منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19 - 07 - 2016, 07:25 PM   رقم المشاركة : ( 13581 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

المسيحية والعرب

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المسيحية والعربية: العربية في عرف رجال الكنيسة هي الولاية الرومانية العربية التي أنشئت في سنة 105 حول مدينة بصرى فشملت كل ما وقع بين وادي الحسا في الجنوب واللجا في الشمال وبين بحر الميت والأردن من الغرب حتى أطراف البادية في الشرق.
وجاء في التقليد أن يوسي أخا يعقوب ويهوذا بشر في درعا واستشهد فيها وأن طيمون أحد الشمامسة السبعة بشر في بصرى وتسقف عليها وأن يوسف الرامي الذي تشرف بتجهيز الرب بشر في المدن العشر في شرقي الأردن.
وتنجلي الشكوك وينتفي الريب في مطلع القرن الثالث فيرن صوت الإنجيل في بصرى ويقوم اوريجنس الإسكندري إليها لينظر في بعض ما قاله أسقفها بيرلس. ويقول بولس السميساطي قولاً لعيناً فيتوافد الأساقفة إلى أنطاكية للنظر في بدعته فيمثل العربية زهاء سنوات أربع (264-168) مكسيموس أسقف بصرى. ولكن الإقبال على المسيحية يظل بطيئاً وتبقى الأكثرية الساحقة وثنية طوال القرن الرابع فلا يؤم القسطنطينية سنة 381 للاشتراك في أعمال المجمع المسكوني الثاني سوى خمسة أساقفة فقط، أساقفة بصرى ودرعا والسويدا وبراق وشيخ مسكين أو خان النيلة ثم يرتفع عددهم في المجمع المسكوني الرابع 451 إلى سبعة عشر فيجلس في خلقيدونية أساقفة درعا وعينة وقنوات وبراق اللجا والسويدا وصنمين وحسبان وافتيمية وجرش ومادبا والشقا وخان النيلة أو شيخ مسكين ونوى وعمان والشهبا وأذرع.
ويتبارى المؤمنون في العربية منذ منتصف القرن الخامس حتى الغزو الإسلامي في ميدان الإنشاء. فيحولون معابد جرش والقنوات وشقا وبصرى الحريري وأذرع إلى كنائس. وينهى يوليانوس متروبوليت بصرى في سنة 512 كتدرائية فخمة جليلة. ويندفع سرجيوس أسقف مادبا في سبيل الإنشاء فيتم إنشاء كنيسة الرسل في سنة 578. ويؤسس القس لاونديوس في سنة 603 كنيسة جديدة في مادبا ويكمل ما أنشأه سرجيوس في اليانه. ثم يلتفت إلى صياغة “الدير في الآرامية” فيوفق في إكمال كنيستها الكبيرة. ثم تنشأ الكنائس والأديار في كل مكان آخر في طول هذه الأبرشية العربية وعرضها.
عرب البادية: ولا نعرف المؤمن البدوي الأول. ولا نعلم متى بدأ عهد المسيحية في البادية ولعل أقدم الأخبار، رواية نقلها القديس ايرونيموس تنبئ باحترام عشائر البدو في منطقة غزة لشخص ايلاريون الناسك (291-371) وتعلقهم به واعتناقهم المسيحية على يده. ومن أقدم ما يروى من هذا القبيل خبر ماوية البدوية التي حاربت والنس (364-378) وأنزلت به الخسائر الفادحة وحينما جاء دور الصلح والتفاهم اشترطت أن يكون “موسى” أسقفاً على عشيرتها. فوافق والنس وأمر بذلك فنقل موسى الناسك إلى الإسكندرية ليسام أسقفاً على يد لوفيوس الإسكندري. فلم يرضَ موسى لتمسكه بالعقيدة الأرثوذكسية. فجيء بأسقف نيقاوي فسامه أسقفاً. فأقام في البادية يرعى شؤون ماوية وعشائرها.
ويقول سوزمينس المؤرخ أن راهباً من الرهبان تضرع إلى الله أن يرزق زقوماً شيخ إحدى العشائر الضاربة في البادية ابناً ذكراً وأن الله استجاب طلبة هذا الراهب فتنصر الشيخ زقوم وجميع أتباعه وأن زقوماً وقومه أصبحوا أخلص القبائل العربية لرومة في نزاعها مع فارس.
وفي أخبار كيرلس البيساني إن جماعة من البدو دخلوا على النساك في منطقة أريحا في أواخر السنة 420 وأن النساك فزعوا وتوجسوا خوفاً. فطلب شيخهم الصبيبة Asdabet مقابلة رئيس النساك افتيميوس الكبير. وكان له ولد مقعد “لم تنجح فيه حيل الأطباء ولا رقي الراقين المشعوذين” فبارك افتيميوس الولد الكسيح فقام يمشي. وكلل الله عمله بالنجاح فسامه يوبيناليوس أسقف أورشليم أسقفاً على المضارب. وكان قد اتخذ من بطرس الرسول شفيعاً له فسمّي الأسقف بطرس. ومثّل مسيحيي فلسطين في مجمع أفسس ووقع هكذا: “بطرس أسقف المضارب” وأصبح الكسيح طربون شيخاً على العشيرة وخلفه أولاده وأحفاده. وقُدر لأحد هؤلاء طربون الثاني أن ينقل هذه الرواية إلى كيرلس البيساني فخلدت بخلود مصنفه. وقدّم النذر عدد من أبناء هذه العشيرة بينهم ماري الذي ترأس المحبسة في أريحا وتوفي في السنة 448. ولا يخفى أن القديس الياس بطريرك أورشليم كان هو أيضاً بدوياً عربياً. وهدى ننوس أسقف بعلبك في هذا القرن نفسه ثلاثين ألف بدوي.
الغساسنة: جاء في الأنساب أن الغساسنة رحلوا من اليمن إلى تهامة وأقاموا فيها بين بلاد الأشعريين وعك على ماء يقال له غسان فنسبوا إليه. ونزولوا مشارف الشام وفيها الضجاعم من قضاعة فغلبهوم على ما في أيديهم وأنشأوا لأنفسهم زعامة في البلقاء وحوران في المنطقة التي دعيت العربية. وأمن بالمسيح سائر أبنا هذه المنطقة كما أشرنا أعلاه.
وقضى الغسانيون زمناً طويلاً والروم لا يكترثون لهم لأنهم لم يحتاجوا إلى نصرتهم. واشتد ضغط البرابرة واستفرس الفرس، فشعر الروم بالضعف ورأوا الفرس يستنجدون عرب الحيرة فاضطروا إلى استنصار عرب العربية وما جاورها فاتجهت أنظارهم نحو الغساسنة. وأول من ذكر من أمراء غسان في خدمة الروم جبلة وقد ورد عنه أنه أخمد ثورة فمنحوه رتبة فيلارخوس وجعلوه عاملاً على البتراء. وجبلة هذا هو في نظر ثيودور نولدكه والد الحارث ابن جبلة أكبر ملوك غسان وأكثرهم ذكراً في مراجع الروم. وحارب الحارث الغساني المنذر ملك الحيرة سنة 528. واستعانه الروم لإخماد ثورة السامريين ففاز بها. وأُعجبوا بشجاعته وبالغوا في تقريبه وترقيته فأصبح فيلارخوساً عاماً وبطريقاً. وفي السنة 541 حارب الحارث في العراق بجانب الروم وعبر دجلة على رأس جماعته ثم ارتد إلى مركزه السابق عن طريق غير الطريق التي اتبعها الروم. فشك بعض الروم في إخلاصه. وفي السنة 563 سافر الحارث إلى القسطنطينية ليفاوض البلاط في من يخلفه من أولاده وما يجب اتخاذه من التدابير لمقاومة عمرو ملك الحيرة. فكان لما شاهدخ من مظاهر العظمة وقع عظيم في نفسه. وكذلك فإنه أحدث هو بدوره تأثيراً قوياً على سكان العاصمة ولا سيما على يوستينوس نسيب يوستنيانوس. فلما أصيب يوستينوس بعقله بعد تسلمه العرش، كان أهلا البلاط يخيفونه بالحارث العربي كلما بدا منه عصيان أوعربدة فيقولون له: “تعقل سندعو الحارث”.
وناصر الحارث المونوفيسيين ولم يدخر وسعاً في الدفاع عنهم وتحريرهم من الاضطهاد. وتمكن في السنة 542-543 من تحقيق رجائه لدى ثيودورة الأمبراطورة بتعين يعقوب البرادعي ورفيقه ثيودوروس أسقفين في العربية أو غيرها. فتوطدت بذلك دعائم الكنيسة اليعقوبية. ويظهر من أقوال يوحنا الأفسسي أن الحارث سعى لحل المشاكل العقائدية والشخصية بين اكليروس اليعاقبة و اكليروس الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة، ولكن دون جدوى. ويرى العلامة ثيودور نولدكه أن الحارث لم يدرك حقيقة المسائل التي كانت تدور عليها تلك النزاعات وإنما كان مدفوعاً بالعامل السياسي لمعاضدة المذهب الذي كانت تتبعه أكثرية الشعب في إمارته.
ويجب ألا يغيب عن البال أن أمراء غسان لم يجمعوا القول بالطبيعة الواحدة. فالدعاء للمنذر ابن الحارث الذي وجد منقوشاً على حجر في إحدى نواحي تدمر أو النبك يشمل عبارة هامة جداً تنص بما يلي: “واهد الضالين من اخوته إلى معرفة الحق أيها الله تعالى”. فإأذا ما ذكرنا أن هذا النص يتضمن أيضاً الإشارة “إلى الأسقفين المحترمين القديسين” يعقوب البرادعي ورفيقه ثيودورس يتبين أن المقصود من ضلال اخوة المنذر انتماؤهم للكنيسة الأرثوذكسية الجامعة وقولهم معها بالطبيعتين.
وتوفي الحارث ابن جبلة في سنة 569 أو في أوائل سنة 570 فتسلم زمام الحكم بعده ابنه المنذر فهب لمحاربة قابوس ملك الحيرة لأنه كان قد انتهز فرصة وفاة الحارث للإغارة. فانتصر المنذر ابن الحارث على قابوس عند عين أباغ في البادية في ربيع سنة 570. ومما تحفظه لنا المراجع عن هذا الأمير الغساني أنه عقد في أوائل عهده مجمعاً محلياً للنظر في بدعة المثلثين tritheisme وحكم عليهم بالهرطقة. وكان ممن أمضى قراراته “كاهن البطريق المنذر الأمجد ومحب المسيح” وهو فيما يظهر كاهن بلاط الأمير. ولم يرضَ الأمبراطور يوستينوس عن المنذر لأسباب نجهلها فأوعز إلى عامله البطريق مرقيانوس أن يحتال عليه ويقتله. وأحس المنذر بذلك فشق عصا الطاعة. فأغار عرب الحيرة على أملاك الروم. فاسترضى الروم المنذر فلم يرضَ بالمفاوضة إلا عند قبر القديس سرجيوس في الرصافة لما تمتع به هذا القديس من الإجلال والاحترام عند السوريين. وفي الثامن من شباط سنة 580 وصل المنذر مع اثنين من أبنائه إلى القسطنطينية فاستقبل فيها استقبالاً حاراً وأنعم عليه الأمبراطور طيباريوس بالتاج بدلاً من الإكليل. وانتهز المنذر هذه الفرصة فسعى لنيل العفو عن اليعاقبة أصحاب مذهبه. ويرى مؤرخ الغساسنة العلامة ثيودور نولدكه أنه لا يجوز تعليق أهمية كبرى على قول يوحنا الأفسسي (4: 21 و36) أن قبائل العرب في سورية كانت متمسكة متعصبة لمذهب الطبيعة الواحدة “لأن ذلك لم يكن ليحول دون دخول أكثرهم في الإسلام بعد خمسين أو ستين سنة”.
وفي السنة 580 عزم موريقيوس قومس الأناضول أن يغزو بالاشتراك مع المنذر إحدى ولايات الفرس. وما أن فعل حتى وجد الجسر الكبير على الفرات مهدوماً فارتد خائباً وعزا هذه الخيبة إلى خيانة المنذر وتواطئه مع العدو. وعلى الرغم من عودة المنذر إلى الغزو ووصوله إلى الحيرة وعودته غانماً فإن سلطات الروم ظلت حاقدة ثائرة في أمر هذا الأمير. ولعل السبب في هذا يعود إلى الفارق المذهبي وتوتر الأعصاب. فالعاصمة وأمهات المدن حوت آنئذ جماعات كبيرة من كبار رجال الأكليروس والشعب ونظرت شزراً إلى سياسة التساهل مع اليعاقبة وتاقت إلى تجريد كنائس هؤلاء من حماتها. فصدرت أوامر مشددة إلى مغنوس حاكم سورية بالقبض على هذا الأمير العربي. فأرسل مغنوس إلى المنذر يدعوه إلى حوَّارين ليشترك في تدشين كنيستها ولا سيما وأن البطريرك خليفة الرسولين سيرأس الحفلة. فلبى الأمير الدعوة فألقي القبض عليه وأرسل مخفوراً إلى العاصمة. ومن أغرب ما جاء في كلام يوحنا الأفسسي لهذه المناسبة أن الأمير أقام مع “إحدى نسائه” وابنين وبنت له في الأسر. ومما جاء لهذه المناسبة نفسها كلام الأمير الغساني: “ولقد كان في وسع عرب الفرس أن يأسروا نسائي وأولادي”. فهل يجوز القول أنه كان للمنذر عدة نساء وأن الكنيسة لم تكن تبالي بذلك مادامت زيجات الأمراء المتعددة غير كنائسية! وجرى هذا كله في أواخر عهد طيباريوس. فلما توفي هذا الامبراطور وخلفه موريقيوس عدو المنذر نفاه ورجلاً آخر من كبار الحاشية إلى جزيرة صقلية.
وتمرد أولاد المنذر على دولة الروم وأوغلوا في البادية بزعامة كبيرهم النعمان وأخذوا يشنون الغارة تلو الغارة على أراضي الدولة. وألقوا الرعب في قلوب الحامية في بصرى وأضطروها أن تتخلى عن الذخائر الحربية وأموال أبيهم المحفوظة فيها. فاستعان موريقيوس بأحد أخوة المنذر “الأرثوذكسيين” وألقى القبض على النعمان وأخذه أسيراً. وتصدعت أحوال العرب عند تخوم البادية (584) وتفككت عرى الوحدة بينهم واختارت كل قبيلة أميراً ولحق بعضهم بالروم وعادوا إلى حضن الكنيسة.
سمعان العمودي والبدو: قد يعود الفضل في تبشير شرقي البادية إلى بعض الأسرى المسيحيين الذين نقلوا إلى الحيرة وغيرها بأمر شابور في سنة 260. ولكن الفضل الأعظم يعود فيما يظهر إلى العمودي الأكبر القديس سمعان الذي بهر نوره في النصف الأول من القرن الخامس فأضاء البادية بأسرها.
أساقفة الحيرة: وتوفي النعمان ملك الحيرة في السنة 418 فتعاقب في الحكم بعده كل من المنذر الأول (418-462) والأسود (462-482) والمنذر الثاني (482-489) والنعمان الثاني (499-502) فقاسى بعضهم شدة لتنصر قومهم وحمى آخرون المسيحيون في فارس عند الضيق ولا سيما المنذر الأول. واشترك أساقفة الحيرة في القرن الخامس في مجامع محلية ترأسها كثوليكوس سلفكية ووافقوا على مقرراتها فأمسوا من النساطرة.
المونوفيسيون والحيرة: وفي مطلع القرن السادس نشط المونوفيسون لبث دعوتهم في الحيرة فأمها شمعون الأرشمي وأقام فيها ودعا إلى بدعته فاستجاب له بعض المسيحون وبن أشرافهم كنيسة أو أكثر. “وكان غيوراً جدلا حاذقاً درباً”. ثم أوفد سويروس الأنطاكي أسقفين مونوفيسيين في سنة 513 إلى بلاط المنذر الثالث (505- 545) ليدعواه إلى القول بالطبيعة الواحدة. ويروى أنه تظاهر بالأسف الشديد عندما تناول حديثهما ميخائيل رئيس الملائكة. فلما سئل عن سبب تأسف قال أولا يؤسف لموت رئيس الملائكة. فطمأنه الأسقفان مؤكدين أن الملائكة لا تموت. فانتفض المنذر وقال متهكماً وهل يموت الإله المتحد بالمسيح بطبيعة واحدة على الصليب. فاكتفى الأسقفان وبقيت الحيرة نسطورية خالصة.
وظل المنذر الثالث هذا وثنياً يذبح للعزى ويقدم لها أفضل ما عنده. فقد جاء في بعض المراجع أن هذا المنذر قدم في السنة 544 ذبيحة لهذا الغرنوق ابن الحارث الغساني الذي وقع في يده أسيراً في إحدى غزواته وأنه ضحى بأربع مئة عذراء وقعن تحت برائنته في حمص لمناسبة دخوله إليها.
المنذر وخلفاء: ومات المنذر فتولى زمام الأمور ابنه عمرو (554-569) وكان مسيحياً. فأنشأت أمه هند الغسانية زوجة المنذر الميت ديراً في الحيرة. ونقشت في صدره بموجب رواية ياقوت العبارات التالية:
“بنت هذه البيعة هند بنت الحارث بن عمرو بن حجر الملكة بنت الأملاك وأم الملك عمرو بن المنذر أمة المسيح وأم عبده وبنت عبيدة في ملك ملك الأملاك خسرو انو شروان في زمان مار افريم الأسقف. فالإله الذي بنت له هذا الدير يغفر لها خطيئتها ويترحم عليها وعلى ولدها ويقبل بها وبقومها إلى أمانة الحق ويكون الله معها ومع ولدها الدهر الداهر”
ويستدل من هذا أن الملك عمرو ابن المنذر كان مسيحياً لأن النقش علا صدر الدير في أيام ملكه (554-569) ويظهر أن المسيحية لم تثبت بعد عمرو. فلما مات رجع خليفته أو المنذر ابن المنذر إلى الوثنية. ونشأ ابنه النعمان فيها يذبح للأصنام حتى أمن بالمسيح على يد الكاثوليكوس صبر يشوع في السنة 594.
جزيرة تيران: مما جاء في المراجع خبر أسقف تيران. وتيران جزيرة عند مدخل خليج العقبة اشتهرت في القرون الأولى بجماركها وسلطتها على التجارة البحرية عبر البحر الأحمر. ومما يروى عنها أنها سقطت في السنة 470 في يد عربي اسمه امرؤ القيس قدم إليها من المناطق الخاضعة لفارس فاحتلها وطرد موظفي الروم منها ثم ما لبث أن أوفد أسقفاً اسمه بطرس إلى الأمبراطور لاوون ليقدم خضوعه ولينال منه لقب فيلارخوس عرب البتراء. وتذكر المراجع أن الأمبراطور استدعى هذا الزعيم إليه ومنحه السلطة على جزيرة تيران ومناطق غيرها. ثم عادت الجزيرة إلى حكم الروم المباشر بنزول القائد رومانوس فيها عام 498 ولكنها احتفظت باسقفيتها. فإننا نقرأ في أعمال مجمع أورشليم المحلي المنعقد عام 536 عن أنسطاسيوس أسقف تيران. ولعله كان خاضعاً لكنيسة سيناء.
حمير: لا نعلم بالضبط متى وصلت المسيحية إلى اليمن. ولكننا نقرأ أن الأمبراطور قسطنديوس أوفد في السنة 356 بعثة يرأسها الراهب الآريوسي ثيوفيلوس لتفاوض في حرية الإتجار وحرية المعتقد ولتنشر رسالة السيد المخلص. وأفلح ثيوفيلوس فيما يظهر وأنشأ كنيسة في عدن وفي ظفر. ولا نعلم بالضبط ما إذا كان هذا الراهب نجح في تأسيس كنيسة ثالثة في هرمز عند مدخل الخليج الفارسي. ويؤكد ثيودوروس القارئ أن المسيحية لاقت نجاحاً في حمير في عهد انسطاسيوس الأمبراطور (491-518) وأن المسيحيين في هذا البلد البعيد خضعوا لأسقف يرشدهم ويدبر أمورهم ولعل هذا الأسقف هو سلوانس عم يوحنا الذيكرينومينوس.
نجران: ولا يختلف اثنان في أن نجران كانت أهم مواطن المسيحية في الجنوب. ولعل الفضل في اعتناق أهلها المسيحية يعود إلى كنيسة أنطاكية. فقد جاء في كتاب السيرة لابن هشام (طبعة أوروبة 20-22) وفي تاريخ الرسل والملوك للطبري (طبعة أوربة جـ1 ص 919) أن قافلة عربية أسرت راهباً سورياً اسمه فيميون فنزلت به إلى نجران فهدى أهلها طريق الصواب. ويذكر ياقوت كعبة في نجران يقال لها البيعة بناها بنو عبد المدان بن الديان الحارثي على بناء الكعبة فعظموها مضاهاة لكعبة مكة. وكان فيها أساقفة “معثمون”.
وكانت اليهودية قد تسربت إلى بلاد اليمن من جراء خراب أورشليم. وكان آخر ملوك حمير ذونواس يرى في المسيحية ما يذكره بالأحباش ومطامعهم في اليمن. فأوقع بالنصارى في السنة 523 مذبحة نجران ثم جمع من نجا منهم وخيرها بين القتل واليهودية. فاختاروا الموت استشهاداً. فخدَّلهم اخدود النار.
{وروى بعض المحدثين أنه مما جاء في سورة البروج من القرآن “قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود”. ومما جاء في الطبري أيضاً أن دوس ذا ثعبان أفلت ولجأ إلى امبراطور الروم يستنصره على ذي نواس وأن يوستينوس قال له: “نأت بلادك عنا فلا نقد أن نتناولها بالجنود ولكني سأكتب إلى نجاشي الحبشة وهو أقرب ملوك -النصرانية- إلى بلادك”.}
ويروى أيضاً أن النجاش انتصر على ذي نواس مرتين متواليتين في السنة 523 وفي السنة 525. وهنا رب معترض يقول كيف اضطهد يوستينوس أصحاب الطبيعة الواحدة في بلاده ثم تعاون معهم في الحبشة واليمن. والجواب أن صاحب القسطنطينية كان يعتبر نفسه حامي ذمار النصرانية في كل المسكونة.
انتشار المسيحية في قلب الجزيرة: يستدل من أقدم المراجع العربية الإسلامية أن أفراداً وجماعات من قبائل هُذيم وعُذرة وجُذام وجُهينة وبلي وبهرا وطيّ وحنيفة دخلوا في المسيحية قبل الإسلام وأن بعض هؤلاء لم يسلم إلا بعد وفاة محمد. وأقرب هذه القبائل للمدينة بنو هُذيم وكانوا فقراء ضعفاء. أما بنو عُذرة فإنهم نزلوا وادي إضم في شمالي الحجاز وعرفوا برقة عواطفهم وطهارة عشقهم. وكانت منازل جهينة بين المدينة والعقبة وفي سيناء حتى الفرما. وجاءت منازل بلي بين المدينة وتبوك. ومن مسيحية قضاعة بهرا وكانت منازلهم بين بلي وبين مشارف الشام. وتاخمت لخم حدود الشام. أما منازل بني طيّ وبني حنيفة فإنها كانت في قلب الجزيرة وإلى شرق المدينة.
وتمر العصور ويبقى حسُّ هذا العهد مسموعاً في ما تبقى من أدب. فهذا حنظلة الطائي يفارق قومه وينسك ويبني ديراً بالقرب من ضفة الفرات. وفيه يترهب حتى يموت. وذاك قس ابن ساعدة يتقفّر القفار ولا تكنّه دار يتحسّى بعض الطعام ويأنس بالوحوش والهوام. وينظم بعضهم الشعر فيزهد في الدنيا ويدعو إلى النظر في الكون والاعتبار بحوادثه.
وصول المسيحية إلى مكة: لا يختلف اثنان فيما نعلم في وصول المسيحيون من الأحباش إلى مكة وإقامتهم فيها لأغراض يقضونها. وإذا كان هؤلاء من “طبقة العبيد” وكانت منازلهم بعيدة عن الكعبة متاخمة للصحراء وكان ما يتحدثون به من قصص دينية لا يتصل بسمع أمجاد قريش وأشراف أهل البلد. فأمية ابن أبي الصلت الذي كان ينظر في الكتب ويقرأها ويلبس المسوح تعبداً وورقة ابن نوفل الذي عرف الإنجيل ونقل بعضه إلى العربية! وماذا نقول في القريشيين الأربعة ورقة ابن نوفل وعبيد الله ابن حجش وعمثان ابن الحويرث وزيد ابن نفيل الذي “خلصوا نجيّاً فقال بعضهم لبعض تعلموا والله ما قومكم على شيء لقد أخطئوا دين أبيهم ابراهيم ما حجر نظيف به لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع” فأما ورقة ابن نوفل فاستحكم في النصرانية واتبع الكتب من أهلها حتى علم علماً من أهل الكتاب. وأما ابن جحش فإنه هاجر مع المسلمين إلى الحبشة ثم تنصر ومات نصرانياً. وكذلك ابن الحويرث فإنه لجأ إلى قيصر وتنصر. وابن نفيل لم يدخل في يهودية ولا نصرانية ولكنه فارق دين قومه واعتزل الأوثان. (السيرة لابن هشام ج 1 ص178-179 ط. محيي الدين عبد الحميد).
خطباء المسيحيين: ولم يفد أبو طالب مالاً كثيراً من رحلته إلى الشام فأقام في مكة. وأقام محمد قانعاً بنصيبه. فإذا جاءت الأشهر الحرم ظل بمكة مع أهله أو خرج وإياهم إلى الأسواق المجاورة بعكاظ ومجنة وذي المجاز، يستمع لإنشاد أصحاب المذهبات والمعلقات ويصغي غلى خطب الخطباء ومن بينهم اليهود والنصارى الذين كانوا يأخذون على إخوانهم العرب وثنيتهم ويحدثونهم عن الإنجيل والتوراة ويدعونهم إلى الحق…… (حياة محمد لمحمد حسين هيكل ص77).
كتب بواسطة المؤرخ أسد رستم
 
