منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11 - 07 - 2016, 06:44 PM   رقم المشاركة : ( 13451 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

Be thankful to God for everything

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
St. Peter of Damaskus is one of the most prolific writers in the “Philokalia.” Of all the many texts in this marvelous collection of spiritual works, St. Peter’s works are perhaps the most accessible and understandable for monks and non-monks alike.
We ought all of us always to give thanks to God for both the universal and the particular gifts of soul and body that He bestows on us. The universal gifts consist of the four elements and all that comes into being through them, as well as all the marvelous works of God mentioned in the divine Scriptures. The particular gifts consist of all that God has given to each individual.
These include –
  • wealth – so that one can perform acts of charity;
  • poverty – so that one can endure it with patience and gratitude;
  • authority – so that one can exercise righteous judgment and establish virtue;
  • obedience & service – so that one can more readily attain salvation of soul;
  • health – so that one can assist those in need and undertake work worthy of God,
  • sickness – so that one may earn the crown of patience;
  • spiritual knowledge & strength – so that one may acquire virtue;
  • weakness & ignorance – so that, turning one’s back on worldly things, one may be under obedience in stillness and humility;
  • unsought loss of goods and possessions – so that one may deliberately seek to be saved and may be helped when incapable of shedding all one’s possessions or even of giving alms;
  • ease & prosperity – so that one may voluntarily struggle and suffer to attain the virtues and thus become dispassionate and fit to save other souls,
  • trials and hardship – so that those who cannot eradicate their own will may be saved in spite of themselves, and those capable of joyful endurance may attain perfection.
All these things, even if they are opposed to each other, are nevertheless good when used correctly; but when misused, they are not good, but are harmful for both soul and body.
G. E. H. Palmer, Philip Sherrard, and Bishop Kallistos Ware, “The Philokalia: vol. III,” (London: Faber and Faber, 1984), pp. 172 – 173.
 
قديم 11 - 07 - 2016, 06:54 PM   رقم المشاركة : ( 13452 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الغني الغبي

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الغني الغبي
«وَقَالَ لَهُ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمْعِ:
يَا مُعَلِّمُ، قُلْ لأَخِي أَنْ يُقَاسِمَنِي الْمِيرَاثَ.
فَقَالَ لَهُ:
يَاإِنْسَانُ، مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِيًا أَوْ مُقَسِّمًا؟
وَقَالَ لَهُمُ:
انْظُرُوا وَتَحَفَّظُوا مِنَ الطَّمَعِ، فَإِنَّهُ مَتَى كَانَ لأَحَدٍ كَثِيرٌ فَلَيْسَتْ حَيَاتُهُ مِنْ أَمْوَالِهِ.
وَضَرَبَ لَهُمْ مَثَلاً قَائِلاً:
إِنْسَانٌ غَنِيٌّ أَخْصَبَتْ كُورَتُهُ، فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قَائِلاً:
مَاذَا أَعْمَلُ، لأَنْ لَيْسَ لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ أَثْمَارِي؟
وَقَالَ: أَعْمَلُ هذَا:
أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ، وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَّلاَتِي وَخَيْرَاتِي، وَأَقُولُ لِنَفْسِي:
يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي!
فَقَالَ لَهُ اللهُ:
يَاغَبِيُّ! هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟
هكَذَا الَّذِي يَكْنِزُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ غَنِيًّا ِللهِ»

(لوقا12: 13 21).
*
الإنسان والطمع
في البداية يحذِّرنا الرب من الطمع؛ لأنه يؤدّي إلى الانقسام والخصام في البيوت والعائلات، وخاصة عند تقسيم الميراث. ولخطورته يقرنه الكتاب بالنجاسة :
(أفسس4: 19)،
ويصف من يمارسونه بأولاد اللعنة :
(2بطرس2: 14)،
ويعرِّفه بعبادة الأوثان :
(كولوسي3: 5).
فليت بيوتنا وحياتنا تخلو من هذا الوباء، ويكون بيننا من هم كإبراهيم عند حدوث التقسيم، ويقول للطماع (لوط):
«لاَ تَكُنْ مُخَاصَمَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَكَ،... لأَنَّنَا نَحْنُ أَخَوَانِ.(ويدعه يختار)... إِنْ ذَهَبْتَ شِمَالاً فَأَنَا يَمِينًا، وَإِنْ يَمِينًا فَأَنَا شِمَالاً»، ومن يفعل هكذا سيعطيه الرب ميراثًا لا يتوقعه على الأرض
(اقرأ تكوين12؛ 13)،
وفي الأبدية ميراثًا :
«لِمِيرَاثٍ لاَ يَفْنَى وَلاَ يَتَدَنَّسُ وَلاَ يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لأَجْلِكُمْ، ».
(1بطرس1: 4)
والطماع لن يهنأ بالميراث الأرضي ولن يرث ملكوت الله
(1كورنثوس6: 10).
والآن لنتأمل هذا المثل ونرى فيه غباء الإنسان في موقفه من الله ومن نفسه ومن المال.
*
الإنسان والله
« قَالَ الْجَاهِلُ فِي قَلْبِهِ: «لَيْسَ إِلهٌ».
(مزمور14: 1).
وإن كان هذا الغني لم يصل به الأمر إلى الإلحاد الظاهر بإنكار الله، لكنه عاش الإلحاد بنكران سلطان الله وعطاياه؛ إذ نسي أنه هو الذي يعطي الإنسان نفسًا وروحًا وجسدًا، ويعطيه قوة لاصطناع الثروة. ويعطي للأرض المطر والشمس لتنبت عشبًا وبقلاً:
« لأَنَّ مِنْهُ وَبِهِ وَلَهُ كُلَّ الأَشْيَاءِ. »
(رومية11: 36).
لكنه نسي الله ولم يذكره مرة واحدة.
*
الإنسان والمال
المال والثروة في حد ذاتهما ليسا خطأ ولا غبار عليهما، فالله الذي سمح بوجود الفقراء أعطى الغنى لآخرين، وهم بسخاء يعطون للمحتاجين. ولكن الخطورة في شهوة الاقتناء التي لا تعرف الشبع أو الامتلاء، والتي يستخدمها الشيطان ومن خلالها يقود الإنسان لطرق غير مشروعة كالسرقة والتزوير والهجرة غير الشرعية والتي نهايتها الهلاك. ولذا كتب الرسول بولس:
«لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ (وليس المال)
أَصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ، »
(1تيموثاوس6: 10).
*
الإنسان والتمحور حول الذات
لقد أعمى المال عينيه فنسي الله الذي أعطاه، ونسي الآخرين فلم يٌعطِهم، ولم ينشغل إلا بنفسه التي أشار إليها بضمير المتكلم “ياء المتكلم” 17 مرة:
«نفسي، مخازني، أثماري، غلاتي...»
ولهذا قال له الله:
يا غبي! وإليك بعض أوجه الغباء:
*
غبي لأنه اعتقد أن نفسه ملكه، ولم يعلم أنها ملك لمن أعطاها له:
« هَا كُلُّ النُّفُوسِ هِيَ لِي. نَفْسُ الأَبِ كَنَفْسِ الابْنِ، كِلاَهُمَا لِي.»
(حزقيال18: 4).
*
غبي لأنه ظنَّ أن المال يضمن له كل شيء حتى العمر الطويل، ونسي أن الحياة أشبار وبخار، وأنه كخيال يتمشى الإنسان.
*
غبي لأنه فكَّر أنه بماله سيأكل ويشبع ويشرب ويرتوي، ولكن هيهات!
فعن أمثاله قال الرب:
«فَيَأْكُلُونَ وَلاَ يَشْبَعُونَ،»
(هوشع4: 10)،
وأيضًا:
«كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا.»
(يوحنا4: 13)،
ولهم قال:
« مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا.»
(يوحنا6: 35).
*
غبي لأنه فكَّر أن أمواله ستعطيه الراحة والفرح، ونسي الرب الذي قال:
«وَأَنَا أُرِيحُكُمْ.»،
والكتاب الذي قال:
«اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ،».
*
غبي لأنه لم يختَر المكان الصحيح للاحتفاظ بثروته ونسي العمل بوصية الرب:
«لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ، وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ . بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزًا فِي السَّمَاءِ،... لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضًا. »
(متى6: 19-21).
والنتيجة أنه وجد القبر لا المخازن، والعذاب لا الأفراح.
*
دروس للنفوس
بإمكاننا أن نجعل المال إمَّا خادمًا أو سيدًا؛ فهو خادم لمن يستخدمه لمجد الرب ولخير الآخرين، أو كما قال الرب:
«اصْنَعُوا لَكُمْ أَصْدِقَاءَ بِمَالِ الظُّلْمِ،»
(لوقا16: 9).
وسيد شرير لمن يُستَعبد له ويخدمه وفي النهاية يكون سبب هلاكه.
*
لا يستطيع أحد، عند الموت، أن يأخذ أمواله معه. ولكنه يستطيع أن يجعلها تسبقه. قال الحكيم:
«فَكَرِهْتُ كُلَّ تَعَبِي الَّذِي تَعِبْتُ فِيهِ تَحْتَ الشَّمْسِ حَيْثُ أَتْرُكُهُ لِلإِنْسَانِ الَّذِي يَكُونُ بَعْدِي ...
هذا أيضًا باطل»
(جامعة2: 18).
*
هناك فارق بين الطمع والطموح. فالاجتهاد في الحياة مطلوب:
«أَرَأَيْتَ رَجُلاً مُجْتَهِدًا فِي عَمَلِهِ؟ أَمَامَ الْمُلُوكِ يَقِفُ.»
(أمثال22: 29).
أما الطمع فهو حب المزيد من المال والممتلكات واشتهاء ما للغير:
«مَنْ يُحِبُّ الْفِضَّةَ لاَ يَشْبَعُ مِنَ الْفِضَّةِ، وَمَنْ يُحِبُّ الثَّرْوَةَ لاَ يَشْبَعُ مِنْ دَخْل.»
(جامعة5: 10).
*
أخيرًا أدلك، صديقي القارئ، على أمرين:
-1-
إن كنت تريد الغنى تعالَ للرب يسوع الذي قال:
« عِنْدِي الْغِنَى وَالْكَرَامَةُ. قِنْيَةٌ فَاخِرَةٌ وَحَظٌّ. »
(أمثال8: 18)!
-2-

وإن كنت غنيًّا وتريد استثمارًا مضمونًا لأموالك؛ فيوجد حساب جارٍ، أرباحه 100 ضعف على الأرض وفي النهاية حياة أبدية؛ إنه بيوت الأرامل، وأفواه الأطفال الأيتام، واحتياجات الفقراء، وعمل الرب عمومًا.
{معين بشير}
* * *
يارب أشكرك أحبك كثيراً...
بركة الرب لكل قارئ .. آمين .
وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين

يسوع يحبك ...

 
قديم 11 - 07 - 2016, 06:57 PM   رقم المشاركة : ( 13453 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

صلاه الصلح - تأملات في القداس الإلهي


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



بعد تلاوه قانون الإيمان .. نبدء في صلاه الص
وصلاه الصلح نبدء بها قداس المؤمنين ،دلاله علي أن المؤمنين هم من ذاقوا الصلح مع الله فعلا ، وكيف يمكن لإنسان غير مصطلح مع أخيه أن يصطلح مع الله ، كيف يمكن لأنسان لا يحب أخيه الذي يراه أن يحب الله الذي لايراه ، لذلك رتبت الكنيسه أن يحرم من التناول كل من في حاله خصومه مع أحد (راجع مثل العبد الي لا يغفر مت 18 : 23 -27 ).

يقول الكاهن: يا الله العظيم الأبدي الذي جبل الإنسان على غير فساد والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس هدمته بالظهورالمحيي الذي لإبنك الوحيد الجنس ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح وملأت الأرض من السلام الذي من السموات هذا الذي أجناد الملائكة يمجدونك به قائلين: المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة.
يصلي أبونا وهو يتذكر أن الله خلقنا غير فاسدين لنحيا معه ، والفساد بالخطيه الذي ظهر فينا أنتصر الله عليه وصالحنا معه بتجسد ابنه الوحيد يسوع المسيح مخلصنا .
والصلح الذي عمله الله علي الأرض بتجسده جعل الله الأرض ملائنه سلام مثل السلام الذي في السماء ، ونتذكر هنا فرحه و تسبحه الملائكه عند ميلاد المسيح " المجد لله في الأعالي ...." لو 2 : 14 .


الشماس: صلوا من أجل السلام الكامل، والمحبة، والقبلة الطاهرة الرسولية.
ويرد الشماس ويقول صلوا لأجل أن يكون سلام في كل مكان و محبه طاهره بين الناس ، كما سلمنا الأباء الرسل طقس القبله المقدسه .


الشعب : يا ربُ إرحم.
يشارك الشعب في الصلاة فيقول: يارب إرحم .


يكمل الكاهن : بمسرتك يا الله إملأ قلوبنا من سلامك وطهرنا من كل دنس ومن كل غش ومن كل رياء ومن كل فعل خبيث ومن تذكار الشر الملبس الموت وإجعلنا مستحقين كلنا يا سيدنا أن نقبل بعضنا بعضًا بقبلة مقدسة لكي ننال بغيروقوع في دينونة من موهبتك غير المائتة السمائية بالمسيح يسوع ربنا.
يكمل أبونا صلاته لأجل أن يملئنا الله من سلامه و يطهرنا من كل خطيه وكل خبث ، و أن يجعلنا مستحقين أن نقبل بعضنا بالقبله المقدس لكي نأخذ مواهب الله السمائيه دون الوقع في دينونه .


هذا الذي من قبله المجد والكرامة والعزة والسجود تليق بك معه مع الروح القدس المحيي المساوي لك الآن وكل أوان وإلى دهر الدهور آمين.
ثم يسبح أبونا الله قائلا : لك المجد و الكرامه و العزه والسجود مع المسيح يسوع ربنا و الروح القدس .


يقول الشماس: قَبِّلوا بَعضَكُم بَعضًا بقبلةٍ مقدسة يا ربُ ارحم يا ربُ ارحم يا ربُ ارحم. نعم يا ربُ الذي هو يسوعُ المسيحُ ابنُ الله الحي إسْمَعنا وإرحمنا. تَقَدَّموا على الرسمِ قِفوا بخوفٍ ورعدَةٍ، وإلى الشرقِ انظروا، نُنصِتْ.
ثم يطلب الشماس من الشعب أن يبرهن عن محبته لأخواته في الكنيسه و يقبلهم بالقبله التي تسلموها من الأباء الرسل ، وما أعظم هذا الطقس عندما يدرك واحد من الشعب عذوبه الصلح مع الله ويذهب لأخيه المتخاصم معه ليقبله و يسبحان الإثنان بسر النصره علي الشيطان بقوه تجسد الله الكلمه ، فيصلي و يسبح الشماس يارب إرحم يارب ..... ، ثم يطلب منهم أن يقتربوا للأمام لأنه بالصلح و المحبه يسمح الله أن نقترب منه أكثر ، و كأن عدم محبتنا و إحتمالنا لأخواتنا يمنعنا من نعمه الصلح مع الله .


ثم يطلب الشماس أن نعود للنظام و ننظر للشرق وننصت لإستكمال الصلاه .

