22 - 07 - 2016, 06:50 PM | رقم المشاركة : ( 13631 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عجائب القديسين كيروس ويوحنا(8)
عن يوليانوس الأمير الذي شُلت كل أعضائه بسبب تصرف خاطئ يوليانوس المشهوربثروته الكبيرة بالإضافة إلى ما كان يملكه من صلاح وتقوى، فقد كان من جنس شريف ومعروفاَ لدى الجميع بلياقته يوليانوس هذا قد اعتراه مرض عضال ونال شفاء عظيم ، تاركاً ورائه سيرته علامة للجميع لتمجيد القديسين . اشتهر يوليانوس بشبابه بالإضافة إلى غناه ، ولكنه أُعتبر أبو الخلاعة ومعلماً لكل دنس . وإذ قد تولدت فيه الشهوة وخضع لها ، كانت تزداد لديه وتقوده وكانت تحاربه من جهة ثروته بالإضافة إلى جسده ، حتى انتصرت عليه وجعلته أسير واستعبدته وكانت ترغمه أن يعمل ما تريده به ، غير جاسراً أن يتصدى لهذه القوة التي كانت تأمره . كما كان يفعل إسرائيل القديم الذي كان يعمل في مصر لأجل أجرة . وكأنك تنظر إلى شخص عليل ضعيف راكباً على فرس هائج , وغير قادر على احتمال ثورتهم ولكنه منقاد إليهم دون إرادته , وممسكاً منهم بشدة ، وفي النهاية يترك اللجام فيهوى هو ومن معه إلى الهلاك . هكذا كانت روح ذلك الشاب مُسيطر عليها من قِبل الغنى كما تملكت عليه الرفاهية والشهوة الجسدية ، فإتجه إلى عمل الدنس وأُذل في أوجاع لائقة بالعبيد . وفي تلك الحالة التي وصل إليها يوليانوس ، وعلى الرغم أنه كان متزوجاً إلا أنه دخل في علاقات غير شرعية ، وإذ كان يملك ينبوع أسري كان يذهب ليرتوي بماء من ينبوع غير أسري ، فقد عشق إمرأة وارتبط بها في الدنس . ولكنه إذ كان مرتبط بزيجة مكرمة ومضطجع غير دنس ، شعر بأضرار العلاقات غير الشرعية فقطع علاقته مع تلك المرأة . أما هي فلم تحتمل الإنفصال عنه وإمتلأت بغيرة دنسة تجاهه ، حاربته بالسم مفضلة موته عن إنفصاله عنها . ولكنها فشلت من الإنتقام منه ، ولكن جعلت جثة هامدة لا فرق بينه وبين الميت ، بسبب السم الذي أثّر على يديه ورجليه ، ودمر كل عضو من أعضاء جسده . أما الله فقد حفظ ذلك الشاب ، وذكر له صلاحه ولم يذكر خطايا شبابه لأن اللههه يتغاضى عن خطايا البشر ولا يسخط علينا في الوقت ذاته ، لكنه يطيل أناته دائماً وينتظر عودتنا وتوبتنا . أما ذاك الشاب فكان منظره يُرثى له ، إذ كانت هناك كارثة تنتظر أسرته ويُتوقع الأسى عوض الفرح لإمرأته الشابة وإثارة الحزن لكل من يرون منظره .لأنه بأرجل آخرين كان يتنقل ، ويستخدم أيدي الآخرين ، وكل ما وهبه الله للبشر ليعملوه بأنفسهم كان يعمله بواسطة آخرين . ومن الأطباء لم يستطع أحد أن ينقذه من هذا الداء ، لا بواسطة الأكل ولا عن طريق المضادات ولا بواسطة دهانات متعددة ولا بأي نوع من المساعدة ، وبالرغم من كل هذه المحاولات كان يزداد الداء غير نافعاً أن يُنقذ بيد بشر أو بواسطة أي معونة بشرية. وعندما رأى ذويه هذا بالضبط ، توجهوا إلى الله والشهيدين ، تاركين مشورة الأطباء ومفضلين المعونة الإلهية . أما الشهيدان القديسان إذ قد حزنوا لأجله ، خففوا عنه الآم أوجاعه الشديدة ووهبوا له أن يحرك يديه ورجليه بالتدريج . ولكن كان هناك سبب جوهري يتعلق ببدعة ، يعوقهم عن شفائه بالكامل .لأن يوليانوس الشاب ، كان تلميذ يوليانوس القديم الذي كان يتبع أبوليناريوس وكان يتبع ذلك الإعتقاد . أما الشهيدان الطوباويان فقد ظهروا له عدة مرات ليلاً ، وكانوا ينصحونه أن يبتعد عن تلك البدعة وأن يقبل إلى شركة الكنيسة الجامعة . وفي مرات عديدة كانوا يظهرون له ممسكين بكأس الرب مملوؤ بجسده ودمه المكرم ، ويحثونه أن يتقدم لهذا ، مظهرين له أنهم يتناولون منه ويدعونه أن يشترك معهم في التناول ، وليس لهذا الحد فقط بل كانوا يوضحون له إعتقاد الكنيسة الصحيح . وقد قاموا بكل هذا وبأكثر من هذا ولكنهم لم يقنعوا يوليانوس ، لأنه لم يرد أن يقتنع ، فعادت له الآلام الأولى مرة أخرى ، وثارت عليه سهام الأوجاع وربطوا رجليه وقدميه كما كانت من قبل ، وازادوا عليه الأوجاع جداً ، حتى يثبتوا له عن طريق الأعمال هذا الأمر ويربطون فمه بأربطة ولجام الذي لم يقبل إلى الله بإيمان صحيح . أما هذا الشاب على الرغم من الإرشادات العديدة والظهورات المتعددة ، وبالطبع قبل كل هذا المعجزة التي حدثت له شخصياً والتي ذكرناها سابقاً ، لم يقوى على أن يتخطى تلك الضربات الصغيرة ، وكان يبكي ويصرخ ويتضرع ويدعو ويعترض ويرفع صلوات متوسلاً للقديسين ، ولكن ليس منجي ولا مخلص ولا رافع للتجربة ولا أحد قادر على المعونة لأن ما حدث كان بسبب سخط القديسين . وبعدما هدّأوا نار تلك العذابات وأعادوا الوداعة لذاك الذي كان قبلاً هائجاً ظهروا له مبتسمين وسألوه أن يخبرهم لأي سبب كان يبكي ويصرخ هكذا . أما هو فكان يخبرهم بأنهم لا يبالون بمرضه ، ويدعوهم أن يساعدوه لأنه في حالة خطيرة . أما الشهيدان الطوباويان فقد ذكّروه بإيمانه في رؤية ووضحوا له أن تلك الآلام التي تضايقه هي بسبب ذلك وأنه لن يتحرر من تلك الآلام لو لم يتخلى أولاً عن الهرطقات التي تسيطر عليه ويقبل لشركة الكنيسة الرسولية . أما يوليانوس فكما قيل له هكذا فعل ، آمن وظل يصلي . وعندما نظر الشهيدان كيف أقبل إليهم هذا الشاب وآمن بما قالوه له تحرر من مرضه المزدوج ، ونال صحة الروح وعافية الجسد لأجل إيمانه . وأنه غير مفيد أن أصمت عن نعمة وعمل القديسين الذي ظهر في مشاركتهم ليوليانوس ، وهو ما يلي : لأنه إذ رأوا أن ذاك يبتعد عن الإيمان السابق ويقبل على الإعتراف بالإيمان الحقيقي للمخلص ، كان يخجل من التناول من الأسرار المقدسة ويظن ذلك عدم أمانة منه ، فعملوا معه عمل عجيب ومبهج . فقد ظهروا له في الحلم كما اعتادوا أن يفعلوا وقالوا ” ها نحن نقترب من ميلاد المسيح ، الذي فيه أرسل الله الآب إبنه الوحيد الجنس ليتجسد ويتأنس . لأنه إحتفال مقدس ومكرم للسكندريين ، أن يذهب أبناء ومدبري الكنيسة الجامعة إلى البيعة التي تُدعى ثيؤنا والتي تنسب إلى القديسة العذراء مريم والدة الإله . فإلى هناك تذهب صائراً واحداً من الذين يحتفلون بهذا الميلاد المقدس ، معدوداً ضمن مؤمني الكنيسة ، ومشاركاً في التسبيح ، ومصغياً إلى القراءات الرسولية ، وسامعاً بوق الأناجيل المقدسة لأنه حتى تلك القراءات تكون موجوداً . ومن بعد إنتهاء القراءات المقدسة ، وكعاداتهم القديمة تخرج خارجاً ، مهيئاً نفسك لما هو غير متوقع ، وإذ قد تخرج من البيعة تظل واقفاً في الطريق . لأن ذلك الموضع مشهور بمدينة الإسكندرية ، ومصمم على هيئة طرق رئيسية ، وفي وسطه تقاطع طرق ومزين بأعمدة ورخام ، ومزدحم بالجمع الغفير وملئ بالأسواق من كافة المحال التجارية ، وإذ قد تمشي فيه مترقباً إنصراف الجموع . وعندما تجد أن الجميع انصرفوا إلى منازلهم ، ودون أن تتوجه إلى أي أحد تذهب إلى البيعة وتتناول من الأسرار المقدسة ، وعندما تعود إلى بيعتنا تهدأ . وعندما يتم هذا الذي قيل لك ستتحرر مباشرة من عار الهرطقة الحالية ، ويبطل الخزي عنك ، وسيكون لك مكافأة الخلاص ، وهذا ما أوصاه به القديسين . أما يوليانوس إذ قد تلقى تلك المشورة من قبِل القديسين خضع لهذا وذهب ليطيع الوصايا . ولكن الأمور لم تكن كما كان يظن وليس كما كان يتمنى أو يحلم ، على الرغم من أنه كان يظن أنه ستتحقق الرؤية . ولكن ما قد رآه القديسين حسناً قد فعلوه ، مبشرين بقول المخلص ” لأنه هكذا يضئ نوركم قدام الناس لكي يروا أعمالكم الصالحة ويمجدوا أباكم الذي في السموات ” . لأنه ما كان يريدون الشهيدين أن ينادوا به على الملأ ، ذاك كان يفكر أن يفعله في الخفاء . وإذ قد أقبل عليه عيد الميلاد المجيد ، تذكر يوليانوس وصايا القديسين ، ذهب إلى البيعة التي يطلق عليها ثيؤنا ، وقد سمع مباشرة الإنجيل والقراءات المقدسة ، وبعد تلك القراءات خرج إلى الشارع وبقى هناك حتى وقت الإنتهاء وبعد خروج المؤمنين وإنصرافهم عاد إلى البيعة مرة أخرى واختبئ فيها وكما توقع تناول من الأسرار ، لأنه إذ اتضع وانحنى ، كما هو واجب ، وتناول من الجسد المقدس ، جاء إلى البيعة ، من بعد تبريره ، أتباع بدعة غيانيتوس ، والذي كان عددهم ما يقرب من مئة ، ليفوا ذلك كالعادة ، محافظين على احترام ومراعين العبادة المعتادة لوالدة الإله . الذين إذ رأوا يوليانوس يتناول ، اندهشوا من تغير هذا الرجل ، وكانوا يمئون لأولئك الذين لم يروه ويشاورون عليه . أما ذاك فإذ قد رفع رأسه بعد أن أخذ في أحشائه الغذاء المحيي ، ورأى أولئك إمتلئ من كل خجل على الرغم من أنه يعلم المعجزة التي حدثت له من قِبل القديسن .وكان يخبر كل الذين يسألونه عن كل شئ ، وأن ما ناله هو من عمل الشهيدين . وبهذه الطريقة حدث انضمامه للكنيسة الجامعة ، بمعجزة ، ومملؤة من المودة والنعمة ، لأن مرض الجسد كان مرتبط بتغيير الروح . أما نحن مكملين ما يخص هذا الحدث ، وممجدين القديسين ، ننتقل إلى معجزة أخرى ونتمم سردها . ترجمة: يوحنا فورتوناس وإيريني مفرودي من المجلد 78 من سلسلة البترولوجيا |
||||
22 - 07 - 2016, 06:51 PM | رقم المشاركة : ( 13632 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عجائب القديسين كيروس ويوحنا(9)
عن يؤانس (يوحنا) ذو الذهب الذي قد تعفنت رجليه: ولنذكر أيضاً يؤانس والذي لُقب ” خريسون ” (ذو الذهب أو الذهبي) ولأنه من غير المعقول أن يُسمى ذو الذهب وهو محروم من الذهب . ولكنه قد نال مقتنى أغلى من الذهب من قِبل نعمة القديسين عليه ، والتي يهبونها بفيض لكل الملتجئين إليهم ، إذ لا يصرفون أحداً فارغاً ، إلا إذا كان شريراً وغير مستحق لعملهم هذا ، وعدم إستحقاقه يرجع لعدم إيمانه ، أو لأن ينوي بإرادته أشياء خبيثة ، وبهذا تظهر غيرة الإيمان التي للقديسين ومحبتهم للأعمال الصالحة . أما يوحنا فإذ كان يصارع من أجل إقتناء المال والألقاب ، أصيب بمرض شديد لم يكن قادراً بسببه على التفوه بأي كلام أو الذهاب للأطباء لنوال الشفاء ، لأن رجليه قد تآكلت وكأنها بسبب سخط إلهي عليه . وإذ قد تعفن الجلد المحيط بالرجل ، حتى أنه من شدة التعفن – والذي كان يحيط بكل جزء من جلده – تعرى لحمه من كل ما يكسوه ، وفقد الغطاء الذي كان موجود بالطبيعة ، وبسبب التعفن السريع الذي حدث بالجلد الذي يحيط بالرجل ، انفصل عن لحمه وسقط من رجله . وإذ قد مر وقت طويل بالمرض مخدوعاً من كلام الأطباء الكاذب ، غير مستفاد منهم بشيء وكأنه كلام متطاير في الهواء ، دون أن يمس الداء . ليس فقط ذلك بل والوقت الطويل للمرض وهو محصوراً تحت ألم شديد ( مستحقاً الشفقة ) وإذ لم ينال أي إستفادة من قِبل الأطباء بالنسبة لمرضه ، فتركهم نهائياً وتوجه إلى كير ويوحنا في المكان المعتبر كعيادة لهم . واما الشهيدان كأطباء حقيقيين أرادوا أن يُظهروا له الفرق بين قوتهم الإلهية وضعف الأطباء ، وفي حلم أظهروا له المساعدة واهبين له طريقة الشفاء ، وهي عبارة عن ملح وكمون يخلطان معاً ثم تدعق به كل الرجل حتى تُزرع مرة أخرى الرجلين . وهذا ما فعله بالضبط المريض بمجرد إستيقاظه إذ قد تممه مباشرة فخلص نفسه من الآم شديدة وعظيمة وليست قليلة . هذا الذي كان عن قريب من المصير العام وهو الموت والانهيار فبتأثير الكمون والملح كان يلتئم وبمشورة الشهيدين كان يتقوى وبأمرهم الإلهي يطرد الموت المنتظر . وهكذا نمجد الله وعمل الشهيدان في هذه المعجزة . عن بافلو ( بولس ) الذي كانت رأسه ممتلئة بالديدان : كان بافلو شخص فقير جداً ولايملك أي ذهب وقد أصابه ألم ومرض لا يُحتمل ، كان يشتاق أن ينال الصحة من قِبل الشهيدين ، وكان يأمل أن ينال الشفاء بواسطتهما . وإن كان هناك قد فاز بدواء لفقره ، فهنا قد نال الشفاء من مرضه . وهذا كان مرضه ، وهكذا نال الشفاء . كانت رأسه تؤلمه كثيراً وكان من الصعب وصف الآمه ، فقد بدأ بالألم والصراخ وعدم النوم وبعد ذلك ظهر الورم الذي كشف عن سر هذه الآلام . ولكن على الرغم من الآلام الموجودة لم يُكتشف وجود الورم . وهكذا بدأ بعض الأطباء أن يُرجعوا سبب الألم لوجود شيء بالدم ، وآخرون قالوا أنه قد يكون بسبب تجمع صديدي مكان ورم قد أستئُصل من قبل ، وآخرون قالوا أنها أعراض لمرض آخر سوف يظهر فيما بعد . وهكذا لم يصلوا بكلامهم إلى الحقيقة ولكنهم كانوا يستنتجون فقط ما يسمعونه ، ويحللون آراء الآخرين حسب إستنتاجاتهم . ولكن القديسان إذ كانوا يعلمون تماماً المرض ، ويعلمون سبب الألم الشديد ، بطريقة مرحة قد وهبوا له الشفاء ، لكي يظهروا لأولئك الذين يروا الشفاء مستحيل ، أنه مجرد شيء سهل وبسيط . ولنسرد إذا طريقة الشفاء المرحة واللذيذة ، مظهرين لكل السامعين قوة القديسين والفرح الروحي المقترن بخفة الروح التي صُنعت بها تلك المعجزة . لقد جعلوا بافلو ينام ( لانه غالباً في غفلة نوم قد سقط ، إذ كانت رأسه تؤلمه ، حتى أنه استسلم للآلام تماماً ) ، وجاءوا إليه ليلاً في نومه ، واهبين له وسيلة الشفاء وبشروه بنوال الصحة . فقالوا له “في الفجر باكراً ، عندما تقوم من فراشك ، توجه نحو البوابة التي تجاه البحر والتي تبعد عن البيعة مسافة البستان التي يحيط بها . والشخص الذي ستصادفه هناك أصفعه بشدة على وجهه ، وعندما ستفعل ذلك ستجد الشفاء للمرض العالق بك . وأما هو ، إذ كان يظن أن ما رآه مجرد حلم ( خيال ) لم يفعل أي شيء مما قالوه له القديسين ، وعلى الرغم من أنهم أمروه مرتين أن يفعل ذلك ، إلا أنه لم يفعله . وإذ قد قال له الشهيدان ذلك للمرة الثالثة ، شددوا عليه أنه إن لم يفعل ذلك لن ينال الشفاء الذي يرجوه . فقام باكراً عن الموعد المحدد وقام من فراشه وتوجه نحو البوابة المشار إليها ، فقابل عند تلك البوابة جنديا ممسكاً في يده عصا ، وظاهراً عليه علامات قلب ممتلئ غضباً ، فذهب بافلو وصفعه بقوة على وجهه متسبباً له في جرح . أما هذا الجندي ، فإذ لم يكن له دراية بأي شيء ، فبمجرد أن صفعه بافلو بدأ حالة دفاع عن نفسه ، ورفع عصاه مباشرة وضرب ذاك على رأسه متسبباً له في جرح أعمق كرد على ضربته له . وإذ قد أصيب بافلو في رأسه بجرح ، سقط أرضاً بسبب إصابته ، وأخذ ينزف دم وديدان ، حتى أخرج من كل مكان من داخله ديدان كثيرة جداً . وتلك هي التي كانت تأكله باستمرار ، وهكذا تخلص من دائه ، خلاص غير متوقع قد ناله بسبب جرح وإصابة ، فهو جرح الدواء ، ومعاون للمرض ، وضمادة للداء وشفاء للرذيلة . وإذ قد جنى الشفاء الكامل ، انشد مديح للشهيدان ومجَّد الله كما يليق به ، الذي وهب له الشفاء بواسطة أولئك ، وانصرف تاركاً لنا الدافع والحجة لنرنم للمسيح والشهيدين . عن ماريا المصابة باستسقاء: أن عمل المعجزات لعجيب فأنه يهب شفاء الجسد والروح معاً . بل وتهب بالأكثر الإيمان للروح بالإضافة إلى التحرر من الأمراض الجسدية ، ولكليهما أي الجسد والروح تهب الابتهاج المملوء بفرح روحي عميق ، والتي لا نستطيع القلم أن يعبر عنها أو يصفها . والآن في مشاركتنا للذين شفيوا ، وافتخارنا بالشهيدين نذكر ماريا التي كانب مصابة بمرض عديم الشفاء ، هذا المرض الذي يسمونه في الطب “مرض الإستسقاء” . ولكن لا يستطيع الطب أن يقدم أي وسيلة للشفاء أو لتخفيف الالآم منه . وهذا ما أصاب ماريا ، حتى وصلت لمرحلة خطيرة إذ تورم جسدها وأصبح منظرها مفزع ورهيب ، ومن بعد كشف الأطباء عليها وتشخيصهم وتأكيدهم أن الموت وشيك وأن الخطر شديد ، توجهت إلى بيعة القديسين وجلست هناك على الأرض تصرخ من الألم ، وتشكي مرضها التي لم تعد تتحمله . وإذ كان المرض يضغط عليها ويضايقها بسبب الانتفاخ الشديد ، ترآى لها الشهيدين الكثيري الرحمة في حلم ، ووهبوا لها الشفاء التي لم تكن تأمل به ، ووصفوا لها الدواء لمرضها وأمروها أن تتبعه سريعاً . كان الدواء عبارة عن خبز يابس ، كان هذا الخبز يخبز في قرية مجاورة تُسمى “إيراكلية” ، والتي مجرد أن قامت من نومها وطلبته أسرع الحاضرين وأتوا به إليها وبللوه في مياه النبع ، وفردوه عليها من أعلى رأسها إلى قدميها ، كما أوصاها القديسان أن تفعل . وإذ كانت تجف هذه الخلطة من الخبز اليابس المبلل الموضوع على جسدها كانت المياه الفاسدة التي بداخلها تجف كلها وتخترق السطح بدون ألم ، وكأن الخلطة السابقة التي وضعت عليها قد استُخدمت كإسفنجة أو ماصة . وهذا الدواء لم يمتص فقط تلك المياه الكثيرة التي بداخلها ولكنه أزال عنها أيضاً منها الموت المحقق عنه . وماريا التي كانت في حالة خطرة ، بسهولة قد تخلصت من الخطر بإلتجائها لقوة الشهيدين الذين كانوا أقوى حتى من المرض . ونحن أيضاً نرفع الشهيدان ونمجدهم على عملهم مع ماريا وكمبادرين للمعونة لكل من يلجأ إليهم بإيمان . ترجمة: يوحنا فورتوناس وإيريني مفرودي من المجلد 78 من سلسلة البترولوجيا |