قديم 19 - 07 - 2016, 07:36 PM   رقم المشاركة : ( 13582 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يسوع المسيح والحضارة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كان السؤال المتعلّق بشخص يسوع المسيح، وما يزال إلى الآن، موضوعاً محورياً في كل التاريخ الكنسي في الغرب والشرق على السواء. وهذا أمر بدهي، لأن شخص يسوع المسيح هو المركز والمرمى الأخير لكل الحياة المسيحية. الحياة الكنسية متداخلة مع المسيح في الصميم، حتى إن رؤيانا له، هي نفسها رؤيتنا للكنيسة. وفي كل العهد الجديد، وكل التقليد الآبائي، لا ينفصل شخص المسيح الكلمة المتجسد، عن الكنيسة. والقديس غريغوريوس النيصصي يلفتنا، على نحو خاص، إلى أن الكنيسة تدعى مراراً المسيح على لسان الإلهي بولس (راجع حياة موسى). وهو نفسه يقول: “من يرَ الكنيسة، يرَ المسيح أمام عينه” والحياة الكنسية، أو الحياة في الكنيسة هي الشركة الحيّة والفريدة مع المسيح.
يمكننا أن نبدأ أطروحتنا بالسؤال التالي: ماذا تقدم الكنيسة للعالم مما هو غير معروف من قبل؟ لا بل حريّ بنا أن أصوغ سؤالي على نحو أبسط: ما هو الجديد والفريد في المسيحية؟ الجواب هو: يسوع المسيح كلمة الله المتجسد. إن فرادة الإنجيل المسيحي تكمن في أنه لا يقدم للعالم لاهوتاً نظرياً، كما ولا يقدم لاهوتاً عملياً جديداً، بل حقيقة جديدة، وفريدة هي شخص يسوع المسيح.
لقد افصح القديس سمعان اللاهوتي الجديد عن ذلك بجلاء عندما قال: البداية هي المسيح، والوسط هو المسيح، والنهاية هي المسيح. المسيح في كل شيء، وهو نفسه كان في البدء، والأمر نفسه مع الوسط وفي النهاية على السواء. المسيح هو الكل في الكل (كولوسي 3: 11).
وفي نظر المسيحيين، ينطوي شخص المسيح على إعجاز وتضاد عظيمين. المسيح يغلب الموت ويطلق واقعاً جديداً. وإذ نقارب المسيح، لا نستطيع أن نتجاهل الحدث المركزي: قيامته من بين الأموات. الإيمان المسيحي هو نفسه، لم يتبدّل “لو لم يقم المسيح، لكان إيماننا باطلاً” (1 كور 15: 17). والكرازة بالإنجيل، تنطلق من القبر الفارغ. وهكذا، تقوم كنيسة المسيح على القبر الفارغ. وردّة فعل الناس – بعدما كلّمهم الإلهي بطرس عن قيامة المسيح، في أورشليم – كانت عظيمة “فليعلم يقيناً جميع بيت إسرائيل أن الله جعل يسوع هذا الذي صلبتموه انتم، رباً ومسيحاً. فلما سمعوا، نخسوا في قلوبهم، وقال لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة؟ فقال لهم بطرس: توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا، فتقبلوا عطية الروح القدس” (أعمال 2: 36-38).
وفي نظر الجماعة المسيحية، ليس المسيح مجرّد معلم، أو واضع للناموس، إنه ابن الله الأزلي، ربّ المجد الذي بتجسده، صار جزءاً من التاريخ الإنساني. ودخول ابن الله في التاريخ الإنساني، يعني ببساطة، أن السبيل المسيحي ليس مسألة قبول بعض المبادئ النظرية عن الله، بل هو في الأساس طريق وجود وحياة. الكنيسة في الأساس هي الشركة مع من يكشف كل شيء، خالق الحياة الجديدة، الفادي والمخلّص.
بكلام آخر، يصبح اللوغوس المتجسد الأساس الأنطولوجي للشركة المسيحية الجديدة. وهذا يعني أن الشركة الكنيسة موجودة، لأن المسيح قائم وموجود، وهي وضع جديد أبدعه الله بإفراغه لذاته، من جهة، وبسكنى المسيح في الواقع الإنسان، من أجل خلاص الإنسان.
وقبل أن نخوض مسألة “المسيح والحضارة”، أجد لزاماً عليّ أن أوضح أن الإنسان لا يستطيع أن يقدم بياناً وافياً كافياً عن شخص المسيح خارج الخبرة الكنسية، وخارج حقيقة الكنيسة، فنحن لا نستطيع أن نهمل الحقيقة المركزية القائمة في الأبعاد الكنيسة. فالخريستولوجيا ليست ثمرة تأمل خارجي، بالمعنى الضيق؛ الخريستولوجيا ليست نظاماً فكرياً يتعلّق بقائد روحي. ويستطيع المرء أن يحوز فكراً حيّاً عن المسيح يسوع، وحياته، ورسالته وأعماله، فقط عندما يوطد نفسه على حقيقة الكنيسة، وتقليدها.
والمقاربة الاكليزيزلوجية للمسألة الخريستولوجية من شأنها أن تصون فهمنا وتحميه بإزاء ما هو فردي، وتقينا الإنزلاق إلى حضيض اعبتار الأقنوم الإلهي المتجسد (Logo)، مجرّد ظاهرة -بين باقات ظواهر كثيرة- جاءتنا بأفكار جديدة، ومناقب جديدة، ومبادئ اجتماعية. والبعد الاكليزيولوجي، من شأنه أيضاً أن يحفظنا بإزاء المفاهيم الفردية المتعلّقة بمن هو يسوع المسيح. إن القول بالمسيح فقط دون سواه، هو ثمرة غياب الاكليريزلوجية الأرثوذكسية (Christmonism). لقد قيل في أشكال عدة وبدءاً من التقليد المسيحي القديم أن الكنيسة هي الحياة المشتركة وشركة المؤمنين على مثال الشركة الإلهية. الكنيسة هي صورة الحقيقة الإلهية غير المخلوقة، القائمة في الوضع الإنساني المخلوق. وهذا يتولّد منه تعليم الكنيسة على المسيح، وهذا التعليم يرتبط بتعليم الكنيسة على الله الواحد في ثلاثة أقانيم. ومن أجل هذا السبب، على نحو وثيق، يجد المرء في التقليد الآبائي، سيما التقليد الآبائي الكبادوكي، صلة متينة بين الخريستولوجيا واللاهوت الثالوثي.
على كل حال، ما أود أن أوضحه وأشدد عليه، هو أن الخريستولوجيا لا يمكن أن تفهم بمعزل عن الاكليزيولوجيا، وبكل تأكيد فإن الخريستولوجيا مرتبطة على الدوام باللاهوت الثالوثي (المتعلّق بالثالوث الاقدس). وهذه التأكيدات تؤلّف نظرة أولية لما سوف ندرسه. والآن، وبعد أن تم توضيح ذلك، ننتطلق لدراسة السؤال المتعلق بيسوع المسيح، أو المسيحية والحضارة.
من المعروف جداً، أنه أثناء القرون الأولى للمسيحية، عندنا التقاء عالمين عالم الإنجيل -الجديد- والعالم القديم، عالم الحضارة اليونانية الرومانية واليهودية. والتقاء هاتين العقليتين المختلفتين، والتقليدين المختلفين، لم يكن لقاءً سهلاً. وفي العادة، فإن العالمين كانا في صراع عميق فيما بينهما، وكانا يعارض أحدهما الآخر. ومع ذلك، فمن الخطأ، تاريخياً أن نقيّم الأمر فوق ما يستحق، فنجعل الصراع أمراً مطلقاً فنعتبره نوعاً من هوّة لا يمكن ردمها. وفي الأساس، لم تتنكر الكنيسة للتراث الحضاري، بل دائماً كانت، من حيث المبدأ، منفتحة على الحضارات. لا بل ينبغي أن نقول بالأحرى أن هناك ردّة فعل مطلقة وسلبية يشنها العالم القديم والحديثن ضد المسيح. ويصوغ ريتشارد ينبور ذلك جيداً، فيقول: لا اليهود فقط، بل اليونانيون أيضاً والرمانيوس، وجماعة العصور الوسطى، والذين هم في العصر الحديثز الغربيون والشرقيون، على حدّ سواء، رفضوا المسيح، وذلك لأنهم رأوا فيه من يهوّد حضارتهم. وتاريخ هجمة الحضارتين اليونانية والرومانية على الإنجيل يؤلف إحدى أكثر الفصول ماساوية في تاريخ الحضارة الغربية وفي الكنيسة، رغم أن ذلك في العادة، يأتي في إطار من الاضطهاد السياسي لا اكثر. والروحانيون القدامى والماديون المعاصرون، فضلاً عن الرومان الذين يتّهمون المسيحية بالإلحاد، والملحدون في القرن التاسع عشر، يشجبون الإيمان بالله، يشاركهم في ذلك الأمميون والإنسانيون، جميع هؤلاء هالتهم العناصر نفسها في الإنجيل، لا بل يحملون حججاً متماثلة يدافعون بها عن حضارتهم ضد الإنجيل.
ودراسة الفكر المسيحي القديم تسهم في الجدل الدائر في زماننا بين الإنجيل والحضارة. ورغم أنه ليس يتسع الكلام في هذه المقالة الصغيرة لسرد كل التفاصيل التاريخية، إلا أنني أعتقد أن إشارة مقتضبة للمرحلة المسيحية الأولى تكون نافعة لموضوعنا. إن دراسة المعطيات التي في حياة الكنيسة الأولى، من شأنها أن تساعد المرء على الاستنتاج أنه رغم أن الحضارات قد تمّت مقاربتها إيجابياً، إلا أنها لم تفهم ابداً على أنها صلاح غير مشروط. فالحضاراة كانت تعني أساساً، وفي العصر المسيحي الأولى، التراث اليوناني بكل متشعباته وميوله الفلسفية، وبنيته الاجتماعية وسحره الجمالي. وأحد المحبّذين للحضارة اليونانية كان يوستين الفيلسوف والشهيد الذي أعلن: |ودروس أفلاطون ليست غريبة عن دروس المسيح، رغم أن الاثنين ليسا متشابهين تماماً”. والشيء نفسه ينطبق على الرواقيين والشعراء والكتاب القدامى. إنذ كلّ شيء قد ذُكر، قل عن حق، من الذين هم مسيحيون.
والخط نفسه اعتمده لاهوتيو المدرسة الإسكندرية، أكثر أو اقل، فهؤلاء كانوا يحبذون الفلسفة اليونانية. كليمنضس فهم التاريخ كحقيقة فريدة، لأن الحقيقة واحدة هي. العهد القديم والفلسفة اليونانية أيضاً اعتبرا منهجين، أو سبيلين يقودان إلى المسيحي. “ولكن هناك طريق واحد للحقيقة، إنه كالنهر كما يقول كليمنضس، وجداول كثيرة تصب فيه من الجهتين”. ويشدد كلمنيضس على البعد التربوي في الفلسفة، وفي الوقت نفسه يدرك ويحدد وظيفتها. وفي أعمال أوريجنس الكاملة، وفي علاقته مع الفلاسفة اليونان في زمانة، يمكن للمرء أن يتلمّس حضور مسألة المسيح والحضارة. أوريجنس يدرك صلاحية التقليد الفلسفي اليوناني، إلا أنه، وفي الوقت نفسه ينزع إلى الخط الكتابي والكنسي، وبالنسبة إليه، هناك ثلاثة إعلانات إلهية متتابعة:
1- الطبيعي.
2- النبوي.
3- والإنجيل الذي فيه نجد المسيح معلمنا ومثالنا.
والسؤال المتعلق بالمسيح والحضارة يظهر أيضاً في أعمال الآباء اليونان سيما الذين عاشوا في القرن الرابع للميلاد، فهم قدّموا الإيمان المسيحي بلغة وصياغة يفهمها شعب الله. وصحيح أيضأً أن الآباء لم يترددوا في استخدام التعابير والتبويبات التي شاعت في الفكر اليوناني، وذلك كي يتكلّموا عن شخص المسيح ورسالته. ولكن الصحيح ايضاً أن الآباء انتقدوا وتشجّبوا الحضارة اليونانية الرومانية الوثنية. وكانوا منفتحين على ما هو إيجابي لجهة الإعداد لتفسير البشرى السارة (الإنجيل)، إلا أنهم وفي الوقت عينه تصدّوا بجسارة للحضارة الوثنية. والمهم بالنسبة لهذا الموقف هو ما كتبه القديس باسيليوس الكبير تحت عنوان: “إلى الشباب”، وكيف يمكن للشباب أن يستفيدوا من الأدب اليوناني.
كان الآباء في تلك المرحلة يواجهون وضعاً دقيقاً ومعقداً. كان عدد كبير من المفكرين يعبد الآلهة الأولمبية الميتة. وكان هناك هياكل وثنية تدافع عن التقاليد الوثنية. لم يكن يوليان الجاحد مجرّد حالم طوباوي، بل كان مثالاً للمقاومة الحضارية. فكان يمثل عالماً لم يكن ميتاً بالكلية. وفي الحقيقة كانت تلك الفترة فترة تطور وتغيير وإعادة تقويم، كانت فترة فهم واستيعاب. يقول الاب جورج فلورفسكي: “… كانت بطيئة ودراماتيكية، إلا أنها انتهت بولادة حضارة جديدة يمكن أن نسميها بيزنطية. على المرء أن يدرك أنه كان هناك حضارة مسيحية واحدةن لقرون، وهي نفسها كانت للغرب وللشرق على السواء، إلا أنها ولدت وتوطدت في الشرق. أما الحضارة الغربية الخاصة فأتت لاحقاً. وروما نفسها كانت بيزنطية حتى القرن الثامن، ولعل القرن الثامن عشر أيضاً يصح فيه الكلام نفسه. والعصر البيزنطي يبدأ مع قسطنطين أو ثيوذوسيوس، ويبلغ ذروته في عهد جوستنيان. وفي أيام جوستنيان توطدت الحضارة المسحيية بشكل مدروس، وتنامت كنظام وخط فكري. كانت الحضارة الجديدة توليفية عظيمة تجلت فيها كل تقاليد الماضي وتشكّلت. كانت هللينية جديدة، إلا أنها كانت هللينية منسجمة بشكل عجيب، لا بل قل إن الهللينية تعمّدت”.
وكلما أوغلنا في دراسة حياة ولاهوت الكنيسة الأولى، كلّما ترسّخ الاعتقاد أن إنجازاً حضارياً جديداً قد تحقق في القرون الأولى للمسيحية. ويمكننا حقاً أن نتكلّم عن حضارة مسيحية هي ثمرة النقاش المسيحي الهليني. وقد قيل بحق إن عناصر الحضارة الهلينية كانت محفوظة، بل بل مكرّمة ومصونة، إلا أنها خضعت لعملية إعادة تفسير هي بطابعها مسيحية. وكانت قبولاً لمستلزمات الحضارة فضلاً عن إعادة تقييم لها.
وكي نختم هذه النظرة التاريخية القصيرة يمكننا القول إن آباء الكنيسة الأولى المتحركين بين قطبي الحقيقة الإنجيلية والحضارة، كانوا شديدي الاقتناع أن الإنجيل المسيحي مركزي ومهيمن على حياة الإنسان.
والإنجيل، أو البشرى السارة، كان المسيح نفسه الذي صار جسداً وسكن بيننا (يوحنا 1: 14). لقد جاء الربّ يسوع إلى هذا العالم وذلك كي يرفع البشر إلى الله. وعلينا أن نقرأ أنه في هذا الإطار، فإن التعديلات المتعلّقة بمسألة المسيح والحضارة في التقليد المسيحي القديم، وعلينا أن نتذكر أن الولاء للمسيح يسوع لم يناقش من قبل المسيحيين المؤمنين أما الذين -وعلى غرار الغنوصيين- حاولوا أن يفسروا المسيح بالكامل، وفي صياغات حضارية، مؤثرين أن يزيلوا اي توتر أو تشنج بينه وبين التقاليد والمعتقدات الاجتماعية، فقد اعتبروا ببساطة، ومن قبل الكنسة، هراطقة وغرباء عن الشركة المسيحية. وليس من شك أن كنيسة الرسل والآباء، هي الشركة التاريخية، كانت منفتحة على المنجزات الحضارية، إلا أنها في الوقت نفسه كانت مطيعة ومكرسة لحقيقة يسوع المسيح. وهذه الحقيقة والتي هي المسيح نفسه وليست أي شيء قبل عنه، لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تخضع لأية تلفيقية Syncretism.
ويمكننا الكلام عما هو مقدس وحضاري له جذوره في خلق الإنسان، وفي إعادة الخلق الذي تم بالمسيح, ومن الجديد ههنا أن نراعي تفسيراً لاهوتياً مقتضباً من شأنه أن يسمح لنا بالبلوغ إل الفهم العام للعلاقة بين المسيحية والحضاراة. ونحتاج إلى لاهوت للحضارة يعيننا على فهم وتصحيح تقليدنا حول ماهية الحضارة، وحول المدى الذي يمكن ان تبلغه في الحياة الكنسية.
والحضارة ترتبط بالإبداع المعطى للناس من الله نفسه. وفي سفر التكوين نجد أن الرب أعطى آدم:
1- الإمكانية لحراسة الجنة وحفظها.
2- تسمية الحيوانات (2: 15-19).
ويربط تيليك الأولى بالتكنولوجيا، أما الثانية، فباللغة. على كل حال فإن الإنسان الأولى أُعطي أن يكون مسؤولاً وذا واجب خلّاق. لقد أُعطي الإنسان المهمة كي يعمل كمخلوق حرّ، وأن يحتل موقفاً مسؤولاً تجاه العالم المخلوق.
اللغة، كقوة تواصلية، فضلاً عن إمكانية حراسة الإنسان للفردوس وحفظه، وأيضاً الحفاظ على العام المخلوق الذي أعطاه الله للإنسان هي براهين أنه كان هناك مسؤولية إلهية وعمل إلهي. الإنسان خلق على صورة الله ومثاله وذلك كي يحقق في العالم خدمة خلاقة، خدمة فريدة تتوخى الحفاظ على الخليقة وسلامتها. لقد دعا الله الإنسان إلى العمل في العالم المخلوق على صعد ثلاثة: كمعلم وككاهن وكنبي. وفي هذا السياق فإن مهمة الحضارة هي ذات بعد روحي ومواهبي. هذه كانت الدعوة الأولى والمهمة الأولى المنوطة بالإنسان. والوحدة الاساسية التي لهذه العطية التي أغدقها الله على الإنسان، والقبول الطوعي الحر والمسؤولية للاضطلاع بحراسة الفردوس وحفظه هي أهمية أساسية مميزة تساعدنا على فهم معنى الحضارة. والمسألة، على صعيد الخواء الحضاري، هو التالي: لا يستطيع المرء أن يقدّر العنصر الإنساني فوق الحدود اللائقة به، والشيء نفسه يقال في المنجزات الإنسانية. ولكن في الوقت نفسه لا يستطيع الإنسان أن يخفض من قيمة الدعوة الخلاقة والقدرة التي منحها الله له.