نترككم مع صلاه الصلح


 
قديم 12 - 07 - 2016, 06:12 PM   رقم المشاركة : ( 13454 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

رسالة حب

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

لقد كتب لك الله رسالة حبّ... رسالة رجاء وشفاء خُطّت بيد خالقك ومبدعك، هو ليس ببعيد وليس بإله غضوب لكنه أقرب إليك مما تتخيّلين. نحن ندعوك لكي تقرأ هذه الرسالة... وتكتشف عمق محبة الله لك.
الكلمات التي سوف تختبرها الآن هي حقيقية. سوف تغيّر حياتك إن أنت سمحت لها بذلك. لأنها من عمق أعماق قلب الله الآب. هو يحبك، فهو الأب الذي كنت تبحثين عنه طوال أيام حياتك.
هذه رسالة حبهِ لك...
يا ابني...
ربما أنت لا تعرفني، لكنني أعرف كل شيء عنك... أعرف متى تجلس ومتى تقوم... أعلم كل طرقك... حتى أنّ شعر رأسك معدود... لأنك خُلقت على صورتي... فيّ تحيا، تتحرك وتوجَد... لأنك ذرّيتي ... عرفتك قبل أن أشكّلك في الرحم... اخترتك قبل تأسيس العالم... أنتَ لستَ غلطة، لأنّ كل أيامك مكتوبة في كتابي... حدّد موعد ولادتكِ وأين ستقيم... أنت مصنوع عجباً وروعة... نسجتك في بطن أمك... وأخرجتك يوم وُلدت... أسيء تمثيلي من قِبل الذين لا يعرفونني... لستُ بعيداً وغاضباً، بل أنا التعبير المُطلَق للحب... ورغبتي أن أسكب محبتي عليكِ فقط لأنك ابني ولأنني والدك... أعطيك أكثر مما يستطيعه أبوك الأرضي... لأنني الآب الكامل... كل هدية صالحة تنالها تأتي من يدي... لأنني أؤمن وأسدّد كل حاجاتك... أفكاري تجاهك لا تُحصى كرمل الشاطئ... يتغنّى فرحاً بك... لن أتوقف عن صنع الخير لك... لأنك ملكيتي الثمينة... أرغب أن أغرسك بكل قلبي وبكل نفسي... إن طلبتني من كلّ قلبك تجدني... تلذّذ فيّ وسأعطيك شهوات قلبك... لأنني مشجّعك الأعظم... أنا أيضاً الآب الذي يعزّيك في كل مشاكلك... عندما تكون محطّم القلب، أكون قريباً منك... كما يحمل الراعي الحمل، حملتك قريباً لقلبي... يوماً ما سأمسح كل دمعة من عينيك وسأزيل كلّ ألم عانيته على هذه الأرض... أنا أبوك، وأحبك كما أحبّ ابني يسوع... هو التمثيل التامّ لجوهري... أتى ليُبرهن أنني لك، لا ضدّك... وليقول لك أنني لستُ أعدّ خطاياك... مات يسوع لكي نتصالح أنت وأنا... كان موته التعبير المُطلَق عن محبتي لك... تخلّيتُ عن كل شيء أحببته كي أنال حبّك... إن نلت عطية ابني يسوع نلتني... ولم يفصلك أيّ شيء عن محبتي فيما بعد... تعال إلى المنزل وسأقيم أكبر حفلة رأتها السماوات أبداً... لطالما كنتُ أباً، وسأكون دائماً أباً... سؤالي هو... هل ستكون ابني؟
... أنا أنتظرك
مع حبي والدك القدير
 
قديم 13 - 07 - 2016, 04:46 PM   رقم المشاركة : ( 13455 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

على مَن تحلّ نعمة الله؟


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لمـَن تزقزق العصافير؟
على مستقيم القلب!. مَن هو مستقيم القلب؟ مَن لا يحتضن نيّة سيِّئة تجاه أحد!. لا ظنًّا ولا خداعًا ولا استغلالاً ولا إلغاء!. مَن لا يظنّ السّوء في سواه لا يمكنه إلاّ أن يرى فيه خيرًا!. ولا يمكنه أن يتظاهر بالخير لأنّه غريب عن الخداع!. ولِمَ لا يَخدع؟ لأنّه لا يروم استغلال أحد!. ليس ثمّة مَن يخدع لأجل الخداع!. وهو ليس في وارد استغلال الغير لأنّه يربأ بنفسه أن يلغيهم!. إلغاء الآخرين هو في عمق كلّ ظنٍّ سيّء بهم، وهو أساس العمل على خداعهم، ومآل استغلالهم!. ثمّ إلغاء كلِّ أحد مؤشّرٌ لتأليه الذّات!. فمَن ألّه ذاته ما أحبّ، حتّى العشق، إلاّها!. ومَن عشق نفسه ألغى، في العمق، ما عداها!. كلٌّ، إذ ذاك، يصير تهديدًا، وكلّ يُتعاطى عدوًّا!. تأليه الذّات أحديٌّ حتّى العزلة الكاملة والموت!. وجود عدميّ!. وجود يتوق إلى ذروة العدم!. انحرافٌ أقصى!. لذّته في الموت وإحداثِ الموت!. كلُّه وهمٌ وإيهام!. كلُّه كذب!. كلُّه خطيئة!. لذلك يمجّ سواه ويموت في خطيئته!.
أمّا استقامة القلب فبذرتها الاتّضاع!. لا تأتي، في العمق، إلاّ من تواضع!. التّواضع، في القلب القويم، يبدأ انعطافًا صوب الآخرين!. والانعطاف يشقّ طريق الصّدق!. والصّدق يُنتِش الخير!. والخير يُفرِع حفظ الأمانة!. وحفظُ الأمانة يُبرعِم البذلَ!. والبذل يُزهِر الوداد!. والوداد يُثمِر الحبّ!. وبالحبّ تُجنَى العِشرةُ!. وبالعشرة تُبلَغ الصّداقة!. ومن ثَمَّ، على الصّداقة تنزل الألوهة!. وكان أن كلَّم الرّبّ الإله موسى كما يكلِّم الصّديق صديقه!. التّواضع، متى اكتمل، رَفَع، والألوهة، متى استقرّت في متواضعي القلوب، أفرغت ذاتها وأخذت صورة عبد!. في التّواضع، أبدًا، توقُ ألوهةٍ في الحقّ، وفي الألوهة عَبَقُ محبّةٍ حتّى البذل الكامل للذّات!. وأحبَّ الله العالم حتّى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كلُّ مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبديّة!. إله ينزل وإنسان يصعد على سلّم الاتّضاع!. يعقوب تكلّم!. والدة الإله حكت!. لأنّه نظر إلى تواضع أمته، فها منذ الآن تطوِّبني جميع الأجيال!. والرّبّ يسوع كرّس!. تعلّموا منّي فإنّي وديع ومتواضع القلب!.
لا تقول استقامة القلب في الحقّ باطلاً ولا في الباطل إنّه حقّ!. هي الاستقامة تعلّم وترسِّخ الاستقامة!. لذا تحفظ الأمانةَ، تلقاءً، في زمن اليسر؛ ومتى اشتدّت الأحوال تشدّدت وتثبّتت؛ ومتى بلغت في الشّدّة حدَّ الاختناق جاهد مَن هي عروسَه حتّى الموت وما ارتدّ!. يصير اسم صاحبها الحقّ أمينًا!. فبعدما يقال له: لا تخف البتّة ممّا أنت عتيد أن تتألّم به، يقال له: كن أمينًا إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة!. ثمّ متى جاهد وثبت وغلب يقال له: كنت أمينًا في القليل فأقيمك على الكثير، ادخل إلى فرح ربّك!.
على هذا، لا تدّعي استقامةُ القلب ما ليس فيها!. تعترف، بلا تردّد، صراحةً وبلا مراوغة، بأنّها لا تعرف إذا ما كانت من غير العارفين!. هذا لا يكدِّرها!. العكس يكدِّرها!. لا كرامة لها في ادّعاء ما لا تعرف!. كرامتها في أن تبقى إيّاها، في الظّاهر وفي الخفاء، أمام الله، أوّلاً وأخيرًا، وأمام النّاس حيثما دعت الحاجة والبنيان!. في هذا الإطار، تبادر، بسرعة، إلى الاعتراف بخطئها متى أخطأت!. لا تقبل الاستقامةُ الزّغل!. تمجّه وتلقيه خارجًا، كما يمجّ الجسد كلّ غريب عن نسيجه ويطرحه بعيدًا!. لا ترتاح الرّغبةُ الحقُّ في استقامة القلب، إلاّ للنّقاوة!. النّقاوة، إذ ذاك، تمسي مطلَبًا متطلِّبًا لا يَقبل الإشراك، حاجةً أحشائيّة، حاجةَ الجسد إلى الماء!. إذ ذاك تسكن الاستقامةُ في القلب قريرةَ العين كالطّفل في حضن أمّه!.
ولا تعترف الاستقامةُ بالزّلل وحسب، أي لا تدفع صاحبَها، فقط، إلى الاعتراف بالزّلاّت؛ تسأل، بالأكثر، العفو بانكسار، ولا تستكين حتّى تحظى به!. مغفورة لك خطاياك!. اذهب ولا تعُد تُخطئ بعد!. أعظم القول لديها أن تبادر بالطّلب: سامحني!. لا تفسِّر ولا تبرِّر!. وِقفة المستعفي بصمتٍ وخشعةٍ، مطأطئ الرّأس، أبلغُ الكلام!. حتّى إن ظُلمتَ تَحسبُ نفسَك مستأهِلاً ولا تدافع عن نفسك!. تأخذ على عاتقك ما تُرشَق به بفرح، ككسب، تكفيرًا عن بادرات سابقات منك فاتتك ملاحظتُها، وتخفيفًا عن العالم أحمالَه، إحقاقًا لشركة المحبّة، وتمثُّلاً للقول السِّيّديّ أن احملوا بعضكم أثقال بعض، وهكذا أتمّوا ناموس المسيح!. مسيحك جعلك، نظيرَه، بالمحبّة، شريكًا في حمل خطايا الآخرين، دون أن تكون شريكًا فيها، حتّى يكون للآخرين بك، كامتداد لتدبير ربِّك، خلاص!. لذا لا تَصعد الاستقامة إلى فوق وحسب، بل تنعطف، في آن، على العالمين، تمدّ قلب الإله!. مؤشِّرُ أنّها أصيلة إلى ربّها، حَرْقتُها، بخاصّة، على الضّالين، وتوسّلُها من أجل “أن يعرفوك أنت الإله الحقيقيّ وحدك وابنك يسوع المسيح”!!.
هل الاستقامة، استقامة القلب، نعمة؟ كيف تكون، إذ ذاك، نعمة، ولاستقامتها تحلّ عليها النّعمة؟.
هي نعمةٌ، أوّلاً، لأنّه لا تُقتنى النّعمةُ إلاّ بالنّعمة!. ماذا يعني ذلك؟ نحن بالنّور نعاين النّور، بالرّوح نأخذ روحًا!. هي النّعمة المؤازرة تقدِّمنا إلى الله، لأنّ الإنسان الطّبيعيّ، على قولة بولس الرّسول، لا يقبل ما لروح الله!. غير أنّ النّعمة المؤازرة لا تحابي!. كلٌّ برسم النّعمة!. أمّا آخذُها فالمشتاق إليها، فطالبُها، فالملحّ في طلبها!. كلٌّ، في العمق، مفطور على طلب النّعمة!. الطّبيعة، تلقاءً، مشدودةٌ، من داخلها، في ناموسها، إلى الشّمس الحسّيّة؛ والطّبيعة البشريّة إلى الشّمس العقليّة!. الخطيئة غيوم سوداء تتكثّف وتحول بين العين والمعاينة، لكنّها قلّما تحجب النّور الإلهيّ بالكامل!. فكلّما تاقت النّفس إلى المعالي، أو أنّت العون الإلهيّ، نفخ الشّوقُ الغيمَ، كريح من الرّوح، يمينًا ويسارًا لتستبين زُرقة الفلك ويسطع البهاء!. ليس غيرُ بلادة القلب ولا مبالاتِه تُبقيان الخطيئةَ رابضةً كالطّود في أفق القلب!. فإن انتفض القلب وارتجّ سؤْلاً للنّور أو وجعًا، وهو منه وإليه، فإنّ القلبَ والنّورَ، إذ ذاك، يشلِّعان بنيان الظّلمة!. وإن ثبت القلبُ وثابر، انجَلتْ آفاقُ الكيان بالكامل، وانسكب النّور، وحلّت النّعمة، بلا حرج، وبلا عائق، لتستقرّ في القلب!. توقُ روحِ الله إلى قلب الإنسان، من كَونِ قلب الإنسان مبروءًا ليستودع في ذاته روحَ الله!. الّذي بَرَأنا ثمّ سقطْنا، يُبرئنا بالنّعمة ليخلِّصنا!.
إذًا، الكلّ مدعو إلى النّعمة، وبرسم مؤازرة النّعمة!. تعالَوا!. يشاء ربُّك أنّ الجميع يخلصون وإلى معرفة الحقّ يُقبِلون!. الأمر رهن بكيان ينفتح على الله أو لا ينفتح!. بقلبٍ كالحيتان تعود إلى الموضع الّذي خرجت منه – رحلة آلاف الأميال – لا لتموتَ حيث وُلدت، بل لأنّ حركة الكيان هي، أبدًا، إلى الحضن الأوّل، إلى الحبيب الأوّل، إلى حيث انقدحت الحياة أوّلاً، إلى ملء الحياة!. لا يرتاح القلب إلاّ في النّعمة، في الله، لأنّه إليه أبدًا!. بِلاها يقيم في اضطراب!. حتّى في السّيكولوجيا، اكتشفوا أنّ حركة الآدميِّين، في توتّرات تفاصيل العمر، هي إلى الحشا!. والعودة إلى الحشا، ولو استبانت، في عالم السّقوط، موتًا، فإنْ هي، في عمقها، سوى توق إلى استعادة ملء الحياة الضّائعة!. الّذي قال: في يدَيك أستودع روحي، قام في اليوم الثّالث!. إنّما الحشا، في آخر المطاف، رَحِمُ الله، اللهُ عينُه!. الله رحِمٌ لأنّه محبّة!. لذا مُقامُ الخليقة حشاه!. في السّقوط يَخرج الإنسان من الحشا، وبالتّوبة يستقرّ فيه إلى الأبد!. وإنّما الحشا والقلب في الله واحد!.
لمَن تزقزق العصافير، إذًا؟ للشّمس متى طلعت!. لجدّة الحياة متى أشرقت!. في العتمة تنام… نومة الموت!!.
الأرشمندريت توما (بيطار)
 
قديم 13 - 07 - 2016, 04:56 PM   رقم المشاركة : ( 13456 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

أحد الإبن الشاطر

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

باسم الآب والإبن والروح القدس آمين.
سمعتم أيها الأحباء هذه القصة قصة الإبن الشاطر الذي ابتعد عن أبيه ثم تاب وعاد إليه سالماً. موضوع هذه القصة يتمحور حول التوبة، الذي هي (أي التوبة) صلب هذا الصوم المبارك الآتي إلينا بخير، وهي موضوع الحياة كلّها.
نحن المسيحيين إذا كنا نعرف مسيحيتنا وإنجيلنا وإيماننا نتعلم أن معنى هذه الحياة، كامنٌ في ما كشفهُ لنا الرب يسوع هو في هذا السرّ، سرّ الموت والحياة! الذي يتأمل في هذا السرّ يجدُ معنى لحياته كُلِّها. هو سرّ محبة الله هذا ما يقوله آباؤنا القديسون.
وما معنى الموت والحياة؟ الإنتقال من الموت إلى الحياة يُدعى التوبة.لذلك وُضع الصوم، لكي نحاول أن ننتقل من الموت إلى الحياة الحقيقية، الموت بمعناهُ العميق والكامل ليس فقط الموت الجسدي، الكنيسة تُسمّي الموت الجسدي رقاداً، نوماً. الإنسان المؤمن لا يموت ينتقل من هذه الحياة إلى الحياة الأبدية، هذا هو إيماننا.
*****
الإبن الشاطر ترك والدهُ وذهب يعيش بحريته. وهذا هو اليوم منطق الإنسان المعاصر، الحضارة اليوم تقول أن كل واحد في العالم يريد أن يعيش حسب حريته أن يستقلّ! هذا الولد الطائش وكلنا نمرّ بهذه التجربة، أي أن نعيش حسب هوانا، حسب شهواتنا، ندخل في الموت لأننا نبتعد عن محبة أبينا، عن محبة الله ومحبة الآخرين. نُعبد أنفسنا، نحب فقط أنفسنا هذا ما فعله الإبن الشاطر وذهب آخذاً حريتُه وتلذّد بكلِّ ما عنده من شهوات، عندما جاع وفقد حنان أبيه عند ذلك يقول الإنجيل رجع إلى نفسه رجع إلى الحقيقة إلى الواقع تذكّر محبة أبيه، تذكر كل ما كان يعيش فيهِ من حنان، من محبة، منإلفة، من تضحية، رجع واعترف بخطيئته، فالخطيئة هي الإبتعاد عن الله هذا هو الموت.
رجع إلى أبيه يقول الإنجيل لأنه كان ميتاً فعاش، هل كان ميتاً بحسب الجسد؟ لا، كان ميتاً بحسب خطيئته بسبب هذه المرارة الذي كان يعيشها، رجع وعاش من جديد عندما اعترف بخطيئته.
الإنسان العظيم هو الذي يستطيع أن يعترف بخطئتهِ، عند ذلك يتوب. هذه هي التوبة أن يعود إلى أبيه وأن يعود إلى هذا الفرح الأبوي وعند ذلك ينعَم بكلُ ما أعطاهُ أبوه.
*****
هذا هو معنى الصوم الذي ندخلُ فيهِ لكي نبتعد عن شهواتنا ونكتشف ونعود إلى محبة الله، إلى محبة الآخرين نخرج من ذواتنا وعند ذلك يرفع الإنسان من محبة هذه الأرض ويتعالى لكي يكتشف محبة الله وعند ذلك نصل إلى العيد عيد الفصح ونكتشف قيامتنا من الخطيئة من الذلّ من الموت، لا نعود نخاف من أي شيء يحصل في هذه الدنيا وننعم بفرح الرب وبقيامته آمين.
المطران أفرام (كرياكوس)
 
