21 - 07 - 2016, 06:08 PM | رقم المشاركة : ( 13601 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
العـــــــــراق
عرف العراق (بلاد ما بين النّهرَين) المسيحيّة منذ نشأتها. وعلى الرّغم من الإضطهادات والحروب، استمرّت المسيحيّة عبر العصور. في الوقت ذاته، شَهِدَت تلك البلاد تنوُّعًا دينيًّا وطائفيًّا ومذهبيًّا. ليست هذه الديانات أو المعتقدات محصورَة بالإسلام والمسيحيّة. إلى جانب ذلك، العراق يَرِثُ حضارةً قديمةً جدًّا هي حضارة ما بين النّهرَين دجلة والفرات، حضارة الآشوريّين والبابليّين والسُّومريّين… بعدها، اشتهرت المدن الرّئيسيّة الثّلاث: بغداد والموصِل والبُصْرَة، منذ أيّام العبّاسيّين إلى العهد العثمانيّ. في كلّ هذه الحَقَبَات ساد الإختلاط الدّينيّ والمذهبيّ، وكانت الشّعوب في تعايشٍ سِلْمِيٍّ، على الرغم من الفروقات المتنوِّعَة، وعلى الرّغم من وجود المدن المَرْجَعِيَّة الخاصّة، كالنَّجَفِ وكَرْبَلَاء. الخرابُ الكبيرُ حصلَ أيّام غزو التّتار لبغداد، حين أُحْرِقَتِ المكتبات العظيمة الغنيّة بالعلوم والفنون، ولا شكّ أنّ هذا الغزو أَلْحَقَ الأذى بالمسيحيّين آنذاك. * * * أَقْدَم الدّيانات الّتي ما زالت حاضِرَة في أيّامنا هي الصابئة. يعتقدون بكتاب مقدّس “كنزاريا”، أنزله الله على آدم أبي البشر. هناك، أيضًا، الدّيانة الإيزيديّة، الّتي استهدفتها الدّولة الإسىلاميّة الحاضِرَة، وقُتِلَ وهَاجَرَ معظم أبنائها. هي امتدادٌ للزرادشتيّة، الّتي تعتقد بعبادة الخير والشّرّ. نذكر، أيضًا، المذهب البَهَائيّ الّذيهو فرع من الشّيعة يعتقد بظهور المَهْدِيِّ المُنْتَظَر. لا بدّ أن نذكر مَوْقِعَةَ كربلاء الّتي شَهِدَت مقتلَ الحُسَيْنِ بن علي بن أبي طالِب ورفقته في يوم عاشوراء. وفي النّجف نشهد لمرقد عليّ. * * * أمّا المسيحيّة، فهي دخلت العراق منذ القرون الأولى على يد الرّسل الّذين ذهبوا إلى الهند وأقاصي الشّرق. المسيحيّون هم، الآن، أشوريّون (نساطِرَة) وسريان وكلدان (كاثولِيك) وأرثوذكس، وقد اشتهروا عبر التّاريخ بثقافتهم، وشاركوا رئيسيًّا في إرساء الحضارة. منهم قدّيسون كبار، كالقدّيس اسحق السّريانيّ. منهم، أيضًا، من حاور الإسلام كـطيموثاوس الجاتليف بطريرك بغداد النّسطوريّ وغيره. كذلك، اشتهر اللّاهوتي الأرثوذكسيّ ثاوذورس أبو قرّة. نشهد اليوم لهجرة كبيرة، بخاصّة من الموصِل ومنطقة نينوى، على الرّغم من موقفهم السِّلْمِيّ وعدم حملهم السّلاح. نرجو أن تبقى الأقلّيّة خميرة نهضة دينيّة وحضاريّة. أخيرًا وليس آخِرًا، نشير إلى الأديار العديدة الّتي أُنْشِئَت في بلاد ما بين النّهرين عبر العصور، وقد أحصى أحدهم سنة 998 م. سبعة وثلاثين ديرًا، منها دير هند بنت النّعمان بنت المنذر في الحيرة وقد تعهّد القائد خالد بن الوليد بالحفاظ عليه. هناك، أيضًا، دير الأعلى في الموصِل أيّام العبّاسيّين. نذكر، أيضًا، دير باب الشّمّاسيّة في بغداد وهو يقع على نهر المَهْدِيّ. وما زال المسيحيّون صامدين، على الرّجاء أن تبقى الأرض مسيحيّة حتّى المجيء الثّاني… أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما |
||||
21 - 07 - 2016, 06:09 PM | رقم المشاركة : ( 13602 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المجمع المقدّس الأرثوذكسي
أنت، كاتباً، تأتي من الأبدي وتقوله في الحال. إن أتيت من الحاضر تكون صحافياً. ولكنك لا تكون كاتباً عظيماً الا إذا قلت الأبدي باللغة الحاضرة والا كنت مجرد راوية للقديم أي ناقداً في أحسن حال. ولكن الكاتب الذي لا علاقة له بالقديم أي بالأبدي يكون صحافياً تفهاً إذ الصحافي العظيم يأتي أيضاً من قديم الأزمنة أي من أبدية الحقيقة. مشكلة الكاتب الديني انه لا يستطيع ان يتجاهل الماضي إذ لا يأتي أحد من زمانه فقط ولا يقدر ان يجتر الماضي. اليوم الأساقفة الأرثوذكس مجتمعون لمناقشة شؤون الكنيسة كما هي مطروحة وغالباً ما يكون فيها بحث الانتخابات في الأبرشيات الشاغرة. وهذا دائماً بحث دقيق يحق للمطارنة ان يختلفوا فيه لأنه قائم على تقدير كل منهم للمرشحين المطروحة أسماؤهم. وهذا الاختلاف من طبيعة البشر. الأسقف الناخب له تقواه وله خبرته وثقافته اللاهوتية وهذه كلها تختلف بين أسقف وأسقف. طبيعي ان نختلف في الإدارة الكنسية بسبب من اختلاف الرؤى بين الأساقفة وتباين العواطف، هذا ما عدا النزاهة المفروضة عند الناخبين. لا يجمع كل المطارنة على رؤية الأحسن. فإن بينهم اختلافاً في التقوى وفي العلم والخبرة. وهذا الاختلاف يحاولون تذليله ما أمكن بتبادل الفكر في ما بينهم ولكن وحدة الرؤية لا تحصل دائماً ولو صلوا إذ الخيارات في أحوال كثيرة تكون محسومة. يصلّون في بدء اجتماعهم على رجاء استلهام الله. ولكن هل تقبل القلوب نعمة الله إذا نزلت؟ هذه صعوبة الفكر في كل مجتمع يعتبر صادقاً انه يستلهم الله. الكنيسة الأرثوذكسية صعبة إدارتها لأنها قائمة على اتفاق مطارنة مجتمعين. والمطارنة بشر مختلفون في العلم أولاً وفي الخبرة وفي الاطلاع على سيرة كل مرشح للأسقفية. رؤساء الدين ولو أتقياء يمكن ان يختلفوا. انتخاب المطران والبطريرك مهما فعلنا يبقى انتخاباً بشرياً نسعى فيه سعياً أخلاقياً. وليس من انتخاب يضمن وصول الرجل الأصلح. المجمع المقدس يبقى محاولة بشرية في المنطلق ما لم تنزل نعمة الله وتغير كل شيء. النظام المجمعي بلا تفرد سلطان يبقى الأفضل إذ لا بد ان تتوافر فيه نيات سليمة وعالمة. كل نظام في العالم بشري ويحمل ضعفات البشرة. ولكن في المبدأ عندنا ترجيح على ان الأكثرية تخطئ أقل من الفرد. النظام الأرثوذكسي دقيق جداً وصعب وأظن ان صعوبته الكبرى في هذا انه يفترض ان الإدارة الكنسية هي دائماً في أيد طاهرة وقلوب مؤمنة وعقول ذكية. التقاء المطارنة هيئة واحدة يدعى مجمعاً مقدساً. هل هذا النعت يأتي من تصديق ان الله يلهم الأساقفة دائماً وانهم دائما يطيعونه؟ مشكلتنا ان كل اجتماع بشري فيه من البشرة أي الانفعالات. القديسون قلائل. ولكن ليس لنا خيار الا النظام المجمعي. الناس كلهم يحسبون ان المسؤولين إذا اجتمعوا لهم نصيب معقول من قول الحقيقة والإتيان بأفضل الحلول. في حكم الفرد تسطع المصالح الفردية. مبدئياً إذا كثر المجتمعون يقتربون من الحقيقة. يمكن ان تقتنع بحكم الفرد إذا ثبت انه قديس عالم. ولكن الناس مقتنعون ان كثرة الآراء إذا صدق أصحابها وتطهروا ترجح الحقيقة وليس عندنا في الحقل الفكري في هذه الدنيا إلاّ الترجيح. قناعة الناس جميعاً ان الكثرة أقرب إلى الحقيقة من الفرد الواحد وانها غالباً هي الأضمن. ليس لأحد إذا تكلم تأكيد من الله انه على حق. الفكر بما فيه الفكر الديني مسعى. ما من أحد في الكنيسة يقول إن مئات الأساقفة إذا اجتمعوا هم آلياً على حق. هذا تعرفه بعد اجتماعهم وبتصديق مجمع لاحق. ولكن هذا أيضاً غير مؤكد بالمطلق. ما من مجمع بحد ذاته له ضمانة العصمة. العصمة تؤكدها الأجيال اللاحقة. الناس ناس. المجمع مسعى وليس ضمانة بمجرد انعقاده. الحقيقة المسيحية لا تظهر من آلية الاجتماع ولكن مما تبقى من قناعة في الكنيسة. المطران جورج (خضر) |
||||
21 - 07 - 2016, 06:10 PM | رقم المشاركة : ( 13603 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
النور
في إنجيل يوحنا حديث كثير عن النور. “أنا نور العالم” (8:12 ). وعندما يقول السيد في متّى: “أنتم نور العالم”، إذا عطفناها على قوله: “أنا نور العالم”، يكون المعنى انكم تستمدون نوركم منّي. نور المسيح ظاهر لك بعد صعوده الى السماء في كلمته. هو الذي يستنير به عقلك وقلبك معًا اي هو الذي يُبدّد الفكر المغلوط فيك وهو الذي يمحو خطاياك. هذان أمران يتّصل أحدهما بالآخر. فإذا كنتَ على استقامة الرأي وفهمت تعليم الله بالإنجيل يساعدك هذا على الابتعاد عن الخطيئة. بالمقـابل اذا تبتَ عن خطاياك تزداد استقامة رأيك قوة. مثلا إذا كنتَ تكذب كثيرًا يميـل عقلك الى القـول ان الانسان لا يستطيع الا ان يكذب. أمّا اذا صرتَ فعـليًا أقرب الى الصدق يميل عقـلك الى القول ان الله كان على حق عندما أوصانا بعدم الكذب. فعلـُكَ ينحت عقلَك، وعقلك اذا استنار ينزل الى قلبك ليطهره. الشيء الآخـر ان هـذه الدنيـا مليئـة بالأفـكـار الـمـغـلـوطـة في الفــلـسفـة والآداب والسيـاســة وفي الكثـيـر من حديث النـاس. وأنت تصيـر على شكل ما تسمع وما تقـرأ وتميـل الى التشبّه بالخطأة والأشرار وتميل الى مشاكلـة هذا الـدهر اي تـأخـذ شكل عقـل النـاس وتجتـرّ كلامـهم الفـاسد. في خضَمّ هذه الأفكار المغلوطة، الإنجيل وحده إن قرأتَه يُصحح فكرك المغلـوط او المعوج. الإنجيل نورُك. إقرأ الكثيـر واسمع الكثيـر لأن لـك مصلحة حياة في هذا. ولكن واجـه ما تسمع وما تقـرأ بنـور المسيح الذي فيـك. لا أقـول لك أن تنعـزل كليـًّا إذ تصيـر فـارغـًا. أقـول اختـلـط بعـد أن تكـون قـوّيـت فكـرك بفـكـر المسيـح. تريد أن تسمّي العلم نورًا؟ هذا صحيح الى حدّ. ولكن هناك معلومات تُفسّر وهي جزء من علوم هذا الدهر. اطّلع على كل شيء وتمسّك بالأفضل. الإنجيل لا يغلق عليك شيئًا. خذه في عقلك وقلبك واذهب الى هذا العالم غير خاضع له لأنك تحررتَ بالإنجيل. مؤخرًا كنـتُ على غـداء في رعيـة، وكـانـت على المائدة أمـامي امرأة يدلّ ظاهرها انها تفـوق الستين من العمـر. وكنا نسمع الى هذا وذاك من القريبين مني. أذكر انها تلت ثلاث آيات من العهـد الجـديد في مواجهة أغـلاط كنا نسمعها. كان حديث هذه المـرأة يدلّ على انها كبيرة الثقـافـة. كانت مثقـّفـة إنجيليًا وأحسّت انها تسمع كلامًا مغلوطًا فأخذت من جعبتها الإنجيليـة ما ساعد النـاس أن يفهـمـوا. كلّ منّـا عنـده شيء مـن العمـق بسبب علاقات له فيها شيء من السوء، وله مواقف وأقوال استمدّها من خطاياه. الإنجيل وحده يُنقـذك من الأخطاء ويجعلك تبصر. جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان) |
||||
21 - 07 - 2016, 06:12 PM | رقم المشاركة : ( 13604 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الكنيسة والحركة المسكونيّة ملاحظات واستنتاجات!
نحن في مدى الكنيسة وعمقها. الكنيسة كجسد الرّبّ يسوع المسيح له المجد. “نحن أعضاء جسده، من لحمه ومن عظامه” (أفسس 5: 30). ولكنْ، هل جسد يسوع غير الرّبّ يسوع، أعني شخص الرّبّ يسوع المسيح؟ أتُرى الكنيسة جزء منه، امتدادٌ له، أم هي إيّاه بالذّات؟ أتُراها ضربٌ من المؤسّسة باسمه، أمْ هي حضورُه في الملء ممتدًّا إلى الأبد؟ لا هي جزء منه ولا هي مؤسّسة باسمه! عندما أسَّس السّيِّد سرَّ الشّكر أعطى تلاميذه –وإيّانا من خلالهم– جسدَه ودمَه. هذا يعني، عمليًّا، ذاتَه بالكامل. يومذاك أسّس الكنيسة! جسدُه بمعنى ذاته، ودمُه بمعنى حياته. عندما أبان الرّسول المصطفى أنّنا من الآن –من المسيح صُعُدًا– لا نعرف أحدًا حسب الجسد؛ وإن كنّا قد عرفنا المسيح حسب الجسد، لكنْ الآن لا نعرفه، بعد؛ عندما أبان الرّسول ذلك أراد أن يلقي الضّوء على ما أسماه “الخليقة الجديدة” (2 كورنثوس 5: 16 – 17)، أي على الكنيسة الّتي هي إيّاه الرّبّ يسوع المسيح. التّلاميذ عرفوا الرّبّ يسوع، قبل القيامة والصّعود والعنصرة، بالجسد البشريّ. أمّا نحن فنعرف الرّبّ يسوع في الرّوح القدس. هذا لا يجعل معرفتنا به ومقاربتنا له بمعزل عن بشرته، بل يجعلها معرفة من نوع جديد: إلهيّة بشريّة، أو قل: إلهيّة في البشرة! لا إلهيّة فقط بل إلهيّة بشريّة. ولا روحيّة فقط. الرّوح البحتُ نحن لا نعرفه. لذا متى قلنا “روحيّة” عنينا ما هو بشريّ ولكنْ متروحنًا. ما هو روحيّ ولكنْ في البشرة كواحد وإيّاها. تجسُّدُ المسيح أتى بنا إلى خليقة جديدة، نتعاطى، فيها، الرّوحَ بشريًّا، كما نتعاطى البشرة روحيًّا! مَن يَحسبون أنّ ثمّة فصلاً، بعدُ، بين ما للجسد وما للرّوح، وأنّ للجسد جسديّاته، فيما الرّوحيّات قصْرٌ على ما للرّوح، يخطئون! الجسد، في ذاته، عند ربِّك، لا ينفع شيئًا، الرّوح هو الّذي يحيي! لقد بتنا في حيِّز آخر جديد بالكلّيّة من الوجود. في المسيح، نحن نتعاطى كلّ ما للإنسان، من أبسط أموره إلى أعقدها، ولكنْ روحيًّا، أو قل تجسّديًّا، لا جسديًّا، أي على نحو إلهيّ بشريّ! هذا المعطى الجديد، هذا الكيان الجديد، هذا الواقع الجديد، ومن ثمّ هذا المدار الجديد، هو إيّاه الكنيسة! وما دام الأمر كذلك فالجسد في الكنيسة واحد، وكنيسة الجسد واحدة، لأن هذا هو إيّاه، في كِلا الحالين، المسيح الرّبّ. كذلك الرّوح في الكنيسة واحد، إذ وحده يعطينا أن نكون من المسيح الواحد وأن نحيا فيه. على هذا، لا يمكن الكنيسة إلاّ أن تكون واحدة، وفي كلّ حال. لا أحد ولا قوّة، خارج المسيح، يهدِّد وحدة كنيسة المسيح. وحدتها بديهيّة! فلا المسيح قابل للتّجزئة ولا روحه القدّوس! عندما نساهم القدسات، فإنّنا نأخذ، من المنظور، ما هو جزء؛ ولكنْ، هذا الجزء المنظور، المحسوس، يحوي المسيحَ كلَّه واحدًا غيرَ منظور، وكذا الرّوحَ كلّه. بكلام آخر، وربّما أدقّ، اللاّمنظور يتجلّى في المنظور، كما في الكتاب المقدّس، أو كما في الأيقونة! من هنا كون الكلام على كنيسة منقسمة تصوّرٌ غير صحيح. المسيحيّون وحدهم ينقسمون فئات متخالفة وفرقًا متصارعة. لكنَّ الكنيسة شيء والمسيحيّين شيء آخر. الكنيسة قائمة، ربّما، في هذا أو ذاك ممّن نعتبرهم مسيحيّين، والمسيحيّون في الكنيسة. غير أنّ الكنيسة ككيان والمسيحيّين كجماعة لا يتماهيان! طبعًا، في الاستعمال تَرِد لفظة “كنائس” بمعنى “جماعات المؤمنين”، هنا أو هناك. ولكنْ، في الاستعمال الأساسي والعميق، لفظةُ “الكنيسة” تَرِدُ بمعنى “جسد المسيح”. لذا متى أردنا أن نستدلّ على إحدى الجماعات/ الكنائس القويمة نقول: الكنيسة الّتي هي هنا أو هناك، إشارة إلى الكنيسة الواحدة في كلّ جماعة أو مكان، الكنيسة الواحدة في ملئها، في الرّوح والحقّ، هنا أو هناك. فإذا لم يكن ملءُ الكنيسة ووحدتُها متمثّلَين في مكان محدّد وجماعة محدّدة، فإنّنا لا نتكلّم، بالمرّة، على الكنيسة الواحدة الحقّ الّتي هي في هذه الجماعة وذاك المكان. في هذه الحال، حتّى ضمن الجماعة الواحدة، يمكن أن يكون الإنسان من الكنيسة، ويمكن أن لا يكون؛ أو قل: يمكن أن تكون الكنيسة فيه، ويمكن أن لا تكون. من الممكن، إذًا، أن تكون هناك كنائس، ولكنْ، هذا لا يعني، بالضّرورة، أن يكون كلُّ مَن هو من هذه الجماعات/ الكنائس في الجسد، في الكنيسة، في المسيح، ومنه! يجيء مثلُ ذاك من مسيحيّة ما، ربّما مزغولة، ولا يأتي من مسيح الرّبّ وروحه بالضّرورة! ثمّة مَن يُحسَبون، إذًا، في جماعة كنسيّة دون أن يكونوا في الكنيسة الإلهيّة البشريّة الحقّ! بإمكان المسمّى مؤمنًا أن يكون انتماؤه إلى الجماعة الكنسيّة خارجيًّا: معمَّد، يدين بدستور الإيمان، يساهم القدسات، يتعاطى الأسرار الكنسيّة، وحتّى يصوم ويصلّي؛ دون أن يكون في الكنيسة، في المسيح؛ أي دون أن ينتمي، في الرّوح والحقّ، كما قلنا، إلى الكنيسة الواحدة الّتي هي جسد المسيح. طبعًا، الانتماء إلى جسد المسيح، أن يكون الإنسان عضوًا حيًّا في جسد المسيح، يتضمّن أن يكون معمَّدًا، كما يتضمّن كلّ ما ذكرناه أعلاه، ولكنّه يعني، أوّليًّا وجوهريًّا، أن يحيا في مستوى الإيمان الحيّ الفاعل بالمحبّة. الانتماء إلى الكنيسة بالمنظورات وحدها لا يكفي. نحن نَرى ما لا يُرى، ونحيا في مستواه، نلتزمه بالكامل، ولو اعتللنا، بسبب ضعفنا، بالخطيئة! نحيا في مستوى ما هو منظور من إيماننا بالرّبّ يسوع، ولكنْ من منطلق ما هو غير منظور، لجهة الإيمان الحيّ الكامل بالرّبّ يسوع والفاعل بالمحبّة! هذه المكوِّنات/ الحقائق تطرح موضوع الوحدة الكنسيّة، أو قل تحتّم طرحه طرحًا لا بشريًّا، بل إلهيّ بشريّ. لا الوحدة موضوع صيغ إيمانيّة كلاميّة ولا شركة طقوس! لا هي مسألة رأس بشريّ واحد، ولا مجمع واحد، ولا هي مسألة إدارة موحّدة متكاملة! لا هي تراكم أجساد وتلاقي طوائف، ولا هي تلاقي رؤى أيديولوجيّة في تعاطي الجماعات، فيما بينها، أو في تعاطيها مع العالم! الوحدة الكنسيّة لها، طبعًا، هذا وذاك من الوجوه: صيغ إيمانيّة واحدة، أو موحّدة، وطقوس ذات بُنى أساسيّة واحدة، ومدبّرون ذوو مواهب مختلفة، وإدارات تسيِّر أمورها بلياقة وترتيب، وتعاون وتفاهم بين الأفراد والجماعات، هنا وثمّة. هذا كلّه وارد باعتبار واقعنا البشريّ المجتمعيّ، وبصفته المجال الّذي يمكن أن تثمر فيه الوحدة المسيحيّة الحقّ! لكن هذا كلّه ليس هو ما يحقّق الوحدة الكنسيّة، بل ما يتجلّى فيه التّعبير عنها! اعتبارُه الأساس في استعادة الوحدة، بعد الانقسام المزعوم للكنيسة، يقدِّم ويستعيض بما هو بشريّ نظريّ ترتيبيّ عمّا هو من الرّوح القدس الحيّ. كذلك، يجعل الرّوحَ، وتدابيرَ الرّوح، في مستوى الداعمة، في الأذهان، لتدابير البشر، بعضًا من تحصيل حاصل؛ أو قل صفةً تُضفَى على ما يرتئيه النّاس وفقًا لقناعاتهم ومصالحهم واستنساباتهم! بكلام آخر، ينسبون إلى روح الله ما هو منهم ولهم، وبذا يؤلِّهون ذواتهم، باختلاس ما لله، تاركين ما هو لروح الله، مِن الرّوحيّات، مسيَّبًا، مغمورًا! وفي ذلك ضلال كبير! ليكن واضحًا أنّ وحدة الكنيسة محقَّقة، أبدًا، ويضمن استمرارَها روح الرّبّ. النّاس، كمؤمنين، يجعلون أنفسهم في مسار الإلهيّات، في الرّوح، في المسيح. يسلكون، بأمانة، في الرّوح والحقّ،؛ يتعاطون الأسرار الكنسيّة؛ يحفظون الوصيّة؛ يلزمون