منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 30 - 06 - 2016, 05:38 PM   رقم المشاركة : ( 13381 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الكنيسة: طبيعتها ومهمتها


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الفكر الجامع:
يتعذَّر علينا أن نبدأ بإعطاء تحديد رسمي للكنيسة، لأنه لا يقدر أيّ تحديد أن يدَّعي السلطان العقيدي، ولأنه لا يوحد أيّ تحديد عند آباء الكنيسة وفي مقرارات المجامع المسكونية. وفي الملخصات العقيدية التي وُضعت أحياناً في الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية وعلى الأخص في القرن السابع عشر، والتي تُنعت خطأ “بكتب اللاهوت الدستوري” لا نجد أي تحديد للكنيسة، باستثناء الاستشهاد بعبارة دستور الإيمان التي تتعلَّق بالكنيسة وإضافة بعض التفاسير بعبارة دستور الإيمان التي تتعلَّق بالكنيسة وإضافة بعض التفاسير إليها. لكنَّ قلة التحديدات الرسمية لا تشير إلى تشويش في الأفكار أو غموض في الآراء. فآباء الكنيسة لم يهتموا كثيراُ بعقيدة الكنيسة، لأن حقيقتها المجيدة كانت ظاهرة أمام رؤيتهم الروحانية. إن المرء لا يحدِّد ما هو واضح في ذاته، مما يفسِّر غياب فصل خاص بالكنيسة في كلّ العروض الأولى للعقيدة المسيحية، عند أوريجنس والقديس غريغوريوس النيصصي حتى عند القديس يوحنا الدمشقي. يعتقد عدد من الباحثين المعاصرين الأرثوذكسيين والكاثوليك أن الكنيسة نفسها لم تحدِّد طبيعتها وجوهرها. فروبرت جروش يقول: “إن الكنيسة نفسها لم تحدِّد حتى اليوم طبيعتها” . ويرى بعض اللاهوتيين أكثر من ذلك فيدَّعي إمكانية وجود أي تحديد لها. فلاهوت الكنيسة مازال في الصيرورة (im Werden) والتكوّن
واليوم يبدو أنه على المرء أن يتجاوز النزاع اللاهوتي المعاصر، لكي يبلغ ثانية المنظور التاريخي الواسع، ولكي يستعيد “الفكر الجامع” الحقيقي الذي يحوي خبرة الكنيسة التاريخية في محجتها خلال العصور. وعليه أن يعود من غرفة الصف إلى الكنيسة المصلِّية وأن يستبدل، على الأقل، لغة اللاهوت المدرسية بلغة الكتاب التصويرية والمجازية. فلعلّه يقدر أن يصف طبيعتها وأن يصوِّرها أكثر من أن يحدِّدها فعلياً. فهو يقدر أن يفعل هذا من داخل الكنيسة فقط. ولعلّ هذا الوصف مقنع لابناء الكنيسة فقط. فالسرّ لا تدركه إلاَّ بالإيمان.
الحقيقة الجديدة:
إن اللفظة اليونانية “ekklesia” (كنيسة) التي اتخذها المسيحيون الأوائل للدلالة على الحقيقة الجديدة التي أدركوها أنهم شركاؤها، تفترض فهماً دقيقاً جداً لما كانت عليه الكنيسة. فهذه اللفظة التي تبنَّاها المسيحيون تحت تأثير استخدامهم للترجمة السبعينية تؤكد أولاً الاستمرار العضوي بين العهدين، لأن الوجود المسيحي قد فُهم من خلال المنظور المقدَّس للإعداد المسياني ولتحقيقه (عبرانيين 1: 1-2). وهذا المنظور يتضمَّن لاهوتاً محدَّداً عن التاريخ. فالكنيسة هي إسرائيل الحقيقي والشعب المختار حديثاً و”النسل المختار والكهنوت الملوكي والأمة المقدَّسة والشعب الذي اقتناه الله” (1 بطر 2: 9). بل هي البقيَّة المؤمنة والمختارة من الشعب القديم الذي لم يستجب لربه (لوقا 12: 32. “القطيع الصغير” أي القطيع “الباقي” المعاد إقامته وتخليصه وتقديسه). فكلّ شعوب الأرض من يونانيين وبرابرة اقتطعهم الله وطعَّم بهم شعبه الجديد (هذا هو الموضوع الرئيسي في رسالتي القديس بولس إلى رومية وغلاطية، أنظر كذلك الفصل الثاني من رسالته إلى أهل أفسس).
تحمل لفظة “ekklesia” (كنيسة) التي هي ترجمة للّفظة العبرية “Qahal” تشديداً خاصاً في العهد القديم على الوحدة الأساسية للشعب المختار، إذ إنه مقدّس بجملته. فهذه الوحدة تأصَّلت في سرّ الاختيار الإلهي أكثر منها في واقع الملامح “الطبيعية”. وهذا التشديد لم يثبت إلاَّ عبر تأثير الاستعمال الهلِّيني لهذه اللفظة التي تدلّ عادة على اجتماع أسياد الشعب في المدينة وعلى اللقاء العام لجميع المواطين القانونيين. وعندما طُبقت هذه اللفظة على الوجود المسيحي الجديد احتفظت بمولدها القديم. فالكنيسة كانت الشعب والمدينة بآن واحد، لكن التشديد وُضع على وحدة المسيحيين العضوية.
منذ البدء كانت المسيحية توحِّد الناس حقَّاً لتجعلهم جماعة واحدة. فحتى يكون الإنسان مسيحياً عليه أن ينتمي إلى جماعة. لا يقدر أحد أن يكون مسيحياً بمفرده وكفرد منعزل، بل “بل الإخوة” وفي “شركة معهم”: “Unus christianus – nullus christianus” (مسيحي واحد – لا مسيحي). فالقناعة الشخصية وحدها أو حتى طريقة العيش وحدها لا تجعلان المرء مسيحياً، لأن الوجود المسيحي يتطلَّب اندماجاً في الجماعة، أي في الجماعة الرسولية، وفي مشاركة الاثني عشر ورسالتهم. “فالجماعة” المسيحية جمعها وأقامها يسوع المسيح نفسه “أثناء حياته في الجسد”، وأعطاها على الأقل قواماً وبنية مؤقتين عندما دعا الاثني عشر الذين أطلق عليهم لقب “الرسل” أو لقب “السفراء” (أنظر لوقا 6: 13: “الذين سمَّاهم رسلاً”). “فإرسال” الاثني عشر لا يكون مهمة فقط، بل يكون تفويضاً، لأنه أعطاهم معه “القوة” (مرقس 3: 15، متى 10: 1، لوقا 9: 1). ولمّا أقام الاثني عشر “شهوداً” للرب (لوقا 24: 48، أعمال 1: 8) استحقوا وحدهم أن يصونوا استمرار الرسالة المسيحية وحياة الشركة. إذن، كانت المشاركة في حياة الرسل السمة الأولى “لكنيسة الله” في أورشليم (أعمال 2: 42، Koinonia).
المسيحية هي “الحياة المشتركة”. ولذلك يجب على المسيحيين أن يعتبروا أنفسهم “إخوة” (وكانت هذه اللفظة من أسمائهم الأولى) وأعضاء في جماعة واحدة تربطهم مودَّة حارَّة. فكان الإحسان العلامة الأولى والبرهان الأول لهذه الشركة العضوية. ونحن استحققنا أن نقول: إن المسيحية شركة وتعاون وأخوّة ووحدة “ومجتمع ودّ” (coetus fidelium). إن وصفاً كهذا عون لنا في البدء لكنه يتطلَّب توضيحاً، لأنه يفتقر إلى أمر مهمّ. فعلى المرء أن يسأل: علامَ تقوم هذه الوحدة وهذه الشركة؟ وفيمَ تتأصل؟ وما هي تلك القوة التي تجمع وتوحِّد الناس؟ هل هذه القوة غريزة اجتماعية فقط، أم قوة للتلاحم الاجتماعي؟ هل هي دافع شعوري أو قوة أخرى للتجاذب الطبيعي؟ هل تقوم هذه الوحدة على إجماع في الآراء، أم على تماثل في النظريات والقناعات؟ وخلاصة القول، هل الجماعة المسيحية، أي الكنيسة، هي مجرَّد مجتمع إنساني؟ لا شك أن شهادة العهد الجديد الواضحة تنقلنا إلى مستوى يفوق المستوى البشري، لأن المسيحيين لا يتَّحدون فيما بينهم فقط، بل يتحدون أولاً في يسوع المسيح. وهذه الوحدة مع المسيح هي التي تجعل اتحاد الناس ممكناً “فيه”. فمركز هذه الوحدة هو الرب والقوة التي تحققها هي الروح. إن المسيحيين ينضمُّون إلى هذه الوحدة بالقصد الإلهي وإرادة الله وقوته، فوحدتهم تنحدر من العلاء. إنهم واحد في المسيح مثل الذين وُلدوا فيه حديثاً “متأصلين راسخين فيه” (كولوسي 2: 7) ومثل الذين قبلوا “المعمودية بروح واحد ليكونوا جسداً واحداً” (1 كور 12: 13). أسَّس الله كنيسته بيسوع المسيح ربنا لتكون “خليقته بالماء والكلمة”. إذن، ما هي مجتمع بشري، بل “مجتمع إلهي”، ولا هي جماعة “من هذا العالم”، مشابهة لجماعات بشرية أخرى، بل جماعة مقدَّسة لا تنتمي أساساً إلى “هذا العالم” ولا إلى “هذا الدهر”، بل إلى “الدهر الآتي”.
ينتمي المسيح نفسه إلى هذه الجماعة كرأس لها، لا كسيِّد ورب فقط. وهو لا يكون فوق الكنيسة أو خارجها، فالكنيسة هي فيه. وما الكنيسة مجرَّد جماعة تؤمن بالمسيح وتسير على خطاه أو وفقاً لوصاياه، بل الجماعة التي تقيم فيه والتي يقيم هو فيها بالروح القدس. اختار اللهُ المسيحيين و”ولدهم من جديد” وأعاد خلقهم، لكنه لم يعطهم نمطاً جديداً فحسب، إنما أعطاهم مبدأً جديداً: الحياة الجديدة في المسيح بالروح القدس. إنهم “شعب خاص”، “اقتناه الله لنفسه”. والنقطة الأساسية هي أن الجماعة المسيحية أي الكنيسة (ekklesia)، تؤلِّف شركة في الأسرار (communion sacris) و”شركة في المقدَّسات” أي بالروح القدس، أو حتى “شركة قديسين” (communio sanctorum). تتمّ وحدة الكنيسة بالأسرار. فسرَّا المعمودية والشكر هما “السرَّان الاجتماعيان” في الكنيسة، وبهما يُعلن دائماً المعنى الحقيقي “للشركة” المسيحية ويُختم. ونقول بتشديد أكبر إن الأسرار تؤلِّف الكنيسة. ففيهما فقط تتجاوز الجماعة المسيحية القياس البشري الصرف لتصبح الكنيسة. لذلك كان “منح الأسرار بصورة صحيحة” أمراً يتعلَّق بجوهر (esse) الكنيسة. فالأسرار يجب أن تؤخذ “باستحقاق”، فهي لا تنفصل عن جهاد المؤمنين الداخلي وعن موقفهم الروحي. إن المعمودية مثلاً يجب أن يسبقها الندم والإيمان. فالعلاقة الشخصية بين المقبل إلى المعمودية وربه يجب أن تقوم أولاً على سماع الكلمة وقبولها وقبول رسالة الخلاص، لأن قَسَمْ الولاء لله ولمسيحه شرط أساسي وضروري لمنح السرّ (المعنى الأصلي للفظة sacramentum هو القَسَم العسكري). “يُدرج” الموعوظين بين الإخوة بناء على إيمانه. ولذلك يتلقَّى الإنسان نعمة المعمودية ويحفظها بالإيمان والوفاء والترسّخ في الإيمان ووعده. لكن الأسرار علامات حقيقية للنعمة المخلِّصة لا مجرَّد علامات للإيمان المعترَف به، ورموز خارجية للعمل الإلهي لا مجرّد رموز للتوق والولاء الإنسانيين. في الأسرار يرتبط وجودنا الإنساني بالحياة الإلهية، ويرتفع إليها بالروح الواهب الحياة.
الكنيسة بكلّيتها جماعة مقدَّسة (أو مكرَّسة) ومتميِّزة عن العالم (المدنَّس). فهي الكنيسة المقدَّسة ولذلك استعمل بولس لفظتَيْ “كنيسة” و”قدّيسين” وكأنهما مترادفتان. ويجدر بنا أن نشير إلى أن لفظة “قدّيس” في العهد الجديد يكثر استعمالها في صيغة الجمع، لأن القداسة بمعناها الحقيقي ترتبط بالجماعة. فهي لا تدلّ أبداً على المآثر الإنسانية، بل على عطيّة وتقديس وتكريس. وهي تنحدر من القدّوس الأوحد أي من الله. والإنسان يكون قدّيساً عندما يشارك في الحياة الإلهية. فالقداسة تُتاح للأفراد في حياة الشركة فقط، وبالأولى في “شركة الروح القدس”. إن عبارة “شركة القدّيسين” حشو وتكرار في الكلام، لأن الفرد لا يقدر أن يكون “قدّيساً” إلا في حياة الشركة.
نقول بدقة إن الجماعة المسيانيَّة التي جمعها يسوع المسيح حوله لم تكن “الكنيسة” قبل الآلام والقيامة، وقبل أن يرسل الآب “ما وعد به”، وقبل أن “تحلّ عليها القوة من العلى” و”تعتمد بالروح القدس” (لوقا 24: 49، أعمال1: 4-5)، في سر يوم الخمسين، وقبل انتصار الصليب الذي أُعلن في القيامة المجيدة. كانت هذه الجماعة “تحت ظل الشريعة” (sub umbraculo legis)، لكنَّ الاكتمال كان وشيكاً. ويوم الخمسين كان ليشهد لانتصار المسيح وليضع الختم على هذا النصر. إن “القوة من العلى” دخلت التاريخ فأُعلن “الدهر الجديد” وابتدأ تحقيقه. فحياة الأسرار في الكنيسة استمرار ليوم الخمسين.
كان نزول الروح إعلاناً سامياً، لأنه في “السرّ الرهيب الذي لا يفسَّر” الذي تمَّ في يوم الخمسين جاء الروح المعزِّي العالمَ الذي ما كان حاضراً فيه مثلما صار فيه الآن، وتفجَّر ينبوع غزير من الماء الحيّ على الأرض، أي في العالم الذي خلَّصه الرب المصلوب والناهض وصالحه معه. لقد حضر الملكوت، لأن الروح القدس هو هذا الملكوت . لكنَّ “حضور” الروح يعتمد على “ذهاب” الابن (يو 16: 7). انحدر “المعزِّي الآخر” ليشهد للابن وليعلن مجده وليضع ختماً على انتصاره (يو 15: 26، 16: 7 و14). في الروح القدس عاد الرب الممجَّد إلى قطيعه ليقيم معه دائماً (يو 14: 8 و28)… فيوم الخمسين كان تقديساً سرِّياً لكلّ الكنيسة ومعموديتها (أعمال 1: 5). إن معمودية النار هذه أقامها الرب نفسه، لأنه يعمِّد “بالروح القدس والنار” (متى 3: 11، لوقا 3: 16). والآب أرسل الروح القدس عربوناً في قلوبنا، وهو روح التبنّي في المسيح يسوع و”قدرة المسيح” (2 كور 12: 9). فبالروح القدس نعترف بأن يسوع هو الرب (1 كور 12: 3). وعمل الروح في المؤمنين هو أن يجعلهم أعضاء في جسد المسيح وأن يعمّدهم ليكونوا جسداً واحداً (1 كور 12: 13)، أي جسد المسيح. يقول القديس أثناسيوس: “بما أننا سُقينا مشروب الروح فنحن نشرب المسيح”، “فالصخرة كانت المسيح” .
بالروح القدس يتَّحد المؤمنون بالمسيح ويتَّحدون فيه ويصبحون أعضاء في جسده، جسد المسيح الواحد: هذا التشبيه الرائع الذي أورده بولس في أماكن متعدِّدة ليصف سرّ الوجود المسيحي هو أفضل شهادة عن خبرة المودّة في الكنيسة الرسولية. فهو لم يورد هذا التشبيه عرضاً أو اتفاقاً، لأنه خلاصة الإيمان والخبرة. شدَّد الرسول بولس على اتحاد المؤمنين بربهم، وعلى مشاركتهم في ملئه. ولقد أشار القديس يوحنا الذهبي الفم في تفسيره للآية الرابعة من الإصحاح الثالث من الرسالة إلى أهل كولوسي إلى أن بولس كان في كل كتاباته يسعى إلى أن يظهر المؤمنين “مشاركين إياه (أي المسيح) في كلّ شيء”، “فيتحدث عن الرأس والجسد حتى يظهر هذا الاتحاد” . ولعلَّ خبرة سرّ الشكر أوحت بهذه العبارة (أنظر 1كور 10: 17)، حتى إنها استُعملت لتوحي بمدلولها السِّري، أي إن كنيسة المسيح واحدة في سرّ الشكر، لأن هذا السرّ هو المسيح نفسه الذي يقيم سرِّياً في الكنيسة جسده. الكنيسة جسد ووحدة عضوية وأكثر من جماعة بكثير. ولعلَّ لفظة “الجسم الحيّ أو الكيان” هي أفضل ترجمة حديثة للفظة الجسد “to soma” التي استعملها بولس الرسول.
بل إن الكنيسة جسد المسيح و”ملؤه”. الجسد والملء (to soma to pleroma). هاتان اللفظتان تتلازمان وتترابطان في فكر بولس. فالواحدة تفسِّر الأخرى: الكنيسة “هي جسد وملؤه، وهو الذي يملأ كلّ شيء في كلّ شيء” (أفسس 1: 23). الكنيسة جسد المسيح، لأنها تتمة له. ويفسِّر يوحنا الذهبي الفم فكرة بولس بهذا المعنى قائلاً: “تكون الكنيسة ملء المسيح مثلما يكون الرأس ملء الجسد ومثلما يكون الجسد ملء الرأس”. المسيح لم يبقَ بمفرده لأنه “أعدّ الجنس البشري كلّه ليتبعه ويلتصق به ويقتفي أثره”. ويؤكِّد الذهبي الفم فيقول: “أنظر إليه (أي إلى بولس) كيف يظهره لنا محتاجاً إلى الكلّ، أي إلى جسده. إذن هو يكتمل بالكلّ. فالرأس يكتمل والجسد أيضاً عندما نتّحد جميعنا ونتلاحم” . وبكلام آخر، الكنيسة هي امتداد التجسّد المقدَّس و”ملؤه”، بل هي امتداد حياة الابن المتجسد مع “كل ما جرى من أجلنا، الصلب والقبر والقيامة بعد ثلاثة أيام والصعود إلى السماء والجلوس عن يمين الآب” (قداس يوحنا الذهبي الفم، صلاة تقديس القرابين).
يكتمل التجسد في الكنيسة، لأن لكنيسة بمعنى من المعاني هي المسيح نفسه في ملئة الذي يجمع الكلّ (أنظر 1 كور 12: 12). هذه الوحدة بين الكنيسة والمسيح أشار إليها ودافع عنها أوغسطين فقال: “لا من أجل أن يجعلنا مسيحيين فقط، بل من أجل أن يجعلنا مسيحاً”، إن كان هو ارأس فنحن الأعضاء: “يتكون الإنسان الكامل منه ومنّا، المسيح والكنيسة”، لأن “المسيح لا يكون في الرأس أو الجسم (فقط)، بل المسيح الكامل هو الجسد والراس معاً” وعبارة المسيح الكامل (totus christus) التي كررها أوغسطين والتي كانت فكرته الأساسية والمفضلة استواحاها بالتأكيد من القديس بولس: “عندما أتحدث عن المسيحيين بصيغة الجميع أفهم أنهم واحد في المسيح الواحد. فأنتم كثيرون ولكنكم واحد: نحن كثيرون وواحد أيضاً. “فما ربنا يسوع المسيح في ذاته فقط، بل فينا” ، “هناك إنسان واحد حتى انقضاء الدهر”.
