرَّى على الأرض؟ ماذا يشير إليه سكوت الطيور؟ ما هو ارتفاع الأمواج؟ ما هو المطر؟ ما هي نقاط مياه المطر؟ كيف يتوقف المطر؟ ترمز هذه العناصر إلى معنى الشتاء وكأنها عناصر حية وتعبر عن نفسها.
والآن لا يسعني إلا أن أفسر كل عنصر من هذه العناصر على حدة وأرى أن معانيها واضحة بما فيه الكفاية. اِزدهرت الطبيعة البشرية عندما كانت في الجنة وكانت تتغذى بمياه الينابيع الموجودة بها. وازدان الإنسان بأزهار الأبدية بدلاً من الأوراق، ولكن لما حل شتاء العصيان جفت الجذور وسقطت الأزهار إلى الأرض فتجرَّد الإنسان من جمال الأبدية، وجفت خضرة الفضائل وبرد حب الله للإنسان لازدياد عصيانه، وهكذا ارتفعت قمة الانفعالات التي أنتجت الرياح التي أدت إلى تحطم سفينة النفس.
ولكن بعد مدة جاء من منح الربيع لنفوسنا. فأمر ريح الشر التي أهاجت البحر أن تسكن: “وقال للبحر اُسكت اُبكم. فسكت الريح وصار هدوء عظيم” (مر 4: 39). فأصبح كل شيء هادئًا، وابتدأت حياتنا في الازدهار وازدانت بالبراعم والأزهار، وتمثل الأزهار الفضيلة في حياتنا التي تُثمر في مواسمها. لذلك يقول كلمة الله: “لأن الشتاء قد مضى، والمطر مرّ وزال. الزهور ظهرت في الأرض. بلغ أوان، القَضْب وصوت اليمامة سُمع في أرضنا” [ع11-12].
يقول العريس: “اُنظروا فإن المروج مزدهرة بأزهار الفضيلة. هل ترى هذا النقاء في جمال النرجس العبق؟ هل ترى ورد التواضع والبنفسج الذي يمثل رائحة السيد المسيح الزكية؟ لماذا إذن لا تعمل تاجًا من هذه الزهور؟ فهذا هو موسم قَْضب الزهور وتعمل فرعًا تاجًا لتزين به نفسك. قد حلّ موسم التقليم”. يشهد بذلك صوت اليمامة أي أنه يشبه، “صوت صارخ في البرية” (مت 3:3) فيوحنا المعمدان هو اليمامة. هو الذي تقدم هذا الربيع المنير الذي أنبت لبني البشر الزهور الرائعة للقضيب، وقدمها لكل من رغب في جمعها. أنه هو الذي بيَّن لنا “ويخرج قضيب من جذعه يسىَّ” (إش 11: 1)، “هو حمل الله الذي حمل خطية العالم” (يو 1: 29). وهو الذي أوضح لنا الندم على الخطية والحياة حسب الفضيلة. يقول النص: “سُمع صوت اليمامة في أرضنا”: وهي تنادي “يا أرض” هؤلاء الذين أُدينوا لخطيتهم، هؤلاء الذين يُطلِق عليهم الإنجيل جباة الضرائب والعاهرات، الذين سمعوا صوت يوحنا المعمدان بينما البقية لم تقبل تعاليمه. أما عن التين، فيقول النشيد: “التينة أخرجت فجَّها، وقُعال الكروم تُفيح رائحتها. قومي يا حبيبتي يا جميلتي وتعالي” [ع13].
يجب أن نفهم النص كالآتي: يستمد التين الماء من أعماق الأرض عندما يكون الجو حارًا فتتجمع كمية معينة من السائل في الشجرة التي تُخرِج الماء الزائد عن الحاجة من خلال أطراف الأغصان. تتكرر هذه العملية مرات عديدة إلى أن تنتج الشجرة الثمار المغذِّية في الوقت المناسب بعدما تتخلص من المواد الغير مرغوب فيها والزائدة عن حاجتها. وتُنتج الشجرة نوعًا من التين (يعرف بالتين البدائي أو مقدمة التين)، ويُسمى “التين الصغير” وقد يأكله من يريد، وهو ليس بالثمار الحقيقية، ولكنه مقدمة لها. غير أنه يعطي فكرة عن ماذا يكون شكل الثمرة الكاملة النضج، لأن ثمار التين المبكرة يقول النص، هي علامة على الثمار التي تؤكل.
وصف النشيد الربيع الروحي للعروس، هو الفصل الذي يأتي بين كآبة الشتاء وفرح الثمار في الصيف. لهذا السبب يُعلن بالتفاصيل الدقيقة انقضاء شرور (الشتاء)، غير أنه لا يُفصح تمامًا عن ثمار الفضيلة الكاملة. وسوف يكشف عن هذه في الوقت المناسب عندما يحل فصل الصيف. أنت تعرف بالتأكيد من كلام الله ماذا يعني الصيف: “الحصاد هو انقضاء العالم والحصَّادون هم الملائكة” (مت 13: 39). ويوضح النص الآن الآمال التي تزدهر بواسطة الفضيلة، والتي تأتي ثمارها كما يقول النبي في الوقت المناسب (مز 1: 3). تشبه الطبيعة البشرية شجرة التين التي سبق ذكرها. فإنها تجمع ماء الشر خلال فصل “الشتاء” الروح. لذلك فالواحد الذي يجلب لنا “ربيع” الروح ويرعى نموِّنا يُلزم طبيعتنا أن تنفض خارجًا كل ما هو غير نقي وزائد ليس من خلال الأغصان، ولكن من خلال الاعتراف. ثم يضيف لحياتنا علامات مُميزة للنعمة التي نفوز بها من خلال الحياة النقية، كما يعلن عن ظهور التين الكامل النضج بعد ظهور التين الصغير. هذا هو المعنى المقصود مِنْ ” أنتجت شجرة التين الصغير”
وهذا أيضًا هو المعنى المقصود من الكرمة المزدهرة، التي يُفرِح خمرها القلب (مز 104: 15)، وفي يوم من الأيام يملأ كوب الحكمة. وسوف يقدم مجانًا لهؤلاء الذين يشربون من المواعظ العالية ويستمتعون بها وكأنهم سكارى منتشين بوعيّ جميل. وأعني به الغيبة التي يمر بها الشخص بثبات من دائرة الماديات إلى الروحانية المقدسة. والآن تزهر الكرمة بواسطة براعمها ويخرج منها عبير عطر حلو ناعم يملأ الجو ويحيط بنا.
وأنت تعرف هذه الرائحة الزكية من القديس بولس (2 كو 2: 16)، وتعرف كيف تنطبق على كل الذين يُخَلَّصون.
يوضح كلمة الله هذه الأشياء للعروس كتذكار لأيام الربيع الجميلة للنفس. ثم يحفزها على التمتع بما يوجد أمامها: ويشجعها قائلاً: “التينة أخرجت فجَّها وقُعال الكروم تُفيح رائحتها. قومي يا حبيبتي ياجميلتي وتعالي”.