قديم 13 - 07 - 2016, 05:07 PM   رقم المشاركة : ( 13457 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

تعليم القديس سلوان الآثوسي في الرّوح القدس
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أوّلاً: ملحوظات عامّة[1]
• الملحوظة الأولى
لا بدّ من القول إنّ القدّيس سلوان نفسه لم يُحَبِّذ المعرفة النظريّة المجرّدة أي المعرفة كمعلومات. فمن خلال نصوصه، يمكننا أن نستشفّ المبدأ الّذي نَشأَتْ عنهُ العقائد الكنسيّة. وليس هذا المبدأ ثمرة تأمّل نظريّ بحت، أو خلاصة استنباطات فلسفيّة معقّدة، إنّما هو معرفة إختباريّة بالدّرجة الأولى. فقدّيسنا لا ينفكّ يشدّد على أنّ معرفة الله تأتي بوساطة الرّوح القدُس: “لا يمكننا أن نعرف الله إلاّ بالرّوح القدس. أمّا الإنسان المتكبّر الّذي يبغي أن يعرف خالقَه بعقلِه، فأعمى وقليل الفهم”. “لنا أن نتعلّم عن أمور الأرض بعقلنا، أمّا معرفة الله، والأمور السّماويّة، فتصير بالرّوح القدُس وحدَه، ولا يمكن تعلّمها بالعقل.”
لعَمري يمكننا أن نسمّي القدّيس سلوان “خمسينيًّا”، بالمعنى الأرثوذكسيّ للكلمة: أعني أنّه تحدَّثَ عن حضور الرّوح القدس حضورًا ملموسًا في الإنسان بكامله, حيث إنّه يعرف الله بملء كيانه. إذ ذاك يملأ الله روح الإنسان، وفكره، وجسده:
“الرّب يُعرَف بالرّوح القدس، والرّوح القدس يَنفُذُ في الإنسان بجملته: روحًا، ونفسًا، وجسدًا”.
بهذا يلخّص القدّيس سلوان تيّارًا خاصًّا بالفكر الدّينيّ الروسيّ، يبعد كُلَّ البُعد عن المفهوم الغربيّ للمعرفة. فهذا لمفهوم الغربيّ يُعزى، في معظمِه، إلى الاستنباطات المنطقيّة عند الفيلسوف هيغِل (Hegel)، حيث المعرفة تحليلٌ موضوعيّ منطقيّ يستند إلى البراهين العلميّة، ويعتمد التّصنيف والتّفنيد. فكلّما اتّسعت المسافة بين الدّارس والمدروس، ازداد بَحثُ الإنسان موضوعيّةً، واتّخذت مقاربتُه له مَنحًى عِلميًّا أفضل. أمّا القدّيس سلوان، فيأتينا بمبدأ معاكسٍ وهو المعرفة كشَرِكة ومُشارَكَة، تتمّ في الأساس بالمحبّة. فهو يكتُب قائلاً: كلّما اكتَمَلَ الحبُّ، اكتملَتْ معَه معرفةُ الله“. لذلك يَنْبَعُ لاهوتُ الرّوح القدس كلُّه عند القدّيس سلوان من خبرته الشّخصيّة للمحبّة الّتي توافق مَنطِق الله. وعندما كتب الأب بولس إنكليزاكيس (Englezakis Fr Paul) المغبوط الذّكر طروباريّة القدّيس سلوان، حيث دعاه “أسمى اللاّهوتيّين قاطبةً”، علّقَ قائلاً: “إنّي أَعجَبُ كيف لبِثَ الرّهبان الرّوس صامتين مدّةَ قرون ، ثمّ انبرى هذا الفلاّح السّاذَج- أعني به سلوان-، ليأتي بأسنى لاهوت على الإطلاق، اللاّهوت بكلّ معنى الكلمة!” إنّ مفهومَه للاّهوت كمعرفة الله بالرّوح القدس هو أشمل خُلاصةٍ وأَوفى تعبيرٍ عن نظرِتنا الأرثوذكسيّة لمصادر اللاّهوت الكنسيّ، وهو مختصٌّ بأقنوم الرّوح القدس أوّلاً. يَشرحُ القدّيس سلوان كيف تبلوَرَتْ الصّيغة اللاّهوتيّة لألوهيّة الرّوح القدس بصفته أحد أقانيم الثّالوث، وذلك لا على أساس المباحثات الفلسفيّة المجرّدة، بل استنادًا إلى المعرفة الطَّقسيّة الاختباريّة، كما يعبّر عنها القدّيس غريغوريوس (اللاّهوتيّ): “الآن أضحى الرّوح القدس ساكنًا فينا، كاشفًا لنا عن ذاته كشفًا أوضح”[2].
هذه النّقطة، معرفة الله بالرّوح القدس، هي أشبه بمقدّمة للموضوع.
• الملحوظة الثّانية
أودّ الآن الانتقال إلى نقطة ثانية، أرى شخصيًّا فيها أهمّيّة قصوى لحياتنا اليوم، سواءٌ انتمينا إلى الرّهبنة، أم إلى الإكليروس، أم كنّا علمانيّين. إنّها حول الرّوح القدس والعلاقات مع الآخرين.
إنّ تعليم القدّيس سلوان يدخل في جوهر التُّراث الرُّهبانيّ الأُرثوذكسيّ، لِما يوليه من التّركيز على موضوع اقتناء الرّوح القدس. ونجدُ الاهتمامَ نفسَه عند القدّيس سيرافيم ساروف، في حديثه إلى “موتوفيلوف” قائلاً: “هدف الحياة المسيحيّة هو اقتناء الرّوح القدس”. إلاّ أنّ القدّيس سلوان يوضح لنا بجَلاء لا سابق له كيف يمكن اقتناء الرّوح القدس، وكيف يتجلّى حضوره. ويحدّد معايير ملموسة تدلّ على حضوره أو غيابه في النّفس البشريّة.
في ذهن النّاس، سيّما المسيحيّين الخمسينيّين والإنجيليّين، يرتبط الرّوح القدس بشعور من الانشراح والمرَح. أمّا وقد سمَّينا القدّيس سلوان “خمسينيًّا أرثوذكسيًّا”، فها إنّنا نصل إلى نقطة مِحوَرِيّة: ما يُميِّزُهُ عن النَّوع الآخر من الخَمسينيّين، أعني البْروتستانتيّين منهم، هو أنّ اختبار الرّوح القدس عنده ليس “نَوْبة حُبور وتهليل” وقتيّة تحتَ فعل الرّوح القدس، حيث يأتي النّاس حركاتٍ وأصواتًا خارجة عن المألوف لِبُرهة من الزّمن. عند القدّيس سلوان، إنّه حياة يوميّة نعيشها في الرّوح القدس، أكثر ما تتجلّى في علاقاتنا الشّخصيّة اليوميّة، علاقاتٍ مع النّاس بحسب المثال الإلهيّ. فالقدّيس سلوان يرى أنّ الرّوح القدس يدرّب الرّاهب على محبّة الله والعالم، أي البشريّة جمعاء.
من خلال القدّيس سلوان، نفهم المعنى الحقيقيّ للعنصرة. يقول في كتاباته: “إنّ اختبار الرّسل للرّوح القدس، عندما نزل عليهم بألسنة ناريّة، علَّمَهُم معنى محبّة الله، ومحبّة الإنسان“. هكذا تَوضَّحَ مفهوم العنصرة بحدّ ذاته: فالرّوح القدس ينزل بألسِنةٍ ناريّة. والكلمة اليونانيّة -γλώσσα””- تُتَرجَم بلفظة “لِسان” وبلفظة “لُغة” في الوقت عينه. هنا الرّمزيّة بارزة! يُتيح لنا اللّسان، كعضو، التّواصل مع الآخَرين، ونحن نتعلّم “اللِّسان”، كلُغة، تُفسح لنا في المجال للتّواصل مع الآخرين أيضًا، وللدّخول في شركة معهم. إنّه إذاً عُضْوُ اتّحادِنا بعضُنا ببعض: هو المبدأ الّذي يسمح للنّاس بالتّواصل والمشاركة. فمن دون اللّسان، كعضو في الجسد، وكملَكة عقليّة لُغَويّة في آن، لا يمكننا أن نبني علاقات، ولن نجدَ المجال لا للمحبّة ولا لإظهارها. لذلك معنى العنصرة هو أنّ الرّوح القدس يعيد بناء الجسور المهدومة للتّواصل بين الناس: “يدعو الكلّ إلى اتّحاد واحد”، كما نرتّل في قنداق العنصرة. عند القدّيس سلوان أنّ التّحقيق الكامل للوحدة الّتي وُهبَت لنا يَكمُن في العنصرة. (…)
“طوبى للنّفس الّتي تحبّ الإخوة، فإنّ أخانا هو حياتنا. طوبى للنّفس الّتي تحبّ أخاها، فروح الرّب يحيا ويتجلّى فيها، ويُنعِمُ عليها بالسّلام والبهجة”. ويكتب في مكان آخر: “النّعمة تأتي من محبّة الإخوة، ومحبّتي للإخوة تحافظ على النّعمة. أمّا إن كنّا لا نحبَّ الإخوة، فلن تحلّ نعمة الله في نفوسنا”.
إنّ القدّيس سلوان يذكّرنا بجدّيّة الكنيسة الأرثوذكسيّة في نظرتها إلى العلاقات البشريّة، فهذه العلاقات لها أهمّيّة مطلقة عندها. ولو ألقينا اليوم نظرةً إلى ما حولنا، وتساءلنا عمّا هو خالِد في محيطنا، لوجَدنا الجواب التّالي: النّاس. لهذا علاقتُنا بهم خالدة أيضًا.
ويمكن أن نميّز حضور الرّوح القدس في نفس الإنسان من خلال موقفه من الناس وتصرّفه معهم.
“إذا وجدتُم في أنفسكم رحمةً تجاه النّاس، ومحبّةً تجاهأعدائكم… فهذا يشير إلى حلول الرّوح القدس فيكم”. “مَن اقتنى الرّوح القدس في ذاته، يتلهّف قلبُه ليلاً ونهارًا على النّاس أجمعين”. في ضوء هذا التّفكير يمكننا أن نسأل أنفسنا: ما هي معايير القداسة في كنيستنا؟ وكيف تتجلّى هذه القداسة، هذا الاقتناء للرّوح القدس؟ يعطينا القدّيس سلوان الجواب التّالي: “الشّيوخ الرّوحانيّون الصّالحون كلّهم متواضعون، يتصرّفون على مثال المسيح”. والحقّ إنّي على هذا اليقين من خبرتي الشّخصيّة. فقد لاحظتُ أنّ الشّيوخ الرّوحانيّين (Staretz) الحقيقيّين كافّةً الّذين شاهدتهُم في حياتي بأمّ العين لهم قاسم مشترَك واحد، وأذكر على سبيل المثال الشّيخَين الرّوحانيَّين الآثوسيَّين الأب أدريان، والأب يوحنا كريستيانكين (Krestiankin Fr John). فإذا ما بدأتَ تَتحدّثُ إليهم، وجدتَ التّواصل معهم غايةً في السّهولة، وهنا يبرز مثل الأب صفروني كلّ البروز. ينفتح قلبك إزاءه، فلا مكان لسوء التّفاهم، بل تشعر بالمسافة بينكما تتبدّد. يمكنك، والحال هذه، أن تكشف عن كلّ ما يجول في دواخلك، وجهًا لوجه، وإذا بالقلوب تتلاقى. لهذا استطاع الأب صفروني، على غرار معلّمه القدّيس سلوان، أن يتحدّث إلى أيٍّ كان، مهما تكُن جنسيّته، أو انتماؤه الإجتماعيّ، أو حالته الرّوحيّة. هذا هو التكلّم بالألسنة روحيًّا بامتياز. هذه هي موهبة التّكلّم بالألسنة، أي اللُّغات، الّتي يجود بها الرّوح القدس.
• الملحوظة الثالثة
لخبرة القدّيس سلوان ميزةٌ مهمّةٌ أخرى: لقد وهبه الرّوح القدس محبّة تتخطّى التّعبير عن نفسها في علاقة مع شخصٍ آخر مفرَد، لتشمل الكون كلّه. وكم لفتَ انتباه الأب صفروني أنّه، بعد ظهور المسيح للقدّيس سلوان في الكنيسة التّابعة لطاحونة دير القدّيس بندلايمون، بدأ هذا الأخير يتكلّم لغةً روحيّة جديدة: طفقَ يصلّي للبشريّة جمعاء. أضحى اتحّاد البشريّة كلّها يومَ العنصرة يكوّن جوهر شخصيّة القدّيس، ويحقّقها أفضل تحقيق. بدأ يصلّي للجنس البشريّ بأسره. فهل يمكننا الكلام على “عنصرة شخصيّة” حصلت للقدّيس سلوان عندمت شاهد المسيح في رؤيا؟
“أيّها الربّ الرّحيم، أتوسّل إليك من أجل شعوب الأرض كلّها لكي يعرفوك بالرّوح القدس… ولكي تعرفك أمم الأرض كلّها بالرّوح القدس وتسبّحك”.
هذه الصلاة لأجل العالم بأسره، الّتي يعلّمنا إيّاها الرّوح القدس، يجعلها القدّيس سلوان غاية الحياة الرّهبانيّة وهدفها الأمثَل، وذلك ليس أبدًا عن غير قصدٍ. فالصّلاة لأجل العالم بأسره هي كمال المحبّة وملؤها. هنا تبلغ المحبّة أقصى مداها، حيث يحتضن قلب الإنسان العالمَ كلّه. لا يبقَ لهذه المحبّة من حدود، بل تصل إلى مداها الإلهيّ المطلَق، فلا يبقى للمرءِ أعداءُ ولا أحبّاء، إنّما آدم الكُلِّيّ[3] الواحد.
“الإنسان الّذي عرفَ محبّة الله، يحبّ العالم كلّه“[4].
بالنّسبة إلى القدّيس سلوان، هذا هو التّحقيق الطبيعيّ لوصيّة المسيح: “أحبب قريبك كنفسك”. فالقريب عنده هو آدم الكُلِّيّ، أي البشريّة جمعاء. كثيرًا ما أبدى الأب صفروني إعجابه بهذه الفكرة كما يعبّر عنها إرمس الأودية الأولى من القانون الكبير للقدّيس أندراوس الكريتيّ، المُرتَّل في الصّوم الكبير: “اسمعي يا سماء فاتكلّم”. كان يقول: “عندما يتكلّم الشّخص الإنسانيّ (persona)، تصمتُ السّماء كلّها لتُصغي إليه”.
في التّراث النّسكيّ الشّرقيّ، نجدُ ذكرًا لهذه الصّلاة الّتي تشمل الكون عند القدّيسَين مكاريوس الكبير واسحق السّريانيّ، بَيدَ أنّها تأتي عند القدّيس سلوان كحجر الزّاوية في الحياة الرّوحيّة الرّهبانيّة.
إنّ الأب صفروني يعطي تفسيرًا لاهوتيًّا لهذه الصلاة. فمَن يصلّيها يتحقّق فيه صورة الله ومثاله. فكما يحيا الله الثّالوث ككيانٍ واحد، هكذا يحيا الإنسان حالة البشريّة كوحدة شاملة متكاملة. هكذا تتّحد البشريّة كلّها بالمحبّة، كمجموعة أشخاص، كما تتّحد الأقانيم الإلهيّة. يقول الأب صفروني في كتاباته:
“نادرًا ما يُعطى لأحد في هذا العالم أن يختبر مفهوم الشّخص الإنسانيّ persona اختبارًا حيًّا. على حذوِ صلاة المسيح، يتأتّى هذا الاختبار من صلاة الإنسان للعالم بأسره كما يصلّي لأجل نفسه، وِفقًا للوصيّة القائلة: “أحبب قريبك كنفسك”(متى12: 31). فإذا تلقّن الإنسان هذه الصّلاة بفعل الرّوح القدس، يحيا جوهريًّا على صورة الثّالوث. في هذه الصّلاة يعيش المرء مشاركة أجمعين في الجوهر نفسه، وينكشف لنا المعنى الكيانيّ للوصيّة الثّانية: يصبح آدم الكُلِّيّ إنسانًا واحدًا متمثِّلاً في الجنس البشريّ”.
من اللاّفت أنّ صلاة القدّيس سلوان لا تبقى نابعة من ذاته ولأجل نفسه، إنّما يصلّي عقليًّا عن البشريّة جمعاء، ولأجلها.
“أيّها الربّ الرّحيم، علّمنا، بالرّوح القدس”…
* * *
ثانيًا: إنعكاسات تعليم القدّيس سلوان على حياتنا المعاصرة
أودّ الآن أن أتوسّع في تعليم القدّيس سلوان حول الرّوح القدس، من حيث ارتباطُه بعلم اللاّهوت المعاصر، لنرى ما لهذا التعليم من انعكاسات تعطي أجوبةً عن عدد من المسائل المعاصِرة.
• الانعكاس الأوّل: ما مفهوم الشّخص في الإنسان؟
ما مفهوم الشّخص في الإنسان؟ لعلّ هذاأهمّ سؤال يطرحهُ العِلم الحديث، سواءٌ في مجال علم النّفس، أم في مجال العلوم الإجتماعيّة، أم في العلوم الإنسانيّة (أنثروبولوجيا)… أَحبَّ الأب صفروني أن يردّد مرارًا على مسامعنا الكلام التّالي: “نرى في الأب سلوان نموذجًا أمثَل لمفهوم الشّخصانيّة”، أو بكلام آخر، للإنسان في حقيقته البشريّة. فمثالُه، كما تعاليمُه في الرّوح القدس، يعطينا جوابًا وافيًا عن تساؤلات كثيرة تدور حول الإنسان.
في روايته المميّزة “الدكتور جيفاغو”، يطرح بوريس باستيرناك (Pasternak Boris) السّؤال التّالي في أحد الحوارات الفلسفيّة الطّويلة: “ما هي أبرز مساهمة للمسيحيّة في تاريخ الحضارة الإنسانيّة؟” ويأتي الجواب إنّه مفهوم الإنسان كشخص (persona). قبل المسيح، لم يُعرَف “الشّخص” في الإنسان: اقتصرت الحضارة على تاريخ جماعات لا هويّةَ لها، عائشة في الألم، لا نجدُ ذِكرًا لها، بل أفرادُها غاصَتْ أسماؤهم اليوم في غياهب النّسيان. ثمّ أتى المسيح فأعطى لكلّ متألّمٍ إسمًا وموضعًا في التاريخ. لم يبقَ الإنسان مجرّد كائن من الكائنات الحيّة، إنّما أصبح شخصًا. وكيف ذلك؟ لقد قلب المسيح المقاييس الّتي تحدّد ماهيّة الإنسان، وأبدلها بقيَم جديدة. فعَظَمَتُنا أو صَغارتُنا لم تبقَ رهنَ مكانتنا الاجتماعيّة، ولا رهن نفوذنا ولا ممتلكاتنا، بل وقفًا على إمكانيّة المحبّة عندنا. وهذه المحبّة تُعطى لنا بالرّوح القدس. فالشّخص هو مَن يتجاوز أنانيّته، ويحيا من أجل الآخرين، في شرِكة منفتحة معهم. ومَن أفضل من القدّيس سلوان ليجسّد مفهوم الشّخصانيّة هذا. ففي كلٍّ منّا تتحقّق هذه الشّخصانيّة بفعل الرّوح القدس، وهي تعلّمنا المحبّة، وكيف نتخطّى ذواتنا، وانهماكنا بأنفسنا وتَمَحْوُرِنا حول أنانيّتنا، حتّى نقول: “أُحِبُّ، إذًا أنا موجود“. يكتب القدّيس سلوان قائلاً: “إنّ النّفس الّتي عَرَفتْ حلاوة الرّوح القدس توّاقةٌ لأن ينالَه البشَر كافّة، لأنّ حلاوة الرّب لا تحَتمِل أن تُصاب النّفس بالأنانيّة، بل تنعِمُ عليها بمحبّة فيّاضة من القلب“.
إنّ الرّوح القدس يُرشد نفسَ كلّ إنسان إلى شعور بالرحمةٍ يفوق التصوّر والإدراك. فيتلقّن الإنسان أن يماثل الثّالوث في علاقاته بالآخرين. هذا هو معنى حياة القدّيس سلوان عينها: “إسأل الله من كلّ قوّتك أن يمنحكَ التواضع والمحبّة الأخويّة، لأنّ مَن يحُبَّ أخاه يُعطِه الرّبُّ نعمةً من دون حساب”. إنّ هذا الأمر قريبٌ جدًّا ممّا نعيشه اليوم: فتواصُلنا مع الآخرين هو جوهر هويّتنا المسيحيّة الّتي تميّزنا عن غير المسيحيّين. من خلال القدّيس سلوان نفهم اليوم ما الوثنيّة وما المسيحيّة في جوهرها. يقول القدّيس بولس الرّسول: “أنتم تعلمون أنّكم كنتم أُممًا منقادين إلى الأوثان البُكم” (1كو12: 2). إنّ الوثن هو ما يحتلّ في حياتنا وفي روحانيّتنا محلَّ المثال. فنحن عندما نَعبُدُ الوثَن، نعترف به مثالاً أعلى. والوثن “الأبكم” رمزٌ للأنانيّة: هو أبكم إذًا لا تواصل، بعكس “اللِّسان” (بمعنى النُّطق واللُّغة اللّذَين يَهبُهُما الرّوح القدس). فالإنسان الوثنيّ الّذي يعبد صنمًا أبكم يبقى مجرّد كائنٍ حيّ. إنّه منغلق على ذاته، يتَمَحْوَرُ حولهَا، ولا يَتواصل، بل يحتقر العلاقة بالناس، ويتجنّبها[5]. ويمكن أن نربط هذا الموقف باختبار الأب صفروني لبعض الّتيارات الشرقيّة غير المسيحيّة، وهو ما أسماه فيما بعد انتحارًا روحيًّا. حصل له هذا الاختبار عندما لم يقبل في ذاته موهبته كشخصٍ له قدرةٌ على المحبّة الشّاملة الكونيّة الّتي تنفتحُ بالرّوح القدس، إنّما حاولَ تخطّي هذا الشّخص وإزالته لكي يصل إلى ما هو “أسمى من المحبّة وأبعد”، في اجتهاده للامتداد نحو المطلَق التّجاوزيّ. الّلافتُ أنّ الأناجيل لا تنفكّ تشدّد على سكنى الممسوسين في أماكن منعزلة لا اتّصال فيها بالآخرين: فمجنون كورة الجرجسيّين سكَنَ القبور (متى8: 28). وكما قال المسيح، إنّ الأرواح النّجسة تؤثِرُ الأماكن الجافّة (القَفر)(متى12: 43)، حيث لا حياة ولا اتّصال بالآخرين (لأنّه حيث لا مياه، لا حياة).