||||
22 - 07 - 2016, 07:22 PM | رقم المشاركة : ( 13633 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
خلاصة تاريخ الكنيسة الكلدانية ......................................... 1-التسمية إن الوثائق التي في حوزتنا غير وافيّة، وجاءت بمستويات متنوعة. تحدّث الناس عن الكنيسة النسطورية وربطوها خطأً بمجمع أفسس وبإدانة نسطور في عام 431، إلا أن التسمية التاريخية لمسيحيي بلاد ما بين النهرين كانت دومًا ” كنيسة المشرق: – The Church of the East ” . تعود جذورُ الكنيسة الكلدانية إلى كنيسة المشرق، التي ازدهرت وراءَ أسوار الإمبراطورية الرومانيةoutside the Roman Empire ، والتي سُميّت أيضًا بكنيسة السريان المشارقة سورييا مدنحيا نسبةً إلى بقعة انتشارها شرقيّ نهر الفرات، وكنيسة فارس نسبةً إلى بلاد الفرس. هذه التسميات ضاربةٌ في عمق تاريخ بلاد الرافدين “Beth-Nahrain” وحضارتِها. أما التسميات الحالية: الكنيسة الكلدانية أو الأشورية كتسميات كنسيَّة والتي لها خصوصيتها وأسبابها، هي متأخرة نسبيًا، بالرغم من أنها ترجع إلى حضارات وشعوب موغِلة في القِدم. واللغة “السريانية” كانت لغة التجارة والثقافة في بلدان طريق الحرير، ولا يَزال يتكلم بلهجتها العامّية معظمُ مسيحييّ العراق وجنوب تركيا من كلدان وأشوريين وسريان وفي إيران وبلاد المهجر. لقد استُخدمت العبارة: “الكنيسة الكلدانية”، رسميًا للدلالة على مجموعة من أبناء كنيسة المشرق الذين انتموا إلى الكنيسة الكاثوليكية أولاً في قبرص عام 1340، في زمن البابا مبارك الثاني عشر، لكّن هذا الاتحاد لم يدم. ثم في عام 1445 إثر مجمع فلورنسا، في زمن البابا اوجين الرابع. هؤلاء المشارقة القبارصة كانوا من بقايا الأسرى الذين ساقهم ملوك الروم وأسكنوهم في جزيرة قبرص، ومعظمُهم كان من منطقة أرزون. ثانيًا في القرن الثامن عشر، عندما أقام البطريرك الكاثوليكي كرسيَّه في دياربكر (أمد – تركيا)، استعمل التسمية هذه إلى جانب تسمية “الكنيسة الكاثوليكية”. وسَرَت تسميّة “الكنيسة الكلدانية” رويدًا رويدًا، وتغلّبت على التسميّات الأخرى، وخصوصًا عندما اتحد الكرسيّان الكاثوليكيّان: ديار بكر والموصل في شخص يوحنا هرمز عام 1828. من المؤكد أن هناك أختام بعض البطاركة “النساطرة” وشواهد قبورهم تحمل التسمية الكلدانية. واليوم قد استقرت هذه التسمية رسمياً للجانب الكاثوليكي من أبناء كنيسة المشرق. 2- حقبة التأسيس والانتشار حتى مجيء الإسلام إن المصادر عن نشأة كنيسة المشرق قليلة. من المرجّح أن المسيحية ترّكزت أولاً في الرها (أورفا الحاليّة في تركيا)، ومنها امتدت الى المدن المحيطة بنصيبين والى مناطق ما بين النهرين. وقد تكون دخلت عن طرق أخرى، مثل تدمر– حضر، أو من الجنوب عبر الخليج، وذلك منذ نهاية القرن الأول ومطلع القرن الثاني. من المؤكد تاريخيًا أن أبجر الثامن (176-213) كان مسيحيًا. وجد المبشرون الأوائل مناخًا مُعَدّاً لغوياًّ ودينيّاً، بين الجاليّات اليهوديّة المتواجدة في سهل نينوى وأربيل وبابل من الأسباط الذين سباهم ملوك الاشوريين: تغلث فلاسر وشلمناصر ثم نبوخذ نصر الملك البابلي، واستوطنوا هناك، ولم يعودوا الى فلسطين مع عزرا عام520 ق.ب. كما انتشرت في أوساط آرامية وفارسية. وبحسب التقليد المتواتر ونصوصِ الآباء والليترجيا أن الرسول توما هو أول من حمل البشارة المسيحيّة إلى هذه الأرض وهو في ويحتل مكانة هامة في الكنيسة المشرق الكلدانية والآشورية وكنيسة مالابار في جنوب الهند. هذه الكنائس تعد مار توما رسولها وأول من بشرها بانجيل يسوع وهو في طريقه الى الهند. وبحسب التقليد المتوارث ان توما هو من أرسل اداي أحد الاثنين والسبعين تلميذا الى الرها لشفاء ملكها ابجر وهو من نقل الى الرهاويين الانجيل. ومنذئذ سميت الرّها بالمدينة المباركةBlessed Edessa . وبعدما بشر في بلاد ما بين النهرين خصوصا في الجنوب، ذهب الى الهند عن طريق البحر. وهناك بشر العديد من الهنود في منطقة كرالا. وبحسب التقليد استشهد في مدينة ميلابور بقرب من مدراس نحو سنة 72. والملاباريون الى يومنا هذا يدعون بمسيحيي مار توما. وبحسب التقليد ايضا ان تاجرا من بين النهرين في القرن الثالث نقل رفاته الى الرها. ولمار افرام (القرن الرابع) عدة مداريش يمتدح فيها توما الرسول. يذكر ذلك اوريجانس (185-253) كما ينقله اوسابيوس القيصريHE XIII,5,32)). ثم تبعه أداي وماري (أما اجاي وأحاي فلا ذكر لهما في نصوص الآباء والليترجيا، ورد ذكرهما في مصادر متأخرة، ككتاب المجدل). ويُعدّ ماري المؤسس الرسمي لكرسي كنيسة المشرق في ساليق وقطيسفون، وباني الكنيسة الأم في “كوخي” في منطقة “بوعيثا” القريبة من الدورة ببغداد. فريق آخر من المسيحيين أسهم في التبشير، هم المهاجرون من فلسطين، على إثر ثورة اليهود الاولى ضد الرومان وخراب المدينة على يد القائد الروماني طيطس عام 70 ميلادي، وحرق الهيكل تمامًا، وثورتهم الثانية بقيادة بركوكبا عام 132-135 في حكم ادريانُس. ونجد ثلاثة من رؤساء هذه الكنيسة، ينتسبون إلى عائلة يسوع “يوسف النجار”. ونستدل أنهم كانوا من فريق المحافظين، على خطّ “يعقوب” رئيس كنيسة القدس، والذي كان من أقرباء يسوع، وهم: ابريس، عبراني من اهل يوسف خطيب السيدة، ابراهيم، قرابة يعقوب المسمى أخو الرب، يعقوب، من ال يوسف خطيب مريم، وان أحادابوي رسم في كنيسة القيامة (المجدل ص 2-6). واصلت هذه الكنيسة علاقتها مع أورشليم إلى القرن الخامس. تأثير اورشليم على مسيحي المشرق واضح من خلال عدة مؤشرات: الريازة الكنسية، الليترجيا، البركات اليهودية في قداس اداي وماري، تطوافات وطلبات، صلاة ختام الشهر، إقامة عيد لمارت شموني واولادها الذين استشهدوا في القرن الثاني قبل الميلاد. كما ان الأسرى الرومان، الذين كانت الجيوش الفارسية تقودهم أثناء غزواتهم، وتسكنهم في مدن فارسية، وخصوصًا أسري أنطاكية وقيليقية ومدن أخرى، نشّطوا انتشار المسيحية. نذكر على سبيل المثال حملات شابور الأول (240-272). ففي حملته عام 256 أتى بفريق من الأسرى الى بين النهرين من أنطاكية ومعهم الأسقف ديمتريانس وأسكنهم في جنديشابور. وخلال حكم شابور الثاني المعروف بذي الأكتاف (309-379)، كانت المسيحية المشرقية مستوطنة في مدن رئيسية عديدة، وكان لها نظام أسقفي واضح. اننا نجد بعض نصوص أدبية ومواقع أثرية تؤكد ذلك (مثلاً بينات أفراهاط الحكيم (+346). ان قيام شابور الثاني، بحملات متشددة ضد المسيحيين، ليس كما يُظَنُ عمومًا بسبب مرسوم ميلانو (سنة 311) الذي أصدره قسطنطين، بل لعدّه المسيحيين مُوالين للمدن المتاخمة للحدود، التي كان معظم سكانها يدين بالمسيحية، ولعدم فهم عقائد المسيحيين وطقوسهم وسلوكهم: الصلاة في الليل باشتراك الجنسين، ورفضهم الإنخراط في الجيش وتقديم السجود للملك والأمراء، وعدم حضور الألعاب العامة والاشتغال في مهن معيّنة كالصياغة والنحت. ودام الاضطهاد أربعين عامًا. وعندما تولّى يزدجرد الأول (399-422) الحكم، خفّ التوتّر قليلاً بين الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية، واستؤنف تبادل البعثات الدبلوماسية. وترأس العديد من هذه البعثات رجال دين رفيعو المستوى لإخلاصهم للوطن ولمعرفتهم اللغات ولقلة التكاليف. وقد ترأس ماروثا أسقف مدينة ميافرقين الحدودية، بعثتين عام 399 وعام 408 واستمرّت إلى 410. تعرّف خلالها على وضع المسيحيين. ومارس نفوذًا شديدًا على يزدجرد، حتى نال منه منحهم حرية ممارسة شعائرهم الدينية علنًا، وفرصة تنظيم مراكزهم وشؤونهم الخاصة، أسوة بالآخرين. ولإعطاء دفعة قوية لكنيسة المشرق، قام بإعداد مجمع شامل يضّم أساقفة هذه الكنيسة، عقد عام 410، تحت رئاسة اسحق الجاثليق، وعرف باسمه، ويعد الأول من نوعه. حضر هذا المجمع أربعون أسقفا، فضلاً عن ماروثا الذي أشرف عليه. وأتخذ الآباء قرارات حاسمة تخّص العقيدة والادارة والطقوس. ومن جملة ما تبنوا، نذكر: قانون إيمان نيقية، وأُحاديّة الرئاسة في شخص كبير أساقفة المدائن، وتراتبية الأبرشيات. وقد اعتمدت المجامع اللاحقة قرارات هذا المجمع المؤسس. وفي مجمعَي عام 422 و424 تّم التشديد من جديد على أحادية الرئاسة الكنسية، وتبنى الأخير، المعروف بمجمع داديشوع، لقب الجاثليق – البطريرك لكرسي ساليق وقطيسفون، التي عرفت فيما بعد بالمدائن. جاء في القرار 61: ” إن الجاثليق داديشوع الذي يقوم على رأس كنيسة الله. في بلاد المشرق هو بمثابة بطرس، القائم على رأس الرسل”. وفي مجمع آقاق عام 486 برز استقلالها العقائدي. بهذه المجامع الثلاثة أظهرت كنيسة المشرق نفسها منظمَّة إدارياً وذاتيًا، إلا أنها لبثت كنيسـة “خارج الأسوار”، أي خارج الإمبراطوريــة الرومانيــة، وعمومًا معزولة بسبب ظروفها الجغرافية والسياسية، ولم تتمكن من الإشتراك في المجامع المسكونية المنعقدة داخل الإمبراطورية. ان ما يقال عن تدخّل ألآباء الغربيين (كنيسة انطاكيا) في شؤون كنيسة المشرق الإدارية، يفتقر إلى دليل علمي. وما رسالة “الآباء الغربيين” المزعومة إلى المشارقة إلا ما جلبه ماروثا معه من قوانين، كانت قد اعتمدتها كنائس الإمبراطورية الرومانية. لكن التأثير “الغربي” في كنيسة المشرق حصل في مجال الفكر اللاهوتي، وخصوصًا بما يتعلق بالسيد المسيحChristology. هذا التأثير تّم بواسطة ما تُرجم من كتب آباء مدرسة أنطاكيا العظام: ثيودورس أسقف مصيصة وديودورس أسقف قورش. فتبّنت كنيسة المشرق الكريستولوجيا الأنطاكية ذات الإتجاه اللاهوتي التصاعدي: من الإنسان إلى الله على عكس الاتجاه الاسكندري التنازلي من الإله إلى الإنسان. هذا اللاهوت الذي رفضه مجمع أفسس عام 431، وتبنّاه رسمياً مجمعا بيث لافاط (484) وساليق-قطيسفون(486). وأول مرة ظهر إسم نسطوريوس كان في عام 612 في مناظرة بين فريقين لاهوتيين: المشرقي والسرياني الأرثوذكسي، أمام الشاه كسرى الثاني. في الواقع، قلّما نجد تأثيرا لتعليم نسطوريوس في كنيسة المشرق، إنما التأثير الأقوى والمباشر هو لثيودورس أسقف مصيصة الذي عدّته” المعلِّم الأعظم”. إن كنيسة المشرق، بالرغم من كل الصعوبات، عدّت نفسها، على طول الخطّ، جزءًا من الكنيسة الجامعة، لكن ظروفَها لم تسمح بإقامة علاقات مع الكنيسة الغربية، فعاشت في عزلة تاريخية وجغرافية أكثر منها عقائدية. في القرن الخامس، عرفت كنيسة المشرق إنتشاراً واسعًا، في مناطق بين النهرين وبلاد فارس والقبائل التركية في آسيا، وخصوصًا في زمن الجاثليق آبا الأول (540-552)، الذي زار الاسكندرية والقسطنطينية وأنطاكيا، وقام بإصلاحات كبيرة: ليترجّية وتنظيميّة لحياة الاكليروس. كما ازدهرت المسيحية في بلدان الخليج وقد أعطت بيث قطرايي، التي كانت تشمل أكثر من إمارة قطر الحالية، لاهوتيين بارزين، نذكر منهم: إبراهيم القطري وداديشوع وأيوب وإبراهيم برليفي واسحق أسقف نينوى. أما القرن السادس، فقد شاهد حالة إصلاح ونهضة بفضل انتعاش الحياة الديرية مع إبراهيم الكشكري (+588). وصار جبل ايزلا لكنيسة المشرق، بمثابة جبل أثوس للكنيسة اليونانية. كما تقدم الفكر اللاهوتي بفضل الدراسات في مدرسة نصيبين. لكن المدرسة عرفت محنة حقيقية ايضًا، بسبب الجدال الاهوتي حول تعليم ثيودورس أسقف مصيصة، قاده مديرُها الملفان حنانا الحديابي الذي اعترض على سلطة الأخير المطلقة في تفسير الكتاب المقدس. أدى هذا الاختلاف الفكري إلى ان يتركها قسم من الأساتذة والطلاب، يقال ان عددهم كان يربو على300. وكنتيجة، حرّم مجمع الجاثليق سبريشوع (596)، كل من يرفض تفسير ثيودورس وتعليمه، وراح مجمع غريغوريوس (605)، يعلنه المعلم الأنموذج لاستقامة العقيدة في هذه الكنيسة. عامل آخر- دفع كنيسة المشرق إلى بلورة لاهوتها الكريستولوجي- هو إقامة السريان المغاربة مفريانا لهم في تكريت، وحضورهم المؤثّر. وإثر اجراءات جوستينيانس الامبراطور الروماني (518-527)، بفرض عقيدة مجمع خلقيدونية على مسيحيي امبراطوريته، التجأ أساقفة (الطبيعة الواحدة) الى المملكة الفارسية، وأقاموا فيها مراكز مُهمّة، وكانت احدى نتائج هذا اللجوء ازدهار ملحوظ للسريان الأرثوذكس في المنطقة، وكان للأسقف يعقوب البرادعي دور متميز. وفي عام 629 تمَّ تنظيّم هذه الجماعة رسميّا في بطريركية انطاكيا. وفي عام 612 نظّم الشاه كسرى الثاني (591-628) مناظرة لاهوتية حول عقيدة الكنيستين الشقيقتين. وكان الملك قد سبق فمنع المشارقة من انتخاب بطريرك جديد لهم، فأدار الأمور باباي الكبير وآبا الاركذياقون من 608 الى 628. وحضر المناظرة، عدة اساقفة مشرقيون من بينهم إيشوعياب الجدالي ورهبان، وأبرزهم كوركيس من جبل ايزلا (كان مجوسيا واسمه ميهرانكوشناسب وقد استشهد). ويبدو أنهم اعتمدوا أطروحات باباي الكبير (551-628) الكريستولوجية ومصطلحاته التي جاءت في كتابه الموسوم ” الاتحاد”. وبالرغم من أن المناظرة اللاهوتية لم تكن مجمعًا للأساقفة، إلا أن كنيسة المشرق أدرجتها ضمن قوانينها ومجامعها، وعدّتها صياغة لاهوتية رسمية. قام الشاه كسرى الثاني عام 618-619 بغزو فلسطين، وجلب معه ذخيرة صليب المسيح وأوانيَ مقدسة أخرى، وغزا مصر، ولكن أقحمه الإمبراطور الروماني هرقل (610-641)، مما أثار نقمة عند الفرس، فثاروا على كسرى واغتالوه. وجاءت الملكة بوران وقد أبدت رغبتَها في عقد مصالحة بين الإمبراطوريتين. وكانت قد أذنت ان تختار كنيسة المشرق، رئيساً أعلى لها، فكانت النتيجة ان اختير أسقف بلد، إيشوعياب الثاني الجدالي. وهو الذي كلفّته بقيادة مباحثات الصلح بين المملكتين. فذهب الى المنطقة الغربية، وأعاد ذخيرة الصليب الى القبر المقدس، وفاوض الرومان وعقد معهم صلحًا عام 630. إلا أن تغييرًا جذريًا حصل في الجنوب، عندما حاصر العرب المسلمون المدائن عام 637 في معركة القادسية، وهرب يزدجرد الثالث إلى منطقة مَرو. وتوفي عام 651 ومعه انتهت الإمبراطورية الفارسية – الساسانيّة. أما الجاثليق إيشوعياب، فكان قد التجأ في آخر الأمر إلى كركوك (قلعة القائد سلوقُس)، حيث توفي في سنة 646 ويكون آخر بطريرك شاهد انهيار الإمبراطورية الفارسية، وأول من عاصر قدوم العرب المسلمين. كان المسيحيون قد عانوا الكثير من الظلم الفارسي، لذلك رحبوا بالقادمين الجدد، وتعاونوا معهم كأمر واقع status quo ودافعوا عن حقوقهم. اما المسلمون، فقدموا لهم الحماية لقاء دفع الجزية التي كانت في بعض الأحيان باهظة. بلدان الانتشار يشهد التاريخ بنشاط تبشيري منقطع النظير، قامت به كنيسة المشرق، إمتد الى الشرق الاقصى من جزيرة سومطرة وسريلانكا (سيلان سابقا) وسواحل الملابار الهندية والصين الى جانب الجزيرة العربية. الحِيــرة والبلاد العربية لقد انتشرت المسيحية المشرقية بين عدة قبائل عربية، من بينها قبائل الحيرة، التي أقامها الفرس امارة على الضفة اليمنى من نهر الفرات، وعرفوا باللخميين او المناذرة، لتكون همزة وصل بينهم وبين العرب، كما كان الرومان قد اسسوا امارة الغساسنة العربية في بلاد الشام، للهدف نفسه. يقال إن الأسرى الرومان، الذين جلبهم هرمز الاول (272-273)، هم بشّروا بالمسيحية. وفي القرن الخامس اصبحت الحيرة ابرشية مشرقية، ولها أسقف اسمه هوشع، اشترك في مجمع اسحق عام 410. بدأت المسيحية تقوى على يد ملكها امرئ القيس الاول، ثم على عهد حفيده، النعمان بن المنذر، وغدت الحيرة من المراكز المهمّة في حركة التبشير بين القبائل العربية. وكان للمناذرة أثر كبير في بناء الديورة مثل: دير اللج، ودير مارت مريم، ودير هند الكبرى، ودير هند الصغرى، ودير الجماجم، ودير عبد المسيح. لقد أدّى تأسيس الكوفة في الإسلام الى أُفول نجم الحيرة. الهند لا نعرف على وجه التدقيق، تاريخ تبشير الهند، لكن بحسب التقليد المتداول، ان الرسول توما هو من بشرها، عبر بلاد ما بين النهرين. ولا يزال مسيحيو أقليم ملابار ينتسبون اليه. كما أن هناك تقليدًا عريقًا مفاده ان توما القناني قننيا، من قنى جنوب المدائن بالعراق، قصد الهند بِمعّية قافلة من العائلات عام 345 وسكن في “Kottayam” ولا تزال هذه الجماعة تسمي نفسها قناناي، ولها أسقف وادارة مستقلة. وتقاليدها شبيهة بعاداتنا المشرقية. كما ان الرحالة قزما Cosmas Indicopleustes يذكر نحو عام 553، انه وجد في الملابار بالهند أسقفًا مرتبطًا بكرسي فارس، وكذلك وجد اسقفًا آخر في جاوا. ولما استولى البرتغال على الهند اقام اليسوعيون اسقفًا من بينهم على الاقليم، وغيّروا الكثير من طقوسهم وعوائدهم، وفُرضت عليهم في مجمع ديامبر1599، طقوس وممارسات لاتينية. واستاء بعض مؤمني الملابار من هذا التغيير، فالتجأوا الى البطريركية الكلدانية عدة مرات لاقامة اساقفة كلدان عليهم، لا سيّما في زمن البطريرك اودو، لكنها باءت بالفشل بسبب إصرار الكرسي الرسولي على ربط كنيسة ملابار مباشرة بروما. امام ذلك التجأ عدد كبير منهم عام 1665، الــى بطريرك السريان الارثوذكس الانطاكي، ملتمسين أسقفًا سريانيًا، ومُوبْدين استعدادَهم لاتباع الطقس الانطاكي، فلبىّ طلبهم، وسموا ملانكار. وتعد كنيسة ملابار أكثر من ثلاثة ملايين ونصف مؤمن، عدا نفوس الكنائس الاخرى. الصين خير دليل على وصول المسيحية المشرقية الى الصين هو النصب الأثري المكتشَف عام 1625 في سيان فو في مقاطعة شانسي، حيث أقيم عام 781، لتخليد ذكرى وصول مبشرين من كنيسة المشرق إلى بلاط إمبراطور الصين سنة 635، هناك نشـروا الإنجيل وأقاموا كنائس وأديار ومدارس. وصار لهم كراسٍ أسقفية يضعها كتاب المجدل في المقام الثاني عشر في جدول أبرشيات بطريركية بغداد. هذا النصب الأثري من الحجر، يبلغ ارتفاعه مترين و26 سم وعرضه 86 سم وسمكه 25 سم. نقش في القسم الأعلى منه جوهرة نفيسة ترمز إلى جوهرة الإنجيل (متى 13-44)، يتوسّطها إطار خماسي تطوّقه حيتّان، وفي قمته صليب على طراز مشرقي أصيل متساوي الإطراف. في الإطار غمامة وزهرة وغصنان صغيران وتسعة رموز صينية تقول: ” نصب تذكاري لانتشار ديانة النور الآتية من مملكة طاشي – شرقنا – في الامبراطورية الوسطى”. تأتي في المتن كتابة صينية متكونة من 1900 رمز وكتابة سريانية بالخط الاسطرنجيلي. تقسم الكتابة الى ثلاثة اقسام: 1-لاهوتي عقائدي، 2-تاريخي، 3-تقريظي. يشير القسم التاريخي الى مجيء مبشّرين من الشرق لنشر الخبر السار على ارض الصين: “أتى من بلاد الشرق، شخص تقي يحمل معه كتبا مقدسة، يدعى ألبن – على الأرجح هي التسمية الصينية لاوراهام / ابراهيم – الى بلاد الصين في عهد الإمبراطور ثايو تسونغ عام 635م، وقد أرسل الامبراطور وزيره الأول، الدوق فانغ هسوانلينغ، ليستقبل الزائر ويقوده الى البلاط والكتب التي كانت بمعيته، ترجمها موظّفو المكتبة الامبراطورية، لان جلالته أحّب أن يطلّع شخصيًا على هذا الدين. فانتشرت شريعة الله في الولايات العشر وتمتعت الإمبراطورية بسلام تام، وكانت المدن ملأى بالكنائس والبيوت مغمورة بسعادة الانجيل”. ثم يذكر مجيء مبشّرين آخرين. الخاتمة: “إن امبراطورنا الحالي من السلالة العظيمة (تنغ) الجالس على العرش (780م) أقام هذا الاثر في السنة الثانية من ملكه، في اليوم السابع من الشهر الأول، أي في اليوم الكبير (الأحد 4 شباط 781م) في عهد السيد الروحي الكاهن هنيك شو (البطريرك حنا نيشوع) الذي له السلطة المطلقة على جماعة ديانة النور في الشرق طرًا”. يتبع بالسريانية: “في ايام أبي الآباء مار حنا نيشوع الجاثاليق البطريرك” وثم بالصينية: “كتب من قبل لوهسياسين مدير الاشغال العامة في نسياشو ولاية جكياسنغ”، وبالسريانية: “في سنة 1092 يونانية (781م) مار يزدبوزيد الكاهن وخوراسقف كمدان، ابن المرحوم ميليس، كاهن بالخ، مدينة تاحورستان، أقام هذا النصب التذكاري”. بعد ذلك تأتي باللغة السريانية أسماء الأشخاص وهم: أسقف وخوراسقف واركذياقون و24 كاهناً وبعض الرهبان وشماس إنجيلي وحوالي اربعين علمانياً. ولنا شاهد آخر على ازدهار المسـيحية المشرقية في أرض الصين حتى القرن الثالث عشر، هو انتخاب مطران بكين يابالاها الثالث بطريركا (1283-1318)، وإقامة رفيقه الراهب صوما زائرًا عامًا. في هذه الحقبة كانت مناطق عديدة من الغرب يلفّها الجهل والوثنية. كفى ان يكون إكليروس كنيستنا وشعبها هم اول من حملوا راية المسيح واسمه الى بلاد الهند والصين والعجم. وأقاموا فيها كنائس وأسقفيات والعديد من الديورة، فطريق الحرير غدا طريق البشارة – الإنجيلية. إستنادا إلى ما تقدم، نقدر ان نحدّد جغرافيًا مواطن السريان المشارقة. شرقًا: ببلاد فارس-إيران، وغربًا بالبحر الابيض المتوسط، وشمالاً بآسيا الصغرى (تركيا)، وجنوبًا بشبه الجزيرة العربية وبلدان الخليج، وخصوصا بلدان الشاطيء الغربي التي كانت تعرف ببيت قطراياي ومن المدن المهمّة: مراغة، اورميا، سوسه، جنديسابور، شوشتر، الأحواز، الرها، نصيبين، دياربكر-آمد، ماردين، المجدل، دهوك – بيت نوهدرا، اربيل، مركا – المرج، عقرة، القوش، نينوى – الموصل، كركوك، حلوان، تكريت، سامراء، عانة، حديثة، الأنبار، بغداد (ساليق وقطيسفون)، حيرة، كشكر، ميشان. 3-العصر العباسي وحركة الترجمة ظلّت المسيحية مزدهرة في هذه المناطق، حتى بعد الفتح العربي، وصارت فيها مؤسسات: مدارس وبيمارسانات (مستشفيات) وأديار. يقول الأب هنري لامنس اليسوعي عن انتشار لغة السريان: “من عجيب الأمور ان انتشار لغة الآراميين بلغ في عهد السلوقيين مبلغًا عظيمًا، فأضحت اللغةَ السائدة في كل آسيا الساميّة، أعنى في سوريا وما بين النهرين وبلاد الكلدان والعراق وجزيرة العرب. وكان العرب المسلمون أيضًا يدرسونها لكثرة فوائدها. ولا نظن ان لغة أخرى، حتى ولا اليونانية، جارت السريانية في اتساع انتشارها، اللهم إلا الانكليزية في عهدنا”. أما سليم مطر، فيبيّن مدى تأثير السريانية على العربية قائلا: “اللغة العربية طوّرت نفسها، وكوّنت نَحْوَها من خلال تجربة اللغة السريانية”. قد يكون هذا التأثير حصل، لما اعتنق قسمٌ من الآراميين (السريان) الإسلام، وأصبحوا موالين لإحدى القبائل العربية أو لأحد القادة المسلمين الكبار. عندما جاء العرب المسلمون إلى ما يسمى اليوم بالعراق، كان تقريبًا نصف السكان مسيحيين، يضاف إليهم قسم كبير من سكان إيران. وعرفوا انتشارًا واسعًا كما جاء في مسلة سينغانفو، (الصين) عام 781 التي تخلد مجيء أول فريق من المبشرين المشارقة إليها عام 653. وكان الجاثليــق إيشوعياب الثاني قد رفع اسقفيــة حلوان (في إيران) الى رئاسة أسقفية وكذلك أسقفية هرات (أفغانستان) وأسقفية سمرقند (اوزبكستان) والملابار (الهند) والصين. وهذا يمثل عمق الروح الارسالي لكنيسة المشرق ومدى انتشارها الواسع. إنتشرت اللغة العربية بسرعة في البلدان التي احتلّها المسلمون (دار الإسلام). وكان الخليفة الأموي الوليد (705-715) قد أمر بجعلها اللغة الرسمية للإدارة العامّة. وهذا الجو الاجتماعي– الاقتصادي– السياسي جعل المسيحيين يستخدمونها، في حين بقيت اللغة السريانية لغة الأدب والطقوس الدينية. وان أهل الكتاب المسيحيين واليهود والزردوشتيين، عُدّوا أهل ذمة (أي في ذمة الغالبية المسلمة أمام رفضهم الإقرار بنبّوة محمد)، شرط ان يدفع الذكور البالغون الجزية، جزية الرأس التي كانت أحيانا باهظة. فضلا عن ذلك، فُرض عليهم في فترات معيّنة، زيًا خاصًا أو الزنّار، وفي القرن الثاني الهجري أصبحت الضوابط أكثر تقيّدا. في بداية العصر الأموي قاد كنيسة المشرق بطريرك قيادي فكراً وإدارةً هو إيشوعياب الثالث المعروف بالعظيم (650-658). دعم أولوية الكرسي البطريركي، وقام باصلاحات عديدة منها الليترجيّة. عاونه فيها الراهب الموهوب عنانيشوع. إليهما يعود تنظيم السنة الطقسية وترتيب الصلاة الرسمية ورتب الاحتفال بالأسرار المقدسة. ومن بين عدة رتب قداس “انافورا” إنتقيا ثلاثًا: انافورا اداي وماري التي تعود الى نهاية القرن الثالث وبداية الرابع، ثم الاثنتان الأخريان تعودان الى ثيودورس أسقف مصيصة ونسطوريوس بطريرك قسطنطينية المعدّ أحد قدّيسيها العظام. وعندما انتقلت الخلافة الى بني العبّاس، وصار مقرّها في بلاد ما بين النهرين (العراق) وشيّدت بغداد، مدينة السلام عاصمة لها ومركزا للمسلمين عام 762، أسهم المسيحيون إسهامًا واسعاً في الرصيد الحضاري الإقليمي والعالمي مع العرب “أبناء عمومتهم”. شكلوا حالة متميزة في تاريخ التفاعل الثقافي في العالم المعروف انذاك. جميع المصادر التاريخية القديمة والحديثة تعترف بدورهم المرموق في عملية الترجمة والنهضة الكبرى التي قادها الخلفاء العباسيون. فقد قاموا بنقل ما لا يُحصى من الكتب من اللغتين السريانية واليونانية الى العربية. يكفي ان نسجل هنا مثالاً واحدًا لإسهام المسيحيين في إثراء الثقافة العربية في بغداد العباسيين: ان الاديب الشهير حنين بن اسحق العبادي من الحيرة (قرب الكوفة) ولغته الأم السريانية، قام بنقـل 39 كتابًا من اليونانية الى العربية، لكنه في الوقت عينه ترجم 95 كتابا الى السريانية وحدَها. لم يكن المسيحيون مجرد نقلة، بل كانوا عنصر إبداع حقيقي، فقد أضافوا الى ما نقلوه خِبرتهم ومعارفهم، وبلوروا وطوّروا ورفدوا العرب والمسلمين، ومن خلالهم العالم بكل نافع من العلوم كلها. اشتغل المسيحيون في الإلهيات والفقه والفلسفة والمنطق والطبيعة وما بعد الطبيعة والرياضيات وعلم الهيئة (الفلك) والطب والفيزياء والكيمياء والهندسة والبناء والموسيقى والأدب والزراعة والتجارة. وكان لنشاطهم الاقتصادي والثقافي والتجاري والاجتماعي الأثر البالغ في الدولة الفارسية ثم العربية، وخصوصًا في عصر العباسيين حيث شهدوا نقلة نوعية، اذ اهتم هؤلاء الخلفاء بالعلم والثقافة وراعوا العلماء والمفكّرين وأرسلوا فرقًا لجمع الكتب وترجمتها، وأغدقوا عليهم المال والهدايا كحافز تنافس بين الفرق من أجل إنتاج أوسع. واستفاد العرب من معطيات هذا الإرث الحضاري في ضبط المفردات الفقهية وكذلك الغرب المسيحي انتفع من هذه الترجمات التي نقلت عبر الأندلس وجزيرة صقلية إلى اللاتينية في تكويـــن اللاهوت المدرسي. ومن بين هؤلاء المفكّرين العظام نذكر على سبيل المثال بختيشوع وعائلته في مدرسة جنديشاهبور الطبية، الذي خدم هو وأبناؤه عدة خلفاء، وحنين بن اسحق (+873). فضلاً عن الجاثليق طيمثاوس الكبير (780-832) الذي كان اديبا غزيـــز الانتاج ومترجمًا بارزا، ناظر الخليفة المهدي حول مسائل دينية: مسيحية واسلامية. وقد نقل مقر كرسيّه البطريركي الى بغداد، وهذا الامتياز أعطي لكنيسته وحدها. ومجموعة الرسائل التي كتبها في شتى المجالات الدينية والفكرية تظهر سعة فكره واقتداره على إدارة الكنيسة والذود عنها. والمُلفِت للنظر ان هذا الإرث الأدبي لم يحتكره الإكليريكيون، بل نجد علمانيين عديدين متكلمين (لاهوتيين) كتبوا في اللاهوت والفقه. وبالرغم من أن السياسة العباسية تسببت في اعتناق مسيحيين عديدين الإسلام، الا ان كنيسة المشرق عرفت انتشارأً واسعًا في بلدان أخرى، وتأسست أسقفيات في دمشق والقدس والإسكندرية وجزيرة قبرص وبلدان الخليج. وسلك رهبان مرسلون طريق الحرير، وحملوا إلى جانب الإنجيل لغتهم السريانية ولترجيّتهم المشرقية. 4-الحكم المغولي والإتصالات مع الغرب المسيحي لم تكن أحوال المسيحيين في عصر المغول على وتيرة واحدة. فبعض ملوكهم تقبّل المسيحية وأظهر تعاطفًا مع الكنيسة، وآخرون كالسلطانين أحمد وقازان، إضطهدوهم، وهدموا كنائسهم وأديارهم. من المؤكد ان جهود المبشرين المشرقيين لاقت صعوبات جمّة في الصين والتبت بسبب تقلب الحكومات، بينما لاقت جهودهم نجاحًا وسط الشعوب المغولية. وعندما غزا جنكيزخان هذه المناطق في القرن الثالث عشر، واحتل بغداد عام 1258، كانت المسيحية المشرقية قد انتشرت بين القبائل المغولية، ولدى غزوه الصين عادت المسيحية المشرقية اليها وانتعشت. ويعّد عبديشوع(+1318) قائمة بعشرين رئاسة أسقفية ومئتي أسقفية خاضعة لجاثليق المشرق. ولما جاء تيمورلنك (1396-1405) واعتنق معظم المغول الاسلام، إضطهد المسيحيين ولاحقهم، فاضطرّوا الى اللجوء نحو مناطق كردستان الجبلية. أما المبشرون الغربيون، فقد قدِموا إلى الشرق مع استيلاء الصليبيين على الأراضي المقدسة. وأول لقاء، تمّ بينهم وبين المشرقيين كان عندما جاء رهبان فرنسيسكان وكبوشيون ودومنيكان إلى هذه المناطق: البصرة وبغداد والموصل وآمد، واستمالوا إليهم الناس بواسطة الطب. ومن بين هؤلاء المرسلين البارزين نذكر: وليم أوف ربروك (William of Rubruk +1270) وريكوردو دي مونتي كروجي (Ricordo da Monte Croce +1320) وجيوفانيي دي مونتيكورفينو (Giovanni da Montecorvino +1328). وفي عام 1340 حصل اتصال آخر مباشر عندما انضّم فريق من المسيحيين المشرقيين في قبرص إلى الكنيسة الكاثوليكية، وسُمّوا كلدانًا. وهذا الاتحاد مع كنيسة روما جُدد عام 1445 لما أعلن مطرانهم طيمثاوس أسقف طرسوس ايام البابا اوجين الرابع (1431 -1447)، اتحاده إثر انعقاد مجمع فلورنسا -فيرارا الوحدوي (1438-1445). وحمل طيمثاوس هذا لقب رئيس اساقفة الكلدان المقيمين في قبرص “Archiepiscoporum Chaldeorum, qui in Cypro-sunt” إلا أن هذا الاتحاد لم يدم طويلاً بعد وفاة طييمثاوس 1489، فانصهر المشرقيون في الجماعات الكاثوليكية المحلية اللاتينية والمارونية. واتصل الدبلوماسيون المغول بالغرب. والأكثر شهرة من بينهم هو ويكور أو الراهب برصوما الذي كان مساعدا للجاثليق مار يهبالاها الثالث المغولي (1291-1317). أوفده الملك المغولي أرغون خان، إلى الإمبراطور البيزنطي في القسطنطينية، اندرونيكوس الثاني، والى ملك فرنسا، فيليب الرابع، وملك انكلترا، أدور الأول والى البابا نيقولاوس الرابع (1288-1292)، لتشكيل جبهة مشتركة من أجل إنقاذ الأراضي المقدسة. وكانت الحروب الصليبية في أشدها، لكن مساعيه باءت بالفشل. وفي روما احتفل برصوما بالقداس في كنيسة مار يوحنا اللاتراني وبحسب الطقس المشرقي، وحضره البابا وتناول القربان من يديه. وبواسطة برصوما، تعرّفت الدوائر الرومانيةcuria على كنيسة المشرق التي لم تكن معروفة لديهم بشكل جيد من قبلُ. وبعد موت برصوما (10/1/1294) استمرت المراسلات بين الكرسي ألرسولي ويهبالاها ولكن من دون نتائج تذكر. وفي زمن يهبالاها وتحت الحكم المغولي الأول، عرفت كنيسة المشرق انتشارا واسعًا من القدس إلى الصين والهند. وفي بغداد سُمحَ للبطريرك الإقامة في أحد قصور العباسيين. ولكن لم يدم الوضع على هذه الحال، فعندما جاء الخان الثاني غازان، ابن أرغون واعتنق الإسلام رسميًا، ضايق المسيحيين كثيرًا، ودمرت بعض الكنائس أو حولت إلى مساجد، ونهبت دار البطريركية. وبدأ أفول أهم كنيسة مُبشِّرة في القرون الوسطى. وقام خلفه طيمثاوس الثاني (1318-1331) بعقد مجمع لإجراء بعض إصلاحات ولملمة قوى الكنيسة، ويُعدُّ آخر مجمع يذكر لهذه الكنيسة قبل القرن التاسع عشر. وفي العقود الأخيرة من القرن الرابع عشر، مسحت حملة تيمورلانك العسكرية العديد من أبرشيات كنيسة المشرق، وصارت الأبرشيات النائية معزولة عن مركز رئاستها الأم، وامّحت شيئا فشيئا في الصين بعد اندحار المغول. 