ما هذا التعليم العظيم الذي يكشفه لنا الله في هذه الكلمات!
إن الكاتب المُلهم لا يكرر هذه الآية كلمة بكلمة دون سبب. يوضح التكرار أنه يوحي بتعليم مهم. يقول النص: أن الطبيعة الأبدية المباركة تعلو فوق كل إدراك وتشمل كل الأشياء في داخلها وهي غير محدودة. لأنه لا يوجد اسم أو مبدأ يمكنه أن يضع حدودًا لها: ليس الوقت أو المكان أو اللون أو الشكل أو الصورة أو الحجم أو الكمية أو الحدود أو شيء آخر. فأي خير نلم به يتبع طبيعة الله ويوجد في اللآنهاية وغير محدود بمقياس. لأن الشر ليس له مكان بينما الخير ليس له حدود.
يوجد بالطبيعة البشرية المتغيرة الخير والشر ويتبادل وجودهما لأن عندنا القدرة على اختيار أيّا منهما، وهما متناقضان. والنتيجة أنه يتبادل وجود الخير فينا مع الشر، ويُصبح الشر حاجزًا للخير. فجميع نشاطات نفوسنا تظهر متعارضة، وهي تشجب وتحدد بعضها البعض. وعلى الجانب الآخر تظهر الطبيعة الإلهية بسيطة، نقية، متجانسة (متوافقة) ثابتة، غير متغيرة وهي دائمًا على ما هو عليه (غير المحوى غير المستحيل)، وهي تستمر غير محدودة في الخير، لأنها لا يمكن أن تشترك مع الشر. وهي لا تعرف حدودًا لأنها لا تحتوي على متناقضات أو مضادات، لذلك حينما يجذب الله نفسًا بشرية لكي تتحد معه، وذلك لما له من وفرة السمو في الخير، تستمر النفس أولاً في النمو باشتراكها فيما هو أعظم منها، ولا تقف أبدًا عن النمو. والناحية الثانية التي تستفيد منها النفس هي أن الخير الذي تشارك فيه النفس يظل كما هو (غير محدود). لذلك فكلَّما استمرت النفس في المشاركة تعرف أكثر، وبوضوح أن هذه المشاركة جعلتها ترتفع في السمو إلى أفاق عُليا.
نحن نرى الآن العروس والكلمة يقودها إلى أعلى درجات الفضيلة، إلى علو الكمال.
في البداية يرسل لها الكلمة شعاعًا من نور من خلال شبابيك الآنبياء وكُوى الوصايا. ثم يشجعها على أن تقترب من النور وتصير جميلة بواسطة تحوُّلها إلى صورة الحمامة في النور. وفي هذه المرحلة تأخذ العروس من الخير بقدر ما تستطيع. ثم يرفعها الكلمة لكي تشارك في جمال أعلى لم تتذوقه من قبل. وبينما هي تتقدم تنمو رغبتها في كل خطوة، لأن الخير غير محدود أمامها. وتشعر باستمرار مع حلول العريس معها أنها قد ابتدأت صعودها للتوّ فقط. لذلك يقول الكلمة للعروس التي أقامها من النوم: “انهضي”. وإذ جاءت إليه يقول لها: “تعالي”، لأن الشخص الذي دعاها للنهوض بهذه الطريقة في استطاعته أن يقودها إلى الارتفاع والنهوض بها إلى مستوى أعلى.
الشخص الذي يجري نحو الله ستكون أمامه مسافات طويلة. لذلك يجب علينا أن نستمر في النهوض ولا نتوقف أبدًا عن التقرب من الله. لأنه كلما قال العريس “انهض” و “تعال” فإنه يعطي القوة للارتفاع لما هو أفضل. لذلك لابد أن تفهم ما يأتي بعد في النص. عندما يحفِّز العريس العروس الجميلة لكي تكون جميلة، فهو يذكرنا حقًا بكلمات الرسول الذي يطلب منا أن نسلك سلوكًا فاضلاً لكي نتغير من مجدٍ إلى مجدٍ (2 كو 3: 18). وهو يعني بكلمة “مجد” ما فهمناه وحصلنا عليه من بركة في وقت من الأوقات، ولا يهم مقدار ما حصلنا عليه من مجدٍ وبركةٍ وارتفاعٍ، لأنه يُعتقد أننا حصلنا على أقل مما نأمل في الحصول إليه. ولو أنها وصلت إلى جمال الحمامة بما قد حققه، إلا أن العريس يأمرها بأن تكون حمامة مرة أخرى بواسطة تحوِّلها إلى شيء أحسن. فإذا حدث ذلك فإن النص سوف يُظهر لنا شيئًا أحسن من بهذا الاسم “حمامة”.
يا حمامة في محاجئ الصخر في سِتْرِ المعاقل، أريني وجهك، أَسْمِعِيني صوتك، لأن صوتك لطيف، ووجهك جميل” [ع14].
ما هذا الصعود إلى الكمال الذي تُظهِره هذه الكلمات؟ يلزم أن يكون اشتياقنا للأحسن دليلنا. فهو يقول: “تعالي بنفسك” ليس لأنك حزينة أو لأنك محتاجة، ولكن تلقائيًا بنفسك، مؤكدة بتفكيرك الشخصي رغبتك في الخير غير منقادة بالحاجة إليه. فالفضيلة يجب أن تكون غير مفروضة وإرادية، ومنزهة عن كل حاجة مادية. كان هذا الحال مع داود الذي أدرك أن الله يفرح فقط بما عمله بتلقائية ووعد أنه سوف يقدم ذبائحه بتلقائية. وهكذا مع جميع القديسين الذين قدموا أنفسهم بتلقائية إلى الله ولم يكونوا أبدًا منساقين بحاجة في أنفسهم.
يجب الآن أن تُظهِروا استعدادًا كاملاً أنكم ترغبون أن ترتفعوا إلى ما هو أحسن. وعندما تُنجِزون هذا يقول لكم العريس أنكم ستدخلون إلى “ملجأ الصخرة بالقرب من الحائط” وإذا أردنا أن نوضح ما عبَّرت عنه الرموز، يصبح المعنى كالآتي: يوجد ملجأ واحد للنفس البشرية، وهو الإنجيل المجيد. ومن يدخل هذا الملجأ لا يحتاج أن يتعلم بواسطة الأمثلة والرموز لأن الحق يوضح الغموض في رسالة الوصايا. لا يمكن لمن يفهم عقيدتنا أن ينكر أن الإنجيل هو الصخرة، إذ أن فقرات عديدة تعلم أنه صخرة.
