27 - 06 - 2016, 06:31 PM | رقم المشاركة : ( 13341 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
اقرأ الكتاب المقدس
سبع خطوات للاستفادة من قراءة الكتاب المقدس «ليس الكتاب المقدس الكتاب الاكثر مبيعا في كل التاريخ فحسب، بل يحتل سنويا المرتبة الاولى بين الكتب الاكثر مبيعا في السنة». — مجلة تايم. من السخرية ان كثيرين يملكون كتابا مقدسا، انما لا يجنون من قراءته سوى فائدة ضئيلة على ما يبدو. ولكن، ثمة اشخاص يقدِّرون ما يقرأونه في هذا الكتاب حق التقدير. قالت امرأه: «مذ بدأت بقراءة الكتاب المقدس والتأمل فيه كل صباح، بتّ اشعر اني على استعداد لمواجهة اية مشكلة تعترضني خلال اليوم. وقد ساهم هذا الروتين في التخفيف من نوبات اكتئابي اكثر من اي علاج تلقيته على مدى ٣٥ سنة». أفلا يثار اهتمامك حين تعرف ان البعض نالوا المساعدة بقراءة الكتاب المقدس، حتى ولو لم تقرأه بعد؟ اما إن كنت من قرّائه، فهل ترغب في الاستفادة منه اكثر؟ اذا كان جوابك نعم، فما عليك إلا ان تجرِّب الخطوات السبع التي تناقَش في هذه المقالة. الخطوة ١ — اقرأ بدافع صائب ▪ يمكن ان تقرأ الكتاب المقدس باعتباره تحفة ادبية، او بحكم الواجب، او لاعتقادك انه قد يمنحك الارشاد في هذا العالم المضطرب. لكنك تنال فائدة قصوى اذا كان هدفك من قراءته تعلّم الحق عن الله. هذا اضافة الى انك تجني مكافآت جمة اذا كان دافعك ان تعرف كيف تؤثر رسالته في حياتك. تشدد كلمة الله على اهمية القراءة بدافع صائب حين تشبِّه الكتاب المقدس بمرآة. فهي تقول: «إن كان احد سامعا للكلمة وليس عاملا، فذاك يشبه انسانا ينظر وجه خلقته في مرآة، فإنه ينظر الى نفسه، ويمضي وفي الحال ينسى ما هو عليه. اما الذي يطَّلع على الشريعة الكاملة، شريعة الحرية، ويداوم على ذلك، ويصير لا سامعا ينسى، بل عاملا يعمل، فهذا يكون سعيدا في العمل بها». — يعقوب ١:٢٣-٢٥. لقد نظر هذا الانسان وجهه في المرآة، إلا انه لم يسوِّ مظهره. فلعله ألقى نظرة خاطفة الى نفسه، او لم يرغب في صنع اي تغيير. وبشكل مماثل، اذا تركنا قراءة الكتاب المقدس للصدفة، او فشلنا في تطبيق ما نقرأه، فلا يجدينا ذلك إلا قليلا. اما اذا اطَّلعنا عليه بغية «العمل» به، متيحين لفكر الله ان يصوغ افكارنا وأفعالنا، فحينئذ ننعم بالسعادة الحقيقية. الخطوة ٢ — اختر ترجمة موثوقة ▪ لربما بمقدورك الاختيار بين العديد من ترجمات الكتاب المقدس المتوفرة بلغتك. صحيح ان اية منها تعود عليك بالفائدة، لكن بعضها يستخدم لغة قديمة او علمية قد يصعب فهمها على ‹العامِّيين›. (اعمال ٤:١٣) حتى ان هنالك ترجمات تحرِّف رسالة الكتاب المقدس النقية بالاعتماد على التقاليد. الخطوة ٣ — الجأ الى الصلاة ▪ يمكنك نيل فهم اعمق للكتاب المقدس بطلب المساعدة من مؤلفه، على غرار صاحب المزمور الذي قال: «اكشفْ عن عيني فأنظر الامور العجيبة من شريعتك». (مزمور ١١٩:١٨) فكلما اردت ان تقرأ كلمة الله، صلِّ اليه طالبا منه ان يعينك على فهمها. ايضا، يمكنك ان تعبر له عن شكرك على هبة الكتاب المقدس، الذي بدونه ما كان باستطاعتنا التعرف بالله. — مزمور ١١٩:٦٢. الخطوة ٤ — اقرأ يوميا ▪ تحدث احد ناشري الكتب عن «حدوث فورة في مبيعات الكتاب المقدس» اثر الهجمات الارهابية على الولايات المتحدة في ١١ ايلول (سبتمبر) ٢٠٠١. فكثيرون لا يلتفتون الى كلمة الله إلا اوقات الشدة. غير ان الكتاب المقدس يحضّنا على قراءته كل يوم، قائلا: «لا يبرح سفر الشريعة هذا من فمك، واقرأ فيه همسا نهارا وليلا، لتحرص على العمل بحسب كل ما هو مكتوب فيه؛ لأنك حينئذ تُنجح طريقك وحينئذ تعمل بحكمة». — يشوع ١:٨. لإيضاح اهمية قراءة الكتاب المقدس بانتظام، تخيّل رجلا أُصيب بنوبة قلبية وقرر ان يأكل اطعمة مغذية. فهل يستفيد من النظام الغذائي اذا كان لا يتّبعه إلا عندما يشعر بألم حاد في صدره؟ طبعا لا، فيلزمه اتّباعه بشكل مستمر لكي يعود عليه بأكبر قدر من الفائدة. على نحو مماثل، فإن قراءة الكتاب المقدس يوميا هي خير مساعد لك كي «تُنجِح طريقك». الخطوة ٥ — اعتمِد طرائق متنوعة ▪ لا شك ان قراءة الكتاب المقدس من التكوين الى الرؤيا هي امر مجدٍ، ولكن ثمة طرائق اخرى قد تجدها منعشة. وما يلي بعض الاقتراحات: تتبَّع المعلومات عن شخصية معينة. اقرأ جميع الاصحاحات او الاسفار التي تتناول شخصية معينة من عباد الله. وإليك بعض الامثلة: • يوسف: تكوين ٣٧–٥٠. • راعوث: راعوث ١–٣. • يسوع: متى ١–٢٨؛ مرقس ١–١٦؛ لوقا ١–٢٤؛ يوحنا ١–٢١.* ركِّز على موضوع واحد. اقرإ الآيات المرتبطة به. مثلا، في ما يختص بالصلاة، يمكنك ان تجري بحثا في هذا الموضوع، ثم تقرأ مشورة الكتاب المقدس حول الصلاة، وتطّلع على بعض الصلوات العديدة المسجلة فيه.* اقرأ بصوت عال. لا ريب انك تنتفع كثيرا من قراءة الكتاب المقدس بصوت عال. (رؤيا ١:٣) وبإمكانك قراءته مع عائلتك، بحيث تتناوبون على المقاطع او يقرأ كلٌّ منكم دور شخصية مختلفة. من ناحية اخرى، يستمتع البعض بالاستماع الى تسجيلات الكتاب المقدس. قالت امرأة: «صعُب علي ان اباشر قراءة الكتاب المقدس، لذا اخذت استمع الى تسجيلاته. فأمسيت الآن اجده اكثر تشويقا من اروع الروايات». الخطوة ٦ — تأمل ▪ يشكل نمط الحياة العصرية وتلهياتها عائقا يمنعنا من التأمل. ولكن، كما ان هضم الطعام ضروري لكي نتغذى، كذلك يلزم ان نتأمل في ما نقرأه من الكتاب المقدس لكي نستمد الفائدة. وذلك بمراجعة المواد في ذهننا وطرْحنا على انفسنا اسئلة مثل: ‹ماذا تعلمت عن يهوه الله؟ كيف ينطبق ذلك علي؟ وكيف استخدمه لمساعدة الآخرين؟›. ان طريقة التفكير هذه تتيح لرسالة الكتاب المقدس ان تمس قلبنا وتزيد من تمتعنا بقراءة كلمة الله. يقول المزمور ١١٩:٩٧: «كم أُحب شريعتك! اليوم كله هي شاغلي». فمن خلال التأمل، جعل صاحب المزمور الاسفار المقدسة شاغله اليوم كله، ما جعله ينمي محبة عميقة لما تعلمه. الخطوة ٧ — اطلب المساعدة على فهمه ▪ لا يتوقع الله منا ان نستوعب كلمته كاملا دون الاستعانة بأحد. حتى ان الكتاب المقدس يقول بصراحة انه ينطوي على «امور صعبة الفهم». (٢ بطرس ٣:١٦) كما ان سفر الاعمال يتحدث عن رسمي حبشي وقع في حيرة حين قرأ مقطعا من الكتاب المقدس. فأرسل الله احد خدامه لمساعدته، وكانت النتيجة ان الحبشي «تابع طريقه فرحا». — اعمال ٨:٢٦-٣٩. |
||||
27 - 06 - 2016, 06:39 PM | رقم المشاركة : ( 13342 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حياة جديدة
أنا في الثامنة عشر من عمري، وقد عشت زمني هذا في تعاسة شديدة، أسأل وأسأل عن معنى الحياة، دون أن أجد جواباً شافياً عند أحد! ولكنني ما أن قرأت الإنجيل وعلمت منه أن الله يحبني، وأنه أوجدني لكي أمجده، حتى تلاشت تعاستي، وتبعاً لذلك امتلأ قلبي سروراً. وقد نموت في معرفة الله، بواسطة المطبوعات التي تشرح طريق الخلاص. في السنوات الماضية، كنت أعيش مغروراً، ولكن بعد مطالعة دقيقة للكتاب المقدس، كلمة الله الحية، جذبني الله إليه، دون تعنت أو استكبار. فأصبحت الآن أعيش في العالم، بين إخواني المؤمنين وأدركت أن المسيح هو الوسيط بين الله والناس. فطلبت غفران ذنوبي السابقة. واهتديت الآن، وأشعر بالسعادة والفرح في حياتي السعيدة. يسوع هو الطريق الوحيد للحصول على تغير كُلي. |
||||
27 - 06 - 2016, 06:41 PM | رقم المشاركة : ( 13343 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سؤال وجواب
إني أؤمن بالكتاب المقدس بسبب صموده على مرّ العصور، فما مِن كتاب هُوجم كما هُوجم الكتاب المقدس. فمنذ بداية وجوده إلى يومنا هذا حاربه المُتشككون والمُلحِدون، ومن بينهم ذوو حذق وفصاحة، ومع كلٍ فإن هذا الكتاب النفيس قد قاوم وصمَد أمام جميع الأعاصير، وما زالت صفحاته أشد لمعانًا من ذهب أوفير. لماذا إذن لم يُهدَم الكتاب المقدس؟ لأنه مُحَال أن تُباد كلمة الله، فكما أنك لا تستطيع أن تبيد الله (حاشا)، كذلك لن تستطيع أن تبيد كلمته. أضِف إلى هذا، أن هذا الكتاب العجيب هو مفتاح لكل غوامض البشرية وأسرارها الخفية. فلو أننا عملنا بالإرشادات التي يضعها الكتاب المقدس لأمكننا الحصول على النظام والجمال والمحبة والنقاوة. إني أؤمن بالوحي الإلهي للكتاب المقدس لأن الحكماء في كل العصور عند دراستهم له أقرُّوا بذلك: “جلادستون” - أعظم مُفكري أوربا في زمانه - قال ذات مرة: “سبعون عامًا من عمري قضيتها في دراسة هذا الكتاب فاقتنعت بأنه حقًا كلمة الله، فيه وجدت شبعي، وفيه أضع ثقتي وأركز اتكالي. وإني أؤمن بأن الأسفار المقدسة التي يحتويها هذا الكتاب هي الصخرة الراسخة”. هذه شهادة إنسان دَرَسَهُ - إنسان فحص الكتاب ومارسَهُ. هيا بنا نستمع لِما يقوله “أندرو جاكسون”: “إن الكتاب المقدس هو الصخرة التي عليها ترتكز جمهوريتنا”. ويقول “جرانت”: “تمسَّك بثبات بالكتاب المقدس كمُعتمَدك الكُلي وكمرساة لجميع حُرياتك”. وفضلاً عن ذلك فإني أؤمن بالوحي الإلهي للكتاب المقدس لأنه فوق مستوى الابتكار البشري، إنه شيء لا يُدانى، إذ ليس بين أعظم كُتَّاب العالم مَنْ يستطيع أن يأتي بمثله في عظمته وروعته. ولنأخذ مثلاً الوصايا العشر، فإن كل الشرائع البشرية على مدى الأيام وكرّ الأعوام لم تستطع أن تطورها أو أن تُضيف إليها جديدًا. بديهي أنه قبل الإقدام على اختراعٍ ما، يجب أن يسبقه تفكير ودراسة، فهل في استطاعة بشر مهما سَمَا أن يصوغ في كتابٍ آخر من صُنعهِ وابتكاره، ما في الكتاب المقدس من منطق ورواء وصِدق وإيضاح سبيل الخلاص؟ هذا أمر يعجز عنه العقل البشري. إن الذين قاموا بكتابته أعلنوا أنه كلمة الله التي أُوحيَ بها إليهم من الله، إنه عطية الله. |