إن جوهر الحضارة ومصيرها مرتبطان بالدعوة الإلهية للإنسان، وهذا الارتباط مطلق واصيل. وهذا يعني أن محتوى وصياغة الحضارة مرتبطة بمقولة أن الله هو الذي جعل الطبيعة الإنسانية مشاركة في كل شيء. والناس في حالتهم الأولى، كانوا يشاركون في الكمالات الإلهية، وكان عندهم دعوة ديناميكية من أجل التقدم والمشاركة في الحياة الإلهية، فضلاً عن التكرّس والمسؤولية في الإبداع وتقديس العالم. ويبدو لي على هذا الأساس، أنه في هذا النطاق يكمن جدوى الحضارة. الحضارة ليست مبررة على نحو غير مشروط، الحضارة ليست مبررة حصراً على خلفيّة إنسانية، على مستوى نظري، بالتحديد، إنما هي مبررة لأن البشر تلقوا الإبداع، كهبة من الله. بكلام آخر فإن الحضارة في شكلها الصرف وغير الملوّث، مرتبطة بالأصالة الإنسانية.
ولكن بسبب القبول الحر للخطيئة، خُفِّض الإنسان وفقد توازنه. بكلام آخر، لقد تأثرت إنسانية الإنسان بالخطيئة. وفي الأنثروبولوجية الآبائية، الخطيئة هي دمار تسببت به الإرادة الحرّة عند الإنسان المخلوق العاقل. والعالم نفسه تأثر بما أصاب الإنسان. وهكذا، فالقدرة التي منحها الله للإنسان، من أجل الإبداع، تشوّشت وفقدت حيويتها الأصليّة وبعدها. ولدى مناقشة السؤال المتعلق بالحضارة، يجب على المرء أن لا يتجاهل هذه المأساة التي حلّت بالنسل البشري كله. القضية هي أن الخطيئة قسمت الإنسان في صميم وجوده فبات غريباً ومتغرّباً عن حالته الأصلية الأولى والتي هي خدمة الكون وحمايته. وتالياً، فالطاقة الإبداعية نفسه تقزّمت وصارت تتمحور على الأنا الإنساني egocentrism.
وبسبب إخلاء الأقنوم الثاني يسوع المسيح، لنفسه kenosis، ثم إعادة خلق الإنسان وإعادة تكوينه، وإذا كانت الخطيئة قد أحدثت شرخاً وجودياً في بنية الإنسان وتكوينه، فإن إعادة تكوين الإنسان هو بسبب الموقف الذي اتخذه الكلمة المتجسد. إن حجر الزاوية في الأنثروبولوجية الآبائية هو أن الكلمة الأزلي، ابن الله سكن بيننا بمحض إرادته وذلك كي ينجز في شخصه إعادة تكوين الإنسان. وباتخاذه الطبيعة الإنسانية، شفى الإنسان. المساوي للآب في الجوهر (3)، في الأولهة، يصير مساوياً للإنسان في إنسانيته (ما عدا الخطيئة) ليعيد إعادة جبلتنا. هناك ترابط أنثروبولوجي: قام الإنسان الحقيقية تتجلى في شخص الرب يسوع المسيح. وعلى هذا الأساس يمكننا أن نستخلص عدداً من النقاط في مسألة “المسيح والحضارة”:
1- اهتمام الحضارة الإيجابي ليس معزولاً عن خلق الإنسان الذي جعله الله على صورته. والله، يسوع المسيح الكلمة المتجسد معنيّ بإعادة الخلق بعد أن أظلم الإنسان بفعل الخطيئة. وفي هذا السياق، من الواضح أن الإنسان سواء في الخلق أو في إعادة الخلق في يسوع المسيح قد مُنح طاقات هائلة من أجل خلق تاريخ شخصي. من القداسة، وفي الوقت نفسه الخالق يدعو الإنسان أن يواجه احتياجات هذا الزمان مستخدماً الإبداع الذي هو هبة من الله من أجل توطيد الحضارة التي لا بدّ وأنها جديدة بالدعوة الأصلية المطلقة التي أُعطيت للإنسان. وإذ نراعي الخبرة التاريخية والوضع العام، فهذا يمكن اعتباره غير قابل للتطبيق، ووهماً أو حلماً. ومع ذلك فالدعوة الموجهة إلى الإنسان هي أن يستمر ويتقدم، بمعونة الله، وأن يتقدم من الحالة الحاضرة إلى حالة تتجلى فيها الحياة الإنسان. ويصوغ Niebuhr R. H. المسألة على الشكل التالي: “الحضارة الأساسية يمكن أن تكون حياة إنسانية متجلية في مجد الله. وبالنسبة للإنسان، يستحيل هذا، أما بالنسبة لله فكل شيء مستطاع وممكن، فالله خلق الإنسان جسداً ونفساً، وقد أرسل ابنه إلى العالم كي يخلّص به العالم”.
وفي الجماعة المسيحية، حتى ومن أيام الكنيسة الأولى كان للاهوت علاقات مع الحضارة متعددة الوجوه. وهذا براعته كي لا يكون عمل الكرازة في الفراغ. فالإنجيل لا بدّ أن يراعي الوضع الإنساني. وعلى اللاهوت المهمة والواجب أن يخترق أعماق التاريخ الإنساني، اي أن يدخل في حوار مع الفكر الإنساني. وهذا لا يعني البتة نسبية الإنجيل، أو تكييف الإنجيل مع كل إنجاز حضاري قائم. بل يعني ببساطة أن الفكر الإنسان، لا بل الحضارة الإنسانية هي في معنى ما وفي ظروف ما، تحضير للكرازة.
2- وكما أشرنا، ففي سياق التاريخ المسيحي الطويل، لم يكن الموقف تجاه الحضارة ذات اتجاه واحد. فعلى خط موازٍ مع المشاغل التي تضطلع بها الحضارة، والتي مفادها أنّ الله خلق الإنسان على صورته، وأعاد خلقه بفعل إخلاء الابن القدوس لذاته، يمكن للمرء أن يجد رفضاً للحضارة. لقد صرّح ترتليانوس وعلى نحو جذري فقال: “في الواقع ما هي العلاقة بين أثنيا وأورشليم؟ أيّة صلة تقوم بين الجامعة والكنيسة؟ تعليماتنا تأتينا من الهيكل الذي يعلّمنا أن الرب ينبغي أن نطلبه ببساطة القلب… ولا حاجة لنا إلى نقاش أو جدال بعد أن اقتنينا يسوع المسيح، ليس من استفسار حول الاستمتاع بالإنجيل. بإماننا لا يعود لنا رغبة بأي معتقد آخر، وبسبب إيماننا بالمسيح ليس من حاجة إلى أي شيء آخر”. ورفض مماثل للحضارة يمكننا أن نجده أيضاً في بعض الأوساط المسيحية اليوم. وأسوق مثالاً واحداً على ذلك: جماعة الـ Mennonites يمثلون منذ الإصلاح وإلى الآن موقفاً مضاداً للحضارة. فهم يقصون تعاطي الشأن السياسي ليس فقط من نظامهم الاجتماعي، ونشاطاتهم، بل إنما يتبعون أنظمة ومبادئ للثقافة والاقتصاد والحياة الاجتماعية، متميّزة عن عقليّتهم وفهمهم للإنجيل. ويمكن للمرء أن يجد أمثلة مماثلة أقر بريقاً وإشراقاً في ابتاع التقويم القديم، وفي روسيا، وعند أتباع التقويم القديم في اليونان. في هذه الأوساط تُفهم الحياة المسيحية على أنها حياة بعيدة عن الحضارة.
والموقف السلبي من الحضارة مبني على مقولة أن الحضارة ليست الهدف الأخير للمصير البشري. الحضاراة هي مجموعة قيم مختلفة هي من نتاج سياق التاريخ البشري. ولكن من الوجهة المسيحية، ليست المنجزات الحضارية للقيم المطلقة في الحياة، لا بل ليست هذه القيم الحضارية مستلزمات لا غنى عنها للخلاص. ويلاحظ الاب جورج فلورفسكي “أن البدائي يخلص كما العائش في الحضر. لا بل يمكن للإنسان أن يناقش أنه من السهل على البدائي أن يخلص شريطة أن يكون حراً من نير الحضارة، وبالتالي عنده الإمكانية لرؤية صافية ومباشرة للحقيقة المسيحية. التراكمات هي في العادة عراقبل من شأنها أن تحول دون بلوغ الإنسان جهالة الإنجيل. ومما لا شك فيه أن حكمة هذا العالم هي جهالة بالنسبة لله. لأنه مكتوب: الآخذ الحكماء بمكرهم. وأيضاً الرب يعلم أفكار الحكماء أنها باطلة” (1 كور 3: 19-20).
من المواقف الآنفة الذكر فيما يتعلّق بالسؤال حول المسيح والحضارة، يمكن للمرء أن يفهم أن الحضارة ليست صالحة على نحو غير مشروط، كما وليست هي شريرة بحد ذاتها. يمكن للحضارة أن تكون صالحة، وأن تكون عطية إلهية حقيقية، كما ويمكنها أن تكون شريرة أيضاً وأن تكون قوة شيطانية حقيقية أو نيراً. يمكنها أن تكون السبيل إلى فهم الإنجيل المسيحي إلا أنها وفي الوقت نفسه يمكنها أن تكون عائقاً أمام الوصول إلى الرسالة المسيحية. يمكن للحضارة بحق أن تسهّل الحياة البشرية وتساعد الناس وتعينهم في مسيرتهم الروحية، إلا أنها تستطيع أيضاً أن تغرّبهم عن الحياة الإنسانية الحقيقية فلا تسمح لهم تحقيق دعوتهم التي هي التقدم في المعرفة بغية الاتحاد بالله. يمكن للحضارة أن تساعد الناس في تطوير مواهبهم الشخصية، وبالتالي هي عنصر كبير في تقدم الإنسان، إلا أنه يمكنها في الوقت عينه أن تكون عبئاً ثقيلاً يرزح تحته الإنسان ويكبّل به إبداعه. في عالمنا المتمدّن نكاد لا نرى للعناصر الروحية أي وجود، فالإنسان يزرح تحت ثمار إبداعاته. وقد قيل بحقّ أن الإنسان في زماننا يعاني الكثير من استبداد الحضارة الرتيب، ومن قيود المدنية. ليس في حديثنا ركن لحياة إنسانية أصيلة مبدعة. هذا غريب لكنه أكيد، فالحضارة اليوم باتت تسير في اتجاه طريق غير متحضّر من الحياة.
إننا نعيش في حقبة من التاريخ باتت فيها المنجزات الإنسانية أموراً مطلقة لا بل مؤلّهة، زماننا هو زمان صنمية جديدة أو وثنية جديدة، حيث إن الإنسان الذي هو دون المقاييس المدينة القائمة، يعتبر مخلوقاً دون (أو ذا قيمة متدينة). وأعتقد أن هذا مشكلة ليس فقط لمجتمعاتنا المدنية، بل هو مشكلة لكنائسنا الحاضرة. والعديد من المشاكل التي تواجهها كنائسنا ترتبط بعقليّة تجعل الحاضرة المرهونة في قمّة الاهتمامات والقيم. وينسى المسيحيون عادة أن الحضارة يمكنها أن تكون الوسيلة إلى فهم مسيحي، إلا أن هذه الحضارة لا يمكنها في أيّ حال، أن تكون البديل عن رسالة الإنجيل. ومن واجبنا كمسيحيين أن نواجه السؤال المتعلّق بالحضارة، بروح من المسؤولية، وأن ندرك حدوده كلها. ومن واجباتنا المهمة أيضاً أن نقرّ أن تقديراً مفرطاً للمنجزات الحضارية من شأنه أن يجعل الإنسان أسيراً وعبداً لمنجزاته وتطلّعاته. وإذ نجعل الحضارة في مركز كلّ نشاط إنساني، وهدفاً وأرضية للوجود الإنساني، إنما نعمل على تغريب الإنسان عن نفسه. وفي هذه الحالة نحن نفصل الإنسان عن إنسانيته العامة، ونفصله عن الله وعن إخوته، وعن طبيعته أيضاً.
بكل هذه الكلمات لستُ اشاء أن ألعن الحضارة وأن أبسلها، كما ولستُ أنوي أن أُعيد الإنسان إلى حالة من التشاؤم الحضاري. ما أريده أنه يجب علينا كمسيحيين، أن ندرك ماهية الحضارة في نور الإنجيل المسيحي. وهذا يعني أن موقفنا منها يتمحور حول الكنيسة ecclesio centric. في الحقيقة أننا في شركة الكنيسة يمكننا أن نناشد الجميع كي يتبنّوا القيمة الحقيقية وحدود الحضارة أو المدنية.
والكنيسة التي هي جسد المسيح، من واجبها ومسؤوليتها أن تميّز ما هو وفيّ لحقيقة الإنجيل، وما هو منافٍ لهذه الحقيقة، وما يبني جسد المسيح وما يبليه ويشوشه. وفي إطار الحقيقة الكنسية يمكن للمرء أن ينضج ويجوز فهماً صحيحاً بإزاء ما يرتبط برسالة الإنجيل، وبإزاء ما لا علاقة له بهذه الرسالة، أو يعارضها. “لأن من يشارك في الحليب فقط لا يصلح لكلمة البر، لأنه طفل رضيع. اما الطعام الصلب فهو من خواص البالغين الذين باتوا قادرين أن يميّزوا الخير من الشر” (عب 5: 14). الكنيسة اليوم أكثر من أيّة حقبة أُخرى من التاريخ، عليها أن تبقى وفيّة لدعوتها المزدوجة:
1- أن تميّز من خلال قدرتها الروحيّة ما هي الفروقات بين الخير والشر.
2- أن تترجم بروح من المسؤولية المبادئ المسيحية الأساسية وذلك لمواجهة التحديات المستجدّة في السياق التاريخي المتطور.
لقد صارت الكنيسة هذه المهمة المزدودة عبر التاريخ، وعليها اليوم كما كانت في الماضي واجب الوفاء لدعوتها.
ومن الواضح أننا نعيش في تعددية حضارية، ونحتاج إلى معايير كنسية عالية المواهبية “تمييز الأرواح” (1 كور 12: 10). وإلا فإن كنيستنا ستسير في ركب العالم وتكيّف كرازتها مع رغبات العالم وعاداته وتقاليده. وإذا قبلت الكنيسة بسبب إنعدام الحكمة، أو بداعي الإهمال ما تقدمه التيارت الاجتماعية الحضارية المعاصرة، فمن الواضح أن الإنقسامات ستظهر في جسدها. وصحيح أنه في زماننا، كما في كل زمان، هناك تشنّج جذري وتضاد بين القيم المسيحية والبنى الحضارية. حضارة الآلة، الحضارة التي تخدم الأنظمة الاستبدادية أو المصالح الإقتصادية، الحضارة التي تقوّض توازن الإنسان وسلامته الداخلية، وسلامة بنيته أيضاً، مع بعض الأخطار والأفعال التي وباسم الديمقراطية والمساواة في الحقوق تطيح بالإنسجام بين العلاقات الإنسانية، وهذه كلها لها وقع وتأثير على حياة كنيستنا.
ومن الأهمية بمكان من أجل وجود وحسن سيرة حياة كنيستنا أن نضع نصب أعيننا أننا في العالم لكننا لسنا من هذا العالم. إن صلاة يسوع من أجل الكنيسة يمكن تخليصها بكلمته التي رفعها إلى الىب، وقد حفظها لنا كاتب الإنجيل الرابع: “لستُ أُصلّي كي تخرجهم من العالم، بل كي تحفظهم من الشرير” (يوحنا 17: 15).
وفي حقبة من التاريخ حيث إنّ الإنسان أكثر أو أقل محصور في حدود ضيقة من المشاكل العالمية، فالكنيسة الوفية لميراثها مدعوة بروح من المسؤولية أن تنادي بالإنجيل. وهذا يعني أن تقدّم لعالمنا، وفي هذا الزمان بالذات، شخص ربنا يسوع المسيح. لا تستطيع الكنيسة ان تتخلّى عن الهدف الأساسي والمطلق المنوط بها وذلك بقصد أن تماشي الاهتمامات العالميّة الزائلة. ويجب أن يكون موقفها من الحضارة، كما هو دائماً جدلياً، بحيث إنها تدنو ثم تبتعد. الكنيسة مدعوة إلى التضامن “مع شؤون الأرض” إلا أنها تدين أيضاً، وتحمل في زماننا لواء النقد الرصين.
لا نستطيع أن نتخلّى عن الأرضية الكنسية. وكما أنه يستحيل بلوغ خريستولوجيا أرثوذكسية خارج حياة الكنيسة وتقليدها، هكذا بالمثل أيضاً يستحيل أن يكون لنا حكم صائب في ما يتعلّق بالمنجزات البشرية خارج خبرة الكنيسة وعقيدتها. في الكنيسة فقط نفهم أن المسيح ليس مجرد مانح للشريعة، أو مجرد قائد ديني أو مجرد شخصية تاريخية فذّة، بل ندرك أنه كلمة الله المتجسد الذي صار جسداً كي يحوّل العالم والحضارة بآن.
إن وعد الكنيسة وعملها بإزاء الحضارة، وعلى العموم بإزاء كل المأساة الإنسانية هو كما أظنّ ملخّص في الرواية الكتابية للتجلّي. إن خدمة الكنيسة وجهدها هو أن تجعل التجلي أمراً ممكن الوصول إليه في كلّ وضع بشري.
وإذ نشدّد ههنا على حدث التجليّي، إنما نشدّد في الواقع على من تجلّى، أعني به يسوع المسيح. والخبرة الكنسية ليست هي سوى جماعة حيّة تعيش في المسيح. في هذه الحقيقة الفريدة والجديدة، تتجلّى كل منجزات الإنسان لتكون أفعال محبة تُرفع إلى الله، وتوجه إلى صورته الذي هو الإنسان. وهذه الأفعال والمنجزات من شأنها أن تمجد الآب والابن والروح القدس، وبالتالي فإنها تمجد وتكرم وتشرف الإنسان أيضاً.
د. كونستنتين سكوتيرس
جامعة أيثنا – جامعة البلمند
ترجمة: الأب منيف حمص
 