إن القناعة الأساسة في هذا الكلام كله واضحة: إن المسيحيين يتّحدون بالمسيح والمسيح يقيم فيهم وهذا الاتاد الحميم هو سر الكنيسة. فالكنيسة هي كما كانت، مكان حضور الرب الناهض الخلاصي في عالم مفتدى. “جسد المسيح هو المسيح نفسه”. والكنيسة هي المسيح لأنه أصبح بعد القيامة حاضراً بيننا، ويلاقينا على هذه الأرض . بهذا المعنى نقول: المسيح هو الكنيسة، “لأنه هو نفسه الكنيسة التي ضمّها إلى ذاته بسرّ جسده” . وفي تعليم كارل آدم: “المسيح، الرب، هو الأنا الحقيقية للكنيسة” .
الكنيسة هي وحدة حياة المواهب المتعدِّدة، ومصدر هذه الوحدة محتجب في سرّ العشاء الربَّاني وفي سرّ يوم الخمسين. فيوم الخمسين يستمر في الكنيسة ويدوم فيها بالتعاقب الرسولي. وهو، كما كان، ليس هيكل الكنيسة القانوني وحسب. فالكهنوت (أو “الهيرارخيا”) مبدأ يقوم على المواهب و”خدمة الأسرار” و”تدبير إلهيّ”. ما الكهنوت منصباً قانونياً، أو بنية مؤسسية في الكنيسة فقط، بل صورة بنيوية لا غنى عنها، وذلك بمقدار ما تكون الكنيسة جسداً وكياناً حيّاً. وما الكهنة “موظَّفين” مكلَّفين بالجماعة أو زعماء أو مندوبين عن “جمهور المؤمنين” أو عن “الشعب” أو عن “الرعية” فقط، فهم لا يعملون “بشخص الكنيسة” (in persona ecclesiae) فقط، بل “بشخص المسيح” أولاً (in persona Christi). هم “ممثِّلون” للمسيح نفسه، لا المؤمنين. فيهم وبهم يُكمْل ويُحقق ويُتمّ رأسُ الجسد ورئيسُ كهنة العهد الجديد عملَه الرعوي والكهنوتي الأبدي. فهو الكاهن الحقيقي الأوحد في الكنيسة. والآخرون هم خدَّام أسراره، فهم يقومون مقامه أمام الجماعة وبما أن الجسد يكون واحداً في رأسه فقط، وبما أن أوصاله تلتئم وتتَّحد بهذا الرأس وفيه، فالكهنوت في الكنيسة يكون كهنوت الاتحاد. ففي الكهنوت لا يظهر الجسد متَّحدا اتحاداً عضوياً فحسب، بل يظهر متأصلاً ومتجذِّراً فيه، من دون أي إجحاف “بمساواة” المؤمنين الذين هم على صورة “مساواة” خلايا الجسم الحيّ الذي لا يُهدم بالاختلاف البنيوي بينها: كلّ الخلايا تتساوى، لكنها تختلف وظائفياً، وهذا الاختلاف يخدم الوحدة العضوية ويجعلها أكثر شمولاً والتصاقاً. فوحدة كل رعية تنبع من الوحدة في الطعام الافخاريستي. أمَّا الكاهن الذي يقيم سرّ الشكر فهو خادم وحدة الكنيسة ومشيِّدها. لكن هناك وظيفة أخرى تسمو فوقها. وهذه الوظيفة هي لضمان الوحدة المسكونيَّة والجامعة للكنيسة بأجمعها في المكان والزمان. إنها المقام الأسقفي والخدمة الأسقفية. فالأسقف عنده سلطان وضع اليد. وهذا السلطان لا يُعطى له كامتياز قانوني فقط، بل يؤلِّف قوة أسرارية تسمو على القوة التي تُعطى للكاهن. وبما أنه الأسقف “واضع لليد” فهو باني وحدة الكنيسة على نطاق أوسع. إذن، يترابط العشاء السرّي ويوم الخمسين ترابطاً لا تنفصل عراه. لقد انحدر الروح المعزِّي بعد أن تمجَّد الابن في موته وقيامته. لكنهما ما يزالان سرين مختلفين إلى درجة أننا لا نقدر أن ندمجهما. بهذه الطريقة يختلف الكهنوت عن الأسقفية. وفي الأسقفية يصبح يوم الخمسين عاماً ومستمرّاً، وفي الأسقفية غير المنقسمة في الكنيسة (أو “الأسقفية الواحدة”. episcopatus unus – في تعبير كبريانوس) تُصان وحدة الكنيسة في المكان. تندرج كلّ كنيسة محلِّية في ملء الكنيسة الجامعة وترتبط بالماضي وبكلّ العصور من خلال أسقفها وفيه. فكلّ كنيسة تنمو في أسقفها وتتجاوز حدودها وتتَّحد عضوياً بكل الكنائس الأخرى. والتعاقب الرسولي لا يقوم على الأساس الشرعي لوحدة الكنيسة بمقدار ما يقوم على أساسها السرّي. فهو ليس ضمانة للاستمرار التاريخي أو التلاحم الإداري، بل الطريقة المثلى لحفظ الهوية السرّية لهذا الجسد على مدى العصور. لكنَّ الكهنوت لا ينفصل أبداً عن الجسد، لأنه موجود فيه ومرتبط ببنيته. ففي الكنيسة تُعطى المواهب الكهنوتية (راجع 1 كور 12).
أولى آباء الكنيسة في الشرق والغرب مفهوم بولس عن جسد الكنيسة اهتماماً كبيراً وفسَّروا محتواه، لكنه صار بعد ذلك منسياً بعض الشيء والوقت مؤاتٍ اليوم لنعود إلى خبرة الكنيسة الأولى التي يمكن أن تعطينا أرضاً صلبة للتأليف اللاهوتي الحديث. وهناك تشابيه واستعارات أخرى يوردها القديس بولس في أماكن أخرى من العهد الجديد للغاية نفسها، أي لتأكيد الوحدة العضوية الخالصة بين المسيح وأخصَّائه. لكن تبقى صورة الجسد أكثر شمولاً وتأثيراً من كل هذه الصوَر المتعدِّدة، لأنها التعبير الأقوى عن الرؤية الأساسية . والحق، أنه علينا ألاَّ نشدِّد كثيراً على أي تشبيه، لأن فكرة الجسم الحيّ (الكياني) تبقى محدودة عندما نطبِّقها على الكنيسة. فالكنيسة تتألَّف من كائنات إنسانية ولذلك لا نقدر أن نعتبرها مجرَّد عناصر أو خلايا في الجسم كلّه، لأن كلّ واحدة منها تتَّحد مباشرة بالمسيح وبأبيه، ويجب ألاَّ نضحِّي بما هو شخصي ونذيبه فيما هو جماعي وألاَّ نذيب ما هو كليّ في الـ “لا شخصانية”. ففكرة “الجسم الحيّ” يجب أن تكتمل بفكرة تآلف الأشخاص الذين ينعكس فيهم سرّ الثالوث الأقدس (يوحنا 17: 21 و23). هذا هو لبّ “الجامعيَّة” و”الجماعيّة” (sobornost) . وهذا هو السبب الرئيسي الذي يدهونا إلى أن نفضِّل الإتحاد الخريستولوجي في لاهوت الكنيسة أكثر من الإتجاه الذي يتمحور حول الروح القدس (Pneumatological) . فالكنيسة بمجملها لها مركزها الشخصي في المسيح فقط، لأنها لا تكون تجسيداً للروح القدس ولا مجرَّد شركة في الروح القدس، بل إنها جسد المسيح والرب المتجسد. هذا ينقذنا من اللاشخصانية دون أن ننزلق إلى تشخيص أو تمثيل (personification) إنسانيّ. فالمسيح الرب هو الرأس الأوحد للكنيسة وهو سيِّدها الأوحد “لأنه به يتماسك البناء كلّه وينمو ليكون هيكلاً مقدَّساً في الرب، وبه أنتم أيضأً مبنيون معاً لتصيروا مسكناً لله في الروح” (أفسس 2: 21-22).
لن تقودنا خريستولوجية الكنيسة إلى ضباب التأملات الباطلة أو إلى صوفيَّة حالمة، لأنها تؤمِّن لنا الأساس الأوحد والثابت والإيجابي للبحث اللاهوتي الصحيح. وعلى هذا الأساس يجد لاهوت الكنيسة مكانه الملائم والعضوي في بنية التدبير الإلهي للخلاص. ولن يبقى سوى البحث عن رؤية شاملة لسرّ خلاصنا وخلاص العالم.
أخيراً يجب أن نذكر أن هذا التمييز وهو أن الكنيسة ما برحت في “حالة الصيرورة” (in statu viae) لكنّها هي أولاً في “حالة الوطنية” (in statu patriae). فعندها حياة مزدوجة في السماء وعلى الأرض الكنيسة جماعة تاريخية منظورة وجسد المسيح في الوقت نفسه. فهي كنيسة المخلَّصين وكنيسة الخطأة البائسين على حدّ سواء. تاريخياً لم تبلغ هدفها الأخير بعد، لكن حقيقتها النهائية أُعلنت وكُشفت وأصبحت حقاً في متناول الجميع، رغم عدم الاكتمال التاريخي المؤقت الشكل. فالكنيسة جماعة سرّية، وهذه السرّية لا تقل شأناً عن “الانقضائية”. فالإنقضاء (to eschaton) لا يدلّ في الأصل على الحدث النهائي في سلسلة الأحداث الزمنية، لأنه الحدث الأقصى (والحاسم). وهذا الحدث يتمّ في خضمّ الأحداث التاريخية. ما “لا ينتمي إلى هذا العالم” صار هنا “في هذا العالم”، وهو لا يلغي العالم، بل يعطيه معنى جديداً وقيمة جديدة ويعيد إليه شرفه القديم. فما هو سوى توقّع و”أمارة” إلى الإنجاز الأخير. لكنَّ الروح يقيم في الكنيسة، وهذا هو سرّها: “فالجماعة المرئية المولَّفة من أناس ضعفاء هي الجسم الحيّ للنعمة الإلهية».
الخليقة الجديدة:
مهمة الكنيسة التاريخية هي الإعلان عن عالم آخر “آتٍ”، لأنها تشهد للحياة الجديدة التي أُعلنت وكشفت في يسوع المسيح الرب والمخلِّص. فهي تفعل هذا قولاً وفعلاً. إن الإعلان الحقيقي عن البشارة يكون في ممارسة الحياة الجديدة، من أجل إظهار الإيمان بالأعمال (أنظر متى 5: 16).
الكنيسة هي أكثر من جماعة مبشِّرين أو جمعية للتعليم أو مجلس للتبشير. فلا يقتصر واجبها على دعوة الناس، بل يمتد إلى إدخالهم إلى الحياة الجديدة التي تشهد لها. هي جسم للتبشير، وحقل تبشيرها هو العالم بأجمعه. لكنَّ غاية نشاطها التبشيري لا يكون في مجرَّد نقل بعض الأفكار والقناعات إلى الناس، أو حتى في فرض نظام حياتي معيَّن عليهم بل في إدخالهم أولاً إلى الحقيقة الجديدة وهدايتهم وقيادتهم، من خلال إيمانهم وتوبتهم، إلى المسيح نفسه، حتى يولدوا من جديد به وفيه بالماء والروح. وهكذا تكتمل خدمة الكلمة عن طريق خدمة الأسرار.
“الاهتداء” هو انطلاقة جديدة، يجب أن تتبعها سيرورة طويلة. فواجب الكنيسة أن تنظِّم الحياة الجديدة عند المهتدين وأن تقدِّم لهم، كما فعلت دائماً، النموذج الجديد للوجود، والأسلوب الحياتي الجديد “للعالم الآتي”. الكنيسة موجودة هنا في هذا العالم من أجل خلاصه. ولذلك عليها أن تنكره وتقاومه. فالله يريد الإنسان كلّه، والكنيسة تشهد لإرادة الله هذه التي أُعلنت في المسيح. وعلى المسيحي أن يكون “خليقة جديدة”، ولذلك لن يقدر أن يجد مكاناً مستقرّاً لذاته في حدود “العالم القديم”. بهذا المعنى يكون الموقف المسيحي ثوروياً دائماً بالنسبة إلى “النظام القديم” الموجود في “هذا العالم”. ولأنّ كنيسة المسيح في هذا العالم، لا تنتمي إلى “هذا العالم” فهي في صراع دائم معه، حتى لو ادَّعت إصلاح النظام الموجود فقط. في جميع الأحوال، يجب أن يكون التغيير جذرياً وشاملاً.
تناقضات تاريخية:
إن الضعف التاريخي في الكنيسة لا يخفي طابع التحدِّي الكليّ الذي تلتزمه بطبيعتها الانقضائية، فهي تتحدَّى نفسها دائماً. فبين الحياة التاريخية ومهمة الكنيسة تناقض. وهذا التناقض لن يجد له حلاًّ على الصعيد التاريخي. فهو إشارة دائمة إلى ما “سيأتي”، وهو متأصل في الخيار العملي الذي كان على الكنيسة أن تواجهه منذ بدء محجتها التاريخية. فإمّا أنها أُنشئت كجماعة “كليّانيّة” مقتصرة على أعضائها وتسعى إلى سدّ كل متطلبات المؤمنين “الزمنية” و”الروحية”، من دون أن تنبه إلى النظام الموجود وأن تترك شيئاً للعالم الخارجي أي أنها منفصلة عن العالم كلياً ومتخلِّية عنه ورافضة لكلّ سلطان خارجي، أو أنها أُنشئت لتنصير العالم كلّه ولإخضاع الحياة كلّها للنظام المسيحيين، ولإصلاح الحياة المدنية وإعادة تنظيمها وفقاً للمبادئ المسيحية، ولبناء المدينة المسيحية. في تاريخ الكنيسة نقدر أن نقتفي آثار هين الخيارين: الهرب إلى الصحراء وبناء الإمبراطورية المسيحية. الخيار الأول لم يُمارس في الحياة الرهبانية بكلّ اتجاهاتها فقط، بل في جماعات مسيحية أخرى وفئات متعددة. أمَّا الخيار الثاني فكان الخط الرئيسي الذي اتخذه المسيحيون في الشرق والغرب، حتى قامت العلمنة المناهضة. لكن هذا الخيار لم يفقد في أيامنا هذه سيطرته على الكثير من الناس. لقد ثبت بشكل عام إخفاقهما، ولذلك على المرء أن يقرّ بحقيقة مشكلتهما المشتركة وهدفها الواحد. فما المسيحية ديانة فردية ولا همُّهما “خلاص النفس” فقط، بل هي الكنيسة، أي جماعة الله وشعبه الجديد، التي تسيِّر حياتها الواحدة وفقاً لمبادئها الخاصة. ولا يجوز أن نشطر هذه الحياة إلى عدة أقسام يسود بعضها مبادئ أخرى غير متجانسة. إنه يصعب تحويل القيادة الروحية في الكنيسة إلى توجيه عرَضي يُعْطَى لأفراد أو جماعات تعيش تحت ظروف تناقض حياة الكنيسة. فشرعية هذه الظروف يجب أن توضع أولاً تحت التساؤل. يجب ألاّ نتجنَّب أو نبتعد عن مهمة إعادة خلق أو تركيب كلّ بنية الحياة الإنسانية. فالإنسان لا يقدر أن يخدم سيِّدين، لأن الولاء المزدوج حلٌّ ضعيف جداً. هنا يأتي حتماً الخيار الذي اشرنا إليه سابقاً، لأن كلّ شيء آخر هو تسوية مفضوحة أو إنقاص من المطالب الأساسية الشاملة. فإمّا أن يكون من واجب المسيحيين الخروج من العالم الذي يوجد فيه ربٌّ آخر إلى جانب المسيح (مهما يكن الاسم الذي يحمله هذا الرب: قيصر أو المال أو أي شيء آخر) والذي يختلف فيه نظام الحياة وغايتها عمَّا أُعلن في الإنجيل، أي الخروج منه وبناء مجتمع منفصل، أو أن يغيِّروا العالم الخارجي ويجعلوا منه ملكوت الله ويُدخلوا مبادئ الإنجيل إلى التشريع المدني.
هناك انسجام داخلي في المنهجين، ولذلك يبقى فصلهما محتوماً ويُضطر المسيحيون إلى سلوك طريقين مختلفين. عندها تتحطَّم وحدة المهمة المسيحية وينبت الشقاق الداخلي في الكنيسة ويقع الفصل غير الطبيعي بين الرهبان (أو نخبة المهتدين) وعامة الناس (بما فيهم الإكليروس). وهذا أخطر من تحويل الكنيسة إلى “إكليروسية”. ولكن في آخر المطاف هذا ليس سوى علامة للتناقض الأساسي. إن المشكلة لن تُحلّ تاريخياً. والحلّ الصحيح يتجاوز التاريخ وينتمي إلى “الدهر الآتي”. في هذا الدهر، أي على مستوى التاريخ لا نقدر أن نقدِّم قاعدة قانونية، بل قاعدة للتنظيم فقط، أي مبدأ للتمييز، لا مبدأ للبناء.
ويناقض كلّ منهج منهما ذاته. ففي المنهج الأول تكون تجربة الطائفية متحتّمة، وتصبح الميزة المسكونية و”الجامعة” في الرسالة المسيحية قاتمة، وغالباً ما تكون مرفوضة، لأن العالم يسقط من الاعتبار. فكلّ محاولات تنصير العالم بشكل مباشر تحت نظام إمبراطورية أو دولة مسيحية قادت تقريباً إلى علمنة المسيحية نفسها .
في أيامنا هذه، لا ينادي أحد بإمكانية اهتداء جميع الناس إلى رهبنة مسكونيَّة أو تحقيق دولة مسكونية مسيحية حقاً. فالكنيسة تبقى “في العالم” جسماً تكون أركانه مختلفة عن العالم ولذلك يكبر التوتر القديم. فكلّ إنسان في الكنيسة يشعر بغموض الوضع ويتألم من أجله. نحن نقدر أن نصل إلى منهج عملي في العصر الحاضر فقط عن طريق فهم صحيح لطبيعة الكنيسة وجوهرها. أمَّا فشل التوقعات الطوباويّة “اليوتوبيَّة” فلن يجعل الرجاء المسيحي قائماً، لأن الرب يسوع الملك قد أتى بقوة ولأن مملكته آتية.
الأب جورج فلوروفسكي
من كتاب :الكتاب المقدس والكنيسة والتقليد
 
قديم 30 - 06 - 2016, 05:55 PM   رقم المشاركة : ( 13382 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

حب بلا حدود


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هو من أحبني بلا حدود .. من مات بديلا عنى .. من حمل ذنوبي وأحزانى وأسقامي .. هو يعتني بى ..
أي امتياز هذا .. يا للنعمة الغنية التي تفاضلت جدا .. يا للحب المدهش ملك الملوك يعتني بى .. يعتني بى !!
أيها القارئ الحبيب ؛ باستطاعتك أنت أيضا أن تفرح وتتهلل معي ؛ وتقول كما أقول أنا .. هو يعتني بي .. يعتني بي ..
نعم باستطاعتك .. لأن هذا امتياز لكل مؤمن يضع ثقته في الرب يسوع ؛ وفي دمه الغافر والمطهر ..
أيها القارئ .. هل تأملت أبعاد اهتمامه الخاص بك ؟ .. هيا قلب معي صفحات الكتاب المقدس لتعرف وتتأمل في هذا الحب العجيب الذي أحبك به ..
لتبدأ أولا بهذا النص من إنجيل القديس يوحنا الإصحاح العاشر .. يتحدث الرب عن نفسه فيقول ؛ الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف (أي الرب) .. والخراف تسمع صوته فيدعو خرافه الخاصة بأسماء .." (يو .1 : 2؛3).
لاحظ معي أنه لم يقل يدعو خرافه بأسماء بل يدعو خرافه الخاصة بأسماء ..
اه ، المؤمن ليس مجرد شخص بين ملايين ، إنه محبوب من الرب علي نحو خاص جدا ..
أيها الحبيب ، لو لم يكن في العالم كله سواك محتاجا للفداء ، لكان الرب قد أتى وصلب ومات وقام خصيصا ..
إنه يعرفك بالاسم .. هذه هي النقطة الأولى التي تعبر عن اهتمام الرب بك ..
 