الانعكاس الثّاني: الشّخصانيّة كموهبة من الرّوح القدس
إنّ مواهب الرّوح القدس في العنصرة، وهي ألسنة المحبّة الإلهيّة، هي أدواتُ تَواصُلِنا بعضِنا مع بعضنا الآخر. هذه كلُّها تَرمي إلى صَقل شخصيّتنا بحيث يصير “أخونا هو حياتنا”، وفق تعبير القدّيس سلوان. يقول القدّيس بولس لأهل كورنثوس: “إنّ المواهب على أنواع وأمّا الرّوح فهو هو… كلّ واحد يتلقّى ما يُظهِر الرّوح (لا) لأجل (خيرنا نحن بل لأجل) الخير العامّ. فأحدهم يتلقّى من الرّوح كلام حكمة، وآخر وفقًا للرّوح نفسه كلام معرفة”(1كو12: 1-14).
هذه المواهب كلّها أُعطِيَت للنّاس، لا لتحفز اهتمامنا بذواتنا، وانشغالنا بأنفسنا. فالرّوح القدس خادم متواضع ومواهبه دائمًا في خدمة الآخرين. وهو يوقظ فينا خدمة المحبّة لأخينا. فحيث الرّوح القدس، هناك خدمة الآخَر، وحيث خدمة الآخَر، هناك الرّوح القدس. هذا ما يستنتجُه القدّيس سلوان قائلاً: “حيث المحبّة، فهناك الرّوح القدُس”. “الله محبّة، فالرّوح القدس الّذي في القدّيسين محبّة هو“.
إذا أنعمنا النّظر في طريقة تعداد الرّسول بولس لمواهب الرّوح القدس، نجده يسوق بضعة أمثلةٍ على الخَدَمات الّتي تعبّر عن تلك المواهب، ولا يُعطينا لائحة وافية. فإنّ الرّوح الواحد نفسه يعمل هذه كلّها، فيوزّع لكلّ واحدٍ وِفقَ ما يشاء. وأرى أنّ هذه المواهب لا عدّ لها، فلكلّ أحدٍ موهبتهُ الخاصّة، وشخصُهُ الخاصّ، وخدمته الرّوحيّة الخاصّة للبشَر عامَّةً. هكذا ندرك أنّ شخصانيّتنا هي موهبة الرّوح القدس لنا. فهو الّذي يفعّل طاقة خدمة المحبّة الّتي في داخالنا، في كلّ واحد منّا، تفعيلاً فريدًا خاصًّا بنا, حتى إنّ معنى حياتنا يكمن في هذه الخدمة عينها.
يقول القدّيس سلوان في كتاباته: “لكلٍّ في هذا العالم وظيفةٌ يتمّمها، سَواءٌ هو مَلِك أم بطريرك أم طبّاخ، أم حدّاد، أم معلّم، ولكنّ الرّب… سوف يعطي المكافأة العظمى للذي يحبّ الله محبّة عظمى”. فلنسأل أنفسنا إذًا: هل لي من موهبة؟ ما هي؟ كيف تظهر فيّ؟ فإذا قرأنا القدّيس سلوان، يسهل علينا الجواب: كلّ عمل محبّة وخدمة لأخينا هو نوعًا ما إظهار لموهبتنا الخاصّة بالرّوح القدس. هذا ما نراه في الرّسالة إلى أهل رومية 12، 8: ” الواعظ فبوعظه، والمعطي فبسخاء، والمدبّر فباجتهاد، والرّاحم، فببشاشة“. الوعظ، والسّخاء، والجدّيّة، والبشاشة، كلّها أيضًا خدمات. يقول القدّيس سلوان:“كثيرًا ما يحدث أنّ تحيّة واحدة لطيفة تولّد تغييرًا إيجابيًّا في النّفوس، فيما، على العكس من ذلك، نظرة واحدة عدائيّة تسبّب هروب نعمة الله ومحبّته منّا. نحن لا ندرك مدى تأثير البذار الصالحة الّتي قد نبذرها بأعمالنا القليلة غير المهمّة، كإسداء كلمة تعزية صالحة للمتألّم، أو نصيحة مفيدة، او مجرّد معاملة الآخر بلطف. لقد لفتَني أنّه، في إنكلترا، إذا توتّرت الأجواء بين النّاس، كثيرًا ما يقترح أحدهم قائلا: “ما رأيكم بفنجان من الشّاي”، فيزول التّوتّر حالاً.
لَعَمري إنّ المسيح لم يذكر فنجان الشّاي، ولكنّه ذكر كوب الماء البارد. “ومن سقى أحد هؤلاء الصّغار ولو كأس ماء بارد… فالحقّ أقول لكم إنّ أجره لا يضيع “(متى 10: 42). كوب الماء البارد هذا قد يصبح عمل خدمتك، عمل إظهار موهبة الرّوح القدس الّتي فيك.
بالتّالي، وبحسب تعليم القدّيس سلوان، إنّه لأمر بالغ الأهمّيّة أن تُصقَل شخصيّتنا وأخلاقنا بمواهب الخدمة هذه ، وبعلاقتنا مع الآخر. فمن خلال أعمال المحبّة والخدمة هذه، ينمو “الشّخص” فينا (Persona). وكلٌّ من هؤلاء “الأشخاص” مختلف عن الآخر تمام الاختلاف، ويعبّر عن محبّته بطريقة مختلفة تمامًا (لكلٍّ منّا شخصيّة فريدة، وطباع فريدة تحدّدنا كأشخاص[6]).
ولو فكّرتُم في الجوهر العميق لموهبة الرّوح القدس، وفي غايتها القصوى، ستَخلُصون إلى ما اعتاد الأب صفروني أن يسمّيه “نشيدي المفضَّل”، أي مبدأ الإنسان كشخص. ولو تسألون: “ترى، ما هي خدمتي”؟ قد يجيبكم القدّيس سلوان، على الأرجح قائلاً: “يكفي أن تكونوا أنفسكم كما في محبّتكم للآخرين: فهذه خدمتكم”.
أحيانًا، قد تقتصر الخدمة الموكَلة إلينا على حضورنا الصّامت. والأب صفروني خير مثال على ذلك. ففي آخر حياته، أثقلَت الشّيخوخة كاهلَِه. صار لا يستطيع أنّ يتحدّث إلى النّاس. ولكنّ حضوره، ولو صامتًا، بدا خدمةً مهمّة لديرنا، وكذلك للعالم بأسره. لم يجد الشّرّ مجالاً له، لأنّ حضور الأب حامى عن الدّير، وعن كلّ واحدٍ منّا. هذه كانت خدمة شخصانيّته بامتياز. وأنا أعرف ديرًا يعطي فيه الرّئيس مثالاً صامتًا للرّهبان. هذه خدمة شخصانيّته، وهي أقوى من أيّة تعليمات خارجيّة وأحاديث لا تنتهي. هذه الخدمة لها مفعولٌ كونيٌّ. أسوق مثلاً آخر: أخبرَني أحدُ الرّهبان[7] أنّه أخذ يتململ ذات يوم بسبب عدم فائدته في الدّير، قائلاً: “آه، لم اعُدْ أحتمل! إنّي أحيا في التّواني حيال الله والناس. أنا راهبٌ فاشل”! فأجابه أحد الزّائرين قائلاً: “من جهتي، يكفيني أن أعرف أنّكم هنا في الدّير، أيّها الآباء، وهذا يدفعني إلى الحياة، ويقوّيني لأستمرّ فيها”.
نستخلص من فكر القدّيس سلوان هذا أنّ حضوركلّ إنسان من حولنا له غاية معيّنة… قد لا نعي ذلك، ولكنّ حضور كلّ واحد منّا إلى جانب الآخر يسدي له خدمة، تمامًا كما يؤكّد علم الفلَك الحديث أنّ وجود كوكب الأرض يوجِب وجود المجَرّات البعيدة كلّها، والنّجوم، والكواكب. فهي، بطريقة لا نعلمها، تحفظ توازن الكون الّذي محوره الأرض (من مبدأ إنسانويّ).
إنّ الإيمان الرّاسخ أحد النّاس الّذي يوقد شعلة الإيمان في الآخرين يجلب لهم السّلام. هذا ما يُحسَب خدمةَ إيقاظ الإيمان والرجاء بالله. وقد يُحسَب أيضًا خدمةَ صُنعِ السّلام، بمعنى قول القدّيس سيرافيم: “اقتنِ السلام، والآلاف من حولك سيجدون خلاصهم“. إنّما يكفي أحيانًا أن يحفظ الإنسان إيمانه وضميره المسيحيّ. حينئذٍ تضحي ثقتنا بالله سندًا عظيمًا للآخرين، ولو من غير كلام. ولعلّ حياة الإيمان هذه أقوى بشارة بالمسيح، سيّما في عصرنا هذا. فحياتنا في المسيح بحدّ ذاتها هي خدمتنا للعالم، وهي موهبة الرّوح القدس الّتي فينا. (…)
خلاصة
لقد رأينا ما لتعليم القدّيس سلوان في الرّوح القدس من الانعكاسات الكبيرة المهمّة في حياتنا اليوميّة، سواءٌ في الكنيسة، أم في البيت، أمّ في أيّ مجتمع بشريّ. فهي تثبّت لنا قاعدة من أعظم القواعد الحياتيّة لا يسعنا إلاّ أن نقارنها بتعليم المسيح: “كونوا كاملين كما أنّ أباكم السّماويّ كامل هو“. على ضوء هذا التّعليم، نحن الّذين نحاول أن نكون أرثوذكسيّين، ونحاول أن نقتدي بالقدّيس سلوان، نؤثِر أن ننظر إلى ضعفاتنا، كما فعل الأب صفروني دائمًا. فذات مرّة، وهو يتمشّى في درب حديقة ديرنا في إيسّيكس، دنا منه أحدُهم، وقال له: “يأ أبانا صفروني، لقد صرتُ أرثوذكسيًّا الأسبوع الفائت“. فنظر إليه الأب صفروني متحيّرًا، ثمّ ابتسمَ قائلاً: “أرثوذكسيًّا؟! لي من العمر سبعون سنة، وما زلتُ أحاول أن أصير أرثوذكسيًّا، ولكنّني لم أنجح بعد“!
* * *
  • · إجابات الأب نيقولا عن الأسئلة
(…) جاء في الكتاب المقدّس أنّ موسى لم يستطع أن يرى وجه الله – اللّفظة اليونانيّة (Prosopon) يمكن أن تُتَرجَم أيضًا بلفظة “شخص”.[8] في العهد القديم، عَرفنا ما هو الله، وفي العهد الجديد، عرفنا مَن هو الله.
(…) أن نوجَد هو ألاّ نكون مَعنيّين أبدًا بما يُحيط بنا، وألاّ نقيم أيّ علاقة حقيقيّة مع ما هو حولَنا. أمّا الله، فهو عكس ذلك تمامًا. هو مَعنيٌّ بخليقته كلّيًّا، يتعهّدها تعهّدًا كاملاً. وهنا أجيب عن السّؤال بسؤال كثيرًا ما طُرِحَ عليّ: “الله حرٌّ، ولكن، هل يمكن لمَن يُحبّ أن يكون حرًّا”؟ عندئذٍ، أخبرُهم بما يلي: منذ أن خلق الله آدم، صار آدم حياة الله. والمسيح أظهر لنا ذلك على الصّليب. الكينونة إذًا، هي الدّخول في شركة مع الآخَر، ومن دون هذه الشَّرِكة، لا يبقى إلاّ الوجود البحت. فمن دون المشاركة والالتزام والتّواصل ليس من كينونة، بل وجود فحسب. وهذا ما نراه اليوم في عالمنا المعاصر، حيث النّاس باتوا مجرّد وجود، وأمسَوا مُنعَزِلين متفرّدين تمامًا، أي منفصلين إلى أقصى درجة أَحَدُهم عن الآخر. لهذا يتفاقَمُ الألم في العالَم المُعاصِر. يقول القديس سلوان إنّنا نتألّم لأنّنا لا نعرف أن نحبّ أخانا.
(…) كثيرًا ما استوقفتني عبارة في الإصحاح 6 من سفر التكوين يقول الله فيها: ” لا يُجاهد روحي في الإنسان“[9]. فالرّوح القدس في جهاد دائم حتّى يجد مكانًا، أو مبرِّرًا، ليحلّ فينا. ولكنّنا أحيانًا نَوصدُ في وَجهِهِ الأبوابَ كلّها، لأنّنا نتصرّف تصرّفًا لا يمكن للرّوح القدس من أن يرافقه، والعكس صحيح. عندما نتصرّف بما يوافق الرّوح القدس، يَنزل علينا بقوّة. إليكم مَثَلَ القدّيس سلوان: متى افتقدته النّعمة؟ إنّه يَصِفُ ثلاثَ حالات، كلّها ناتجة عن عمل محبّة تجاه القريب. مرّةً، كان يخدم الإخوة على المائدة، فأصابه الدّهش من ذلك العمل: أن يخدم الآخرين. فانتهز الرّوح القدس الفرصة فورًا، ليختم بختمه لحظةَ محبّة الآخرين في قلب القدّيس. مرّة أخرى، تحنّن على صبيّ صغير، وأعطاه بيضة الفصح، ومرّة ثالثة، أعطى بيضةً لأحد العمّال، وفي الحالتَيْن شعرَ بالعطف على الشّخص الآخر. في اللّحظة ذاتها، جاءَ الرّوح القدس، وملأَ كيانه. إذًا، بسلوكنا نفقد الرّوح القدس، وبسلوكنا نجتذبه، فيعود إلينا. ولكن كيف للرّوح القدس أن يجد مكانًا في قلب بعض الأشخاص، الّذين يظنّون أنّ “الآخر هو الجحيم”[10]، أمثال الفلاسفة الوُجوديّين؟ القدّيس سلوان يقول نقيض ذلك: “الآخَر هو حياتي”. أخي هو حياتي”. لهذا وجد الرّوح القدس مَدخلاً سهلاً إلى القدّيس سلوان.
كذلك، يتكلّم الأب صفروني عن النّعمة الإلهيّة الّتي تتوارى عن الإنسان. ولكنّ هذه خبرة مختلفة. ما يعلّمه القدّيس سلوان بشكل رئيس هو أنّ الرّوح القدس يدخل القلب من خلال عمل المحبّة.
(…) لم يَرُقْ للقدّيس سلوان أن يدخل في مجادلات نظريّة مجرّدة، قائلاً إنّ الكاملين لا يتكلّمون من فكرهم الخاصّ. في كلّ الأحوال، ينبغي طلب الجواب في الصّلاة. لهذا لا أحبّ أن أتكلّم أو أن أدخل في أيّ حوار من غير معونة الله. في العادة، عندما يهبنا الله خدمة ما، يعطينا معها الموهبة لإتمامها، والحكمة اللاّزمة لذلك، كما في الحوار بين الأديان مثلاً. أرى أنّ أفضل طريقة للحوار مع الشّعوب الأخرى هي في الشّهادة للمسيح من خلال طريقة حياتنا، وتصرّفنا، وفرح الرّوح القدس المنبعث من قلبنا. فماذا يمكننا أن نقول عن المسيحيّة، عندما يرون حياتنا مُضجِرة، كلّها دُنيَويّة، لا روحَ إلهام فيها؟ فالرُّسُل ألهَبوا الكون كلّه بفرح محبّتهم للمسيح. ومن يقتنِ هذه المحبّة يأتِه الكلام أثناء الحوار بشكل طبيعيّ. لا يسعني أن أعطيك في الوقت الحاضر “وصفة” للجواب عن هذا السّؤال، لأنّني لا أعرف الشّخص المَعنيّ. هنا يكمن الفنّ عند الأب صفروني: لقد عرف أن يجد المفتاح الشّخصيّ للحوار مع كلّ إنسان، أعني مفتاح قلبه. هذه هي موهبة التّكلّم بالألسنة: أن نجد اللُّغة المناسبة للوصول إلى قلب كلّ إنسان.
(…) تُرى ماذا يعني أن يكون المرء أرثوذكسيًّا؟ إنّ الكنيسة في لطفها الجميل، زوّدَتنا بسائر الأفكار الّتي ينبغي أن تحضر في ذهننا للجواب عن هذا السّؤال. هذه الأفكار تُعَبِّر عنها النّصوص المستخدَمة في طُقوسِنا (الخِدَم الليتورجيّة)، وهي نصوص رائعة، مشرقة بالنور، فيّاضة بالإلهام المفيد لخلاصنا.
ماذا تقول نُصوصُنا الطّقسيّة بشأن روسيّا واليونان وسواها من البلدان؟ ماذا تقول في المسيح الدّجّال، أو في مفهوم الوطن الأمّ؟ لا شيء إطلاقًا. فمَن يريد أن يكون أرثوذوكسيًّا، خيرٌ له أن يتّبع تعليم الكنيسة؟ بالنّسبة إليّ، ما لا يَرِدُ في إطار حياة الكنيسة الأرثوذكسيّة وتعليمها ليس أرثوذكسيًّا، ولا هو مُلهَم من الرّوح القدس، ولا يجلبُ لنا الخلاص. فلو قارَنْتُم بين تعاليم القدّيس سلوان، وطقوس عيد العنصرة كلّها، لوجدتُم تناغمًا كلِّيًّا، وكأنّ هذا الكتاب استمرار لتلك الطّقوس، وتوسُّع فيها. ولو قرأتُم كتُب الأب صفروني، لوجدتُم فيها كلِّها تعليقًا على كتاب “المعزّي”، موضوعُه خلاص البشَر. هذه هي الأرثوذكسيّة، هذا هو الإلهام، إلهام الرّوح القدس. فلا أريد أن أضيَّع الوقت المعطى لي لأعمل على خلاص نفسي في الانهماك بما ليس أرثوذكسيًّا، أعني بالعصبيّة القوميّة. أنا شخصيًّا أمرُّ بمأساة، كلّما ظهرَ لي الوجه الشّيطانيّ للعصبيّة القوميّة، ذلك الوجه القاتم الأسود. الأسبوع الفائت، تعيّن عليّ أن أقيم قدّاسًا إلهيًّا في كنيسة جاورجيّة، ولا تخفى عليكم الأزمة السّياسيّة بين روسيّا وجاورجيا. ثمّ إنّي لا أستطيع احتمال الفكرة أن ننظر إلى الآخر كما إلى عدوّ يجب قتلُه. ولكنّ كلّ كنيسة قوميّة من الطّرفَين تبارك القتل في سبيل حماية الوطن. أمّا الأب صفروني فيكتفي بترداد ما قالَه المسيح: إنّ مَن يولَد بالمسيح لا يستطيع أن يقتُل.
(…) وهذا كُنهُ موهبة العنصرة: التنوّع في الوحدة. هذا يذكّرني بالمبدأ الإنسانيّ في علم الفلك ((“Principe anthropique”. تعلمون ما هو: فالعلماء يصرّون في أيّامنا على القول إنّ سائر المجرّات النّائية، وكلّ ما في الكون اللامتناهي، ضروريّ من أجل الحياة على الأرض. فالكون كلّه يحيا كجسم واحد، حتّى إنّ كلّ حجر فيه له أهمّيته. والأمر نفسه ينطبق على جسم الإنسانيّة جمعاء. كلّ شخص، وكلّ حضارة، وكلّ تعبيرِ كيانٍ لَهُ مساهمتُهُ في جسم الإنسانيّة جمعاء، وبه يزداد غنى المجموع.
(…) هنا يكمن أساس المسيحيّة. مهما يكن شكل الحياة المسيحيّة الّتي تتّبعونها، فهي أبدًا مطبوعة بالمعادلة بين محبّة الله ومحبّة القريب. لا محبّة لله من غير محبّة القريب، والعكس صحيح. بالنّسبة إلى هيكليّة الحياة العائليّة، من الّلافت قول بولس الرسول إنّ الزّوج على صورة المسيح، والعلاقة به تعكس تقدّم الطّرف الآخر في محبّة الله. هذا يصحّ في كلّ علاقة بشريّة. كلّما نتقدّم في الوجوه المتعدِّدة لمحبّة الله، يظهر ذلك علاقاتنا بالنّاس. والمفارقة هي أنّ القدّيسين يحبّون أن يكونوا الأصغر. فكلّما تقدّمنا في خطوِنا نحو الله، وكلّما دَنَونا منه، ازداد فرحنا لرؤية الآخرين أقرب إليه منّا.
والسبح لله دائمًا
ترجمة راهبات دير السيّدة-كفتون
بالتّعاون مع الآنسة سميرة خوري
[1] محاضرة للأب نيقولا سَخاروف من دير القدّيس يوحنّا المَعمَدان- إسّيكْس-إنكلترا ألقيَت في اجتماع لجمعيّة القدّيس سلوان الآثوسيّ سنة 2011
[2] العظة 21:33. .PG35:1121
[3] الكلّيّات في الفلسفة العربيّة هي المفاهيم المجرّدة الشاملة ولذلك اعتمدنا هذه الصّفة لكلمة Total (المترجم) .
[4] أنظر كتابات القدّيس سلوان في “القدّيس سلوان الاثوسيّ”، منشورات عائلة الثّالوث القدّوس- دير القدّيس يوحنا المعمدان، ترجمة الأمّ مريم زكّا (المترجم).
[5] يمكن أن نتذكرّ هنا القولة الشّهيرة للفيلسوف الوجوديّ الملحِد جان بول سارتر: الجحيم هو الآخَرون” (المترجم).
[6] لنقولا بيردياييف رأيٌ جميل: “كلّنا نشترك في الخلق، مثل الله الخالق. وما نخلقُهٌ هو علاقاتُنا بأشخاص الآخَرين، علاقاتٌ نصنعها من أعمال المحبّة، وهي ستقوم دائمًا في علاقتنا بذلك الشّخص الّذي صنعنا معه محبّة. هذه العلاقات هي أعمال خَلقِنا”.
[7] هو الأب رفائيل.
[8] في اليونانيّة يُشار إلى “الوجه” و “الشّخص” بلفظة واحدة: prosopon (المترجم).
[9] تكوين 6: 3
[10] عبارة مشهورة لجان بول سارتر في مسرحيّة Huis-clos.
25نشرة رقم دير مار ميخائيل – بسكنتا
 