التّوبة؛ يتدرّعون بالفضائل المسيحيّة؛ يتسلَّحون، أبدًا، بالصّلاة، باسم الرّبّ يسوع؛ يثبتون في محبّة الله والإخوة؛ يتمِّمون الكلّ للمسيح في الحياة والممات! فإن أقاموا على ذلك، صاروا، في الرّوح، واحدًا والله، ومن ثمّ واحدًا فيما بينهم! وحدةُ الكنيسة لسنا نحن مَن يحقِّقها؛ وما يمكن أن نحقِّقه نحن، لجهة وحدة الكنائس، لا يتماهى، بالضّرورة، والكنيسة الواحدة، كنيسة المسيح والرّوح القدس، كنيسة الله الّتي اقتناها بدمه! نحن، فقط، نشترك في الكنيسة الواحدة أو ننقطع عنها، ننتمي إليها أو نكون غرباء عنها بالرّوح والحقّ! إذًا، وحدة الكنيسة كائنة في الرّوح القدس؛ ثمّ بالرّوح تنعكس علينا في علاقتنا فيما بيننا. من تحت إلى فوق، ثمّ تتنزّل علينا، إلى ما هو فيما بيننا، لتجمعنا الواحدَ إلى الآخر، وترفعَنا، جميعًا، كواحد، إلى الآب الواحد! على هذا، مَن يطلبون الوحدة المنظورة فيما بينهم، ولا يعملون حثيثًا من أجل أن يصيروا واحدًا والله، يقعون، من حيث لا يدرون، في الوثنيّات الكنسيّة، وتاليًا في النّفسانيّات الشّيطانيّة (يعقوب الرّسول)، ويهيِّئون لا لمجيء مسيح الرّبّ: “أيّها الرّبّ يسوع تعالَ”، بل لمجيء ضدّ المسيح، من حيث لا يدرون! فيما تتّسع دائرة الارتداد الفعليّ الكبير، الّذي تحدَّث عنه الرّسول المصطفى بولس، في رسالته الثّانية إلى أهل تسالونيكي، وفيما يستمرّ، حثيثًا، عملُ الحركة المسكونيّة نحو الوحدة المزعومة للكنائس، يحقّ لنا أن نتساءل: هل القصد، في العمق، هو الكنيسة الواحدة، فعلاً، أم القصد شيء آخر؟ إذا كان القصد، بصدق، هو الكنيسة الواحدة، فلا شكّ أنّنا بإزاء مغالطة بحاجة إلى تقويم. أنوِّه، هنا، بموقف الأب جورج فلوروفسكي، إبّان تأسيس مجلس الكنائس العالميّ (1938)، الّذي حدّد، منذ البدء، أنّ الكنيسة واحدة، وأنّ الكنيسة الأرثوذكسيّة الرّوميّة هي المحافِظة الوحيدة على الوجدان الرّسوليّ، عبر التّاريخ إلى اليوم؛ وأنّ دورها، في مجلس الكنائس، هو مساعدة غير الأرثوذكس في استرداد ذاك الوجدان الرّسوليّ المفتقد لديهم. هذا إذا ما كان القصدُ، عن حقّ، هو الكنيسة الواحدة. أمّا إذا كان القصد آخَر، وهذا ما يبدو لناظر الكثيرين، فالخشية أنّ المرتجى الفعليّ هو توحيد الكنائس مقدّمةً لتوحيد ديانات أهل الأرض، دعمًا للتّعايش فيما بينهم، ما ينطوي، في أفهامنا، على قصد عميق هو، في نهاية المطاف، القضاء المبرَم، باسم وحدة الشّعوب، على كنيسة المسيح بإفراغها من مسيحها وروحها، وتأطيرها بالإطار العقليّ النّسبيّ. ومن ثمّ اعتبار مسيح الرّبّ واحدًا من مجمع آلهة مُحدَث! أمّا الكنيسة، فعليًّا، فيُصار إلى الفصل بين كونها المسيح إيّاه وكونها مؤسّسة باسمه! في هذه الحال، يُصار إلى الاكتفاء بهيكلها البشريّ الكلامي الحجريّ الطّقوسيّ التّاريخيّ التّنظيميّ! إحساسنا، في العمق، أنّ ما يطالعنا، في هذا الاتّجاه، هو، بالأحرى، مَسعى حثيثٌ إلى “متحفة” الكنيسة و”نفسنتها” ودهرنتها! في هذه الأثناء، في غفلة عن الأنظار، وبعيدًا عن الأضواء الدّهريّة، على نحو ما جرى في مغارة بيت لحم، أصلاً، ثمّة “قطيع صغير” تَنْهَدُ النّفوسُ فيه إلى ربّها، مِن الّذين ينشدّون بروح الله إلى روح الله، في توق وشوق وولهٍ عارم إلى مَن فوق. هؤلاء تنبعث منهم رائحة الطّيب الإلهيّ لتنتشر فيما بين الّذين لم تتعطّل فيهم، بعدُ، المشام الرّوحيّة! وحدهم هؤلاء تتجلّى لهم وحدة الكنيسة بهيّة، كاملة في ملئها، فيما يبحث الأكثرون، في عَطَب بصيرتهم، عن الكنيسة العروس، المَقولِ عنها ضائعة! أين؟ في غياهب ظلمات العقل وظلال الموت، موت الحسّ الوجدانيّ القويم، بين ركام الأوهام والبدع المقامةِ بديهيّاتٍ مُحدَثة! خلاصة الكلام أنْ أعطني، وكفى، هاجسَ قداسةٍ أصيلاً أدلّك على مَن يعملون، حقًّا، على إبراز تجلّيات وجه العروس، الكنيسة الواحدة الحقّ! بغير ذلك، عبثًا تبحث عنها وعبثًا تسعى إليها! الأرشمندريت توما (بيطار)، رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي ، دوما – لبنان |
||||
21 - 07 - 2016, 06:14 PM | رقم المشاركة : ( 13605 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الإرهاب
من زاوية كنسيّة اليوم يبدو بوضوح أنّ الشيطان هو “أمير هذا العالم” (يوحنا 12: 31) . كلّ شيء يميل إلى الشرّ حتّى السياسة والدين. يركب هذا القطارَ السريعَ كلُّ مَن يعارض الوضع القائم، أكان من اليمين أم من اليسار. الحضارة العالميّة الحاليّةُ تُفرِزُ أناساً لا يرتضون بالحالات السائدة. بدل أن يثوروا على أنفسهم، على أهوائهم وعلى أمراضهم النفسيّة، ينتقمون من الآخرين وحتّى من الأبرياء. يفكّرون بالنقد ويميلون إلى الخراب بدلاً من البُنيان. طبعاً هناك مَن يعاني مِنَ الفقر المدقع وهناك مَن لا يقبل القِيَمَ والأخلاق الحسنة. فكيف اذاً نتعجّب من إنكار دينهم أو من انحرافهم عنه؟ّ إنّهم في كثير من الأحيان يصيبون في أرائهم ولو كانوا يمارسون الأعمال الشيطانيّة، هذا عندما ينبذون تناقض الإدّعاءات السياسيّة الإعلاميّة للسلام والعدالة مثلاً، بينما تأتي الممارسات عدوانيّةً ومصلحيّة في الواقع. السلوك التخريبيّ العنيف، سواءٌ كانت دوافعُه قوميّةً أم دينيّة، ما هو إلاّ صورة أخرى عن الأنانية، ناهيك عن التصرّف الفَردَوِيّ والتفكُّك الأُسَرِيّ. في كلّ هذا ضعفٌ للذّاتِ العُليا (القلب الواسع) وسيطرةٌ للذات الدنيا (الأهواء والشهوات). الآن كيف يمكننا نحن المسيحيّين أن نقارب مثل هذه الموجة الإرهابيّة التي تجتاح العالم وبلادنا؟ كيف نستطيع إن أمكننا ذلك أن نعالجها على الصعيد الشخصيّ أو الجماعيّ؟ أكتفي الآن في هذه العُجالة وفي هذه الأيّام الصياميّة أن أبدي رأيًا نابعاً عن خبرة بعض الآباء القديسين ولو اعتبرتموه ناقصاً أم ناتجاً عن ضعف وعدم قدرة. يقول القدّيس سيرافيم ساروف الروسيّ المعاصر “يكفي أن يتقدّس واحد من البشر حتى يجرّ خلفه مئات من الناس”. ويقول القدّيس أفرام السريانيّ صاحب صلاة التوبة الشهيرة (أيّها الربّ وسيدّ حياتي…): “القديسون هم التائبون إلى الله العائدون اليه”. يكفي إذاً لنا نحن المسيحيّين أن نتوب. انظروا إلى العالم كلّه كم من المسيحيين يتراجعون عن إيمانهم، تاركين كنائسَهُم فارغةً مِن المصلّين! يدّعي كثيرون أنّهم متحضّرون وأبطال التكنولوجيا، بينما تتفكّك العائلات وينحرف الإنسان عن حياته الطبيعيّة التي أرادها الله. المطلوب اذاً ثورة على النفس، عودة إلى القِيَم الأخلاقيّة المسيحيّة، عودة إلى وصايا الله وإنجيله. هذه هي التوبة. القدّيس يوحنّا الدمشقيّ يحددّها بقوله “التوبة الحقيقيّة، هي العودة من الشيطان إلى الله. وهي لا تكون بدون جهاد وألم ودموع” (كتابة مئة مقالة في الإيمان الأرثوذكسيّ أصحاح 47). نعم، نحتاج إلى دموع كثيرة في هذه الأيّام العصيبة، حتّى ينقذنا الربّ يسوع الإله برحمته الغزيرة من الهجرة والانقراض. مع كلّ ذلك، لا يَدَعُنا الربّ الرحوم يتامى يائسين، إذ يقول لنا “لا تخف أيّها القطيع الصغير، لأنّ أباكم قد سُرّ أن يُعطيكم الملكوت” (لوقا 12: 32). + أفرام مطران طرابلس والكورة وتوابعهما |
||||
21 - 07 - 2016, 06:17 PM | رقم المشاركة : ( 13606 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
التداوي بالمرض المرض ليس مِن صُنع الله، فهو لخالص محبته لم يتعدّ على مشيئة الانسان الحرّة المعاندة له، الّتي هي بعينها سبب خطيئته. أُلبِسَ الانسان إذًا بعد سقوطه الطوعيّ جسدًا قابلاً للمرض والموت، فهو ليس وارثًا بعد لخطيئة آدم بل لنتائجها، وتُضاف عليها خطاياه الشخصية بحقّ جسد المسيح بكامله لكونه جزءًا منه بحيث يصبح كل واحد منا مسؤولاً أمام الكلّ وفي كل شيء. المرض يمكن أن يكون نتيجة الخطيئة أم لا؟ فبالمسيح أُصلحت الطبيعة البشرية الساقطة بآدم لكن الشرّ مستمر في هذا العالم بسبب إستمرار العصيان الإراديّ للبشرية. لذلك تبقى نتائجه مؤثّرة في الطبيعة الانسانية. مقاربة بين الصحة والمرض: الصحة ليست خيرًا مطلقًا أإذ إنها قد تُستعمل بقصدٍ شرّيرٍ. والمرض ليس شرًّا مطلقًا في أساسه إذ إنه قد يُستخدم في الوقت عينه لما فيه الخير والقداسة. من هنا، أن الصحة، إن لم تُستعمل بشكل جيد ولأجل الخير وتمجيد الله، فهي لا تُفيد الإنسان بشيء، لا بل انها قد تنقلب الى شرّ مدمّر اذا أبعدت الانسان عن الله جراء إحساسه بالقوّة والاكتفاء الذاتي أو إذا استعملت لأجل إشباع الأهواء والترف والتنعّم المسرف ( كالشاب القويّ المتباهي بنفسه الّذي يغرق في ترف الحياة وملذاتها، أو الفتاة الجميلة الصحيحة الجسم اللامبالية بالله وبالآخر الّتي تغتّر بنفسها وتُلقي بنفسها في متع الحياة…). المنافع والمضار الروحية للمرض: – المرض المحيي النفس: ليس من المفترض بالمؤمن أن يغفل عن الجوانب الايجابية للمرض –وهي غير قليلة- إذ يمكن للمرض أن يفيد الانسان ويقرّبه الى ربّه. فالمرض، في وقته، يكون غير باعث على الفرح في أكثر الاحيان لكنه يروّض النفس ويلمؤها بثمر البرّ والسلام… المرض لا يمكن أن يبعدنا عن الله أو يضرّنا اذا كانت نفسنا سليمة، فالمرض له معنى وهدف يتخطّيان الطبيعة البشرية لأنه يدلّ على ضعف طبيعتنا ومحدوديتها، فيحطّ من كبرياء الانسان ويعيده الى واقع أنه تراب و”بخار يظهر قليلاً ثم يختفي”، فيعود الانسان الى نفسه ويتوب الى ربّه إذ يقوى لديه الحسّ بالروحيات بعد أن يفقه بأن لا شيء باقٍ في هذه الدنيا. وبالمقابل، يضعف الحس ّالدنيوي في فكر المريض المتألّم وحياته، اذ يركن الى هدأة نفسه وينسك في قلبه متنزهاً عن كثير من الاهتمامات الدنيوية مبتعدًا عن حبّ الشهوات وكأنها ما عادت تعنيه أو كأن ما يعنيه منها هو شهوة الحياة الآتية حيث لا وجع ولا همّ ولا تنهّد. من جهة أخرى، يُعتبر المرض والالم جزءًا من الأتعاب النسكيّة الّتي تُروّض الافكار وتنقّي القلب وتُضعف الشهوات، كما أن الصبر في المرض مع الشكر قد يحلّ محلّها أو ينزل منزلتها ومنه تنبع خيرات روحية كثيرة. إن المرض يشكّل فرصةً ملائمة جداً للشهادة المسيح وتقويةِ إيمان المريض ومحيطه الّذي قد لا يكون بالضرورة مؤمنًا، بمعنى أن المتألم المؤمن يصبح رسولاً ومبشرًا بالفعل ودونما حاجة الى كثير الكلام أو قليله!! أضف الى ذلك أن المرض يروّض المؤمن في اكتساب فضيلة الصبر لكونه من أكثر المشاكل ثقلاً وتضييقًا على النفس البشرية، “لأن الضيق يولد الصبر، والصبر الامتحان، والامتحان الرجاء” كما يعلّم بولس الّذي يُعتبر بحقِّ رسولَ الآلام بامتياز إذ تحمّل منها عذابات تقديسية كثيرة. وأيضًا، لا بدّ أن نذكر بأن الكتاب المقدّس لم ينسُب إلى لعازر الفقير اي فضيلة فيما خلا الصبر على احتمال مرضه، وهذا فقط خوّله لأن يُقتبل في أحضان إبراهيم. المرض هو أيضًا مصدر روحيّ للتواضع، فهو يُضني عنفوان الجسد ويُحجّم الحسّ الدنيوي للنفس ويحمل الانسان على التوبة ويحرّك فيه التخشّع ويثير في النفس استعدادًا للصلاة. نعم، إن المرض ينبوعٌ للصلاة الحارّة الّتي تستجلب المعونة الدائمة في وقت الشدّة. الا أن المعونة المنسكبة من العُلى قد لا تحمل بالضرورة شفاءً للجسد اذ إن الله يمنح الإنسان ما هو أنسب روحيًا له، علمًا أن استمرار المرض أحيانًا قد يفتح المجال للعناية الإلهية لتعطي ما هو أكثر خيرًا، لذا وجب أن نطلب في صلاتنا أن يعطينا الربّ ما هو الأفضل لخلاصنا دون أن نُصرّ على التعافي الجسديّ، واضعين أنفسنا تحت مشيئته وإرادته بكل ثقة وتسليم واتضاع، لأن المريض يطلب في معظم الأحيان تحقيق إرادته الّتي تتوق إلى التحرّر من الأوجاع. في