يمكن تفسير هذا كالآتي: إذا كنتِ، أيتها النفس قد نظرت جميع الوصايا وتطلعتِ عقليًا من خلال شبابيك الآنبياء على الأشعة الساقطة عليك، فلا تهربي بعد ذلك إلى ظل الحائط، لأنها تكون فقط ظلاً للخير الذي يحل في المستقبل، فهي إذن لا توفر صورة صادقة للحقيقة. فلابد أن تعبر من الحائط إلى الصخرة القريبة منها. والصخرة قريبة من الحائط لأن الوصايا كانت الحائط الذي حفظ الإيمان بالإنجيل، وتعاليم الوصايا مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بتعاليم الإنجيل. مثال: لا تزن ولا تشتِه ولا تتنجس بالقتل، ولا تنجس قلبك بالغضب. ولما كان ملجأ الصخرة يقع قريبًا من الحائط فالمسافة بين الحائط والصخرة قصيرة. ويحدث تطهير من الخطية في كل من الحائط والصخرة، فيوجد خروف في كل منهما ودم وعبور، وهكذا في كل شيء آخر يتعلق بالحائط والصخرة لأنهما مرتبطان ببعضهما. إلا أن الصخرة روحية بينما الحائط أرضي، لأنه مصنوع من الطين الأرضي. وعلى الجانب الآخر لا يوجد بصخرة الإنجيل طين لحمي في تعليمها. يُختَن الرجل ولكنه يظل كاملاً ولا يعاني ضررُا في جسمه. ويحفظ السبت في عدم الوقوع في الخطية ولا يتوقف عن عمل الخير لأنه تعلَّم: “أن الوصايا تحُضّ على عمل الخير في السبت” (مت 12:12) مثل هذا الرجل يتناول طعامه دون الامتناع عن بعض الآنواع، ولكنه لا يمس أي شيء نجس أو غير نظيف. لقد تعلم بواسطة الصخرة: “أن كل ما يدخل الفم لا ينجس الإنسان” (مت 15: 17). يرفض الصخرة كل الملاحظات الجسدية للوصايا ويتسأمي بمعاني الكلمات إلى الدائرة الروحية والعقلية. وكما قال بولس عن: “الوصية الروحية” (رو 7: 14). لأن الشخص الذي يرفض الوصية يأتي إلى “ملجأ الصخرة” إلى الإنجيل، وهو قريب من الحائط المادي.
نادى الكلمة بهذه التعاليم من خلال الشبابيك إلى عروسه، وهي الحمامة، استجابت له بجمال، لأنها استنارت بشعاع الفهم وتعرفت على الصخرة وهو المسيح. وهو يقول: “أريني وجهك، اسمعيني صوتك لأن صوتك لطيف ووجهك جميل” [ع14].
يمكن تفسير معنى هذه الآية كالآتي: لا تكلمني من الآن فصاعدًا برموز الآنبياء والوصايا. وحتى أراك اِظهر لي نفسك حتى آتي إلى داخل الصخرة، الإنجيل، وأترك خلفي حائط الوصايا. وحتى أسمعك اِجعل صوتك يرن في أذني. فإذا كان صوتك حلوًا جدًا من خلال شبابيك الآنبياء، فكم تكون رؤية وجهك الجميل مُجْلِبةً للحب والسعادة؟
فهمت العروس السر في صخرة الإنجيل التي قادها إليها الكلمة بطُرق عديدة ومختلفة (عب 1: 11). بينما كان عند الشبابيك. والآن ترغب العروس في ظهوره في الجسد، حتى يمكن رؤية الله في الجسد ويتكلم عن الوعود الإلهية للسعادة الأبدية لكل من يستحقها. لاحظ توافق كلمات سمعان مع رغبة العروس: “الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام، لأن عينيَّ قد أبصرتا خلاصك” (لو 2: 29-30). رأى سمعان مثل ما أرادت العروس أن ترى. وهؤلاء الذين اِستقبلوا صوت المسيح الحلو تعرفوا على نعمة الإنجيل وصرخوا: “فأجابه سمعان بطرس: يا رب إلى من نذهب. كلام الحياة الأبدية عندك” (يو 6: 68).
اِلتمست العروس أن ترى العريس النقي الذي وافق، لذلك فسوف يُظِهر نفسه علانية. ويحفِّز العريس الصيادين لكي يصطادوا الثعالب حتى لا يتلفوا أشجار العنب: “خذوا لنا الثعالب الثعالب الصغار المُفسِدة الكروم لأن كرومنا قد أقلعت” [ع15]. سوف يزدهر ثمر العنب إذا ما أزيلت الثعالب التي تتلفها… امسك الثعالب الصغيرة التي تتلف كرم العنب لأن كرمنا يعطي عنبًا طريًا. من الممكن أن نحترم نبل هذه الأفكار. ولنَرَ ما هو العجب في العظة الإلهية التي تحتويها النص؟ ما هو تأثير القوة الإلهية في معنى النص؟ يتكلم النشيد عن هذا القائل، “ماذا يعطيك وماذا يريد لك لسان الغش”، ويقول عنه النبي: “سهام جبار مسنون مع جمر الرتَم” (مز 120: 4). ويقول أيضًا: “يكمن في المُخْتَفي كأسد في عَرِّيسه” (مز 10: 9). هو حية عظيمة، ضَلَّت وعصت الله، جهنم بفمه مفتوحة هو حاكم قوي الظلمة وله سلطان الموت. كما تصفه النبوءات الكثيرة بصفات أخرى، فلقد حطم الحدود بين الأمم التي كانت مستقرة حسب أمر الله القوى العالي (تث 32: 8)، وذلك بين ملائكة عديدين. وهو يقبض على العالم كما يمسك شخص بعُشّ طائر، ويخطفها بعيدًا كالبيض من عشه. وقال أنه سوف يضع عرشه فوق السحب ويصبح مثل القوي العالي. يقول عنه كتاب أيوب أنه مرعب ومخيف (أي 40: 18، 41: 7)، عظامه نحاس وأطرافه قضبان حديد وأحشاؤه حجارة صلبة أتثخن جلده بالحراب، ورأسه بأسنة الرمح. يذكر الكتاب هذا وغيرها. هذا هو الرئيس القوي لقوى الشر. ولكن ماذا تقول القوة الحقيقية الوحيدة عنه؟ أنه ثعلب صغير وسوف يصغر ويُستهزئ بكل من هو مع الشيطان وأعوانه جميعهم. ويناديهم الله بنفس الاسم ويحفز الصيادين ضدهم. وقد يكون الصيادون هم قوى الملائكة الذين يرافقون الله عندما يظهر على الأرض. فيذهبون مع ملك العظمة والنعمة ويُظهرونه إلى من لا يعرفونه. من هو ملك المجد؟ “الرب القدير الجبار، الرب الجبار في القتال” (مز 24: 8) وقد يكون هؤلاء الصيادون “أرواحًا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص” (عب 1: 14)، أو قد يكونوا الرسل الأطهار أُرسِلوا لكي يصطادون هؤلاء الوحوش” (مت 4: 19). لأنهم لا يقدرون أن ينجزوا عملهم في اصطياد الرجال أو يمسكوا بالنفوس التي خلصت بشباك كلماتهم، إلا إذا أبعدوا هذه الوحوش من أماكن اختبائها، وينتزعوا هذه الثعالب الصغيرة من قلوب الرجال حيث يختبئون. وعندما تتوقف الثعالب الصغيرة عن الاختباء في قلوب الناس استعدادًا للخروج والقتال، يُوجد الرسل مكانًا لابن الإنسان حيث يسند رأسه لأنه يقول: “ليس له أين يسند رأسه” (مت 8: 20) يمكن أن نتعرف على مجد القوة الإلهية الذي لا يمكن التعبير عنه من الأوامر التي أعطيت حسب النص لأي من الصيادين. لأن الله لا يقول: اِصطاد الخنزير البري في الغابة والذي يخرب الكرم والربأ والخنزير البري الذي يعيش وحيدًا أو الأسد الثائر أو الحوت العظيم أو ثعبان الأعماق. سيوضح الكلمة لصياديه ما هي القوة التي يمتلكها الذين يقفون ضدنا بسرد أنواع الوحوش التي سبق ذكرها. وبدلاً من ذلك تقول أن جميع هذه القوى الأرضية التي نحارب ضدها مثل الرئاسات وأصحاب السيطرة، والقوى الكونية للظلمة، والأرواح الشريرة كلها هي “الثعالب الصغيرة”، وهي كائنات بائسة ومتشردة بالمقارنة بما عندكم من قوة. إذ انتصرتم على مثل هذه القوى، فإنكم ستحصلون على النعمة التي تكون لكم. ستبتدئ كرم طبيعتنا البشرية في حمل عناقيد العنب وزهور حياة الفضيلة. “أقبض على الثعالب الصغيرة التي تفسد كرم العنب لأن كرمنا ينتج عنبًا طريًا”.