قديم 30 - 06 - 2016, 05:56 PM   رقم المشاركة : ( 13383 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يعرفني بالاسم ..
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هذا يعنى وجود علاقة خاصة جدا بيني وبينه..
أيها الحبيب هل رأيت الصورة التي رسمها الفنان للرب يسوع ، راعى يحمل خروفا صغيرا على كتفيه .. بإمكانك أن تكتب اسمك على هذا الخروف .. إنه بكل تأكيد أنت ، إن أردت ..
هيا .. قل له يارب إنني خروفك الصغير ..إنني خروفك الذي تحبه برغم كل عيوبه .. أشكرك لأنك تعرفني باسمي.. أشكرك لأجل هذه العلاقة الخاصة .. تحملني على كتفيك ..
أيها الحبيب .. كل مؤمن حقيقي أعطى حياته للرب ، الرب يحبه جدا ، يعرفه بالاسم ، وقد سجل اسمه فى سفر الحياة ( فى 3:4) .. حينما عاد السبعون تلميذا متهللين لاْن الشياطين خضعت لهم ، سمعوا الرب يقول مهم ، لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم بل افرحوا بالحرى أن أسماءكم كتبت فى السماوات" (لو .1 :20 ).
آه .. ما أعظم هذا ، إنه يعرفني باسمي .. لست مجرد رقم وسط ملايين .. كلا أنه يحبني حبا خاصا ، وقد حدد لى دورا خاصا أقوم به لامتداد ملكوته ..
أليس هذا اهتماما عجيبا !!
لقد نادى الرب زكا باسمه .. وهو يناديك الآن باسمك ، لتسرع إليه كما أسرع زكا .. أيا كانت همومك وهزائمك من الخطية .. أسرع إليه .. سيصنع خلاصا عظيما معك ، فقد " جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك" (لو 19 : 10 ).
هل تشعر إنك صرت ميتا ، فقدت كل إحساس روحي بحب الله .. كفى يأسا .. اسمعه الآن، إنه يناديك باسمك كما نادى لعازر الميت باسمه .. صوته سينفذ إلى قلبك وسيعطيه حياة .. يقول الرب "تأتى ساعة وهى الآن .. حين يسمع الأموات صوت ابن الله ، والسامعون يحيون .." (يو 5 : 25 ).
إن صوت الرب وهو يناديك باسمك عذب جدا ، لأنه صوت مطمئن للغاية .. إنه صوت طبيبك الذي أتي لكي يشفيك ويريحك من كل أتعابك ..
هل أنت تبكى الآن .. هل تعذبك أفكار متضاربة .. هل صرت لا تفهم شيئا ، عاجزا عن الرؤية ..
إنه يحبك يعتني بك .. يعرفك باسمك .. يناديك الآن باسمك كما نادى مريم المجدلية باسمها وقت بكائها واضطرابها ويأسها ، فلما سمعته يناديها باسمها .. عرفته أنه راعيها ، وإنها خروفه الخاص فأنت عند قدميه ، وتغيرت من الخزن إلى الفرح ، ومن العجز إلى الانطلاق للشهادة المؤثرة الجاذبة للنفوس ..
هو يعرفك باسمك .. آه ما ألذ هذه الحقيقة .. هل يهاجمك إبليس بأنك شخص تافه عديم القيمة ، لا نفع منك ، ولا معنى لحياتك .. يمكنك الآن أن تسمع إبليس ضحكاتك الساخرة (مز 52 : 6 ) ..
الرب يسوع يعرفك بالاسم .. دعاك بالاسم .. وقد حدد لك دورا هاما فى مهامه العظمى..
سيدي ، اقبل أن احيا معك .. متمتعا بعنايتك ..
 
قديم 30 - 06 - 2016, 05:58 PM   رقم المشاركة : ( 13384 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يحفظك سالما ..
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هو يحبك .. يعتني بك ، ومن دلائل اعتنائه العظيم أنه يهتم جدا بسلامتك ، ألا يطهرك دمه الثمين من كل خطية .. الخطية هى مصدر الخطر الوحيد .. تمتع أولا بغفرانه لخطاياك ، وستحفظ من الخطر وستتمتع بحمايته لك .. اقرأ معي هذا النص الرائع من إنجيل متى .. "أليس عصفوران (فى الأصل اليوناني الكلمة تعنى عصفوران صغيران) يباعان بفلس ، وواحد منهما لا يسقط على الأرض بدون أبيكم .. فلا تخافوا .. أنتم أفضل من عصافير كثيرة ، (مت 10 : 29،31).
والآن هل تشعر أنك شخص عديم القيمة ، ولهذا لا تقدر أن تصدق أن الله يهتم بسلامتك .. رجاء قارن معي هاتين الآيتين ..
" أليس عصفوران يباعان بفلس .." (مت 29:10).
" أليست خمسة عصافير تباع بفلسين" (لو 6:12).
لا تدل المقارنه على أن العصفور الصغير هو طائر زهيد القيمة جدا ، حتى أن البائع إذا باع لشخص أربعة عصافير ، قدم له عصفورا خامسا بلا مقابل !!! ..
هذا العصفور الصغير الذى بلا ثمن هو الذي يقول عنه الرب إنه لا يسقط بدون الآب .. تأمل واندهش معى ،الرب لم يقل أنه "لا يسقط بدون أذن أبيكم" بل " لا يسقط بدون أبيكم .. " أي أن الآب بنفسه سيكون معه عندما يسقط ..
أيها الحبيب ، أنت بكل تأكيد أفضل من هذا العصفور الصغير الذى بلا ثمن .. "أنت لك ثمن .. ثمن من ضخامته لا تقدر أعظم حاسبات العالم الالكترونيه أن تسجله !!
إن ثمنك هو دم الرب ، أثمن ما فى الوجود ..
أنظر هذا العصفور الصغير ، لقد بيع بلا ثمن ، ومع هذا فقد تمتع برفقة الآب.
وأنت اشتريت من العبودية المرة بدم الرب ، الذى سفكه من أجلك ..
أنت مفدى بالدم الثمين .. اّه ، ما أعظم قيمتك .. أنت أعظم من هذا العصفور بكثير ، بمثير جدا .. يمكنك أن تتخيل أى عون سيقدمه الآب لك ..
تمتع بالدم .. تمتع بغفران الدم لخطاياك .. آه ، لن تسقط أبدا بدون الآب ..
لن تؤذى ، الآب سيكون معك ، ستختبر أذرعه الأبدية التي من تحت (تث 33:27) ، سيحفظ هبوطك بلا ضرر ، وسيجعل الأرض التي تسقط عليها مكانا آمنا لراحتك ، فما أعظم الوعد القائل : "يوصى ملائكته بك لكى يحفظونك لئلا تصدم بحجر رجلك" (مز 91: 12:11).
أيها القاريء .. اقرأ هذه الآية أكثر من مرة .. أقرأ كل مزمور (91) أكثر من مرة ، احفظه.. ردده كثيرا .. سريعا ستؤمن بكل ما به من وعود للحفظ الإلهي .. والإيمان سيجعل هذه الوعود واقعا ملموسا فى حياتك ..
تأمل أيضا هذا الوعد العظيم ..
من قبل الرب تتثبت خطوات الإنسان (إنسان الله ) إذا سقط لا ينطرح لأن الرب مسند يده " (مز 37: 23،24).
نعم هو مسند يدك .. ثق أنه هو " الممسك بيمينك القائل لك لا تخف أنا أعينك" (إش 13:41).
لقد قال الرب يسوع "أليس عصفوران يباعان بفلس وواحد منهما لا يسقط على الأرض بدون أبيكم" (مت 29:10) .. لماذا لم يقل الرب "أليس عصفور بلا قيمة لا يسقط .. ‎" لماذا تحدث عن عصفورين ؟ ولماذا استخدم هذه العبارة "وواحد منهما.." .. أحيانا تبدو الظروف كما لو كانت تريد أن تجعلك وحيدا بلا رفيق يؤنسك بعد أن كان لك رفقاء .. لكن هل وجد العصفور الساقط أنه قد حرم من العصفور الثانى .. وأنه قد صار وحيدا..
كلا .. كلا .. لم يصر وحيدا .. لقد حرم من عصفور لكنه تمتع برفقة الآب بنفسه يكون معه ..
أيها الحبيب ، قد تأتى عليك ظروف بالغة الصعوبة .. قد تبدو وكأنها تريد أن تفصلك عن أحبائك لتصير وحيدا ، بلا أحد يفهمك أو يقدر مشاعرك .. كلا .. لن تكون أبدا وحيدا .. الآب نفسه معك ..
أيها الحبيب ، مهما كانت الظروف قاسية ، حتى ولو بدت كأنها رياح عاصفة تريد أن تسقطك من قمة عالية إلى أرض صلبة .. لا .. لا تصدق العيان .. إنه كاذب .. صدق ما يقوله الرب لك .. لن تكون أبدا معرضا للإيذاء .. ستظل فرحا ، مثمرا .. الآب نفسه معك .. والوعد صادق مائه فى المائه "لا يضركم شيء" (لو 19:10) ..
"وهذه الآيات تتبع المؤمنين .. إن شربوا شيئا مميتا لا يضرهم (مز 16 18:17).
نعم هو يعتنى بك .. نعم هو يهتم جدا بسلامتك ، أنه يسيج حولك بملائكته .. اّه ، لن يقدر أحد أن يؤذيك .. الوعد أمين "تحفظه سالما سالما .. لأنه عليك متوكل" (إش 3:26).
 
قديم 30 - 06 - 2016, 05:58 PM   رقم المشاركة : ( 13385 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يحصى خطواتك ..
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ما اثمن خطواتك .. ما أثمنها جدا فى عينيه .. حينما بدأ الله مع موسى طلب منه أن يخلع حذاءه .. عن وراء هذا تأملات عديدة .. أما هنا فلنا هذا التأمل ، لقد أراد الله لموسى أن يخلع حذاءه لكي يعطيه حذاءا آّخرا جديدا له صفات غير عادية، حذاء يسير به موسى أربعين سنة ولا يتهرأ منه .. يقول له الرب " فقد سرت بكم (بك) أربعين سنة فى البرية .. ونعلك لم تبل " (تث 5:29).
يا لهذا المعنى .. الله تهمه جدا أقدامنا .. تهمه جدا خطواتنا .. إن سلمناها له سار بنا إلى الأمام لاتمام مقاصده العظمى التي تتجاوز توقعات البشر وخيالهم .. سار بنا فى المجد .. لقد اعد لنا الحذاء المناسب لكل مرحلة .. آه أيها الحبيب سيعطيك الرب دائما حذاءا صلدا أقوى من الظروف المعاكسة ، لا يتهرأ ، ما دمت تأتى له مثل موسى لتسلمه قيادتك بلا شروط، بلا اعتذارات..
هو يعتنى بك .. يهتم جدا بخطواتك ، مادمت قد قررت أن تحيا له .. تأمل معي هذه الآية الرائعة التي قالها أيوب :
"أليس هو ينظر طرقي .. ويحصى جميع خطواتي" (أى 4:31).
آه ، إنه يحسب عددها .. ألا يدل هذا على اهتمامه البالغ بها .. نعم إنه يعتنى بخطواتك مادامت تكرس للسير خلفه ..
أنظر ماذا يقول لك " أنا أسير قدامك والهضاب أمهد .. أكسر مصراعي النحاس ومغاليق الحديد أقصف .. لكي تعرف أنى أنا الرب الذي يدعوك باسمك ( أي لكي تختبر محبتي المرافقة لخطواتك) " (إش45: 2،3) .. أنظر كيف تمتع داود بهذا الوعد فرنم قائلا " وضع لى عهدا أبديا متقنا فى كل شئ ومحفوظا . أفلا يثبت كل خلاصي وكل مسرتى" (2صم 5:23).
إله داود هو أيضا إلهك .. هو يريد أن يثبت خلاصك (خلاصك من المخاطر) .. يريد أن يثبت مسرتك .. سلم له خطواتك .. سيعتني بها ، وسيمتعك بأختباراتعظيمة وهو يستخدمك لاتمام خطته العظمى لامتداد ملكوته ..
 
قديم 30 - 06 - 2016, 05:59 PM   رقم المشاركة : ( 13386 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

ويسدد كل احتياجاتك ..
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
والآن تأمل معي هذه الآيه الذهبية التي نطق بها الرسول بولس :
" فيملا إلهي كل احتياجكم بحسب غناه فى المجد فى المسيح يسوع" (فى 19:4) .
تأمل أيضا هذه الآية : "ملقين كل همكم عليه لأنه هو يعتنى بكم " ( ابط 7:5).
تأمل كلمة "كل" فى كلتا الآيتين .. اطرح عليه كل .. همومك ، وهو يسدد كل .. كل احتياجك ..
الرب يرى كل احتياجاتك .. ثق فيه، سيسددها .. ليس بحسب احتياجك، بل أعظم .. أعظم بكثير، بحسب غناه هو بالمجد ..
سيسدد احتياجاتك المادية .. سيسدد احتياجاتك الصحية ..
سيسدد كل .. كل .. كل احتياجاتك ..
ما أروع الكلمات التى نناجى بها الرب يسوع فى القداس " لم تدعنى معوزا شيئا من أعمال كرامتك" .. هل تشعر بصدقها .. هل اخترتها فى حياتك اليومية ؟ !!
آه ما أروع الحياة مع الرب يسوع .. ما أروع أن يكون هو صديقك الألزق من الأخ الذي لا يجعلك تحتاج شيئا ..
ما أروع أن يكون هو عريس نفسك الذي تتلذذ بالنظر إليه والجلوس عند قدميه .. إنه يعتنى بك ..
لقد فداك بدمه الثمين الغالي .. لقد جعلك عضوا حيا فى جسده .. أنت لحم من لحمه ، وعظم من عظامه ..
هو يعتنى بك .. يعرفك بالاسم .. يحفظك سالما .. يهتم بأمورك الصغيرة ..
يحصى خطواتك .. يحتفظ بدموعك .. ويملأ كل احتياجاتك .. وماذا أيضا ؟
تأمل كلماته عنا فى سفر ملاخى .. هو يقول " ويكونون لى قال رب الجنود فى اليوم الذي أنا صانع خاصة (الترجمة الأدق هي فى اليوم الذي أنا صانع جواهري .. ) " (ملا 17:3) .. أنت جوهره ثمينة فى عيني الرب .. يلاحظك ويصونك "كحدقة عينه" (تث 10:32) .
آه .. من مثلنا ؟ !! .. "من مثلك يا شعبا منصورا بالرب .. (الرب هو) ترس عونك (هو حمايتك) وسيف عظمتك (وقوه هجومك ) .. فيتذلل لك أعداؤك وأنت تطأ مرافعاتهم (تطأ قوى إبليس المتكبرة ) " تث 29:33).
آه .. من مثلنا ؟ !! .. فدانا بدمه ، كسانا ببره ، أعطانا روحه ، يغذينا بكلماته .. يثبتنا فيه بجسده المقدس ودمه الكريم .
آه .. من مثلنا؟!! نحن جواهره .. هو .. يعتني بنا ..
سيدي ..
ها حياتي كلها أضعها بين يديك..
أثق انك تعتني بي اليوم وغدا .. وإلى الأبد ..
 