قديم 19 - 07 - 2016, 07:39 PM   رقم المشاركة : ( 13583 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

نحو حركة مسكونيّة روحيّة!.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

لست أشاء أن أقيِّم، ههنا، عمل الحركة المسكونيّة العالميّة، لا سيّما خلال القرن العشرين والحادي والعشرين. أقلّه ليس هذا نطاق هذه المقالة. هذا لا يمنع أن أُبدي قناعتي بأنّ الوحدة الكنسيّة تبدأ بالاستيحاد بالله، بالتماس الوحدة مع الله!. الوحدة الحقّ بين المؤمنين لا يمكنها أن تكون أكثر من نتيجة وإلاّ تكون تلاقي مصالح!. هذا هو معنى الوحدة في المسيح!. الاقتصار على الكلاميّة والشّكليّة فيما لله والتّركيز على وحدة التّعبير العقديّ والتّصنيف الإداريّ، ومن ثمّ ترجمة ذلك في تدبير يختصّ بالكأس المشتركة، لا قيمة كنسيّة له إلّا مؤذية!. لذا، في إطار التّعدّديّة في الكنائس، أو الجماعات المنفصلة، بعضها عن البعض الآخر، وما نجم من تباعد، أحدثته الظّروف التّاريخيّة، فيما بينها، بات الطّموح إلى وحدة المؤسّسة، أو قل الكنائس، كمؤسّسات، لا فقط غير مُجدٍ، بل بات يشكّل العقبة الرّئيسيّة أمام تأكيد الوحدة المرجوّة!.
أصلًا، الظّنّ بأنّ الكنيسة مجزّأة وتحتاج إلى لملمة وجمع غير صحيح!. الكنيسة واحدة وباقية واحدة لأنّ سيّدها واحد!. لذا فكرة توحيد الكنيسة، بشكل أو بآخر، خطأ شائع!. أنت تنتمي إلى الكنيسة الواحدة أو لا تنتمي!. وهذا معناه أن تستوحد بالله وبالرّبّ يسوع المسيح!. “أنا الكرمة وأنتم الأغصان”. لا كنيسة خارج يسوع!. الكنيسة جسد يسوع!. الوحدة، من جهة المؤمنين، مشاركةٌ فيها!. طغيان الهمّ المؤسّساتيّ، في هذا السّياق، أو حتّى التّمسّك بضرورة توفّر التّعبير المؤسّساتيّ للوحدة، وإلّا لا تكون وحدةٌ، لا فقط، في يقيننا، يلهي عن الوحدة الحقّ، بل يقتل هذه الوحدة، أيضًا!. لذا، عندنا أنّ ثمّة حاجة إلى تحويل الانتباه والهمّ من التّركيز على السّعي إلى توحيد الكنائس الّتي ننتمي إليها، فيما بينها، إلى العمل الجدّيّ الثّابت على تنقية القلوب وتعميق الحياة الدّاخليّة، لكلّ منّا، في موقعه، في علاقة لا تثريب فيها توحّدنا بالله ومسيحه!. ساعتذاك، لا فقط نجدنا، في الرّوح، باطّراد، في قربًى، أحدنا من الآخر، لا بل القربى تفرز، أيضًا، بصورة تلقائيّة، تعابيرَ محسوسة للوحدة الرّوحيّة العميقة الحقّ فيما بيننا!. لا حاجة أبدًا لأن تكون لنا تركيبة قسوسيّة إكليريكيّة واحدة ولا إدارة كنسيّة واحدة ولا حتّى كأس مشتركة واحدة، تعبيرًا عن الوحدة الّتي نظنّ، وتكريسًا لها!. أقول هذا، لا لأنّ الكأس المشتركة ليست التّعبير الأمثل لوحدة المؤمنين بيسوع وببعضهم البعض، بل لأنّ الكأس المشتركة، في السّياق، المشار إليه أعلاه، تعبير قَصْرٌ على وحدة في مستوى النّصوص والمؤسّسات، ولا يركّز على وحدة روحيّة عميقة بالله أوّلًا، ومن ثمّ أحدنا بالآخر!. هذا المناخ يطرح الكثير من التّساؤلات ويبطِّن الكثير من الزّغل والرّوح الدّهريّة التّمييعيّة والإلغائيّة والاستيعابيّة، ما يجعل القليلَ عددُه عرضة للذّوبان في بودقة الكثير، والمؤسّسةَ الأكثرَ قوّةً وتنظيمًا تبتلع الأقلّ قوّة والأضعف تنظيمًا!. موضوع خبرة حقّ الإنجيل، في سياق كهذا، لا يعود مطروحًا!. في مناخ كهذا، روحُ المؤسّسة، أو المؤسّسة كروح دهريّة غريبة، تتحكّم بروح الوحدة الكنسيّة، لا بل تبيد روح الوحدة الكنسيّة الحقّ!.
قلّما ننتبه، اليوم، إلى أنّه باتت، هناك، هوّة بين الرّوح والتّعبير عنه!. في الأساس، لم تكن هناك مسافة بين اللّاهوت والرّوحانيّة!. اللّاهوت كان روحانيّة معيشة، والرّوحانيّة كانت لاهوتًا في الفعل!. اليوم، بالأكثر، أضحى اللّاهوت مقتصِرًا على التّعبير، لا سيّما الدّماغيّ والنّصّيّ، عن الإلهيّات، وباتت الرّوحانيّة، بالأحرى، أفعالًا ذاتيّة انفعاليّة ورعة تقويّة!. هذا الفصام جعل اللّاهوت عملًا عقليًّا والرّوحانيّة مدى نفسانيًّا، ما يحوِّل الكنيسة إلى مؤسّسة فكريّة نفسانيّة، ويُطيح حقيقة التّجسّد ومفاعيلها، ويبلِّغ عمل ضدّ المسيح، في تحوير حقّ الإنجيل، ذروتَه!. هذا هو الفتك بالكنيسة من الدّاخل، بإفراغ إيمان المؤمنين من روح الله، وإغراقه بما هو نفسانيّ فكريّ دهريّ!. كلّما جمعتَ المتفرّقين، من الجماعات المدعوّة إيمانيّة، بعامّة، في مؤسّسة واحدة، والحال هذه، كلّما نجحتَ في تقليص عمل روح الله، باسم الله، وشيّأتَ الكنيسة، وجعلتها، في مدار المرامي الدّهريّة لسكّان الأرض، خادمةً لوحدة الشّعوب، على كلّ صعيد!. لذا كلّ الحركات والتّجمّعات العاملة على توحيد “الكنائس” و”الدّيانات” لها هدف مخفيّ عميق واحد: الإلحاد الدّينيّ الفعليّ!. توحيدُ الإيمان العالميّ قولًا وتجاهلُه فعلًا!. وبالنّسبة لنا، نحن المسيحيّين، هدف الأهداف الكامن وراء مثل هذه المساعي، هو إسقاط المسيح من وجدان البشريّة، لأنّه ليس، في نهاية المطاف، إلّا المسيح عدوًا لروح العالم ومخلِّصًا!.
من هذا المنطلق، كلّ سعي أصيل إلى حركة مسكونيّة حقّ لا يمكنه، في خضم بلبلة الألسنة الحاصلة، في نظرنا، إلّا أن يكون روحيًّا!. “السّاجدون الحقيقيّون”، على قولة الرّبّ يسوع للمرأة السّامريّة، “يسجدون للآب بالرّوح والحقّ، لأنّ الآب طالب مثل هؤلاء السّاجدين له” (يوحنّا 4)!. طبعًا، الأساس هو الكلمة لأنّ إلهنا كلمة وقد كلّمنا!. لكنّ الكلمة شيء والكلاميّة شيء آخر!. العقيدة شيء والاسترسال في الكلاميّة العقديّة شيء آخر!. لا شكّ أنّ الفكر الإغريقيّ جعلنا نُغرق في تعاطي علم العبارة phraseology ، ونَحكم على النّاس لا باعتبار ما هم عليه بل باعتبار ما يقولون!. ولكنْ، مَن تراه تتماهى لديه خبرتُه وتعبيرُه عن هذه الخبرة؟ بالعكس، كلّما استرسل المرء في الإيضاح اللّغويّ للتّعبير عن خبرته، كلّما تشوّشت وعمقت الهوّة بين الخبرة والتّعبير عنها لديه!. الدّقّة، في التّعبير، متعذَّرة، إلّا، ربّما، على قلّة من المحترفين، ناهيك عن تعذّر جعل التّعبير عن الخبرة تماميًّا!. هذا، في كلّ حال، مستحيل!. لذا، الاسترسال في الجهد التّعبيريّ يحتّم زيادة إمكان الشّطط في الكلام ومن ثمّ التّباعد بين المؤمنين!. ثمّ أكثر النّاس المحسوبين على مقولات عقديّة محدّدة لا يعون مضمونها، أو، حتّى، أنّها موجودة، ما يجعل اللّاهوت، بالأحرى، قطاع أخصّائيّين في علم التّعبير العقديّ لا أكثر!. كلّ هذا يكرِّس الفراق بين خبرة المؤمنين، هنا وثمّة، من جهة، والتّعابير العقديّة، من جهة أخرى، وهذه غالبًا ما تصبح قائمة في ذاتها، لا علاقة لها بخبرة المؤمنين، ويردّدها الأكثرون، إذا ما كانوا ليرَدِّدونها، كالببّغاء!.
إذا ما كنّا لنؤكّد الخبرة الرّوحيّة منطلَقًا لاستقامة الرّأي، فهذا يكفيه، كأساس، أن يعرف المؤمن، فيه، على صعيد العقيدة، أنّ الله واحد، آبٌ وابن وروح قدس. الواحد ليس عددًا بل فرادة. الله لا يُعَدّ لأنّه لا يُحَدّ. وأنّ الآب غير الابن، غير الرّوح القدس. وأنّ الابن، ابن الله، صار إنسانًا، وهو يسوع المسيح، المولود، بالجسد، من مريم البتول، الّتي صارت، بفعل ولادتها إيّاه، والدةَ الإله. وأنّ يسوع، مذ ذاك، إله وإنسان، معًا. وهو باق كذلك إلى الأبد!. هذا، من جهة عقيدة اللّاهوت، ما يُفترَض بكلّ مؤمن أن يعرفه ويلتزمه، لكي يكون له إمكان علاقة بالله، قائمة وقويمة، وإلّا يقع في الهرطقة. والهرطقة تقطع عن الله، أي تجعل العلاقة بالله غير ممكنة!. خارج حدود عقيدتَي الثّالوث القدّوس والتّجسّد الإلهيّ، لا أقول لا قيمة للمقولات العقديّة، لأنّ لبعضها قيمة جزيلة، بل تكون أنتَ، في مستوى الخبرة الرّوحيّة، قادرًا على أن تعرف الله، بأن تحبّه وتنمو في النّعمة والقامة الرّوحيّة لديه، لتستوحد به، لأنّه محبّة!.
على هذا، الشّركة الرّوحيّة بين المؤمنين، تقوم على أساس عقديّ، بالمعنى الّذي أبنّاه أعلاه، ولكن، في آن، على أساس الاستقامة الرّوحيّة الشّخصيّة الّتي يُفترَض بالرّعيّة وراعيها ضبط إيقاعها عن كثب!. الأساس الواحد من دون الآخر، لا يكفي!. ثمّ، الكأس المشتركة الّتي يساهمها القوم على أساس طائفيّ صرف، أي لمجرّد انتمائهم إلى الطّائفة الأرثوذكسيّة، تسفيهٌ للشّركة الحقّ، في المسيح، واختزال لها، وقصرُها على مجتمع قبليّ ذي شعارات دينيّة واحدة، وفي هذا كفرٌ!. أمّا الكأس المشتركة الّتي يمكن أن يساهمها، إلى أبناء الكنيسة الرّوميّة الأرثوذكسيّة – وأتكلّم كروميّ أرثوذكسيّ – قومٌ، من خارجها، لهم أساس عقديّ واحد، وإيّاها، بالمعنى المبرَز أعلاه، فهذه ينبغي، لقبول الاشتراك في مساهمتها، أخذ أمور عدّة بعين الاعتبار:
1) أن يخضع المقبلون إليها للمعايير العقديّة والرّوحيّة الّتي يخضع لها أبناء الكنيسة الأرثوذكسيّة.
2) أن لا تكون هناك كنيسة من الكنائس الّتي ينتمي إليها طالبو مساهمة الكأس المشتركة، في البلد، أو الأصقاع الّتي يوجدون فيها، إلّا كنيسة الرّوم الأرثوذكس.
3) أن يخضع المقبلون إلى الكأس المشتركة للمساءلة، أولًا، حتّى يجري التّأكّد من سلامة وضعهم وتهيئتهم لمساهمتها، في الكنيسة الأرثوذكسيّة، وفقًا لرسومها وقواعدها وآدابها الخاصّة بها!.
أمّا السّماح لغير الأرثوذكس بمساهمة القدسات في الكنائس الأرثوذكسيّة، ولهم كنائسهم الخاصّة، في الجوار، وهم يذهبون تارة، إلى هنا، إلى إحدى كنائسهم، وتارة، إلى هناك، إلى إحدى الكنائس الأرثوذكسيّة، أقول السّماح بذلك لا يوافق أبدًا لأنّه يخلق حالة من التّشويش الرّوحيّ، فضلًا عن التّسيّب والعبثيّة في الموقف والازدواجيّة في الانتماء والزّيف في روح الشّركة، والاكتفاء من العلاقة الكنسيّة بالقشور الاجتماعيّة الانفعاليّة الشّعاريّة!.
اللّياقة والتّرتيب، في الكنيسة، لا يجيزان الخلط والتّلفيق وتحويل الشّركة، في الرّوح القدس، إلى تراكم بشريّ!. وما يُقال في مساهمة القدسات يُقال في الصّلوات!. هذه لها طابعها الشّركويّ، أيضًا، مثلها مثل الكأس المشتركة!. بدون روح الشّركة، المعيّة في الصّلاة، صلاة في الشّكل، فرديّة المنحى، اجتماعيّة المضمون، شعوريّة التّوجّه، ومن ثمّ لا قيمة روحيّة ولا كنسيّة لها!.
إلى ذلك، لا شكّ أنّ ثمّة حاجة ماسّة إلى التّحرّر من الطّابع الطّائفيّ للكنيسة، وكذلك من طابعها الوطنيّ والقوميّ، إذا ما كان لنا أن نسير قدُمًا في حركة مسكونيّة روحيّة!. نحن، حيثما وُجدنا، نعمل على تقديس الأرض والوطن والعمل والعالم، لكنّنا لسنا محصورين بهذا الدّهر ولا نعمل لخدمته بل لخدمة الله وتمجيده فيه وقبلتنا الملكوت!. قدّيسونا غير مستأسرين لمرامينا الطّائفيّة أو القوميّة أو الوطنيّة!. القدّيسون المحلّيّون ليسوا محلّيّين لأنّهم يهتمّون، حصرًا، بحماية وصُنع ما فيه خيرُ المحلّة، الّتي تقدّسوا فيها، بل هم شهود لله حيثما التمس المؤمنون عونهم والاقتداء بهم!. كلّ قدّيس يخرج من محلّة ما، ولكنّه يصير خادمًا لله في كلّ العالم!.
في هذا السّياق، الكنائس التّاريخيّة الّتي لا شركة بينها، ولكنْ، لاهوتها، بالمعنى الّذي أبنّاه أعلاه، واحد، تعاطت، في الماضي، أعدادًا من قدّيسيها اللّاحقين لافتراقها، على نحو مشترك!. هذه، في اعتباري، ظاهرة روحيّة صحّيّة تمامًا!. أُورد، مثلًا، البار يوحنّا الدّيلميّ (القرن 8 م). هذا مذكور، عندنا، أقلّه منذ القرن الثّالث عشر للميلاد (المخطوط السّينائيّ العربيّ 418). لكنّه نشأ في وسط نسطوريّ، وقد تبنّته، إلى كنيسة الرّوم الأرثوذكس، كنائس السّريان اليعاقبة والموارنة والأحباش والأقباط، بالإضافة، طبعًا، إلى السّريان الشّرقيّين، أي النّساطرة.
اليوم، من حقّنا، لا بل من واجبنا أن نتساءل، أليس الشّهداء الواحد والعشرون، الّذين هم من أصل قبطيّ، وواحد منهم أسود، الّذين قُطعت رؤوسهم من أجل المسيح، في ليبيا – لأُعطي مثلًا معاصرًا – وذلك في 15 شباط 2015، وأعلنت الكنيسة القبطيّة قداستهم، أقول أليس هؤلاء شهداء الكنيسة الجامعة المقدّسة الرّسوليّة، وشهداء المسيح في كلّ العالم؟ إنّ اعتبار الكنائس الرّسوليّة الأخرى لنفسها، غير معنيّة بقداستهم، تقديمٍ للطّابع العنصريّ والعقديّ الشّكليّ على الطّابع الرّوحيّ في الكنيسة، وهذا مسيء جدًّا لشهادة الكنيسة الجامعة المقدّسة الرّسوليّة!. هؤلاء شهداء يسوع المسيح الّذي نؤمن، نحن والأقباط، أنّه إله وإنسان بغضّ النّظر عن الطّريقة الّتي نعبِّر بها عن هذه الحقيقة الإلهيّة الإنسانيّة، ويعبِّرون!. إذًا، هؤلاء هم شهداء الكنيسة الحيّة في الرّوح القدس، يساهمون في تقديسنا ونتقدّس ونتبرّك بهم وبأذيالهم!.
يوم نخرج من تقوقعنا القبليّ وتصلّبنا النّصّيّ، ونتّضع، ونشرع في التماس عمل روح الله، بعمق، في كنائسنا، وفي كنائس غيرنا، على قدم المساواة؛ ويوم نتوب توبة صدوقًا إلى ربّنا على قولة: “توبوا إليّ أتُبْ عليكم”، فسنجدنا، في الرّوح، الواحد إلى الآخر، والكنيسة إلى الأخرى؛ يومذاك، نجدنا في شركة الوحدة في المسيح، نسير في حركة مسكونيّة مخصبة حقّ، تُفرع من هاجس واحد هو التّملّؤ من روح الرّبّ القدّوس!. إلى أين يمكن أن يؤول بنا ذلك؟ لا أقلّ من فكر روحيّ متنامٍ واحد، وجسد روحيّ واحد، ومجد إلهيّ واحد!.