سمع الكرام باِهتمام إلى الأوامر الإلهية مثل المرأة التي قال عنها داود، “امرأتك مثل كرمة مثمرة (مز 128: 3). أنها رأت نفسها بعيدة عن القوة المدمرة لهذه الوحوش بواسطة قوة من أمرها، وفي الحال وهبت نفسها لراعيها الذي أزال الحائط الحاجز. فلا يحجز حائط الوصايا الاِتحاد بينها وبين الواحد الذي ترغبه. وهي تقول: “أنا لحبيبي وحبيبي لي الراعي بين السَوْسن. إلى أن يفتح النهار، وتنهزم الظلال أرجع وأشبه يا حبيبي الظبيْ أو غفر الأيائل على الجبال المشبعة” [ع17]. أي أنها عرفته وجهًا لوجه، الواحد الذي يعيش منذ الأول، ومن أجل خلاصي جاء في صورة إنسان إني استريح فيه وأسكن. لأنه هو الراعي الصالح الذي يرعى غنمه ليس بالعُشب بل بالنرجس النقي. حقيقة إنهم لا يتغذون على العشب، فالعشب هو الغذاء الصحيح للحيوانات الغير عاقلة، ولكن الإنسان عاقل ويتغذَّى على الكلمة الحقيقي. أما إذا اكتفى الإنسان بالعشب، فسوف يتحول إلى عشب “كل جسد عشب وكل جماله كزهر الحقل” (إش 40: 6)، طالما هو جسد. أما إذا تحول الشخص إلى روح وولد من الروح، فلا يتغذى بعد ذلك على العشب بل يتغذى على الروح، التي ترمز إليها بنقاء النرجس ورائحته الزكية. وسيتحول إلى نرجسة نقية وعَطرة، فلقد تغيّر حسب المادة الطيبة التي يأكلها. هذا هو اليوم الذي أرسل فيه أشعته إلى الأرقام، وبالأحرى، أنه “استنشق إلى الأمام” لأن الصوت الإلهي يسمى هذا “زفيرًا” وهو اِنتشار الأشعة بواسطة الروح القدس. وبواسطة نوره تختفي ظلال الحياة. ويُسرع هؤلاء الذين لم تُضأ عيون نفوسهم بواسطة نور الحق، وراء تلك الظلال. وهم يعتبرون الظلال، الباطلة كأنها حقيقة بينما ينظرون إلى الحق على أنه غير موجود. ولكن هؤلاء الذين تغذوا على النرجس، أي الذين نمت وترعرعت نفوسهم على تغذية عطره ونقائه، قد خلَّصوا أنفسهم من كل مظاهر الظلال والخداع التي يسعى الناس إليها أثناء هذه الحياة. لقد أصبحوا أولاد النور والنهار، وسوف يتعرفون على المادة الحقيقية للأشياء.
وترى العروس هذه الأشياء وتحفز الكلمة لكي يحقق لها آمالها: “إلى أن يفيح النهار وتنهزم الظلال ارجع وأشبه يا حبيبي الظبيْ أو غُفر الأبائل على الجبال المشبعة” [ع17].
“شكله مثل غزال الذي يعرف أفكار الناس ويقرأ ما في قلوبهم. أبيد ابن الشر كما يحطم ذكر الغزال الصغير الحية. أنت ترى الجبال الفارغة لحياة الإنسان ومعظمها وِدْيانًا وليست قمم. “لذلك يجرى بسرعة على الجبال التي أصبحت وِدْيانًا، لأن من يرفع نفسه ضد الحق يصبح حفرة وليس جبلاً، شقًا عميقًا في الأرض وليس ارتفاعًا. ويقول إذا أسرعت في الجري على هذه؛ “كل وطاء يرتفع وكل جبل وأكمة ينخفض ويصير المعوج مستقيمًا والعراقيب سهلاً” (إش 40: 4). هذا ما تقوله النفس التي غذاها الكلمة ليس على الأشواك أو العشب، ولكن على عبيق النرجس الجيد للحياة النقية. ليتنا نحن أيضًا نمتلئ ونتغذى على مثل هذا النرجس بواسطة الكلمة، الذي له المجد والقوة إلى الآبد آمين.
يتبع…..
القديس غريغوريوس النيصي
 
قديم 26 - 07 - 2016, 05:56 PM   رقم المشاركة : ( 13688 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,513

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الفضيلة تنمو إلى أعلى وتنظر لما هو فوق

سفر نشيد الأنشاد

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كالسوسنة بين الشوك كذلك حبيبتي بين البنات” [ع2].