قديم 30 - 06 - 2016, 06:23 PM   رقم المشاركة : ( 13387 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

حب يسوع بلا أي حدود

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هو من أحبني بلا حدود .. من مات بديلا عنى .. من حمل ذنوبي وأحزانى وأسقامي .. هو يعتني بى ..
أي امتياز هذا .. يا للنعمة الغنية التي تفاضلت جدا .. يا للحب المدهش ملك الملوك يعتني بى .. يعتني بى !!
أيها القارئ الحبيب ؛ باستطاعتك أنت أيضا أن تفرح وتتهلل معي ؛ وتقول كما أقول أنا .. هو يعتني بي .. يعتني بي ..
نعم باستطاعتك .. لأن هذا امتياز لكل مؤمن يضع ثقته في الرب يسوع ؛ وفي دمه الغافر والمطهر ..
أيها القارئ .. هل تأملت أبعاد اهتمامه الخاص بك ؟ .. هيا قلب معي صفحات الكتاب المقدس لتعرف وتتأمل في هذا الحب العجيب الذي أحبك به ..
لتبدأ أولا بهذا النص من إنجيل القديس يوحنا الإصحاح العاشر .. يتحدث الرب عن نفسه فيقول ؛ الذي يدخل من الباب فهو راعي الخراف (أي الرب) .. والخراف تسمع صوته فيدعو خرافه الخاصة بأسماء .." (يو .1 : 2؛3).
لاحظ معي أنه لم يقل يدعو خرافه بأسماء بل يدعو خرافه الخاصة بأسماء ..
اه ، المؤمن ليس مجرد شخص بين ملايين ، إنه محبوب من الرب علي نحو خاص جدا ..
أيها الحبيب ، لو لم يكن في العالم كله سواك محتاجا للفداء ، لكان الرب قد أتى وصلب ومات وقام خصيصا ..
إنه يعرفك بالاسم .. هذه هي النقطة الأولى التي تعبر عن اهتمام الرب بك ..
1- يعرفني بالاسم ..
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هذا يعنى وجود علاقة خاصة جدا بيني وبينه..
أيها الحبيب هل رأيت الصورة التي رسمها الفنان للرب يسوع ، راعى يحمل خروفا صغيرا على كتفيه .. بإمكانك أن تكتب اسمك على هذا الخروف .. إنه بكل تأكيد أنت ، إن أردت ..
هيا .. قل له يارب إنني خروفك الصغير ..إنني خروفك الذي تحبه برغم كل عيوبه .. أشكرك لأنك تعرفني باسمي.. أشكرك لأجل هذه العلاقة الخاصة .. تحملني على كتفيك ..
أيها الحبيب .. كل مؤمن حقيقي أعطى حياته للرب ، الرب يحبه جدا ، يعرفه بالاسم ، وقد سجل اسمه فى سفر الحياة ( فى 3:4) .. حينما عاد السبعون تلميذا متهللين لاْن الشياطين خضعت لهم ، سمعوا الرب يقول مهم ، لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم بل افرحوا بالحرى أن أسماءكم كتبت فى السماوات" (لو .1 :20 ).
آه .. ما أعظم هذا ، إنه يعرفني باسمي .. لست مجرد رقم وسط ملايين .. كلا أنه يحبني حبا خاصا ، وقد حدد لى دورا خاصا أقوم به لامتداد ملكوته ..
أليس هذا اهتماما عجيبا !!
لقد نادى الرب زكا باسمه .. وهو يناديك الآن باسمك ، لتسرع إليه كما أسرع زكا .. أيا كانت همومك وهزائمك من الخطية .. أسرع إليه .. سيصنع خلاصا عظيما معك ، فقد " جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك" (لو 19 : 10 ).
هل تشعر إنك صرت ميتا ، فقدت كل إحساس روحي بحب الله .. كفى يأسا .. اسمعه الآن، إنه يناديك باسمك كما نادى لعازر الميت باسمه .. صوته سينفذ إلى قلبك وسيعطيه حياة .. يقول الرب "تأتى ساعة وهى الآن .. حين يسمع الأموات صوت ابن الله ، والسامعون يحيون .." (يو 5 : 25 ).
إن صوت الرب وهو يناديك باسمك عذب جدا ، لأنه صوت مطمئن للغاية .. إنه صوت طبيبك الذي أتي لكي يشفيك ويريحك من كل أتعابك ..
هل أنت تبكى الآن .. هل تعذبك أفكار متضاربة .. هل صرت لا تفهم شيئا ، عاجزا عن الرؤية ..
إنه يحبك يعتني بك .. يعرفك باسمك .. يناديك الآن باسمك كما نادى مريم المجدلية باسمها وقت بكائها واضطرابها ويأسها ، فلما سمعته يناديها باسمها .. عرفته أنه راعيها ، وإنها خروفه الخاص فأنت عند قدميه ، وتغيرت من الخزن إلى الفرح ، ومن العجز إلى الانطلاق للشهادة المؤثرة الجاذبة للنفوس ..
هو يعرفك باسمك .. آه ما ألذ هذه الحقيقة .. هل يهاجمك إبليس بأنك شخص تافه عديم القيمة ، لا نفع منك ، ولا معنى لحياتك .. يمكنك الآن أن تسمع إبليس ضحكاتك الساخرة (مز 52 : 6 ) ..
الرب يسوع يعرفك بالاسم .. دعاك بالاسم .. وقد حدد لك دورا هاما فى مهامه العظمى..
سيدي ، اقبل أن احيا معك .. متمتعا بعنايتك ..
2- يحفظك سالما ..
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هو يحبك .. يعتني بك ، ومن دلائل اعتنائه العظيم أنه يهتم جدا بسلامتك ، ألا يطهرك دمه الثمين من كل خطية .. الخطية هى مصدر الخطر الوحيد .. تمتع أولا بغفرانه لخطاياك ، وستحفظ من الخطر وستتمتع بحمايته لك .. اقرأ معي هذا النص الرائع من إنجيل متى .. "أليس عصفوران (فى الأصل اليوناني الكلمة تعنى عصفوران صغيران) يباعان بفلس ، وواحد منهما لا يسقط على الأرض بدون أبيكم .. فلا تخافوا .. أنتم أفضل من عصافير كثيرة ، (مت 10 : 29،31).
والآن هل تشعر أنك شخص عديم القيمة ، ولهذا لا تقدر أن تصدق أن الله يهتم بسلامتك .. رجاء قارن معي هاتين الآيتين ..
" أليس عصفوران يباعان بفلس .." (مت 29:10).
" أليست خمسة عصافير تباع بفلسين" (لو 6:12).
لا تدل المقارنه على أن العصفور الصغير هو طائر زهيد القيمة جدا ، حتى أن البائع إذا باع لشخص أربعة عصافير ، قدم له عصفورا خامسا بلا مقابل !!! ..
هذا العصفور الصغير الذى بلا ثمن هو الذي يقول عنه الرب إنه لا يسقط بدون الآب .. تأمل واندهش معى ،الرب لم يقل أنه "لا يسقط بدون أذن أبيكم" بل " لا يسقط بدون أبيكم .. " أي أن الآب بنفسه سيكون معه عندما يسقط ..
أيها الحبيب ، أنت بكل تأكيد أفضل من هذا العصفور الصغير الذى بلا ثمن .. "أنت لك ثمن .. ثمن من ضخامته لا تقدر أعظم حاسبات العالم الالكترونيه أن تسجله !!
إن ثمنك هو دم الرب ، أثمن ما فى الوجود ..
أنظر هذا العصفور الصغير ، لقد بيع بلا ثمن ، ومع هذا فقد تمتع برفقة الآب.
وأنت اشتريت من العبودية المرة بدم الرب ، الذى سفكه من أجلك ..
أنت مفدى بالدم الثمين .. اّه ، ما أعظم قيمتك .. أنت أعظم من هذا العصفور بكثير ، بمثير جدا .. يمكنك أن تتخيل أى عون سيقدمه الآب لك ..
تمتع بالدم .. تمتع بغفران الدم لخطاياك .. آه ، لن تسقط أبدا بدون الآب ..
لن تؤذى ، الآب سيكون معك ، ستختبر أذرعه الأبدية التي من تحت (تث 33:27) ، سيحفظ هبوطك بلا ضرر ، وسيجعل الأرض التي تسقط عليها مكانا آمنا لراحتك ، فما أعظم الوعد القائل : "يوصى ملائكته بك لكى يحفظونك لئلا تصدم بحجر رجلك" (مز 91: 12:11).
أيها القاريء .. اقرأ هذه الآية أكثر من مرة .. أقرأ كل مزمور (91) أكثر من مرة ، احفظه.. ردده كثيرا .. سريعا ستؤمن بكل ما به من وعود للحفظ الإلهي .. والإيمان سيجعل هذه الوعود واقعا ملموسا فى حياتك ..
تأمل أيضا هذا الوعد العظيم ..
من قبل الرب تتثبت خطوات الإنسان (إنسان الله ) إذا سقط لا ينطرح لأن الرب مسند يده " (مز 37: 23،24).
نعم هو مسند يدك .. ثق أنه هو " الممسك بيمينك القائل لك لا تخف أنا أعينك" (إش 13:41).
لقد قال الرب يسوع "أليس عصفوران يباعان بفلس وواحد منهما لا يسقط على الأرض بدون أبيكم" (مت 29:10) .. لماذا لم يقل الرب "أليس عصفور بلا قيمة لا يسقط .. ‎" لماذا تحدث عن عصفورين ؟ ولماذا استخدم هذه العبارة "وواحد منهما.." .. أحيانا تبدو الظروف كما لو كانت تريد أن تجعلك وحيدا بلا رفيق يؤنسك بعد أن كان لك رفقاء .. لكن هل وجد العصفور الساقط أنه قد حرم من العصفور الثانى .. وأنه قد صار وحيدا..
كلا .. كلا .. لم يصر وحيدا .. لقد حرم من عصفور لكنه تمتع برفقة الآب بنفسه يكون معه ..
أيها الحبيب ، قد تأتى عليك ظروف بالغة الصعوبة .. قد تبدو وكأنها تريد أن تفصلك عن أحبائك لتصير وحيدا ، بلا أحد يفهمك أو يقدر مشاعرك .. كلا .. لن تكون أبدا وحيدا .. الآب نفسه معك ..
أيها الحبيب ، مهما كانت الظروف قاسية ، حتى ولو بدت كأنها رياح عاصفة تريد أن تسقطك من قمة عالية إلى أرض صلبة .. لا .. لا تصدق العيان .. إنه كاذب .. صدق ما يقوله الرب لك .. لن تكون أبدا معرضا للإيذاء .. ستظل فرحا ، مثمرا .. الآب نفسه معك .. والوعد صادق مائه فى المائه "لا يضركم شيء" (لو 19:10) ..
"وهذه الآيات تتبع المؤمنين .. إن شربوا شيئا مميتا لا يضرهم (مز 16 18:17).
نعم هو يعتنى بك .. نعم هو يهتم جدا بسلامتك ، أنه يسيج حولك بملائكته .. اّه ، لن يقدر أحد أن يؤذيك .. الوعد أمين "تحفظه سالما سالما .. لأنه عليك متوكل" (إش 3:26).
3- هو يهتم بأمورك الصغيرة ..
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كم هى معزية ومشجعة جدا كلمات الرب يسوع لنا " أما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة" .. إن كلمة محصاة فى أصلها اليوناني تعنى مرقمة numbered وليس counted .. أي جميع شعور رؤوسنا مرقمة .. أي أن كل شعره فى رأس كل مؤمن قد صار لها رقم خاص مسجل فى السماء تعرف به !! فهذه هي الشعرة الرابعة وتلك العاشرة .. وهكذا .
آه ، الرب يهتم بالشعرة الواحدة التي وسط شعر رأسك الذي لا تقدر أنت أن تحصيه ، ان لها رقم محدد .. أنظر ماذا يقول لنا "شعرة من رؤوسكم لا تهلك" (لو 18:21) .. أى شعرة واحدة لا تهلك .
إنه يعتني بى .. يهتم بشعر رأسي .. يهتم بأموري الصغيرة جدا ، لماذا ؟ .. لان حبه العظيم لى جعل هذه الأمور الصغيرة عظيمة جدا فى عينيه .. لا يهتم بروحي فقط بل بجسدي وبأقل أجزائه أهمية .. الرسول بولس يقول " الرب للجسد" (ا كو 13:6).
حينما اخرج الرب بطرس من السجن بمعجزه ، اهتم بأن يكون مرتديا المنطقة !! ولقد اهتم الوحي بذكر رداء بولس ورقوقه (2تى13:4) .. أمور صغيرة لكن الرب يهتم بها لأنه يحبنا ..
تأمل أيضا حينما تحدث الوحي عن حكمة ومعرفة سليمان ذكر لنا هذه العبارة الجاذبة للانتباه" وتكلم (سليمان) عن الأشجار من الأرز الذي فى لبنان إلى الزوفا النبات فى الحائط " ( 1 مل 33:4) .. أنظر لقد اهتم بالزوفا النبات الصغير جدا تماما كما اهتم بشجرة الارز الضخمة ..
أعط حياتك للرب ، من أحبك واسلم نفسه لأجلهم .. أعط حياتك للرب الذي سفك دمه الثمين ليغفر به خطاياك .. أعط حياتك له .. هو يعتني بك .. سيهتم بأمورك الصغيرة (الزوفا) تماما كأمورك الكبيرة (الأرز) ، سيهتم بأدق أمور حياتك .. أليس هذا أمرا عجيبا.. أليس هذا امتيازا عظيما .. كم يجب عليك أن تشكره من أجل إحسانا ته التي لا إحصاء لها ..
4- يحصى خطواتك ..
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ما اثمن خطواتك .. ما أثمنها جدا فى عينيه .. حينما بدأ الله مع موسى طلب منه أن يخلع حذاءه .. عن وراء هذا تأملات عديدة .. أما هنا فلنا هذا التأمل ، لقد أراد الله لموسى أن يخلع حذاءه لكي يعطيه حذاءا آّخرا جديدا له صفات غير عادية، حذاء يسير به موسى أربعين سنة ولا يتهرأ منه .. يقول له الرب " فقد سرت بكم (بك) أربعين سنة فى البرية .. ونعلك لم تبل " (تث 5:29).
يا لهذا المعنى .. الله تهمه جدا أقدامنا .. تهمه جدا خطواتنا .. إن سلمناها له سار بنا إلى الأمام لاتمام مقاصده العظمى التي تتجاوز توقعات البشر وخيالهم .. سار بنا فى المجد .. لقد اعد لنا الحذاء المناسب لكل مرحلة .. آه أيها الحبيب سيعطيك الرب دائما حذاءا صلدا أقوى من الظروف المعاكسة ، لا يتهرأ ، ما دمت تأتى له مثل موسى لتسلمه قيادتك بلا شروط، بلا اعتذارات..
هو يعتنى بك .. يهتم جدا بخطواتك ، مادمت قد قررت أن تحيا له .. تأمل معي هذه الآية الرائعة التي قالها أيوب :
"أليس هو ينظر طرقي .. ويحصى جميع خطواتي" (أى 4:31).
آه ، إنه يحسب عددها .. ألا يدل هذا على اهتمامه البالغ بها .. نعم إنه يعتنى بخطواتك مادامت تكرس للسير خلفه ..
أنظر ماذا يقول لك " أنا أسير قدامك والهضاب أمهد .. أكسر مصراعي النحاس ومغاليق الحديد أقصف .. لكي تعرف أنى أنا الرب الذي يدعوك باسمك ( أي لكي تختبر محبتي المرافقة لخطواتك) " (إش45: 2،3) .. أنظر كيف تمتع داود بهذا الوعد فرنم قائلا " وضع لى عهدا أبديا متقنا فى كل شئ ومحفوظا . أفلا يثبت كل خلاصي وكل مسرتى" (2صم 5:23).
إله داود هو أيضا إلهك .. هو يريد أن يثبت خلاصك (خلاصك من المخاطر) .. يريد أن يثبت مسرتك .. سلم له خطواتك .. سيعتني بها ، وسيمتعك بأختباراتعظيمة وهو يستخدمك لاتمام خطته العظمى لامتداد ملكوته ..
5- ويحتفظ بدموعك ..
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
قد تأتى عليك الضغوط .. قد تتعرض للمحن .. قد تتعرض لحروب شرسة من العدو .. هل يتركك الرب ..
كلا .. إن وعده صادق "لا أهملك ولا أتركك" (عب 5:13) .. قد ينتظر بعض الوقت لكي تتمم الضغوط والمحن والمعارك دورها الذي حدده هو بحكمته لتشكيل إنائك .. لكنه كلا ،لن يسمح لإبليس أن يؤذيك بشيء ..
هذه الأوقات الهامة لتشكيلك ، يعطيك فيها اهتماما خاصا .. تأمل معي هذه الثقة التي ملأت قلب داود حين دخل هذا الأتون لكى يتمحص ، ويصفى كالذهب والفضة (ملا 3:3) .. تأمل كلماته هذه إلى الرب .. "اجعل أنت دموعي فى زقك (قارورتك) .. أما هى فى سفرك " (مز 8:56)ز
ألا ترينا هذه الكلمات ثقة داود فى أن الرب يقدر دموعه ،يسجلها فى كتابه ويحفظها فى قارورته ..
نعم ، كم يزن الرب الدموع التي تتساقط من عينيك فى طريق التنقية والإعداد ..
آه ، كم يزن دموع الندم الممتلئة بالثقة فى الغفران .. وكم يزن دموع الضعف أمام الضغوط حينما تخلو من الشفقة على الذات وتمتلئ بالثقة فى أمانة الله .. وكم تزن جدا دموع الحزن على الخطاة والتوسل من أجلهم ..
هذه دموع يقدرها جدا .. يسجلها فى سفره ويحتفظ بها فى قارورته ويكافئك عليها لأنها دموع الحب ..آه .. كم أنت محبوب .. كم يحبك .. وها هو الوعد يضئ أمامك"الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج" (مز 5:126) .. نعم ستثمر دموعك لأن الله يعتنى بها !!
6- ويسدد كل احتياجاتك ..
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
والآن تأمل معي هذه الآيه الذهبية التي نطق بها الرسول بولس :
" فيملا إلهي كل احتياجكم بحسب غناه فى المجد فى المسيح يسوع" (فى 19:4) .
تأمل أيضا هذه الآية : "ملقين كل همكم عليه لأنه هو يعتنى بكم " ( ابط 7:5).
تأمل كلمة "كل" فى كلتا الآيتين .. اطرح عليه كل .. همومك ، وهو يسدد كل .. كل احتياجك ..
الرب يرى كل احتياجاتك .. ثق فيه، سيسددها .. ليس بحسب احتياجك، بل أعظم .. أعظم بكثير، بحسب غناه هو بالمجد ..
سيسدد احتياجاتك المادية .. سيسدد احتياجاتك الصحية ..
سيسدد كل .. كل .. كل احتياجاتك ..
ما أروع الكلمات التى نناجى بها الرب يسوع فى القداس " لم تدعنى معوزا شيئا من أعمال كرامتك" .. هل تشعر بصدقها .. هل اخترتها فى حياتك اليومية ؟ !!
آه ما أروع الحياة مع الرب يسوع .. ما أروع أن يكون هو صديقك الألزق من الأخ الذي لا يجعلك تحتاج شيئا ..
ما أروع أن يكون هو عريس نفسك الذي تتلذذ بالنظر إليه والجلوس عند قدميه .. إنه يعتنى بك ..
لقد فداك بدمه الثمين الغالي .. لقد جعلك عضوا حيا فى جسده .. أنت لحم من لحمه ، وعظم من عظامه ..
هو يعتنى بك .. يعرفك بالاسم .. يحفظك سالما .. يهتم بأمورك الصغيرة ..
يحصى خطواتك .. يحتفظ بدموعك .. ويملأ كل احتياجاتك .. وماذا أيضا ؟
تأمل كلماته عنا فى سفر ملاخى .. هو يقول " ويكونون لى قال رب الجنود فى اليوم الذي أنا صانع خاصة (الترجمة الأدق هي فى اليوم الذي أنا صانع جواهري .. ) " (ملا 17:3) .. أنت جوهره ثمينة فى عيني الرب .. يلاحظك ويصونك "كحدقة عينه" (تث 10:32) .
آه .. من مثلنا ؟ !! .. "من مثلك يا شعبا منصورا بالرب .. (الرب هو) ترس عونك (هو حمايتك) وسيف عظمتك (وقوه هجومك ) .. فيتذلل لك أعداؤك وأنت تطأ مرافعاتهم (تطأ قوى إبليس المتكبرة ) " تث 29:33).
آه .. من مثلنا ؟ !! .. فدانا بدمه ، كسانا ببره ، أعطانا روحه ، يغذينا بكلماته .. يثبتنا فيه بجسده المقدس ودمه الكريم .
آه .. من مثلنا؟!! نحن جواهره .. هو .. يعتني بنا ..
سيدي ..
ها حياتي كلها أضعها بين يديك..
أثق انك تعتني بي اليوم وغدا .. وإلى الأبد ..
 