5-خط سولاقا وقيام الكنيسة الكلدانية في القرن الخامس عشر إنحسرت أبرشيات كنيسة المشرق في شمال بين النهرين وفي جبال هكاري. وفي سنة 1450 قام البطريرك شمعون الباصيدي (+1497) بحصر البطريركية في أبناء عائلته وحدها (العائلة الأبوية). وسَنَّ قاعدة لتوريث الجاثليق من هذه العشيرة، مما جعل عائلة واحدة تهيمن على الكرسي البطريركي. وأدّى هذا الإجراء إلى انقسام بين صفوف المؤمنين لا سيّما عندما كان يتولى الكرسي صبيّ صغير. ففي عام 1539 إضطر البطريرك شمعون السابع برماما (1538-1558) إلى رسامة ابن أخيه الذي لم يكد يبلغ الثانية عشرة ميترابوليتًا لعدم وجود شخص غيره في العائلة الأبوية. وللأسباب عينها، شغرت عدة أبرشيات. وبعد بضع سنين رسم فتى أخر عمره خمسة عشر عامًا، فتفاقم التذمر بين أبناء الكنيسة لا سيّما في مناطق آمد (ديار بكر) وسعرد، فالتقى المعارضون للتوريث في الجزيرة ثم في الموصل في شباط 1552 وحضر هذا اللقاء الموسَّع فضلاً عن وجهاء الموصل وعدد من الكهنة والرهبان، أسقف اربيل وأسقف سلماس وأسقف أذربيجان، واختاروا بالإجماع يوحنا سولاقا، من عائلة بلّو، رئيس دير الربّان هرمزد في جبل ألقوش بطريركًا. ولعدم وجود رئيس أساقفة يقوم برسامته، أوفدوه إلى روما للرسامة ولنيل اعتراف الكرسي ألرسولي. ولقد رافقه وفد من أشراف الشعب، وتوجهوا أولاً إلى فلسطين لزيارة العتبات المقدسة، ثم تابعوا سفرهم الى روما، وكان البابا آنذاك يوليوس الثالث. هناك أعلن إيمانه الكاثوليكي في عشرين شباط 1553، وحصلت رسامته أسقفا في نيسان من نفس السنة. وانتشر في روما خبر بوفاة البطريرك برماما، وعلى إثره قام الكرسي ألرسولي بتثبيت سولاقا “بطريرك الموصل” في مرسوم مؤرخ في 28 نيسان 1553 “وألبس الدرع المقدس divina disponente clementia” باسم “شمعون الثامن سولاقا”. على الأرجح تّم هذا التحوّل بتأثير المرسلين الغربيين. وفي عودته، رافقه بعض الرهبان الدومنيكان للمساعدة في نشر الكثلكة. وصل يوحنا سولاقا آمد في 12/11/1553 وجعل فيها كرسيّه وقوّى موقفه ورسم متروبوليتين وثلاثة أساقفة: لآمد والجزيرة وماردين وسعرد. وحصل عام 1553 على اعتراف الباب العالي (السلطان العثماني). لكن البطريرك برماما، الذي كان لا يزال في قيد الحياة، مارس على باشا العمادية تأثيرًا، فدعا سولاقا إليه، فلما وصلها، قام باعتقاله وتعذيبه. وأخيرا مات في 12 كانون الثاني من عام 1555. وقد عدّته الكنيسة الكلدانية شهيد الاتحاد. واجتمع الاساقفة الخمسة الذين كرّسهم سولاقا، واختاروا خلفًا له عبديشوع، مطران الجزيرة الذي كان في السابق راهبًا (1555-1570). سافر الى روما ونال التثبيت من البابا بيوس الرابع عام 1562 وجعل مقرَه في دير بقرب سعرد حيث عاش حتى وفاته. وبسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة وبغية تقديم خدمة رعوية أفضل، سكن خلفاؤه في سعرد ثم في سلماس وخسراوا وأورميا. وبقوا في الشركة مع روما إلى القرن السابع عشر، ولكن لم يسافر أحدهم إلى روما لنيل التثبيت من الكرسي ألرسولي. وأن بعضهم لم ينل الاعتراف الرسمي، وأن البعض الآخر أرسل صورة إيمانه وقامت روما بتثبيته، نذكر على سبيل المثال البطريرك شمعون التاسع دنحا (1580-1600)، وقد حمل رسالة تثبيته المبعوث البابوي ليونارد هابيل عن طريق حلب، وسلمت عام 1585. وعند نقل البطريرك شمعون الثالث عشر دنحا (1662-1700) كرسيّه الى قوجانس في جبال هكــــاري، عاد هذا الخط من البطاركة إلى العقيدة التقليدية (النسطورية)، وليس واضحًا إن كان قد أعاد معه التوريث. المُهم أنه وُضِعَ حدٌ لتوريث الرئاسة الكنسية عام 1974 بوفاة مار شمعون الثالث والعشرين ايشاي، في سان فرنسيسكو في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن الجدير بالذكر ان رئاسة كنيسة المشرق الأشورية تنحدر من خط سولاقا ولا تزال تتواصل معه، في حين سلسلة الكنيسة الكلدانية تتواصل مع الخط الآخر، الذي كان نسطوريًا، أي خط القوش-الموصل. 6-ثلاث سلاسل بطريركية عندما تُوفي البطريرك شمعون برماما عام 1558 خلفه ابن أخيه إيليا السـادس بر كوركيس (1559-1591). وأقام هو وخلفاؤه في دير الربان هرمزد في جبل القوش بقرب الموصل. وبسببهم وتأثيرهم جعل خلفاء سولاقا يقيمون في آمد -دياربكر. وان خليفته ايليا السابع (1591-1617)، على الارجح بتاثير المرسلين الغربيين الذين اعادوا الى الكثلكة جمعًا من اتباع كنيسة المشرق، أرسل وفداً الى روما عام 1606 /7 و1611 للتباحث في الاتحاد. وبتاثير الراهب الفرنسيسكانـي اوبجينـي دي نوفـــارا “Obicini da Novara” عقـد ايليا هذا مجمعًا عام 1616، أكد فيه تبني العقيـدة الكاثوليكـة (وخصوصا ما يتعلق بالكريستولوجية)، لكن هذا التبني لم يحقق اتحادًا صريحًا مع روما. في الوقت عينه أرسل شمعون العشرون، من سلسلة سولاقا صيغة إيمانه إلى روما. وحاول الرهبان الفرنسيسكان التحاور مع الكتلتين لتحقيق الشركة، ولكن لم يتم ذلك. وبقي البطريركان في الموصل وقوجانس بَعيدَين عن هذه الشركة طوال النصف الثاني من القرن السابع عشر. عام 1667 جاء راهب كبوشي يدعى يوحنا المعمدان سانت ايكنان “Jean-Baptist de st-Aignan” ليعمل وسط المسيحيين المشرقيين في آمد، وقد اقنع الميترابوليت يوسف، في عام 1672 بالكثلكة. وبالفعل اعتنقها، فحصل على اعتراف من السلطات الرسمية بولايته على دياربكر وماردين، وثبتّته روما بطريركاً للأمة الكلدانية المحرومة من رئيس “ patriarch of the Chaldean Nation deprived of its patriarch”. وبه نشأت سلسلة بطريركية جديدة في آمد حمل أفرادها لقب “يوسف”. وكان لهؤلاء البطاركة نفوذ كبير في نشر الكثلكة في مناطق ديار بكر وسعرد وماردين والجزيرة وسهل الموصل. وحصلت صراعات بين البطريركَين، وتدخّلت السلطات الحكومية وعقّدت الوضع. في عام 1804 أصبح المطران أوغسطين هندي مدبّراً بطريركيًا لكرسي آمد. ولم يُعطَ لقب البطريرك، لانه كان في نيّة روما توحيد الكتلتين (في آمد والموصل) في رئاسة واحدة. وقد نال الدرع المقدس، فقط في عام 1818، لكنه لقّب نفسه يوسف الخامس. وبموته، في عام 1828 انتهت بطريركية آمد التي بقيت متحدة مع روما حوالي 146 سنة. مما يجدر ذكــره أن المرسلين البروتستانت الامريكيــين (1819) والبريطانييـن (1840) اتوا إلى المنطقة، وكثّفوا عملهم في القرى والمدن التي يسكنها المشرقيون. 7-يوحنا هرمزد والخلافة البطريركية الكلدانية بالرغم من ان البطريركية في الموصل فقدت تأثيرها في آمد وماردين وجبال هكاري، إلا أنها حافظت عليه في دير الربان هرمزد والمناطق المحيطة به. وكان بطاركة هذا الكرسي من أبناء العائلة الأبوية. أما كرسي آمد، فالعديد من أبناء كنيسة المشرق يعتقدون أنه كان يجب ألا يكون أساسًا. لقد دعمته روما وعدّته جسرًا لكسب كرسي الموصل إلى الشركة التامة معها، الأمر الذي لم يتم إلاّ في النصف الأول من القرن التاسع عشر، في شخص البطريرك يوحنا هرمز، أحد أبناء العائلة الأبوية. وفي نهاية القرن الثامن عشر، وتحت تأثير بطريركية آمد وبمعاونة الرهبان الكبوشيين والدومنيكان، انضّم معظم أبناء كنيسة المشرق في الموصل وسهلها إلى الكثلكة. فيذكر الأب دومينكو لانزا انه زار كرمليس في عام 1765، وأن اهلها كلهم كانوا قد اعتنقوا الكثلكة، وكذلك تلكيف وقرى خط القوش. وعندما رأى البطريرك إيليا الثاني عشر دنحا، في دير الربان هرمزد، ان التيار الكاثوليكي أخذ يشتد ويقوى ويتسع، اتصل مع روما وكتب عدة رسائل معربًا عن رغبته في الاتحاد معها. وبسبب تدخل يوسف الثالث، بطريرك آمد، لم تتحقق هذه الرغبة. وعندما خلفه ابن أخيه، إيليا الثاني عشر ايشوعياب (1778-1804)، عارضه بقوة يوحنا هرمزد، ميترابوليت الموصل، أحد أنسبائه. وسبب هذه المعارضة كان في الغالب الاتصالات مع روما. لقد عدّ يوحنا هرمز نفسه كاثوليكيا منذ 1778، وثبتّته روما ميترابوليتا على الموصل ومدّبرا بطريركيًّا. الا انه لم ينصب بطريركا الا متأخرا بسبب معارضة أوغسطين هندي له، وشك روما في مصداقيته. في سنة 1804 توفي إيليا الثالث عشر إيشوعياب، ولم يكن في عائلته ذَكَرٌ يمكن ان يخلفه، فخلت الساحة أمام يوحنا هرمزد. ولكن وجد من بين المعارضين: رهبان دير الربان هرمزد، وكان الأب جبرائيل دنبو المارديني قد أعاد إليه الحياة الديرية. ففضلّوا عليه اغوسطين هندي. كما ان المرسلين اللاتين، كانوا قد بعثوا إلى روما تقريراً سلبياً عن خدمة يوحنا هرمزد، مما دفعها إلى تعيين هندي مدبراً بطريركيًا على كرسي بابل، وأوقفت يوحنا هرمزد عن الخدمة. ولكن موت أوغسطين هندي حل مشكلة وجود كرسيين بطريركيين في طائفة واحدة، وفي وقت واحد. فقام البابا بيوس الثامن بتثبيت يوحنا هرمزد رسميًا” بطريرك بابل على الكلدان “Patriarch of Babylon of the Chaldeans”، وجعل كرسيّه في الموصل. كان ذلك في الخامس من تموز 1830، مع العلم أنه لا توجد علاقة كنسية ببابل وان الكرسي البطريركي كان في المدائن (ساليق وقطيسفون)، أي بغداد، ربما يعود هذا التبني الى كونها عاصمة الكلدانيين. هكذا اندمجت البطريركيتان: آمد والموصل، ومنذئذٍ حافظت السلسلة البطريركية-الخط الأول-على شركتها التامّة مع روما والى اليوم. 8- من القرن التاسع عشر والى أيامنا للحيلولة دون محاولة يوحنا هرمز حصر البطريركية في عائلته الأبوية، قامت روما بتعيين نيقولاوس زيّعا، مطران سلماس– إيران (1838-1848) معاونًا بطريركيًا مع حق الخلافة. وفي عام 1844 كان زيعا أول من نال الفرمان العثماني الذي يعترف به بطريركًا على الكلدان. ومنذئذ ثبتت الكنيسة الكلدانية قانونيًا كمّلة “millet”. ثم خلّفه يوسف أودو (1848-1878) المعروف بحيويته واندفاعه ودفاعه عن حقوق بطاركة الشرق في المجمع الفاتيكاني الاول (1870)، والذي اشتهر بمحاولته إعادة انضمام مسيحيي إقليم ملابار الهندي إلى كنيستهم المشرقية الأم. عمل البطريرك اودو من اجل نمّو الكنيسة الكلدانية وتأسيسها وانتشارها، فنلاحظ ازدياد عدد أبنائها في أيامه. وشعر بأن هذا العمل لن يتّم إلا إذا كان لديه مصّف أسقفي وكهنة على قدر كبير من الثقافة والروحية. فسعى إلى تأسيس المعهد الكهنوتي البطريركي “شمعون الصفا” في عام 1866، ودعم رهبان دير الربان هرمز وساعدهم في بناء دير السيدة، حافظة الزروع، قرب القوش عام 1859. وفي سنة وفاته عام 1878 أنشأ الآباء الدومنيكان في الموصل، معهد مار يوحنا الحبيب لتنشئة الكهنة الكلدان والسريان معًا، مؤكدين على وحدة التنشئة والتعاون في العمل الرعوي. وخلال بطريركية مار يوسف عمانوئيل الثاني الطويلة (1900-1947) انتقل الكثير من أبناء كنيسة المشرق الأشورية إلى الكنيسة الكلدانية – الكاثوليكية، جاء هذا بجهود عمل الرهبان والكهنة الرعوي بين القرى. كما قام المبشرون الأنكليكان والارثوذكس الروس بحملة تبشير في الريف الاشوري، وخصوصًا في إيران وجبال هكاري، ممّا قلّص عدد المنتمين إلى بطريركية قوجانس. وخلال الحرب الكونية الاولى (1914-1918)، نكبت العديد من مناطق المسيحيين المشرقيين، فبطريركية قوجانس فقدت موطنها (منطقة هكاري) ونحو ثلث سكاّنها، كما أن آلاف الكلدان في سعرد وديار بكر والجزيرة وبحيرة وان وماردين ذبحتهم تشكيلات خاصة عثمانية. وازيلت ابرشيات: سعرد والجزيرة ودياربكر ووان وقتل بعض أساقفتها، ونذكر على سبيل المثال المؤرخ ذائع الصيت أداّي شير، رئيس اساقفة سعرد ويعقوب أبراهام وتوما أودو. اما كلدان الموصل وأطرافها، فلم يصبهم الأذى بفضل إدارة البطريرك عمانوئيل الثاني الحكيمة. وفي عام 1947 تبوأ يوسف غنيمة كرسي بابل (+1958) ونقل عام 1950 الكرسي إلى العاصمة بغداد، ليكون قريبًا من مراكز السلطة المدنية ومن أبناء شعبه الذين بدأوا يتوافدون إليها بسبب فرص العمل والدراسة في المدارس المتخصصة والجامعات. وبوفاته، انتخب خلفا له بولس الثاني شيخو، مطران حلب عام 1958 وبعد أشهر من تسنمه الكرسي البطريركي حصل انقلاب في الحكم. قتل الملك وأعلنت الجمهورية وجاء الى السلطة الزعيم عبد الكريم قاسم. ثم كانت ثورة عام 1968، التي قام بها حزب البعث العربي الاشتراكي وترأس الجمهورية أحمد حسن بكر ثم خلفه صدام حسين (1979-2003) الذي دام حكمه نحو خمسا وعشرين سنة. لم تنعم البلاد بالراحة، بل عاشت أوضاعا متعبة: ثلاث ثورات وبروز القضية الكردية حيث نزح آلاف المسيحيين من قراهم أو رُحلوا بسبب الحرب التي شنها النظام على المناطق الكردية فدمرت قرى بكاملها وكنائس وأديار، ثم أعقبتها الحرب الإيرانية (1980-1988) ومعها بدأت موجة الهجرة إلى الخارج. ولم تكن الكنيسة قادرة على معالجة نزوح ابنائها من الشمال ونزيف الهجرة. ومما يذكر ان البطريرك شيخو قام ببناء عدة كنائس في بغداد لاستقبال المهجّرين المسيحيين، ولكن من دون أي عمل رعوي معّد لاحتضانهم وإعادة تنشئتهم وتأهيلهم للاندماج في المحيط الجديد، وخصوصا ان معظمهم قدموا من مجتمعات متجانسة: كنسيًا ولغويًا واجتماعيًا! وفي عام 1989 انتخب السينودس الكلداني بطريركًا، مطران بيروت روفائيل بيداويذ (1989-2003)، وكان العراق قد خرج توّاً من حرب الخليج الاولى مُنْهَكًا، هذه الحرب التي دامت فترة ثماني سنوات، وأودت بحياة العديدين. وما زاد في الطين بلّة ان النظام لم يتعلم العبرة فقام بغزو الكويت وكانت حرب الخليج الثانية وعقبها اثنا عشر عامًا من الحصار الاقتصادي (1991-2003). ووسمت هجرة المسيحيين المتزايدة عهده وعرف المهجر الكلداني انتعاشًا: أساقفة وكهنة في أوروبا واستراليا ونيوزيلندة وكندا والولايات المتحدة الأمريكية. كان أحد انجازات هذه الفترة الإعلان الكريستولوجي (الاتفاق حول لاهوت المسيح) بين الكاثوليك وكنيسة المشرق الاشورية في 11 تشرين ثاني 1994، وعلى وجه الدقة بين البابا يوحنا بولس الثاني ومار خنانيشوع دنحا الرابع. وقد شجعت هذه المبادرة قيادة الكنيستين الشقيقتين: الأشورية والكلدانية على تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة الحوار، وقد وقع البطريركان: مار دنحا ومار روفائيل عام 1996 على بيان مشترك. وفي عام 2001 اصدر المجلس البابوي من اجل وحدة المسيحيين وثيقة تحتوي على خطوط عريضة للاشتراك في القدسيات بين الكنيستين وخصوصًا في بلدان الانتشار. كما أعلن الكرسي الرسولي صحة رتبة قداس اداّي وماري من دون نص السرد، عام 2002. في كانون أول عام 2003 إنتخب السينودس الكلداني المعاون البطريركي، المطران عمانوئيل دلّي بطريركًا خلفًا لمار روفائيل بيداويذ المتوفى في بيروت في السنة نفسها. ان معظم المسيحيين الكلدان لا زالوا يعيشون في العراق، في المدن الكبرى وفي الريف، لا سّيما في قرى سهل نينوى. إنهم يشتغلون في مجال التربية والطب والتجارة، وبالرغم من كونهم أقليّة عددية، إلا ان حضورهم ومشاركتهم يُثمّنهما مواطنوهم، فضلا عن ثقافتهم وانفتاحهم وإخلاصهم. بقعة انتشار الكنيسة الكلدانية اليوم الكلدان منتشرون في العراق وسوريا ولبنان وشمال تركيا وشرق إيران. وفضلاً عن وجود جماعات مهمة في الشرق المتوسط، إلا ان حالة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي التي تعيش فيها هذه البلدان دفعت بهم إلى الشتات، فلهم جاليات ذات شأن في الأمريكتين واستراليا وأوروبا، ولهم مراكزهم الثقافية ونشاطاتهم الاجتماعية وكنائسهم التي تحافظ على طقوسهم الأصلية. 