قديم 13 - 07 - 2016, 05:08 PM   رقم المشاركة : ( 13458 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مثل الفريسي والعشار

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الصلاة المقبولة لدى الله

مع بدء التهيئة للصوم الأربعيني المقدس، تعلمنا الكنيسة المقدسة أن ّالصلاة المقبولة لدى الله تقوم على التوبة الحقيقية المقرونة بالتواضع، والأعتراف النابع عن ندامة حقيقية، فتتلو على مسامعنا من بشارة الإنجلي لوقا مثل الفريسي والعشار.
كلاهما ذهبا للصلاة، لكنّ صلاة العشار الخاطئ قُبلت، وصلاة الفريسيّ المتدين رفضت. الفريسي صلى بكبرياءً أمام الله، بعجرفةٍ تكلم، وبمدح ذاته وفضائله ترنم، فاستحق ما قال فيه القديس كيرلس الإسكندري مخاطباً:
” مالفائدة من الصوم مرتيين في الأسبوع، إذا كان مدعاةً للجهلِ والتفاهةِ والغطرسةِ والأثَرَةِ؟ أنتَ تُؤَدي عُشرَ كُل ما تقتني وتتباهى به، فتثير غضبَ الله بإدانتكَ الأخرين واتِّهامكَ إياهم. تتباهى رغم أنك لست مُتوجاً بمرسومِ البر المقدس، بل تَتَمَّدحُ وتَتَبجج. يقول: « لَستُ كسائرِ الناس». هدِّئ رَوعكَ، أيها الفريسيُّ.« إجعل يا رب حارساً لفمي وباباً حصيناً على شفتيَّ»[1] تُكلمُ الله العارفَ كل شيء. انتظر قرار القاضي. فالبارع في المصارعة لا يتوج نفسه. ما من أحد يتوج نفسه، بل ينتظر قرار الحكم … أَخْفِضْ جناح عُجبكَ، لأنَّ الغطرسةِ ملعونةٌ وممقوتةٌ عند الله. إنها غريبة عن عقل مَن يخاف الله. قال المسيح: «لا تدينوا لئلا تُدانوا، ولا تحكموا على أحد لئلا يُحكم عليكم».[2] فضعفُ الآخرين يجب ألاَّ يكون موضع ازدراء”.[3]
صلاته إذاً كانت كلها كبرياء، كلها ترنم بمزايا وعطايا بالأساس ليس منه إنما وهبها له الله، فبدلاً من أن يشكر الله بما منّ عليه، راح يتبجج وينتفخ ويمدح نفسه. لهذا صلاته كانت “كالهباء الذي تذريه الريح عن وجه الأرض“[4].
أما العشار فوقف من بعيد، لأنه شعر أنه غير مستحقٍ الدخولِ إلى الهيكل، لكثرة خطاياه. طأطأ رأسه إلى الأرض، قرع على صدره، وبإنسحاق قلبٍ اعترف صارخاً أن “اللهُمَّ ارحمني أنا الخاطئ”، كان همه أن يطلب الرحمة من الله إلتفت إلى نفسه وخطاياه، لم يبرر ذاته ولم يدن أحداً غير نفسه. في قرارة نفسه كان يعلم أن الله هو الديان الأوحد وهو الرحيم العطوف، ومنه كل عطية وكل بركة.
حقاً عظيمة هي فضيلة التواضع، لهذا قال عنها القديس اسحق السوري: “التواضع وشاح الألوهة لأن الكلمة المتجسد تسربله”[5]. فما أنجع دواء التوبةِ وما أجداه! كُتِبَ: «الله يصدُ المتكبرين، وينعم على المتواضعين»[6].
يا أحباء لكم القرار في طريقة رفع الصلاة لله، لكن اسمعوا العبرة اولا من فم الرب يسوع إذ قال:”من وَضع نفسه إرتفع ومن رفع نفسه إتضع”عسانا جميعا نختار طريق التوبة المتشحة بالتواضع فتكون صلاتنا مقبولة لدى الخالق كمثل صلاة العشار. آمين
الإرشمندريت د.أرسانيوس دحدل[7]
مثل الفريسيّ والعشار
[1] . المزمور 130: 3.
[2] . لوقا 6 :37.
[3]. Cyril of Alexandria. Commentary on the Gospel of st. Luke. Translated by R. Pyne Smith. Long Island,NY: Studion Publishers,Inc., 1983,p.481.
[4] .المزمور4:1.
[5]. القديس اسحق السرياني، نسكيات، ترجمة الأب إسحق عطالله الأثوسي، دير مار ميخائيل، 1998، ص 83.
[6]. 1 بطرس5:5، يعقوب 6:4.
[7] . إرشمندريت راهب من دير حمطورة لبنان, كاهن رعية الكاتدرائية المريمية، دكتوراة في اللاهوت من جامعة تسالونيكي اليونان، مجاز في الإعلام جامعة دمشق، دبلوم في المسيقى الكنسية البيزنطية من المعهد العالي للموسيقى الكنسية في تسالونيكي اليونان.
 