إننا نرى تقدمًا عظيمًا في ارتفاع النفس، كانت الخطوة الأولى في الارتفاع هي مقارنة العروس بالخيل التي حطمت قوى المصريين. وكانت الخطوة الثانية عندما أصبحت العروس رفيقًا للعريس ومقارنة عيونها بالحمامة. وتتكون الخطوة الثالثة في تسمية العروس ليس كرفيق ولكن “بأخت” الرب. “كل من يعمل مشيئة أبي الذي في السموات، هو أخي وأختي وأمي” (مت 12: 50). فعندما تصبح النفس زهرة لا تجرحها التجارب الشائكة خلال تطورها إلى نرجسة، وتنسى الناس وبيت أبيها وتنظر إلى أبيها الحقيقي. لذلك تسمى أخت الابن لأنها حصلت على هذه العلاقة بواسطة روح التبني وابتعدت عن ملازمة بنات الآب الكاذب. وهكذا تصبح أكثر سموًا وتنظر إلى السر من خلال عيون الحمامة. وأعني بذلك أنها تعمل ذلك بواسطة روح النبوة. إنها ترى الآتي: “كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين” [ع3]. فإذا رأت العروس؟ يطلق الكتاب المقدس كلمة “غابة” على الناحية المادية من الحياة البشرية الممتلئة بكثير من الانفعالات. وهنا تعيش الحيوانات المخربة في داخل شقوقها. أنهم عاجزون في وضح النهار وتكمن قوتهم في الظلمة. وتخرج الحيوانات من مخابئها بعد غروب الشمس ومجيء الليل كما يقول النبي (مز 104: 20). لذلك فالحيوان الوحيد الذي يتغذى في الغابة الكثيفة قد دمر جمال الطبيعة البشرية. وكما يقول النبي: “يفسدها الخنزير من الوعر ويرعاها وحش البرية” (مز 79: 13). من أجل هذا نمت شجرة التفاح وسط الأشجار الكثيفة، ولأنها مصنوعة من الخشب فإن لها مادة تشبه الطبيعة البشرية وجربت بكل وسيلة حين كانت بلا خطية. (عب 4: 15). وتختلف شجرة التفاح عن غيرها من الأشجار لأنها تحمل فاكهة تعطي عذوبة للنفس وهذا يجعلها تختلف عن غيرها من الأشجار كاِختلاف النرجس عن الأشواك.
يبهج النرجس حاستيّ النظر والشم، وعلى جانب الآخر تُفرِّح شجرة التفاح ثلاث حواس وهي: جميلة يُنظر إليها، ولها رائحة ذكية، وفاكهتها ذات طعم حلو. ترى العروس فرقًا بينها وبين سيدها لأنه بكونه نور، فهو مسرَّة لعيوننا، ورائحة ذكية لأنوفنا، وحياة لمن يأكله. يقول الكتاب: “هذا هو الخبز الذي نزل من السماء. ليس كما أكل آباؤكم المنّ وماتوا. من يأكل هذا الخبز فإنه يحيا إلى الأبد” (يو 6: 58)، تصير الطبيعة البشرية كاملة وتتحول إلى زهرة من خلال الفضيلة، إنها لا تزوِّد الراعي بالغذاء لكنها توفر زينة لنفسها. فهو ليس بحاجة إلى صلاحنا، ولكننا نحتاج إلى صلاحه. كما يقول النبي: “قلت للرب أنت سيدي. خيري لا شيء غيْرك” (مز 15: 2).
لذلك تنظر النفس النقية إلى عريسها وهو على هيئة شجرة التفاح بين أشجار الغابة. وهي تبحث لكي تُطعم على نفسها؟ جميع أغصان الأشجار البرية بالغابة، وتُعدهم لكي يزهر والإنتاج ثمارًا مماثلة. لقد فهمنا أن البنات (الأشواك) هم أطفال الأب الكاذب، وأنهم نموا مع الزهرة واِرتقوا إلى جمال النرجس. هكذا عندما نسمع أننا نقارن الأشخاص بأشجار الغابة، فإننا نفهم أنهم لا يرمزون إلى أصدقاء العريس بل إلى أعدائه. جميعكم أبناء ظلمة وأبناء غضب ( 1تس 5:5). ولكن الله يغيِّرهم إلى أبناء النور والنهار من خلال الشركة مع الثمرة، لذلك تقول النفس التي تدربت حواسها: “وثمرته حلوة لحلقي” [ع3]. إن الثمر ما هو إلا تعاليم الله، كما يقول النبي: “كلماته حلوة لحلقي أكثر من الشهد لفمي” (مز 118: 103). “كالتفاح بين شجر الوعر” [ع3]. تزداد حواس النفس حلاوة حسب كلمة العريس عندما تظللنا شجرة التفاح وتحمينا من لهيب الإغراء، وتمنع تأثير أشعة الشمس الحارقة على رءوسنا العارية. ولكن لا يمكن للنفس أن تنتعش في ظل شجرة الحياة إلاّ إذا كان عندها اشتياق ورغبة كبيرة، لذلك توجد الرغبة بداخلك لكي تخلق شعور جارف نحو شجرة التفاح، التي يتعاظم الاِستمتاع بها لمن يقتربون منها. فتنتعش العين برؤية جمال التفاح، وتستنشق الأنف رائحتها الذكية، ويتغذى منها الجسم، ويتمتع الفم بمذاقها الحلو، وتبتعد عنا حرارة الجو ويصبح ظلها مثل مقعد مريح لتجلس عليه النفس، بعد أن ترفض كرسي المرض الخطير (الخطية).
ثم تقول العروس “ادخلي إلى بيت الخمر وعَلَمُه فوقي محبة. اِسند بأقراص الزبيب. انعشوني بالتفاح فإني مريضة حبا” [ع4].
آه كيف تشبَّه النفس بالحصان الذي يجري على الطريق المقدس. كيف تقفز وتجري في قفزات متجهة إلى ما يقع أمامها ولا ترجع إلى الخلف. وبالرغم من ذلك فهي لا زالت عطشانة. لقد أصبح عطشها شديدًا لدرجة أنها لم ترتوِ بكأس الحكمة. فلم يكف الكأس كله ليطفئ ظمأها. إنها تبحث لكي تذهب إلى بيت الخمر نفسه لتضع فمها على البرامي التي تخرج منها فقاقيع الخمر والكرمة التي غذَّت العناقيد، وأخيرًا لترى راعي الكرمة الحقيقية الذي اِهتم بالعناقيد وجعلها حلوة. ولا يلزم هنا أن نشرح بالتفصيل جميع هذه العناصر فالمعنى الرمزي لكل منها واضح. ترغب العروس أن تعرف السر الخاص بملابس العريس التي صار لونها أحمر نتيجة للمشي في معصرة العنب. ويقول النبي عن هذا السر: “ما بال لباسك مُحمَرّ وثيابك كدائس المعصرة” (إش 63: 2)؟
من أجل هذا وأسرار أخرى شبيهة به ترغب العروس أن تكون داخل البيت الذي يحوي سر الخمر. وبعدما دخلته، ابتدأت في القفز إلى أعلى لكي تصل إلى ما هو أعظم لأنها. كانت تبحث لكي تقع في الحب. وتبعا للقديس يوحنا، الله محبة (1 يو 4: 8). إن خضوع النفس لله هو الخلاص، كما يشير داود (مز 61: 2). “أدخلني إلى بيت الخمر وعَلَمُه فوقي محبة” [ع4]. تقول العروس ضع حبه فوقي إني خاضعة لحبه فكلا الجملتين لهما نفس المعنى.
نتعلم هنا من العروس نظرية معرفة وهي حبنا الذي نقدمه لله ومعاملتنا للناس. يجب أن نعمل كل شيء بنظام خصوصًا ما يتعلق بالحب. فلو اِتبع قايين الترتيب الصحيح، أي لو أبقى ما احتاجه لنفسه ثم وهب الباقي لله (تك 4: 7). كان يجب على قايين أن يقدم المولود الأول من قطيعه، ولكنه أبقى لنفسه الأحسن وقدم الباقي لله.