9- المراكز العلمية وآباء وأدباء كنيسة المشرق أقام السريان المشارقة مراكز علمية وحضارية للثقافة المسيحية السريانية والإغريقية ثم العربية: وغدت أديارهم مدارس المعرفة المدنية والدينية، ومحّجة محبّي العلم ولا يزال بعضها شاهدًا على هذه الحضارة والتواصل إلى اليوم، ونذكر في هذه الخلاصة أهمها: الرهــــا تسمى اليوم أورفا – أديسا او كما يحب ان يسمّيها الأتراك “Sanli Urfa”، تقع في جنوب تركيا الحالية على شاطيء نهر الفرات. يذكرها أوسابيوس القيصري (264-340) الذي زارها واكتشف فيها الرسائل المتبادلة بين ملكها أبجر ويسوع (الكتاب الاول، 13-5)، كما زارتها الراهبة الأكويتانية ايجيريا بين الأعوام (381-384). كانت الرها مدينة حدودية ومركزا حضاريا وعلميا. فيها نشطت الحركة الثقافية السريانية منذ القرن الثاني، وعلى الأرجح فيها تمت ترجمة العهد الجديد إلى السريانية، وقد يكون منها انطلقت المسيحية إلى بقية مدن ما بين النهرين. فيها وُجدت مدرسة دينية بسيطة، أدارها معلِّمون بارزون مثل ططيانس (+170) وبرديصان (+222) ولكن تشكيل مدرسة لاهوتية منتظمة، يعود فضل تأسيسها إلى مار أفرام سنة 363، حيث اوجد لها مجلسًا إداريًا. خطّها التفسيري رباني rabinic، أي بعد أن يؤخذ بالمعنى الحرفي-التاريخي، يصار إلى التطبيق الرعوي- العملي. وقد أعطت هذه المدرسة نخبة من آباء ومفكرين ورعاة لكنيسة السريان المشارقة والمغاربة معاً. وتعد الرها أول مملكة مسيحية – سريانية. نصيبيــــــن أصدر الامبراطور زينون قرارًا وحدويًا يعرف بـ Henoticon لإزالة اسباب الفرقة بين الكنائس المسيحية، لكنه لم يفلح، فعمد عام 489 الى غلق مدرسة الرها بسبب الجدالات اللاهوتية، فاضطر أساتذتها الى الانتقال إلى مدينة نصيبين المجاورة الخاضعة لسيطرة الفرس الساسانيين، وفتحوا فيها مدرسة أكاديمية متميزة، رئسها نرساي الملفان. ولقد وصلنا نظام التدريس فيها. كانت الدراسة فيها مجانيّة، تستغرق ثلاث سنوات يدرس فيها: الكتاب المقدس، الإلهيات، الطقوس، الفلسفة، الطب، الفلك، الفيزياء، الكيمياء، الرياضيات، الجغرافية، التاريخ، الشعر، الخطابة والبيان. وقد بلغت في القرن السادس أوَجَها حيث فاق عدد طلابها الثمانمئة، وتعدى تأثيرها بلاد ما بين النهرين إلى بلدان الهلال الخصيب. كما ان هناك مدارس أخرى مهمة مثل مدرسة بيث عابي والدير الأعلى ومدرسة جنديشابور التي اختصت بالطّب والعلم، والتي درس فيها إلى جانب المسيحيين المسلمون وتتلمذوا على مشاهير أطبائها المسيحيين. المشاهير نذكر في هذه العجالة اسماء مشاهير آباء وأدباء كنيسة المشرق في القرون الغابرة: برديصان وافرام السرياني وافراهاط الحكيم ونرساي وباباي الكبير واسحق النينوي (الذي صار جسرا ينقل الروحانية المشرقية) وسهدونا ويوحنا الدلياتي، وابراهيم وداديشوع وايوب القطريون وإيشوعياب الثاني والثالث والجاثليق طيمثاوس الكبير وحُنَين بن اسحق (الذي وضع المصطلحات الطبية بالعربية) وابنه اسحق واطباء آل بختيشوع وعبد الله ابن الطيب وايليا برشينايا ويوحنا بر زعبي وعبديشوع الصوباوي وطيمثاوس الثاني… ان الاجواء المنفتحة في الدولة العباسية التي أحبها الخاصة والعامة هي التي سمحت للمسيحيين تناول لا العلوم الانسانية فقط، بل حوارات لاهوتية وفقهية بينهم وبين المسلمين من درجة اولى، كتلك التي جرت بين الجاثليق طيموثاوس الاول والخليفة المهدي، واسحق الكندي وعبدالله الهاشمي، ومجالس المطران إيليا برشينايا النصيبيني مع ابي القاسم الحسين ابن علي المغربي. هولاء وغيرهم تركوا لنا إرثًا دينيًا حواريًا عظيمًا. 10- الخط اللاهوتي والروحانية المشرقية إن اللاهوت جُهد بشري يسعى لفهم الإيمان، والتعبير عنه بلغة مفهومة بحسب الزمان والمكان. وتختلف هذه اللغة من جيل إلى جيل، ومن حضارة إلى أخرى. هكذا نجد منذ فجر المسيحية، اتجاهات مختلفة في التعبير اللاهوتي بين الكنائس، شرقاً وغرباً، مثلما نجد رُتَباً وممارسات، نابعة من حاجات الناس ولغتهم، إنطلاقاً من الأسئلة التي يطرحها الإيمان على ضميرهم. فالتعددية اللاهوتية حق مشروع وظاهرة حضارية. من هنا نستنتج ان الإيمان ثابت ومطلق واللاهوت نسبي، وكعلم يستفيد من المدارس الفكرية التي يتحرك فيها البشر، فيختلف التعبير والنهج، بحسب الإطار التاريخي والحضاري والثقافي للشعوب. من المؤكد ان هناك سمات مشتركة بين السريان، مشرقيين كانوا أو مغربيين، ولكن كل طرف أختص في تعميق شخصيته وهويته انطلاقا من عقيدته، لا سيّما فيما يخص المسيح، فهناك لاهوت سرياني مشرقي، نسبة إلى مؤسسيه الذين كانوا يسكنون شرقي نهر الفرات في بقعة جغرافية واسعة تعرف ببلاد ما بين النهرين، ولاهوت سرياني غربي، نسبة إلى مؤسسيه الذين كانوا يسكنون غربي الفرات. إنطلق اللاهوت المشرقي من نظرة تاريخية، تهتم بمعنى الأحداث والأشخاص لحمل الناس على تحقيق نداءات الله في ظروفهم الحياتية اليومية، مشدداً على الجانب الإنساني من دون ان يُهمل الجانب الإلهي، في حين شدّد اللاهوت السرياني الغربي على الجانب الإلهي في كل عمل الخلاص، مُؤكِّدًاً على الجانب الروحاني. تأثَّر الآباء المشرقيون بآباء أنطاكية وبخاصة ثيودورس المصيصي، في حين اتسم لاهوت آباء السريان المغاربة بسمات اللاهوت الاسكندري، متأثرين بأثناسيوس الكبير. عموماً ينبع لاهوت المشارقة من واقع المشرق الحضاري والاجتماعي والاقتصادي: فالمسيحيون كانوا عادة فلاحين أو رعاة أو رهباناً وقلما تبوأوا مراكز القوة أو السلطة، لذا جاء لاهوتُهم مفعما بالعفوية والحماسة والقلب. وهو أقرب إلى اللاهوت المعاصر منه الى اللاهوت الكلاسيكي. سماتــه 1-لاهوت آبائي، أي ان الذين أسسوه ورسموا خطوطه وروحانيته، هم آباء الكنيسة في القرون السبعة الأولى. بعده توقف لعدة أسباب، وكأنه بلغ الكمال، ودخل إلى قدسية الثوابت. ما نجده في الفترات اللاحقة، هنا وهناك، ليس إلا إعادة أو توضيحاً. 2-لاهوت كتابي، أي يترّكز في الوحي الإلهي، ويقوم ببناء تفسير منهجي على خط رباني متهِّود، مستعملا الفنون الأدبية، بهدف تقديم تعليم عقائدي مبنى على نصوص كتابية من خلال إيجاد صور ورموز بأسلوب “الاغادا” واستخلاص تعليم خُلُقي-عملي بنفس نهج “الهلاغا”. ويستعمل بغزارة المنهجية التطبيقيةtypologyوالرمزية allegory . 3- لاهوت عبادي، أي ليترجي لا ينفصل عن نصوص صلوات الكنيسة وتسبيحها، لان ليترجيا الكنيسة هي إيمانها المتجسّد في الواقع الذي يتغلغل في كيان المؤمنين ويتجذّر فيهم. 4- لاهــوت تعــليمي catechetic، أي همّه التعـــليم وليس التــنظير، وجاءت أطروحاته على شكل مواعظ “ميامر” مؤسسة على الإيمان والخبرة اليومية، بغية إعداد الناس للعيـــش بحسب متــطلبات الإنجيل. ويتـــنوع بحسب تنــوع الحالات والمناســبات الكنســـية. ونادراً ما نجد بحثاً منهجياً منسقاً systematic. 5- لاهوت تدبيري، اي ينطلق من تدبير الخلاص وهو ركيزة اللاهوت المشرقي. والتدبير يعني في المجال اللاهوتي، العمل الإلهي كاملا، بدءا بالخلق وحتى نهاية الأزمنة، يشترك فيه الله الواحد والثالوث.والإنسان هو محور التـــدبير. والآباء المـــشرقيون في معـــرض تعليمهم عن الله، أشاروا إلى ان التدبير الإلهي، في خلق الإنسان يحمل مسبقا على شكل بذرة تجّسد الكلمة، فالخلق والتجسد مترابطان، متكاملان، ويعبّران عن الحب الإلهي. والتدبير مسيرة تاريخية، منذ الأٌلف إلى الياء، مجسداً ملء الله وسرّ حضوره في يسوع المسيح الذي يُسمّيه “شخص التدبـــير-فرؤوفا دمدبرنوةا”. 6- لاهوت سلبي، أي يعتمد أسلوب النفيapophatic لتبيان صفات الله، ويميل بوضوح إلى التنزيه. فالله غير منظور، غير مُدرَك، غير مائت الخ . من المُلفِت للنظر إنه يقلل من ذكر اسم الجلالة كما الحال عند اليهود والمسلمين: “ذاك الذي باركنا، الشكر للصالح…” إن الطريقة السلبية تعبير عميق عن عجز الإنسان أمام فهم كيان الله فائق الإدراك “كنز نحمله في إناء من خزف” (2 قور 4-7). 7- لاهوت دفاعي، أي يتسم بطابع الدفاع ودحض اعتراضات الآخرين. بدلاً من القيام بعرض الإيمان بلغة سلسة، يستخدم أسلوب المنطق وقرع الحجّة بالحجّة. 8- لاهوت صوفي، قد يكون لان معظم كُتّابِه كانوا من الرهبان، فهو يدعو إلى روحانية صوفية، تغدو بموجبها حياة المؤمن بحثاً “خروجاً” متواصلاً عن سرّ الله للتعرف عليه، ومحبته، والاتحاد به. ويُشدّد على القلب لأنه وفقاً لأدبيات الصوفية هو موقع الفهم وحصن الإنسان الأساسي. وبخصوص لاهوت المسيح. استعمل بعض اللاهوتيين قديمًا كلمة طبيعة physis وكلمة اقنوم hypostasis بالمعنى الواحد نفسه. كما استعمل غيرهم كلمة اقنوم وشخصprosopon كمرادفين. اما المشرقيون، فقد ابتكروا منهجًا فلسفيًا يعبّر عن التمييز والوحدة بين الإلهي والإنساني. كيانا: هو الفكرة المجردة للطبيعة، أي السمات المشتركة التي تصف “طبيعة ما” كالطبيعة البشرية أو الإلهية. قنوما: هو المفهوم الخاص لكائن ما في ذاته الفردية، أي في كيانه العميق. -الشخص أو – الوجه- هو الصورة، التي لا تعني الهيئة الظاهرة فحسب، بل الصفات الأساسية “الجوهر غير المنظور” التي تظهر للخارج واليه تنسب كل الأفعال. وفقًا لهذا المنهج، يكون للمسيح طبيعتان واقنومان وشخص واحد، يتم من خلاله تبادل خواص الطبيعتين: البشرية والإلهية معًا. والوحدة فيه ليست كونفدرالية ولا أدبية، بل جوهرية. أما الثالوث الأقدس، الذي كشفه يسوع لنا، فيُشّكل تجلي الله المحبة، حضوره كآب وابن وروح قدس. يوجد تباين “تمييز” في طريقة الحضور الثلاثي، لكنه هو الواحد بعينه. الآب هو المصدر “الوجود– ، حركة محبته ظهرت في الابن والروح القدس. وآباء كنيسة المشرق استعملوا صورًا عديدة للتعبير عن الثالوث والواحد معًا، كالشمس ونبع المياه والتفاحة والإنسان: نفس وجسد وقوى. واستخدموا مصطلح “الاقنوم” بدل “الشخص” الأكثر ملاءمة. مريم العذراء اللاهوت المريمي المشرقي معتدل بلا مغالاة ولا تهميش.عمومًا لاهوت آبائي وليترجي. وبالإمكان ايجازه في ثلاث نقاط: 1- بتوليتها: ثابتة أثناء الحبل والولادة وبعدهما. هذا ما يشير اليه آباؤها افرام ونرساي، كما وطقوسها. 2- ممتلئة نعمة: هذه النعمة مستمّدة من ابنها ومن قبولها وتفاعلها. هكذا تغدو نموذجا لكّل أم، ولكّل تلميذ منفتح، بتواضع على الله. وهي صورة الكنيسة التي تُصغي وتَتَقبّل وتعيش. 3- الأمومة الشاملة: مريم مشبَّهة بحواء الجديدة، إنها أم البشرية الجديدة (الكنيسة)، التي بكرها المسيح، ورأسها. ألقابها: البتول، الطوباوية، ام المسيح، ام المخلص، السماء الثانية، حواء الثانية، تابوت العهد، ابنة داود، العروسة، لكن كنيسة المشرق، تجّنَبَتْ لقب “والدة الله –Theotokos ” بسب الالتباس، ويبّرر نرساي ذلك، بكون الولادة والنمو هما من خواص الانسان. وعديدة هي الاناشيد التي خصَّها بها أفرام ونرساي وغيرهما. يقول نرساي: “يجب ان يُعطى للقديسة مريم اسم لائق: أمّ الصورة التي بواسطتها تجلّت صورة اللاهوت غير المنظور. أما ابنها، فندعوه مسيحًا وابنًا وملكًا وربًّا” (مخطوط بورجا 83 ص 34 وجه). والليترجية المشرقية تذكر العذراء مريم في تراتيل التقدمة (قبل تلاوة قانون الايمان)، وفي صلوات الصباح والمساء، وتخصص لها الاربعاء وتُعّيد لها بيوم تهنئة (ثاني يوم عيد الميلاد) وحافظة الزروع في 15 أيار والإنتقال 15 أب. هناك أعياد أخرى ولدت بتأثير لاتيني. وفي التراتيل الموسومة بـ يخصص لها ترتيلة. والعديد من الكنائس يحمل اسمها. الاسرار ان مفهوم السر في كنيسة المشرق غير محدّد، استعمل للاشارة الى الاشياء المقدسة تمامًا كما كان الغرب يستعمل لفظة sacrament بالنسبة الى العلامات والاشياء المقدسة، الى درجة أن القديس اوغسطينوس (+430) يذكر قائمة بـ 340 سرًّا. لم تتبلور كلمة السّر وتحدد الا متأخرًا، وكذلك العدد سبعة حددته الكنيسة اللاتينية في المجمع التريدنتيني(1545-1563). كنيسة المشرق حالها حال بقية الكنائس الشرقية غير الكاثوليكية، لم تجد سبيلاً الى بلورة الأسرار بمنهجية دقيقة، لأسباب عديدة، حتى وقت متأخّر. فعُّدت أسرارًا العلامات التي تقدس عناصر مادية لتمنح من خلالها نعم الرب، وتعبّر عن حضوره ومحبته. ورأت في هذه الاسرار مجالا لالتقائه. قائمة الاسرار السبعة جاءت مفصّلة في كتاب الجوهرة لعبديشوع الصوباوي(+1318) وهو كتاب تعليم مسيحي رسمي معتمد: الكهنوت، المعمودية، المسحة، القربان، الخميرة المقدسة ، مغفرة الخطايا، علامة الصليب او الزواج والبتولية، في حين قائمة معاصره طيمثاوس الثاني (+1332) في كتابه: “العلل السبع لأسرار الكنيسة”، مخطوط فاتيكان سرياني 151 جاءت مختلفة قليلا: الكهنوت، المعمودية، القربان، الزواج، تكريس الحياة الرهبانية، تكريس المذابح والتجنيز. واعتمد عبديشوع الثنائية في تحديد حقيقة السر وصحته: المادةmateria كالماء والخبز والزيت. والصورةforma ، اي صيغة الصلاة. يبدو أنه تّم هذا التحديد بتأثير المرسلين الغربيين الذين بداوا يتوافدون الى هذه المنطقة. يرى نرساي ثلاثة ابعاد لكل سّر: البعد العقائدي وهو التعبير عن الإيمان المستقيم، والبعد الادبي، العيش وفق ترتيبات الحالة الجديدة التي يشكلها السّر، والبعد الاواخري، الرجاء في الحصول على ملء ما يرمز اليه السّر في العالم العتيد.من المؤكد ان بعض الاسرار جاء للتأكيد على وحدة الكنيسة، والتواصل الرسولي كما في حالة الخميرة المقدسة “ملكا” والاسقفية للخلافة الرسولية. الروحانية المشرقية إن تاريخ الخلاص oikonomia الذي يقول الكتاب المقدس إن رأسه هو يسوع المسيح، يتحقق في الكنيسة (الجماعة) ومن ثمّ في نفس الإنسان المؤمن. و يتم هذه التطابق خصوصا من خلال السنة الطقسية، حيث تعرض علينا مختلف مراحل تاريخ الخلاص بشكل واقعي وعملـي (المعنى اللاهوتي والأخلاقي) وأخيرا في الحياة الأبدية بطريقة تدريجية (المعنى الأواخري- تقديس الكنيسة)، ومن خلال التأمّل المستمر، شخصيًا وجماعيًا، في سرّ المسيح والكنيسة. التدبير عمل تصّوفي للدخول إلى حقيقة الشخص والأحداث للتعرّف عليه وعلى معاني الأمور التي حصلت. وهو برنامج تنشئة يستطيع الحثَّ على التفكير والتأمل في المواضيع الأساسية والمصيرية المكوِّنة للجماعة المسيحية ووعيها لسّر دعوتها، وتوجّه صلاتها ومسيرتها. طقسنا المشرقي، يضع قنديلاً مشتعلاً في وسط الهيكل ليسلّط الضوء على مائدتي الافخارستيا والكتاب المقدس المعروضَين لإكرامنا. يميز نرساي بين صورة الله الثابتة، ومثاله المتحرك. فصورة الله هي الكيان الذي يلبس الإنسان ويشركه في الحياة الإلهية، والمثال هو الحركة: النمو المستمر لهذا الزرع الإلهي في الإنسان، أي يدفعه إلى الكمال الروحي. والروح في المعمودية “الولادة الجديدة” يُعيد الى الإنسان جمال الصورة التي شوهت بالخطيئة. وصورة النموذج هذه تعايش وتختبر في الليترجيا، صلاة الفرد والجماعة ومن خلال الاحتفال بالأسرار المقدسة. مسيحية من دون خبرة صوفية-روحية، مسيحية لا طعم فيها. كل مسيحي يلزم ان يكون له شيء من الخبرة الصوفية التي ليست حالة استثنائية، بل على الكلّ ان يختبرها. والروحانية تعني ان يكون لنا “الروح القدس”، ان نتركه يصلّي فينا وان يدخلنا إلى معرفة سر الله. والروحانية لا تعني ان نعتزل عن العالم، إنما ان تكون لنا معرفة الله “الاب-أبونا”، معرفة مباشرة، وان تزداد وسط تفاصيل حياتنا اليومية الاعتيادية. هناك شرطان أساسيان في كل التقليد المشرقي للحياة الروحية: 1- التزام حقيقي باقتداء المسيح، كل بحسب ظروفه الخاصة. انها روحانية مرتكزة على علاقة الحّب بصورة جذرية على مثال العرس– العهد. 2- ممارسة الصلاة العميقة، أي روحانية “العشق الالهي- وصوفية القلب”، كما نجدها عند العديد من الروحانيين المشرقيين: يوحنا الدلياثي، وشمعون ده طيبوثا، واسحق النينوي وسهدونا. هذه الممارسة الوجدانية تتيح للمؤمن الاتحاد بالله في السجود والشكر وتجلب له القوّة والنور والسلام وسط كفاحه اليومي. صلاته تدخل في صلاة يسوع وتتأسس عليها. لقد مارس المتصّوفة المشرقيون تأثيرا في الصوفيين المسلمين. 3- هناك ثنائية عند الروحانيين المشرقيين، ومعظمهم كان من الرهبان، قد تكون من تاثير الغنوصية: المسيحي العلماني والمسيحي التراتبي (كتاب المراقي) والمجاهدون (الرهبان) والناس الاعتياديون (أفراهاط الحكيم). 