قديم 13 - 07 - 2016, 05:13 PM   رقم المشاركة : ( 13459 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

والدة الإله الفائقة القداسة عند القديس نيقوديموس الآثوسي
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ألقاها قسطنطين زلالاس في سان فرانسيكو، بتاريخ 6 تشرين الأوّل 2012
نقلتها إلى العربية رولا الحاج
(الجزأ الأول)
سيادة المطران كيرلّس،
أيّها الآباء القدّيسون، والشمامسة، والرّهبان، وحفظة أيقونة العذراء “نكتاري” المفيضة الطّيب، والإخوة والأخوات، إنّ المسيح ووالدته في وسطنا.
إنّ والدتنا الفائقة القداسة ستظلّ دومًا معنا لأنّنا، وعلى الرّغم من عدم استحقاقنا الكامل، ننتمي إلى أجيال المسيحيين الّذين يدعونها مباركة. إنّ وجودنا هنا في كاتدرائيّة سيّدة “فرح كلّ المحزونين” مع القدّيس يوحنا (مكسيموفيتش) رئيس أساقفة شنغهاي وسان فرانسيسكو، هو استمرار لإتمام الكلمات النّبويّة الّتي تلتها مريم العذراء في نشيدها الرائع بعد البشارة: “ها منذ الآن تطوِّبني جميع الأجيال!” رغم انتمائنا إلى أجيال المسيحيين الأكثر توغّلاً في الخطيئة، فوجود هذه الإيقونة العجائبيّ والعطر أبدًا في ما بيننا يؤكّد ما جاء في النشيد القديم لكنيستنا المقدّسة: “في ميلادك حفظت البتوليّة… وفي رقادك ما أهملت العالم يا والدة الإله”.
هل من برهان أعظم لهذه الحقيقة؟! فخلال السّنوات الخمس الماضية، باركتنا بطيب ابنها الفردوسيّ. مَسَحتنا بالعطر السماويّ للثالوث القدّوس، أي بزيت الإبتهاج، كما جاء في المزمور المسيحانيّ 45 للملك داوود. نعم، يُمكننا أن نفتخر بالرّب، وبوالدته، وبكنيستنا الأمّ، عمود الحقيقة وأساسها! لا نستطيع تذوّق الملكوت في هذه الحياة إلاّ في الأرثوذكسيّة! إنّنا نرى عظائم الله، ونشِّمُّها، ونتذوّقها، ونلمسها، ونعيشها بأجسادنا ونفوسنا! عمّانوئيل، الله معنا! وفي الوقت عينه، نحزن لتيتمّ ملايين المسيحيين غير الأرثوذكسيّين من حولنا، لأنّهم لم يختبروا في الحقيقة الحضن الدافئ لأمٍّ بهذه العظمة – وهو القبلة العذبة لأمّنا السّماويّة. إنّ الطّيب الفائض من هذه الأيقونة الّتي تلامسها شفاهنا غير الطاهرة، هو أعذب قبلة من – أيقونة القبلة العذبة لأمنا العذراء.
لقد نجح داوود النبيّ والملك، جدّ العذراء القدّيسة، ، بنقل وبشكلٍ جميلٍ ما اختبرناه مع طيبها العجائبي، هذا الطّيب الّذي ما انفكّ يفيض ليس في هذا الأسبوع فحسب، بل خلال السنوات الخمس الماضية. فقد كتب منذ حوالى 3060 سنة عن عظائم المسيح، وعروسه الكنيسة، ووالدة الإله – العذراء مريم – لأنّ أمّنا العذراء هي مرادف للكنيسة – وأستشهد هنا بما يلي:
“لذلك مَسحك الله إلهك بزيت الإبتهاج (elaion aggaliaseos)، أفضل من رفاقِكَ.”
يا لها من نبوءةٍ مُدهشةٍ حول السرٍّ الخفيّ – الخفيّ قبل كلّ الدهور! إنّ الزيت مادّيّ، ولا يُمكن المسح بالزيت إلّا في العالم الماديّ! فالرّوح لا يمكن أن تُمسح بالزيت! أيّ إله يمكن أن يُمسح بالزيت؟ إنّه الله الّذي يمكن ان يَخطُبَ لنَفسِه خليقته الماديّة، في الزمن. تشير إذًا عبارة “مسحك الله إلهك…” إلى طبيعة المسيح البشريّة.
لقد أخفى الشيطان هذه الآية عن آريوس ومعاصريه، الّذين حاربوا ألوهيّة المسيح. تذكّروا كيف خاطب الله الثالوث يسوع المسيح كإله منذ 3060 سنة تقريبًا! إنّ الآية التّالية لا تقلّ روعة عن هذه: “المُرّ والمَيْعَة والسَّليخة تفوح من ثيابِكَ… ثيابك كلّها معطّرة بالمرّ…” إنّها نبوءة مدهشة عن الأشخاص المقرَّبين من المسيح: أوّلاً مريم العذراء، ثمّ العذارى القدِّيسات كلّهنّ اللواتي ستقودهنّ إلى هيكل المَلك، بحَسب ما جاء في المزمور نَفسه. لقد تقدّسنا كلّنا وسَتَرنا عُريَنا الرّوحيّ بالرّداء المسمّى المسيح! لأنكم تعَمَّدتُم جميعًا في المسيح فلَبِستُم المسيح، كما يقول القدّيس بولس.
إنّ آدم وحواء أُلبِسا رداءً من نسج الله، رداءً غير ماديّ، رداء النّور غير المخلوق… ولكن بعد عصيانهم المأساويّ، خَسرا ذلك الرّداء العطر، وأُلبسا جلود الحيوانات الميتة. خَسرا رائحة الفردوس، واختارا رائحة الموتِ والفساد… إنّ سوء استخدام أسلافِنا لعطيّة الإرادة الحرّة أزال الله من قلب حياتهم، إذا جاز التّعبير… ومع هذا، تعيَّن على محبّة الحكمة الأقنوميّة وشوقها أن تعيش بين النّاس… فأحد ألقاب المسيح في العهد القديم هو حكمة الله. نقرأ في الفصل الثّامن من سفر الأمثال “كنتُ (الحكمة) عنده صانعًا مبدعاً، ومسرّاتي مع بني البشر…”
لن أقرأ عليكم آياتٍ بعد الآن…إنّها طريقة جيّدة لجعل بعضكم يقرأ الفصل كلّه.
منذ عدّة أسابيع، كنت ألقي حديثًا في إحدى رعاياكم، في كنيسة الرّسل القديسين، في بيلتسفيل- مريلاند، وكانت لنا مفاجأة سارّة مفرّحة… زارنا الميتروبوليت هيلاريون Ilarion وبقي لسماع الحديث. عارضتُه، وحَاولتُ أن أُقنِعَه بأن يُعلّم، ولكنّني لم أنجَح. ذهلتني بساطَته وتواضعه… لا عجب أن يُباركُكَ الله بأيقوناتٍ عجائبيّة عندما تتوفّر مثل هذه القيادة… حَاولتُ أن أقنِعَهُ مُجدّدًا بإلقاء كلمة بَعد حَديثي، فقال بِضعَ كلِمات. مع هذا، لقد كان المعلّم الحقيقي في تلك الأمسيّة. عَلَّمنا جميعًا بتواضعِهِ وبساطتِهِ. نسأل الله أن يمنحه وكَهَنَته كلّهم العمر المديد! وبين المُلاحظات الّتي ذكرها في تلك الأمسيّة أنّه لفَتَ إلى كسلِنا، نحن الأرثوذكسييّن، في قراءة الكتاب المقدّس… لذلك، رأيتُ أنّه من الجيّد، من الآن فصاعدًا، أن أذكر الفصل (فحسب)، وأولئك الّذين يُحبّون كلمة الله فعلاً سَيقرأون الفصل لإيجاد الآية.
فمسرّة الحكمة إذًا – في الفصل الثّامن من سفر الأمثال – كانت في لبس الأردية والعيش مع بني البشر. كانت هذه مسرّة الله (kat’evdokian)- إرادة الله السابقة أو الأوليّة. خَلقَ الله الكون كلّه مِن خِلال صانعه المبدع، الحكمة – كَلِمتَه، وجمّله ليشاركنا محبته.
ولكن بعصيان آدم وحواء إرادة الله، أصبحت الحكمة بلا مأوى. الخطيئة، والموت، والفساد كلّها عزلَت الطّبيعة عن الله. اضطُرّ الله أن يستعير أرديته الماديّة الأولى من هذا العالم الماديّ، ولكنّه لم يجد ما يتلاءم وطهارته الفائقة. وِفقًا للقدّيس غريغوريوس (بالاماس)، رئيس أساقفة تسّالونيكي، لا يستطيع الله أن يَلمس ما كان دنسًا، والسّقوط جَعَل العالم دنسًا. وأمسَت أردية الإنسان ملوّثة بالدمّ والخيانة والشَّر.
يقول آباء الكنيسة والقدّيس نيقوديموس الآثوسي، إنّ تجسّد الله مُستقِّلٌّ عن السّقوط. فالحمكة كان سيتجسّد بغضّ النّظر عن السّقوط. إنّ الهدف الأساسي للإنسان هو أن يبلغ التألّه، ولا يُمكن أن يَتحقّق ذلك من دون الإتحاد الأقنوميّ لطبيعَتَي المسيح. فرغبة الله السّابقة أو الأوليّة إذاً، كانت أن يتجسّد ويعيش مع خليقته. كانت مسرّة الحكمة أن يعيش مع بني البشر.
بفضل معرفته المُسبقة بالسقوط قام الله، قبل الدهور، ببعض التعديلات الطفيفة. هذا ما يُسمّيه شيخي ومُعلّمي أثناسيوس ميتيلناوس ارادة الله الامتيازيّة أو الثانويّة. إنّه أمرٌ مهمٌ للغاية وخاصّةً بالنسبة إلى أولئك المُهتَدين الّذين قد يقعون في صراع مع عقيدة التحديد المسبَق الغربيّة. فمعرفة الله المُسبقة لا تتعارض ومفهوم إرادة الإنسان الحرّة. الله يسبق فيحدّد، بإرادته الأوّليّة، ولكنّه يصحّح الخيارات السيّئة لإرادة الإنسان الحرّة بإرادته الثانويّة. مثلاً، كانت إرادة الله الأوليّة أن يبقى آدم وحوّاء في الفردوس من دون خطيئة، ويتكاثر الجنس البشريّ، ويتضاعف بعد ذلك بطريقةٍ ملائكيّةٍ.
ولكن نظرًا إلى السقوط، تلك الخطيئة الجديّة المأساويّة، عيَّنَ الله بفضل معرفته المُسبقَة شبكة أمان تُعرف بالجنس أو الزواج. إنّ الزّواج بين الرّجل والمرأة هو إذاً شبكة الأمان الّتي تحمي الإنسان من نتائج السّقوط الأوّل الموروثة. كانت البتوليّة والطهارة ارادة الله الأوليّة، أي حالة ملكوته. بارك الله بالتأكيد الزّواج، إلّا أنّ الزّواج يشكّل ارادة الله الثانوية، وبالتّالي، لن يكون موجودًا في ملكوت الله، حيث لا يسود إلاّ رغبته الأوليّة.
فيما كنت أكتب هذه السطور، ألقيت نظرة سريعة إلى الفصول الأولى لسفر التّكوين. في نهاية كلّ يوم من أيام الخلق، استخدم الله العبارة التالية:” ورأى الله أنه حسنٌ“. كرَّر ذلك مع مخلوقاتِه الطبيعيّة كلّها ولكن ليس مع مخلوقاته البشريّة.
وهنا نقرأ: “خَلَق الله الإنسان على صورَتِهِ، على صورة الله خلق البشر، ذكرًا وأنثى خَلقَهُم“. هنا لا نجد عبارة ورأى الله أنه حسنٌ.
غير أنّنا نقرأ في نهاية الفصل نَفسه: ” ونَظَر الله إلى كُلِّ ما صَنَعَهُ، فرأى أنَّهُ حَسَنٌ جِدًا”. فوِفقًا للقديس نيقوديموس، الّذي غالبًا ما يَستشهد بأقوال القدّيسَين غريغوريوس بالاماس ومكسيموس المعترف، تتضمَّن عبارة أنَّهُ حَسَنٌ جدًّا مُساهمة العذراء الكليّة القداسة. إنّ عفّتها وطهارتها المذهلتين تؤازران الله في معاكسة سقوط آدم. فهي قد أصلَحَت بكلماتها ” ليكن لي بحسب مشيئتك” إرادة آدم السّقيمة. وقع اختيار الله عليها ليجدّد الإنسان من خلالها عندما قال أنَّ كل شيء، كان حقًّا حسنٌ جدًا.
إنّ الخطيئة، الّتي استمرّت في آدم ونسله، جعلت الحكمة بلا مأوى وعاجزةً عن امتلاك أردية (أي طبيعته البشريّة). كان يحتاج إلى بيت بحسب ما جاء في الفصل التاسع من سفر الأمثال: “الحكمَة بَنَت بيتها. نَحَتت أعمِدتها السَّبعة”… إنّ بيت الحكمة وهيكلها الحقيقيّ هما مريم الناصريّة. كانت الحكمة تحتاج إلى عذراء طاهرة لتجعل منها رداءً لها، وتتمكّن بالتالي من أن تلِد عروسها الكنيسة، وتؤسسها على الأعمدة السبعة – أي أسرار الكنيسة المُقدَّسة – وتهتف: تعالوا، كُلوا مِن طعامي واشربوا الخمر الّتي مزجتها بالماء!… ذاك الماء هو إناء الماء الحارّ، يَحمله خدّام المذبح إلى الكاهن الّذي يُقيم الذبيحة.
ما كان أيّ من هذه الأسرار ليتمّ لولا عبارة عذرائنا المفيضة الطّيب: ” ليكن لي بحسب قولك”.
سامحوني من فضلكم إذا أرهقت بعضكم بهذه المقدّمة الطويلة، الّتي تبدو لاهوتيّة جدًّا، ولكنّ هذه المعرفة ستساعدنا بعض الشيء على فهم انشغال قدّيسنا في تقدير، وتمجيد شخص والدة الله الكليّة القداسة… فالقدّيس العظيم غريغوريوس، اللاّهوتيّ الثاني في كنيستنا، حذَّر بوضوح كليودونيوس وأتباعه السّابقيِن والمعاصرين كلّهم: “كلّ من لا يدعو مريم Theotokos – والدة الله – ينفصل عن الإله – ويكون كافرًا…” إنّها كلمات ذات وقع قويّ جدًا من هذا اللاهوتيّ ذي الإحساس المرهف والوداعة الشّديدة.
ويخلص القديس نيقوديموس الآثوسي إلى القول إنّ شخصًا واحدًا في تاريخ البشريّة تمكّن من تخطّي السموّ الروحيّ حتّى للعالم الملائكي. وِفقًا لهذا الأب القدّيس، اشتركت المخلوقات كلّها “بقوى الله وحدها، في حين استقبلت سيدتنا في أحشائها، أقنوميًّا، الشخص الثاني من الثالوث القدوس لينتهي بها الأمر بشكل رئيسيّ إلى أنها حقًا والدة الإله… لتثبت حسب إرادة ومعرفة الله المُسبَقَة، بأنّ والدة الإله كانت الغاية النهائيّة والهدف الأقصى للمخلوقات كلّها”[1].
يذكّر تعليم القديس نيقوديموس الآثوسي طبعًا بتعليم الآباء القديسيّن حول والدة الإله الفائقة القداسة، أي تعليم الكنيسة. إن الحبّ الرّوحي المتّقد، الّذي يكنّه هذا القدّيس لوالدة الإله الفائقة القداسة، يوازي الحبّ العميق والتقوى الشديدة الّتي شعر بها الآباء القدّيسون كلّهم تجاه شخص أمّ الله الفائقة الجلال[2]. كذلك، يعتبر ذلك بديهيًّا في سِيَر حياة القدّيسين الأرثوذكسيّين: لا يُمكن لأحد أن يكون قدّيسًا إن لم يحبّ أوّلاً والدة الإله حبًّا عميقًا. لاهوت القدّيس نيقوديمس في والدة الإله أتى نتيجة تقوى هذا القدّيس نحوها وحبّه العميق لها، وخبرته الشخصيّة، حيث عاش حياته ممجِّدًا اسمها بدون انقطاع. ووفقًا لروايات شفهيّة من رهبان عاصروه، غالبًا ما كانت والدة الإله تظهر له وتقول: “أباركك، يا بني نيقوديموس، وأقوّيك لتكتب”[3].
طبعًا، بفضل البصيرة الرّوحيّة القويّة الّتي تحلّى بها القدّيسون جميعهم (وتحديدًا لأنّهم كانوا قدّيسين)، فهموا أنّ والدة الإله حظيت بمحبة الله، فأصبحت محبوبة جدًا عند المحبوب الوحيد بفضل قداستها المطلقة. ولكن، حتّى القدّيسين يعترفون بعجزهم الكامل عن مقاربة المحيط اللاّمحدود لسرّ بتوليّتها الدّائمة ولو جزئيًّا. لقد كتَبَ القدّيس باسيليوس أسقف سلوقية في هذا الإطار: “من أين لي الجرأة أن أفتّش في محيط سرّ البتوليّة العظيم وعمقه، إن لم تعلّميني انت يا والدة الإله، أنا السبّاح المفتقر إلى الخبرة، كيفيّة تحرير الإنسان القديم الفاسد بضلال الشهوة”.
إن الحبّ الكبير الّذي يُكنّه القديس نيقوديموس لشخص والدة الإله الكليّة القداسة دفعه إلى تمجيد اسمها بدون انقطاع، ووصف مدى غبطتها، وتمجيد العظائم الّتي صنعها الله القدير بها (لوقا 1: 49).
في الثيوطوكاريون، – وهو كتاب يحتوي على 2450 ترنيمة للعذراء تزخر بالتوبة وتُقرأ في أديارنا يوميًّا-، كَتب القدّيس نيقوديموس ما يلي: ” [من بين يالمخلوقات جميعها]، وحدها تحلّت منذ الولادة بثبات كامل لا يتزعزع في وجه الشرّ. كانت قد أماتت إلى الأبد النزعات الأهوائيّة لقوى النفس الثلاثة (العقليّة، والشهوانيّة، والانفعاليّة). لأنّها وَلَدَتْ من هو خالق كلّ شيء وإنسان صُلِبَ بالجسد[4]. في تفسير الترنيمة التاسعة، يوسّع القدّيس نيقوديموس نظريّته اللاهوتيّة في أنّ والدة الإله تسمو على سائر مخلوقات العالم من ناس وملائكة، فيقول: “بنقاوتها الفائقة الطبيعة في حياتها كلّها، ولا سيّما خلال إقامتها لمدة اثني عشرة عامًا في قدس الأقداس، استحقّت العذراء مريم بجدارة أن تُصبح أمًّا لابن الله وكلمته نفسه“[5].
ويُتابع القدّيس قائلاً: “من تُراهُ أنقى من والدة الإله وأوفر قدرةً على استعراض أسرار السماء؛ ليس بين مراتب الملائكة أو الناس مَن يفهم عظائم الله أفضل منها“[6].
مع هذا، في لاهوتنا الحديث، لا سيّما في المجال الأكاديميّ حيث كان تأثير البروتستانت شديدًا، قد نسمع عبارة “الأول بعد الواحد” الّتي تميّز العمق الفكري واللاهوتيّ لـ”فمّ المسيح”، الرّسول بولس. كان رسول الامم بالتأكيد إناء للنعمة، إناءً مُختارًا، خادمًا دؤوبًا للكلمة.
إلاّ أنّ التقليد المقدّس الحيّ، الّذي حَفِظَ الكنيسة من مثل هؤلاء اللاهوتيّين العقلانيّين على مرّ العصور، يميّز لاهوتيًّا واحدًا لا منازع له يُعتبر “أسمى من السماوات وأنقى من أشعة الشّمس”، بحسب القدّيس نيقوديموس، الّذي لخّص الضمير الشامل لآباء الكنيسة، من خلال محاولته تقيّيم شخص والدة الإله غير المُتكرّر والدائم الفرادة. يُفسّر القديس نيقوديمس في اعترافه الإيمانيّ[7]، أنّ “الأول بعد الواحد” في العقيدة الأرثوذكسيّة هي أمّنا العذراء، والنظرة الأُرثوذكسيّة لحركة الكوليفاديس Kollivades (القدّيس نيقوديمس، والقدّيس مكاريوس الّذي من كورينثوس، والقدّيس أثناسيوس باريوس)، الّتي شدّدت على الحاجة الدائمة للمناولة المقدسة المتواترة وتلك المتعلّقة بإقامة قداديس تذكاريّة يوم السبت المحدّد وليس الأحد، الأمر الّذي أشعل ثورة في نفوس “رهبان الجبل المقدّس المتعصبين وغير المثّقفين” في القرن الثامن عشر، ما أنتج جوًّا من الإفتراءات والغضب ضدّه لإثني وعشرين عامًا[8].
طبعًا، برَّأ المجلس المقدّس لجبل آثوس القدّيس من هذه الحرب غير المبرَّرة الّتي سبّبتها حاشية جريئة في كتابه الصادر حديثًا، تحت عنوان الحرب اللامنظورة[9]، وجاء فيها: “بكل حقّ، الله الثالوث القدّوس، سُرّ وابتهج كثيرًا قبل الدهور عالمًا، بحسب سابق معرفته، بمريم الدائمة البتولية. وذلك لأنّه بحسب رأي بعض اللاهوتيّين، لو صار الناس كلّهم منذ الدهور أشرارًا وذهبوا جميعاً إلى الجحيم وسقطترتب الملائكة التسع من السماء وأصبحوا شياطين… مع هذا كلّه، هذه الشرور كلّها مقارنة بملء قداسة والدة الإله، لن تكون قادرة على إحزان الله، لأنّ السيّدة والدة الإله وحدها قادرة أن تفرّحه بالكامل في كلّ الأحوال… هي الوحيدة الّتي أحبّته قبل كلّ شيء، لأنّها وحدها أطاعت إرادته، قبل كلّ شيء، ولأنّها وحدها كانت قادرة أن تتلقّى هذه المواهب الطبيعيّة، والإختياريّة، والفائقة الطبيعة – الّتي وزّعها الله على خليقته كلّها…”[10]
ويتضمّن تفسيره للترنيمة التاسعة تعدادًا لمواهب والدة الإله الفائقة القداسة هذه كلّها، حيث يُعبّر القدّيس صراحةً عن شوقه الّذي يُصعب إشباعه، “ما أعذب شخصكِ واسمكِ يا مريم، ما هذا الحبّ الّذي أشعر به في داخلي؟ لا أستطيع أن أكفّ عن الإشادة بعظائمكِ! فكلمّا أشَدْتُ بها كلّها، تُقتُ إليها أكثر، شوقي لن ينطفئ أبدًا، وتوقي لن ينتهي…”[11]
يُشدّد القدّيس نيقوديموس، في المقطع “لأنّه نظر إلى تواضع أمته”، على عمق تواضع سيّدتنا العذراء، كما في الحواشي، “لم يكن عمق التواضع متجذّرًا في قلب والدة الإله فحسب، بل فاض كالنّبع المتدفّق ليغمر أعضاء جسدها الطاهر الخارجيّة كلّها… أشرق تواضعها مثل الشمس، في سلوكها كلّه، وفي حركاتها، وفي كلماتها، وفي طبيعتها الداخليّة كلّها ومظهرها الداخليّ… فبشكلٍ عام، شعّ حضور والدة الإله نعمةً إلهيّةً واحترامًا كبيرين، فولّدا كثيرًا من الإجلال والانسحاق في نفس الناظر إليها للمرّة الأولى… حتّى من تلك النظرة الأولى كان يعرف المرء – من طبيعتها الخارجيّة فحسب – أنّها حقًا والدة الإله…
كالقدّيسين جميعهم، أحبّ القدّيس ديونيسيوس الآريوباغي المسيح ربّه حبًّا عظيمًا. عندما عَلِم أنّ والدة المسيح الكليّة الطهارة كانت لا تزال على قيد الحياة، سافر من أثينا للقائها. دُهِشَ عندما وقع نظره للمرّة الأولى على وجهها الإلهيّ وجمالها الرائع والملوكيّ، وقد أحاط بها الملائكة كملكة… ولدى سماعه الكلمات الإلهيّة من فمها الكليّ النقاوة، دُهش وملكته الرّهبة، معترفًا أنّ طبيعة جسدها ومظهرها الخارجيّ كافيان وحدهما بإظهار أنّها والدة الإله[12].
امتلكت السيّدة العذراء بشكلٍ كامل رداء التواضع من نسج الله. فعلى الرّغم من أنّها اختيرت لتكون حقًا والدة الإله وملكة المخلوقات المنظورة وغير المنظورة كلّها، عند بشارة الملاك جبرائيل لها، عرّفت بنفسها لهجة هادئة عفويّة ليس فيها تصنّع أنّها أمّة الربّ[13]. كلّما أصبحت الروح أكثر طهارة وكمالًا، شعرت بضعفها وعدم جدارتها. هذه كانت قوّة تواضع الدائمة البتوليّة، الّتي حسبَت نفسها غير مستحقّة لتكون خادمة العذراء الّتي تكلّم عنها أشعياء، وكانت ستلد المسيح بحسب مُضيفِنا القديس يوحنا رئيس أساقفة شنغهاي وسان فرانسيسكو (أشعياء، 7: 14)[14]. إلى ذلك، يرى بعض المعلّمين أيضًا “أنّ العذراء، نظرًا إلى تواضعها الكبير والفريد، لم تكشف لخطيبها يوسف عن بشارة الملاك جبرائيل، كي لا تبدو متباهية ومغرورة، بل تركت لله أمر إبلاغه من الأعالي”[15].
إحفظينا يا والدة الإله الكليّة القداسة واحمينا، وخلّصينا من سهام الشرير الحارقة بصلوات آبائنا القدّيسين. آمين.
والدة الإله الفائقة القداسة عند القديس نيقوديموس الآثوسي1