الواقع، إن هذا التحرّر من الإرادة الخاصة يُظهر تواضعًا وحبًا خالصًا لله مع عدم أنانية، وهو يؤول الى شفاء النفس قبل الجسد، وأجره عظيم عند الله. في هذا السياق لا بدّ من أن نذكر أن صلاة الجماعة لها قوّة شفائية عظيمة سيّما وأن الكتاب قد أوصى بها “صلوا بعضُكم لأجل بعض لكي تشفوا” و”احملوا بعضُكم أثقال بعض”. فالمريض يمكن أن يُشفى بإيمان وصلاة الجماعة -كمثل المخلّع حيث رأى يسوع “ايمانهم” (اي إيمان الّذين حملوه)-. لذلك يجب على الجماعة أن تصلّي لأجل أعضائها المرضى لكي تكون الكنيسة جسدًا واحدًا بالمسيح. فصلاة الجماعة لها قوة للجسد بكامله الّذي هو المسيح، لأنه من أجل هذه المحبة اتّحد الله بالانسان والانسان بالله كما يقول الحبيب يوحنا في رسالته “الله محبة، فمن أقام في المحبة اقام في الله والله فيه”. الصلاة من أجل المريض هي مسؤولية روحية لكل مسيحيّ لكي نحب قريبنا كنفسنا ونحمل المريض كما حمله السامريّ الشفوق متمثّلين بالله وبرحمته الكبيرة لكل الخلائق. – المرض المميت النفس : من جهةٍ أخرى، كان المرض امتحانًا قويًا للإيمان لما ترتديه الطبيعة البشرية من ضعفٍ وخوفٍ، فمن السهل أن يصبح المريض فريسةً لشيطان اليأس إذ يرزح ومحيطه تحت عبء المرض ووطأة الألم ومعاناته الّتي قد تصعب وتطول، فينغلق على نفسه ويستسلم لأن المرض سيف ذو حدين وهو قد يُبعد الإنسان عن ربّه بدل أن يقرّبه منه إذا ما أصرّ على القلق والاكتئاب والتململ والتأفّف من آلامه ولوم الله على ما آلت اليه حالته والتضجّر من محيطه، سيما إذا لم يجد حبًا ولم يلقَ تفهّمًا وإيمانًا وتشجيعًا من محيطه القريب ومساندة وتشديدًا ومحبّة وصلاةً من الجماعة بأسرها. يتجلّى هذا الوضع بوضوح لدى بعض المصابين بالأمراض والآلام المزمنة أو المستعصية الّذين غالبًا ما يكونون عرضةً أكثر من سواهم من المرضى للتململ واليأس والحزن والضجر والخوف والتمرّد… ففي هذه الحال وجب على المريض المؤمن ومحيطه أن يدأبا على استذكار أن الله رحيم وقريب وعالِم بضعفنا، وهو لا يُجرّبنا فوق الطاقة إذ يعطي مع التجربة منفذًا ومع الألم أداةً لاحتماله وتعزية، وبأنه، ولو أتت مساعدة الربّ متأخرة، فهو لا بدّ عالمٌ بما ينفعنا إذ إنه القائل “لن أُهملك ولن أَتركك” و”شعرةٌ من رؤوسكم لا تهلك”… كما أن صبر المريض يُذكّر بما جاء في الكتاب من أنه “بصبركم تقتنون نفوسكم” و”مَن يَصبر الى المنتهى فهذا يخلُص”. فإن كنا لا نتحمّل الآلام والامراض بشجاعة وإيمان فكيف سنتحمل بالأحرى الصليب الّذي لا ولوج الى الفرح والقيامة والحياة الحقّ بدونه، ولا تحرّر من ضعفات الجسد ولا سلام ؟! ختامًا، نذكر بأن رحمة الله تتأجّج في أعماق لجّة اليأس البشري، وأنه في الضعف يُظهِر الله كمال قوته في المتألم “لأن قوتي في الضعف تكمل”، فالربّ بنفسه يسهر على المريض ويحفظه من اليأس ويساعده في تخطي ضعفاته وصعوبات حالته. فالربّ يُظهر محبته للنفس المريضة على قدر صعوبة الأحزان الّتي تواجهها “أَلقِ على الربّ همك وهو يَعُولُكَ”… خلاصة الحديث أن الربّ محبة خالصة، وهو يعطي لكل منا ما هو لمنفعته الروحية من صحة ومرض. أما إذا مرضنا فلنذكر بأن المرض يكشف بؤس الانسانية المنفصلة عن الله، وهكذا نستخدمه لتطهير نفوسنا وتمجيد الله. ففي الاحزان والآلام نصبر ونرجو ونشكر الله، فيتحوّل كل شيء لقداستنا بمشابهة المسيح الّذي بموته وآلامه وصل الى القيامة. يقول الذهبي الفم بأن الألم يُسيطر علينا بسبب الخطيئة في حين أن الالم في الوقت عينه يُحرّرنا من الخطيئة، فالآلام تصبح آلامًا خلاصية!! هذا يعني أنه بنعمة المسيح يصبح المرض الجسدي دواءًا لشرور النفس البشرية!! فالمرض الّذي يرافق الانسان ليس سوى جزء بسيط من الأحزان الكثيرة الّتي بواسطتها يدخل الإنسان ملكوت الله، وهو جزء من الصليب – الّذي نحمله ونتحمّله- لكي نستحقّ المسيح ونتبعه في طريق الخلاص الّذي شقّه لنا باحتماله الألم. يضيف القديس إسحق السرياني بأنه دون تذوّق سبب آلام المسيح ومعرفتها في الجسد، فلن يكون للنفس نصيب في الشركة مع الله، مما يعني أن الآلام تُشركنا مع المسيح المتألم على الصليب نفسه بحيث نصبح بها “مسحاء” شركاء في آلامه وبعدها في قيامته وحياته!!… |
||||
21 - 07 - 2016, 06:18 PM | رقم المشاركة : ( 13607 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الحريّة
يقول الرسول بولس: “دُعيتُم للحريّة أيّها الإخوة. غير أنّه لا تُصَيِّروا الحريّة فرصةً للجسد (أي للشهوات) بل بالمحبّة اخدموا بعضكم بعضًا… اسلكوا بالروح فلا تكمّلوا شهوة الجسد” (غلاطية 5: 13 و16). الحرّيّة تتّخذُ المحبّة محرّكاً ومقياساً. الحريّة تقيّدها المحبّة، الحرّيّة بدون محبّة كارثة. الإنسان الحرّ هو الذي وحّد مشيئته بمشيئة الله. اسلكوا بحسب روح الله ووصاياه لا بحسب روح العالم وغرائزه. النعمة الإلهيّة تجعل الإنسان يتخطّى حدود الطبيعة الساقطة، يتخطّى ضعفاته وغرائزه، يتخطّى الموت نفسه. المحبّة أقوى من الموت. الإنسان خارج نطاق الله، خارج نطاق المسيح الإله ووصاياه يسقط في الانحراف، في الفساد الطبيعيّ وما تحت الطبيعة البشريّة أَعني في الحيوانيّة والوحشيّة. هذا ما نشهده كثيراً في الحضارة العلمانيّة الدّهريّة المعاصرة.يصبح الإنسان، بعيداً عن الله، مقيّداً بأهوائه، بأمراضه، بخطاياه.. يصبح مجنوناً. الخطيئة جنون بالحقيقة. لا يعود يتزوّج كما يليق بالله ولا حتّى بالطبيعة. “يُساكِن”.. يَزني.. يسقط في المثليّة .. يعيش في الظلمة. يقول الإنجيليّ يوحنّا “إنّ النور -أي المسيح- جاء إلى العالم ولكنّ الناس أحبّوا الظلمة أكثر من النور لأنّ أعمالهم كانت شرّيرة” (يوحنا 3: 19). * * * الإيمان عندنا لا يغصب أحداً بل يحرّر، يشفي، يعتق من أسر الشيطان وأسر أهوائنا، أعني المادّيّة والكبرياء والحقدوالعداوة، واللذّة المدمّرة والتسلّط… نعم الحريّة محبّة، والمحبّة إيمان بالمسيح الإله الذي أحبّنا حتّى الموت. نحن أحرار في المسيح. لا نتعلّق بأمور هذه الدنيا. نتعاطاها ولا نلتصق بها، بل نلتصق برّبنا فقط. أقدامنا على الأرض وعيوننا تتطلّع إلى السماء، إلى فوق، إلى ما فوق الأرضيّات. هكذا يعيش الإنسان المؤمن بالله المتجسّد بالحقيقة. عندها لا يعود يخشى المرض، بل يتقبّله بصبر. لا يعود يخشى حتّى الموت، لا يتفجّع أمامه، بل يحسبه عبوراً إلى الحياة. نحن أحرار في المسيح، أي مقيّدون بمحبّته وبمحبّة الآخرين. هذا ما يشفينا من أمراضنا الجسديّة والنفسيّة. هذا ما يفرّحنا. هذا ما يقدّسنا . آمين. + أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما |
||||
21 - 07 - 2016, 06:19 PM | رقم المشاركة : ( 13608 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هل جعلْنا الله خيالًا ؟
يروي لنا إنجيل اليوم أعجوبة حدثت بعد أن صعد الرب وحده الى الهيكل ليصلّي. كان يخاطب الآب ويطلب ويُسبّح. كان وحده في الصلاة. كان قد أطلق السفينة قبل ذلك في بحيرة طبريا ثم مشى على البحر. لما رآه التلاميذ ماشيًا على البحر اضطربوا وقالوا انه خيال ومن الخوف صرخوا. من المألوف والمُنتَظر أن نخاف فنحن عرضة لتقلبات الزمان وللحرب وللموت. نحن نخاف بعضنا من بعض ونخاف ممّا يأتينا من الخارج. وبطول الخوف. وبصرف النظر عن أية حرب وأي موت، ففي نفوسنا عاصفة لأننا نحس بملذات العمر ونطلبها، وهي تقيم في النفس عواصف، وتزداد جاذبية الدنيا فينا وتقوى، حتى اذا عبَر الرب أمامنا في الفكر، في الصلاة، في الضمير، نعتبره هو ايضًا خيالا كهذه الرياح التي تضربنا. ما موقف الانسان الخاطئ حقا من الله؟ في العمق ماذا يعني اننا نعيش في الخطيئة ونمارس خطيئة معينة يومًا بعد يوم، أشهرا أو سنين او عمرًا طويلا؟ هذا يعني ان الله أصبح عندنا خيالا، اي انه غيرُ حاكم، غيرُ سيّد على النفس. من مصلحة الخاطئ أن يُحوّل الله الى خيال، لأنه اذا اعتبره موجودًا حقًّا فالله حاكم، وانا مسود، وانا بين يديه مطيع. كل انسان خاطئ يحوّل الله الى شبح يستبعده لئلا يسيطر اللهُ عليه. اذا حلّلنا الخطيئة التي فينا بعمق لا نأتي الى الكاهن ونقول له: “اقرأ لي افشين الحلّ وضع البطرشيل على رأسي”، ونعتقد ان الأمور تعبر بهذه السهولة. إن لم نحس ان خطايانا شيء رهيب جدا، عاصفة مميتة، فهذا يعني انه ليس عندنا معرفة ليسوع المسيح، هذا يعني اننا لم نرَه. إن لمْ نخف من الكذبة الصغيرة أكثر من الحرب، فنحن لم نرَ يسوع المسيح، ما زلنا نخاف على أجسادنا ولا نخاف على نفوسنا من أن تتلطخ، من أن تُقتَل، من أن يذهب ضميرنا سدى يُباع ويُشرى. الخاطئ يجعل الله خيالا لأن الله حاكم والخاطئ لا يريد حُكم الله فيه. عندما قال يسوع للتلاميذ “لا تخافوا”، رأوا ان كل بحر طبريا لا شيء وانه لا يُغرق، رأوا ان المسيح هو البحر وهو الجبل وهو النجوم وهو الشمس وهو السماء. لذلك لمّا نسي بطرس ان البحر هو بحر، وعندما لم يحس ان العاصفة هي عاصفة، وعندما لم يعد يفهم انه يغرق لأن البحر لم يعد موجودا، والكون لم يعد موجودا، والمسيح صار هو الكون، قال للرب: “دعني آتي اليك على المياه” ومشى على المياه. ولكن النعمة لا تدوم دائما. جحد بطرس سيده كما سيجحده في ما بعد، وكفر كما سيكفر من بعد التجلّي، عاد انسانًا من لحم ودم. ويسوع أراد ألا يبقى أحد منّا لا من لحم ودم ولا من شهوة رجل بل من الله. عاد بطرس يرى أن هناك بحرًا وهناك عاصفة وهناك دنيا وهناك كونًا، فغرق في بحيرة طبريا اي غرق في الدنيا. ثم دخل يسوع الى السفينة. القصة هكذا. قصتنا هكذا. سفينة العمر التي كلّ منّا راكبها تروح وتجيء الى ان يدخل الرب اليها. وكأن القديس متى يقول: أنتم يا مسيحيين كاذبون، تأتون الى بيت كبير تُسمّونه كنيسة لكنكم لستم آتون الى الله لأنكم ألغيتم الله من حياتكم. هذه صورة عن أوضاع معظم الناس الى أن يدخل الرب السفينة، اي الى ان نقبله ونصبح له تلاميذ. ولا يعود هناك عاصفة نضطرب لها، ولا نخاف من موت يجيء، ولا يذهب عقلنا اذا فقدنا قريبًا، ولا نهبط هبوطًا رهيبًا لأننا أخطأنا بل نعود الى الوجه الإلهي. وقد قرأنا في الإنجيل منذ أيام أن وجهه صار شمسًا، فنرجع الى هذه الشمس نستنير ونرتاح ونكون أسيادًا على نفوسنا، وأصحاب رضى ومتهللين وسكارى بالمسيح. جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما |
||||
21 - 07 - 2016, 06:21 PM | رقم المشاركة : ( 13609 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
وهم الملحدين
تكتبُ قائلاً إنَّكَ التقيتَ إنسانًا لا يؤمنُ بالله، وهو ممتلئٌ بالاعتقاداتِ الباطلة. التقيتَ به، الصيفَ الماضي، في حماماتِ الاستشفاء. هذا اعترفَ أمامَكَ أنَّه ولا مرًّة آمنَ بالله، وهو من سنِّ الطفولةِ قد امتلأ من أفكاِر المبصِّرينَ بالكفِّ المضلَّة، وهذا ما زال يعملُه إلى اليوم. وقد أوضحَ بشدَّةٍ أنَّ المبصِّرَة الغجريَّةَ تعرفُ أكثرَ بكثيرٍ من كلِّ الدراساتِ العلميَّة. عدا عن ذلك فهو يخافُ العينَ الشريرة، لذلك يسيرُ في الطريق مطرقَ الرأس دائمًا. ويعتبرُ يومَ الثلاثاء يومَ شؤم، وفي هذا اليوم لا يعملُ ولا يخرجُ من البيت. كما يهربُ من الرقم ١٣ هربَه من الحريق. ذاتَ مرَّة، مازحَه أحدُهم وكتبَ على الطاولةِ أمامَه رقم ١٣ . فما كان منه إلاَّ أن قفزَ بحدَّةٍ رفعَ الكرسيَّ ليضربَ ﺑﻬا الذي مازحه. ومن ناحيةٍ أُخرى، هو في الظاهر سيِّدٌ متعلِّمٌ وغنيّ. ما الذي يدفعُكَ للاستغراب أيُّها الحبيب؟ ألعلَّ الإلحادَ والوهمَ يتَّفقانِ فيما بينهما؟ هذا أمرٌ طبيعيّ، فكِلاهما كذبة. وكلاهما يتأتَّيانِ من ذاكَ الذي دعاهُ الفمُ المباركُ كذَّابًا: “لأنَّه كذَّاب وأبو الكذب” (يو ٨: ٤٤). الحقيقةُ هي دائمًا على ما هي عليه، بينما الكذبُ هو مثل الحِرْباءةِ التي تظهرُ بألوانٍ مختلفة. هذه الصداقةُ بين الإلحادِ والوهم ليست أمرًا غريبًا، كما تظنّ، لا بل أمرٌ منطقيٌّ للغاية. يتلاءمانِ كما يُلائمُ الإطارُ اللوحة. كلُّ إلحادٍ يُحكِمُ عليه الوهمُ يطرتَه. والكِذبةُ تستضيفُ الأُخرى على الدوام. عندما رفضَ شاول الملكُ أن يُطيعَ الله ونبيَّه موئيل، ذهبَ إلى المنجِّمةِ أنذورا، ليسمعَ الحقيقة ويطلبَ نصيحتَها. كان فيليبس، ملكُ بلادِ الغال، يفتخرُ لأمرَين: الإلحادُ ومعرفةُ الحظِّ بواسطةِ التبصير في فنجانِ القهوة. ألم تقرأ في الكتاب المقدَّس كيفَ أنَّ بيلاطسَ وهيرودس، الكذِبتَين، تصادقا، عندَ الحُكم على الحقيقةِ بالموت؟ “فصارَ بيلاطسُ وهيرودسُ صديَقين مع بعضِهما في ذلك اليوم لأنَّهما كانا من قبلُ في .(١٢ : عداوة” (لو ٢٣ واليوم، وباستمرار، تتصادقُ كذبتان عندما تواجهان معركة ضدَّ الحقيقة. لاحظ حماقة اليهودِ المُلحدين، عندما أرادوا بإصرارٍ أن يقتلوا المسيح: “ثمَّ جاءوا بيسوعَ من عند قيافا إلى داِر الولاية، وكان ٢٨ ). لأنَّهم يريدون أن يأكلوا الفصح! أن يقتلوا : صبح. ولم يدخلوا إلى داِر الولايةِ لكي لا يتنجسوا“(يو ١٨ إنسانًا بريًئا، هذا أمرٌ لا يُنجِّسُهم، ولكنْ إن دخلوا إلى المحكمةِ في يوم العيد، فبلى! الأمورُ ذاتُها تحصلُ اليومَ مع المُلحدينَ في روسيا، مع أولئكَ الذين ضربوا بالإيمانِ عرضَ الحائط، وسادَ الاعتقادُ الباطل. ولكنَّ هؤلاءِ البائسينَ الأشقياء، لم يشعروا بأنَّهم في ازدرائِهم بالإلهِ الحقيقيّ، سلَّموا ذواتِهم بالكُليَّةِ لسلطةِ معاندِه ٤٤ ). وهذا هو بالضبطِ ما لا يشعرُ : الكبير، لِذاكَ المنافق الخدَّاع الذي كان “قاتل الإنسانِ منذُ البدء” (يو ٨ به صديقُكَ الذي التقيتَه، والذي رمى اللهَ جانبًا وأحلَّ مكانَه البدويَّة المُشعوذة. المسيح قام للقدِّيس نيقولاوس فيليميروفيتش الذهبيّ الفم الصربيّ دير رقاد والدة الإله – حمَطوره |
||||
21 - 07 - 2016, 06:23 PM | رقم المشاركة : ( 13610 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مرافقة المريض
أن تواكب مريضًا في فترة مرضه، وتعيش معه لحظة بلحظةٍ آلامه وأوجاعَه، وتنفعل مع انفعالاته، وتتصوّر مشاعره وتحاول التخفيف عنه، لهي نعمة خاصة يمنحها الله للمريض ولمرافقه. فكيف لو كان المتألّم أقرب الناس إليك وأكثرهم وضوحًا وشفافية؟ ” كل ما فعلتموه لأحد إخوتي هؤلاء الصغار فلي قد فعلتموه”. ما أعظم هذه التجربة وما أبهاها، فهي تزيدنا نضجًا وتبعث فينا الارتياح والرحمة. إن تمَّمناها عن قناعة ومحبة، ترفعنا نحو المسيح الموجوع، المائت والقائم من بين الأموات، فيسكب فينا عُمقًا وسُموًّا. بالألم نصيرُ كبارًا، وهو ينقي نفوسنا وأجسادنا. ألم يفتدِنا المسيح بالآلام والصليب حين سكب لأجلنا دمه الكريم والثمين؟ حين ترافق المتألم وتشعر بعذابه، وتحيا معه وتراقب هذه الحالة الأولى التي يهبنا إياها الرب لنتطهر من آثامنا، فهي تبعث فينا السلام وتدعونا إلى التسليم المطلق لإرادة الله، والثقة العمياء بحكمته والعيش بمخافته، فنرى السطحيّة في التعلّق بأهواء هذا العالم والتنقيب عن كل ما هو فانٍ وزائل، والجري وراء أنانيتنا وكبريائنا وأطماعنا. “فماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟”. نحن خاسرون لا محالة إن بقينا قابعين في جُبّ قشور هذه الدنيا وملذاتها، “والحاجة إلى واحد” ألا وهو ملكوت الله، في الصدق والمحبة والعطاء والخدمة. الخدمة: “من اراد أن يكون فيكم أولاً فليكن للجميع خادمًا”. خدمة المريض هي من أروع الرسائل التي نحملها ونؤديها. من لا يخدم، لا يتذوق لذّة أن يكون مسؤولاً عن رعاية إنسان بحاجة إليه. تكمن هذه اللذّة في احتضان شخصٍ عاجز عن تأمين حاجاته، ليس بمقدوره أن يقوم بأي أمرٍ سوى النظر إليك وأنت قبالته وفي عينيه طفلٌ مُطيع، في مقلتيه وجعٌ يعجز عن وصفه والتعبير عنه، ودموع عالقة تأبى أن تغادر حجرتها لتبوح بما يخالج القلب والعقل والجسد، دموع تعجز عن التفجّر للكشف عن مكنونات أعماقها. ما أبهى تلك النظرات التي تحمل إشراقة نفسٍ تغتسلُ بأوجاعها لتلقى مخلّصها، نظرات تشعُّ طُهرًا، تتراقص في وجه وضّاح كضوء النهار، ينادي خالقه. فأين أنت من هذا الألم العظيم؟ قُبالة مريض يذوب أمام عينيك كشمعة في ظلمة الليل، يعيش سلامًا مطلقًا وتحررًا بهجًا من هذا العالم ليصبح بعدها منجذبًا إلى النور الذي لا يُرى. هو يراه، وأنت لا ترى. أن ترافق مريضًا خطوة خطوة في مراحل مرضه يتطلب منك صبرًا كبيرًا لربما لم تلحظه فيك يومًا، ومحبة نابضة تدفعك إلى الخدمة بكلّ قواك، وفرحًا صارخًا. نعم، إن لم تخدم بفرح، لن تتمكن من مساعدة المريض على تقبّل حالته بإيمانٍ راسخ. فبالإيمان نتخطّى كُلّ الشدائد. من ثم عليك أن تدرك كم أنك قوي في ضعفك وكم أنك بحاجة لحضور الله في حياتك، كم أنك تعيش بعيدًا عن الرب وكم أن هذا العالم مظلمٌ ومجدُه باطل، وممالكه غاشة، وأرزاقه فانية. ” فالحاجة إلى واحد”. هذا المريض هو وسيلة لتقديس النفس والجسد، والدعاء إلى الله أن يرحمنا ويهبنا طول الأناة، ويدفعنا إلى اكتساب الصلاة الدائمة وذكر الله وطلب رحمته وإعانتنا على حمل أثقالنا: “تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم”. وإن لمسنا الكواكب والنجوم، وصنعنا أدوية تقضي على الأمراض المستعصية، وجمعنا كنوزها في كلّ زاوية وإناء، ولم ندرك حقًا أن خلاصنا الوحيد هو بيسوع المسيح بإنجيله ووصاياه وآلامه وقيامته، فلن نعاين النور الحقيقي ولن نكسب خيرًا بلّ نحن هالكون. كلارا طانيوس حداد موقع مطرانية طرابلس والكورة |
||||