قديم 01 - 07 - 2016, 05:41 PM   رقم المشاركة : ( 13388 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

التخيّل والخيال في الحياة الروحية

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بحسب تعليم آباء الكنيسة القديسين ، التخيل هو أحد قدرات النفس التي تلعب دوراً مهماً في عمل وتكون الأهواء. إنه يشكل صورة شخص أو شيء ما داخلنا، ثم يثير اللذة الحسية لكي تأسر نوسنا، وبمجرد أن نقع في الأسر فإننا نرتكب الخطيئة.
ينبغي علينا بالتالي أن ندرس الدور المهم للتخيل والخيال في ارتكاب الخطايا، وأيضاً مدى أهمية التحرر من الخيال لكي نحيا حياة مسيحية. هذا هو أحد المواضيع الرئيسية للتعليم النسكي في الكنيسة الأرثوذكسية. يساعدنا الآباء القديسون، كخبراء في الطريقة النسكية للحياة، على رؤية هذه المسألة بوضوح.
1- المصطلحات المستعملة من قِبَل الآباء القديسين
لم يبدأ الآباء القديسون، الذين اهتموا بهذا الموضوع وكتبوا عنه، بعمل بحث نفسي أو بمحاولة دراسة عالم الإنسان الداخلي بطريقة علمية. نحن نعلم من تعليم الكنيسة الأرثوذكسية أن الآباء لم يكونوا أكاديميين، لكنهم كانوا رعاة لشعب الله. لقد عرفوا من الخبرة كيف تعمل نعمة الله في البشر.
لقد كان الآباء القديسون خبراء في حالة نفس الإنسان بعد حادثة السقوط المدمرة، وبالتالي تعلموا ما هو شكل النفس وكل الحالة الداخلية للإنسان عندما تجددت بنعمة الله. لم تكن ملاحظاتهم عن موضوع الخيالات والتخيل مدفوعة ببحث علمي في علم النفس، ولكن بخبرتهم الشخصية خلال الروح القدس. لقد كان هدفهم هو قيادة الناس للخلاص. لقد كانوا واعين بالطريقة التي بعمل بها الخيال والتخيل في الإنسان الساقط وفي الشخص الروحاني والملهم بواسطة الروح القدس.
فعلى سبيل المثال، عندما كان الآباء القديسون يستعملون مصطلحات فلاسفة وعلماء عصرهم، فإنهم لم يكونوا يقبلون آراءهم بصورة كاملة. يكتب القديس غريغوريوس بالاماس قائلاً: “لو أن أحد الآباء يعبر عن شيء ما بنفس الطريقة التي يعبر بها الذين هم من خارج، فهذه مجرد مسألة كلمات، أما من جهة المعاني فيوجد فرق كبير. بحسب بولس، يقتني الآباء فكر المسيح، على حين أن الذين هم من خارج يتكلمون بفهم بشري إن لم يكن مما هو أسوأ من ذلك أيضاً“. يستحق هذا النص أن ننتبه إليه. إنه يُظهر أنه على الرغم من أن بعض الآباء استعمل نفس المصطلحات التي استعملها الفلاسفة، إلا أنه يوجد فرق كبير بينهم. لقد تكلم الآباء القديسون، بنوسهم الطاهر، من إعلان، على حين تكلم الفلاسفة من فهمهم الخاص ومن تأملهم البشري الشخصي.
إنني أذكر ذلك لأنه ينبغي علينا، عندما نتحدث عن الخيال أو التخيل، أن نعطي هذه الكلمات نفس المعنى الذي يعطيه لها علماء النفس والمحللون النفسيون المعاصرون المهتمون بهذا الموضوع. يوجد فرق شاسع بين الناس أصحاب خبرة الروح القدس، وأولئك المهتمين بالخيال والتخيل بطريقة متمركزة حول الإنسان. حتى لو كانوا في بعض الأحيان يستعملون نفس المصطلحات، إلا أنها تشير إلى أمور مختلفة.
يكتب الشيخ صوفرونيوس ساخاروف عن الخيال والتخيل قائلاً: “إنني لا أستطيع أن أرجو أن أعالج موضوعاً بهذه الصعوبة وهذا التعقيد بطريقة مشبعة. حيث أن مهمتى الرئيسية هي أن أقدم للقارئ عرضاً لخبرة محددة وملموسة، سوف أنحصر في فحص الآراء والمفاهيم الموجودة هذا اليوم في الجبل المقدس، هذه الآراء والمفاهيم التي تبناها الأب سلوانس أيضاً. قد نترك جانباً نظريات علم النفس المعاصرة، حيث أنها لا تشترك في الكثير مع المفاهيم الأرثوذكسية الإنسانية“.
في المناقشة التالية للخيال والتخيل لن أعقد أية مقارنة بين تعليم الآباء القديسين، وآراء علماء النفس والمحللين النفسيين المعاصرين. سوف أقوم بوصف الطريقة التي يتكلم بها الآباء القديسون عن الخيال والتخيل في ضوء الخبرة المعاصرة المحفوظة في الكنيسة، والتي يعيشها رهبان أيامنا المتأصلون في المنهج العلاجي الخاص بالكنيسة الأرثوذكسية.
كما نعلم، لا يهتم الآباء بمجرد الاتزان النفسي للإنسان، ولكن باتحاده بالله. لكي يصل المرء لهذه النقطة، ينبغي عليه أن يتخلص من استعمال خياله حتى لو كان يعمل بطريقة إيجابية. لكي يصل النوس إلى معاينة الله، ينبغي عليه أن يتحرر تماماً من كل الصور العقلية مهما كانت جيدة، بل ويتحرر حتى من الأفكار بغض النظر عن كونها نافعة للنمو الثقافي أو لاندماجنا في المجتمع.
على الرغم من أنه في بعض الأحيان يوجد بعض التشابه بين التعبيرات والمصطلحات التي يستعملها الآباء القديسون والتي يستعملها علماء النفس والمحللون والمعالجون النفسيون، إلا أن معنى كل من هذه التعبيرات والمصطلحات مختلف تماماً.يكون من الخطأ، في رأيي، أن نحاول تفسير النصوص الآبائية بحسب علم النفس والتحليل النفسي الحديث، تماماً مثلما هو خطأ أن نرى الظواهر النفسية على أنها خبرات روحية.
من المؤكد أن عمل الروح القدس في قلب الإنسان له أيضاً آثاره على المستوى النفسي ويؤثر على سلوكه ككيان إنساني.بنفس الطريقة، غياب الروح القدس من قلب المرء له نتائج عديدة على كل شخصيته بما في ذلك الأعراض النفسية. ومع ذلك، تختلف الآثار النفسية عن الخبرات الروحية.
2- تعريف القدرة على التخيل والخيال
يُعِّرف القديس يوحنا السلمي التخيل أو الخيال كالتالي: “الخيال هو توهم العينين عندما يكون الذهن نائماً. الخيال هو نشوة النوس عندما يكون الجسد مستيقظاً. الخيال هو رؤية شيء غير موجود في الواقع“. الخيال هو رؤية شيء ليس له وجود حقيقي وليس له أساس. ينشط الخيال عندما يكون الذهن متكاسلاً. يكون ذلك واضحاً في الأحلام عندما يكون الذهن غير يقظ.إلا أن الخيال يكون موجوداً أيضاً عندما نكون مستيقظين، وعندئذ يكون من الممكن للنوس أن يخرج خارج نفسه.
ينبغي علينا أن نوضح الفارق بين القدرة على التخيل من جهة، والخيال والتخيل من جهة أخرى. القدرة على التخيل هي قدرة طبيعية للنفس، على حين أن الخيال والتخيل هو تنشيط هذه القدرة بصور ومشاهد متنوعة تأتي من الخارج. تقع القدرة على التخيل بين النوس والحواس. إنها ليست خاصية بحتة خاصة بالنوس، ولا هي خاصية تخص الحواس. يكتب القديس غريغوريوس بالاماس قائلاً: “هذه القدرة على التخيل التي للنفس تقع بين النوس والحواس في الكيان الإنساني“. بحسب القديس غريغوريوس، تقع القدرة على التخيل على الخط الفاصل بين النوس والإدراك الحسي، ونشاطات التخيل (الخيالات)لم تكن موجودة في آدم قبل السقوط كما سنرى فيما يلي. إنها تنتمي للحالة الساقطة للإنسان.
يميز القديس يوحنا الدمشقي في نص بليغ جداً بين القدرة على التخيل، والشيء المتخَيَل، والخيال، والوهم. إنه يكتب قائلاً: “القدرة على التخيل هي خاصية للجزء غير العاقل من النفس. إنه يعمل من خلال أعضاء الحواس ويعبر عنه كإحساس.يكون شيء ما قابلاً للتخيل والإدراك عندما يقع داخل مجال خاصية التخيل والحواس. بطريقة مشابهة، يكون البصر هو الخاصية البصرية نفسها، ولكن يكون الشيء مرئياً عندما يأتي داخل مجال خاصية البصر سواء كان صخرة مثلاً أو أي شيء آخر. الخيال هي خبرة سلبية للجزء غير العاقل من النفس الذي يصادفه شيء متخَيَل. إلا أن الوهم هو خبرة سلبية للجزء غير العاقل من النفس لا يصادفه أي شيء متَخَيَل. عضو التخيل هو البطين الأمامي للمخ“.
يوضح هذا النص أن خاصية التخيل هي قدرة خاصة بالجزء غير العاقل من النفس، وهو يعمل من خلال الحواس. يعني ذلك أنها تعمل عندما تعمل الأعضاء الحسية. يكون الشيء قابلاً للتخيل (أو الإدراك) عندما يقع في مجال التخيل أو الحواس.الخيال أو التخيل هو خبرة سلبية متكونة في جزء النفس غير العاقل بواسطة شيء مُتَخَيَل، على حين أن الوهم لا يأتي من أي شيء قابل للتخيل. يوجد بالتالي عضو يسمى القدرة التخيلية، وهو قدرة تخص جزء النفس غير العاقل. توجد أشياء قابلة للتخيل تقع داخل مجال القدرة التخيلية. توجد أحلام يقظة أو خيال مرتبطة بالحواس، كما يوجد الوهم الذي يتكون في القدرة التخيلية دون أي مُدخلات من الأعضاء الحسية.
تُستعمل في بعض الأحيان تعبيرات “القدرة التخيلية” و“الخيال” في النصوص الآبائية بنفس المعنى. إنها تشير إلى الخيال أو التخيل على أنهما القدرة التخيلية والعكس بالعكس، بسبب التداخل بينهما.
إذ يعلق القديس مكسيموس المعترف على القديس ديونيسيوس الأريوباغي، يكتب قائلاً أن الخيالات والتخيل لا يشبهان التفكير. هذا الفرق واضح من الطرق المختلفة التي يعملان بها: “التفكير إيجابي وخلاق، على حين أن الخيال أو التخيل سلبي إذ هو بصمة صورة تمثل شيئاً قابلاً للإدراك من قِبَل الحواس“. التفكير هو نشاط يخص النوس والعقل، ويختص بالمفاهيم، على حين أن الخيال والتخيل سلبيان ويعكسان شيئاً قابلاً للإدراك من قِبَل الحواس. هذا هو الفرق بين التفكير، من جهة، والخيال والتخيل، من جهة أخرى.
هذا هو المعنى الذي ينبغي علينا أن نفهم به تعليم الآباء القديسين عن أن التخيل أو القدرة التخيلية هي قدرة طبيعية للنفس.التخيل هو إمكانية طبيعية للنفس تعمل فيما بين النوس والحواس. منذ السقوط، انحرفت هذه القدرة من مسارها الطبيعي وعملت بطريقة غير طبيعية في كل أنواع الخيالات والتخيلات. يتحرر المرء من كل هذه عندما يصل إلى الاتحاد بالله. ينبغي علينا أن ننظر لعبارة كاليستوس وأغناطيوس من زانسوبولوس: “للنفس ذاتها القدرة على التخيل” من هذا المنظور. مثلما يمتلك الجسد خمس حواس، هكذا تمتلك النفس خمس قدرات أو إمكانيات هي: النوس، والفهم، والرأي، والتخيل، والإدراك.بالتالي “يكون التخيل واحداً من إمكانيات النفس التي تكوِّن بها النفس الصور الذهنية“. تستعمل كلمة تخيل هنا بمعنى“القدرة على التخيل“. يقول القديس غريغوريوس السينائي نفس الشيء عندما كتب قائلاً: “لأن النفس بالطبيعة تخترع خيالات وتكون صوراً ذهنية للأشياء التي لم تصل إليها بعد“.
يكتب القديس مكسيموس المعترف عن موضوع الخيال أو التخيل قائلاً: “لم يُخلق الهوى والألم منذ البداية مع الجسد؛ ولا النسيان والجهل مع النفس؛ ولا الانطباعات دائمة التغير عن أشكال الأشياء المخلوقة مع النوس. لقد وجدت كل هذه الأمور من خلال السقوط. الشخص الذي يقصي اللذة والألم عن جسده يكون قد حقق الفضيلة العملية، والذي يخلص نفسه من النسيان والجهل يكون قد نجح في الوصول لمعاينة الله الطبيعية. الذي حرر نوسه من انطباعاته المتعددة يكون قد دخل إلى سر اللاهوت“. تماماً مثلما لم يقتنِ الجسد اللذة والألم من البداية، ولم تقتنِ النفس النسيان والجهل منذ البدء، هكذا لم يكن للنوس عالماً داخلياً من الصور المتخيلة.
ينبغي علينا لكي نصل إلى فهم واضح لهذا النص الخاص بالقديس مكسيموس المعترف، أن نضعه في سياق كل اللاهوت الخاص به الذي يضع ثلاث مراحل للحياة الروحية وهي الفلسفة العملية، والثايوريا الطبيعية، واللاهوت السري. عندما يتخلص المرء من اللذة والألم، فإنه يختبر الفلسفة العملية. وعندما يتحرر من النسيان والجهل، فإنه يختبر الثايوريا الطبيعية التي تعني الصلاة العقلية غير المنقطعة. وعندما يتحرر نوسه من الصور والخيالات، فإنه يُقاد نحو معاينة الله التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعلم اللاهوت. الألم، والنسيان، والجهل، والخيال، والتخيل هي ظواهر ظهرت بعد السقوط مثل اللذة. وبالتالي لكي نصل للإتحاد بالله ينبغي علينا أن نتخلص ونتحرر من كل هذه الأمور. من هذا المنظار يتحدث القديس اسحق السرياني قائلاً: “كل صور هذه الأشياء التي اعتاد النوس على بنائها هي خيالات وتصورات وليست حقيقة… الصور المخلوقة من قِبَل الخيال هي بسبب مرض النوس، وليست بسبب نقاوته“.
عندما نقرأ تلك النصوص من كتابات الآباء القديسين والنصوص الأخرى المتعلقة بها، فإننا ندرك أنه على الرغم من أن القدرة التخيلية موجودة كقوة للجزء غير العاقل من النفس، إلا أن فعل التخيل والتخيل، خصوصاً عندما يكون مرتبطاً بالأهواء، هو نتيجة لسقوط الإنسان وهو ينجس النوس. يكون النوس في حالته الطبيعية خالياً من الخيالات والتخيلات. كما سنرى فيما يلي، فإن الشخص الذي بعد أن يصل لاستنارة النوس ومعاينة الله بعد تطهير حقيقي، يكون قد تخلص تماماً من استعمال خياله. هذا هو السبب الذي يجعلنا نصر على أنه ينبغي على المرء أن يتخلص من الخيالات والتخيلات، وأن يطهر نوسه تماماً. هكذا نفهم لماذا يتكلم الآباء عن التخلص من الخيالات والتخيلات لأن القدرة التخيلية، التي هي قدرة خاصة بالجزء غير العاقل من النفس، تصبح خاملة في الثايوريا النقية.
إننا نرى ذلك في المسيح. حيث أن طبيعته الإلهية أخذت الطبيعة البشرية بكليتها، وحيث أن الطبيعة البشرية اتحدت بالطبيعة الإلهية في شخص الكلمة، نتج عن ذلك أن المسيح أيضاً اتخذ قدرة النفس التخيلية. إلا أن القدرة التخيلية، كقدرة تخص جزء النفس غير العاقل، لم تكن تعمل في المسيح مثلما تعمل فينا نحن الذين تسود علينا الأهواء. نستطيع أن نقارن القدرة التخيلية لدى المسيح بجهاز التليفزيون الذي، على الرغم من كونه جهازاً لنقل الصور المتعددة، فإنه لا يفعل ذلك عندما يكون مغلقاً.هكذا، على الرغم من أن المسيح لديه قدرة تخيلية إلا أنها لم تكن تعمل فيه.