||||
27 - 06 - 2016, 06:49 PM | رقم المشاركة : ( 13344 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أتسمع مثلي؟
يمتلئ الفضاء ويشحن بأصوات موجات الراديو، والزعماء يولعون بإثاراتهم الجماهير، الشركات التجارية تسحب أموال البسطاء من جيوبهم بدعاياتها الجاذبة. أما صوت الله فهادئ لطيف منعش، ولا يسمعه إلا من يفتح له صدره ويصغي إلى ندائه بإخلاص. وهذه هي شهادتنا أن الله يتكلم إلينا اليوم بكل وضوح، ليس بضربات دينونته فقط، بل بلمسات محبته وألطاف رحمته. فيا أيها الإنسان أصغ إلى كلمة ربك وافتح قلبك لميئته، لتعيش في سلام الله وتختبر قوته، ولا تسقط إلى دينونته. «َكُلُّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِي قُدَّامَ ٱلنَّاسِ أَعْتَرِفُ أَنَا أَيْضاً بِهِ قُدَّامَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ، وَلٰكِنْ مَنْ يُنْكِرُنِي قُدَّامَ ٱلنَّاسِ أُنْكِرُهُ أَنَا أَيْضاً قُدَّامَ أَبِي ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَات» (متّى ١٠: ٢٣ و٣٣). ولا شك أنه ليس أحد من هؤلاء الشهود كامل الإيمان، لأننا جميعاً ننمو وننضج في المسيح، ونختبر الفشل، وننتصر بقوة الرب كما يدعونا بولس الرسول، «لِنَطْرَحْ كُلَّ ثِقْلٍ وَٱلْخَطِيَّةَ ٱلْمُحِيطَةَ بِنَا بِسُهُولَةٍ، وَلْنُحَاضِرْ بِٱلصَّبْرِ فِي ٱلْجِهَادِ ٱلْمَوْضُوعِ أَمَامَنَا، نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ ٱلإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ» (عبرانيين ١٢: ١ و٢) وإن كنت أحد المصلين أمام الرب الحي، المقام من بين الأموات، نطلب إليك أن ترافق المعترفين باسمه، بصلواتك، لكي لا يجد العدو الشرير سلطة فيهم، بل يتم كما صلى الرسول بولس قائلاً: «أَحْنِي رُكْبَتَيَّ لَدَى أَبِي رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، ٱلَّذِي مِنْهُ تُسَمَّى كُلُّ عَشِيرَةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَعَلَى ٱلأَرْضِ. لِكَيْ يُعْطِيَكُمْ بِحَسَبِ غِنَى مَجْدِهِ أَنْ تَتَأَيَّدُوا بِٱلْقُوَّةِ بِرُوحِهِ فِي ٱلإِنْسَانِ ٱلْبَاطِنِ، لِيَحِلَّ ٱلْمَسِيحُ بِٱلإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ، وَأَنْتُمْ مُتَأَصِّلُونَ وَمُتَأَسِّسُونَ فِي ٱلْمَحَبَّةِ، حَتَّى تَسْتَطِيعُوا أَنْ تُدْرِكُوا مَعَ جَمِيعِ ٱلْقِدِّيسِينَ مَا هُوَ ٱلْعَرْضُ وَٱلطُّولُ وَٱلْعُمْقُ وَٱلْعُلْوُ، وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ ٱلْمَسِيحِ ٱلْفَائِقَةَ ٱلْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ ٱللّٰهِ. وَٱلْقَادِرُ أَنْ يَفْعَلَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ أَكْثَرَ جِدّاً مِمَّا نَطْلُبُ أَوْ نَفْتَكِرُ، بِحَسَبِ ٱلْقُوَّةِ ٱلَّتِي تَعْمَلُ فِينَا، لَهُ ٱلْمَجْدُ فِي ٱلْكَنِيسَةِ فِي ٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ إِلَى جَمِيعِ أَجْيَالِ دَهْرِ ٱلدُّهُورِ. آمِينَ» (أفسس ٣: ١٤ - ٢١). |
||||
28 - 06 - 2016, 05:13 PM | رقم المشاركة : ( 13345 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
معجزة العذراء حالة الحديد بمناسبة عيد تكريس كنيستها بفيلبي عندما بشر متياس الرسول في الهند قبض عليه الوثنيين على متياس ووضعوه فى السجنًَ فسمعت السيدة العذراء فى أورشليم أن متياس فى ضيق شديد؛ فصلت العذراء مريم وطلبت من إبنها أن يرشدها إلى مكان متياس؛ فأرشدها الروح القدس إلى مدينة برطس وهناك قابلت إمرآه عجوز كانت قد آمنت على يد متياس الرسول فسألتها عن مكانه فأرشدتها إلى السجن فلما وصلت إلى السجن ورآت أنه مقفول بسلاسل من الحديد صلت السيدة العذراء مريم إلى الله أن ينحل الحديد ويذوب ويصير كالماء فسمع الله صلاتها،وذاب الحديد الموجود فى الأبواب والأقفال وذاب أيضاً كل الحديد فى المدينة، وحينئذ خرج المسجونيين بفرح من السجن فذهب السجانون إلى الوالي وأخبروه بما حدث فإضطرب ولم يصدق وأمر بإحضار سياف لقطع رؤوس المسجونيين الهاربين ولما حضر السياف قال له إن كل الحديد والنحاس قد ذاب وليس لدينا سيوف ولا آلات عذاب وحتى آلهتنا ذابت اليوم !! سأل الوالي عن السبب فقالوا له قد حضرت لمدينتا سيدة غريبة وعجيبة تبحث عن متياس الرسول المسجون فلما أوقفناها أمام أبواب السجن المغلقة بالأقفال صلت صلاة لم نفهمها ورآينا بعدها أبواب السجن والأقفال قد ذابت وخرج جميع المسجونيين وجرى هذا الحادث العجيب فى المدينة كلها، فأرسل الوالي فى طلبها ولما حضرت عنده سألها قائلاً: إخبريني من الذى حل الحديد؟ فجابت البتول: إلهنا الحقيقي يسوع المسيح هو الذى جعلني أحل الحديد.وكان للوالي ابن مجنون به شيطان فأمر بإحضاره أمام السيدة الطاهرة فلما رآها من بعيد صرخ قائلاً: هذه هى أم الله الواحد، فقالت له العذراء أخرج منه يا شيطان فخرج للحال وجلس يتكلم بعقل، ففرح الوالي جداً وآمن بالمسيح وهكذا أهل المدينة جميعاً؛ حينئذ سألوها أن ترجع لهم قوة الحديد ثانية فصلت إلى إبنها الحبيب فرجع الحديد فرجع الحديد جامداً كما كان، فعاد فى الحال فعمدهم متياس؛ وحينئذ حطم الوالي كل الأصنام وأمر ببناء كنيسة عظيمة على إسم والده الإله أما السيدة العذراء فكرمها أهل المدينة جداً وطلبوا أن تشفع فيهم فى كل وقت بركة ام النور فالتكن معنا امين |
||||
28 - 06 - 2016, 05:44 PM | رقم المشاركة : ( 13346 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الله الخالق
“اؤمن باله واحد، آب ضابط الكلّ، خالق السماء والارض، كل ما يُرى وما لا يُرى”. بهذا الإعلان يبدأ دستور الايمان الذي وُضع لتحديد إيمان الكنيسة وصونه من الهرطقات. لم يعرِّف الآباء المشاركون في صوغ هذا الدستور اللهَ الآبَ الإ بكونه خالقاً وأبا ربنا يسوع المسيح الذي هو من جوهره. فهم، ونحن ايضا، لم نعرف الآب الا في حدود ما كشفه الابن ولهذا يسترسل دستور الايمان اكثر في الكلام عن الابن. اول صورة يقدّمها لنا العهد القديم عن الله هي صورته كخالق”من العدم”، من لا شيء، ذلك انه لم يكن ثمة مادة سابقة لوجود الخليقة، فكل ما هو موجود إنما يأخذ وجوده من الله ويستمد منه ديمومته. يأتي هذا من الصلة الموجودة في العهد القديم بين صورة الله كخالق وصورته كمخلّص. فالاله الذي أخرجهم من ارض العبودية في مصر وأعادهم من جلاء بابل وأنقذهم من ايدي أعدائهم وحرّرهم، هو نفسه الاله الذي خلق العالم. أتى التأكيد على أن الله هو الخالق نتيجة الخبرة التي عاشها الشعب، خبرة الخلاص من العبودية. يضيف العهد الجديد، على هذا الايمان بالله الخالق، الايمان بأن الله قد خلق كل شيء بواسطة المسيح. يقول اللاهوتي يوحنا في مقدمة إنجيله: ” به (اي بالكلمة) كوِّن كل شيء وبدونه لم يكن شيء واحد مما كوِّن ” (ا: 3)، ” والعالم به كوِّن”(1: 10). وفي الرسالة الى اهل كولوسي يقول الرسول بولس: “…اذ فيه خُلق جميع ما في السموات وعلى الارض ما يُرلا وما لا يُرى…به واليه خُلق كل شيء، انه قبل كل شيء، وفيه يثبت كل شيء” (1: 15- 17). اذا كان كل شيء قد وُجد بالمسيح، فكل شيء يصير اليه ايضا. الخلق تمّ به وهو غاية الخلق. يرتبط فعل الخلق في العهد الجديد بمفهوم الخلاص. وليست مقدّمة الرسالة الى العبرانيين الا تأكيدا على هذا الامر. فبعد أن تكلم كاتب الرسالة عن الابن “الذي به أنشأ الله العالم”(1: 2) يتابع قائلا: “الذي بعد أن طهّرنا من خطايانا، جلس عن يمين الجلال في الاعالي” (1: 3). فبما ان الخلق قد وُجد بالمسيح فهو قادر على خلاصه. أدى سوء فهم الصلة الموجودة بين الطبيعة الالهية والخليقة الى وقوع عدد من العلماء في الهرطقة. هذه حال العلامة اوريجانس(القرن الثالث) الذي اعتقد ان عمل الخلق الذي قام به الله إنما هو متأتٍّ من طبيعة الله، وبما أن طبيعته ازلية غير متحولة، لذا لم يكن وقت لم يكن فيه الله خالقا. فالعالم اذا، بحسب منطق اوريجانس، ازلي لان محبة الله وصلاحه كانا بحاجة دائمة الى موضوع لهذه المحبة وهذا الصلاح. وارتبط مفهوم الخلق عنده بموضوع الكلمة، فاذا كان الكلمة أزليا فلا بدّ ان يكون الخلق بدوره أزليا ايضا. أثرت هذه النظرة الاوريجانيّة على آريوس سلبيا فقال بعدم أزلية الخلق وتاليا بعدم أزلية الكلمة وعدم ألوهته ايضا. لاحظ الآباء خطورة هذا الكلام ووجدوا أن الحل يكمن في التمييز بين إرادة الله وطبيعته. فالخلق، بالنسبة الى القديّسين اثناسيوس وكيرلس الاسكندريين ويوحنا الدمشقي