الأرشمندريت توما (بيطار)، رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي، دوما – لبنان
 
قديم 19 - 07 - 2016, 07:39 PM   رقم المشاركة : ( 13584 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

أضواء على الإلحاد!.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ما معنى الإلحاد؟ كما سبق فذكرنا، في مقالة سابقة، الإلحاد هو القول بأنّ الله غير موجود. هذا أساس الإلحاد. وما تبع، في التّاريخ، كان تطوّرًا، وفق الظّروف، في هذا الاتّجاه أو ذاك. شيء من الخوض في الموضوع ينفع.
ماذا في شأن حقيقة الإلحاد؟.
ثمّة إلحاد نظريّ وآخر وجوديّ. في الإلحاد النّظريّ تحاول أن تخفي موقفًا انفعاليًّا، بالاستعانة بالمقولات العقليّة والنّظريّات العلميّة، لتثبت أنّ الله غير موجود وأنّ الكون يسيِّر ذاته بذاته. ولكنْ، أن تثبت أنّ ثمّة كائنًا غير موجود أمر غير ممكن. لماذا؟ لأنّنا لو افترضنا، جدلاً، أنّ الله غير موجود، فعدم وجوده يجعله خارج نطاق إدراك العقل. وما هو خارج نطاق إدراك العقل فلا قول للعقل فيه ولا للعِلم. فكيف تثبت، إذ ذاك، بالعقل، أنّ الله غير موجود؟ هذا محال!. أمّا، إذا افترضنا، جدلاً، أنّ الله موجود، فجلّ ما قد يكون العقل قادرًا على إثباته هو وجود الله، لا عدم وجوده، وذلك في حالة واحدة فقط: إذا أثبتنا أنّ الله معقول!. ولكنْ، كيف تثبت ذلك؟ أمّا إذا لم يكن الله معقولاً، فجلّ ما يكون العقل قادرًا عليه هو مجرّد الاستدلال على وجود الله من خليقته!. في كِلا الحالَين، سواء افترضنا أنّه موجود أم غير موجود، فليس واردًا أن يكون العقل قادرًا على إثبات عدم وجود الله، ما دمنا في نطاق الفرضيّات لا اليقينيّات!. من هنا أنّ الإلحاد النّظريّ، فكريًّا، ساقط ولا قيمة له!. ولا يعدو كونه ردّ فعل عاطفيّ متلبّس بالمقولات الافتراضيّة الإدراكيّة!. فإن شاع فبقوّة الإرهاب لا بقوّة الإقناع!. هذا، إذا لم يكن خدعة ذكيّة تنطلي على الجاهل الأحمق!.
عمليًّا، الإلحاد النّظريّ هو مجرّد إلحاد وجوديّ مقنّع!. والمقصود بالإلحاد الوجوديّ التّنكّر لوجود الإله عند مَن لا تنضح منه مواقف يستبين حضور الله فيها، ولا يشير إليه سلوك الّذين يقولون بأنّهم يؤمنون به!. حتّى لو قلنا: “الله محبّة”، فإن كان لا يحبّ أحدنا الآخر، فإنّ الإله الّذي ندّعي أنّنا نؤمن به ونقول وصيّته، لا نتعاطاه موجودًا. لا أقول لا يكون موجودًا، في ذاته، بل لا يكون موجودًا في مَن يدّعون، بالأحرى، أنّهم أخصّاؤه!. فإذا لم يكن موجودًا في مَن يقولون لي عنه، فحتّى لو كان موجودًا، في ذاته، فما قيمة وجوده لي ولهم!. فقط مَن بلغوا اللاّهوى وعاينوا اللاّهوت، يعطيهم ربّهم أن يعرفوه في ذاته، أمّا العاديّون فليس معطى لهم!. فإن لم يعاينوا ربّهم في البشر فلا طاقة لهم على معاينته في ذاته إلاّ بتدخّل من فوق، وهذا غير مألوف!. للعامّة، القول هو هذا: “كونوا متمثّلين بي كما أنا أيضًا بالمسيح” (1 كورنثوس 11: 1). ما يوجب على الكلّ السّلوك بأمانة في ما لله حرصًا على الشّهادة الأمينة لله، بإزاء الآخرين!. حذار أيّ إله نعطي في علاقتنا الواحد بالآخر!. ليس ما نقوله هو الأهمّ، بل ما نكون إيّاه!.
على هذا، الإلحاد الوجوديّ إن هو سوى ردّ فعل على كون الإله الّذي يقولون لي عنه غير الإله الّذي أرى، في حسّي، أنّهم يؤمنون به!. استنتاجي يكون أنّ الإله الّذي يتكلّمون عليه غير موجود فيهم، فيما الإله الّذي أراه فيهم لست أريده!. هذا يجعل أنّ الإلحاد، في عمقه، تنكّر لطريقة حياة مَن يُسمَّون باسم المسيح حين لا تكون سيرتهم موافقة، أو، بكلام أدقّ، مطابقة لما ينادون به أنّه منه، أو، أيضًا وأيضًا، بكلام أدقّ، لما ينادي يسوعُ به، أي لِمَا يشهد به تراثهم القويم أنّه إيّاه!. هذا لأنّ الكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا!. المسيحيّة ليست مذهبًا فكريًّا بل حياة جديدة!. الكلمة الإلهيّة، في آن، مأكل للحياة الجديدة وإفراز منها!. الإنجيل هو لتكون إيّاه!. أنت والإنجيل في حال تناضح!. من حشاك يخرج الإنجيل أو يولد، في عيون النّاس، مُطالعيكَ، ميتًا!.
الملحد، وجوديًّا، يبحث، بالأكثر، عن الأصالة، وإذ لا يجدها يهتك محرمات الفكر الدّينيّ لأنّه يرفض الابتزاز الّذي يتعاطاه القيِّمون عليه، كما يرفض مسرى القطيع!. لكنْ، ثمّة ملحدون أشرار. هؤلاء، بالأكثر، شرّهم، ليس من إلحادهم، بل من عبادتهم لأنفسهم حتّى قمع الآخرين وقهرهم!. إلحادهم، بالأحرى، ادّعاء وقناع وإزكاء لوِحشتهم ووحشيّتهم بحيث يكون تفلّتهم بلا ضوابط!. في كلّ حال، لست عن هؤلاء أتكلّم، بل عن الّذين أرى فيهم حسًّا إنسانيًّا مرهفًا، لكنّهم، في آن، يرفضون الاندراج في صفّ مَن يقولون إنّهم يؤمنون وهم مراؤون!. يقولون بالله المحبّة وإلههم السّلطة والمال!. يريدون أن يعلِّموا المحبّة وهم لا يحبّون!. يقولون بمجد الله وهمُّهم وجاهاتهم!. يعظون ولا يتّعظون!. يدعون إلى الاتّضاع وهم مستكبرون!.
الملحد، وجوديًّا، يدين المسيحيّة الكذوب!. لذا هو مرآة لواقع المسيحيّة، هنا وثمّة، وأحيانًا للمسيحيّة التّاريخيّة، ومدعاة لا للإدانة بل لعودة المسيحيّين إلى أنفسهم وإصلاح ذواتهم تأديبًا!. وكلّنا معنيّ بذلك بلا استثناء!. علينا ينطبق القول الّذي قاله الرّسول بولس في شأن اليهود وأمانتهم للشّريعة. قال: “أنت الّذي تعلِّم غيرك ألست تعلِّم نفسك؟ الّذي تكرز أن لا يُسرَق أتسرِق؟ الّذي تقول أن لا يُزنى أتزني… فإنّ اسم الله يُجدَّف عليه بسببكم… كما هو مكتوب” (رومية 2)!.
الملحد، وجوديًّا، لأجل المفارقة، يبحث، بمعنى، عن الإنسان القدّيس!. جاءنا رجل قال عن نفسه إنّه ملحد وهو يستجير بوالدة الإله!. سألته: كيف تكون ملحدًا وأنت تستعين بوالدة الإله؟ قال: كيف لي ألاّ أكون ملحدًا، والّذين يحكمون في الكنيسة يحكمهم حبّ السّلطة والمال والمجد الفارغ!. وإذ انتقل الكلام معه إلى الحديث عن أحد الرّهبان البارزين، عندنا، قال: هذا رجل من طينة أخرى، هذا رجل قدّيس أُجلّه!. ثمّ استرسلنا في الكلام على رجال الكنيسة، فأتينا على ذِكر أشخاص معروفين، فقال عنهم: فلان مفكِّر كبير، وفلان كاتب كبير، ولكنْ لم يبدُ له أنّ لدى هذا أو ذاك مِسحةَ قداسة!. قارنَ نفسَه بمَن ذكر واعتبرهم مجرّد عشراء دون أن يرى في سيرتهم علائم إلهيّة بارزة كما رأى في ذاك الرّاهب، ما جعلني أشعر بأنّه، على إلحاده، يحتفظ بجانب إيمانيّ حقيقيّ، ولو كان كامنًا!.
سألتْ راهبةٌ القدّيسَ بائيسيوس الآثوسيّ مرّة: ماذا تقول عن انتشار عدم الإيمان بهذا القدر الكبير في أيّامنا؟ فأجاب: هذا صحيح، ولكن الصّحيح، أيضًا، أنّنا، كثيرًا ما نلقى، في داخل مَن يقولون إنّهم لا يؤمنون، نفحةَ إيمان مخبوء. جاءه، ذات يوم، شاب، وقال له: “أنا لا أؤمن بالله”!. فدعاه القدّيس بائيسيوس قائلاً: اقترب يا بنيّ!. أتسمع صوت العندليب؟ مَن أعطى هذه العطيّة الجميلة لهذا العصفور؟ للحال تحرّك قلب الشّاب، فذهبت عنه قسوة عدم الإيمان، وتغيّر وجهه!. ثمّ ختم القدّيس بائيسيوس كلامه بالقول: “في كلّ حال، شاء النّاس أم أبوا، سوف يأتي وقت يؤمن فيه كلّ أحد، لأنّ النّاس سوف يصلون إلى طريق مسدود، وسيتدخّل المسيح في مسار الأمور، في نهاية المطاف!. (كتاب الصّحو الرّوحيّ. سلسلة ياروندا).
الأرشمندريت توما (بيطار)، رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي، دوما – لبنان
 
قديم 19 - 07 - 2016, 07:40 PM   رقم المشاركة : ( 13585 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

إستخدام الألوان حسب التقليد

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
إستخدام الألوان حسب التقليد
بينما أصبح دارجا في بعض التقاليد المسيحية الأخرى السماح بأن تتم الاعمال الكنسية ( رسم الإيقونات أو إخاطة البدلات الكهنوتية) بأيدي غير المسيحيين، في نفس الوقت يتم تجنبه بشكل كبير في الكنيسة الأرثوذكسية. بالتأكيد هناك بعض الأمثلة التي تثبت العكس لكن وجهة النظر السائدة لدى الأرثوذكس هي أن أعضاء الكنيسة فقط بإمكانهم أن ينتجوا هذه الأعمال.
التقليد الأرثوذكسي يقودنا لإعادة رسم الإيقونات “بما أنهم رسموا من الرسامين القدماء ومن القديسين” (ليونيد أوسبنسكي، لاهوت الإيقونة). أن هذا النسخ، إن جاز التعبير، تتخطى حدود النموذج أو الأسلوب، حيث هدف رسم الإيقونات هو واحد و نفس هدف الكتاب المقدس، التراتيل المقدسة، أو العمل العقائدي.
الرسام غير الأرثوذكسي من الممكن أن يكون قادرا على تكرار أي عدد من الإيقونات الأرثوذكسية، ولكن هذا لا يعني أن العمل الذي يقدمه هو إيقونة، والتي هي أداة مقدسة للعبادة، نافذة إلى السر السماوي الرهيب، ومذاق التجلي بحد ذاته. تماما كما لا يمكن ان يدعي أحد أن غير المؤمن بإمكانه أن يكتب مقاطع كتابية مقدسة، وهكذا لا يجب أن نفترض أنه ممكن ان يحصل في كتابة الإيقونات. القديس سمعان التسالونيكي كتب عن إستخدام الالوان في التقليد، وأوسبنسكي علق على ذلك:
“القديس بولس لم يقلد السيد المسيح من خلال نسخ إيمائاته وكلماته، ولكن بدمج نفسه بحياة المسيح، من خلال جعل المسيح يعيش في داخله. وبالمثل، أن ترسم إيقونة كما تم رُسمت بالأصل من الرسامين القدامى لا يعنى ان تنسخ التشكيل القديم، بحيث كل حقبة تاريخية لها تشكيلها الخاص. هذا يعني أن تتبع التقليد المقدس؛أن تعيش في التقليد.
ماذا يعني أن “تعيش في التقليد”، يقول أوسبنسكي:
“لكن قوة التقليد هي قوة الروح القدس وتتابع الخبرة الروحية للكنيسة، قوة مشاركة الحياة الروحية مع كل الأجيال السابقة وصولا الى زمن الرسل. في التقليد، خبرتنا وفهمنا هما خبرة وفهم الرسول بولس، وخبرة راسموا الإيقونات المقدسة وخبرة الكنيسة ككل؛ نحن لا نعيش منفصلين، منفردين، ولكن في جسد المسيح، في الجسد ذاته الذي يعيش به إخوتنا بالمسيح. في الحقيقة هذا سارٍ في كل جوانب الحياة الروحية، ولكنه صحيح بشكل خاص في جانب الفن المقدس. راسمي الإيقونات المعاصرين يجب أن يستكشفوا المظهر الداخلي لراسمي الإيقونات القدامى، وان يوَجَّهوا بنفس التوجيه الروحي. سيجد حينها إخلاصا حقيقيا للتقليد، والذي هو ليس بتكرار، إنما تجديد ووحي معاصر لحياة الكنيسة ذاتها. بالتأكيد، راسم الإيقونات الأرثوذكسي والمخلص للتقليد يتكلم دائما بلغة عصره، معبرا عن نفسه بطريقته الخاصه، ومتبعاً طريقه.”
أن تقليد الكنيسة الأرثوذكسية سرمديّ، فائق ،و (بشكل عجائبي) في مأمن من البدع العابرة ومن مجرى الثقافات، لانه مبني على شخص السيد المسيح، الذي هو نفسه لا يتغير و”هو هو أمساً واليوم والى الأبد”. لذلك، عندما يتعلق الأمر بكتابة الإيقونات،فإن “المعايير” لكتابة إيقونة قانونية او “سليمة” هي تلك المتجسدة في حياة الكنيسة، التي هي نفسها من الروح القدس.
“يمكن للمرء الحديث عن أسلوب التحليل العلمي، في دراسات التاريخ أو الآثار، ولكن لإستعمال هذه الفكرة في الكنيسة لوصف “فنها” هو عبثي كمناقشة “الأسلوب” الذي كتب به القديس أندريه أسقف كريت القانون الكبير!.بشكل واضح إنه بلا معنى. بالكنيسة هناك معيار واحد: الأرثوذكسية. هل الصورة أرثوذكسية أم لا؟ هل تتطابق مع تعليم الكنيسة أم لا؟ النمط بحد ذاته لا يشكل مشكلة بالعبادة.
الإيقونات لا تخضع لفحص من حيث الجمال أو لقدم طرازها كما القداس الإلهي والكتب الدينية التي من الممكن أن يتم فحصها. نفس الروح تتكلم عبرهم، وهو روح وحدة، سلام، وخمسينية، ليست فوضوية،وليست تقسيمية ولا حتى بابلية. لا يجب أن نُخضع الإيقونات في كنيستنا إلى ذوقنا. تحديداَ، يمكن للمرؤ أن يبدي برأيه بالأعمال الفنية (من ضمنها الإيقونات) ولكن الآراء ليس لها أي تأثير على قيمة الإيقونة “كعنصر ليتورجي”.
مُناصر الإيقونات والتقليد الأرثوذكسي، القديس يوحنا الدمشقي، يُحذر: “لو استطاع كل شخص أن يتصرف بإرادته، تدريجياً، جسد الكنيسة سيتم تدميره”. بالطبع هذه الكلمات كتبت خلال حرب الإيقونات في القرن ال8 ميلادي، خلال الحكم الإسلامي في فلسطين. أعتقد أنه يجب نتنبه إلى كلامه وأن نختبر بعناية إيماننا وتصرفاتنا لنعيش حسب التقليد ونكون في التقليد، والإيقونات بالتاكيد ليست باستثناء.
إذا رغب أحد أن “يكون أرثوذكسيا” وأن يرنم ، أن يكتب، أن يقرأ، وأن يعظ “وفقا للتقليد”، فيجب أن نرغب أن “نستخدم الألوان حسب التقليد” أيضاً.
غابي مارتيني
ترجمة: إياد لدعة
 
قديم 19 - 07 - 2016, 07:41 PM   رقم المشاركة : ( 13586 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