[1] Theoklitos Dionysiatis, Saint Nicodemos the Hagiorite, 2nd Edition, pp. 250.
[2] المرجع نفسه، 245
[3] المرجع نفسه، 248
[4] Theoklitos Dionysiatis, Saint Nicodemos the Haghiorite, pp. 187.
[5] St. Nicodemos, Garden of Graces, pp. 196.
[6] المرجع نفسه، 195
[7] Saint Nicodemos, Handbook of Counsel, Athens 1987, pp. 314.
[8] Krikonis Chris., Saint Nicodemos the Haghiorite, Life and Written Work, Athens 2001 pp. 125.
[9] أنظر، Theoklitos Dionysiatis, Saint Nicodemos the Hagihorite, pp. 246
[10] المرجع نفسه
[11] Saint Nicodemos, Garden of Graces, pp. 214
[12] المرجع نفسه، 204
[13] المرجع نفسه
[14] Saint John of Shanghai and San Francisco, The Orthodox Veneration of MARY the birthgiver of God, California, 1996, pp. 65.
[15] Saint Nicodemos, Garden of Graces, pp. 205
 
قديم 13 - 07 - 2016, 05:15 PM   رقم المشاركة : ( 13460 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

والدة الإله الفائقة القداسة عند القديس نيقوديموس الآثوسي
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