11- السنة الطقسّية والليترجيا المشرقية ان لفظة “الطقس- معرّبة عن اليونانية “taxis” وتعني الترتيب والنظام. وتشير هنا إلى كل مراسيم العبادة في الكنيسة وصلواتها والإحتفال بأسرارها وأعيادها. وباختصار: الطقس يعبر عن إيمان الكنيسة وتقليدها وتعليمها، ويرسم هويتها وشخصيتها. الليترجيِّاLiturgia وهي ايضًا كلمة يونانية تعني خدمة الصلاة والعبادة، اي العمل الكهنوتي في سبيل الشعب. وقد استعملت كنيسة المشرقة كلمة سريانية”-خدمة” للدلالة على هذا العمل المتميز، فالليترجيا مشروعٌ يهدف إلى تعميق معاني الصلاة وأبعادِها في حياة المؤمنين، حتى تغدو ينبوعَ حياةٍ لهم، وتَصيرَ حياتُهُم ليترجيِّا دائمة. تعّد ليترجيا المشرق أحدى أقدم ليترجيات الكنيسة، ذات تقليد مسيحي نشأ من أصل أورشليمي (يهودي). وتتكون هذه الليترجيا من صلاة الغروب وصلاة الليل والفجر في الأيام الاعتيادية، يضاف إليها صلاة السهرة يوم الأحد بين صلاة الليل والفجر. اما خدمة موسم الصوم الكبير فهي كالتالي: منتصف الليل، الليل، السهرة والفجر اي صلاة الساعة التاسعة وعدنا اي الظهيرة اي الرمش ثم ” الافطار. هذه الاوقات الثمانية بارزة في زمن الصوم، تدمج عادة، كما في صلاة الساعة التاسعة والظهيرة والرمش والافطار. وتجدر الاشارة الى ان في ايام الصيام كان الطعام يقتصر على وجبة واحدة عند الغروب. في البدايات كانت توجد خدمتان: الاولى للشعب “الكاتدرائية” في المدن والثانية للرهبان في الأديار. هذا التمييز اختفى لاحقًا. حاليًا توجد خدمة واحدة للجميع. ان التآليف الشعرية ذات قافية موزونة وموجزة دخلت في الليترجيات الكنسية ونجدها بكثافة في صلب الليترجيا المشرقية. الاجناس الادبية المستعملة هي: “اغنية” وهي ابيات قصيرة “تسبحة” وهي ابيات شعرية أطول ومدراش وهو نص شعري تاملي وتعليمي، ونادرا ما نشاهد ميمرا أي مقالة شعرية طويلة، خارج رتبة صيام نينوى “الباعوثا”. هذه التراتيل المختارة تصاحبها صلوات كهنوتية وطلبات وردات يؤديها الشعب. غالبية الترتيل الكنسي تعود اصوله الى آباء الكنيسة والاديار ويعد القرن السابع العصر الذهبي لليترجيا المشرقية. الطقس الكلداني-الاشوري هو ابسط الطقوس الشرقية، ومن أقدمها. نشأ في منطقة بعيدة عن التأثير الهليّني، وحافظ على اللحن والموسيقى غير مقّيديَن بأساليب النوتة وأوزانها. إنها ألحان شجيّة، وفيها صبغة من الرجاء والبهاء والفرح والخشوع. إنَّ السنة الطقسية نُظّمت على محور “تدبير الخلاص”. فعلى مدار السنة يَنْصَبُّ إهتمام المؤمنين على التأمل في محطاتِ حياةِ المسيح “الابن” الأنموذج، يأخذون منه ويَضيفونه إلى ما هُم عليه ليتحول شيئاً فشيئاً إليهم. يعود فضلُ تنظيمِ طقوسِها إلى البطريرك إيشوعياب الثالث الحديابي (+659) ورهبان الدير الأعلى (الطهرة الحاليّة في الموصل). وهنا نتمنى ان تتم التلمذة المسيحية (التعليم المسيحي) على السنة الطقسية، أي على التدبير مما يساعد الطلاب على فهم أحداث حياة المسيح ورموزها واحتفالاتهم بها، لعيشها في تفاصيل حياتهم اليومية. تبدأ الدورة الطقسيِّة بزمن البشارة- وتنتهي بزمن تقديس البيعة- وكل زمن يسمى “السابوع- زمن البشارة – الميلاد: قَوامه أربعة آحاد، فضلاً عن أحدين للميلاد. البشارات لزكريا واليصابات، لمريم ويوسف وللرعاة هي أيضاً لنا. بشارات تُدخلنا إلى سرّ التجّسد – التدبير والتفاعل معه بالسهر والصلاة وفعل الإحسان والإنتظار برجاء. كل قراءات وصلوات هذا الزمن، تُخْبِرُ عن تدبير الله وافتقادِهِ البشر أولاده وعن مجيء المسيح – المخلّص، وتدعو إلى السهر والانتباه لعلامات مجيئه وحضوره المتعددة. زمن الدنح- الظهور: يشمل (7-8) آحاد. في هذا الزمن ندخل إلى سرّ الله الثالوث المتجلّى لنا: ألآب الخالق المحّب، والابن الفادي الحبيب والروح المُحيي القُدوس. في زمن الدنح نكتشف صورة الله المرتسمة بالمعمودية في حياتنا، وعلى وجوهنا، وننطلق لنُعايش سرِّها بعمقٍ وأمانة ونقاء، ومثل يوحنـــا الساعـــي، نشهد لما سمعناه واختبرناه. زمن الصوم: يأتي بعد الدنح، أي بعد العماذ، ويتضمن (6) أسابيع، فضلاً عن الأسبوع المقدّس الذي يتكلل بالقيامة. القراءات والصلوات تشدد على الخروج من المعتاد للارتقاء إلى عالم الله، بالتعاون مع النعمة، وبالصوم والصلاة والصدقة. زمن في مستهله نقرأُ تجاربَ يسوع في البرية، لان خِبْرَةُ “الإبن” تُمَكِّنُنا، إنْ أَردنا، من عيش البنوة الإلهية على مثاله. زمن الفصح – القيامة: يتوّزع على (7) آحاد. أحد القيامة ويسمى “أسبوع الأسابيع”، ويشمل احتفالات خاصة بالمعمدين الجدد (الذين نالوا العماذ عشية القيامة) وتتناول القراءات والصلوات كُلُّها معاني العماد وأَبعاده. يليه الأحد الجديد “أحد توما” ويشير إلى الزمن الجديد، زمن الملكوت. فالمعمَّدون من الآن وصاعداً، ينتمون إلى زمن جديد – زمن القيامة – زمن الله أو اللا زمن. والآحاد الأخرى تتناول ترائيات يسوع، وتدعو إلى الإيمان والثقة. زمن العنصرة – الرسل: تختم أفراح القيامة بأحد حلول الروح القدس ويشمل (7) أسابيع. إنه مجال الكنيسة – المسيحيين لحمل البشارة: أُبّوة الله ومحبته وغفرانه. المسيح صعد إلى السماء، وبصعوده تقع مسؤولية مواصلة التبشير على المؤمنين به. زمن الصيف وإيليا والصليب وموسى: هذه الأزمنة التي يتوزع كلٌّ منها إلى (7) آحاد، هي أزمنة توبة واهتداء. فالصيف زمن راحة – عطلة، إذ موسم الحصاد قد انتهى. فمن المفيد أن يقطع الإنسان اهتماماته الاعتيادية لكي ينزل إلى أعماق ذاته، مُقَيِّماً ما سبق وما يعايشه الآن وما يتطلع إليه في المستقبل. زمن إيليا إشارة إلى عودة المسيح وكذلك زمن موسى، أما زمن الصليب الذي يتوسطهما فيرمز إلى أن صليب المسيح هو محور الخلاص. إذ في نهاية زمن الصيف يقع عيد التجلي حيث يحيط ايليا وموسى بالمسيح للشهادة على أَنه الكمال والتمام. هذه الأزمنة: ايليا، الصليب، موسى آحادها غير قياسية من حيث العدد، احيانا تدمج ببعضها. زمن تقديس البيعة: التقديس هو عنوان هذا الزمن، وختام السنة الطقسية وغايتها. فالتدبير يهدف إلى تقديس الكنيسة – الجماعة حتى تكون عروسةً لائقة بالعريس الإلهي … فالقراءات والصلوات تدعو إلى نبذ القديم، وتبنّي الجديد والسير على الدرب الذي أَناره لنا المسيح. من المؤكد أن هذه الأزمنة تتخللها أعياد وتذكارات تهدف كُلُّها إلى شَدِّ المؤمن إلى الله الحي الباقي، وتصوِّب نظره إليه لأنه يُشَكِّلُ مستقبله! ان أيام الآحاد مخصصة لشخص يسوع المسيح ومحطات قيامته وصعوده وتمجيده وحضوره، أما ايام الجمع عموما والاسبوع فمخصصة لتذكارات القديسين. الاحتفال بالأسرار كنيسة المشرق تعترف بسبعة اسرار كنسيّة، إلا أن لاهوتييها يُعطون أهميّة اقّل مّما تُعطيها الكنيسة اللاتينية للرقم سبعة. فليس حتى اليوم في الكنائس الشرقية، غير الكاثوليكية عمومًا، تمييز واضح بين الاسرار السبعة وأشباه الاسرار وبعض الممارسات الطقسية كما سبق أن ذكرنا. ممارسة المعمودية تتمّ بالتغطيس ثلاثًا، ويمنح الميرون بواسطة الكاهن بعد المعموذية مباشرة، حتى للاطفال إذ ينضمّون الى عضوية الكنيسة منذ طفولتهم، ويتربّون فيها. اما الانافورات، فلقد اقصى إيشوعياب الثالث، كل رتب القداس التي الفها آباء الكنيسة امثال أفرام ونرسي وأبقى الانافورات الثلاث: – انافورا الرسولين: أداّي وماري – انافورا ثيودورس المصيصي – انافورا نسطوريُس. انافورا الرسولين، هي الأقدم وتعود الى القرن الثالث والاكثر بساطة وتكريمًا. تنقسم الى قسمين: الاول وهو صلاة شكر على خلق الله وعلى عمله الخلاصي، وتتميز بالبساطة. والقسم الثاني يشدّد على آلام وموت ودفن وقيامة الرب يسوع: “ونحن كذلك يا رب، عبادك الضعفاء المجتمعين باسمك، نقف الآن في حضرتك، وقد قبلنا بالتواتر [عن آبائنا] هذا السرّ الآتي منك، وبابتهاج نمّجد ونعظّم ونَذكر ونُتّم هذا السر العظيم والمهيب والمقدس والمحيي والالهي، بآلام ربنا ومخلصنا يسوع المسيح، وموته ودفنه وقيامته”. رواية التأسيس، أي الكلمات التي قالها الرب يسوع في ليلة العشاء الاخير، غير واردة، لأن الفاعل هوالروح القدس الذي يبارك ويقدس هذه القرابين. وبدعوة الروح القدس يكسر المحتفل القربان الى نصفين رمزًا الى الموت ثم يغمس أحد النصفين في الكاس ويلصقه بالنصف الثاني ويرفعه رمزا لقيامة المسيح الذي يظهر للتلاميذ. بعده تبدأ رتبة الغفران والمناولة فالختام بالشكر والبركة. من كتاب “خلاصة تاريخ الكنيسة الكلدانية” للمطران (البطريرك) لويس ساكو |
||||
22 - 07 - 2016, 07:27 PM | رقم المشاركة : ( 13634 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بداية الطريق والجذب الإلهي واقعياً لا يُمكن أن يبدأ إنسان في المسير في طريق من نهايته ولا من منتصفه، بل لا بُدَّ من أن يبدأ الطريق من بدايته، ويدخل إليه دخولاً شرعياً، والدخول الشرعي يبدأ من باب الطريق، لأنه لا يستطيع أحد أن يَعبُّر من مكان آخر لأنه سيعتبر سارق ولص مصيره الطرد، وباب الطريق المؤدي للحياة قد أُغلق بسبب التعدي والسقوط، لأن من المستحيل أن ينظر أحد الحُسن الذي لشمس النهار ويتفرس فيه بعينيه المجردتان لأنه سيُصاب بالعمى، وهكذا لن يستطيع أحد أن ينظر وجه نور الحياة، أي وجه الله ويُعاينه وهو ظُلمة يحيا تحت سلطان موت الخطية، لأنه لن يصمد أمام النور، لذلك الرب قال لموسى: لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش [1]؛ وكل هذا بسبب الظلمة التي سيطرت على الإنسان حتى أنه لم يعد يحتمل النور، كما أن الإنسان الطبيعي لا يحتمل أن يعيش على سطح الشمس بل يهرب من حرارتها الحارقة، هكذا الإنسان يهرب من الله الحي لأنه لا يحتمل قط الوجود في حضرته من شدة قوة بهاء القداسة المُطلقة التي تشع من طبيعته الفائقة، فالإنسان لكي يرى الشمس وينظر إليها أو يعيش عليها، لا بُدَّ بل ومن الضرورة أن يحدث تغيير جذري في طبيعته، أي أن عينيه يتم معالجتها معالجة خاصة ليقدر على النظر، وأيضاً طبيعة جسده تتغير لتتوافق مع قوة الشمس ويستطيع أن يحيا على سطحها. لذلك المسيح الرب أتى ليفتح لنا باب المجد ويدخلنا من خلاله إلى الآب: "أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي" [2]، وبكونه هو من نفس ذات طبيعة الآب وواحد معه في الجوهر، لبس جسدنا وأعطانا طبع آخر جديد سماوي يحتمل رؤية الله ويتعايش معه، ولكي نصير فعلياً مؤهلين لحياة الشركة الأبدية فأنه على مدى حياتنا معه – هنا على الأرض – يستمر في أن يُلبسنا ذاته ويعطينا حياته الخاصة، لكي نتشرب من نوره وتصير طبيعتنا نور [3]، وبذلك نقدر أن نُعاين النور [4] ونعيش مكرسين القلب والحياة كلها لهُ [5]، لأنه يُكيف كل قوانا لتتناسب مع لقاء الله والحياة في ملكوت مجده [6]. فاستحالة أن نأتي إلى الآب بطبع آخر غريب عنه ولا يتوافق مع قداسته، ولذلك لا نستطيع أن نجرؤ أن نتقدم إليه مهما ما عملنا من أعمال إنسانية سامية للغاية وقدمنا أعمال رحمة عظيمة، فنحن لا نقترب إليه بشيء آخر غير بالابن الوحيد مستترين فيه [7]، لأنه هو الباب المؤدي للحياة، فلن نقدر أن نفلت من الموت للحياة إلا في المسيح يسوع، لأنه مكتوب: "لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت"[8]، لأننا لا نقدر أن ندخل إلى محضر الآب إلا لو عُتقنا من ناموس الخطية والموت ودخلنا في حرية مجد أولاد الله [9]، لأن في الحضرة الإلهية لا يوجد موت ولا خطية قط، لأن الله قدوس لا يتعامل أو يقبل شبه شرّ، لأن بسبب طبيعته الكاملة في النقاوة لا يقدر أن يقترب إليه أحدٌ قط إلا من يتساوى مع قداسته وطُهره المُطلق [10]، لذلك الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو وحده فقط الباب المؤدي إليه، ولم ولن يوجد آخر غيره، لأنه يدخل إليه ببره الخاص وقداسته المتفقة مع طبيعته، لأنه واحد معه في الجوهر، لذلك لن نستطيع قط، تحت أي مبدأ أو شكل أو صورة أو مهما ما كان عندنا عظمة أعمال صالحة، أن ندخل للطريق المؤدي للحضن الإلهي الأبوي إلا بالمسيح يسوع ربنا وحده، بل ووحده فقط، فلم ولن يوجد طريق آخر سواه، وهذا طبعاً بشكل قاطع مُطلق، لأننا لن نستطيع أبداً أن نصنع قداسة تتساوى مع قداسة الله أو نتقدم بكمالنا لكي نستحق أن ندخل لحضرته بلا عائق أو مانع، وذلك مهما ما كانت أعمال صلاحنا وقد صارت طُرقنا ومسالكنا كلها مستقيمة، لأنه وضع شكل كمالنا وقداستنا الذي ينبغي أن نكون عليه، وأظهر عجزنا عن تتميمه عن قصد إذ قال: فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل؛ كونوا قديسين لأني أنا قدوس [11] عموماً حينما نعي هذه الحقيقة ونؤمن بها سنجد أن الباب مفتوح على مصراعيه للجميع، لأن الرب الإله القدوس الظاهر في الجسد أعلن أنه هوَّ الباب الحقيقي: الحق الحق أقول لكم أن الذي لا يدخل من الباب إلى حظيرة الخراف بل يطلع من موضع اخر فذاك سارق ولص، وأما الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف؛ فقال لهم يسوع أيضاً: الحق الحق أقول لكم إني أنا باب الخراف. [12] فالرب يسوع هو الباب والراعي في آنٍ واحد، وكل من يأتمنهم على الرعية دخلوا من خلاله إلى الحظيرة، وهو الذي عينهم تحت رعايته، لأن هو الراعي، وكل من يخدم فهو خادم رعويته، لا يقدر أن يزيد أحد على إرادته شيء أو يُنتقص منها شيئاً [13]، بل كما يُريده حسب التدبير هوَّ يفعله ويعمله بكل دقة وتدقيق حسب مسرة مشيئته. فالدخول للطريق المؤدي للحياة لا يأتي إلا عن طريق الباب الذي هو شخص ربنا يسوع الذي قال: كل ما يُعطيني الآب فإليَّ يُقبل، ومن يُقبل إليَّ لا أخرجه خارجاً [14]، وكل حركة تنشأ فينا من نحو المسيح الرب، فهي ليست منا بل هي فعل جذب خاص نحو المسيح الرب وقت الافتقاد، ولننتبه لهذه الآيات المهمة للغاية لتتضح لنا الصورة: + وكما يفتقد الراعي قطيعه يوم يكون في وسط غنمه المشتتة، هكذا افتقد غنمي وأُخلِّصها من جميع الأماكن التي تشتتت إليها في يوم الغيم والضباب. [15] + مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداءً لشعبه؛ بأحشاء رحمة إلهنا التي بها افتقدنا المُشرق من العلاء؛ فأخذ الجميع خوف ومجدوا الله قائلين: قد قام فينا نبي عظيم وافتقد الله شعبه. [16] + لا يقدر أحد أن يُقبل إليَّ أن لم يجتذبه الآب الذي أرسلني وأنا أُقيمه في اليوم الأخير. [17] + لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل، وبه الكل، وهو آتٍ بأبناء كثيرين إلى المجد، أن يُكمل رئيس خلاصهم بالآلام؛ لان المقدِّس والمقدَّسين جميعهم من واحد (من طبع واحد، لأنهم نالوا في المسيح طبيعة جديدة)، فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة. قائلاً أُخبِّر باسمك إخوتي وفي وسط الكنيسة أُسبحك، وأيضاً أنا أكون متوكلاً عليه، وأيضاً ها أنا والأولاد الذين أعطانيهم الله.[18] إذاً أن لم ننتبه بكل تدقيق لعمل الله في حياتنا الشخصية، فأننا لن نعرفه ولن نحيا في الطريق الصحيح المؤدي للحياة الأبدية، بل سنظل تائهين متغربين عنه نتساءل أين الطريق ولا نجده، وسنسير على غير هُدى ضالين عن الحق تماماً، فلننظر مُدققين لأن العمل إلهي بالدرجة الأولى وكل عملنا فقط أننا نؤمن ونطيع صوته ونسير وفق نداءه هوّ وليس حسب أفكارنا ولا معرفتنا ولا تدبيرنا. عزيز القارئ أن تولَّد في داخلك – في أي وقت – حس غامر عميق يوجهك نحو الله وأردت أن تتبعه فعلاً بكل شوق قلبك، فاعرف الطريق الذي رسمه ووضعه كالتدبير، ولا تنظر للناس وتعتنق أفكارهم وتسير ورائهم [19]، ولا تعتمد على عمل ذراعك بقدرتك وتتكل على معرفتك وقراءاتك وتظن أن هذا يُرضي الله، فالله لن يرضى عنك وعني إلا فقط في المسيح يسوع برنا وخلاصنا وشفائنا وحياتنا وقيامتنا الحقيقية كلنا، فلا تحاول أن تدخل لله عن أي طريق آخر غير إيمانك بشخص المسيح الرب [20] متكلاً على برّه [21] الخاص وعمل قدرته فيك [22] ليجعلك خليقة جديدة [23] ويدخلك إلى حضن الآب فيه وحده حسب استحقاقه هوَّ لا أنت، لأنه قام وصعد بقدرته ليجلس بجسم بشريتنا عن يمين العظمة في الأعالي، وعمله لا يحتاجني ويحتاجك لكي يَكْمُّل، لأنه كامل بسبب طبيعته هوَّ، لأن هو الذي قال قد أُكمل متمماً التدبير [24]، فلا تظن أنك ستزيد شيء أو تنتقص شيء مهما ما فعلت أو صنعت، لأنه هو الذي تمم وحده ولم يكن معه أحد قط لأنه مكتوب: قد دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد. [25] فالله هو من يفتقدنا [26] بمحبته الأبدية [27] التي أحبنا بها [28]، ويشدنا سراً بفعل جذبه الإلهي نحو الابن الوحيد [29]، فحينما نذهب إليه لا يُخرجنا – بالطبع – خارجاً [30]، بل يغسلنا ويطهرنا بفعل عمل دمٍ كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح [31]، لأننا حينما نلتقيه نرتمي عليه كما نحن معترفين بخطايانا، وبكونه أمين وعادل فأنه يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم [32]، لأنه ليس بدم تيوس وعجول، بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداءً أبدياً [33]، لذلك فأنه قال في النبوة: وأُطهرهم من كل إثمهم الذي أخطأوا به إليَّ، واغفر كل ذنوبهم التي أخطأوا بها إليَّ والتي عصوا بها (عن قصد) عليَّ [34]، لذلك قال الرسول: فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدم نفسه لله بلا عيب، يُطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي [35] لذلك يا أحباء الله المدعوين للحياة والمحفوظين ليسوع المسيح ربنا [36]، فالذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم ويطهر لنفسه شعباً خاصاً غيوراً في أعمال حسنة، لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها [37]، هو من دعانا دعوة مقدسة [38] بفعل جذبه الخاص لكي يجعلنا أبناء له حسب قدرة عمله فينا بروحه القدوس، لذلك فأن المسيح الرب هو الباب المؤدي إلى الآب أن لم ندخله فأننا لن نرى الحياة قط مهما ما فعلنا وتممنا كل برّ وصنعنا كل توبة بصوم دائم، وواظبنا على كل طقس، لأن بدون المسيح ابن الله الحي لن يكون لنا رجاء ولا مواعيد ولا ميراث حياة الأبد [39]، لأننا أن لم نصير أبناء فيه فأننا مائتين عن الحياة [40] وسنظل متغربين عن الله إلى الأبد، نبحث عن نجاه ولا أمل ولا نور ولا قيامة ولا حياة، وكل هذا لأننا لن نقدر أن نصنع برّ حسب قصده أو نشع قداسة كقداسته لكي نصير مؤهلين أن ندخل للحضرة الإلهية ونستحق أن نأخذ منه شيئاً، لكن على حساب برّ الله بالإيمان [41] بشخص المسيح ننال كل شيء [42]، لأن المسيح الرب وحده فقط هوَّ المستحق [43]، لأنه هوَّ بنفسه صار لنا باب الاستحقاق لننال كل العطايا الإلهية، وبدونه لا نقدر أن ننال شيئاً قط، لأن به لنا ثقة باسمه أن نحصل على كل شيء، لذلك علينا أن ننتبه لكلام