إذ يتكلم القديس يوحنا الدمشقي عن الأهواء الطبيعية غير الملومة التي اتخذها المسيح فإنه يقول: “إننا نعترف إذاً أن المسيح اتخذ كل أهواء الإنسان الطبيعية والنقية، إذ أنه اتخذ كل الإنسان وكل الخصائص البشرية ماعدا الخطيئة. ذلك لأن الخطيئة ليست طبيعية، ولم تُزرع فينا من قِبَل الخالق، لكنها ظهرت إرادياً بإرادتنا الحرة كنتيجة للبذرة الثانية المزروعة من قِبَل الشيطان، وهي لا تستطيع أن تسود علينا بالقوة“. إلا أنه ينبغي علينا أن نشير إلى أنه حتى هذه الأهواء غير الملومة لم يكن لها سلطان على المسيح ولكنها كانت تحت سلطانه. كما يقول القديس يوحنا الدمشقي، كانت الأهواء الطبيعية موجودة في المسيح بطريقة طبيعية وطريقة تفوق الطبيعة. “لقد كانت تعمل فيه بطريقة طبيعية عندما سمح للجسد أن يتألم مما يخصه، لكنها كانت فوق الطبيعة لأن التي كانت طبيعية لم تتخذ في الرب سلطاناً على إرادته“.
نستطيع أن نقول نفس الشيء عن القدرة التخيلية لدى نفس المسيح. فهي على الرغم من أنها كانت موجودة كقدرة للنفس اتخذها المسيح، لأن “الذي لم يُتَخَذ لا يُشفى“، إلا أنها لم تكن تعمل فيه كما تعمل فينا. بالتالي، لا يتخيل المسيح الأشياء. هذا هو المعنى الذي ينبغي علينا أن نفحص في ضوئه النصوص الموجودة في كتابات الآباء والقديس نيقوديموس الآثوسي، التي تقول أن المسيح تحرر من الخيال والتخيل.
ما حدث في المسيح حدث أيضاً، بدرجة أقل وبواسطة النعمة، في قديسي الكنيسة. عندما يشفى المرء بعد تدريب وعلاج مناسب بتوبة شاملة، وعندما يتحرر نوسه من التخيلات الخيالية، تصبح القدرة التخيلية غير فعالة. بالتالي يبقى النوس خالياً من الخيال والشكل كما يقول الآباء. هذه مسألة خبرة، ويكون من الصعب علينا في حالتنا الساقطة أن نفهم ذلك أو نشرحه.
يكون كل شيء قابل للإدراك من قِبَل الحواس قابلاً أيضاً للتخيل ويقع داخل مجال القدرة التخيلية، وبالتالي يأتي الخيال والتخيل إلى الوجود، بحسب قول القديس يوحنا الدمشقي. كما يخبرنا الآباء، هذا الخيال يشبه القشور التي تغطي النوس وتمنعه من معاينة الله بوضوح. لكي يصل النوس لمعاينة الله ينبغي عليه أن يتخلص من هذه القشور وأن يقف أمام الله في نقاوة. تكون القدرة التخيلية مرتبطة بالخيال والتخيل في لغة الآباء القديسين، وهم عندما يكتبون أنه ينبغي علينا أن نتطهر من الخيال والتخيل فإنهم يعنون أنه ينبغي علينا أيضاً أن نطهر القدرة التخيلية. بتعبير آخر، ينبغي علينا أن نجعل قدرة النفس التخيلية غير فعالة. لقد عاين القديسون الله واختبروه بواسطة النوس النقي الخاص بهم، وليس من خلال قدرتهم على التخيل، وهذا هو السبب الذي يجعل الأطباء النفسيين غير قادرين على تفسير كتابات القديسين ولا كل الرؤى المقدسة الخاصة بهم من منظور نفسي.
تختلف القدرة التخيلية، التي هي قدرة طبيعية للنفس، عن التخيل والخيال الذي هو وظيفة هذه القدرة. ينصحنا التقليد النسكي برمته ألا نحاول أن نتخيل الله. ينبغي علينا بدلاً من ذلك أن نجاهد لكي نطهر قدرة النفس التخيلية، ولكي نحرر أنفسنا من الخيال الملعون. ينبغي على النوس عندما يصلي أن يبقى “بلا شكل” و“خالياً من التخيل“، بحيث نستطيع أن نحفظ أنفسنا من تكوين صور لله.
3- الخيال والتخيل كظاهرة لحالة الإنسان الساقطة
منذ السقوط صارت قدرة الإنسان التخيلية جامحة وامتلأت من الخيالات. بخلاف الإنسان، الشيطان أيضاً لديه خيال. هذا هو بالضبط السبب الذي يجعل الخيال والتخيل موصلين فعالين للطاقة الشيطانية، ويجعل الشيطان يستعملهما لإيقاع الناس في الفخ. الخيال والتخيل هما الجسر بين الإنسان والشياطين الذي يعبره الشياطين لكي يضايقوه.
يكتب كاليستوس وأغناطيوس الكسانثوبولس قائلين: “الخيال، الذي يأخذ أشكالاً عديدة مثل ديدالوس الأسطوري، والذي له العديد من الرؤوس مثل الأخطبوط، يقول عنه القديسون أنه يعمل كجسر للشياطين. هؤلاء القتلة المدمرون يمضون ذهاباً وإياباً على الجسر، مشتركين مع النفس ومختلطين معها بطريقة ما، ويجعلونها عشاً للدبابير ومسكناً للأفكار العقيمة الشهوانية…”. بتعبير آخر، الخيال هو جسر تعبر عليه الشياطين لكي تتصل بالنفس وتختلط بها وتجعل الإنسان مرتعاً للأفكار العقيمة والشهوانية.
بحسب القديس مكسيموس، الخيال والتخيل وكل الصور التي يقدمانها هي قشور تعمي بصر النفس. إن أياً من تكون لديه هذه القشور يكون غير قادر على معاينة الله أو على أن يقتنع بالتعليم عن الله والأمور الإلهية. الانطباعات والأفكار المتولدة من الخيال “هي في الواقع قشور تعمي بصر النفس النقي وتسد الطريق للوصول لكلمة الحق الطاهرة“. تمنع هذه القشور التي تغطي النفس وصولها للحقيقة ولمعرفة إرادة الله. هذا هو السبب الذي يجعل القديس مكسيموس المعترف يعلِّم أنه عندما يتخلص النوس من الأفكار والصور الناتجة عن الخيالات “فإن كلمة الحق تُعلَن له بوضوح، معطية إياه مبادئ المعرفة الحقيقية“. يستطيع الشخص أن يصبح لاهوتياً حقيقياً لا غش فيه فقط عندما يتحرر من الخيالات والتخيلات. وإلا فإنه قد يتكلم عن الله تحت تأثير الشياطين، حيث أن الشياطين سوف تقدم أفكاراً عن الله وحقائق الإيمان الأخرى من خلال خياله.يقول الآباء أنه ينبغي على المرء أن يتخلص من هذه القشور التي تعمي بصر النفس النقي، ويقولون أيضاً أن القديسين يتكلمون عن الله “مثل الصيادين” (مثل الرسل) وليس “مثل أرسطو“. علم اللاهوت الخاص بهم يأتي من قلب نقي، وليس من قدرتهم على استعمال المنطق (القديس غريغوريوس اللاهوتي).
على الرغم من أنه لا يوجد سوى قدرة واحدة على التخيل، إلا أن لها ثلاثة فروع، وذلك بحسب كاليستوس وأغناطيوس الزانسوبولس. الفرع الأول هو القدرة على تصوير الأفكار، أي جعلها قابلة للإدراك، بمعنى تحويل الأفكار والمفاهيم إلى صور قابلة للإدراك. الفرع الثاني هو القدرة على تمثيل الأشياء “من البقايا المتبقية“، أي القدرة على استدعاء الأفكار الناتجة عن النوع الأول من التخيل والإبقاء عليه. الثالث “يتكون من اللذة والصور المتخيلة التي للأشياء التي تبدو جيدة أو سيئة ظاهرياً“، أي كل اللذة والحزن الناتجين عن وجود هذه الصور التي تقدمها الحواس لقدرة النفس على التخيل. بالتالي تكون أجزاء التخيل الثلاثة هي: أولاً، القدرة على تخيل وتجميع صورة؛ ثانياً، الإبقاء على الفكرة وصورتها داخل قدرة النفس التخيلية واستعادتها؛ ثالثاً، اللذة أو الحزن الناتجين عن الأفكار التي تبدو جيدة أو رديئة داخل قدرة النفس التخيلية.
حيث أن التخيل هو وظيفة طبيعية في الكيانات البشرية الساقطة والخيالات هي قشور تظلم رؤية النفس النقية منذ السقوط، يكون النوس في حالته الطبيعية عندما يتخلص من كل أشكال الخيال والتخيل. كما يعلِّم القديس هيزيخيوس القس قائلاً: “عندما لا توجد خيالات ولا تصورات في القلب، يكون النوس في حالته” ويكون مستعداً للتوجه ناحية أي رؤية روحية مبهجة ترضي الله.
كلما يكون الشخص أكثر مرضاً من الناحية الروحية، كلما كان مغلوباً من كل نوع من الخيال والتخيل. كلما كان الشخص أكثر صحة من الناحية الروحية، كلما كان أكثر تحرراً من الخيالات والتخيلات. حتى ما يشار إليه اليوم على أنه مشاكل نفسية هي مشاكل تنتج عن الخيالات وتبقى في نفوسنا بسببها. كلما تحررنا من ضغط الخيالات كلما تعافينا من المشاكل النفسية المختلفة. هذا هو السبب الذي جعل القديس يوحنا كاسيان يكتب أن علامة اكتساب فضيلة القداسة والعفة هي أن نفسه لا تلقي بالاً بالمرة للخيال أو التخيل حتى وقت النوم. “إنه يغفل هذه الصور التي ينتجها الخيال الدنس خلال النوم“.
بالطبع ليست خطيئة أن يرى المرء أحلاماً مزعجة أثناء النوم، ولكنها “علامة على أن النفس مريضة وأنها لم تتحرر من الهوى“. إنها تثبت أن النفس مريضة ولم تتحرر بعد من الهوى. هذا هو السبب، كما يعلِّم القديس يوحنا كاسيان، الذي يجعل الخيالات الدنسة التي تظهر في الأحلام أثناء النوم علامة على كسل ومرض نفوسنا.
هذا هو السياق الذي يجب أن نفهم في إطاره أي شيء نكتبه عن الخيال وعن التحرر من طغيانه وتأثيره. عندما نكتب أن التخيل هو ظاهرة في الإنسان الساقط وأنه ينبغي علينا أن نتحرر من القدرة التخيلية أيضاً، فإنا نعني أن قدرتنا التخيلية ينبغي أن تصبح غير فعالة. ينبغي علينا أن نتخلص تماماً من الخيال والتخيل، بحيث يصبح نوسنا “بلا صورة“، “بلا شكل“،“وخالياً من الخيال“. هذه هي الطريقة الوحيدة للوصول للاتحاد بالله واكتساب الشركة معه.
ليس للخيال والتخيل أي مكان بالمرة في معرفة الله النقية. معرفة الله تتجاوز كل فكرة ومفهوم. إنه معاينة الله التي يصل إليها النوس المتحرر من الخيال.
4- أربعة أنواع من الخيال
كما ذكرنا من قبل، من الواضح من تعليم الآباء القديسين أن المسار إلى الاتحاد بالله لابد وأن يمر خلال تطهير القلب والتحرر من الخيال، عندما تتحرر القدرة التخيلية من الصور والانطباعات. يحلل القديس غريغوريوس بالاماس المسار الكامل لهذه الرحلة في إحدى عظاته عن دخول والدة الإله الهيكل، التي يصف فيها كيفية وصول والدة الإله للاتحاد بالله. لقد تعلمنا في هذه النقطة أن القديسين تحدثوا عن الله بدون خيال أو تخيل، وأن علم اللاهوت النقي ليس له أية علاقة بالتخيل.
يوجد داخل الكنيسة مسيحيون في مراحل مختلفة من النمو. يكون البعض في مرحلة طفولة، والآخرون في مرحلة الصبا الروحي، ويكون الآخرون بالغين روحياً. بالتالي يكون جهاد كل مسيحي مختلفاً. ينبغي علينا أن نحذر من الاعتماد على الخيال أو التخيل، لأن هذا ليس هو أساس الحياة الروحية، ولكنه شيء يشوهها.
سوف نستند الآن إلى تعليم أب روحي معاصر هو الأرشمندريت صوفرونيوس، الذي كان خبيراً في المسائل الروحية وكان شاهداً حياً على طريقة الحياة تلك.
إنه يكتب في موضوع الخيال قائلاً: “إن عالم الإرادة والتخيل الإنساني هو عالم السراب. إنه أمر مشترك بين الإنسان والملائكة الساقطين، وبالتالي يكون التخيل عادة موصل للطاقة الشيطانية.
مثل هذه الصور الشيطانية والصور المستحضرة من قِبَل الإنسان قد تؤثر على الناس، أو تغيرهم، أو تحولهم، لكن يوجد أمر وحيد لا يمكن تجنبه وهو أن كل صورة، سواء كانت مخلوقة من قِبَل الإنسان نفسه أو مقترحة من قِبَل الشياطين، ومقبولة من قِبَل النفس، سوف تشوه الصورة الروحية للإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله. هذا “الخلق” في ذروة نموه يقود إلى تأليه الخليقة، الذي هو تأكيد للمبدأ الإلهي الموجود في لب طبيعة الإنسان. هذا هو السبب الذي يجعل الدين الطبيعي، أي دين العقل الإنساني، قد يكتسب بشكل قاطع خاصية وحدة الوجود.
كل من الصور الشيطانية والصور المستحضرة من قِبَل الإنسان قد تكتسب قوة كبيرة جداً، ليس لأنها حقيقية بكل معنى الكلمة مثل القوة الإلهية التي تتأتى من لا شيء، لكن بمقدار ما تتشكل الإرادة الإنسانية وتتبلور بواسطة مثل هذه الصور. لكن الرب يحرر ذاك الذي يتوب عن تأرجح الهوى والتخيل، وبالتالي إذ يتحرر المسيحي يسخر من قوة التخيلات“.
إنه لا يشير هنا إلى ما يسمى في هذه الأيام التخيل والذي هو حالة غير طبيعية، ولكن إلى الخيال نفسه وإلى كل صورة تخيلية ينظر إليها المرء على أنها ذات معنى.
يذكر الأرشمندريت صوفرونيوس ساخاروف، من بين أشياء أخرى، أنه يوجد أربعة أنواع من التخيل.
النوع الأول “مرتبط بأهواء الجسد الكبرى“. الذي يكون في هذه الحالة قابلاً بشكل مستمر للصور والخيالات المرتبطة بأهواء الجسد.
النوع الثاني من التخيل هو أحلام اليقظة. هذا النوع من التخيل يرتبط بصور من العالم الحقيقي. “قد يتخيل رجل فقير أنه إمبراطور، أو نبي، أو عالم عظيم“.
النوع الثالث يرتبط بالإبداع الفني والثقافي. “التفكير المتمعن في حل لمشكلة ما، الذي يكون حلاً تقنياً، يُعمِل التخيل مع الذاكرة. هذا النوع من النشاط الذهني له معنى كبير في الثقافة الإنسانية، وهو ضروري للتطور الإنساني“.
النوع الرابع من التخيل من الممكن تسميته الإبداع اللاهوتي. “عندما يحاول الذهن اختراق سر الوجود وفهم العالم الإلهي.مثل هذه المحاولات لابد وأن تتضمن على التخيل، الذي يميل الكثيرون إلى إعطائه المسمى الأسمى الذي هو الإبداع اللاهوتي“.
إنه يسترسل في تحليل إلى أي مدى يتسبب نمو الخيال والتخيل في شر لحياة الإنسان الروحية وحالته العامة من جهة، ومن جهة أخرى كيف يعيش الناسك حياته الروحية بدون التعبير عن الخيال أو التخيل أو تفعيله.
يجاهد المسيحيون بشدة، خصوصاً الرهبان، في البداية لكي يتحرروا من النوع الأول من التخيل (الخيالات الخاصة بالأهواء الجسدية الرئيسية)، ثم بعد ذلك لكي يتحرروا من الأنواع الثلاثة الأخرى. إنهم يمتنعون عن كل تخمين وأحلام يقظة، فهم يتجنبون التأمل في أمور أو مفاهيم عن الله. لا يمكن لأحد أن يكتسب صلاة النوس في القلب ومعرفة الله بواسطة القدرة التخيلية. إن تطهير القدرة التخيلية بتوبة عميقة هو وحده الذي يجلب معرفة الله الحقيقية.