وغيرهم، ليس ناتجا من طبيعة الله بل من إرادته. اي أن الله يبقى حرا في أن يخلق او لا يخلق. وقد بقي الله، بعد الخلق متساميا عن العالم، فهو من طبيعة مغايرة لطبيعة الخلق. وهذا ما علّمه الكتاب المقدس حين شدّد على حرية الله وتساميه المطلَقين في عملية الخلق. وردّاً على قول آريوس بخلق الكلمة وعدم أزليته، يقول القديس اثناسيوس الكبير:” الابن ليس مخلوقا بواسطة إرادة الآب، انه الابن الوحيد لذات الآب”. خصّ الله الانسان بالسيادة على الخليقة، فالانسان قد صُنع على صورة الله ومثاله”….. ليتسلّط على سمك البحر وطير السماء والبهائم وجميع الارض” (تكوين 1: 26 – 28). ليس من مجد أعظم من هذا أن يكون الانسان، من بين جميع المخلوقات، هو الذي أقامه الله سيدا للخليقة. هذا المجد مُعطى للانسان بقدر ما هو أمين على صورة الله التي فيه، وتاليا بقدر ما هو مشارك في حياة الخالق ومجده. يبقى العالم موضوع محبة الله وعنايته، فالطبيعة خُلقت لتشارك الله في مجده. يقول القديس مكسيموس المعترف:” الله هو المبدأ، هو المركز وهو الآخِر. هو المبدأ لانه الخالق، هو المركز لانه يعتني بالخليقة، وهو الآخِر لانه هو الغاية ف” كل شيء منه وبه واليه. له المجد أبدَ الدهور” (رومية 11: 36)”. الهدف الاخير للخليقة هو اجتماع السموات والارض، هذا نتذوقه اليوم في تشارُكِنا في القداس الإلهي، حيث كل المخلوقات، المنظورة وغير المنظورة، البشر والملائكة، الراقدون والاحياء، تقدّم التسبيح للخالق. هذه هبةٌ أُعطيناها فلنفرح بها. |
||||
28 - 06 - 2016, 05:52 PM | رقم المشاركة : ( 13347 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لتأصل في الله: سر الذبيحة عناصر الوظيفة الكهنوتية قد يكون التحديد الأكثر عمقاً للمسيحية التحديد التالي: المسيحية قبل كل شيء هي كهنوت وليتورجيا وعباد. إنها عمل المسيح الجوهري والأزلي الذي يتولى به و”يتخذ” كل انتظار البشرية ورجائها، أي الدخول في وحدة الله. “دم المسيح (…) يطهر ضمائركم (…) لتعبدوا الله الحي” (عب9: 14). إن المسيح يعرفنا ونحن نعرفه بصورة فضلى في الليتورجيا وكليتورجيا، على ذلك الصعيد الأسمى حيث قدم “نفسه” ضحية “بلا عيب”، “بروح أزلي” ليدخلنا معه في اتحاد الحب مع أبيه. في إطار هذا العمل تقوم عناصر الوظيفة المسيحية الكهنوتية. ولكن فلننظر أولاً كيف أن المسيح هو الكاهن الأوحد ولماذا. 1- سر الذبيحة: عناصر الوظيفة الكهنوتية آ- الكهنوت قبل الشريعة إننا نجد الكهنوت في كافة الأديان المعروفة منذ بدء التاريخ بمنزلة وظيفة عامة في المجتمع وكأنه يعبر عن غريزة غامضة في الإنسان تقول بأن البشرية هي في حالة غربة عن الله لا تستطيع التقرب اليه مباشرة دون وسيط. فتحتاج بالتالي إلى اختيار بعض منها، بوصفهم أناساً مختصين، للتوسط لدى الإله الرهيب. وكانت “الألوهة” آنذاك غير واضحة المعالم تحدد فقط في علم تاريخ الأديان “بالقدسية” أي بكونها حقيقة “قدسية” رهيبة وجذابة في آن واحد، يحتاج الإنسان إليها احتياجاً مطلقاً ليعيش ولكنها ظالمة وكثيرة المطالب. فكان دور الوظيفة الكهنوتية استعطافها واسترضاءها. وكان الكاهن بمثابة من يستطيع ان يستعطف الإله من جهة البشر ويجعل البشر يفيدون منه، وكأنه “يعطي” الله للناس. إن كلمة كهنوت بالفرنسية Sacerdoce مشتقة من أصل لاتيني Sacrum donans معناه “الذي يعطي المقدّس”، وذلك أساساً في ذبيحة يقدمها لله لاسترضائه، أي في نوع من مبادلة بين الله والناس. وظيفة الكاهن هي بالتالي وظيفة تقديم ذبيحة لأجل التوسط لدى الله، اذ يشعر الناس أنهم بحاجة إلى إعطاء شيء لله مقابل عطاياه. ولفظة ذبيحة “Sacrum facere: Sacrificium” تحمل معنى الفصل والتكريس والتقديس. المرء ينفصل عن شيء ما ويقدمه ذبيحة، يتخلى عنه ليكرسه ويجعله مقدساً. بل ينفصل عن شيء ثمين وذي اعتبار. ولما كان لم يكن هناك أثمن من الحياة فكانت مأساة البشرية الضالة آنذاك اعتقادها بأنها ترضي الله بذبحها للإنسان، سواء كان الشخص المذبوح من الأعداء أو من العبيد أو حتى من الأخصاء والأقارب. وهذا لعمري إنكار لله وللإنسان معاً وهو الحد الأقصى للضلالة. ولذلك بانت المسيحية عند ظهورها كأنها تلحد. في حين أن الذبيحة الوثنية الآنفة الذكر كانت قد حولت الإنسان إلى مجرد شيء وذبحت لإله هو أيضاً بمثابة شيء لا حياة له.. إلا أن الكهنوت الكوني هذا يحمل مثل غريزة لا تخلو من معنى وهو أننا لكي نقترب إلى الله لا بد أن نموت، لكي نقتبل حياة الله لا بد أن نبذل حياتنا. وعلى أساس مفهوم الذبيحة الوثنية كانت قد تألفت “طبقة” كهنوتية في البلاد المجاورة للشعب المختار (مصر، سوريا، بابل وأشور، بالإضافة إلى الهند والصين واليونان وروما). وكان الكهنة أفراد هذه الطبقة خداماً للطقوس وحراساً للتقاليد الدينية وعرافين بمثابة لسان حال الآلهة. ثم جمعت هذه الأديان بين الوظيفة الكهنوتية والوظيفة الملكية في شخص واحد هو كاهن وملك في آن واحد، وهو تطور مهم جداً في التاريخ إذ أخضع الوظيفة الدينية للسياسة ووسم الأوضاع الاجتماعية بطابع القدسية. وهذا ما يساعدنا على فهم موقف الشهداء المسيحيين عند رفضهم الإذعان لأوامر قيصر الدينية. إذ لم يكن قيصر ملكاً فقط يمثل الدولة بل كان يمثل الإله أيضاً. كان الكاهن العظيم لله وبالتالي كان على المسيحيين أن يعبدوا قيصر دينياً. فكان رفضهم لأوامره تحطيماً للالتباس بين الروحي والزمني، بين الاجتماعي والديني، بين السياسي والكهنوتي. وقد حققوا ذلك بإهراق دمائهم، فحرروا الإنسان. لم يكن الإنسان قد تجرأ وأقدم على مثل هذا التغيير قبلهم.. فجاءت المسيحية وقالت: قدوس واحد هو الله. وإن الله ليس أسيراً لأي وضع أو شكل اجتماعي أو سياسي. فالإنسان بعد تمجيده للإله الحقيقي يبقى حراً في كل مجالات التفسير والإبداع. إن فينا كلنا عقلية قديمة تجعلنا نخلط بين ما هو أساسي جوهري وما هو ثانوي نسبي (كالوجه الشعري والتفاصيل والشكل). وهذه بالنتيجة حماقة نقضي بها فينا على الله الحيّ. ب- الكهنوت في العهد القديم إن فهم الكهنوت في العهد القديم مهم جداً إذ أن كهنوت المسيح إنما بُنيّ وأعلن على أساسه وانطلاقاً منه. كان الكهنوت في العهد القديم نتيجة وعلامة للعهد الذي قام بين الله وشعبه والذي كان ميثاقاً ورباطاً فريداً ذا اتجاهٍ واحدٍ لا ينحل لأنه يقيد فقط الله الأمين. فلما كانت البشرية في حالة انحطاط وضلال عمد الله إلى أن يعلن ذاته للناس بواسطة شعب اختاره هو، ثم عمل على تهذيبه شيئاً فشيئاً على مدى الأجيال حتى يحين وقت مجيئه. وقد عقد الله هذا الميثاق مع إنسان هو أبونا ابراهيم فطلب إليه أن يترك كل شيء، أن يتخلى عن مفاهيمه الدينية والكهنوتية وأن يتعلق بوعد الله فقط، بذلك الوعد غير المعقول في الظاهر. وكان عهداً مبنياً على أساس جديد غير مادي بل على مبادلة روحية، على بعد جديد هو ذلك الإيمان والوثوق بوعد إلهي غير ذي وجه منظور، بوعد يفوق الإنسان ويتجاوزه ولكن على الإنسان أن يتعلق ويتمسك به. وتباعاً لهذا التغيير في المفهوم الديني كان على طبيعة الكهنوت أيضاً أن تتغير وتغتني. ولذا نراها تتصف بالمرحلتين التاليتين: المرحلة الأولى: وهي الذبيحة التي تمّت ولم تتمّ في آن واحد أعني ذبيحة ابراهيم عندما قرّب ابنه اسحق فأوقفه الله عن ذبحه. “ابنه وحيده” الذي ناله من الله بناءً على وعد منه تعالى، وكعلامة من الله ولأمانته، الذي هو ملك الله أكثر مما هو ملك ابراهيم. طلب إليه الله أن يذبحه. لا شك أن هذا كان أمراً أليماً جداً، ولكنه إذ كان أمراً اعتيادياً في ذلك الزمان وبحسب مفاهيم أديان ذلك الزمان، أذعن ابراهيم له ولم يتمرد. إنما كان عليه أن يدرك ويختبر ألماً جديداً. فعند قبوله الانفصال عن ابنه الوحيد لم يكن يفهم أن اتباع الله يتطلب بالضرورة ذبيحة روحية. وقد منعه الله أن يذبح ابنه مادياً لكيما يصل به إلى المفرق الفاصل بين زمان وزمان إذ أفهمه بالأحرى وجوب الذبيحة بالروح. وذلك لأن كل شيء إنما هو من الله ولا بد من التخلي عن أثمن شيء لدينا في سبيل الله وحينذاك يرده لنا الله لنا مضاعفاً: فاسحق قد ولد مرتين، الولادة الأولى الطبيعية ثم الولادة الثانية التي كانت مكافأة له على طاعته ومحبته. هذا وكانت ذبيحة اسحق رسماً للذبيحة الوحيدة، ذبيحة ابن الله الوحيد، الابن الحقيقي “الذات” الكلية، المطيع حتى الموت. المرحلة الثانية: وهي خروج اسرائيل من مصر وتحرره من العبودية.