والدة الإله الفائقة القداسة

عند القديس نيقوديموس الآثوسي

ألقاها قسطنطين زلالاس في سان فرانسيكو، بتاريخ 6 تشرين الأوّل 2012
نقلتها إلى العربية رولا الحاج
(الجزء الثاني)
من عظائموالدة الإله الشخصيّة تَنَزُّهُها عن الخطيئة بالنّسبة لسائر البشر[1]، وجهادها الشخصيّ. وفقًا للقدّيس غريغوريوس بالاماس، أسقف تسالونيكي، عندما كانت والدة الإله طفلة صغيرة في قدس الأقداس “العمل العقليّ” وهي رائدة الصلاة العقليّة والقلبيّة، لأنّه “من خلال عودة العقل إلى القلب والصلاة الدائمة، سَمَت عن كلّ ما له هيئة وشكل، فَبَنت بالتّالي دربًا جديدًا إلى السماء – الصمت العقليّ – وارتفعت من خلاله فوق المخلوقات كلّها، وعاينت مجد الله بطريقة أكثر كمالاً من موسى، ورأت النعمة الإلهيّة الّتي لا يُمكن الحواس إدراكها، بل هي مشاهدة بديعة للملائكة، والرهبان، والنفوس النقيّة“[2].
يتابع القدّيس نيقوديموس، في كتابه بستان النعم، الحديث عن “العظائم الّتي صنعها الإله القدير بها”:
  • إنّ الله سَبق فعرفها واختارها قبل الخليقة كلّها لتخدم السرّ الّذي كان مكتومًا قبل الدهور.وفقًا للقديس باسيليوس الكبير، هي خُلاصة التطهير الّذي خضعت له الأجيال البارّة السبعة والسبعين، قبل الناموس وبعده، منذ آدم وصولاً إلى يواكيم البار.
  • إنّها قصيدة كلّ نبيّ وبداية النبؤات كلّها منذ سفر التكوين.
  • إنّها أمّ النعمة قبل زمن النعمة.
  • جعلها أرحب من السماوات كونها حملت في أحشائها الإله الّذيلا يسعه مكان.
  • أعظم العظائم هو حبلها بشكل يفوق الطبيعة بالله الكلمة، الّذي لم ينمُ في أحشائها بحسب قواعد علم الأحياء التطوّري الشائعة. يعلّم القديس باسيليوس في عظته الميلاديّة أنّه “كوَّن الطفل نفسه في لحظة وليس من خلال انقسامات صغيرة (للخلايا والقسيمات الجرثوميّة)…” يُشير القدّيس إلى أنّه في غياب الأمشاج والبويضات، جرى نموّ من نوع آخر، لا يختلف كثيرًا عن نموّ آدم القديم. إنّ حكمة الله، وهو الخالق المبدع، جبلَ آدم القديم من الطين. كذلك، منذ ألفي سنة، جبلَ حكمةُ الله نفسُه، الخالق المبدع، رداءً لنفسه، أيّ طبيعته البشريّة من دم العذراء الكليّ النقاوة. ورأى رئيس الملائكة جبرائيل ملكَ الملوك للمرّة الأولى في البشارة، بحسب ما جاء في الترنيمة الخاصّة بوالدة الإله (الثيوطوكيون) باللحن الأوّل، “إنّ جبرائيل لمّا تفوّه نحوكِ أيّتها العذراء إفرحي، حينئذٍ تجسّد سيد الكلّ فيكِ عند سماعه الصوت”… حملَتِ العذراءُ الطفلَ الصغير، الّذي استمّر ينمو بشكلٍ طبيعيّ لمدة تسعة أشهر، ولم تشعر بآلام الولادة ولا بأيّ ثقل أو إرهاق.
  • أخيرًا، ولدت ذاك الّذي من خلاله تمّ كلّ شيء، بدون أيّ تغيير أو فساد. حافظت على عذريّتها وبقيت عذراء خلال هذه الولادة الفائقة الطبيعة ولبقيّة حياتها، بما أنّها كرّست نفسها بالكامل لمشيئة الله الأوليّة، الّتي تحدّدت بالعذريّة. في غياب هذه النظريّة اللاهوتيّة الأرثوذكسية الخاصّة بآباء الكنيسة الواضحة تمامًا، يتصارع جيراننا المسيحيون غير الأرثوذكسيّون منذ قرون مع الفكرة القائلة إنّ للمسيح أخوة وأخطأوا مؤخرًا لدرجة مُحزنة حيث نسبوا لابن الله أفكارًا شهوانيّة وتكلموا حتّى عن زواجه، ومن الواضح أنّهم لم يعودوا يقبلون به كأحد أقانيم الثالوث. ليس هذا سوى روح المسيح الدّجال بحسب القدّيس يوحنّا اللاهوتيّ. ويشير موقف الأرثوذكسيّة إلى أنّ الإتّحاد الأقنوميّ للطّبيعتين جعل المسيح محصّنًا بالكامل من أيّ أهواء وتجارب دنيويّة. كان يسوع الإنسان الحقيقيّ الوحيد الّذي لم يخرج عن إرادة الله الكاملة كما أعلن الآب في خلال معمودية المسيح والتجلي المقدّس: “هذا هو ابني الحبيب الّذي به سُررت”.
ووفقًا للقدّيس نيقوديموس، استمّرت سيّدتنا والدة الإله بجهادها الشخصيّ بعد قيامة ابنها وصعوده، “سَعَت السيّدة والدة الإله بطريقة مميّزة إلى الجهاد، أيضًا بعد صعود ابنها، بالصوم، والصلوات، والسجدات، وأنواع التقشّف كلّها”[3].
يُلخّص القدّيس تعاليم الكنيسة حول تنزيه والدة الإله نسبيًّا من الخطيئة في مقطع النشيد “تبتهج روحي بالله مخلّصي”. إنّ الّذي خلّص العالم من الخطيئة خلّص أيضًا والدة الإله من الخطيئة الجديّة، لأنه وعلى الرّغم من سمو والدة الإله عن كل خطيئة طوعية، مُميتة، وقابلة للمغفرة… كانت عرضة للخطيئة الجدّيّة حتّى البشارة. عندئذٍ، طُهرّت من ذلك بحلول الروح القدس”[4]. ويُصنّف القديس نيقوديموس بتوليّتها الدائمة، وقيامتها، وانتقالها، وصعودها إلى ملكوت السماوات ضمن العظائم الفائقة الطبيعة لوالدة الإله[5].
يذكر القديس نيقوديمس في كتابه “بستان النِّعَم” شهادة القدّيس أغسطينوس حول عظمة والدة الإله الفائقة التصوّر: “كان الله الخالق العظيم، الّذي أخرج كلّ شيء من العدم إلى الوجود، قادرًا على الإتيان بمخلوقات أكثر كمالاً، لأنّه قادر على كلّ شيء، طبعًا؛ ومع ذلك ثمّة ثلاثة أشياء لم يستطع الله نفسه أن يجعلها أكثر كمالًا: طبيعة المسيح البشريّة، عظمة مريم الدائمة البتوليّة في ولادتها، والمجد الأبديّ للقدّيسين”[6].
على ضوء ما ذُكِرَ أعلاه، لا يمكننا أن نسلّم برأي بعض اللاهوتيّين في الوسط الأرثوذكسيّ، الّذين يدّعون أنّ وساطة العذراء أو شفاعتها، كما يسارعون إلى تسميّتها، لا تختلف بشكل جوهريّ عن شفاعة القدّيسين الآخرين. من المعروف أنّه تمّ التشكيك منذ بضعة عقود بتقليد كنيسة المسيح الّتي تصلّي “أيتها الفائق قدسها والدة الإله خلصينا”. يقولون إنّ الله وحده يُخلّص. لا يمكن العذراء مريم الكليّة القداسة سوى التشفّع مثل أيّ قدّيس[7]. تصلّي الكنيسة بالتأكيد، “بشفاعة والدة الإله، يا مخلّص خلّصنا”، لكنها تُرنّم أيضًا “أنتِ لنا شفيعة عند الله المحبّ البشر” لأنّ سيّدتنا “أكرم من الشيروبيم وأرفع مجدًا بغير قياس من السيرافيم” – “القدّيسة الأعظم من القدّيسين” – “الله بعد الله”، هذا كلّه يعني أنّ شفاعتها – وساطتها – أرفع بلا قياس من شفاعة القدّيسين والملائكة.
يبدو أنّ خطر التيارات العقلانيّة والإنسانوية لا يزال كامنًا في العالم الأرثوذكسيّ اليوم. كان هذا الخطر أكبر بكثير في زمن القدّيس نيقوديموس لأنّ الأراضي الأرثوذكسيّة أفقرها الاستعباد الّذي فرضه الأتراك العثمانيّون. تنامى المبشِّرون البروتستانت “المخلَّصون” بشكل كبير في سهول البلقان الأرثوذكسيّة المهمَلة، محاولين على طريقتهم، تبشير الأرثوذكسيّين بالخلاص”[8]. لعلّ هذا هو السبب الّذي جعل القدّيس نيقوديمس يقترح مناقشة ممتازة للوساطة السّمية – شفاعة – الّتي تتمتّع بها الأمّ العذراء لدى ابنها وإلهها. يستهلّ القدّيس تبريره من ترانيم العنصرة المُلهمة من الله قائلاً: “… لم يُذكر في الترنيمة أنّ العذراء أعطت أو مَنَحَت، أو أي كلمة أخرى من هذا القبيل، بل أقرضت خالق الكلّ جسدًا، أي أنّها أعطت قرضًا لـكلمة الآب… هذا يعني أنّ والدة الإله، من خلال هذا القرض، جعلت ابن الله مَدينًا لها”[9]. ويتوسّع القدّيس في شرحه أنّه قرضٌ من نوع آخر، لا صلة له بالقروض الماليّة والأشياء الماديّة “الخارجيّة”، الّتي يتّم إرجاعها عادةً في العالم التجاري مع فائدة ماليّة. كان قرض “حكمة الله الصانع الكلّ” داخليًّا أبديًّا ولا يمكن تسديده. إنّ الإتّحاد الأقنوميّ للمسيح أمر نهائيّ، لأنّ الله الكلمة سيتّحد إلى الأبد بالطبيعة البشريّة (اقتراضًا من مريم العذراء الكليّة القداسة). إنّ الطبيعة البشريّة هذه هي الّتي جعلته الوسيط الجوهريّ بين الخالق والمخلوق، أي الله والإنسان. فبدون الطبيعة البشريّة، نستطيع أن نقول “تعذّر على موسى رؤية الله في العهد القديم” حتّى يومنا هذا. وبالتالي، فإنّ هؤلاء الهراطقة المتعدّدين، الّذين عرقلوا عمل خلاص المسيح على الجلجثة وهم يزعمون أنّ جسد المسيح تبّدد في صعوده إلى السماء، لَمصابون بالهذيان! إنّهم آخِر من يمكنه التعليق على الموضوع! ويُضيف القدّيس نيقوديموس في تأمّلاته اللاّهوتية ما يلي:
“ماذا يُمكن أن نستنتج من هذا؟ بما أنّ ابن الله مدين دائمًا لوالدته، عليه أوّلاً أنّ يعظّمها بكامل المجد والإكرام اللّذين يليقان بإله ولا يعرفهما أي مخلوق آخر؛ وبما أنّ القرض الّذي تلقّاه منها أبديّ، عليه أيضًا أن يحقّق طلبات والدته الآن وإلى الأبد ….”
ويتابع نيقوديموس المحبّ لوالدة الإله، “هل رأيتم مجدًا مماثلًا يا أحبّائي؟ هل رأيتم عظائم العذراء؟ أسرعوا إليها بتقوى وإيمان وسوف تٌستَجاب طلبات صلواتكم المتعلّقة بالمسائل الخلاصية كلّها.”
صاحب السيادة، بحسب قصة القدّيس قوزما الإيتولي الرائعة الّتي سأرويها، إنّ حبّ ملكة السموات ورأفتها لا يعرفان حدودًا.
وفقًا للقدّيس قوزما، استسلم أحد المسيحييّن المدعو يوحنا لطريق السّرقة الرديئة. أصبح قائد عصابة مؤلَّفة من مئة لصّ، إلّا أنّه كان لديه احترام كبير لوالدة الإله، ولعلّه قد ورثه من أهل بيته المتديّنين. لم يغفل قطّ، لا مساءً ولا صباحًا، عن صلاة المديح لأمّنا الكليّة القداسة.
ومن خلال شفاعة العذراء الكليّة القداسة (Panagia) أنارت نعمة الله ناسكًا تقيًّا ليزور عصابة اللصوص هذه ويبشّرهم بكلمة الخلاص. أقنع الناسك الرائي القائد يوحنا بأن يستدعي أتباعه كلّهم ورأى أنّ أحدهم كان غائبًا. فسأل “من الغائب”؟ وبالفعل، كان الطبّاخ غائبًا. طالب الناسك بحضوره، ولكنّ هذا الطبّاخ، عند قدومه، رفض أن ينظر إلى وجه رجل الله. أمر الناسك التقيّ هذا الطبّاخ الغريب الأطوار: “بإسم يسوع المسيح، آمرك بأن تقول لنا اسمك ومن أين أتيت…” فأجابه، “أنا أبو الكذب… لكنّك الآن بعدما قيّدتني باسم المسيح أنا مُجبرٌ على قول الحقيقة…أنا شيطان و أرسلني سيدي لأخدم القائد يوحنا، منتظرًا بفارغ الصبر اليوم الأوّل الّذي يهمل فيه صلاته لوالدة الإله، كي أتمكّن من أخذ روحه مباشرة إلى الجحيم. أنا هنا منذ أربعة عشر عامًا ولم يُهمل قطّ صلاته: “إفرحي يا عروسًا لا عروس لها”!
أبعد الناسك الشيطان إلى الجانب الآخر من العالم، ثمّ بشّر اللصوص الّذين أظهروا توبة مثاليّة. أصبح بعضهم رهبانًا وتزوّج بعضهم الآخر وعاشوا حياة مليئة بالتقوى.
صاحب السيادة، إخوتي وأخواتي في المسيح، تُجسّد هذه القصة بشكلٍ رائع حبّ إلهنا ووالدته لكلّ خاطىء. بالنسبة إلى الرّبّ ما من شيء على هذه الأرض أثمن من بضع قطرات دمع من قلب تائب. حتّى إنّ دمعة واحدة لتوبة حقيقيّة تفوق طنًّا من الأعمال الصالحة المفتقرة إلى التوبة.
الخاتمة
صاحب السيادة، إنّ اللقب اللاهوتيّ بامتياز، الّذي يعبّر عن مكانة مريم العذراء الكليّة القداسة في اللاهوت الأرثوذكسيّ، هو والدة الإله “Theotokos”. إنّ عبارة والدة الإله تقود مباشرة إلى قلب العقيدة الخريستولوجيّة، ونتيجة لهذا، كان من الطبيعيّ أن تواجه معارضة عدد من الهراطقة، الّذين حرّفوا الجوانب المختلفة للعقيدة الخريستولوجيّة والإتحاد الأقنومي لله الكلمة. في ضمير الكنيسة، إنّ تعبير والدة الإله يُصنّف كـ”حصن للإيمان”، واصطلاح لا يتزعزع، فهي تشكّل قلعة رائعة في وجه البدع الخريستولوجيّة[10]. بحسب تعليم الآباء الجامع، يرتبط اسم والدة الإله بشكل وثيق بنتيجة العمل الخلاصيّ لاسم الإله – الإنسان (Theanthropos)، إنّ والدة الإله كتعبير وكشخصٍ، كانت وتبقى عبر القرون مرساة الخلاص “للّذين يقبّلون أيقونتها المهيبة”. إلى جانب لقب والدة الإله، ثبّت الآباء ومعلمو الكنيسة لقب مريم الدائمة البتوليّة في المجمع المسكوني الخامس من القانون التاسع، مُحدّدين الإيمان الصحيح حول المسيح، “الّذي تجسّد من والدة الإله المجيدة المقدّسة، مريم الدائمة البتوليّة”، كما حافظت عليها حتّى اليوم ليتورجيّة القدّيس يوحنا الذهبيّ الفمّ.
تُظهِر النّبؤات، والرّسومات، والعلامات، والرّموز الكثيرة المتعلّقة بوالدة الإله الكليّة القداسة في العهد القديم أنّ مريم العذراء الكليّة القداسة شخص لن يتكرّر، ما يجعلها فعلًا “السلّم، والجسر، وبوابة” الخلاص للجنس البشريّ. يورد القدّيس نيقوديموس في عمله “Eortodromion” شروحات شاملة لمرنّمين وملحّنين مرّوا عبر القرون و”استعاروا” من الكلمات النبوئيّة من أجل نَظم ترانيمهم الخاصّة بوالدة الإله. ويوسّع القدّيس نيقوديموس لاهوت الآباء، فيعلن أنّ “قلب الناموس كلّه وخاتمته وهدفه، وأقوال الأنبياء ورموزهم كلّها، هو والدة الإله نفسها، ومن قَبلِها، الله الكلمة الّذي تجسّد منها”[11]. وكالقدّيسين المحبّين لولدة الإله الآخرين، خصّص نيقوديموس جزءًا كبيرًا من كتاباته ليُعبّر عن شوقه الّذي يُصعب إشباعه “للمعجزة الّتي لا يسبر غورها” لوالدة الله.
في تفسيره للترنيمة التاسعة، يُعالج القدّيس نيقوديموس استحقاق والدة الإله الكليّة القداسة الأسمى مقارنةً بالمخلوقات الأخرى. تفوق والدة الإله المخلوقات كلّها في النقاوة، والتألّق، والبساطة، والشّوق المتعذّر تفسيره، والطاعة الكاملة لمشيئة الله. وبالتّالي، فإنّ مواهب والدة الإله جعلتها “ممتلئة نعمة” قبل البشارة وأمّ النعمة قبل زمن النعمة أي العنصرة. بقولها “ها أنا أمة الربّ”، تطهّرت مريم البتول الكليّة القداسة من وصمة آدم و”أصبحت طاهرة وغير مُدنّسة” لتخدم سرّ “الولادة الجديدة” مانحةً دمّها الكليّ النقاوة لآدم الجديد.
إنّ مكوث المسيح في رحم والدة الإله العذريّ قدّسها بالنعمة وألّهها إلى درجة لا تقارن مع أيّ مخلوق آخر. ووفقًا للأب أثناسيوس ميتيلناوس، جعلها وسيطًا جوهريًّا بين الجنس البشريّ، وآدم الجديد، أي ابنها، على الرغم من أن هذا قد يبدو للبعض كلامًا يتجاوز المعقول.
يمكن لوالدة الإله الفائقة القداسة أن تخلّص بالتأكيد لأنّه بحسب ما جاء في المزمور الداووديّ، إنّها الملكة الّتي تقف عن يمين الملك، ابنها، الّذي يجلس عن “يمين الآب” في ملكوت السموات.
إحفظينا يا والدة الإله الكليّة القداسة واحمينا، وخلّصينا من سهام الشرير الحارقة بصلوات آبائنا القدّيسين. آمين.
والدة الإله الفائقة القداسة عند القديس نيقوديموس الآثوسي

[1] الله وحده معصوم عن الخطيئة تمامًا، ولكنّ والدة الإله بريئة من كلّ عيب. يشرح القدّيس يوحنّا الذّهبيّ هذا الأمر قائلاً إنّ الخطيئة كانت بالنسبة إلى والدة الإله مثل كلاب تعوي من بعيد (المترجم).
[2] Saint Nicodemos, Garden of Graces, 195.
[3] المرجع نفسه، 217
[4] المرجع نفسه، 200
[5] المرجع نفسه، 213
[6] المرجع نفسه، 214، يُلاحظ القديس نيقوديموس في عظة المغبوط أغسطينوس هذه أنّ ذلك الأخير يصنّف “المجد الأبديّ” في المخلوقات ويضيف تعليقًا: لعلّ المغبوط أوغسطينوس كان يُسّمي المجد الأبديّ مخلوقًا، على الرّغم من أنّه، بحدّ ذاته، بعيد عن ذلك! لأنه غير مخلوق، باعتباره قوى الجوهر الإلهيّ الطبيعي وغير المنفصل عنه.
[7] Mavromatis George, She is Truly Theotokos, pp 190
[8] أنظر، Theoklitos Dionysiatis, Saint Nicodemos the Haghiorite, pp. 25
[9] المرجع نفسه، 250
[10] Theodoropoulos Epiphanios Arch, The Akathist with Interpretation, Athens 1988, pp. 174
[11]Saint Nicodemos Haghiorite, Eortodromion, pp. 233
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 09:25 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024