ما العمل مع كاهنٍ سيّء

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سؤال: “كان في رعيّتنا كاهنٌ صالح؛ لكنّه نُقِل إلى رعيّة أخرى. وأتى مكانه آخر، غمٌّ على القلب. في أدائه الخِدم، هو مستهترٌ ومتعجّل؛ في الحوارات، يتكلّم عن أشياء تافهة؛ إذا بدأ الكلام عن أمور الله، فكلّه يكون باختصار واقتطاع للحقيقة الصارمة. كيف ننجو من تجربةٍ كَهذه؟”
جواب: أنتم هُم مَن على خطأ. لم تستفيدوا كما يجب من الكاهن الصالح، فأخذه الربّ منكم. قُل لي، هل أصبحتم أفضل مع كاهنكم السابق الصالح؟ عند هذا السؤال تتلعثم وتجيب “نعم”. لكن أنا، من بعيد، أقول أنّكم لم تصبحوا أفضل، على أساس حقيقة أنّكم تدينون الكاهن الجديد، غير عارفين كيف تضبطون مشاعركم تجاهه كما يجب. بالحقيقة، كان عندكم كاهنٌ صالح حتّى قبل هذا الكاهن الصالح الذي غادركم الآن، والذي قبله كان صالحًا أيضًا. أترى كم من الكهنة الصالحين أرسل الربّ إليكم؛ لكنكّم كلّكم لم تصبحوا أفضل. حتّى قرّر الربّ الآن: لماذا هدر (أو إضاعة) الكهنة الصالحين على هؤلاء القوم؟ أُرسلُ لهم واحدًا ليس حسنًا جدًا. وهكذا فعل. نظرًا لهذا، وجب عليكم مرّةً واحدة أن تنتبهوا لأنفسكم، أن تتوبوا وتتحسّنوا، لكنّكم فقط تدينون، وتستمرّون في الإدانة مرارًا وتكرارًا. تحسنّوا أنتم، وثمّ الكاهن يتغيّر فورًا. سيفكّر: “مع هؤلاء الناس لا أستطيع أن أستمرّ في عملي المقدّس بتهاون؛ يجب أن أخدم بوقار وأتكلّم للبنيان.” وسوف يصلح طرقه. إذا كان الكهنة مقصّرين ومتعجّلين في أداء الخِدم وتافهين في الأحاديث، فأغلب الأحيان يكون هذا تكيّفًا مع أبناء الرعيّة.
في قولي هذا، لا أبرّر للكاهن، فهو بلا عذر، إذا كان يُعثر النفوس الموكَلة إليه، ]إذ يعمل لا فقط بعكس ترتيب الكنيسة، بل أعمالًا غير حكيمةٍ[. بل أقول فقط ما هو نافعٌ بالأكثر لكم لتصنعوه في هذه الحالة. والشيء الأهمّ الذي سبق وقلته: لا تدينوا، بل انتبهوا لأنفسكم، وتحسّنوا أنتم في الصلاة وفي الحديث وفي كلّ سلوككم. صلّوا من أجل هذا من كلّ قلوبكم، أن يصلح الربّ الكاهن. وهو سيصلحه. فقط صلّوا كما ينبغي. قال الربّ، إذا اتّفق اثنان في أيّ شيءٍ وبدآ بالصلاة، يكون لهما ما طلبا (متى 18: 19). لذا، يا كلَّ أبناء الرعيّة الصالحي الفكر، اجتمعوا معًا وقرّروا أن تصلّوا من أجل الكاهن؛ رافقوا صلاتكم بالصوم وضاعفوا صدقاتكم؛ واصنعوا هذا لا فقط ليوم أو اثنين، بل لأسابيع، لأشهر، لسنة. جاهدوا وتذلّلوا بانكسارٍ طالما الكاهن لم يتغيّر. وسيتغيّر؛ تأكّدوا من هذا.
سمعتُ مؤخّرًا عن جهادٍ مشابه وعن ثمرِه. إمرأةٌ عجوز، قرويّة بسيطة، تقيّةٌ جدًّا، لاحظَت أنّ شخصًا تحترمه بدأ يحيد عن صرامته المعتادة في الحياة، فحزنت جدًّا وشعرت بالأسى من أجله. ذهبت إلى بيتها، وأغلقت على نفسها في كوخها، وبدأت تصلّي بعد أن قالت للربّ: “لن أترك هذا المكان، أو أذوق كسرة خبز، أو أشرب قطرة ماء، أو أعطيَ لعينيّ دقيقة نوم إلى أن تستمع لي، يا ربّ، وتعيد هذا الشخص إلى طرقه الأولى.” وعملت تمامًا كما قرّرت: جاهدت في الصلاة وتذلّلت في دموعٍ من قلبٍ حزين، ملحّةً على الرب حتى يستمع لها. وقد تعبت، وبدأت قوّتها تفارقها؛ لكنّها أيضًا صلّت تكرارًا: “ولو متُّ، لن أتوقّف عن الصلاة حتّى يستمع لي الربّ”. واستمعَ لها. التأكيدُ وَصَلَها أنّ هذا الإنسان الذي تصلّي من أجله بدأ مجدّدًا يحفظ نفسه كما في السابق. أسرعت لتنظر، فرأت الأمر هكذا، وابتهجت كثيرًا حتى انهمرت دموع شكرها.
وهذا هو نوع الصلاة الذي يجب أن توطّدوه – لا في الشكل، لأنه قد لا يكون ملائمًا لكم كما عملت هي – لكن بحماسةٍ مماثلة، وتضحية ومثابرة. وبالتأكيد تنالون ما تشتهون. إذا كنتم تقولون أحيانًا، “أعطِ، يا ربّ، أن يصبح هو صالحًا” فقط عَرَضًا، إن في المنزل، أو في الكنيسة، أو في الأحاديث، فأيّ نوعٍ من الثمر مُتوقّعٌ من صلاة كهذه؟ لأنّ هذه ليست صلاة، بل كلماتٌ فقط.
قلتُ لكم ما هو أساسي. يجب أن أضيف أيضًا شيئًا واحدًا؛ لكنّه من الأمور التي يصعب جدًّا أن تُعمل بالشكل الذي تُحقِّق به غايتها. هذا ما أفكّر به! قد يكون من الممكن لكم، أنتم الصحيحي الفكر والمحتَرمين أن تأتوا إلى الكاهن وتسألوه أن يغيّر أفعاله التي تزعجكم وتودي بكم في تجربة. أن تعملوا هذا – ليس من شيء أبسط؛ لكن أن تعملوه بالشكل الذي يؤتي ثمرًا صعبٌ جدًّا. كلّ شيء يجب أن يتنفّس بالحبّ الأكثر صدقًا وغيرةً – لا فقط ما تقولونه، بل أيضًا نظراتكم، تعبيركم، والنبرة في صوتكم. حينئذٍ قد يُرجى أن يحقّق هذا غايته. لكن من دون هذا الحبّ، الأفضل عدم الإقدام على مثل هذه الخطوة: ستؤدّي إلى الأسوأ، وتسبّب خلافًا محزنًا أكثر. يستطيع أحدهم ربّما أن يكتب له كلّ شيء بأسلوب مماثل، لكن مجدّدًا، كلّ المسألة يجب أن تُعالَج بروح المحبّة المنتصِرة على كلّ الشيء. من الممكن أيضًا إفساد الموضوع كلّه بهذه الطريقة تمامًا كما برؤية الكاهن شخصيًّا. لهذا لستُ أوصي بهذه المقاربة بغير قَيد. أعلم أنّها قد تُتوّج بالنجاح، لكنّ الأمر الأساس هو التطبيق السليم. قد يوجَد أشخاص جيّدون عديدون يأتون إلى الكاهن أو يكتبون له من دون رؤيته، ويعبّرون عن كلّ شيء بألطف طريقة؛ لكن من أجل النجاح، تحتاج شيئًا آخر غير اللطافة. اللطف بغير محبّة لدغةٌ جارحة. أعلم أنّه في أماكن أخرى يتصرّفون على هذا النحوِ ثمّ يتباهون: “لقد أتممنا دورنا!” لكن أقول أنّه كان أفضل لو لم يفعلوا.
لن أضيف أيّ شيءٍ حول هذا الموضوع – ربّما أمرًا واحدًا: كونوا صبورين. هناك أيضًا طرقٌ أخرى قانونيّة؛ لكنّها ليست من اختصاصي، وأبقى صامتًا بشأنها.
من رسائل القدّيس ثيوفان الحبيس
 
قديم 19 - 07 - 2016, 07:43 PM   رقم المشاركة : ( 13587 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديسون اﻷرثوذكسيون والحركة المسكونية

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

بالنسبة للمسيحيين، معيار الحقيقة هو اﻷمانة للمسيح و“الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ” (يهوذا 3). الآباء القديسون باتحادهم الكامل بالمسيح بالروح في الكنيسة المقدسة، يصيرون بدورهم المرجع التجريبي الذي به تقاس الحقيقة. لهذا السبب، بالنسبة للأرثوذكسيين، تعاليم الآباء القديسين هي سلطة ينبغي اتباعها وتصديقها، أبعد وفوق أي رأي قد يمتلكه شخص أو مجموعة.
إن هذا الاعتقاد التأسيسي هو بمثابة مقدمة لمناقشة مسألة العلاقات بين الكنيسة الأرثوذكسية وروما، والتي ما زالت مكان نقاش في الأوساط الكنسية.
منذ المجمع الفاتيكاني الثاني، طوّرَت روما فكرة أن الانقسام هو مسألة “كنائس شقيقة” منفصلة، وبأن الكنيسة الأرثوذكسية “ينقصها القليل لتحقيق الملء الذي من شأنه أن يسمح احتفال مشترك من القربان المقدس الرب“. [1] . هل تقبل الكنيسة الأرثوذكسية بهذا الفهم للانشقاق وبوضع الكثلكة؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب أن نعود إلى القديسين والقرارات المجمعية، وعندها، فإن الجواب هو “لا” لا لبس فيها.
عندما ندرس الخلافات مع روما في حياة القديس فوتيوس الكبير (القرن التاسع) و القديس مرقس اﻷفسسي (القرن الخامس عشر)، نجد رفضاً واضحاً لروما بسبب ابتداعاتها، طالما أنها تتمسّك بها– وبالتالي رفض إمكانية الوحدة معها لهذا السبب بالذات. الكنيسة الأرثوذكسية، مع أنها لم تعلن قداسة هذين الرجلين، بل اعتبرتهما أيضاً “أعمدة اﻷرثوذكسية“، وتبنّت تعليمهما عن روما ضد البابوية و الفيليوكفيه (انبثاق الروح القدس)والحركة المسكونية. تعليم القديس فوتيوس ضد الفيليوكفيه وأولوية البابا تبنّته الكنيسة اﻷرثوذكسية رسمياً في المجمع المسكوني في القسطنطينية(879-880 م)، كما أن تعليم القديس مرقس قد ثبّتته الكنيسة وأكّدته في رفضها للاتحاد الزائف في بازل–فيرارا –فلورنسا.
في هذه المرحلة، قد يفترض البعض أن الكثير تغيّر منذ القرن الخامس عشر، وأنّ الهيئات غير اﻷرثوذكسية قد تكون اقتربت أكثر إلى التماشي مع العقيدة الأرثوذكسية خلال القرون، وبالتالي، هذه المجموعات صارت أقرب إلى الشركة الإفخارستية الكاملة. لكي يتحقق هذا اﻷمر، ينبغي وجود شيء من الحركة الجديرة بالاعتبار ليس في اﻹيحاء أو المواقف، بل في العقيدة والحياة من ناحية الكثلكة نحو الأرثوذكسية، أقله منذ عهد القديس مرقس الأفسسي. ولكن فكرة أن روما قد تحركت في هذا الاتجاه لا يمكن الدفاع عنها. إذا كان هناك من حركة، فهي ابتعدت أكثر في عدد من الجوانب الهامة.
أوضح فيلاريت رئيس أساقفة نيويورك، تعليقاً على الحج الرسولي في عام 1965 (لقاء البابا والبطريرك المسكوني في القدس): الكثلكة اليوم ليست حتى الكنيسة نفسها التي رفضت الكنيسة الأرثوذكسية بقيادة القديس مرقس الأفسسي الدخول في اتحاد معها. الكثلكة الآن أبعد عن الأرثوذكسية، بعد أن أدخلَت المزيد من العقائد الجديدة وتبنّت المزيد والمزيد من مبادئ الإصلاح والمسكونية، والحداثة.
حتى الكثير من الكاثوليك التقليديين يتّفقون مع هذا التقييم الصادق. ومنذ القرن الخامس عشر، تطرّق إلى قضية روما عدد غير قليل من القديسين الأرثوذكسيين، تعاليمها ومكانتها بالنسبة للأرثوذكسية. ما يلفت النظر في هذه التعاليم هو غياب كل أشكال العواطف المسكونية.
القديس نيقوديموس اﻵثوسي (القرن الثامن عشر)
تسمّى معمودية اللاتين معموديةً زوراً. . . لأنهم هراطقة. . . لقد قال عنهم ما فيه الكفاية المتعلقة القديس مرقس الأفسسي في فلورنسا (في الاجتماع الخامس والعشرين)، حيث تحدث بصراحة على النحو التالي: “لقد انفصلنا عن اللاتين لا لسبب سوى حقيقة أنهم ليسوا منشقين وحسب، بل أيضاً هراطقة “ولهذا السبب يجب علينا أن لا نفكّر في الوحدة معهم.
القديس ثيوفانس الحبيس (القرن التاسع عشر)
حقيقة الله، وهي الحقيقة الكاملة النقية والخلاصية، لا يمكن العثور عليها لا عند الكاثوليك ولا عند البروتستانت، ولا في الانجليكانيين. يمكن العثور عليها فقط في الكنيسة الواحدة الحقيقية أي الكنيسة الأرثوذكسية… الكاثوليك هم أول من انشقّ عن الكنيسة“.
القديس يوستينوس بوبوفيتش (القرن العشرون)
أول اعتراض جذري باسم الإنسانية ضد المسيح اﻹله–اﻹنسان، والكائن اﻹلهي–البشري أي الكنيسة، ينبغي البحث عنه في البابوية وليس في اللوثرية. البابوية هو في الواقع أول وأقدم بروتستانتية.
الشيخ صوفروني آسكس (القرن العشرون)
… ولكن “اتحاد الكنائس” صعب، إن لم يكن مستحيلاً. أولئك الذين يتحدثون عن “اتحاد الكنائس” لا يعرفون عقلية غير اﻷرثوذكس ولا سموّ الأرثوذكسية… أنا لا أريد “اتحاد الكنائس“، على الأقل الآن، لأن الكاثوليك لن يتغيروا و الأرثوذكس لن ينحرفوا.
القديس نيقوﻻ فيليميروفيتش (القرن العشرون) وهو كان قد عبّر عن ميول “مسكونية” في شبابه لكنه ﻻحقاً عاد ليوافق غيره من القديسين
إذا كانت كل طائفة ﻻ تحتوي إﻻ جزءً من العقيدة المسيحية فقط، فإن الكنيسة الأرثوذكسية تحوي مجمل الإيمان الحقيقي بوفرة، وهو “الإِيمَانِ الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ” (يهوذا 3). . . لا يمكن أن تتحقق وحدة جميع الكنائس من خلال التنازلات المتبادلة، بل فقط عن طريق التزام الجميع بالإيمان الواحد الصحيح في مجمله، كما وُرِث من الرسل ووُضع في المجامع المسكونية. بعبارة أخرى، من خلال عودة جميع المسيحيين في الكنيسة الواحدة غير القابلة للتجزئة التي انتمى اليها أسلاف جميع المسيحيين في العالم كله في القرون العشرة اﻷولى بعد المسيح. إنها الكنيسة الأرثوذكسية المقدسة.”
هذا التوافق بين القديسين الجدد نسبياً في معارضة الاتحاد مع روما طالما أنها لا تزال ملتزمة أخطاءها، هو بطبيعة الحال، ما كان ليبدو بارزاً لو كان هناك أيضا قديسون يحبّذون المسكونية أو التعددية الدينية. ولكن في الواقع، هؤﻻء ببساطة لا وجود لهم.
قد يبدو حوار روما اللاهوتي مع الكنيسة الأرثوذكسية حول الفيليوكفيه في العقود الأخيرة أمراً معاكساً لهذا الكلام. ولكن من الصعب أن نرى في هذا أكثر مراوغة، خاصةً مع تبنّي روما لتطوّر العقيدة، الذي هو بحد ذاته إشكالية أساسية بالنسبة للكنيسة الأرثوذكسيةفي التزامها التعليم الرسولي: “وَتَحْفَظُونَ التَّعَالِيمَ كَمَا سَلَّمْتُهَا إِلَيْكُمْ.” (1 كو 11: 2).
هذا الكلام، وبدون أي اعتذار، ليس دعوة للعنف أو سوء المعاملة للكاثوليك. على العكس من ذلك، إنه دعوة إنجيلية أساسية إلى الانخراط في الحوار تقوم على قول الحقيقة في المحبة. هذا يشمل الاستماع بإخلاص إلى المخاوف بوِدّية كما يقول القديس بولس: “صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ، لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَال قَوْمًا” (1 كو 9: 19-23).
هذا بالتأكيد (وبشكل اضح) لا يشمل المساس برسالة الانجيل حيث الثالوث والكنيسة مركزيان في العقيدة الأرثوذكسية. ما من محبة في أن تترك أخاك يتمادى في الخطأ المدمر، إذا كان يرغب بالحقيقة بجدية. لا بل إن مزاوجة الحقيقة مع الزيف هي قلّة محبة، وبالتالي تجديف ضد الثالوث الأقدس.
يضع القديس باييسيوس اﻷثوسي اﻷمر على هذا الشكل:
لسنا بحاجة لأن نقول بأن المسيحيين غير الأرثوذكسيين ذاهبون إلى الجحيم أو أنهم ضد المسيح. ولكن أيضاً لا ينبغي أن نقول لهم انهم سوف يخلُصون، لأن هذا يمنحهم تطمينات كاذبة، ونحن سوف نُحاسَب على ذلك. علينا أن نعطيهم قدْراً جيداً من عدم الارتياح، وأن نقول لهم أنهم مخطئون.
 
قديم 19 - 07 - 2016, 07:44 PM   رقم المشاركة : ( 13588 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الأحلام وتفسير الأحلام