إن هذه المرحلة أيضاً قائمة على ذبيحة كالمرحلة الأولى، إلا أنها ذات معنى خاص آخر. فالحمل الفصحي الذي ذبحه الشعب المختار ليلة خروجه من مصر، أرض العبودية، كان علامة لعلاقة خاصة بين الله وشعبه. فدم الحمل الذي وضع على أبواب بيوت بني إسرائيل هو الذي يدل على شعب الله دون غيرهم عند مرور الملاك المهلك وبالتالي يحميهم ويحفظهم. ومن جهة ثانية إنها ذبيحة فاعلة تؤدي وظيفة الذبيحة الأساسية، أي أنها ترضي الإله وتحفظ الإنسان. إن لخلاص شعب الله من العبودية طابعاً مأساوياً إذ يدور حوله ويتوقف عليه سر خلاص كل البشرية. والوقت الأساسي فيه هو بالضبط حادثة الحمل الفصحي. فإن تلطيخ قائمتي الأبواب وعتبتها العليا بدم الحمل يحمل معنى مزدوجاً هو أولاً الرمز للصليب (شكل الصليب على الأبواب) ولدم الرب يسوع (حمل الله المذبوح لخلاص العالم)، باعتبار الدم أداة للنداء. وهو ثانياً معنى الحماية وحفظ الحياة من الإبادة والهلاك. وهناك أيضاً معنى ثالث مشار إليه منذ الآن في أكل شعب الله للحمل الفصحي ليلة خروجهم من مصر وهو معنى الوليمة المقدسة وليمة العشاء السري وتناول جسد الرب. إن إسرائيل كله قائم مؤلف ومجتمع حول تلك الذبيحة وتلك المناولة. وقد أمروا أن يأكلوا الحمل الفصحي وهم واقفون إذ أنه على إسرائيل أن “يتّبع” إلهه. إنها علامة تجديد العهد القائم بين الله وشعبه، العلامة بأن شعب إسرائيل لا “يقيم” في أرض إسرائيل بل هو بمثابة مسافر في هذا العالم. هو في الأساس في وضع مسافر. يتناول الطعام وهو واقف مستعداً للسفر منسلخاً عن العالم. إن إسرائيل في هذه الحادثة يثبت ويعمق عهده مع الله. إن طعامه عينه ليس كطعام المصريين. وفي الواقع إن الخروج من مصر يؤلف في تاريخ إسرائيل مرحلة عهد سيناء الذي يجدد ميثاق إسرائيل مع الله. إنه ذلك العهد المجدد الذي يشترك فيه جميع الشعب ويقتبل الموعد. كان الوعد الأول كان قد أعطي لرجل فرد هو ابراهيم، أما الآن، حول حبل سيناء، فجميع الشعب صار مقدّساً. وهذا رسمٌ للكنيسة. إنها كنيسة العهد القديم. ونلاحظ هنا وضعاً فريداً، إذ أن الله يخاطب جماعة الشعب كلها كأنها شخص واحد: “اسمع يا إسرائيل”. إن شعب إسرائيل واحد أمام الله مع أنهم كثيرون. ذلك لأن ذبيحة الحمل تضفي على الأمة هذه الوحدة. إن عهد سيناء الذي أقبل عليه إسرائيل بعد خروجه من أرض العبودية هو عهد دم. لقد أخذ موسى نصف دم الثيران المذبوحة للرب ورشه على المذبح، ثم رش النصف الثاني على الشعب، وذلك بعد أن “قرأ كتاب العهد في مسامعهم” فقالوا طوعاً باختيارهم: “كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له” (خروج24: 3-8). وبعهد الدم هذا أصبح كل إسرائيل شعباً كهنوتياً أي مكرساً ومقدّساً، “وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدّسة” (خروج19: 6). إنه كهنوت الشعب الملوكي، مملكة الكهنة التي ليست هي مملكة أرضية. كان إسرائيل شعباً بدوياً رحلاً ولم يعِدَهم الله في عهد الدم هذا بمملكةٍ أرضيةٍ أو بوطن أرضي، بل انتزعهم بالعكس من كل أرض وكل مملكة أرضية. لقد جعلهم “مملكة كهنة” أي رجالاً هم ملك الله، مكرسين له لكي يؤدوا العبادة الحقيقية للإله الحقيقي، وحدهم بين سائر الشعوب. وعى أنه شعب مؤتمن على حمل كلام الله وتأمين عبادته. ونظراً لحرص الله على تأمين تأدية هذه العبادة واستمرار قيام هذه الوظيفة الكهنوتية اختار له عشيرة خاصة من بين عشائر إسرائيل لتختص بخدمة العبادة وهم اللاويون الذين كان أول كاهن فيهم هارون أخو موسى. وبهذا تألفت في إسرائيل “رتبة” كهنوتية وهيرارخية كهنوتية يرأسها الكاهن العظيم (أو رئيس الكهنة) يليه كهنة لتقديم الذبيحة ثم لاويون للخدمة العامة “ويقابل هذا الترتيب في المسيحية: الأسقف ثم الكهنة ثم الشمامسة”. وكانت الوظيفة الكهنوتية تتضمن أولاً إقامة الذبيحة، وهذه لم تعد ذبيحة بشرية كما في السابق بل أصبحت ذبيحة بهائم أي ذبيحة “طقسية” يقربها الكاهن عن كل الشعب وتحرق بكاملها بالنار holo–causte، فهي “محرقة”، تتميز إذن بالدم والنار ويتقبلها الله بكاملها محولاً إياها. ثم إلى جانب المحرقة كانت الذبيحة التي لا تحرق بل توزع في حصص معينة للهيكل وليهوه وللكهنة، وتؤلف نوعاً من وليمة مقدّسة. ومن ناحية ثانية كانت وظيفة الكاهن تتضمن خدمة الكلمة أي تفسير الشريعة وذلك عن طريق نسخ التوراة وحفظها من الضياع وعن طريق تدريسها في المدارس الربانية مع شرحها وتأويلها. وكانت تخدم الكلمة بصورة خاصة أثناء أعياد إسرائيل المقدّسة فتتلى فيها أسفار التوراة على الشعب بأجمعه فيستمع إلى عجائب الله ومراحمه. ثم هناك وجه ثالث للوظيفة الكهنوتية في العهد القديم هو التوسط من أجل الشعب، فكان رئيس الكهنة يدخل مرة في السنة إلى قدس الأقداس “داخل الحجاب”، إلى ألفة حضرة الله الحميمة التي لا يستطيع الشعب أن يقربها فيكفِّر عنه. إلا أنه لم يكن بوسع رئيس الكهنة الدخول قدس الأقداس متى شاء بل مرة واحدة في السنة فقط، وهذه دلالة على تسامي الله وعلى السر الرهيب الذي يحيط به بخلاف آلهة الأمم التي كان يمكن الاقتراب إليها في أي وقت. إن الإله الذي اختار إسرائيل ليتم قصده فيه هو بعيد عن متناول البشر إن رئيس الكهنة لا يدخل إليه كيفما اتفق بل “يلبس قميص كتان مقدّساً وتكون سراويل كتان على جسده، ويتمنطق بمنطقة كتان ويتعمم بعمامة كتان، إنها ثياب مقدّسة فيرحض جسده بالماء ويلبسها” (لاويين 16: 4). وكان يكفِّر عن نفسه وعن الشعب “لاويين 16: 17”. ويستنتج من ذلك أن رئيس الكهنة لم يكن بعد كاهناً حقيقياً يستطيع الدخول كل حين إلى حضرة الله الداخلية بل يحتاج إلى تطهير بوصفه غير كامل. هذا وقد تعرّصت الوظيفة الكهنوتية في تاريخ إسرائيل لالتباسات مختلفة نجمت عن الدسائس والفساد والأوضاع السياسية… إن إسرائيل بخروجه من مصر انتقل من العبودية إلى حرية خدمة الله وعبادته. ولكنه كان يعود ويسقط في “عبوديات” مختلفة وذلك من جراء قيام ملوك غرباء يسودون عليه أو ظروف سياسية ضاغطة وغيرها… ولذلك عمد الله في سبيل إصلاح الكهنوت إلى إرسال الأنبياء. فقام الأنبياء بنقد الكهنوت الراهن لنقائصه وعيوبه ولفتوا نظر الشعب إلى الكهنوت الكامل العتيد أن يأتي. ورسموا وجه الكاهن الحقيقي الكامل، الخادم وحامل الأوجاع الذي يتنبأ عنه أشعياء (أش 53). ونبهوا إلى أن الطقوس والذبائح التي كانت تقام آنذاك إنما هي رموز لذبائح روحية. وبهذا نبه الأنبياء إلى بعد آخر للكهنوت هو العبادة الروحية التي تؤديها قلوب “لحمية” وحذروا من خطر الاكتفاء بإقامة الطقوس الخارجية وحسب وكأنها سحر. ليست الطقوس سحراً بل لا بد بالضرورة من الموقف الداخلي لإتمامها. وبفعل تنبيه الأنبياء هذا وتعليمهم اتجه إسرائيل إلى انتظار ماسيا، إلى انتظار ذلك العهد الذهبي حيث لن يعود الشعب بحاجة إلى تعليم، بل تكون الشريعة مكتوبة قلوبهم، في قلوب تستطيع أن تقدم ذبيحة الإيمان على غرار ابراهيم في الإصحاح 22 من سفر التكوين الذي يبقى النص الأساسي للكهنوت الحقيقي. غير أن الالتباس قد استمر أيضاً في الانتظار الماسيوي لأن الشعب أخذ يميل إلى انتظار ماسيا أرضي يكون على الأكثر ملكاً أرضياً. وقد كشفت حفريات خرائب قمران في فلسطين عن أن بعضاً من بني إسرائيل قد تخلوا في القرن الأول قبل المسيح عن الكهنوت الفاسد القائم آنذاك وتنحوا ليؤلفوا جماعة خاصة في سبيل انتظار ماسيا لا يكون أرضياً بقدر ما يكون ماسيا كهنوتياً، فكانت جماعة قمران بمنزلة همزة وصل وانتقال بين العهد القديم برجائه السليم الصحيح والعهد الجديد. ج-الكهنوت في العهد الجديد أولاً: وظيفة المسيح الكهنوتية-المسيح الكاهن إن العهد الجديد بأكمله مبني ومنطوِ على إعلان فريد، كامل ونهائي، وهو أن ذبيحة يسوع على الصليب قد أبطلت كافة الذبائح في العالم لأنه صالحنا بها مع الآب وأدخلنا إلى عمق الاتحاد بالله. وقد تمت تهيئة ذلك خلال العهد القديم نفسه إذ أن إسرائيل كله مجموع وممثل في المسيح والمسيح هو إسرائيل الحقيقي الوحيد. كان الله قد اختار إسرائيل ليطيعه ويتمم مشيئته فعصى وتمرد، ولم يكن في إسرائيل من يطيع الله حتى الموت، موت الصليب، سوى واحد هو الرب يسوع المسيح. قبل المسيح كانت كل ذبيحة من ذبائح البشر هزيلة، “دون الله”. إذ أن أياً من الكائنات المقربة كذبيحة كان صائراً إلى الموت في الأساس وبصورة محتومة وليس بفعل الذبيحة. ولكن المسيح وحده، كإله متجسد ومنزه عن الخطيئة، كان غريباً عن الولادة الطبيعة التي يقترن فيها الموت بالحياة وبالتالي لم يكن مقضياً عليه أن يموت فضحى بنفسه وقرّب ذاته ذبيحة. إن الذبائح والذبيحة، المقرب “بكسر الراء” والمقرب “بفتح الراء”، هنا واحد. الله هو الذي يذبح الآن ويذبح نفسه “كإنسان”. وذبيحته هذه كاملة المفعول لأن سلسلة الموت قد حُطِّمت للمرة الأولى في تاريخ العالم. إن ذبيحة الصليب تُبطل وتُلغي كل الذبائح الأخرى لأنها إنما تكشف لنا الألفة القصوى التي بيننا وبين الله، سر الأعماق الأخير الذي في الله، سر المحبة. إن ذبيحة المسيح لأجلنا ذبيحة محبة، لأن الله محبة. وقد أتى المسيح ليتمم مشيئة أبيه بأن لا يهلك أحد. وتحقيقاً لهذه المشيئة كان من الضروري أن “يزدوج” الله بصورة ما فيكون مقرِّباً للذبيحة ومقرَّباً كذبيحة في آن. لذلك حول هذه الذبيحة قد أُعلن لنا الثالوث، لجة المحبة، حيث الله واحد ولكنه غير وحيد. نحن في المسيحية فقط نفهم هذا، إذ حول الصليب فقط يكشف هذا السر الفائق الإدراك والوصف. في المسيح إذن يبطل كل كهنوت سابق إذ يجد كماله في التجسد الإلهي وفي ذبيحة الصليب التي قرَّب بها المسيح الإله ذاته ذبيحة تفوق طهارتها العالم، لأن طهارة الخالق أزلية وليست من هذا العالم. إن المسيح بالتالي حطم بموته الموت، حطم سلسلة الموت المحتومة. فالجحيم لم يضبطه إذ لم يكن فيه شيء مما يستدعي الموت “أعني الأهواء”. وكل الذين يشاركون ذبيحته يشاركون حياته وقيامته، نوره وفرحه، يتغلبون على الموت. لقد مات من أجلنا ومن أجل كثيرين. أهرق دمه لا كدم ثور أو عجل بل كدم إله، كدم متدفق من أجل الخليقة كلها. إنه “الحمل الفصحي” الحقيقي المذبوح لخلاص العالم أجمع. لقد ذُبح على الصليب قبل عيد الفصح اليهودي أبان ذبح اليهود للحمل، وعلى غرار ذلك “لم يكسر له عظم”. بل فيه يجمع كل من كهنوت ابراهيم “الذي هو كهنوت إيمان” وكهنوت آدم “أي كهنوت الديانات القديمة الكونية”. إن كتاب ميلاد يسوع المسيح في إنجيل متى الموجه لليهود يبدأ من ابراهيم، وفي إنجيل لوقا الموجه للأمم يرجع حتى آدم. وذلك لأن كلا النسبين يلتقيان ويقترنان في المسيح. ويستولي المسيح بذبيحته على السيادة والملك لأن العدو الأخير قد غُلب (بضم العين) وهو الموت. فقد أخضع له كل شيء نتيجة ذبيحته. “ذبيحة وقرباناً لم تشأ لكنك هيأت لي جسداً….