إنه أمر مهم للمسيحيين الذين يعيشون في المجتمع أن يتخلصوا من النوع الأول من الخيال (الأهواء الجسدية). ينبغي عليهم أن يتجنبوا بكل قوتهم أحلام اليقظة، التي هي مصدر العديد من المشاكل النفسية، وأن يضعوا حداً للنوع الثالث من التخيل المشار إليه على أنه إبداع فني أو ثقافي. ينبغي عليهم عندما يحاولون فعل شيء أن يفعلوه على الأغلب بواسطة النقل مثلما يفعل الرهبان عندما يرسمون الأيقونات. ينبغي عليهم أيضاً أن يحاولوا تجنب النشاط الذهني المتعلق بالله. إلا أنهم يستطيعون استعمال تعليم الآباء القديسين عن الله. لا ينبغي عليهم إعطاء آرائهم الشخصية، لكن ينبغي عليهم أن يضعوا تعليم الآباء القديسين عن الله وعن كل ما له علاقة بالحياة الروحية في المقام الأول. ينبغي عليهم أيضاً عندما يصلون أن يقف النوس عند عبارات الصلاة ومعناها، ولا ينبغي عليه أن يتخيل صوراً ومشاهد.
إنه أمر مهم جداً أن قراءة الأعمال الأدبية تنمي وتثير قدرة النفس على التخيل، على حين أن قراءة أعمال الآباء القديسين تصلب قدرتنا التخيلية. يظهر ذلك أن الآباء القديسين يتحدثون بدون خيال أو تخيل، حيث أنهم اكتسبوا حياة روحية. أحد طرق التخلص من الخيال والتخيل هو من خلال قراءة مصحوبة بالصلاة لتعاليم وعظات الآباء القديسين المتنوعة.
على الرغم من ذلك، لا يكون وجود الخيال والتخيل في أولئك المبتدئين في الحياة الروحية علامة على الضلالة. إلا أنه لو بقي في حياتهم الروحية لوقت طويل، فإنه يتسبب في العديد من الاضطرابات النفسية.
5- مظاهر الخيال والتخيل
من المهم تقصي الطريقة التي يظهر بها الخيال والتخيل، وكيف يعبران عن نفسهما، وكيف يتكونان. يعني ذلك إلقاء النظر على العوامل التي تثير قدرة النفس التخيلية.
تلعب الحواس دوراً رئيسياً في نمو الخيالات. في أغلب الأحيان يكون التخيل هو استرجاع الصور التي تجلبها لنا الحواس.هذه هي صور تأتي من واقع مدرك. يعلِّم القديس مكسيموس أنه عندما يقاد الجسد نحو الرغبات والملذات بواسطة الحواس، فإن النوس المنحرف “يذعن ويخضع لخيالاته واندفاعاته الشهوانية“. بالتالي عندما يحفَز الجسد بواسطة الحواس، فإن النوس يستجيب للخيالات والتخيلات. إننا نرى شيئاً ما، ونرغب فيه، ونشعر باللذة، وتُخلَق الصورة الخيالية. بالمثل، تثير ذاكرة الشخص، أو الشيء أو الموضوع الخيال. علي حين يعمل النوس المنحرف بهذه الطريقة، فإن النوس الصالح “يمارس ضبط النفس ويمتنع عن الخيالات الشهوانية“.
يعلِّم أيضاً القديس مكسيموس قائلاً: “إننا نحمل معنا الخيالات الشهوانية التي للأمور التي اختبرناها“. عندما نختبر أموراً متعددة، وعندما نكتسب هوى من نحو شخص ما أو شيء ما، فإنه من الطبيعي أن تكون لدينا خيالات شهوانية وتصورات نحملها معنا. بالإضافة إلى ذلك، يكتب القديس غريغوريوس بالاماس أن القدرة التخيلية للنفس تستقبل البصمات أو الصور من الحواس. “هذه القدرة، وليست الحواس نفسها، هي التي تفصل تماماً الصور الموجودة داخلهم عن أجسادهم“. ليست الحواس هي الملومة، لكن من خلال الحواس تنطبع “الأشياء التي سُمعت، والتي تم تذوقها، والتي تم شمها، والتي لمُست”على قدرة النفس التخيلية وتصبح مرئية.
ترتبط الأفكار أيضاً بالحواس، وتستطيع الخيالات أن تدخل إلينا من خلال الأفكار أيضاً. يقول القديس هيزيخيوس القس أن“كل فكر يدخل القلب في شكل صورة ذهنية لشيء مدرك بالحواس“. تقتحم الصور الذهنية للأشياء المدركة أفكارنا. يقول القديس غريغوريوس السينائي أن أسباب الأهواء هي الأعمال الخاطئة، وأسباب الأفكار هي الأهواء، وأسباب الخيالات هي الأفكار. تأتي الأهواء من الخطايا التي يرتكبها الشخص باستمرار. تخلق الأهواء بدورها أفكاراً متعددة، لأنه بحسب الأهواء الموجودة فينا تثار الأفكار المرتبطة بها. بعد ذلك تصبح الأفكار مصدراً للخيالات.
بحسب تعليم القديس غريغوريوس السينائي، عندما تكون الأهواء نشطة، تأتي بعض الأهواء في المقدمة والبعض الآخر يتبعها. بتعبير آخر، في بعض الأحيان يأتي الفكر أولاً ثم يتبعه الخيال، وفي أحيان أخرى يأتي الخيال أولاً ثم يتبعه الفكر إلا أن ذلك يحدث نادراً. على كل حال، ترتبط الأفكار ارتباطاً وثيقاً بالخيالات والتخيلات. “كل فكر هو تخيل في النوس لشيء مدرك بالحواس” (كاليستوس وأغناطيوس زانسوبولس). كل فكر هو خليط من صورة ومفهوم. إنه ليس فكرة بسيطة، ولكنه يكون دائماً مرتبطاً بخيال وتصور.
إذ يتجول عقل الإنسان وينشغل بالصور المتكونة من الحواس “يصيغ أنواعاً متعددة من الأفكار من خلال المنطق، والقياس، والاستدلال. يحدث ذلك بعدة طرق، في هوى أو في لاهوى أو في موضع متوسط بين الهوى واللاهوى، بخطأ أو بدون خطأ.تؤدي هذه الأفكار إلى أغلب الفضائل والرذائل، وإلى الآراء سواء الصحيحة أم الخاطئة” (القديس غريغوريوس بالاماس).للحالة الغالبة على أفكارنا أهمية قصوى. لو كانت أفكارنا شيطانية، فإنها تسمم كل كياننا الروحي. ولو كانت إلهية، فإنها تخلق الصحة الروحية داخلنا. ترتبط الأفكار بالتخيلات باستمرار سواء كانت تخيلات صالحة أو رديئة.
حيث أن إدراك الحواس والأفكار يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالأهواء، فإن الخيالات والتخيلات تنبع أيضاً من الأهواء، أو حتى يُعَبَر عنها من خلالها. يحدد القديس نيلوس الناسك نقطة مهمة: لو أن أحداً تخلص من أهوائه ولكنه استمر في التهاون“فإنه سوف يجد أن صور خيالات الماضي تبدأ في الظهور ثانية مثل البراعم الصغيرة“. إننا نستطيع أن نجتث الأهواء ونجاهد لكي نجعلها خاملة، لكن صور خيالات الماضي تستطيع اختراق قدرتنا التخيلية لو كنا متهاونين وغير عائشين بيقظة روحية. من يكون غير يقظ وغير سهران يخلق الظروف للأهواء لكي تعود من خلال صورها. هكذا تنتج الأهواء خيالات وتصورات، والخيالات والتصورات تنتج بيئة تساعد هذه الأهواء على الظهور من جديد.
حيث أن الكبرياء هو أعظم الأهواء وأشدها، فإن الخيال والتخيل يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالكبرياء. المتكبر لديه خطأ ما في قدرته التخيلية. إنها تكون ملتهبة، فهي تولد كل أنواع الصور والخيالات وتجعل من نفسه منطقة للزلازل.
تظهر أيضاً الخيالات والتصورات في الأحلام التي هي العلامة الرئيسية على أن الصور موجودة داخل النفس. يقول القديس ديادوخوس الذي من فوتيكي: “ليست الأحلام إلا صوراً تعكس أفكارنا المتجولة، أو هي أيضاً خداع الشياطين“. تكون أغلب الأحلام نتيجة للتخيل الناتج عن تكون ووجود الأهواء. بالتالي، يحذر أولئك المنشغلين باكتساب الفضيلة من “ألا يثقوا أبداً في التخيل“. أيضاً، يقول القديس مكسيموس أنه عندما تزيد الشهوة من الأدوات التي تتسبب في اللذة لحسية، “يستغرق النوس في الخيالات أثناء النوم“. الأحلام هي خيالات، وهي ترتبط بالأهواء الموجودة داخلنا. إننا نستطيع تمييز أي الأهواء لدينا من خلال الصور الموجودة في هذه الخيالات.
حيث أن الخيالات والتصورات هي ظاهرة تنم عن حالتنا الساقطة، وحيث أن كلاً من الشيطان والإنسان لديه تخيل، فإن الإنسان يخضع للقوة الشيطانية من خلال قدرته التخيلية كما ذكرنا من قبل. يخدعنا الشيطان من خلال الخيال والتخيل، وتكون العديد من الصور الذهنية ناتجة عن عمله. يقول القديس هيزيخيوس القس: “حيث أن الشيطان هو نوس بلا جسد فإنه يكون غير قادر على خداع نفوسنا إلا من خلال الخيالات والأفكار“. إنه يثير قدرات النفس المنطقية والتخيلية باستمرار، وتكون العديد من الخطايا نتيجة لعمل الشيطان العنيف.
6- نتائج الخيال والتخيل
من الواضح مما قيل حتى الآن أنه عندما يُغذى الخيال باستمرار فإنه ينتج العديد من الاضطرابات داخل كياننا الروحي. يختبئ الخيال والتخيل في كل خطيئة تقريباً ويكون هو المصدر الرئيسي للمشاكل. إنه يتسبب في عدوى النفس بجملتها ويستمر في إفسادها. يمكن تحديد نتيجتين خطيرتين وشديدتين للخيال كالآتي.
النتيجة الأولى هي أن الخيال يشوه كل الحياة الروحية للشخص ويقوده إلى تأليه ذاته. يكتب الأرشمندريت صوفرونيوس قائلاً: “مثل هذه الصور الشيطانية والصور التي يستحضرها الإنسان قد تؤثر على الناس أو تغيرهم، لكن يوجد أمر واحد لا يمكن تجنبه وهو أن كل صورة، سواء كانت مخلوقة من قِبَل الإنسان نفسه أو موحى بها من قِبَل الشياطين ومقبولة من قِبَل النفس، سوف تشوه الصورة الروحية للإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله. هذا “الخلق” في ذروة نموه يقود إلى تأليه الخليقة لذاتها، الذي هو تأكيد على المبدأ الإلهي المحتوى في ملء طبيعة الإنسان. هذا هو السبب الذي قد يجعل الدين الطبيعي، أي الدين الخاص بالعقل البشري، يكتسب بشكل حاسم خاصية وحدة الوجود“.
بمقدار ما تلعب الأفكار دوراً مهماً في حالة الإنسان الروحية، فإن الأفكار المرتبطة بالخيال، وخصوصاً الخيال الشيطاني، لابد وأن تشوه كل كيانه الروحي. قد يستطيع المرء الوصول لدرجة إدراك عناصر الألوهية داخل نفسه، وبمجرد أن يدرك عناصر ما هو إلهي في شيء مخلوق، فإنه يكون بالفعل منادي بوحدة الوجود. لو أننا قدمنا العبادة لأي أفكار لدينا فإننا نعلن عن خاصية وحدة الوجود. تأليه الذات هو أعظم الخطايا. إنها الخطيئة التي سقط فيها آدم، والتي قادت إلى تشويه حياة الإنسان بجملتها، داخلياً وخارجياً، بكل نتائجها المدمرة. إن تأليه الذات، الذي هو إدراك العنصر الإلهي داخلنا، هو في الواقع تكرار لسقطة آدم. تندرج الديانات الطبيعية المعاصرة، بما فيها التأمل واليوجا وما شابه ذلك، تحت هذه الفئة.
النتيجة الثانية، والمرتبطة بالأولى، هي أن الخيال والتخيل يؤدي إلى العديد من التشوهات النفسية، إلى حد الهلاوس والضلالات. عندما يغذي الشخص الخيالات باجتهاد، حتى لو كانت خيالات تخص الحالات الروحية، وعلى الأخص عندما يستمر في ذلك على مدار سنوات، فإن كل حياته الروحية تشوه، ويعاني من اضطرابات نفسية ومرضية خطيرة. يستطيع الناس الوصول إلى هذه النقطة من خلال ممارسة التأمل. ينبه الأرشمندريت صوفرونيوس ثانية قائلاً: “إنهم يستحضرون مشاهد من حياة المسيح أو من دراسات مقدسة مشابهة. عادة ما يتبنى المبتدئون هذا المسار. بهذا النوع من الصلاة التخيلية لا يُحتوى العقل داخل القلب بهدف اليقظة الداخلية. يبقى الانتباه مثبتاً على الجانب البصري للصور المعتبرة كإلهية. يقود ذلك إلى إثارة نفسية (عاطفية)، التي إذ تصل للذروة، قد تقود إلى دهش مرضي. يبتهج المرء فيما ’وصل‘ إليه, ويتشبث بهذه الحالة، ويتعهدها، ويعتبرها ’روحية‘ (كثمار للنعمة) وبالتالي يظن المرء في نفسه أنه قديس ومستحق لمعاينة أسرار الله.لكن في الواقع، مثل هذه الحالات تؤدي إلى هلاوس، ولو لم يخضع المرء لأمراض عقلية، فإنه على الأقل يبقى ’مفتوناً‘ وعائشاً في عالم من الخيال“.
هذه هي الطريقة التي تتكون بها حالات الضلالة والهرطقة الشيطانية. كما هو واضح مما ذكرناه، تكون نفس الشخص في هذه الحالة مريضة. كل شخص لديه ضلالة وهرطقة ويتعهد خياله يكون مريض النفس. هذا ما يميت النفس. يقول القديس غريغوريوس السينائي أنه عندما يتخيل النوس فإنه “يفقد حتى الحالة الممنوحة من الله التي كان يمتلكها ويصبح مائتاً بجملته“. يكون الشخص المنشغل بخياله في خطر شديد أن يُحرَم من النعمة القليلة التي لديه، وفي ’الغالب أن يفقد عقله‘.إنه إذ يُخدَع من الخيال عادة ما يصبح مختلاً عقلياً، وعندئذ يصبح حتى المدعو هدوئياً ’خيالياً وليس هدوئياً‘.
يعرف التقليد الرهباني عن العديد من مثل هذه الحالات لنساك ضلوا، وبالتحديد لأنهم كانوا غير مبالين بمسألة الخيال والتخيل الخطيرة. لقد فقدوا خلاصهم، ولكنهم فقدوا أيضاً عقولهم. إننا نرى العديد من مثل هذه الحالات في المجتمع العلماني أيضاً.إننا نلتقي بأناس يتعهدون قدرتهم التخيلية بشدة ويضطربون داخلياً. تكون الاضطرابات النفسية والعقلية دليلاً واضحاً على أن القدرة التخيلية متضخمة وملتهبة.
يقول الأنبا بيمن أنه كان يعرف شخصاً ضربه الشيطان بعنف من خلال خياله لدرجة أنه في أحد المرات ظن أنه رأى أخاً يخطئ مع إمرأة. وعندما لم يحتمل النظر أكثر، اقترب لكي يلمسهما بيديه ويقول: “كفى الآن! حتى متى؟” وعندئذ “تحولا إلى حزم من القمح“. لم يكن هناك أحداً، ولكن بدت حزم القمح مثل الأشخاص، أو أن الشيطان أعطاها هذا المظهر.
يحكي أيضاً الأنبا إيليا أنه رأى في أحد المرات شخصاً “يحمل قارورة خمر تحت إبطه“، لقد رأى شخصاً يسرق الخمر. إلا أنه أدرك أن الشيطان كان يعمل وعلى الفور سأل الأخ أن يريه ما يحمله. لم يكن أي شيء موجود هناك بالمرة، وأدرك أن ذلك كان عمل الشياطين.
هذان المثالان لا يعنيان بالطبع أن أولئك الرهبان رأوا مثل هذه الأمور لأنهم فقدوا عقلهم باستثارة خيالهم. لقد كان ذلك عمل الشيطان. على كل حال نحن نذكر هذه الأمثلة لكي نوضح أنه من الممكن أن نرى أشياء غير موجودة من خلال نشاط شيطاني، ولكن أيضاً من خلال استثارة الخيال. من الممكن أن نختبر هلاوس وأوهام. كما يعاني مدمن المخدرات في أغلب الأحيان من الضلالات تحت تأثير المخدرات، هكذا الشخص الواقع في قبضة الخيال والتخيل يرى أشياءً غير موجودة ويعاني من الضلالات والهلاوس.
يقود تغذية الخيال والتخيل إلى هلاوس وضلالات عندما يساعده عمل العقل البشري المريض.
الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس
 