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الشياطين تستخدم الأحلام لكي تسبب لنا الاضطراب والأذى للنفس. عندما ينام الإنسان، دبّر الله أن يكون بكّليته في راحة تامة لدرجة أنه يفقد الإحساس بوجوده و ينسى نفسه، وتتوقف أثناء النوم كل الأفعال الناجمة عن الإرادة والمنطق ويستمر فقط ما هو ضروري للحياة، أي يبقى الدم في حركته داخل الجسم والمعدة تهضم والرئتان تعملان والجلد يستمر في إفراز العرق.
وفي النفس يستمر توّلد الأفكار والخيالات والمشاعر ولكن لا بتوجيه المنطق والعقل والإرادة بل بفعل الطبيعة.
ومن هذه الخيالات تحصل الأحلام . فالحلم هو شيء غير طبيعي، كما لو أنه لا ينتمي إلى نظام الخيال أو المنطق لدى الإنسان . بل كما لو أنه يحصل من نفسه وله خاصيّته فأحياناً يكون الحلم نتيجة أفكار وخيالات وأحياناً ينطبع بما قد رأيناه.
وهكذا فالحلم بحد ذاته لا يمكن أن يملك أي معنى ومن الجهل أن يتمنى البعض رؤية المستقبل ضمن الأحلام.
هنا تأثير الشياطين، حيث تستطيع مهاجمة نفوسنا أثناء اليقظة وهم على الأكثر يستطيعون ذلك أثناء النوم أيضاً.
فهم أثناء النوم يزعجوننا ويحاولون دفعنا إلى الخطيئة، وإذا رأونا نعطي أهمية للأحلام يحاولون أن يجعلوا أحلامنا ذات معنى وثقتنا بأحلامنا تقودنا شيئاً فشيئاً إلى الغرور وتصبح لدينا فكرة عظيمة عن أنفسنا ويصبح سلوكنا العام غير صحيح وهذا ما يريده الشياطين.
يقول القديس باسيليوس الكبير إن التخيلات خلال النوم ما هي في الغالب إلا صدى لأفكار النهار وهو يعني بذلك إن معظم التخيلات (الأحلام) أثناء النوم هي صدى الفكر اليومي. والمشاغل الشريرة والأفكار الشريرة في النهار تنشيء الأحلام الشريرة. يحدث هذا الأمر كذلك في الأعمال الصالحة. فممارس الرياضة الروحية وإنسان الله إجمالاً يشغل فكره في الصلاة إلى الله طول النهار ، فمن الطبيعي أن يفكر قلبه بالله وأن يصلي إليه تعالى أثناء ساعات راحته الليلية . (من كتاب أمسية في برية الجبل المقدس آثوس)
قال القديس غريغوريوس الذيالوغوس لتلميذه بطرس : اعلم أن الصور والأشكال التي تتراءى للنفس أثناء الأحلام ناجمة عن ستة أشياء:
1. عن امتلاء البطن
2. عن الجوع الشديد
3. عن أفكار النهار
4. عن هزء الشياطين
5. عن الأفكار والهزء معا ً
6. عن إعلانات إلهية.
فلو كانت الأحلام تخلو من الخطر الذي يسببه العدو الخفي لما جعل الحكيم سيراخ ينوه به قائلاً “كثيرون ضللتهم الأحلام وسقطوا لوضع رجائهم عليها” (سي31 :7) ويحذر الحكيم أيضاً من تعاطي السحر والاهتمام بالأحلام (31 :5) فانه إذ يعلم أن الأحلام تسببها الأفكار وهزء الشياطين يشرح قائلاً إن الأحلام توّلد اهتمامات كثيرة وتشغل الإنسان عن التفكير بقضية خلاصه.
قال القديس انطونيوس للقادمين إليه من الاخوة : ينبغي ألا تصدقوا كل ما تقوله الشياطين ولو بدت لكم أنها تتنبأ عن بعض الأمور. فهي تتنبأ أحياناً كثيرة بقدوم اخوة مسافرين وتحدد يوم وصولهم وكان يتم ذلك. لكنها تقوم بذلك لا اهتماماً بمن يسمعون لها وانما لتجعلهم يصدقونها لكي تستعبدهم وتقودهم إلى الهلاك. فعندما تتنبأ عن المستقبل ينبغي ألا نصغي لها ، وان نكذبها لأننا لسنا بحاجة إليها. فما العجب إذا شاهدت الشياطين أناساً قد باشروا السير في الطريق وسبقت مخبرة بقدومهم ؟ هذا الأمر يمكن أن يفعله إنسان راكب على حصان ، لان الحصان كما تعلمون يسبق الرجل الماشي على قدميه.
ينبغي ألا يدفعنا ذلك إلى التعجب من الشياطين ، فإنها لا تعرف شيئاً قبل حدوثه. فمهما شاهدت فإنها تختطفه كما يفعل اللصوص وتسرع لتخبر به. ويمكن أن يفعل هذا الأمر إنسان يجري بسرعة اكثر من إنسان آخر بطيء المشي. واقصد بكلامي هذا أنه ما لم يبدأ أحد بالمشي لا تعرف الشياطين إذا كان ينوي على المشي أم لا. لكن متى شاهدته ماشياً أسرعت إلى المكان الذي يقصده وأخبرت بقدومه قبل أن يصل إلى هناك. وهكذا تتحقق نبوءة وصوله بعد أيام معدودة. غير انه كثيراً ما يحدث للمسافر أن يرجع من منتصف الطريق ، ربما بتدبير إلهي، فيفتضح كذب الشياطين وينخدع أولئك الذين كانوا يصغون لها. على هذا الأساس استندت عرافات اليونانيين الذين ضللتهم الشياطين قديماً. أما الآن فقد بطلت ضلالة الشياطين بالكلية بمجيء الرب الذي قهرها وأبطل كل حيلها.
فالشياطين أذن لا تعرف شيئاً من ذاتها ، وانما تنقل كل ما تشاهده عند الآخرين كما تفعل الجواسيس. أنها لا تعرف الحوادث قبل حدوثها وانما تستنتجها. لهذا السبب إذا صدقت في بعض الأحيان ، ينبغي ألا يتعجب منها أحد. ونلاحظ هذه المقدرة عند الأطباء الذين يعرفون من خلال خبرتهم طبيعة الأمراض وتطورها. فإنهم عندما يرون أنساناً مصاباً بمرض سبق لهم وعالجوه مراراً عديدة يعرفون حالاً عوارض المرض وتطوراته من خلال خبرتهم.
وكذلك البحارون والمزارعون يعرفون إذا كان الطقس سيمطر أم لا من خلال ملاحظتهم التغيرات الجوية ، مع العلم انه لا يجوز لأحد أن يقول قد عرفوا ذلك بإلهام إلهي ، ولكن من خلال الخبرة والعادة.
إن الأحلام التي يريها الله للنفس لكثرة محبته لها تدل على أنها في حالة سليمة ثابتة. لهذا فهي لا تتغير من شكل إلى آخر ، ولا تسبب الضحك ولا العبوس ، وانما تدنو من النفس بهدوء ولطف وتملأها نشوة روحية طيبة حتى إذا استيقظ الجسد ازداد شوقها إلى ما تذوقته أثناء الحلم من الفرح.
أما الخيالات الشيطانية فإنها على عكس ذلك بالكلية. فهي لا تثبت على شكل واحد، ولا تظهر صورة غير مشوشة وقتاً طويلاً. لان ما تفتقر إليه (من محبة، سلام، لطف). تحاول أن تصطنعه من نتاج تضليلها ، ومع ذلك لا تقدر أن تظهره بشكل متواصل أثناء الحلم. وتتكلم الشياطين أثناء هذه الأحلام بأمور عظيمة. فإنها تهدد أحياناً كثيرة وأحيانا أخرى ترتل للنفس بصراخ. لكن الذهن عندما يتنقى جيداً( بالصلاة ) يستطيع أن يدركها فيوقظ الجسد من النوم وهو هاجس بالإلهيات.
سأل أخ شيخا ً قائلاً : ما هي الخيالات الليلية أيها الأب ؟ فأجابه الشيخ : كما إن الشيطان يشغلنا أثناء النهار بأفكار غريبة لكي يصرفنا عن الصلاة والتأمل الصالح فانه يحاول أثناء الليل أن يشوش ذهننا بخيالات متنوعة كبيرة حتى يعطل هذا الشيطان صلاتنا الليلة.
وعن القديس أفرام السرياني قال : لا تصدق الأحلام الليلية يا عزيزي ، لان كثيرين ضللتهم الأحلام وسقطوا لاعتمادهم عليها. لنفحص أنفسنا جيداً لنرى إذا كنا قد وصلنا إلى مستوى يؤهلنا لرؤية الملائكة.
قد تكون الأحلام واضحة ورسالتها لا تحتاج إلى مفسرين كما هي الحال مع يوسف النجار. كما قد تكون الأحلام رمزية وبحاجة إلى تفسير كما هي الحال مع حلم يوسف ابن يعقوب “إني رأيت حلماً أيضاً وإذا الشمس والقمر وأحد عشر كوكباً ساجدةً لي” فانتهره يعقوب:”هل نأتي أنا وأمك وأخوتك لنسجد لك إلى الأرض” (تك9:37-10). كذلك حلم فرعون بالبقرات السمان السبع والنحاف السبع الذي فسره يوسف. وكذلك رؤيا الرسول بطرس (أع11:10-16) التي رآها ثلاث مرات متتالية لم يفهم بطرس معنى الحلم إلا حين أتاه من يدعوه للذهاب إلى قيصرية ليعمد كورنيليوس ففهم أن الإيمان هو للجميع بدون استثناء.
إن موهبة تفسير الأحلام والرؤى التي تحمل رسالة إلهية أعطيت لبعض الناس المحبوبين من الله والمقربين منه، كما هي الحال مع يوسف ابن يعقوب وحلم فرعون.
أما في مجال الأحلام العادية فالكتاب المقدس يحذر من الذهاب إلى العرافين أو السحرة أو الرقاة والمفسرين “لا يوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته في النار ولا من يعرف عرافة ولا عائف ولا متفائل ولا ساحر ولا من يرقي رقية ولا من يسأل جانا او تابعة ولا من يستشير الموتى لان كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب”(تث 10:18-12).
لقد وعت الكنيسة مع الرسول بطرس في عظته الشهيرة بعد العنصرة أن الرب يعمل في بعض الأحيان من خلال الرؤى والأحلام ” يقول الله ويكون في الأيام الأخيرة أني أسكب من روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاما”(أع17:2). لكنها وعت أيضاً مع الرسول بولس ضرورة فحص كل روح. فقد دعا إلى امتحان”كل شيء” (1تسا21:5) إذا كان من الرب أم لا. لذا فإن الكنيسة تمتحن كل حلم يدَّعي أنه إلهي وتفحصه. فإذا كان هذا الحلم يحرض على الفساد ويدعو البشر إلى الابتعاد عن الله نحو الآلهة الباطلة فهو حلم كاذب ومن الشرير”إذا قام في وسطك نبي أو حالم حلما وأعطاك آية أو أعجوبة ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلمك عنها قائلا لنذهب وراء آلهة أخرى لم تعرفها ونعبدها فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم لان الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم. وراء الرب إلهكم تسيرون وإياه تتقون ووصاياه تحفظون وصوته تسمعون وإياه تعبدون وبه تلتصقون. وذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم يقتل لأنه تكلم بالزيغ من وراء الرب إلهكم. فتنزعون الشر من بينكم” (تث1:13-5)
تستخدم كلمة ” حلم” ست مرات في إنجيل متى، وجميعها تتعلق بشخص ربنا يسوع المسيح، فظهر ملاك الرب ليوسف ” في حلم قائلاً له يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك، لأن الذي حبل به فيها هو الروح القدس” ( مت 1: 20-23). كما أن الرب أوحى للمجوس ” في حلم أن لا يرجعوا إلى هيردودس” (مت 2: 12)، وحدث ” أن ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلاً: قم خذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر..” ( مت 2: 13). وحدث مرة أخرى أن ” ملاك الرب قد ظهر ليوسف في مصر قائلاً : قم وخذ الصبي وأمه وأذهب إلى أرض إسرائيل” ( مت 2: 19و20). كما أن يوسف ” لما سمع أن أرخيلاوس يملك على اليهودية .. إذ أوحي إليه في حلم انصرف إلى نواحي الجليل” ( مت 2: 22). كما أرسلت زوجة بيلاطس إليه تحذره قائلة: ” أياك وذلك البار لأني تألمت اليوم كثيراً في حلم من أجله” ( مت 27 : 19).
أما المرة السابعة والأخيرة التي ذكرت فيها ” الأحلام” في العهد الجديد، فهي ما جاء في كلام الرسول بطرس في يوم الخمسين اقتباساً من نبوة يوئيل: “ويرى شبابكم رؤى ويحلم شيوخكم أحلاماً “( أ ع 2: 17).
ولا تذكر الأحلام بعد ذلك في العهد الجديد، فلم تعد وسيلة لتوصيل رسائل الله للناس، بعد أن أصبح الروح القدس يسكن في المؤمنين ويرشدهم إلى كل الحق المعلن لنا في كلمة الله، وما أروع القول: ” الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديماً بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا هذه الأيام الأخيرة في ابنه” ( عب 1: 1و2)
تحرير وتجميع عن:
نشرة مطرانية اللاذقية
والمقالة الشهرية لدير سيدة ينبوع الحياة
آذار 2006
ورسالة مطرانية حلب – الموقع القديم
 
قديم 19 - 07 - 2016, 07:50 PM   رقم المشاركة : ( 13589 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