وحينئذ قلت ها أنا ذا آتٍ فإنه مكتوبٌ عني في صحائف الكتاب” (مزمور39: 6-7)… فجوهر كهنوت الله إذن هو بذل الذات كلياً (هيأت لي جسداً لا قرباناً) بدافع المحبة (ها أنا ذا آتٍ) وكأن الرب متعطش لتلك الذبيحة. إن الرب يسوع المسيح “ليتورجي” بالطبيعة إذا جاز القول، معد للذبح منذ البدء. فالخليقة وجدت من أجل التجسد والتجسد كان من أجل الصليب، والصليب من أجل خلاص العالم… إنه الحمل المذبوح “قبل كون العالم”. وعند مجيئه إلى العالم جاء ليلقي “ناراً على الأرض” وكيف ينحصر حتى تكتمل (لو12: 50). إنه لا يطيق صبراً حتى يدخلنا الخليقة الجديدة. في الخليقة الأولى كانت الذبيحة تحمل معاني الألم والضيق. أما الآن فقد تغيرت إذ أنها تحمل معاني الفرح والمحبة وروح الخدمة. ولذا يبني المسيح عهده الجديد حول ذبيحة يدعوها إفخارستيا أي شكر، حمد لله. إنه يقرب الذبيحة وهو يشكر ويبارك… وبالتالي نحن علينا أن نبث الشكر في كل شيء في الخليقة الجديدة eucharistifier، لأن كل شيء هو من الله وقد تحوّل كل شيء وصار جديداً في دم المسيح وجسده، في سر “المحبة المصلوبة”. إن الروح قد خرج من جسد المسيح المصلوب وأُعطيّ لنا: لقد “أسلم الروح” يقول الكتاب. وفي تلك اللحظة تم العهد الجديد إلى الأبد. إننا نتبين ذلك أولاً في سفرين “كنسيين” هما أعمال الرسل والرؤيا يتميزان بعلاقة عميقة بينهما. فسفر الأعمال يروي قصة امتداد الكنيسة بعد صعود الرب، ويبدأها لوقا كاتب السفر بالتكلم عن صعود الرب والعنصرة: عن المسيح المنسكب، عن الكنيسة كعنصرة دائمة. أما سفر الرؤيا فيعرض الوجه الداخلي لهذه الكنيسة كما هو في السماء، إذ نراها مجتمعة حول “الحمل القائم وكأنه مذبوح” (رؤ5: 6)، مذبوح ولكنه أسد غالب في الوقت نفسه (رؤ 5: 5)، “خروف له سبعة قرون وسبع أعين هي سبعة أرواح الله المرسلة إلى كل الأرض” (رؤ5: 6). فالحمل المذبوح إذن هو الذي يغلب. والرسالة إلى العبرانيين من جهتها ترينا المسيح رئيس كهنة إلى الأبد (عب5: 5 و 6) يعيش في أيام جسده كل هذا السر الكهنوتي بصراخ ودموع (عب5: 7) ويدخل وراء الحجاب إلى قدس الأقداس السماوي كوسيط العهد الجديد، يجد فداءً أبدياً (عب9: 11–15) ما دام يعود إلى حضن أبيه بالجسد، إلهاً وإنساناً معاً، حاملاً طبيعتنا معه… وهذا يبلغ بنا إلى النقطة التالية: ثانياً: كهنوت المسيح في الكنيسة لكي نفهم دور المسيح الكاهن في الكنيسة ينبغي أولاً أن نرفع نظرنا إلى السماء حيث دخل المسيح بعد إتمام رسالته على الأرض. إن ذلك المسيح الذي عاش بين الناس قد صعد إلى السماء “ليس بالمعنى المادي للكلمة طبعاً”. أي أنه خرج من الوضع البشري الأرضي، خرج من الزمان والمكان اللذين كان قد نزل إليهما، وقد اصطحب الآن في صعوده وجلوسه عن يمين الآب إنسانيته الممجدة المليئة بألوهية الله. لقد دخل إلى الله بعد أن غلب الموت… وفي هذا كله اشتركنا معه. أما هذا الاشتراك فيتم في الكنيسة وبواسطة الكنيسة: لقد رأينا أعلاه أن المسيح هو كاهننا الأوحد وأن ذبيحته على الصليب، بين سائر الذبائح، هي الذبيحة الوحيدة المرضية لله والفعالة حقاً. غير أن المسيح هو المذبح أيضاً بالإضافة إلى الذبيحة. نحن في الكنيسة نقدم ذبيحتنا عليه. وذلك بناءً على كلامه ووصيته. وبسبب استمرار قيام سرّ الليتورجيا في السماء حول المسيح نفسه المصلوب والمذبوح على الدوام لخلاص البشر فليس هناك سوى مذبح واحد في العالم هو المسيح. كل المذابح المسيحية في الدنيا هي في الحقيقة مذبح واحد، هو المذبح السماوي، هو المسيح. والمذابح الأرضية تشترك بصورة سرية بسر المسيح الجاري في السماء. وليس في الحقيقة سوى كاهن واحد هو المسيح، لأنه يقرب أمام الآب من دون انقطاع الإفخارستيا الوحيدة التي هي هو. وهكذا فإننا بالليتورجيا السماوية فقط نفهم ليتورجيا الكنيسة على الأرض. أما اشتراك كل المذابح المتعددة في المذبح الوحيد فيتم بواسطة الكهنوت الكنسي. لقد وعدنا الرب بأنه لا يتركنا. فترك لنا نفسه. إن سر كنيسته هو بالضبط الاتحاد الذي لا ينفصم بين المسيح السماوي ووجودنا الأرضي. وقد حقق الرب هذا الأمر بصورة منظورة كليتورجيا. “خذوا كلوا هذا هو جسدي الذي للعهد الجديد… اصنعوا هذا لذكري”. فكان عهد جديد وشعب جديد، شعب كهنوتي أيضاً وأكثر جدارة من شعب العهد القديم. وذلك لأنه على كل تلميذ أن يحمل صليبه (متى16: 24) وأن يشرب الكأس التي شربها المسيح (متى20: 22) وأن يحمل رسالته مبشراً بملكوت الله (لو9: 60) و(لو10: 1-16) وأن يشهد له حتى الموت (متى10: 17-42). كل الناس أبناء لله وملوك مسحاء. إنه يجعلنا كلنا كهنة معه لأن مسحة الروح المنسكبة على الرأس إنما تبلغ إلى كل أعضاء الجسد. كل عضو يشترك في المسحة لأنه عند انتمائه للكنيسة يدخل في الأسرار الثلاثة: المعمودية والميرون والشكر. فنصبح بتلك المسحة أمة كهنة وشعباً كهنوتياً (1 بط2: 5 و 9)؛ إن إيماننا هو حسب تعبير بولس الرسول بمثابة ذبيحة تنسكب (في 2: 17) وعطايانا “نسيم رائحة طيبة ذبيحة مقبولة”… (في4: 18) وأجسادنا وعبادتنا “ذبيحة حية مقدّسة” (رو12: 1). ذلك هو فحوى الكهنوت الملوكي الذي ينتمي إليه الشعب المؤمن. غير أن الكنيسة هي أمة كهنة بالضبط وفقط لأن الرب قد سلّم إليها سر الشكر. فسر الشكر هو الذي “يصنع” الكنيسة كما أن الكنيسة بدورها “تصنع” سر الشكر. إن سر الشكر يصنع الكنيسة لأن سرها الأساسي، سر كيانها، هو سر حضور المسيح فيها، سر ذبيحة المحبة التي توحد الشعب. إنه السر الذي يخلق الكنيسة لأنه يجمع كل الذين يشتركون فيه ويجعلهم واحداً. والكنيسة بدورها تصنع سر الشكر لأنها هي التي تقيمه وتقرِّب القربان والذبيحة وليس أي كان وفي أي مكان. وهي تقيمه طاعة لأمر الرب الذي اختار له رسلاً وأوصاهم وخلفاءهم من بعدهم أن يقيموه. وبالتالي فإن هناك، إلى جانب الكهنوت الملوكي العام المشار إليه أعلاه، كهنوتاً خاصاً لإقامة سر الشكر، كهنوتاً “سرياً” sacramental. وذلك لأننا جميعاً سائرون نحو المقدّس السماوي، وسر الشكر يرافقنا في مسيرتنا هذه. الكنيسة كنيسة سائرة وسر الشكر هو الذي يشير إلى الطريق: “فأنتم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء” (1 كو11: 26). إن سر الشكر “يخبر بمجيء الرب” والكهنوت الذي يقيمه هو بالتالي كهنوت “سري” sacramental أي أنه “يحضر” المسيح بصورة سرية. إن الكنيسة المسيحية مؤسسة على رسل المسيح وهي تؤلف من بعدهم جسد المسيح أي جماعة الذين يحيون حياتها بواسطة الأسرار والمناولة المقدّسة التي سلمها إليهم السيد المسيح. لقد اختار السيد اثني عشر تلميذاً سلم إليهم تعليمه وسلطانه ووصيته بإقامة الأسرار من أجل مد حضوره وذبيحته في العالم. إننا نرى أساس الكنيسة ممثلاً في سفر الرؤيا باثني عشر حجراً هم الرسل الاثنا عشر. فالكنيسة “رسولية” تحافظ على تعليم الرسل وعلى خلافتهم غير المنقطعة حتى الآن وتمدها بواسطة وضع الأيادي. وقد ورد في الرسالة إلى العبرانيين وصف لكنيسة العهد الجديد بإزاء كنيسة العهد القديم يقول: “لأنكم لم تأتوا إلى جبل ملموس مضطرم بالنار وإلى ضباب وظلام وزوبعة وهتاف بوق… حتى قال موسى أنا مرتعب ومرتعد، بل قد أتيتم إلى جبل صهيون وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية… وإلى ربوات هم محفل ملائكة وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات وفي الله ديّان الجميع وفي أرواح أبرار مكملين وإلى وسيط العهد الجديد يسوع وإلى دم رش يتكلم أفضل من هابيل” (عب12: 18-24)… إلا أن كهنوت الكهنة الخاص ليس من شأنه بحدِّ ذاته أن يجعل منهم مسيحيين “أرقى” من غيرهم أو أفضل بل هو بالعكس مدعاة لمسؤولية أعظم إذ أنه وظيفة أخص لأجل خدمة أسمى. “كهنوت خدمة” فليس هناك درجتان أو فئتان في الانتماء للمسيح، بمعنى أن الكهنة لا يؤلفون طبقة خاصة ذات حقوق أو امتيازات. ولكن من جهة ثانية ينبغي الاحتراس من الضلالة الأخرى التي تزعم بأن كهنوت الكهنة إنما هو صادر وناجم عن الشعب وتفويض الشعب وحسب ولا يستمد سلطانه من المسيح. كلا بل