الرب يسوع الذي لم يفهمه الكثيرين حينما قال: وفي ذلك اليوم لا تسألونني شيئاً، الحق الحق أقول لكم أن كل ما طلبتم من الآب باسمي يُعطيكم، إلى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمي، اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً. قد كلمتكم بهذا بأمثال ولكن تأتي ساعة حين لا أكلمكم أيضاً بأمثال بل أخبركم عن الآب علانية، في ذلك اليوم تطلبون باسمي، ولست أقول لكم إني أنا أسأل الآب من أجلكم، لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني وآمنتم إني من عند الله خرجت، خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم وأيضا أترك العالم وأذهب إلى الآب. [44] لذلك عزيزي القارئ نحن لا نأتي إلى الآب لنتوسل عله يقبلنا ونقول (من أجل شفاعة يسوع ولأجل خاطره نتوسل إليك أغفر خطيئتنا واقبلنا في ملكوتك)، هذا فكر غير سليم وعقيم بسبب ضعف رؤية الخلاص ومعرفة عظمة المجد الذي نلناه فيه، لأننا ندخل إلى حضرة الآب القدوس في المسيح يسوع الإله الحي، باسمه هوَّ، وبكل ثقة ويقين وعن جدارة نطلب ليكون لنا ما طلبناه [45]، لأننا لا ندخل باسم أنفسنا أو بأعمالنا إليه ولا باسم ملاك ولا رئيس آباء ولا نبي ولا قديس لكي نتوسل به إليه، فالمسيح هو الرب من السماء، شفاعته ليست شفاعة توسل بل شفاعة كفارة جديرة لأنها فائقة للغاية، لأنه دخل الأقداس باستحقاق نفسه لأنه مكانه الطبيعي، والآب القدوس نفسه – حسب التدبير – يرانا فيه (أي في المسيح اللابس جسم بشريتنا) وباسمه صار لنا حق البنين عن جدارة، لأننا انتسبنا إليه بسبب تجسده. لذلك الكنيسة المنفتحة بالروح أظهرت سبب استجابة طلبتنا إذ أضافت على الصلاة الربانية في الختام (بالمسيح يسوع ربنا)، وهي في الواقع ليست إضافة إطلاقاً، لكن بسبب الوعي أنه صار لنا قدوماً به إلى الآب بثقة [ لأن به لنا كلينا قدوماً في روح واحد إلى الآب [46] ]، فمعنى اسمه أنه وسيط عهد جديد بيننا وبين الآب، وفيه لنا – طبيعياً – النعم والآمين، إذ لنا المواعيد العظمى والثمينة التي بها صرنا شركاء الطبيعة الإلهية [47]، لا بسبب قدرتنا ولا حسب أعمالنا، بل بسبب وحدته الخاصة معنا [48] حسب مسرة مشيئة الآب أبانا وسيد كل أحد، فهو الجالس عن يمين العظمة في الأعالي [49] ومنه تنسكب علينا ملء الهبات الإلهية عن جدارة [50]، إذ ننال منه فيض النعمة وعطية البرّ [51]، لذلك أي توسل للأب بالمسيح على أمل أنه يستجيب فهو خاطئ جداً، لأن المسيح الرب هو بشخصه برنا وصلاتنا مضمونة الاستجابة بالإيمان باسمه [52]، فهو لا يحتاج أن يتوسل لأجلنا لأنه هو بذاته بكرٌ لنا ومن أجله يُعطى لنا كل شيء ولا يحتاج أن يتوسل، ولنتعلَّم من الرسل كيف تكون الصلاة وتتميم العمل الإلهي باسم المسيح الرب القدوس، وذلك حينما كانوا مضطهدين وتحت التهديد، فقد صلوا قائلين: + والآن يا رب انظر إلى تهديداتهم وامنح عبيدك أن يتكلموا بكلامك بكل مجاهرة. بمد يدك للشفاء ولتجر آيات وعجائب باسم فتاك القدوس يسوع. ولما صلوا تزعزع المكان الذي كانوا مجتمعين فيه وامتلأ الجميع من الروح القدس وكانوا يتكلمون بكلام الله بمجاهرة. [53] ولنلاحظ أن صلاة الرسل لم يكن فيها كلمة لأجل خاطر يسوع أو بشفاعة يسوع، بل فيها اسم يسوع لتتميم العمل الإلهي بتأكيد مضمون الاستجابة، لأنهم ليسوا باسم آخر يكرزون أو يخدمون أو يفعلون أي شيء، ولننتبه لهذه الآيات الآتية ونصغي بقلوبنا إليها جداً لتتضح الأمور لنا فنحيا بالإيمان الحي وننال من الله كل شيء حسب مسرة مشيئته: + وأيضاً متى أُدخل البكر إلى العالم يقول: ولتسجد له كل ملائكة الله. [54] + ومن يسوع المسيح الشاهد الأمين البكر من الأموات ورئيس ملوك الأرض الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه.[55] + فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع. طريقاً كرسه (خصصه) لنا حديثاً حياً بالحجاب أي جسده. وكاهن عظيم على بيت الله. لنتقدم بقلب صادق في يقين الإيمان مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير ومغتسلة أجسادنا بماءٍ نقي. لنتمسك بإقرار الرجاء راسخاً لأن الذي وعد هو أمين. [56] + فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السماوات يسوع ابن الله فلنتمسك بالإقرار. لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا، بل مُجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية. فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة لكي ننال رحمة ونجد نعمة عوناً في حينه [57] + في ذلك اليوم تطلبون باسمي، ولست أقول لكم إني أنا أسأل الآب من أجلكم، لأن الآب نفسه يحبكم لأنكم قد أحببتموني وآمنتم إني من عند الله خرجت، خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم وأيضا أترك العالم وأذهب إلى الآب. [58] _____________________________________ [1](خروج 33: 20) [2] (يوحنا 6: 14) [3] لأنكم كنتم قبلاً ظُلمة وأما الآن فنور في الرب، اسلكوا كأولاد نور (أفسس 5: 8) [4] لأن عندك ينبوع الحياة، بنورك نرى (نُعاين) نوراً (مزمور 36: 9) [5] وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم بل للذي مات لأجلهم وقام (2كورنثوس 5: 15) [6] ونحن جميعاً ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد كما من الرب الروح (2كورنثوس 3: 18) [7] لأنكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله (كولوسي 3: 3) [8] (رومية 8: 2) [9] فأن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً (يوحنا 8: 36) [10] وهذا نادى ذاك وقال: قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الأرض (أشعياء 6: 3) [11] (متى 5: 48؛ 1بطرس 1: 16) [12] (يوحنا 10: 1، 2؛ 7) [13] طبعاً يوجد لصوص في الطريق لم يعينهم الرب لكن لهم شكل الخدام والآباء القديسين لكنهم غاشين كلمة الله ويتفوهون حسب مسرتهم لا مسرة الله وإرادته [14] (يوحنا 6: 37) [15] (حزقيال 34: 12) [16] (لوقا 1: 68، 78؛ 7: 16) [17] (يوحنا 6: 44) [18] (عبرانيين 2: 10، 13) [19] أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح، بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله! لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم (1يوحنا 4: 1) [20] لأنكم بالنعمة مُخلَّصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله (أفسس 2: 8) [21] لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، لنصير نحن برّ الله فيه (2كورنثوس 5: 21) [22] مستنيرة عيون أذهانكم لتعلموا ما هو رجاء دعوته وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين. وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته. (أفسس 1: 18، 19) [23] إذاً أن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديداً (2كورنثوس 5: 17) [24] انا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته (يوحنا 17: 4) [25] (أشعياء 63: 3) [26] مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداءً لشعبه (لوقا 1: 68) [27] تراءى لي الرب من بعيد ومحبة أبدية أحببتك من أجل ذلك أدمت لك الرحمة (أرميا 31: 3) [28] الله الذي هو غني في الرحمة من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها (أفسس 2: 4) [29] لا يقدر أحد أن يُقبل إليَّ أن لم يجتذبه الآب الذي أرسلني وأنا أُقيمه في اليوم الأخير (يوحنا 6: 44) [30] كل ما يُعطيني الآب فإليَّ يُقبِّل، ومن يُقبِّل إليَّ لا أخرجهُ خارجاً (يوحنا 6: 37) [31] (1بطرس 1: 19) [32] (1يوحنا 1: 9) [33] (عبرانيين 9: 12) [34] (أرميا 33: 8) [35] (عبرانيين 9: 14) [36] إلى المدعوين المقدسين في الله الآب والمحفوظين ليسوع المسيح (يهوذا 1: 1) [37] (تيطس 2: 14؛ أفسس 2: 10) [38] الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي أُعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية (2تيموثاوس 1: 9) [39] أنا الكرمة وأنتم الأغصان، الذي يثبت فيَّ وأنا فيه هذا يأتي بثمر كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً (يوحنا 15: 5) [40] قال لها يسوع أنا هوَّ القيامة والحياة، من آمن بي ولو مات فسيحيا (يوحنا 11: 25) [41] برّ الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون لأنه لا فرق (رومية 3: 22) [42] الذي فيه أيضاً نلنا نصيباً مُعينين سابقاً حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته (أفسس 1: 11) [43] وهم يترنمون ترنيمة جديدة قائلين: مستحق أنت أن تأخذ السفر وتفتح ختومه لأنك ذبحت واشتريتنا لله بدمك من كل قبيلة ولسان وشعب وأمَّة (رؤيا 5: 9) [44] (يوحنا 16: 23 – 28) [45] وهذه هي الثقة التي لنا عنده أنه أن طلبنا شيئا حسب مشيئته يسمع لنا، وأن كنا نعلم أنه مهما طلبنا يسمع لنا، نعلم أن لنا الطلبات التي طلبناها منه (1يوحنا 5: 14، 15) [46] أفسس 2: 18 [47] (2بطرس 1: 4) [48] والكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءً نعمة وحقاً (يوحنا 1: 14) [49] ثم أن الرب بعدما كلمهم ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله (مرقس 16: 19) [50] ولكن حين ظهر لطف مخلصنا الله واحسانه. لا بأعمال في برّ عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس. الذي سكبه بغنى علينا بيسوع المسيح مخلصنا. حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية (تيطس 3: 4 – 7) [51] فبالأولى كثيراً الذين ينالون فيض النعمة وعطية البرّ سيملكون في الحياة بالواحد يسوع المسيح (رومية 5: 17) [52] وانما أن كان احدكم تعوزه حكمة فليطلب من الله الذي يعطي الجميع بسخاء ولا يُعير فسيعطى له. ولكن ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة، لأن المرتاب يشبه موجاً من البحر تخبطه الريح وتدفعه. فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئاً من عند الرب. رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه (يعقوب 1: 5 – 8) [53] (أعمال 4: 29 – 31) [54] (عبرانيين 1: 6) [55] (رؤيا 10: 5) [56] (عبرانيين 10: 19 – 23) [57] (عبرانيين 4: 14 – 16) [58] (أنظر يوحنا 16: 23 – 28) |
||||
23 - 07 - 2016, 04:46 PM | رقم المشاركة : ( 13635 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الملك الذي لا يموت عندما نهضت مصر فى عهد محمد على عندما نهضت مصر فى عهد محمد على وامتدت سيطرة مصر خارج حدودها ازعج ذلك بعض الامبراطوريات القائمة ومنها روسيا التى حاولت ان تجد لها مدخلا لمصر واعتقدت انها تستطيع ان تفرض سيطرتها على مصر عن طريق الاقباط ..وطلب مندوب روسيا الى مصر مقابلة البابا بطرس الجاولى وذلك لطلب فرض الحماية الروسية على ارثوذكس مصر وعندما وصل الامير الى المقر البابوى وجد شخصا جالسا على كنبة خشبية يرتدى ملابسا من القماش الخشن ويرتدى مركوبا احمر ووجهه منغمسا فى كتاب يطالعه فساله اين اجد بابا الاقباط . فقال الشخص الجالس ومن يريده ؟ فقال له انا مبعوث روسيا اليه فقال له الشخص الجالس تفضل انا البطريرك بنعمة الله فاندهش المبعوث الروسى لانه كان يظن ان الرئيس الدينى لاقدم امة مسيحية فى الشرق سوف يكون فى صورة فخمة وتحيط به مناظر الابهة ولكن كل ما وجده راهب بسيط يطالع الكتب ويجلس على كنبة وحوله عدد من الكراسى المبعثرة وبابه مفتوح وليس حوله حراس او خدم وبعد ان انتهى من تامل البابا الجليل الذى يفضل النوم على الحصير والجلوس على الارض والذى يحب ان يرخى على وجهه وشاحا اسودا بعد دقائق من الصمت بدأ الامير يكلمه عما وصله من ضيقات الاقباط وهمومهم وقال له ان يعرض عليه حماية قيصر روسيا للاقباط فاجابه البطريرك هل مليككم يحيا الى الابد؟) فقال المندوب الروسى لا يا سيدى بل هو يموت كما البشر فاجاب البابا الوطنى اذن انتم تعيشون تحت رعاية مليك يموت واما نحن نعيش تحت رعاية مليك لا يموت ) وخرج المندوب الروسى من عند البطريرك يمجد الله وقال لمحمد على باشا : ( لم تدهشنى عظمة الاهرام ولا ارتفاع المسلات ولم يهزنى كل ما فى القطر من العجائب بل اثر فى نفسى فقط زيارتى للرجل التقى بطريرك الاقباط ) وروى للباشا مادار بينهما وتذكر كتب التاريخ ان السرور طفح على وجه الباشا وحدثت زيارة بين البابا والباشا وشكر محمد على البابا على وطنيته فقال البابا بطرس لا تشكر من قام بواجب عليه نحو بلاده ) فقال له محمد على ( لقد رفعت شأنك وشأن بلادك ) وكان هذا شأن الاقباط دوما ودائما |
||||
23 - 07 - 2016, 04:49 PM | رقم المشاركة : ( 13636 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
معجزة خطيرة .. مارجرجس ينتشل عروسا من النيل ويذهب بها إلي ميت دمسيس القديس ينتشل عروسا من النيل ويذهب بها إلي ميت دمسيس تحدث إلينا الشيخ أبو العمايم (75 سنه ) من أعيان ميت دمسيس عن معجزات وكرامات القديس مارجرجس فذكر لنا أيات عديدة وأعمالا مجيدة للبطل مارجرجس ثم قال : لا أستطع إحصائها نذكر واحدة منها كنت طالبا في الثانية والعشرين من عمري وفي الأجازة الصيفية اعتدت أنا و زملائي الطلبة الجلوس علي شاطئ النيل في بلدتنا (ميت دمسيس) وفي احدي الأمسيات وبينما كنا نتطلع إلي النيل إذ بشبح أتي من بعيد يمخر عباب النيل متجها إلينا فكل واحد منا سأل من يكون هذا ؟! و إذ بسيدنا الخضر (مارجرجس ) يخرج إلي البر ويقذف في وجهنا فتاة في الثامنة عشرة من عمرها بحثنا عنه فلم نجده لا في البر ولا في البحر سألنا الشابة عن قصتها فأجابت بقولها :أنا من زفتي غربية خرجت مع خطيبي وفي أثناء سيرنا اختلفنا في بعض الأمور أراد أن يتخلص مني فانتهز فرصة مرورنا من علي الكوبري وخلوه من المشاة فألقي بي في النيل وأنا نازلة أهوي إلي النيل صرخت يامارجرجس إنقذني فلم أشعر بشئ حتي وجدت نفسي ببلدة ميت دمسيس ... أن العجيب في هذا أن ملابسها لم تبتل بالماء أخذنا الفتاة وذهبنا بها إلي أسرتها في مدينة زفتي فاندهشوا من روعة المعجزة ومجدوا الله |
||||
23 - 07 - 2016, 04:51 PM | رقم المشاركة : ( 13637 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
فرض ضرائب وإجبـــار الأقباط بلبس الملابس السوداء وحدث أن فرض السلطان العثمانى مراد جزية إضافية وألزم البابا الإسكندرى البابا يوحنا (يؤانس ) 14 ال96 بجمعها من الأقباط وسدادها , فذهب إلى الصعيد وأستغل هذه الفرصة لتكون زيارة رعوية فجلس مع شعبه الذين لم يروا من قبل بابا قبطى يزور قراهم وعرفهم ما فرضه السلطان عليه بجمعه , فسارع الكل إلى مائدة أبيهم الروحى وقدموا ما أمكنهم تقديمة وعندما رجع بما جمعه كلفه والى آخر بجمع جزية أخرى من الصعيد فذهب مرة ثانية , ثم كلفوه وضايقوه مرتين أخريتين . وقد ضايقوا الأقباط فى هذه الفترة من قبل الولاه الموفدون من السلطان حيث كان يغيرهم كل سنتين أو أقل . ومن بين هذه المضايقات إجبار الأقباط بلبس الملابس السوداء رجالاً ونساءاً , وحتى العمائم أجبروهم أن يكون لونها أسود , وقد ظلت النساء تلبس هذا اللون الأسود فى مصر منذ ذلك العصر حتى النساء المسلمات يقلدوا نساء الاقباط ما زلن يلبسن الملابس السوداء فى القرى المصرية حتى يومنا هذا . حتى كان رد الرب سريعا على ظلمهم للاقباط وفى سنة 1580 م تفشى الطاعون وأهلك عدد كبير من الشعب المصرى , فإرتفعت أسعار الأشياء لأن الأيدى المنتجة نقصت نقصاً كبيراً مما أدى إلى حصاد شحيح . |
||||