قديم 01 - 07 - 2016, 05:46 PM   رقم المشاركة : ( 13389 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

التخيّل والخيال في الحياة الروحية

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس
7- التخيل والخيال والصلاة
ينبغي أن تتحرر الصلاة، وخصوصاً ما يسمى صلاة القلب النقية، من الخيال والتخيل. النوس المأسور بالخيال يكون غير قادر على الصلاة النقية. تكون صلاة مثل هذا النوس غير نقية، وممتلئة من الصور الذهنية والخيالات.
التخيل هو عدو الصلاة النقية وعمل النوس الجاد. كما يقول كاليستوس وأغناطيوس زانسوبولوس: “هذا الخيال الملعون هو عائق كبير لصلاة القلب النقية ولعمل النوس الوحيد غير المشتت“. يعلِّم الآباء القديسون أن أولئك الذين يريدون الصلاة النقية ينبغي عليهم “أن يصلُّوا بمعونة الله، بدون خيالات، ولا تصورات، ولا انطباعات، بنوس ونفس نقيين تماماً“. لا ينبغي عليهم أن يكوِّنوا صوراً ذهنية بخصوص الله. ينبغي على النوس أن يبقى نقياً وغير مادي. عندئذ فقط تستطيع الصلاة النقية أن تتجلى في القلب.
ينصح القديس نيلوس السينائي قائلاً: “كن حذراً واحمِ نوسك من الصور الذهنية أثناء الصلاة“. ثم يحث ثانية قائلاً: “لا تحاول أبداً أن ترى شكلاً أو صورة أثناء الصلاة“. إنه يعلِّمنا في موضع آخر ألا نكوِّن صورة عن الله داخلنا عندما نصلي. “عندما تصلي لا تكوِّن أي صورة لله داخل نفسك، ولا تدع نوسك يصطبغ بانطباع عن أي شكل، لكن اقترب من غير المادي بطريقة غير مادية وعندئذ سوف تفهم“.
إننا نحتاج أيضاً أن نكون حذرين من جهة البهجة التي نشعر بها أثناء الصلاة. قد يتكون الخيال، خصوصاً بين أولئك الذين يعيشون معاً ويصلون كجماعة. يقول القديس يوحنا السلمي أن الفرح الذي يشعر به أولئك الذين يعيشون في جماعة رهبانية يختلف عن الفرح الذي يختبره أولئك الذين يصلُّون “في الهدوء“. قد يكون الأول “متأثراً قليلاً بالخيال” على حين يكون الثاني مملوءاً بالتواضع. بالتالي، الصلاة الأكثر ملائمة هي “يا ربي يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ“، التي ينبغي قولها بدون استعمال الخيال، على أن تكون مصحوبة بتوبة صادقة وعميقة.
عندما يصلي المرء بنقاوة يُستنار ويستضيء بالله. هذه الاستنارة هي نعمة إلهية تأتي للإنسان من خلال الصلاة النقية. يقول القديس ديادوخوس الذي من فوتيكي: “نور الألوهية المبارك” يشرق فقط “عندما يكون القلب خالياً تماماً من كل شيء ومتحرراً من كل شكل“.
يقول كاليستوس وأغناطيوس زانسوبولوس أنه عندما يكون نوس المرء متحرراً من الانطباعات، وعندما لا يقبل أي خيالات أو تصورات، فإنه يستقبل أشعة النور الإلهي. ينبغي على النوس أن يكون خالياً من كل صورة ذهنية أثناء الصلاة. ” ليس المفهوم عن الله هو أحد تلك الأفكار التي تطبع صوراً في النوس، ولكنه لا يعطي أية انطباعات“.
هذا هو السبب الذي يجعل على الشخص المصلي أن “يفصل نفسه تماماً عن المفاهيم التي تطبع صوراً في النوس“. ينبغي علينا أن نلفظ كل الصور الذهنية أثناء الصلاة. يسمى النوس النقي “عرش الله” وذلك بحسب نفس الأبوين.
من المؤكد أن الآباء القديسين يوصون بالحذر الشديد، لأنه قد يصلي المرء بهدوء ونقاوة ومع ذلك تدخل إليه صورة غريبة متولدة من الشيطان الذي يدفعه لكي يقبلها على أنها إلهية، وكنتيجة لذلك يسقط في الوقاحة والكبرياء. هذه خدعة موضوعة من قِبَل الشيطان. يكتب القديس نيلوس الناسك قائلاً: “احذر من خداعات الأعداء. فأحياناً، بينما تصلي بنقاء وهدوء، يأتي أمامك فجأة شكل غريب يجعلك تتصور في خيالك أن الله حاضر هنا. إن هدفهم هو أن يقنعوك أن الصورة التي أُعلنت لك فجأة هي إلهية“. الله بالطبع هو “بدون كم أو شكل“. توجد العديد من العلامات التي تميز بين معاينة الله الآتية من الله ورؤيته الآتية من الشيطان. على كل حال، ينصحنا الآباء القديسون ألا نقبل أية فكرة أو رؤية أثناء الصلاة. لو كانت من الله، فالله يعرف كيف يقنعنا بها.
يوصي القديس يوحنا السلمي قائلاً: “لا تقبل أي صورة حسية أثناء الصلاة لئلا تتشتت“. إننا نرفض كل صورة مدركة وكل نوع من التخيل والخيال أثناء الصلاة. كما يقول الآباء القديسون، النور غير المخلوق هو عديم الشكل، هادئ، فردي، وعديم اللون. ما هو عكس ذلك ينطبق على النور الشيطاني.
8- الخيال والتخيل وعلم اللاهوت
لقد ذكرنا بالفعل أن علم اللاهوت النقي يتكون في الشخص الذي تحرر من الخيالات والتخيلات. إن أياً من مر خلال مراحل التطهير (التحرر من اللذة الحسية والألم)، واستنارة النوس (التحرر من النسيان والجهل)، وتحرر من صور الخيال، اكتسب علم لاهوت نقي. لقد دخل إلى معرفة الله النقية. تكون عينا نوسه قادرتين على استقبال الطاقة الإلهية كما يقول القديس مكسيموس.
لأن معرفة الله مرتبطة بمعاينة النور غير المخلوق. يؤكد القديس هيزيخيوس القس على أن “نور الألوهية المبارك” يشرق داخلنا عندما يتحرر النوس من كل شيء ويكون بلا شكل. عندئذ يكون “النوس في حالته الطبيعية” ويكون مستعداً للتقدم نحو “كل نوع من المعاينة الروحية المبهجة التي ترضي الله“.
اللاهوتي هو شخص تسكن فيه الطاقة الإلهية التي لله الثالوث. ومع ذلك، تماماً مثلما لا يسكن الله في هياكل مصنوعة بأيادٍ بشرية “فإنه بالمثل لا يسكن في أي تصورات أو اختراعات من صنع النوس“، كما يقول القديس باسيليوس الكبير في تعليمه الذي استشهد به كاليستوس وأغناطيوس الكسانثوبوليسيان. عندما يكون نوس الإنسان خاضعاً لقدرة النفس التخيلية والحواس، فإنه “يوّلِد شكلاً مركباً من المعرفة“. هذا هو تعليم القديس غريغوريوس بالاماس: “عندما يتوج النوس نفسه بقدرة النفس التخيلية، وكنتيجة لذلك يصبح مرتبطاً بالحواس، فإنه يوّلِد شكلاً مركباً من المعرفة“.
يتكلم الآباء القديسون عن نوعين من الثايوريا (معاينة الله). يوجد نوع من العمل والنعمة “يُستَقبَل“، ونوع آخر “يُفهَم“.إنهم يعلِّمون أن هذين النوعين من الثايوريا بعيدان عن بعضهما البعض كبعد المشرق عن المغرب، وكبعد السماء عن الأرض؛ وأن الواحد يسمو على الآخر كما تسمو النفس على الجسد. تكون الثايوريا “المستَقبَلة” أكثر إمتيازاً. إنها تتولد في القلب “بواسطة الله نفسه“، وهي أيضاً تنقل هذه الطاقة والنعمة إلى الجسد خارجياً. تكون الثايوريا “المفهومة” في مرتبة أدنى. إنها تتكون “خارجياً، ومن خلال أن يؤخذ في الاعتبار كيفية توجيه وتنظيم الأشياء المخلوقة بطريقة جيدة. إنها تصل إلى الله في إيمان بإطراد من خلال تجميع الصور المختلفة إلى شبه الحقيقة“. الثايوريا “المستَقبَلة” تتولد في القلب بواسطة الله، على حين أن الثايوريا “المفهومة” تأتي من التطلع إلى خليقة الله وعنايته المدبرة. يتضمن النوع الثاني من الثايوريا عنصراً من الخيال. يكون النوع الأول، أي الثايوريا “المستَقبَلة“، هو معاينة الله المحضة، التي تسمى أحياناً علم اللاهوت الإيجابي.
بالإضافة إلى ذلك، كما يقول القديس اسحق السرياني، توجد للنفس عينان، بإحداهما نرى ما هو مخفي في الطبيعة (الثايوريا“المفهومة“)، وبالأخرى نعاين مجد الله، عندما يقودنا الله إلى الأسرار الروحية (الثايوريا “المستَقبَلة“).
لم يتكلم الأنبياء عن الله باستعمال خيالهم، لكن من خلال إعلان الله في قلبهم ونوسهم. يقول القديس باسيليوس الكبير أن الأنبياء “عاينوا صوراً مطبوعة في قدرتهم الحاكمة (النوس) بواسطة الروح القدس“. كما يعلِّم القديس غريغوريوس بالاماس قائلاً: “يحل الروح القدس على نوس الأنبياء، وهو إذ يستعمل القدرة الحاكمة كأداة، فإنه يعلن لهم المستقبل، ولنا من خلالهم“.
أعلن الله أسراره للأنبياء، لنوسهم داخل قلوبهم. فعقلهم، إذ يستمد المعونة من التعليم الملائم الذي يشتمل على صور للعالم المدرَك بالحواس، يقوم بتجميع هذا الإعلان، لكن الإعلان نفسه ليس له أية علاقة بالقدرة التخيلية. يتكلم الآباء القديسون عن الله دون أن يستعملوا خيالهم. أيضاً، ما يُسمى رمزاً في علم اللاهوت هو ليس مجرد رمز أو شيء رمزي، ولكنها قدرة تأتي من صميم طبيعة الوجود الإلهي. الأنبياء والذين دخلوا إلى الأسرار المقدسة لا يتخيلون الله، لكن الله يُستَعلَن لقلوبهم النقية.
9- التحرر من الخيال والتخيل
يتضح من كل ذلك أنه ينبغي علينا أن نتحرر مما يسميه الآباء القديسون “الخيال الملعون“، الذي هو مصدر العديد من الاضطرابات الجسدية والروحية. إننا سوف نحدد طرق تحرير أنفسنا من هذه الحالة الرهيبة المشوِهة.
ينبغي علينا في المقام الأول أن نجاهد ضد الخيال والتخيل. ينبغي علينا أن ندرك أننا نحتاج للجهاد لكي نتخلص منهما. كما يقول القديس نيقوديموس: “للخيال الشهواني قدرة وسيادة علينا أكبر من قدرة وسيادة الحواس ذاتها“. لكي تقع الحواس في الخطيئة فإنها تحتاج للعديد من الأمور والمتطلبات، على حين أن التخيل يعمل بدون أي شيء، حتى عندما تكون الحواس غير عاملة.
بالإضافة إلى ذلك، لا ينبغي علينا أن نقبل بالمرة أي صورة من القدرة التخيلية. عندما ندرك أن قدرتنا التخيلية عاملة، ينبغي علينا إيقافها على الفور. يقول القديس ديادوخوس: “إننا نستطيع الوصول للفضيلة العظمى بألا نثق أبداً في خيالنا“. ينصحنا الآباء القديسون ليس فقط أن ننبذ الأفكار، ولكن ألا نصدق حتى ما نراه بأعيننا أو نسمعه بآذاننا. يقول الأنبا إيليا: “حتى لو رأيت شيئاً بعينيك أو سمعته، فلا تقبله“. في الواقع، يأمرنا الأنبا بيمن: “حتى لو لمست شيئاً بيديك، فلا تشهد عليه“. ينبغي علينا أن نبذل مجهوداً لكي ننبذ ما تخبرنا به الأفكار والخيالات، بل وأن نرفض أيضاً التعامل مع المعلومة التي تجمعها حواسنا، لأن الشيطان قد يجربنا من خلال الحواس.
ينبغي علينا أن نبقى هادئين حتى عندما تواجهنا الصور المتخيلة الآتية من الشيطان. عندما يزعجنا الشيطان أثناء الصلاة، ينبغي علينا ألا نضطرب. يقول القديس نيلوس الناسك أنه، حتى لو رأيت سيفاً مستلاً في وجهك، أو ضوءاً مضاءاً، في عينيك أو وجهاً مقززاً وملطخ بالدماء، “فلا تهتز“، “وابقَ هادئاً“، و“لا تضطرب” بالمرة. المطلوب هو اعتراف إيمان جيد، صلِ لله بإيمان وعندئذ سوف تختفي تلك الصور.
توجد ظروف، خصوصاً في بداية جهادنا الروحي، لو لم نستطع فيها أن ننبذ التخيل تماماً ينبغي علينا على الأقل أن نستعمله بطريقة جيدة. هذا يتضمن بدون شك على خطر البقاء في هذه الحالة وتكبد مشاكل نفسجسمية أخرى. يعلِّم القديسان كاليستوس وأغناطيوس الزانسوبولس أنه “ينبغي التخلص من التخيل تماماً“. لو لم نستطع تحقيق ذلك بالتوبة، والتواضع، والانسحاق، ينبغي علينا حينئذ “أن نقاومه ونقف ضده بخيال جيد التنظيم“. ينبغي أن نقول ذلك بتحفظات عديدة، وينطبق ذلك فقط عندما نكون في بداية الجهاد الروحي، والهدف هو أنه ينبغي علينا أن نتخلص من هذه الطريقة بسرعة.
حيث أن الخيال والتخيل يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بمرض النفس ووجود الأهواء، فإنهما يشفيان بجهادنا لكي نشفي نفوسنا ولكي نحرر ذواتنا من الأهواء. كما يقول القديس مكسيموس: “بمجرد أن تبدأ النفس في أن تعي صحتها الشخصية الجيدة، فحتى خيالاتها أثناء النوم تصبح بسيطة وهادئة“.
ينبغي علينا أيضاً أن نجاهد لكي نحافظ على نوسنا نقياً. يسمى هذا يقظة أو سهر في لغة العهد الجديد والآباء القديسين. يكتب القديسان كاليستوس وزانسوبولس أن النوس هو جوهر غير منقسم، وبسيط، وكامل في ذاته. ينبغي علينا أن نحافظ عليه“نقياً ومضيئاً“، وأن نتأكد أنه “منفصل عن الخيال، وليس له شركة معه“. حراسة النوس هي طريقة جيدة جداً للتخلص من حمل الخيال والتخيل. الطريقة الوحيدة لتحقيق اليقظة الروحية هي “من خلال فحص الخيال بعناية“، لأن الشيطان لا يستطيع إثارة وخداع النوس في غياب الأفكار المرتبطة بالخيال والتخيل، وذلك بحسب القديس هيزيخيوس القس.
التوبة هي الطريقة الأكثر فاعلية للتخلص من الخيال والتخيل. إننا نستطيع فقط أن نطهر قدرتنا التخيلية من خلال التوبة العميقة. لقد تكلم الآباء القديسون كثيراً عن عمل التوبة. يكتب كاليستوس وأغناطيوس الزانسوبولوس قائلين أن الخيال يُطرد “من خلال التوبة والانسحاق، الحزن والاتضاع“. ترتبط التوبة بالمشقة والدموع. يحرق البكاء كل توجهاتنا نحو الحياة المتمركزة حول الإنسان تماماً.
بالإضافة إلى ذلك، عندما نجاهد لكي نحفظ وصايا المسيح فإننا نتخلص من الحالات المرعبة والمشوهة الناتجة عن الخيال والتخيل. حفظ وصايا المسيح يعني محاولة اتباع المدركات الإلهية والوصول للاتحاد بالله من خلالها.
ترتبط التوبة بالتواضع. أو بالأحرى، تحدث التوبة في مناخ من التواضع. أينما يوجد تواضع عميق يكون من المستحيل على التخيل والخيال أن ينموان حيث أنهما يغذيهما الكبرياء، والذات، والخيلاء. عادة ما يستغرق الرجل المتكبر في أحلام اليقظة ويكون لديه فكرة متكبرة عن ذاته؛ إنه يضع لنفسه أهدافاً عالية للتحقيق وبالتالي يستثير قدرته التخيلية.
حيث أن العديد من الخيالات يُعَبَر عنها أيضاً في الأحلام، يوصي الآباء القديسون أنه ينبغي علينا تلاوة العديد من الصلوات قبل الذهاب للنوم. ينصح الأنبا فليمون قائلاً: “قبل أن تذهب للنوم اتلُ العديد من الصلوات في قلبك… بقدر ما تستطيع، اجتهد أن تنام فقط بعد تلاوة المزامير والقراءة المنتبهة… قل قانون الإيمان الأرثوذكسي قبل النوم“.
تستطيع الصلاة بكثرة، وقراءة الكتب المقدسة، وتلاوة قانون الإيمان أن تحررنا من هجمات التخيل والخيال. من الملاحظ جيداً أن دراسة كتابات الآباء القديسين تصلب الخيال، على حين أن قراءة الكتابات الشهوانية، خصوصاً الروايات، تثير الخيال. لم يهتم الآباء أبداً بما يسمى الروايات المسيحية، والحكايات القصصية وما إلى ذلك، لأن هذا النوع من الكتابات يثير الخيال. على العكس من ذلك، حتى الشعر المكتوب بواسطة القديسين يحتوي على عنصر من التوبة ومعاينة الله. تحتوي أشعار القديس سمعان اللاهوتي الحديث على إعلان الله. لا يوجد فيها أي أثر للتصور أو التلوث بالخيال.
قبل كل شيء، عندما تدخل نعمة الله قلب الإنسان فإنها تخلق إدراكاً يساعد المرء على التمييز بين النعمة والخيال الشهواني الذي هو طاقة شيطانية. يقول القديس هيزيخيوس القس: “النفس التي تلقت بركات وحلاوة يسوع ترد الإحسان بأن تقدم له الشكر بتهلل وحب“. تعاين النفس، من خلال النوس، الرب داخلها “محطماً الخيالات الشيطانية“. عندما يدخل المسيح القلب يجلب السلام ويطرد كل خيالات وتصورات الأرواح الشريرة.
إن موضوع الخيال والتخيل واسع المجال ومهم جداً للحياة الروحية، كما هو واضح مما قيل من قبل. إننا نستطيع أن نكتسب إدراكاً واضحاً للحياة الأرثوذكسية ومعرفة الله النقية فقط عندما نتخلص من “الخيال الملعون“. بمقدار ما يسودنا الخيال، بمقدار ما نبقى في عالم الخيالات والتصورات، ولا نستطيع اكتساب إدراكاً واضحاً للأرثوذكسية.
لقد قدمنا تحليل الخيال والتخيل هذا للأسباب التالية:
أولاً، يظن بعض الناس أن الخيال جيد وأنه ينبغي تنميته حيث أنه لا يؤذينا ويأتي للبشر بشكل طبيعي. على كل حال لقد أوضحنا هنا أن الخيال والتخيل العاملين في القدرة التخيلية هما ظاهرة لحالة الإنسان الساقطة ولا تسمح للنوس باكتساب خبرة عن الله. ينبغي على النوس أن يتحرر ليس فقط من الخيال ولكن من نشاط القدرة التخيلية. بحسب القديس غريغوريوس بالاماس، عندما يرتبط النوس بالقدرة التخيلية فإنه يولد “صورة مركبة من المعرفة“.
ثانياً، أردت التأكيد على أنه ينبغي علينا جميعاً أن نحرر أنفسنا بقدر الإمكان من قوة الخيال. لا ينبغي علينا أن نثق فيه أو ننميه. ينبغي علينا أن نستعمله في أضيق الحدود لأغراض جيدة ولوقت قصير فقط. ينبغي أن يكون هدفنا الرئيسي أن نتحرر من تأثيره بواسطة التوبة.
ثالثاً، يرتبط الاتحاد بالله ارتباطاً وثيقاً بالتحرر الكامل من الخيال والتخيل. هذا هو تعليم الكنيسة، الذي يمثل خبرة القديسين بما فيهم الأحياء اليوم. لو تجاهلنا تقليد قديسينا، فإننا نحط من المسيحية إلى مستوى الأخلاقيات والعواطف النفسية.
عن مجلة التراث الأرثوذكسي
 
قديم 01 - 07 - 2016, 05:50 PM   رقم المشاركة : ( 13390 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,381

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


الهدف والوسيلة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



خلق الله الإنسان على صورته ومثاله، وجعله في فردوسه، أي جعل الهدف من خلقه أن يكون على صورته في الخصال والمحامد لكي يحقق ما هو أسمى، وهو المثال، أي نتيجةَ نموِّه ورقيه ووصوله الى شيء يسعى إليه.
وكما في الإيمان، يقتضي الجهاد وسائلَ للوصول الى المبتغى، هكذا في كلِّ شيء، في السياسة – الإقتصاد – الحياة الإجتماعية – العلم، هناك تكتيك، وسائل واستراتيجية وهذه هي الأهم.
يتطلب العلم من الطالب الإستيقاظ باكراً، والذهاب الى المدرسة، وحضور الدروس والعودة الى البيت، والإستعداد الى اليوم الثاني. كما عليه أن يشتري الكتب والدفاتر والأقلام، ولماذا كل هذا؟ بالطبع ليتعلم، فلو قام بكل تلك الأمور ولم يتعلم، فلن تساوي شيئاً، بل الذي يعطيها كلَّها قيمتَها، التعلمُ وتقدمُ الإنسان بالمعرفةِ، وتحقيق ما يريد ويهدف إليه، وهنا يصح المثل القائل (النهاية السعيدة تجعل كل ما سبقها من الصعوبات، سعيدة)، وما ينطبق في المجالات العالمية ينطبق في الحياة الروحية.
الهدف من خلق الإنسان أن يصل الى كمال المثال الإلهي. فقد صار الإله إنساناً ليصير الإنسان إلهاً. إذاً الوسيلة ليصير الإنسان إلهاً كانت بأن يصير الإله إنساناً. فغاية صيرورة الله إنساناً أن يصير الإنسان إلهاً وهكذا صار وهكذا تم.
هنا وبغير أن يصير الله ما هو عليه الإنسان ما كان ليصير الإنسان بالنعمة ما هو عليه الله تعالى بالطبيعة. ولكن بالنسبة للإنسان الطرق متعددة حتى يصل الى غاية التجسد الإلهي.
بحسب القديسين والآباء النساك المجاهدين هناك طرق عديدة ليحقق الإنسان الغاية من وجوده، وخاصة بعد أن أعطانا ربنا وإلهنا يسوع المسيح إمكانية العودة الى ما كنا عليه في الخلق. وأعطونا الدليل تلو الدليل على هذه الإمكانية، ونتمكن من ذلك بالإقتداء بهم فنصير قديسين. ويقول القديس سيرافيم ساروفسكي أن غاية الحياة المسيحية، إمتلاك الروح القدس. وهو ما يعبر عنه آباء آخرون بصيرورتنا قديسين. فبحسب القديس سيرافيم وغيره، غاية الحياة المسيحية ليست الصلاة، ولا حياة الفضيلة، ولا العطاء، ولا المسامحة إلخ، لأن هذه كلها تهيؤنا لنكون مقار ومساكن للروح القدس “أنتم هياكل الروح القدس”.
للأسف هناك الكثيرون من الناس الذين يتلذذون بعمل الفضيلة من غير أن تكون لهم علاقة بالإيمان وإكتساب الروح القدس، وقد يكونون لا يعرفونه. هناك بعض الناس يجاهدون ولكن فقط ليقول لهم الناس حسناً حسناً. يقول لنا ربنا يسوع المسيح “بالحقيقة أقول لكم أن هؤلاء قد نالوا أجرهم على الأرض”.
الإنسان الذي يجاهد حقيقة وبمعرفة تامة لما يصبو إليه هو الذي لا يترك واسطة أو وسيلة إلا ويستخدمها ليصل الى الهدف المتميِّز في ذهنه عن الوسائط والوسائل المؤدية إليه.
فمن اكتفى بالوسائط يصاب بأمراض روحية ونفسية فيصبح الإنسان مثلاً: متكبراً – دياناً – نماماً وهو لا يدري، ويصبح منفصم الشخصية يجاهد جهاداً طيباً ولكن من جهة ثانية لا يتصرف كما يليق بجاهده.
وقد يضيع بالتالي الهدف إذا لم يتوجه إليه توجهاً صحيحاً، ويتلهى الإنسان في الوسائل والوسائط فيضيع بينهما ويسقط في النهاية في وهدة اليأس ووادي ظلاله وظلامه.
كثيرون هم المجاهدون الذين تطلعوا الى ذواتهم من خلال الوسائط فتركوا الجهاد في النهاية وعادوا الى العالم وطرقه وأساليبه.
مرّات كثيرة يسير الإنسان سيراً صحيحاً، ولكن بسبب العناية والتأديب يسقط في ظلامٍ نفسي. فإذا لم يبق مثبِّتاً وجهه نحو نهاية نفق الأتعاب وصعوباتها قد يرنو خائفاً لأنه فقد من ذهنه وفكرة الرابط مع الهدف من خلقه ودعوته ليكون مساكناً الله تعالى في الفردوس.
مرّات كثيرة قد تصبح الوسيلة هدفاً وسطاً ولكن لا تكون (الهدف). مثلاً قد تكون غاية الصوم ترويض الجسم، وهذه مرحلة. وقد يكون لزيادة الشعور بصعوبات المحتاجين والمحرومين، فالصوم له غايات كثيرة، وكذلك الصلاة. أما حياة الإنسان فغايتها القداسة. وماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلَّه وخسِرَ نفسه. لقد أعطانا الله الخليقة بكل ما هو موجود فيها لنتمتع بها مباركين الله في كل حين، ولكن ليس لتسود علينا وتتسلَّط. فالسبت جعل لخدمة الإنسان، وليس الإنسان لخدمة السبت.
أسأل الله أن ينير عقولنا وأذهاننا لكي ندرك بكل تمييز الفرق بين الهدف من حياتنا ووجودنا في هذا العالم الفاني والوسائط المؤدية الى الهدف، فالهدف يشدنا دائماً الى وسائط ووسائل أسمى فنسموا في القداسة والحياة مع المسيح الذي يقوينا حتى نصل الى قامته، فلا يعود من قيمة للوسائط ولا دور للوسائل. لأنه عندئذ هو الذي يقودنا في موكب نصرته، ويكون شمسنا ونورنا له المجد آمين.
باسيليوس، مطران عكار وتوابعها
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 09:20 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024