حرية الأم أم حياة الجنين؟ – الإجهاض

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يتصارع أبناء المجتمع الحديث من أجل تحديد موقف خلقي وقانوني من مسألة إسقاط الجنين قبل اكتماله أو قبل ولادته. فمنهم من يؤيد حرية الأم في تحديد مصير الجنين ، وهم معروفون بأنصار حركة حرية الاختيار Pro Choice Movement، ومنهم من يعارض ذلك معتقداً أنهم من حماة الأجنة، وأنّ الإجهاض أمر غير شرعي وغير خلقي، وهم معروفون بحرآة أنصار الحياة Pro life Movement. فالمناقشة محتدمة. احتداماً قوياً لدرجة أنها أمست من أهم القضايا التي تؤثر في المجتمع الحديث وحتى في نتائج معارك الرئاسة في الدول الحديثة.
إحصائياً، دلت الإحصائيات الأمريكية على أن ربع حالات الحمل تنتهي بالإجهاض، وأن هناك إجهاضا واحدا لكل 2.8 من الولادات، وأن 75 بالمائة من النساء هن من غير المتزوجات، و 32 بالمائة هن من الشابات اليافعات، وأن هناك أكثر من 250 مليون دولار تصرف سنويا لتسديد نفقات الإجهاض.
في هذا النزاع لا بد للكنيسة الأرثوذكسية من أن تتخذ موقفاً واضحاً وصريحاً، وأن تساهم في حركة تنوير المؤمنين وتوعيتهم. فواجبها أن تقاوم حضارة الموت أو ثقافة الموت Culture of Death التي تهدف إلى تدمير الثقافة المسيحية. فعلى الأرثوذكسية أن تدافع عن القيم الأخلاقية وتلتزم الشهادة للإنجيل في المجتمع المعاصر. فإنجيلنا هو إنجيل الحياة لا إنجيل الموت.
لتحقيق هذا الغرض لا بد من تحديد أنواع الإجهاض أولا:
أنواع الإجهاض:
الإجهاض ثلاثة أنواع:
1- الإجهاض التلقائي يحدث عادة عندما يعجز الجنين عن النمو والتطور إلى خلق سوي، أو عندما يصيب الأم داء أو أذى في مرحلة من مراحل الحمل فيموت بسبب ذلك الجنين أو يسقط سقوطا تلقائيا.
2- الإجهاض المتعمّد ثلاثة ضروب:
أ‌- ضرب علاجي: وهو إجهاض يقوم به الطبيب إنقاذا للام من خطر يهدد صحتها.
ب‌- ضرب اختياري: تلجأ إليه الأم اعتقادا منها بأن الجنيين هو مجرد امتداد لجسدها أو تورم لا حياة فيه، أو تخفيفا من أعباء تنشئة إنسان جديد، أو اجتنابا للفضيحة والعار.
ت‌- ضرب مخبري: إتلاف الأجنة الملقحة المثلجة. وهذا الضرب لا يعتبر عند الكثيرين بأنه إجهاض. لكن من وجهة نظر أرثوذكسية، هو بمثابة إجهاض متعمد يهدف إلى التخلص من الجنين الحي المثلج. فالحياة في نظر الكنيسة تبتدئ ساعة التلقيح. وبذلك يكون إتلاف للأجنة الملقحة إجهاضا.
تاريخ الإجهاض:
إنّ الحضارات الإنسانية المتعددة مارست الإجهاض منذ أقدم العصور، وحتى أن كبار المفكرين في التاريخ أباحوه. فأفلاطون وأرسطو لم يسمحا بالإجهاض فحسب، بل فرضاه في حالات معينة. بالنسبة لأفلاطون الطفل غير المولود هو كائن حي له نفس. وفي جمهوريته يفرض على الحامل التي لم تبلغ العشرين والحامل التي تجاوزت الأربعين أن تسقط الجنين[1]. كما فرض الإجهاض في المُضارة Bigamy والزنى وسِفاح القربى (ارتكاب المحارم) Incest والعلاقة الجنسية قبل الزواج Pre-marital sex. قناعته جاءت من أن المرأة تلد أولادا للجمهورية، وأهداف هذه الجمهورية هي أهم من غير المولودين. وأكد على أن الجمهورية يجب أن تقتل الأجنة أو الأطفال الرضع ذوي العاهات، وذلك من أجل تحسين النسل Eugenics.
ومن هذا المنطق نفسه صادق أرسطو على قتل الأطفال المشوهين كوسيلة لتحديد النسل وتحسينه. وإذا كان قتل الأطفال محرماً ممنوعاً في الأعراف المحلية، فإنه يدعو إلى الإجهاض قبل وقت دخول النفس إلى الجنين Ensoulment[2].
ولكن فيثاغوراس دحض رأيهما على أساس فلسفته المنادية بتقمص الأرواح، وعلى أساس أن دخول النفس إلى الجنين يتم وقت الحمل. ولقد أثرت الفيثاغورية في القَسَم الأبقراطي الطبي، الذي يتضمن التعهد بعدم إعطاء عقاقير مجهضة للجنين. وعلى الرغم من أن الرواقين اعتبروا أن الجنين يصبح كائنا بالولادة فقط فإنهم رفضوا الإجهاض، لأن الطبيعة تعلمنا أن نربي وننشئ الأطفال لا أن نقتلهم.
فيلون الإسكندري اعتبر أن الإجهاض هو كقتل الأطفال[3].
الكتاب المقدس:
هناك موقف اللاعنف تجاه الأطفال سائد في الكتاب من التكوين حتى الرؤيا. لنبدأ في العهد القديم:
أ-العهد القديم:
من العهد القديم نفهم أن غير المولود هو خليقة الله. يحذر كتاب اللاويين من تقديم الأولاد محرقة. يقول كتاب اللاويين: “لا تعط من نسلك محرقة تطيب رائحتها للوثن مُولك لئلا يتدنس اسم الرب إلهك. أنا الرب.” (لاويين21: 18).
القتل في الكتاب محرم ولذلك جاءت الوصية “لا تقتل” (خروج 20: 13)
الخِصب في العهد القديم يجئ من الله. والله يعطي الوعد لأبناء إبراهيم. “من يخرج من صلبك هو الذي يرثك.” (تكوين 15: 4) الرب هو الذي يرزق نسلا أو يمنع عن النسوة الولادة. فقالت ساراي لإبراهيم: “الرب منع عني الولادة.” (تكوين 16: 2) وراحيل تصرخ لزوجها: “أعطني ولدا وإلا أموت” (تكوين 30: 1). أما يعقوب فاحتد على راحيل وقال: “هل أنا مكان الله، هو الذي حرمك ثمرة البطن.” (تكوين 30: 2). الله إذاً هو معطي الخصوبة والحياة. أما العقم فهو كالألم والموت. الله يتفقد العاقر كما تفقد سارة وولدت لإبراهيم ابنا في شيخوخته. (تكوين 21: 2) يقول يعقوب لأبنائه معطيا الوصية الأخيرة في كتاب التكوين: “بإله أبيك الذي ينصرك، بالقدير الذي يباركك. بركات السماء من فوق” (تكوين 49: 25) الله يذكر المرأة ويصغي إليها ويفتح رحمها. (تكوين 30 : 6، 24، 32). وسفر هوشع يذكر كيف قبض يعقوب وهو في البطن على عقب أخيه فيقول:”فيعقوب، وهو بعد في البطن، قبض على عقب أخيه، وفي أوان رجولته صارع الله” (هوشع 12: 3-4).
وفي كتاب القضاة يقول ملاك الرب لامرأة منوح وهو من قبيلة دان. “أنتِ عاقر ولكنك ستحملين وتلدين ابناً. والآن فانتبهي لا تشربي خمراً ولا مسكراً ولا تأكلي شيئاً حرمته الشريعة.” (قضاة 13: 3-4).
الرب في كتاب أيوب هو موجد الجنين في رحم المرأة. “أما صانعي في البطن صانعه، وواحد صورنا في الرحم.” (أيوب 31: 15). كتاب المزامير يؤكد الشيء نفسه: “ما خفيت عظامي عليك، فأنت صنعتني في الرحم، وأبدعتني هناك في الخفاء.” (مزمور 139: 13-15). وإشعيه يذكر دعوة الرب له من الرحم فيقول: “الرب دعاني من رحم أمي، ومن أحشائها ذآر اسمي.” (إشعيه 49: 1). الاختيار من الرحم شائع في الكتاب. “فقال الرب الذي جبلني من الرحم عبداً له لأرد يعقوب إليه.” (إشعيه 49: 5). وكتاب المزامير يؤآد عناية الله بالأجنة فيقول: “رأتني عيناك وأنا جنين.” (مزمور 139: 16). وكتاب إرميه يؤكد الدعوة من البطن والتكريس كذلك فيقول: “قبل أن أصورك في البطن اخترتك، وقبل أن تخرج من الرحم كرستك وجعلتك نبيا للأمم.” (إرميه 1: 5).
لما جاء أليشع إلى دمشق بكى فلما سأله حزائيل موظف بلاط دمشق لماذا تبكي، أجاب: “لأني علمت بما ستفعله ببني إسرائيل من الشر. فأنت ستحرق حصونهم بالنار وتقتل فتيانهم بالسيف وتسحق أطفالهم وتشق الحوامل من نسائهم.” (الملوك الثاني 8: 12).
ولكن هناك نص واحد في كتاب العدد ( 5: 11-22) متنازع عليه، لأنه يعالج مشكلة منعزلة ألا وهي المجامعة غير الشرعية. “أي رجل مالت زوجته إلى خيانته، فجامعها رجل وأخفى ذلك عن عيني زوجها، واستتر تنجسها، ولا شاهد عليها، وما أفشي سرها، وداخلته روح الغيرة فغار على زوجته وهي نجسة أو غير نجسة… يأتي بزوجته إلى الكاهن مع قربان… فيجعل الكاهن على راحتيها قربان التذكار تقدمه الغيرة، وفي يده الماء المر الجالب اللعنة… ويحلفها ويقول لها….”يجعلك الرب لعنة ومسة بين شعبك، بأن يجعل وركك ساقطة وبطنك وارما، ويُدخلَ هذا الماء الجالب اللعنة في أمعائك لتوريم البطن وإسقاط الورك”.
هذه الحالة كانت لها هدفاً وقائياً أكثر من أن تكون قصاصاً.
العهد الجديد:
يوحنا المعمدان: لما سمعت أليصابات سلام مريم تحرك الجنين في بطنها. “ما إن سمعت سلامك حتى تحرك الجنين من الفرح في بطني.” (لوقا 1: 43).
دور العذراء في الحفاظ على الجنين:
العذراء ائتمنت على الجنين الإله. التأقنم حصل في الرحم منذ ساعة الحمل. والعذراء دخلت في علاقة مع الإله المتجسد في بطنها.
اختيار الله للرسل من الرحم واضح في قول الرسول: “ولكن الله بنعمته اختارني وأنا في بطن أمي، فدعاني إلى خدمته.” (غلاطية 1: 15) اختيار الله بقي مخفيا لسنوات إلى أن أعلنه الله في الوقت الذي حدده. وكما أن قصد الله يبقي مكتوماً إلى أن يعلنه الله كذلك يبقى قصد الله في الجنين مكتوما إلى أن يعلنه الله في حينه.
إذن الجنين في الكتاب المقدس هو هبة الله. يقول بولس “أما تعرفون أنكم هيكل الله، وأن روح الله يسكن فيكم؟ فمن هدم هيكل الله هدمه الله، لأن هيكل الله مقدس، وأنتم أنفسكم هيكل الله.” ( 1 كور 3: 16-17).
المواقف المسيحية الأولى المتعلقة بالإجهاض:
لنبدأ بتعليم الرسل الاثني عشر وبرنابا الذين يحرمان الإجهاض: يقول تعليم الرسل الإثني عشر: “لا تقتل مولودا بإجهاض أمه، ولا تقتله إذا ما خرج إلى الحياة.[4]
ورسالة برنابا تقول الشيء نفسه: “لا تقتل الجنين في بطن أمه، ولا تقتله بعد ولادته”.[5]
وفي أواخر القرن الثاني يقول المدافع أثيناغوراس: “الجنين في الرحم هو موضوع عناية الله. نحن نقول بأن النسوة اللواتي يجهضن هن قاتلات. وسيؤدين الحساب أمام الله”.[6]
وترتليان يقول: “القتل عندنا ممنوع بشكل مطلق، وحتى قتل الطفل في الرحم. فعندما يتم استقاء دم الأم لتكوين كائن بشري، لا يحل لنا تدميره. أن نمنع الولادة هو قتل سريع. لا فرق إن أودى بحياة مولود أو أدمر طفل على وشك الولادة. المرء من هو في صيرورته إنسانا. الثمر موجود في البذرة”.[7]
إقليمس الإسكندري عد الإجهاض مساويا لجريمة ضد البشرية. ووسع مفهوم مطابقة قانون الطبيعة. فالمولود وغير المولود هما من نماذج العناية الإلهية.
هناك عدة نقاط مهمة في كتابات الآباء الأولين:
1- غير المولود هو خليقة الله، أي كائن وشخص وقريب.
2- الإجهاض قتل وجريمة.
3- عقاب الله سيحل بأولئك الآثمين بسبب ممارستهم الإجهاض.
4- مقاومة الإجهاض جزء من الأخلاقية المسيحية الواسعة للحب وعدم العنف.
5- لا نجد تفريقاً في كتاباتهم بين الأجنة المكونة وغير المكونة وبين وجود النفس وعدمها.
6- رغم الاضطهاد الذي حل بالمسيحيين، فإنهم رفضوا أن يعتبروا غير المولود جزءا من جسد الأم. وبخلاف ذلك أعطوا أهمية كبرى لفاعلية الله في الرحم.
7- إن قداسة غير المولود اتخذ بعداً أعمق في ضوء المسيح. فالمسيحية تؤمن بأن الله صار جنيناً في رحم العذراء.
8- رفضوا الممارسة القاتلة لذوي النقص والعلة.
9- استخدموا حجة المحافظة على الأجنة كوسيلة لدحض القائلين بأن المسيحيين هم من أكلي لحوم البشر.
أما مينوسيوس فيليكس في أوائل القرن الثالث فقد جعل الإجهاض وقتل الأطفال على حد سواء.
ورسالة القديس باسيليوس الأولى إلى أمفيلوخيوس التي مرسلة تحت شكل تشريعي، يقول: “وتعد المرأة التي تأخذ عقارا للإسقاط قاتلة”[8]. والذهبي الفميعتبر المجهضات أسوأ من القاتلات.[9]
الذهبي الفم يفسر رأيه عن الإجهاض فيقول: “لا أعرف كيف أسميه، لأنه لا ينتزع حياة من يولد، ولكن يمنعه من الولادة. لماذا تشوه خليقة الله، وتحارب قوانينه، وتتبع اللعنة وكأنها بركة، وتجعل حُجرة الولادة حُجرةً للقتل، وتُعد المرأة المخصبة للقتل”.[10]
أما القانون 21 من مجمع أنقرة فينص: “قد حدد في قانون سابق أن تقطع الزواني اللواتي يجهضن الأطفال أو يصنعن العقاقير للإجهاض من الشركة حتى ساعة الموت. وقد وافق البعض على هذا. ومع ذلك فنحن نرغب في أن يعاملن ببعض الشفقة، ولذلك قد حددنا بان يقضين عشر سنوات في التوبة حسب الدرجات المذكورة”.[11]
القانون 91 من مجمع ترولو يردد الشيء نفسه فيقول “إن النساء اللواتي يعطين عقاقير لإسقاط الجنين واللواتي يأخذن السموم لقتل الجنين يقعن تحت العقاب”.[12]
وفي الغرب أدان اللاهوتيون الغربيون الإجهاض، لأن الجنين هو عمل الله وحده كما يقول لوثر.[13] وكلفن اعتبر كل إجهاض هو نوع من أنواع القتل المرعبة.
لتلخيص الموقف المسيحي علينا أن نؤكد ما يلي:
1- المسيحية اعتبرت غير المولود خليقة الله، كائناً متميزاً عن المرأة وإن عاش في أحشائها. (معمودية المرأة الحامل لا تعني معمودية الطفل، القانون 6 من مجمع قيصرية الجديدة).
2- المسيحية تؤكد قداسة الحياة الإنسانية ولاأخلاقية الإجهاض.
3- آمنت الكنيسة بأن غير المولود ذو شخصية قائمة بذاتها حتى لو أنه لم ينمو نموا كاملاً في الجسد.
4- الكنيسة لم تميز بين الكائن المكون وغير المكون، وبين المولود وغير المولود.
لا يمكن إتلاف الحياة عندما لا نريدها أو عندما تكون نوعية الحياة أدني من المعتاد. لذلك يجب أن تتعاطف الكنيسة مع غير المولودين وتهتم أيضا بمعالجة النساء اللواتي لا يردن الجنين ويسعين إلى الإجهاض.
الإجهاض في العصر الحديث:
في القرن التاسع عشر حرّمت العديد من الدول وسائل الإجهاض، وعلى الأخص الخطِر منها. ولكن في الفترة التي تمتد بين سنة 1920 و 1967 أباحت دولٌ أوربية الإجهاض المتعمّد، منها الاتحاد السوفياتي، والدول السكندينافية وبريطانيا وغيرها. إنّ نصف سكان الكرة الأرضية يعيشون في دول تتوفر فيها إمكانية الإجهاض. واليوم قامت بعض الحركات النسائية في العالم لتؤيد حرية المرأة في تقرير مصير الجنين. يقول B. Bonner إن القانون الروماني القديم الذي يعطي الأب سلطة الحياة والموت لغير المولود قد انتقلت في العالم الحديث إلى المرأة. ولذلك عد بعض المسيحيين بأن هذه الحركات النسائية تحاول أن تعيد الوثنية re-paganization إلى العالم المعاصر. إن اللاهوتيين الأخلاقيين المعاصرين يرفضون أن قرار الموت والحياة التي تتخذه الأم هو شرعي أو قانوني. تشريع الإجهاض هو في رأيهم خرق للمقاييس الأخلاقية، وتشجيع لعدم المسؤولية. فالحركات النسائية تدعو إلى اعتبار الإجهاض “حرية جنسية” معادلة لحرية الرجل. الحرية الحقيقية والمساواة تتمان في الاتحاد الروحي.
وفي الولايات المتحدة يدور الجدل في محكمة العدل العليا وتعطى البراهين من الجهتين لتبرير مواقفهما. وإليكم ما ورد في مرافعة أكثر من مائتي طبيب في عام 1972:
“عند التلقيح fertilization يتم خلق كائن جديد وفريد. ومع أنه يتلقى نصف الكروموزوم (المواد الصبغية) من أبيه والنصف الآخر من أمه يبقى مختلفاً عنهما. ومن سبعة إلى تسعة أسابيع تكون مئات الخلايا قد تكونت وعملية النسيج الحي implantation تبدأ. والخلايا الدموية تبدأ بالنمو بعد 17 يوماً والقلب ينبض بعد 18 يوماً. والجهاز القلبي الكامل يبدأ بعد 7 أسابيع. ويتابع التقرير بذكر كل التفاصيل الأخرى من الجهاز العصبي والعضلات وما هنالك. وهذا يدل على أن الحياة تبدأ عند التلقيح والإخصاب.
السؤال الأساسي المطروح أمامنا يحمل أبعادا قانونية وسياسية ومالية، ولكنه سؤال مناقبي في الدرجة الأولى وهو: هل الإجهاض خلقي أم لا، أي هل يمكن تبرير الإجهاض تبريراً خلقياً؟
ما هي اللاقحة Zygote:
للإجابة عن هذا السؤال المهم علينا أن نتعرف إلى اللاقحة أو الجنين أولا. فالكثيرون يسألون عن الوقت الذي يصبح فيه الجنين كائناً حيّاً. إن الأبحاث العلمية الحديثة أثبتت أن الجنين في الشهرين الأولين ينمو بسرعة هائلة لتتشكّل أعضاء الجسم البشري. فعلم الأجنة يؤكد أن البيضة الملقّحة تنقسم إلى مليارات الخلايا لتشكّل آخر الأمر جنين بشري تام الخلقة. وبعد الأسبوع الثامن من الحمل يتحلى الجنين بخاصتين:
1- ارتكاض الجنين في البطن بحيث أن ألام تشعر بحركة الجنين في مطلع الشهر الخامس.
2- قابلية الحياة عند الجنين خارج الرحم وهي تبدأ في الأسبوع الرابع والعشرين من الحمل.
3- من حيث علم الأجنة يبقى الجنين مختلفاً عن الأم.
وهكذا يقول علم الأجنة بأن الفرد موجود بكامل أعضائه على نحو غير تام، وإن كان الاكتمال يبرز في الفعل مرحلة بعد مرحلة.
4_ ومع أن اللاقحة لا تفكر أو تتواصل فهي كائن يحيا في أحشاء أمه.
إن المني والبويضة هما شكلان من أشكال الحياة، ولكن اللاقحة هي حياة انسانية.
الحجج المتبادلة بين المؤيدين للإجهاض والرافضين له:
يُطرح السؤال الخلقي المهم: “هل يحق للجنين أن يحيا؟”
يجيب أهل الخيار-أي مؤيدو حرية ألام- على النحو التالي:
– ليس للجنين حق الحياة على الإطلاق. ألام وحدها تملك الحق الخلقي في إجهاض الجنين في أي وقت كان ولأي سبب عندها. ما الجنين سوى تورم لحمي، أو نفاية بروتوبلازمية، أو مواد مشيجية تنمتي إلى ألام.
– للجنين حقّ الحياة بعد الشهر الخامس. الإجهاض يُبَرّر في المدة التي تسبق هذه المرحلة ويُحرّم بعدها.
– المعتدلون منهم يبرّرون الإجهاض لأسباب مستصوبة، ومنها الكثير في نظرهم.
– الإجهاض وسيلة من وسائل الحدّ من النسل. فالتطور المخيف في نسبة الولادات البشرية تشكل أزمة سكانية، لا تحل إلا بالإجهاض وتحديد النسل.
– إن القوانين التي تحرّم الإجهاض تتنافى وحقوق المرأة في أن تفعل ما تشاء في جسدها. آما تتنافى وممارسة الطب بمعناه الشخصي، بحيث أن العلاقة الطبية هي علاقة خاصة وسرية بين الطبيب والمريض. الدولة لا يحق لها التطفل والتدخل في الشؤون الطبية الخاصة.
– يجب تحليل الإجهاض لغير المتزوجات، لانّ وصمة العار تلحق بالشابات اليافعات.
– تحريم الإجهاض يؤدي إلى ولادة أولاد غير مرغوب في وجودهم، مما يؤثر سلباً على سيكولوجية الأهل.
– يجب تحليل الإجهاض في حالات الاغتصاب لما له من عواقب وخيمة على ألام.
– يجب تحليله في حالات تعرض ألام لخطر الموت، وفي حال وجود جنين مشوّه البنية أي في نمو مسخ في رحم المرأة.
أما الردّ على هذه الادعاءات فيمكن أن يتمّ على النحو التالي:
-يتعذّر تبرير الإجهاض تبريراً خلقيا، لأنه خرق لحق الجنين في الحياة. فمن حق كل كائن بشري، مولودا ًأكان أم جنيناً، أن يحيا حياته بملئها، بحيث تأخذ الطبيعة الإنسانية مجراها من دون أن يبيدها أحد أو يزيلها عن الوجود.
– الإجهاض ثورة على عمل الله وتدبيره الخلاصي للعالم والبشرية. وهذا ما يعرف بالكفر بالخالق blasphemia creatoris ولما كان الإنسان خلقة الله، يبرز إلى الوجود بالمشيئة الإلهية، ويُتمّ حياته بتدبير من خالقه، فالجنين هو خلقة الله في رحم المرأة، ووديعة تسلم إلى الأهل للحفاظ عليها. الإنجاب هو كالخلق، بل هو مشاركة فيه. ولذلك لا سلطان للبشر على نسمة الحياة، فكلّ ما يُطلب منا هو أن نصونها ونعززها.
– علينا أن نحسب الجنين قريبنا. فكما يجب أن نحبّ القريب كأنفسنا ونُعنى به هكذا يجب أن تكون مسئوليتنا مفعمة بالحب تجاه الأجنة، ومكللة بنكران الذات والتضحية.
– تحريم القتل هو القاسم المشترك بين المعتقدات الخلقية والدينية المتعددة. الإجهاض هو قتل الجنين سواء اكتمل أم لم يكتمل. إحلال السلام في المجتمع يتطلب نزع كل أنواع العنف والكره والعدواة تجاه كل كائن حي، بما في ذلك الطفل غير المولود. عندما نقاوم الإجهاض نحرر الأجنة من العنف الممارس ضدهم ونحرر ألام من العنف الممارس ضد جسدها.
– الحرية ليست مبرراً لارتكاب الإثم، بل إنها الوسيلة التي نتحرر بها من الإثم. الادعاء الذي يقول بالحرية الشخصية يجب ألا يكون بديلاً عن انقيادنا للمشيئة الإلهية. قديما، أعطت القوانين الرومانية السلطة للأب أن يقتل أفراد أسرته، وعلى هذا النحو يحاول التيار المعاصر أن يعطي هذا الحق للام وحدها. وفي الحالتين هناك ضلال وسوء استعمال للحرية الشخصية.
– العدالة تتطلب الدفاع عن حقوق المستضعفين، والفقراء والأبرياء. ولذلك تحتاج الأجنة المستضعفة إلى من يزود عنها ويدافع عن حقوقها.
– احترام الحياة الإنسانية واجب علينا لانّ كل بشر، مولودا أكان أم غير مولود، هو مخلوق على صورة الله. الحياة الإنسانية سيرورة نحو الخالق مستمرة. والجنين يملك تلك القوة التي إن سمحنا لها أن تكتمل بلغت التشبه بالله .
– القانون المدني يجب أن يوافق القانون الإلهي. ولذلك على القانون الخلقي أن يمنع قتل الأجنة، لأنه قتل للإنسان الحي.
بناء عليه، يجب أن نضع حدّا لهذه المجزرة الصامتة، وأن يسعى المؤمنون بالحياة البشرية أن يصوغوا التزامهم الاجتماعي والقانوني، وأن يرفعوا أصواتهم بالأصالة عن الأجنة الحية.
[1] الجمهورية 5
[2] السياسة 7، 41
[3] القوانين الخاصة 3، 108-109
[4] تعليم الرسل 2: 2
[5] برنابا 19: 5
[6] توسل إلى المسيحيين 35
[7] المنافحة 9
[8] القانون 8، الشرع الكنيسي ص 887
[9] رومية 4
[10] تفسيره للرسالة إلى أهل رومية 24
[11] الشرع الكنسي، ص 138
[12] الشرع الكنسي، ص 603
الأب ميشال نجم
 
قديم 20 - 07 - 2016, 03:06 PM   رقم المشاركة : ( 13590 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

نقرأ ونسمع فى هذه الأيام أن المسيحيون يُضطهدون ويُهجرون من ديارهم ويُقتلون فى أماكن متعددة من العالم، ويتبادر للذهن سؤالٌ هو: لماذا يسمح الله القدير بذلك؟ ألسنا نحن شعبه وغنم رعيته؟!.
للإجابة باختصار نقول: بمراجعة الكتاب المقدس وتاريخ الكنيسة، تتضح لنا الإجابة، وهى تتلخص فى الحقائق الآتية:-
1 ـ أن حياة الدنيا فانية، والبشر يعيشون فيها فترة قصيرة، فهم يدخلون الدنيا بالميلاد ولابد منها خارجون بالموت،



2 ـ الوطن الحقيقى للمؤمن المسيحى هو الملكوت السماوى هو الحياة الأبدية، "لأَنْ لَيْسَ لَنَا هُنَا مَدِينَةٌ بَاقِيَةٌ، لَكِنَّنَا نَطْلُبُ الْعَتِيدَةَ" (عب 13: 14)، "لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِيُّ، فَلَنَا فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اللهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ" (2كو 5 : 1)، والله يهمه خلاص الإنسان الأبدى.


3 ـ الشيطان عدو كل بر هو رئيس هذا العالم، "اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هَذَا الْعَالَمِ خَارِجاً" (يو 12 : 31)، "رَئِيسَ هَذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ" (يو 14 : 30)، "وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلأَنَّ رَئِيسَ هَذَا الْعَالَمِ قَدْ دِينَ" (يو 16: 11)، والشيطان وأعوانه دائماً يحسدون الأبرار ويضطهدونهم، وطبعاً الشيطان هو تحت سلطان الله رئيس الرؤساء وضابط الكل.


4 ـ المؤمنون بالسيد المسيح ليسوا من هذا العالم وفى نفس الوقت هم يعيشون الفرح الروحى والسلام القلبى، ويكونوا مواطنين صالحين فى كل وطن يتواجدوا فيه، يقدمون الخير والمحبة للجميع، ويشكرون الله على النعم التى يعطيها الله لهم، ولكن بدون الإتكال على المال أو أى شئ مادى آخر

5 ـ الإنسان إذا عاش حياة الراحة من كل ناحية فإنه فى الغالب ينسى الله وتعميه الشهوات والملذات وتنسيه ذكر الله، وتتسبب الخطية فى هلاكه الأبدى، "كيْفَ أَصْفَحُ لَكِ عَنْ هَذِهِ؟ بَنُوكِ تَرَكُونِي وَحَلَفُوا بِمَا لَيْسَتْ آلِهَةً، وَلَمَّا أَشْبَعْتُهُمْ زَنُوا وَفِي بَيْتِ زَانِيَةٍ تَزَاحَمُوا، صاروا حُصُنا معلوفة سائبة صهلوا كل واحد على امرأة صاحبه" (إر5 : 7،8)، لذلك فالضيقات للمؤمن لها فائدة روحية عظيمة، فهى كالدواء للمرض، فهى للتنقية من الخطايا بالنسبة للخاطئ بحثه على التوبة، وتكون للتذكية بالنسبة للبار،

6 ـ المكافأة التى تُعطى من الله لكل من يتألم لأجله، أو يحتمل ظلماً أو مرضاً أو حرماناً فى هذه الحياة القصيرة، خاصة لو قابل كل ذلك بالشكر، هى عظيمة جداً

7 ـ إن معظم المشاكل التى تحدث فى الأسرة الواحدة أو بين المسيحى وغيره، تنتج عن عدم تطبيق وصايا الإنجيل، فكم من مشاكل كان يمكن أن تُحل بروح المحبة والتسامح بالرجوع إلى رأى الكتاب المقدس، الذى قال: "وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضاً" (مت5 : 40)، وغيرها من الآيات، فيكون هذا بدلاً من تصعيد المشكلة، ولا مانع أن يطالب المسيحى بحقه بالطرق المشروعة، مع ثقته بأن "الإتكال على الرب خيرٌ من الإتكال على البشر، الرجاء بالرب خيرٌ من الرجاء بالرؤساء" (مز9:117)، ويجب أن تلجأ الكنيسة دائماً للصلاة، فمثلاً: حينما سَجن هيرودس الملك القديس بطرس الرسول وكان مزمعاً أن يقتله، ماذا فعلت الكنيسة؟، هل خرج المؤمنون فى مظاهرة عند قصر هيرودس يصنعون شغباً؟، لو فعلوا ذلك لأعطوا هيرودس الفرصة للتنكيل بهم، ولكن الذى فعلته الكنيسة لأجل القديس بطرس هو: أنها اجتمعت للصلاة بلجاجة عدة أيام بلياليها، فكانت النتيجة أن أرسل الله ملاكاً أخرجه من السجن المُحكم المُشدد (أع 12 )، لأن الله له طرق عجيبة فى حل المشكلات .


8 ـ السيد المسيح بموته وقيامته من الأموات أمات الموت، فأصبح الموت بالنسبة للمؤمنين بالسيد المسيح هو قنطرة أو كوبرى يوصلهم للأبدية، وقد أوصى الرب يسوع تابعيه أن لا يخافوا الموت وهذا معناه أن قتل المؤمنين بالمسيح لأجل ايمانهم بالمسيح هو أمرٌ ترحب به السماء، لأن مكافأة الشهيد عظيمة، والسيد المسيح نفسه مات مقتولاً على الصليب من الناس الأشرار، وكذلك معظم التلاميذ والرسل الأطهار وكثير جداً من البطاركة والأساقفة والكهنة والشمامسة والخدام، وعدد لا يحصى من المؤمنين من كل الفئات والأعمار الرجال والنساء فى كل بلدان العالم فى كل العصور، فلم يصبح الموت مخيفاً للمؤمنين لأنهم يختبرون وجود الله معهم فى آلامهم، وسيرة كثير من الشهداء تؤكد ذلك، وأصبح الموت لأجل الشهادة للرب يسوع المسيح هو شهوة لدى القديسين، بل نقرأ أن بعض الشهداء كانوا يذهبون بأنفسهم للحكام والولاة شاهدين للمسيح دون خوف من عذاب أو موت، نسأل الله القدير الذى أعان الشهداء فى كل زمان ومكان أن يعين شعبه الذى يتعرض للألم والاضطهاد فى هذا الزمان فى كل مكان له المجد دائماً أبدياً آمين .

 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 06:38 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024