23 - 07 - 2016, 05:08 PM | رقم المشاركة : ( 13638 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أيها الآب مجّد ابنك بالصليب كيرلس السكندري "الآن نفسي قد اضطربت. وماذا أقول؟ أيها الآب نجني من هذه الساعة؟ ولكن لأجل هذا أتيتُ إلى هذه الساعة. أيها الآب مجِّد اسمك". أرجوكم أن تلاحظوا في هذه الكلمات مرة أخرى، كيف أن الطبيعة البشرية تتأثر بسهولة بالأمور المزعجة، ويدخل إليها الخوف، بينما من الناحية الأخرى فإن القوة الإلهية غير المُدركة، هي من جميع الوجوه لا تنثني ولا تخاف، وهي ثابتة في الشجاعة التي تليق بها وحدها. فإن ذكر الموت الذي ورد أثناء الحديث بدأ يزعج يسوع، ولكن قوة الألوهة في الحال أخضعت المعاناة التي أثارها ذكر الموت، وفي لحظة حولت الخوف إلى جرأة لا تقارن. لأننا يمكن أن نفترض أنه حتى بالنسبة لمخلصنا يسوع المسيح نفسه، فإن المشاعر الإنسانية كانت تثار بصفتين موجودتين فيه بالضرورة فبتأثير هذه المشاعر أظهر نفسه بشكل أكيد إنه إنسان مولود من امرأة، ليس في مظهر خادع أو مجرد خيال، بل بالحري بالطبيعة وبالحق، لأنه له كل الخصائص الإنسانية فيما عدا الخطيئة وحدها. والخوف والانزعاج، رغم أنهما من المشاعر الطبيعية بالنسبة لنا، إلا أنهما لا يحسبان ضمن الخطايا. وإضافة إلى ذلك، فإن اضطراب المشاعر الإنسانية في المسيح كان لمنفعتنا: ليس أن العواطف سيطرت وامتدت كثيراً كما يحدث معنا، بل إنها بعد أن بدأت، فإنها تُوقف بقوة "الكلمة"، وهكذا فإن الطبيعة الإنسانية في المسيح تنتقل إلى حالة أفضل وأكثر إقتراباً من الطبيعة الإلهية. وبهذه الطريقة - وليس بغيرها - فإن عملية الشفاء اجتازت منه إلينا نحن. لأن طبيعة الإنسان أُعيدت إلى جدة الحياة، في المسيح نفسه أولاً - كباكورة، وفيه أيضاً قد حصلنا على الأمور التي تفوق الطبيعة. ولهذا السبب فهو يدعى في الكتب المقدسة، "آدم الثاني". كما أنه كإنسان شعر بالجوع والتعب، هكذا أيضاً بنفس الكيفية يشعر بالاضطراب الفكري الذي ينتج عن الألم، لأن هذا الشعور هو خاصية إنسانية. ومع ذلك فهو لا يستثار مثلنا، ولكن فقط بقدر ما يبدأ الإحساس بهذا الاختبار، ثم يعود في الحال مرة أخرى إلى الشجاعة اللائقة بذاته (أي بلاهوته). ويتضح من هذه الأمور حقاً أن له نفساً عاقلة. لأنه كما أن حالة الشعور بالجوع أو اختبار أي شعور آخر مثل هذا، هو ألم خاص بالجسد، هكذا أيضاً فإن الاضطراب من تصور الأمور المرعبة هو بالضرورة ألم خاص بالنفس العاقلة، التي بواسطتها هي وحدها يمكن حقاً أن يدخل أي فكر إلى داخلنا من خلال عمليات العقل. لأن المسيح، قبل أن يكون بالفعل مصلوباً على الصليب، فإنه يعاني ضيقة الآلام قبل حدوثها، إذ كان يرى بوضوح مسبقاً ما كان سيحدق، وكان يتصور بفكره الأحداث المقبلة. لأننا لا يمكن أن ننسب إلم الرعب للاهوت غير قابل للتألم، كما أنه ليس خاصاً بالجسم، لأنه إنفعال خاص بالنفس وليس بالجسم. ورغم أن الحيوان غير العاقل يضطرب ويستثار، بسبب أنه يملك نفساً (حيوانية)، لكنه لا يشعر بالرعي عن طريق عملية فكرية، ولا يالتفكير المنطقي المسبق في الألم المُقبل، بل حينما يحدث أن يجد نفسه وسط أي خطر فعلي، فإنه يشعر بألم الإحساس بالخطر الموجود فعلاً. أما الرب من الجهة الأخرى فإنه في هذا الموقف الذي قرأنا عنه يضطرب ليس بواسطة ما يراه أمامه بل بواسطة ما يعرفه بالفكر مسبقاً. لذلك، فإن كلمة الله وحّد الطبيعة البشرية بكليتها مع نفسه، لكي بذلك يخلّص الإنسان بكليته. فما لم يتخذه للاتحاد بطبيعته (الإلهية) لا يحصل له خلاص. ومع ذلك، فإنه بعد أن تحدث عن كونه إضطرب، فهو لا ينسحب إلى الصمت، بل يحول الألم الذي أحسّ به إلى الشجاعة بلا أي خوف، وكأنه يقول: "الموت في ذاته هو لا شيء، ولكني سمحت لجسدي أن يشعر بالخوف والرعب، لكي أدخل فيه عنصراً جديداً من الشجاعة والقوة. لقد جئت لأعيد الحياة للذين على الأرض، والتي فيها أيضاً أتهيأ للآلام. وبعد ذلك يقدم طلبه إلى الآب، ويظهر الشكل الخارجي للصلاة، ليس كأنه ضعيف من جهة الطبيعة الضابطة للكل، بل (يصلي) من جهة إنسانيته، ناسباً للطبيعة الإلهية تلك الخصائص التي تفوق البشر؛ وهو لا يعني بهذا أن الطبيعة الإلهية هي غريبة عن ذاته، فهو يدعو الله أباه الذاتي، بل ويعرف تمامًا أن القوة الكاملة الجامعة والمجد الفائق هما يخصان الآب والإبن معاً. وسواء كان نص الصلاة: "مجد إبنك"، أم "مجد إسمك" فلا يوجد اختلاف في المعنى الدقيق للأفكار التي يوصلها إلينا. فالمسيح إنما يحتقر الموت وعار الآلام، ويتطلع فقط إلى الأمور التي سيحققها بواسطة آلامه، وهو يرى موت كل البشر وهو يتلاشى كنتيجة لموت جسده، عارًفا أن قوة الفساد هي على وشك أن ُتباد إلى الأبد، وأن طبيعة الإنسان حينئذ ستتحول إلى جدة الحياة: وكأنه يقول شيئًا من هذا القبيل لله الآب: " أيها الآب، إن الجسد ينفر من ملاقاة الموت، ويرتعب من ذلك الموت الذي هو ضد الطبيعة "بالنسبة له، بل ويبدو أنه أمر لا ينبغي أن يحتمل، أن الذي هو جالس معك في العرش، ويملك القوة الضابطة للكل، يثور اليهود عليه بشدة بإهاناتهم الشنيعة؛ ولكن حيث إن هذا هو السبب الذي جئت لأجله، إذاً، " مجد إبنك"، أي لا تمنعني من ملاقاة الموت، بل أمنح إبنك هذا الطلب لأجل خلاص كل البشر". ويمكنك أن تعرف أن الإنجيلي في بعض مواضع أخرى أيضاً يتحدث عن الصليب تحت إسم "مجد" من قوله " لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطي بعد لأن يسوع لم يكن قد مُجّد بعد" (يو ٣٩:٧ ). فالإنجيلي يتحدث بحكمة في هذه الكلمات عن كونه "صلب" بقوله " مجد": أي أن الصليب هو مجده. ففي وقت آلامه احتمل المسيح راضياً وصابراً صعوبات كثيرة، وأيضاً إجتاز آلاماً كثيرة بإرادته من أجلنا كان يمكنه لو أراد أن يرفض التألم بها، فاحتماله كل هذه الآلام من أجل منفعة الآخرين هو دليل على حنانه الفائق وعلى مجده العالي جداً. والابن صار ممجداً أيضاً بطريقة أخرى. فلأنه أنتصر على الموت، فنحن نعرف أنه هوالحياة، وابن الإله الحي. والآب يتمجد حينما يرى أن له مثل هذا الابن مولوداً منه، أي من نفس الطبيعة التي له. وهو الصلاح، والنور، والحياة، والغالب الأقوى من الموت، وهو الذي يفعل أي شيء يريده. وعندما يقول: "مجد ابنك"، فهو يعني هذا: "أعط موافقتك لي أن أتألم بحسب رغبتي". فالآب بذل ابنه للموت، ليس بدون تشاور معه، بل بالرضا والقبول لأجل حياة العالم: لذلك فإن موافقة الآب يشار إليها على أنها سكب للبركات علينا نحن، فبدلاً من "الألم"، تكلم عن "المجد". وهذا يقوله أيضًا كمثال لنا: لأننا بينما ينبغي أن نصلي من ناحية معينة أن لا ندخل في تجربة، إلا إننا من الناحية الأخرى إن كان لابد أن ُنجرب، فينبغي أن نحتمل التجربة بنبل، ولا نهرب منها، بل أن نصلي لكي نخلص ونكون في الله. بل "مجد إسمك". لإنه إذا حدث أن يتمجد الله من خلال الأخطار التي تقابلنا، إ ًذا فلتحسب كل الأمور الأخرى في مرتبة ثانية بعد هذه الغاية (أي تمجيد الله). إضافة إلى ذلك، كما أن إبادة الموت لم تتم بطريقة أخرى غير موت المخّلص، هكذا أيضاً من جهة كل ألم من آلام الجسد: فلو لم يشعر بالخوف، لما أمكن للطبيعة البشرية أن تتحرر من الخوف، ولو لم يكن قد اختبر الحزن، لما كان هناك تحرر من الحزن على الإطلاق؛ ولو لم يكن قد إضطرب وإنزعج، لما وجد أي مهرب من هذه المشاعر. ومن جهة كل إنفعال من الإنفعالات التي تتعرض لها الطبيعة البشرية، فإنك ستجد المقابل لها بالضبط في المسيح. فإنفعالات الجسد كانت تتحرك، لا لكي تكون لها السيطرة كما يحدث في حالتنا نحن، بل لكي حينما تتحرك، فإنها يتم إخضاعها كلية بقوة الكلمة الساكن في الجسد، وهكذا فإن طبيعة الإنسان تجتاز تغيرًا نحو الأفضل. المرجع: تفسير إنجيل يوحنا للقديس كيرلس الاسكندري، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد إصدار مركز دراسات الآباء |
||||
23 - 07 - 2016, 05:13 PM | رقم المشاركة : ( 13639 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
إرادة إلهية وإرادة بشرية
كيرلس السكندري "وهذه هي مشيئة الآب الذي ارسلني، أن كل ما أ عطاني لا أتلف منه شيئًا، بل أقيمه في اليوم الأخير". إذن يعطينا المسيح بتلك الكلمات نوعًا ما من البرهان، ويعلق مؤكدًا ان من يقبل اليه لن يخرجه خارجًا. لأنه (يقول) لهذا السبب "قد نزلت من السماء" أي، صرت إنسانًا حسب مسرة الله الآب الصالحة، ورفضت ان أنخرط في أعمال غير موافقة لمشيئة الله، حتى أحقق لهم – أولئك الذين يؤمنون بي – الحياة الأبدية والقيامة من الأموات، محطمًا قوة الموت. واحتمل التحقير من اليهود والشتائم والسباب والإهانات والجلدات والبصاق، والأدهى من ذلك، الشهادة الزور، وآخر الكل، موت الجسد. تلك الأمور قد اجتازها المسيح بإرادته لأجلنا، لكنه لو كان ممكنًا ان يتمم لنا رغبته دون معاناة تلك الأمور، لما كان قد تألم. لكن لما كان اليهود عازمين يقينًا وحتمًا إثارة الأمور ضده فإنه يقبل الألم، ويجعل ما أراده ليس ارادته هو، ولأجل ما لآلامه من قيمة، واتفاق مع الله الآب، وموافقته معه على انه سوف يحتمل فورًا كل شيء، وذلك لأجل خلاص الجميع. هنا نرى بوجه خاص الصلاح الوفير الذي للطبيعة الإلهية، في انها لم ترفض ان يكون اختيارها لأجلنا لما هو مرفوض ومزدرى به. لكنكم سوف تفهمون لماذا لم يكن المسيح مخلصنا يريد الآلام التي على الصليب، ومع ذلك أرادها لأجلنا ولأجل مسرة الله الآب الصالحة، لأنه حين كان على وشك الخروج (للآلام) أيضا، جعل حديثه الى الله (الآب) قائلًا ما قاله في صيغة صلاة: "يا ابتاه، ان أمكن فلتعبر عني هذه الكأس، ولكن ليس كما أريد أنا، بل كما تريد أن ت" (مت٣٩:٢٦ ). لأنه وهو الله الكلمة، الغير المائت، والغير الفاسد، والحياة ذاتها بالطبيعة، لم يقدر ان يرتعد أمام الموت، وإني اعتقد ان ذلك واضح للجميع: إذ وهو في الجسد قد جعل الجسد يعاني الأشياء اللائقة به، وأن يسمح له ان يرتعد أمام الموت، حين كان على مشارفه، لكي يُظهر انه بالحقيقة انسان، لهذا يقول "إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس". (وكأنه يقول) إن كان ممكنًا، من دون معاناة ألم الموت، أن أهب الحياة للذين سقطوا، و إن كان الموت يموت من دون موتي أنا، بالجسد، أي (كما يقول) فلتعبر عني هذه الكأس، لكن (على حد قوله) ما دام ذلك لن يحدث، فليكن الأمر إذن، لا كما أريد "أنا" بل كما تريد "أنت". أنت ترى كم هو مقدار عجز الطبيعة البشرية، حتى في المسيح نفسه، بقدر ما يتعلق بها الأمر. لكن باتحادها بالكلمة قد ُأعيدت الى ما يليق بالله من إقدام واستعيدت الى غرض شريف، أعني ان الطبيعة البشرية لم تقترف ما يبدو صالحًا لإرادتها هي الذاتية بل بالحري تتبع القصد الإلهي، مهيأة على الفور للركض الى مهما يدعوها اليه ناموس خالقها. وحتى يكون قولنا قول الحق، يمكن لكم ان تتعلموا ذلك مما يلي أيضًا. (إذ يقول) إن الروح نشيط، أما الجسد فضعيف. لأن المسيح لم يكن يجهل انه لو بدا كأنه مغلوب من الموت ويجزع منه، فهذا شيء أدنى كثيرًا من أن يليق بكرامة الله، لهذا الحق بما كان قد قاله أقوى دفاع قائلًا، إن الجسد كان ضعيفًا، بسبب ما يلائم (طبيعته)، لكن الروح نشيط، عالمًا أنه يحتمل ما قد يجلب الضرر. أرأيتم كيف ان المسيح لم يكن يريد الموت، بسبب الجسد، ولا هوان التألم، ومع هذا أراده، حتى يتمم به مقاصد مسرة الآب الصالحة لأجل العالم أجمع، أي، خلاص وحياة الجميع؟ ألم يشر هو بالحق والصواب الى شيء من هذا القبيل، حين يقول ان هذه هي إرادة الآب، أنه من بين الذين أتى بهم اليه لن يهلك أحد، بل سيقيمه في اليوم الأخير؟ لأنه كما سبق وعلمنا، ان الله الآب في محبته للإنسان يحضر للمسيح، الحياة والمخلص، ذاك الذي يحتاج الحياة والخلاص. المرجع: تفسير إنجيل يوحنا للقديس كيرلس الاسكندري، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد إصدار مركز دراسات الآباء. |
||||
23 - 07 - 2016, 05:14 PM | رقم المشاركة : ( 13640 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المجد لله في الأعالي كيرلس السكندري " وَكَانَ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ، وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا. فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ: لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. وَهذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ. وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ. " هلم نسبح الرب، ونرنم لله مخلصنا" (مز1:95) لأنه هو رأس عيدنا، ولذلك فلنخبِر بأعماله العظيمة، ونروي طريقة ذلك التدبير الذي خطَّطه تخطيطًا جميلاً، والذي بواسطته خلص العالم، ووضع نير ملكوته على كل واحد منا. إن جماعة الأنبياء القديسين قد سبقوا فأخبروا بميلاده بالجسد، وباتخاذه شكلنا في الوقت المعيَّن، الآن قد تحقق هذا الرجاء، فإن قوات السماء تأتي بالأخبار المفرحة عن ظهوره في هذا العالم للرعاة قبل الجميع في بيت لحم، وبذلك كانوا أول من حصل على معرفة السر. والرمز هنا يشير إلى الحقيقة، لأن المسيح يعلن نفسه للرعاة الروحيين لكي يبشِّروا به الآخرين، كما حدث من الرعاة أيضًا عندما تعلَّموا سره من الملائكة القديسين، وأسرعوا ليحملوا الأخبار المفرحة للآخرين، لذلك فالملائكة هم أول من بشَّر به وأعلنوا مجده كإله مولود في الجسد من امرأة بطريقة عجيبة. ولكن ربما يعترض أحد على هذا، فيقول " إن الذي وُلد الآن كان طفلاً وكان ملفوفًا بالأقماط ومضجعًا في مذود، فكيف نقول إنَّه تُسبِّحه القوَّات العلوية كإله؟ وردًّا على هذا الاعتراض نقول بحسم: أيها الإنسان عمِّق السر فإن الله صار في شكل منظور مثل شكلنا. رب الكل في شكل عبد، ومع ذلك فإن مجد الربوبية غير منفصل عنه. افهم أن الابن الوحيد صار جسدًا، وأنه احتمل أن يولد من امرأة من أجلنا، لكى يُبطل اللعنة التي حُكم بها على المرأة الأولى. لذلك فحينما ترى الطفل ملفوفًا بالأقماط لا تُركز فكرك على ميلاده في الجسد فقط، بل ارتفع إلى تأمل مجده الإلهي، ارفع عقلك عاليًا، اِصعد إلى السماء، وهكذا سوف تنظره في أعلى تمجيد، وهو صاحب المجد الفائق، سوف تراه: "جالسًا على عرش عالٍ ومرتفع" (إش1:6)، سوف تسمع السيرافيم يمجدونه بتسابيح، ويقولون إن السماء والأرض مملوءتان من مجده، نعم بل حتى على الأرض قد حدث هذا، لأن مجد الله أضاء على الرعاة، وكان هناك جمهور من الجنود السماويين يخبرون بمجد المسيح. فهذا ما سبق أن أخبر به موسى منذ القديم " افرحي معه أيتها السموات، وليسجد له كل أبناء الله" (تث43:32 سبعينية) لأن أنبياء قديسين كثيرين قد وُلدوا على مرِّ الأزمنة، ولكن لم يُمجَّد أي واحد منهم بأصوات الملائكة، لأنهم كانوا بشرًا، وكانوا على نفس القياس مثلنا. كانوا خدام الله الحقيقيين وحاملي كلماته، أما المسيح فلم يكن هكذا: لأنه إله ورب، وهو مرسِل الأنبياء القديسين. وكما يقول المرنِّم: " مَن في السماء يعادل الرب، مَن يشبه الرب بين أبناء الله" (مز1:89) لأن لقب البنوة قد مُنح لنا كنعمة حلَّت علينا نحن الذين تحت النير، ونحن بطبيعتنا عبيد، أما المسيح فهو الابن الحقيقي، أي أنه ابن الله الآب بالطبيعة، حتى حينما صار جسدًا: لأنه استمر على ما كان عليه منذ الأزل، رغم أنه اتخذ ما لم يكن له. لذلك لا تنظر إلى المُضطجِع في المذود على أنه مجرد طفل، بل في فقرنا انظر ذاك الذي هو غني كإله. وفي مستوى بَشَريتنا انظر ذاك الذي يفوق سكان السماء، ولذلك فإنه يمجَّد من الملائكة القديسين. وما أرفع هذه الأنشودة التي ترنموا بها: " المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبين الناس المشيئة الصالحة" (ترجمة حرفية). لأن الملائكة ورؤساء الملائكة والعروش والسيادات، والشاروبيم والسيرافيم، وكل القوات العلوية، كلِّ في رتبته، هم في سلام مع الله. لأنهم لا يتعدُّون - بأي حال من الأحوالل - مسرَّته الصالحة أبدًا، بل هم ثابتون وراسخون في البر والقداسة. أما نحن المخلوقات البائسة، فإذا تركنا رغبتنا الخاصة في تعارُض مع مشيئة الرب، فقد وضعنا أنفسنا في موضع الأعداء بالنسبة له. ولكن المسيح قد أنقشعت هذه العداوة! " لأنه هو سلامنا" (أف14:2) فقد أتحدنا به مع الله الآب، رافعاً من الوسط علَّة العداوة - أي الخطية - وهكذا إذ يبرِّرنا بالإيمان، يجعلنا قديسين وبلا لوم، ويُقرِّب إلى نفسه أولئك البعيدين. وفضلاً عن هذا، فقد جَبَل من الشعبين إنساناً واحداً جديداً. وهكذا، إذ صنع سلاماً، صالح كلا الاثنين مع الآب في جسد واحد، لأنه قد سُرَّ الله الآب أن يجمع، في وحدة كاملة جديدة، كل الأشياء في نفسه. وأن يربط معاً السُفليات بالعلويات، وأن يجعل من الذين في السماء ومن هم على الأرض، رعية واحدة. المسيح، إذن، صار لنا سلامًا ومشيئة صالحة، الذي به وله المجد والكرامة والقدرة مع الله الآب ومع الروح القدس إلى دهر الدهور آمين. المرجع: تفسير إنجيل لوقا للقديس كيرلس السكندري ترجمة د. نصحي عبد الشهيد + ترجمة مجلة مرقص يناير 2016، مقالة "بشارة الملاك للرعاة". |
||||