إنه من المهم أن نعرف ما هو ترتيب الحب، والوصايا هي التي تقودنا، لذلك كيف يحب الشخص الله ثم الجار والزوجة والعدو لئلا يضيع الترتيب في ممارسة الحب ويتغير اتجاهه إلى عكس ما أريد له. يلزم أن تحب الله من كل القلب والروح والقوة والشعور والجار كنفسك (تث 6: 5). وإذا كان لنا نفوسًا نقية فيجب أن نُحب زوجاتنا كما أحب المسيح الكنيسة. وعلى جانب الآخر، إذا كنا خاضعين للانفعال، فيجب أن نحب زوجاتنا كما نحب أجسادنا كما يحثنا الرسول بولس المرجع في هذه الأمور (أف 5: 25). يجب أن لا نجازي أعداءنا شرًا بشر ولكن نجازي الظلم بالعمل الطيب.
والآن نلاحظ أن الكثير من الناس تختلط عليهم الأمور ويمارسون الحب بلا ترتيب، فحبهم غير متزن وينقصه الاتجاه الصحيح. فيحبون المال والشهرة والنساء – بعض الأحيان بانفعال – بكل أرواحهم وقوتهم. ويظهرون أنهم قد يضحون بحياتهم مسرورين من أجلها. ولكنهم يحبون الله فقط على سبيل التظاهر. وقليلاً ما يظهرون حبًا لجارهم الذي كان يجب أن يظهروه للأعداء، أو لمن يكرهونهم، واِتجاههم هو أن يردوا شرًا أعظم مما وجه إليهم. لذلك تقول العروس: “أعطي أمرا للحب بداخلي، حتى أقدم لله ما يحق له، وحتى لا أفقد المقياس الصحيح لكل شيء آخر”. ويمكن أن نفهم النص أيضًا كالآتي: بالرغم من أني قد قُدم لي الحب أولاً، فإني جابهت عدوى نتيجة لعصياني، ولكني الآن تصالحت مع العريس وارتبطت معه بالحب. اثبتوا في داخلية هذه النعمة المرتبة، والتى لا تتغير يا رفاق العريس، خلال رعايتكم واِهتمامكم احفظوا بحزم ميولي نحو الأفضل.
وبعدما قالت العروس هذه الكلمات اِنتقلت إلى أمور أكثر سموًا، وهي أنها تبحث في أن تدعمها الروائح الذكية حتى تحفظ بما عندها من صفات جيدة. “اسندوني بالروائح الذكية” [ع5]. يا لهذا السند الفائق! كيف تكون الروائح الطيبة أعمدة لدعم المنزل؟ كيف يُرفع السقف المكوّن من مواد ذات أوزان ثقيلة على الروائح الذكية؟
غرسَ الله الفضائل فينا بأنواعها المختلفة، ولكن ليس واضحا أن كلا منها سُمي حسب عملها. لأن عمل الفضيلة ليس فقط معرفة الخير والمساهمة في فعله، ولكن أيضًا التمسك به وعدم الحياد عنه. لذلك فالشخص الذي يرغب أن تدعمه الروائح الذكية يهدف إلى مثابرة في الفضيلة. الروائح الذكية هي الفضيلة لأنها منفصلة عن كل روائح الخطية الكريهة.
إن الجزء التالي في النص أيضًا لهو فائق، وهو بالتحديد الدعم الذي ترغبه العروس لبيتها. إنها لا تطلب شجيرات تحمل أشواكًا أو قشًا أو دريسًا، أو كما يقول الرسول ليس خشبًا أو دريسًا أو قشًا (1 كو 3: 12)، وهي المواد التي تبنى بها المنازل. إنها طلبت بدلاً من ذلك تفاحًا لكي يكون دعامة قوية لسقف هذا البيت. وهي تقول: “أنعشوني بالتفاح” [ع5]، وذلك لكي تكون هذه الفاكهة الكل في الكل لها (أنظر 1 كو 3: 12). الجمال، الرائحة الذكية، والمذاق السكري، الشبع، والتمتع بظلها، كرسي للراحة، عامود صلب وسقف للوقايه.
إن الجمال بُفلارح (كلمة غير مفهومة بالنص العربي) الناظرين والرائحة الذكية متعة لحاسة الشم والتغذية لازمة للجسم وتشبع حاسة التذوق، والظل يُنعش بعد حرارة الشمس، والكرسي يُريح من التعب، وسقف المنزل حماية للسكان، والعامود يعطي دعامة وثباتًا، وشجرة التفاح الجميلة تزيِّن السقف. إنه لمنظر بديع حقًا عندما تُعرض ثمار التفاح بعد نضجها فألوانها الحمراء والبيضاء تعطي العين منظرًا جميلاً متعدد الألوان تتدرج فيه من الأحمر الداكن إلى الفاِتح ثم الوردي والأبيض. ويصبح هذا المنظر رائعًا لو رفعنا هذا العرض إلى أعلى. إنه ليس مستحيلاً أن ننجز ذلك في عمل الخير الروحي، لأن مثل هذا النوع من الثمار ليس ثقيل الوزن فلا ينجذب ناحية الأرض، لأن مثل هذا العمل يميل طبيعيًا إلى أعلى.
فالفضيلة تنمو إلى أعلى وتنظر لما هو فوق. لذلك، ترغب العروس أن يُزيّن سقف منزلها بجمال ثمرات التفاح. ماذا يتضح لنا من النص هنا؟ طبعًا ليس فقط المنظر الجميل للتفاح على السقف. ما هو الطريق إلى الفضيلة الذي يوجد في هذه الكلمات إن لم نقتبسه من التفسير المناسب لها؟
ما هو اقتراحي إذن؟ إن الواحد الذي ظهر في غابة طبيعتنا البشرية بسبب حبه للبشر، أصبح تفاحة باشتراكه معنا في الجسد (اللحم والدم). وكل من هذه (اللحم والدم) يقابله أحد ألوان التفاح. فاللون الأبيض يمثل لون اللحم أما اللون الأحمر فيمثل الدم. لذلك، عندما تفرح النفس في الأمور السمائية فإنها ترغب أن ترى تفاحًا على السقف، وهكذا ترى ما هو فوق وتركز على التفاح، فيقودها هذا إلى الطريق السمائي للحياة حسب تعاليم الإنجيل. الذي جاء من الأعالي والذي هو فوق الجميع. أرانا الطريق من خلال ظهوره في الجسد، فقد كان لنا مثالاً عاليًا لكل فضيلة وصلاح. وكما قال السيد المسيح: “تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب” (مت 11: 29). وقد تكلم الرسول في نفس الموضوع عندما تحدث عن الاِتضاع، ودعوني أقرأ النص لأوضح الحقيقة العامة: يقول بولس ينظرون إلى أعلى “فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح أيضًا. الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب فله أن يكون معاملاً لله. لكنه أخلى نفسه آخذًا صورة عبد” (في 2: 5). لقد شاركنا حياتنا بالجسد والدم وبإرادته أخذ هذا. تقول العروس، “اِنعشوني بالتفاح”، حتى أبقى باستمرار ناظرة إلى أعلى، فأرى على الدوام صور الفضيلة واضحة في عريسي. ففيه أرى الوداعة، الخلوّ من الغضب، التصالح مع الأعداء، حب الذين يسببون له الضيقات مقابلة الشر بالخير كما أرى القوة والنقاء والصبر وليس به أي أثر للمجد الباطل أو الخداع.
وبعد ما قالت ذلك، مدحت العروس رامي الرمح على تصويبه الدقيق، لأنه رماها بسهمه. فقالت العروس: “إني مجروحة حبًا” [ع5]. تعني هذه الكلمات أن سهام العريس قد نفدت إلى داخل قلبها. إن مُصوّب هذه السهام هو الحب (1 يو 4: 8)، الذي يرسل “سهمه المختار” (إش 49: 2)، الابن الوحيد، إلى هؤلاء الذين يخلصون، ثم يغمس سن السهم الثلاثي في روح الحياة. وسن السهم هو الإيمان، وبواسطته يقدم الله مُصوِّب السهم، وكذلك السهم معًا إلى القلب، كما يقول السيد المسيح: “إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلاً” (يو 14: 23).
لذلك فالنفس التي ارتفعت إلى درجات إلهية عليا ترى بداخلها سهم الحب العذب الذي جرحها، وتفتخر بهذا الجرح قائلة: “إني مجروحة بالحب”. أيها الجرح الجميل، والسهم العذب، الذي أدخل الحياة إلى قلبي! فلقد فتح نفاذ السهم بابًا ومدخلاً للحب، وهي التحول الخيالي من رمي السهام إلى فرح العرس.
كلنا يعرف كيف يقبض رامي السهام على القوس وتعمل يداه المضبوطة، فتمسك اليد اليسرى بالقوس، بينما تجذب اليد اليمنى الوتر المرن، وهكذا يتحرك السهم إلى الخلف بطرفه المشقوق. ثم توجِّه اليد اليسرى السهم إلى الهدف. ذكرنا سابقًا أن العروس كانت الهدف، والآن ترى نفسها كأنها السهم في يديّ صاحب القوس. فيمسك بيده اليمنى بطريقةٍ ما، وبطريقة أخرى بيده اليسرى…
الله هو العريس ومصوِّب السهم، وهو يعامل النفس النقية كالعروس، يصوِّبه سهمه نحو هدف طيب. لذلك فهو يسمح لعروسه أن تشارك أبديته التي بلا فساد، وينعم عليها بسنين وحياة طويلة بيده اليمنى. ويعطيها بيده اليسرى هبة حياته الأبدية، وعظمة الله التي لا يشاركه فيها من يبحثون عن العظمة في العالم. من أجل ذلك تقول العروس: “شماله تحت رأسي” [ع6]. لأن هذه هي الطريقة التي يُصوَّب بها السهم إلى هدفه. “ويمينه تعانقني“. وكأن العروس تقول إن يمين الله تستقبلني وتسحبني إلى الخلف، لكي تريح رحلتي إلى أعلى حيث يوجهني دون أن أنفصل عن يد حامل القوس. وفي نفس الوقت سوف أُحمل بعيدًا بعمله في التصويب وإني أشعر براحة بين يدي حامل القوس: تقول الأمثال عن صفات هذه الأيادي: “في يمينها طول أيام، وفي يسارها الغنى والمجد” (أم 3: 16).
تخاطب العروس بنات أورشليم السمائية. تعبر بواسطة تشجيعهن على هيئة قسم بأن الحب قد يتضاعف ويزيد باستمرار حتى يتمم إرادة ذاك الذي يريد أن الكل يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون (1 تي 2: 4). ويقول النص: “أحلفكن يا بنات أورشليم بالظباء وبأيائل الحقول ألاّ تُيْقِظن ولا تُنبِّهن الحبيب حتى يشاء” [ع7]. فالقسم هو ما ينطق مع ضمان صدقه. ويعمل بطريقتين: فإمَّا إنه يؤكد الحقيقة لمن يسمهونه، أو يُلزم الشخص الذي أقسَم بأن لا يكذب. وكما تقول المزامير: “أقسَم الرب لداود بالحق لا يرجع عنه. من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك” (مز 132: 11). في هذه الحالة ويتأكد صدق الوعد بالقَسم.
عندما كان إبراهيم متهمًا بأن ابنه يجب أن يتزوج من عائلة نبيلة (تك 24: 2-9)، أمر خادمه أن لا يختار امرأة كنعانية محكوم عليها بالعبودية كزوجة لاسحق حتى لا يتلوث دم أحفاده النبيل باختلاطه بدم سلالة العبيد. أراد إبراهيم أن يتحد ابنه بالزواج من امرأة تعيش في موطنه الأصلي، لذلك ألزم عبده بأن يُقسِم بأن يعمل حسب ما أوصاه لابنه بغير إهمال.
لذلك كان العبد مقيدًا بوعده لإبراهيم لكي يرتب الزواج المناسب لاسحق.
وكما قلت قبلاً أن القَسَم يعمل بطريقتين في النص الحالي تتقدم الروح نحو الأعالي كما رأينا. وفي نفس الوقت تنصح النفوس التي لم تصل بعد إلى نفس المستوى إلى طريق الكمال، وتستخدم القسَم ليس لكي تؤكد لهم التقدم الذي وصلت إليه، ولكن تقودهم من خلال القسم إلى حياة الفضيلة. وتأمرهم أن يحفظوا حبهم متيقظًا وساهرًا إلى أن يتحقق إرادته الصالحة، أي إلى أن يخلص الجميع ويدركون الحق (أنظر 1 تي 2: 4).
إن قَسَم إبراهيم كان على فخذه (تك 24: 2، 9)، وحدث بواسطة “مقدرة وقوة الحقل” لذلك يقول النص: “أُحلفكن يا بنات أورشليم بالظباء وبأيائل الحقول ألاّ تيْقظن ولا تُنبهن الحبيب حتى يشاء” [ع7]. ثم معنى كلمة “قوى” و “مقدرة”، وهل يختلف معنى كل منها عن الآخر أم لها نفس المعنى. ثم يتلو ذلك أن نبحث عن معنى إثارة وإيقاظ الحب. لقد سبق تفسير العبارة “حتى يشاء”.
يتضح أن السيد يعني بكلمة “حقل” العالم (مت 13: 38).
سينتهي شكل هذا العالم لأنه بطبيعته غير ثابت. وهذا واضح في سفر الجامعة الذي يعلن أن مرئي أو متحرك باطل (جا 1: 2). ما هي إذن قوة هذا “الحقل” العالم؟ ما هي القوة التي لا تسمح بالفكر وتمتعه بواسطة القَسَم على بنات أورشليم لينقُضْنه؟ إذا نظرنا إلى الحقيقة الظاهرة لهذه القوة، فإن الجامعة ترفض مثل هذا الفرض. (جا 1: 2)، يُسمي “باطل” كل شيء نراه، ويعيش في الواقع المرئي. الباطل ليس له مادة، وما ليس به مادة ليست له قوة. وقد نحصل على إشارة عن معنى النص من استعمال صيغة الجمع لكلمة قوة. نجد توضيحًا للكلمات من هذا النوع في الكتابات المقدسة، فعندما تستعمل كلمة قوة في صيغة المفرد فإنها تعني قوة الله بينما حينما تُستعمل في صيغة الجمع فإنها تعني قوة الملائكة. فمثلاً “المسيح” قوة وحكمة الله (1 كو 1: 24). يوضح هنا استخدام كلمة قوة بصيغة المفرد على أُلوهية السيد المسيح. وعلى الجانب الآخر نجد في (مز 103: 21) “باركوا الله في جميع قواته”، وهنا توضح صيغة الجمع الطبيعة الروحية للملائكة. إن التعبير “المقدرة” التي تُستخدم مع كلمة قوة تركز أكثر على المعنى. ويعمل الوحي الألهى في بعض الأحيان على جعل المعنى أكثر تأكيدًا باستخدام كلمات لها نفس المعنى. خذ كمثال التعبير الآتي: “الرب صخرتي وحصني ومنقذي. إلهي صخرتي به اَحتمي. تُرس وقرن خلاصي وملجأي. أدعو الرب الحميد فأتخلص من أعدائي” (مز 18: 2-3). فكل كلمة تعبر عن نفس المعنى، ولكن اسستعمال الكلمتين معًا يُعطي تأكيدًا للعبادة. لذلك فاستخدام صيغة الجمع لكلمة قُوى وكلمة مقدرة بنفس المعنى تشير إلى طبيعة الملائكة. لذلك فالقَسَم يُلزم النفوس التي لا تزال في مرحلة التلمذة لكي يؤكد لهم ما قد درسوه. إنهم سوف لا يُقسمون بالدنيا الزائلة، ولكن بالطبيعة الملائكية الدائمة باستمرار. إنهم يُشجعون لكي يكونوا متنبهين للملائكة الذين يؤكدون الحياة الثابتة والمستمرة للفضيلة.
لقد وُعدنا بحياة مشابهة لحياة الملائكة بعد القيامة من الأموات، والذي وعدنا بذلك هو صادق. لذلك يجب أن تكون الحياة في هذا العالم مرحلة للترتيب للحياة التي نترقبها. وبالرغم من أننا نعيش في الجسد خلال مرورنا في الحقل هذا العالم، يجب أن لا نعيش حسب الجسد ولا نتبع أساليب الحياة في هذا العالم، بل نفكر بعمق في الحياة الآتية أثناء وجودنا في هذه الحياة. لذلك تُثبِّت العروس النفوس التي تدربها من خلال القسم، أثناء حياتهم في “حقل” هذا العالم. وسوف يُوجِّهون نظرهم إلى “القُوى” ويقلِّدون النقاء الملائكي بواسطة اِنفصالهم عن الجسديات. وهكذا ينمو الحب ويتجدد، أي أنه يرتفع ويزدهر باستمرار إلى نمو عظيم. لتكن مشيئة الله العظيمة “كما في السماء كذلك على الأرض” (مت 6: 10)، عندما نأخذ طبيعة الملائكة. هذا هو ما نفهمه من “أحلفكن يا بنات أورشليم بالظباء وبأيايل الحقول ألاّ تيقظن ولا تنبهن الحبيب حتى يشاء”. وإذا وجدنا نصًا آخر يقرِّبنا من الحق الذي نبحث عنه، ليتنا نستقبله كنعمة وبركة ونشكر الله الذي يكشف لنا بواسطة الروح القدس الأسرار المخبَّأة في المسيح يسوع ربنا له المجد والعزة إلى الأبد آمين.
يتبع…..
القديس غريغوريوسالنيصي
 
قديم 27 - 07 - 2016, 02:09 PM   رقم المشاركة : ( 13689 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,513

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

المواطنه وأحداث الفتنة
مقاله القس أنجيلوس جرجس
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

ثلاثة أحداث طائفية متكررة في شهر واحد تخبرنا عن خلل هام في منظومة المجتمع والقانون وسياسة الدولة. والثلاثة بنفس الشكل إشاعة عن بناء كنيسة ثم نداء طائفي متطرف لإنقاذ أرض المسلمين من دار الكفر التي في ذهنهم وهي الكنيسة، ثم تجمع مئات الرجال كبار وصغار مسوقين بوازع ديني متطرف يهدمون ويحرقون مساكن الأقباط ووصل الحال للقتل والحرق. وتتوالى الأحداث المتكررة، الأمن يأتي بعد الحريق ويقبض على مسلمين وأقباط ثم يأتي دور المصالحة بنفس الطريقة المعتادة، وكأنها وجبات جاهزة نخرجها من الثلاجة وقت الحاجة وندخلها في فرن نار الفتنة لتكون معدة. يجلس الأطراف للصلح وتعرض القيادة السياسية في المحافظة تعويض ويضغط الأمن على الأقباط لقبول الصفقة وينتهي الموضوع. وبعد عدة أيام تحدث نفس الحالة وذلك لأننا لم نحلل تلك الظاهرة ولم ندرس الأسباب ولم نهتم بالنتائج. ولا تريد الأجهزة المعنية أن تحل تلك القضايا إما تهاوناً أو تطرفاً أو اعتياداً لأن الطرف المعتدى عليه دائماً هم الأقباط وهم لاحول لهم ولا قوة أمام العنف والتطرف والقوانين العاجزة والشعارات الرنانة دون حقيقة واقعية.
ويطلب أعضاء مجلس الشعب الأقباط من المجلس مناقشة الفتنة وحلها فنرى تجاهل تام وعدم الاهتمام بها، وهذا له تأثير سلبي على شعور الأقباط بالمواطنة أو العدل. وأخشى أن يترسخ عند الأقباط شعور بأن الوطن الذي طالما كانوا له أوفياء في كل تاريخهم لم يكن هو وفياً لهم طيلة أيامهم.




 
قديم 27 - 07 - 2016, 02:25 PM   رقم المشاركة : ( 13690 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,513

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

هم مخطئون
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الله فى الجسد البشرى هو وصف يوحنا 14:1 ليسوع، رسالة الله المطلقة
(راجع عبرانيين 1:1-3).
بالطبع هذا لغز لا يمكننا فهمه بالكامل. هو ابعد من تجاربنا البشرية وواقعنا المحدود.
نقاد يسوع يريدون ان يوصفوه بسهولة كشخص لا يمكن ان يكون المسيح لأنهم يظنون انهم يعلمون من اين آتى.
هم مخطئون. يظنون انه من الناصرة وليس بيت لحم. نحن نعرف على نحو افضل.
لقد كانوا مخطئين اكثر، لأن يسوع فى النهايى ليس من بيت لحم؛
هو "من فوق." يسوع يرهق خيالنا ويفيض كأس تعجبنا كما نسعى ان نفهم انه مخلصنا، الرب يسوع.
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 02:37 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024