يسوع وحده يستطيع أن يجعل الكاهن كاهناً، أن يعطي الكهنة سلطان ما يصنعه الكاهن كل يوم في الكنيسة. لا يستمد الكاهن كهنوته من سلطة بشرية وإلا فإننا نعود إلى الوراء حتى بالنسبة للعهد القديم. فالسلطان عمودي هنا وليس أفقياً، إذ لا يستطيع الشعب أن يُفوِّض أو يُوكِّل أو يُعطي سلطاناً ليس له. إن الكاهن الذي يقرِّب الذبيحة لا يمثل الحاضرين المشتركين في الذبيحة فقط بل يمثل المسيح أيضاً. لا شك إن في صلوات الليتورجيا قسطاً كبيراً يعود للشعب كالطلبات وما إليها، والكاهن في تلاوته لها هو لسان حال الشعب. ولكنه في الأعمال المتعلقة بإجراء السر وتحويل المقدَّسات إلى جسد الرب ودمه الكريمين هو يقيم أولاً “خدمة الرب”، خدمة العبادة التي يقرِّبها الرب نفسه. فالكاهن هو خادم للمسيح أولاً وممثل للمسيح بالدرجة الأولى. إنه يُكهن “في المسيح” (en Christo). وهو وحده يستطيع أن يقول: هذا هو “جسدي” (نحن نقول هذا هو “جسد الرب”). إن الذين يختارهم للكهنوت يحققون في الكنيسة استمرار الخلافة الرسولية التي إنما تمثل الأسقفية سرها: سر رسولية الكنيسة. “فحيث الأسقف هناك الكنيسة” كما يقول القديس أغناطيوس الأنطاكي. في الكنيسة مذبح واحد، وأسقف واحد، وجسد واحد، وكأس واحد… ولكن الأسقفية بالإضافة إلى تأمين استمرار الخلافة الرسولية تحفظ أيضاً تعليم الكنيسة، أي العقيدة الصحيحة التي هي شرط الملء والحياة: “فالمحبة الكبرى والفضلى تبقى الحقيقة”. وشرعة الإيمان هي أساس شرعة الصلاة وإقامة الطقوس (lex credendi lex orandi). إن العلاقة الصحيحة بين كهنوت الشعب وكهنوت الكهنة علاقة “هيرارخية” تسلسلية وهي لا تنكر الوحدة القائمة بين الفئتين. يقول القديس ديونيسيوس الأريوباغي: “المسيح في الليتورجيا هو واحد للجميع ولكن الأسقف يعطيه للكهنة والكهنة يعطونه بدورهم للشعب” إنها هيرارخية الإعلان الإلهي التدريجي. |
||||
28 - 06 - 2016, 05:55 PM | رقم المشاركة : ( 13348 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كيف تدعو الكنيسة الأرثوذكسية العذراء مريم
“أم الله” أو “والدة الإله”؟ رد على رفضهم للقب والدة الإله كيف تدعو الكنيسة الأرثوذكسية العذراء مريم “أم الله” أو “والدة الإله” مع أن المسيح قد أخذ من مريم طبيعة بشرية فقط؟ وكيف ولدت العذراء مريم الله؟ ولماذا ترفض الفئات البروتستانتية استعمال هذا اللقب؟ العقيدة المريمية مؤسَّسة على العقيدة الخريستولوجية (التعليم عن شخص المسيح). حتى نفهم لقب “والدة الإله” المنسوب إلى العذراء يجب أولاً أن نفهم التعليم الصحيح المتعلّق بشخص المسيح المجيد. يسوع المسيح هو الله المتجسد. أي هو الله الكامل والإنسان الكامل. إنما هو شخص (أقنوم) واحد لا شخصان. شخصه الإلهي كان شخص طبيعته الإلهية (اللاهوت) قبل تجسده. في يوم التجسد (يوم بشارة العذراء)، أخذ الرب يسوع من العذراء طبيعة بشرية كاملة بعد أن حلَّ الروح القدس على العذراء وقدّسها وطهّرها (غريغوريوس اللاهوتي والدمشقي). فصار شخصه الإلهي الواحد شخص طبيعته الإلهية وطبيعته البشرية (الناسوت) معاً على حد سواء. إذاَ يسوع هو شخصٌ واحد لا شخصان. العذراء مريم لم تلد ناسوت يسوع مجرداً! أقنوم يسوع ضمّ إليه منها طبيعته البشرية. في دستور الإيمان نقول: “نزل من السماء وتجسّد… وتأنس”. هو نفسه الواحد إله وإنسان بدون إمكان تجزئة أو انفصال، شخص يسوع واحد. نقول مريم أم الله لأنّ الأقنوم واحد لا ينفصل. فهي ولدت شخصَ يسوع بكامله، أي ولدت اللهَ المتجسد بالتعريف. من هنا فإن تسمية العذراء “أم الله” ليست تسمية صحيحة فقط بل يجب تسميتها هكذا وإلا شققنا شخص يسوع وطعنّا في الخريستولوجيا. في الإنجيل دُعيت العذراء أم ابن العلي وأم ابن الله (لو 1: 31 و32 و35) وأم الرب (لو1: 43) وأم يسوع (أع 1: 14). ودُعيت أيضاً أم عمانوئيل (مت 1: 23) وأم المخلّص المسيح الرب (لو 2: 11). وهذه كلها أسماء الله حصراً. عمانوئيل هو الله. واسم يسوع هو مختصر لـ “يهوه يخلّص”. والمسيح الرب هو المسيح يهوه. لهذا فالعذراء مريم هي أم الله Theotokos. إذاً العذراء في الأناجيل هي أم ابن العلي، أم ابن الله، أم المسيح الرب، أم يهوه الفادي المخلّص، أم عمانوئيل، أم يسوع. لهذا لخّصت الكنيسة كل هذه الألقاب بلقب واحد جامع هو أن الله أو والدة الله. لهذا قال القديس يوحنا الدمشقي: “إن اسم أم الله Theotokos يحوي كل سر التدبير (الإلهي)، لأنه إن كانت التي حبلت به هي أم الله فالمولود منها هو بالتأكيد وأيضاً إنسان” (الإيمان الأرثوذكسي 3: 12). إن جميع الذين يرفضون لقب والدة الإله يقعون في الهرطقة النسطورية ويخالفون المجامع الكنسية ويطعنون في الإيمان بأن شخص المسيح هو شخص واحد في طبيعتين كاملتين إلهية وبشرية وبالتالي يعرضون خلاصهم الشخصي للخطر. إن قلنا إن مريم هي فقط أم يسوع الإنسان نشقّ شخص يسوع ونجعل الابن ابنين: ابن الله وابن الإنسان. وإن قلنا إن الآب هو أبو لاهوت يسوع فقط نشقّ شخص يسوع أيضاً. وحدة أقنوم تسمح بتسمية مريم والدة الإله وبتسمية الآب أبا ناسوت يسوع. أيّ تفريق في في شخص يسوع هو هرطقة تصبّ في الهرطقات التي طعنت في الخريستولوجيا (ابوليناريوس، نسطوريوس، أوطيخا وسرجيوس), كيرللس الإسكندري قال إن العذراء ولدت ناسوت يسوع ولم تلد اللاهوت. الآب ولد لاهوت يسوع. تقول إحدى الترانيم: “يا من هو بغير أمّ من جهة آبيه وبغير أبٍ من جهة أمّه…”. التركيز هو على وحدة الأقنوم التي جعلت الآب أباً ليسوع الإله-الإنسان والعذراء أمّاً ليسوع الإنسان الإله. تاريخياً المجمع المسكوني الثالث المنعقد في أفسس العام 431 لاهوت لقب والدة الإله Theotokos. لكن هذا اللقب كان مستعملاً حتى قبل هذا المجمع. فقد استعمل أوريجنس لفظة والدة الإله Theotokos في تفسيره للآية 33 من إصحاح 22 من سفر التثنية. ويذكر المؤرخ الكنسي سقراط (الكتاب 7 من تاريخه، الفصل 32) أن أوريجنس سمّى العذراء والدة الإله Theotokos. القديس كيرللس الإسكندري في كتابه إلى نسطوريوس يقول إن القديس أثناثيوس الكبير قد دعا مريم والدة الإله Theotokos. والقديس باسيليوس الكبير في حديثه عن ميلاد المسيح يقول: “إن أم الله Theotokos لم تكفَّ قط عن أن تكون عذراء…”. ويقول القديس غريغوريوس اللاهوتي في رسالته الأولى إلى كليدونيوس: “إن كان يوجد أي واحد لا يعتبر مريم أنها أم الله Theotokos فإنه مفتقرٌ إلى اللاهوت”. وفي حديثه الأول عن الابن يخاطب اليونان قائلاً: “أين من بين آلهتكم قد عرفتم عذراء أمّاً لله Theotokos ؟”. ويقول أفسابيوس في حياة قسطنطين (الفصل 43) وسقراط (الكتاب 7، الفصل 32): “لهذا حقاً إن أكثر الملكات توقيراً لله (هيلانة) قد زيَّنت بالشواهد الرائعة مكان ولاده أم الله Theotokos” (أي بيت لحم). وقال ديونيسيوس الإسكندري لبولس السميساطي: “إن الذي قد تجسّد من العذراء القديسة والدة الإله Theotokos ..”. لهذا فلقب والدة الإله ليس مجرد تكريم للعذراء مريم وإنما هو إعلان إيمان بشخص يسوع المسيح، الله المتجسد، الذي له المجد إلى الدهور آمين . |
||||
28 - 06 - 2016, 05:56 PM | رقم المشاركة : ( 13349 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كيف ندعو الكاهن أبانا؟
والكتاب يقول: “لا تدعوا لكم أباً على الأرض…”(متّى23: 9) كثيرون من المفسِّرين البروتستانت يقولون إن المسيح قد حرّمَ أن ندعو أحداً على الأرض أب، فاختاروا ألقاباً أخرى مثل: “محترم، قسيس، راعٍ”، إلخ. لكن التفسير السطحي والحرفي لقول الرب هذا يعني أنه لا يجوز لنا أبداً أن ندعو إنساناً على الأرض “أباً”، سواء أكان رجل دين (أباً روحياً) أم لا. لأن الآب وحده من يجب أن يُدعى هكذا. لو أخذنا بهذا التفسير الضيق لوجدنا أن الرسول بولس قد خالف وصية المسيح (أو لم يفهمها على الطريقة البروتستانتية!)، لأنه يقول: “لأنه وإن كان لكم ربواتٌ من المرشدين في المسيح لكن ليس آباء كثيرون، لأن أنا ولدتكم في المسيح يسوع بالإنجيل” (1كور4: 15). فبولس يدعو نفسه هنا “أباً” للذين ولدهم بالإنجيل. ويدعو تيموثاوس وتيطس “ابني”. ويوحنا الإنجيلي في رسالته يستعمل لفظة “يا أبنائي الصغار” (1يو 2: 12 و14). أيضاً يدعو بولس أسلافنا “آباء” لنا (1كور 10: 1). ويستعمل لقب “أب” لمخاطبة الآباء قائلاً: “أيها الآباء …” (كول 3: 21). والرب نفسه، في مثل الغني والعازر، يذكر أن الغني خاطب إبراهيم قائلاً: “يا أبي إبراهيم” (لوقا16: 24). لم يجبه إبراهيم قائلاً: “ألا تعرف أن الله الآب فقط هو من يجب أن يُدعى أباً؟”. ولكنه أجاب الغني: “يا ابني” (لوقا 16: 25). ولو تابعنا قراءة متى 23: 10 لوجدنا: “ولا تدعوا معلِّمين لأن معلمكم واحد. المسيح”. لكن المسيح نفسه دعا نيقوديموس “معلم إسرائيل” (يو3: 10). وكان يوجد في كنيسة أنطاكية “أنبياء ومعلِّمون” (أع13: 1). وبولس يذكر أن الله وضع في الكنيسة “معلِّمين” (1كور 12: 28؛ أفسس 4: 11). إذاً لم يقصد المسيح القول إنه لا يجوز أن ندعو أحداً “أباً” إلا الآب، ولا أحداً “معلماً” إلا المسيح؟ وبولس الرسول والكنيسة كلها لم تفهم قول المسيح هذا كما يحاول البعض أن يفهمه اليوم. يبقى السؤال: ماذا قصد المسيح من قوله هذا إذن؟ المناسبة التي قال السيد هذا القول تشرح لنا معناه. فالمسيح كان يتكلم عن الكتبة والفريسيين وكان ينتقد ممارستهم وتعليمهم، وكيفية استعمالهم للقب “أب” و”معلم”. يقول: “على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون” (مت23: 1). وبدلاً من تعليم شريعة موسى صاروا يعلّمون تقليدهم الخاص (مر7: 8و9)، “مُبطلين كلام الله بتقليدكم الذين سلّمتموه” (مر7: 13). لهذا كان يسوع يحذّرهم من استعمال مناصبهم وألقابهم ليقيموا من حولهم تلاميذ لهم ولتقاليدهم وليس تلاميذ لله ولشريعته. ومع مجيء المسيح صار على رجال الدين أن يعلِّموا “تعليم الرسل” (أع2: 42) أو “تعليم المسيح” (2يو9)، الذي هو “المعلِّم” الحقيقي و”الأب” الحقيقي، وما رجال الدين إلا صورٌ حية له. وكما يقول الذهبي الفم: “لأنه (المسيح) علّة كل شيء، علّة المعلّمين وعلّة الآباء معاً” . لهذا كل “معلِّم” و”كل أب” في الكنيسة ما هو إلا قناة حية لتسليم التعليم الذي وصل إليه من المسيح، “المعلّم الأكبر”، بالرسل. أو بكلمة أخرى، ليس “المعلّم” أو “الأب” في الكنيسة هو مصدر التعليم، بل يسوع المسيح نفسه، بالروح القدس الساكن في الكنيسة. وإلا صار هذا المعلّم أو الأب تحت الدينونة نفسها التي طالت الكتبة والفريسيين. |
||||
28 - 06 - 2016, 06:01 PM | رقم المشاركة : ( 13350 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سلطان المجامع وتقليد الآباء “المجامع في الكنيسة الأولى: إن مجال هذه المقال محدود، لأنها مجرَّد مقدمة. فدور المجامع في تاريخ الكنيسة ووظيفة التقليد بُحثاً عن السنوات الأخيرة. ولذلك كان الهدف من هذه المقالة تقديم بعض الاقتراحات التي قد تثبت فائدتها في تدقيقنا في الشواهد النصيّة وفي تقويمنا اللاهوتي وفي تفسيرنا لها. والواقع أن المشكلة كنسيّة، وأن المؤرخ الكنسي يجب أن يكون لاهوتياً أيضاً وأن يورد خياره الشخصي وموقفه. فعلى اللاهوتيين بالمقابل أن يعُوا المنظور التاريخي الواسع الذي نوقشت فيه الأمور الإيمانية والعقيدية وفُهمت، وعليهم أن يتجنبوا المفارقات التاريخية في اللغة، لأن الواجب يقتضي أن يدرسوا كلّ عصر بلغته الخاصة. ويجب على تلميذ الكنيسة القديمة أن يبدأ بدراسة مجامع معيَّنة وأن يتناولها في وضعها التاريخي المحدَّد من دون أن يحاول إعطاء تحديد مسبق بشكل كيفيّ. وهذا ما يفعله المؤرخون. ففي الكنيسة القديمة لم تكن هناك “نظرية مجمعية” ولا لاهوت محكم عن المجامع ولا نظم قانون محدَّدة، لأن مجامع الكنيسة، في القرون الثلاثة الأولى، التأمت عند الضرورة لأهداف خاصة وفي ظروف طارئة لبحث أمور معيِّنة تهمّ الجميع. فكانت أحداثاً أكثر منها مؤسسة. والأفضل أن نستعمل عبارة غريغوري ديكس التي تنص على أن المجامع كانت: “قبل نيقية جهازاً اقتضائياً لا مكان محدَّد له في نظام الحكم الكنسي”. وما سلَّم به الجميع ووافق عليه في تلك الفترة هو أن اجتماع وتشاور أساقفة يمثلون كنائسهم المحلية و”جماعاتهم”، وبالأحرى يجسِّدونها، كان نهجاً صحيحاً وطبيعياً لإظهار الوحدة وتحقيقه وللاتفاق في أمور الإيمان والتنظيم. فكان الشعور بوحدة الكنيسة قوياً في العصور الأولى، على الرغم من أن هذا الشعور لم يكن قد انعكس بعد على الصعيد التنظيمي. “فمجمعية” الأساقفة كان أمراً مسلَّماً به مبدئياً، وكان مفهوم “الأسقفية الواحدة” قد ابتدأ بالنموّ، وكان أساقفة منطقة معيَّنة يجتمعون لاختيار الأساقفة الجدد ولوضع الأيدي عليهم، وكانت أسس المنهج المتروبوليتي في طور التثبيت. لكنَّ هذه الأمور حدثت بطريقة عفوية. وظهر أن “المجامع” برزت إلى حيِّز الوجود في آسيا الصغرى أولاً في أواخر القرن الثاني أثناء الدفاع القوي ضد انتشار “النبوَّة الجديدة” أي ضد الانفجار المونتاني العنيف. وكان من الطبيعي في هذه الحالة أن تشدد الكنيسة على “التقليد الرسولي” الذي كان الأساقفة حرَّاساً له وشهوداً في رعاياهم. وفي شمال أفريقيا تأسس نوع من النظام المجمعي في القرن الثالث، إذ وُجد أن المجامع هي الأداة المثلى للشهادة والإفصاح والإعلان عن الفكر المشترك في الكنيسة وعن الانسجام والتآلف بين الكنائس المحلِّية. لقد أصاب البروفسور جورج كريتسثمار (George Kretschmar) عندما قال في دراسته عن مجامع الكنيسة القديمة إن اهتمام المجامع الأولى الأساسي كان اهتماماً بوحدة الكنيسة: “فمنذ البدء وحتى الوقت الحاضر هناك موضوع واحد وهو الإعلان عن وحدة صحيحة وروحية في كنيسة الله”. أمَّا هذه الوحدة فكانت تقوم على وحدة التقليد وعلى الإجماع في الإيمان أكثر مما تقوم علي أي نموذج مؤسساتي. المجمع الإمبراطوري أو المسكوني: بعد اهتداء الإمبراطور تغيرت الظروف. فمنذ أيام قسطنطين وبالأحرى منذ أيام ثيوذوسيوس اعترف المجمع بأن الكنيسة أصبحت تعايش الإمبراطورية المسكونية المتنصرة. إن “اهتداء الإمبراطورية” جعل مسكونية الكنيسة مرئية أكثر منها في أي وقت مضى. وهذا الاهتداء لم يضف شيئاً إلى المسكونية الأساسية والأصلية في الكنيسة المسيحية. لكن الظرف الجديد هيأ لها ظهوراً مرئياً. في هذا الظرف التاريخي التأم المجمع المسكوني الأول في نيقية وصار نموذجاً للمجامع اللاحقة. “فوضع الكنيسة الجديد استلزم عملاً مسكونياً، لأن الحياة المسيحية لم تعد معاشة في عالم منظم على أسس إقليمية، بل في إمبراطورية شاملة… وبما أن الكنيسة خرجت إلى العالم فأصبح من واجب الكنائس المحلية أن تتعلم ألا تعيش كوحدات مستقلة (مثلما عاشت سابقاً عملياً لا نظرياً)، بل كجزء من سلطة روحية واسعة”. إننا نقدر أن نصف المجامع العامة، كما دُشنت في نيقية، بأنها بمعنى من المعاني “مجامع إمبراطورية” (die Reichskonzile) وربما كان هذا الوصف المعنى الأول والأصلي للفظة “مسكوني” كما أطلقت على المجامع . ولا مجال هنا للبحث المطول في المشكلة الصعبة والشائكة المتعلقة بطبيعة وخاصية هذه البنية التي كانت “الكومنولث” (commonwealth) المسيحي الجديد و الجمهورية المسيحية الثيوقراطية (Res publica Christiana) التي صارت فيها الكنيسة مرتبطة بالإمبراطورية بشكل غريب ، لأن هدفنا المباشر لا علاقة له بهذا الموضوع. كانت مجامع القرن الرابع ما تزال اجتماعات اقتضائية وأحداثاً فردية. وكان سطانها النهائي مستنداً إلى اتفاقها مع “التقليد الرسولي”. فعدم وجود آية محاولة في القرن الرابع وفيما بعد لتوسيع نظرية قانونية عن “المجامع العامة” بكونها مركزاً للسلطان النهائي وبكونها ذات ونماذج معينة لإجراءات متعددة هو أمر ذو دلالة، رغم أن الكنيسة اعترفت بهذه المجامع في الواقع (da facto) بأنها مكان مناسب لمعالجة مشاكل الإيمان والعقيدة ومرجع في هذه الأمور. لن نبالغ إذا قلنا أن المجامع لم تُعتبر أبداً مؤسسة قانونية، بل اعتُبرت أحداثاً اقتضائية تتجلى فيها المواهب الروحية. فهي لم تُعتبر سلفاً بشرعية أي مجمع، بل إن الكنيسة رفضت عدداً منها، رغم قانونيتها الشكلية. يكفي أن نذكر المجمع اللصوصي الذي عُقد سنة 449. فالكنيسة اعترفت “بمسكونية” المجامع التي لها سلطة دامغة. إنها اعترفت بها فور وبعد زمن لا لأهليتها القانونية، بل لطابعها المواهبي، إذ شهدت بالروح القدس للحقيقة الموجودة في الكتاب المقدس كما سُلم في التقليد الرسولي . لا مجال هنا لبحث “نظرية الاستلام”، لأن هذه النظرية لم تكن موجودة. فهناك رؤية إيمانية فقط. إن هانس كونغ (Hans Küng) في كتابه (Sturkturen der Kirche) “بنية الكنيسة” اقترح طريقة تساعد في فهم هذه المسألة. ورغم أن هذا المؤلف ليس مؤرخاً فإن المؤرخين يقدرون أن يطبقوا مخططه اللاهوتي على نحو مثمر. فاقترح كونغ أن يُنظر إلى الكنيسة “كمجمع” يدعوه الله نفسه إلى الانعقاد (“بدعوة إلهية”Aus göttlicher Berufung)، وإلى المجامع التاريخية أي المسكونية والعامة كمجامع يدعوها الإنسان للانعقاد (“بدعوة إنسانية”Aus monschlicher Berufung)، لأنها تمثل الكنيسة بشكل حقيقي، لكنها لا تكون أكثر من ممثلة . وتجدر الاشارة إلى أن المؤرخ الروسي بولوتوف (V.V.Bolotov) أورد منذ سنوات مفهوماً مشابها في “محاضراته عن تاريخ الكنيسة القديمة”، فقال إن الكنيسة اجتماع (ecclesia) لا ينفض أبداً . والسلطان السامي ومقدرة تمييز حقيقة الإيمان أودعا في الكنيسة التي هي “مؤسسة إلهية” بالمعنى الصحيح والدقيق للكلمة. ولكن لا يوجد مجمع و”مؤسسة مجمعية ذات حق إلهي” (de Jure Divino) إلاَّ بمقدار ما تكون صورة حقيقية وتجلياً للكنيسة. وقد نبقى في دائرة مفرغة إذا شددنا على ضمان شكلية في الأمور العقيدية، لأن هذه “الضمانات” غير موجودة ولا يمكن إبرازها مسبقاً. فبعض “المجامع” كان مخفقاً، لأنه لم يكن سوى اجتماع غير شرعي (Conciliabula) وقع في الخطأ. ولذلك رُفضت هذه المجامع فيما بعد. إن تاريخ المجامع في القرن الرابع مفيد جداً في هذا المجال . وما أعلنته المجامع لم تقبله الكنيسة و ترفضه على أساس شكلي و”قانوني”. فحكم الكنيسة كان انتقائياً إلى أبعد الحدود. إذن، لم يكن المجمع فوق الكنيسة. فهو على وجه التحديد “تمثيل” لها. وهذا يُفسر سبب عدم احتكام الكنيسة القديمة إلى “السلطان المجمعي” بشكل مطلق (in abstracto) وعام، فهي احتكمت دائماً إلى مجامع خاصة وبالأحرى إلى “إيمان” هذه المجامع وشهادتها. نشر الأب كونغار (Yves Congar) مقالة جيدة جداً عن “أولوية المجامع المسكونية الأربعة الأولى” أورد فيها شواهد مهمة . فأولوية نيقية وأفسس وخلقيدونية كانت في تحديداتها العقيدية، مما اعتبره الجميع تعبيراً صادقاً وكافياً عن حقيقة الإيمان الذي أودع سابقاً في الكنيسة. إن التشديد لم يكن هنا على السلطان “القانوني”، بل على الحقيقة. وهذا يقودنا إلى المسألة الحاسمة والمعقدة وهي ما هي أفض مقاييس الحقيقة المسيحية؟ المسيح: مقياس للحق: إنه لا يوجد جواب سهل عن هذا السؤال. لكن، في الواقع، هناك جواب سهل جداً: المسيح هو الحق. فمصدر الحق المسيحي ومقياسه هو الإعلان الإلهي في بنيته المزدوجة وتدبيره المضاعف. مصدر الحق هو كلمة الله. هذا الجواب أعطي بسهولة وقُبل في الكنيسة القديمة بشكل عام، مثلما يُقبل في مسيحية هذا العصر المنقسمة. لكنَّ هذا الجواب لا يحلّ المشكلة. والحق، أنه كان يُقوَّم ويُفسر بطرق مختلفة إلى حدّ التفاوت الجذري. وعنى فقط أن المشكلة انتقلت خطوة أخرى وبرز سؤال جديد وهو كيف يجب أن نفهم الإعلان؟ إن الكنيسة الأولى لم تشكّ في “كفاية” الكتاب ولم تحاول أن تتجاوزه، بل ادَّعت دوماً أنها لم تتجاوزه. لكن المسألة التفسيرية برزت ابتداء من العصر الرسولي بروزاً حادّاً. فما هو المبدأ التفسيري الصحيح الذي كان يُتبع؟ إننا لا نجد سوى جواب الاحتكام إلى “إيمان الكنيسة الذي هو إيمان الرسل وبشارتهم، أي إلى التقليد الرسولي. فالكتاب لا يُفهم إلاَّ في الكنيسة، كما أكَّد أوريجنس، وكما أكَّد القديس إيريناوس وترتليان قبله. كان الاحتكام إلى التقليد احتكاماً في فكر الكنيسة (phronrma)، وكان منهجاً لاكتشاف الإيمان المسلَّم به دائماً ومنذ البدء (semper creditum) وتثبيته. كانت ديمومة الإيمان المسيحي إشارة واضحة إلى حقيقته وأمارة لها، حيث لا مجال للتجديد والأفكار المبتدعة . ويمكن أن تُبرهن على نحو ملائم ديمومة إيمان الكنيسة المقدسة من شهادات الماضي. ولذلك يُستشهد عادة “بالقدماء” في المباحثات اللاهوتية. ولكن يجب أن تُستخدم “حجة القِدَم” بشيء من الحذر، لأن الرجوع الاتفاقي إلى الأزمنة القديمة والاستشهاد العرضي بمؤلفين قدماء قد يكونان غامضين ومضللين. وهذا الأمر فُهم فهماً تاماً أيام الجدل الكبير حول المعمودية في القرن الثالث، عندما أثيرت مسألة شرعية “العادات القديمة” وسلطانها. فترتليان أكد أن العادات (consuetudines) في الكنيسة يجب أن تُفحص تحت ضوء الحقيقة، لأن “سيدنا المسيح لم يظهر نفسه عادة وعرفاً، بل حقيقة” (في غطاء العذارى 1، 1). والقديس كبريانوس استعمل هذه العبارة ومجمع قرطاجة الذي عُقد سنة256 تبناها. ولعلَّ “القدم” في ذاته يمكن أن يكون خطأ متأصلاً “لأن القِدَم بلا حقيقة خطأ قديم متأصل” كما قال القديس كبريانوس، (الرسالة 74، 9). وأوغسطين أيضاً استخدم العبارة نفسها فقال “يقول الرب في الإنجيل: أنا هو الحق، ولم يقل : أنا هو العادة” (في المعمودية 3، 6، 9). “فالقِدَم” في حدّ ذاته لا يكون حقاً بالضرورة مع أن الحق المسيحي كان فعلياً حقاً “قديماً”، ولذلك قاومت الكنيسة كلّ البدع. أمَّا الهراطقة وعلى الأخص العرفانيون فكانوا أول ومن استخدم البرهان المرتكز على التقليد. وهذا ما دفع القديس إيريناوس إلى إحكام مفهومه الخاص عن “التقليد” الذي يقاوم “التقاليد” الخاطئة التي أوردها الهراطقة والتي كانت غريبة عن فكر الكنيسة . فكان لا بد للاحتكام إلى “القدم” أو “التقليد” أن يكون انتقائياً وتميزياً، لأن بعض “التقاليد” التي تعلل بها الهراطقة كانت خاطئة. فيجب على المرء أن يبحث بدقة عن “التقليد الحقيقي”، الذي قدر أن يرجعه إلى سلطان الرسل والذي يثبته ويؤكده إجماع (consesio) الكنائس. لكن لا يكتشف هذا الإجماع بسهولة، لذلك بقيت بعض الأسئلة مطروحة. أما مقياس القديس إيريناوس فكان سليماً وصحيحاً: التقليد هو التقليد الرسولي الجامع. وأوريجنس حاول في مقدمة كتابه “المبادئ” أن يضف غاية “الاتفاق” القائم الذي كان ضرورياً وإلزامياً بالنسبة إليه، فأورد مجموعة من النقاط المهمة التي تحتاج إلى مزيد من الدرس. فكانت هناك تقاليد محلية تختلف في اللغة والنظام حتى ضمن الشركة الدائمة في الإيمان و”القدسات” (in sacris). يكفي أن نذكر الخلاف الفصحي بين روما والشرق، حين برزت مشكلة سلطة العادات القديمة. ويجب أيضاً أن نذكر الصراع الذي دار بين قرطاجة وروما والصراع الذي دار بين الإسكندرية وإنطاكية الذي بلغ قمته المأساوية وطريقه المسدود في القرن الخامس. ففي هذا العصر من الصراع اللاهوتي الحاد احتكمت جميع الأطراف إلى التقليد و “القدم”. ولذلك تراكمت على كل الجوانب “سلاسل” من الشهادات القديمة. فكان يجب أن تُفحص بدقة هذه الشهادات على أسس تتجاوز مبدأ “القدم” وحده. فبعض التقاليد المحلية الليتورجية واللاهوتية طرحها جانباً ونبذها سلطان الإجماع (consensus) “المسكوني”. ففي مجمع أفسس وقعت مجابهة حادة بين التقاليد اللاهوتية المختلفة، فانشطر إلى اثنين – مجمع القديس كيرلس وكنيسة روما (المسكوني) ومجمع الشرق. وقد تمت المصالحة لكن التوتر بقي قائماً. وكان أمر الفصول الثلاثة الحالة الأكثر إثارة في شجب تقليد لاهوتي قديم ومعتبر، وإن كان محلياً. فأثير آنذاك سؤال مبدئي وهو إلى أي حد كان إنكار إيمان الذين رقدوا بسلام واتحاد بالكنيسة شرعياً؟ قام جدل عنيف حول هذه القضية، وخاصة في الغرب، وأعطيت براهين قوية ضد العودة إلى الأحداث الماضية وضد إعطاء حكم فيها. معنى الاحتكام إلى الآباء: لوحظ أن الاحتكام إلى القدم تتغير وظيفته وخاصيته مع مرور الزمن. ففي أيام القديس إيريناوس أو ترتليان كان الماضي الرسولي قريباً وحاضراً في الذاكرة البشرية. والقديس إيريناوس سمع في شبابه تعاليم القديس بوليكربوس الذي كان تلميذ مباشراً ليوحنا اللاهوتي. وهذا الجيل كان الجيل الثالث بعد المسيح. فذكرى العصر الرسولي كان لا يزال نضراً، ومجال التاريخ المسيحي كان لا يزال قصيراً ومحدوداً. في ذلك العصر المبكر دار الاهتمام حول الأسس الرسولية وحول الإعلان الأول للبشارة (Kerygma). وهكذا عنى التقليد آنذاك “النقل” أو “الإبداع”. وكانت مسألة النقل الدقيق بسيطة نسبياً في فترة تزيد على قرن كامل وخاصة في الكنائس التي أسسها الرسل أنفسهم. فاتجه الانتباه إلى لوائح التعاقب الرسولي (كما عند القديس ايريناوس وايسيبيس) التي كان جمعها سهلاً. لكن مسألة “التعاقب” ظهرت أكثر تعقيداً في الأجيال اللاحقة الأكثر بعداً عن العصر الرسولي. وفي هذه الظروف الجديدة صار انتقال التشديد من مسألة “الرسولية” الأصلية إلى مسألة حفظ “الوديعة” الإيمانية طبيعياً. وصار التقليد يعني “انتقالاً” أكثر منه تسليماً. وصارت مسألة “التعاقب” بمعناها الواسع والشامل ملحّة جداً. فبرزت مسألة الشهادات الصادقة. في هذا الظرف أُثير ولأول مرة سلطان الآباء بشكل رسمي: هم كانوا شهوداً لديمومة البشارة (Kerygma) وأصالتها كما انتقلت من جيل إلى جيل . ولفظتا الرسل والآباء تقارنتا بشكل عام عند استخدام حجة التقليد في القرنين الثالث والرابع. وكان الرجوع المزدوج إلى الأصل وإلى الحفاظ المستمر والثابت عليه ضامناً لأصالة الإيمان. أما الكتاب فاعتُرِف به رسمياً أساساً للإيمان بكونه كلمة الله وكتاب الروح. لكن بقيت مشكلة تفسيره الصحيح. ولذلك استُشهد بالآباء والكتاب معاً أي بالبشارة (Kerygma) والتفسير (exegesis). كانت عبارة الرجوع “إلى الآباء” أو الاحتكام إليهم علامة مميزة وبارزة في البحث اللاهوتي زمن المجامع المسكونية ابتداء من مجمع نيقية. لكن اللفظة لم تُحدد بشكل رسمي، مع أن بعض الكتّاب الكنسيين الأوائل استخدموها أحياناً بشكل متفرق. فكانت تشير غالباً إلى معلّمي الحقبات السابقة وقادتها المسيحيين. ومن ثم أصبحت تدريجياً لقباً للأساقفة، لأنهم يُقَامون معلِّمين للإيمان وشهوداً له. بعد ذلك أُطلقت بشكل خاص على الأساقفة الأعضاء في المجامع. ما يجمع كلّ هذه الحالات كان المهمة التعليمية. “فالآباء” هم اللذين نقلوا ونشروا العقيدة القويمة وتعليم الرسل، فكانوا قادة في التعليم المسيحي والتوجيه. بهذا المعنى أُطلقت بقوة على الكتّاب المسيحيين الكبار. ويجب أن نتذكر أن الكتيِّب الرئيسي، ولعله الكتيِّب الأوحد، في الكنيسة القديمة عن الإيمان والعقيدة كان تحديداً الكتاب المقدس. ولذلك اعتبر المفسِّرون المشاهير للكتاب المقدس “آباء” بالمعنى البارز . كان “الآباء” معلِّمين بالدرجة الأولى (didascali، doctores)، بل كانوا معلِّمين بمقدار ما كانوا شهوداً (testes). لكن يجب أن نميِّز بين هاتين الوظيفتين، رغم أن كل وظيفة منسوجة مع الأخرى. “فالتعليم” كان مهمة رسولية: “علِّموا جميع الأمم”. وفي هذا الالتزام يتأصل “سلطانهم”: فهو في الواقع سلطان حمل الشهادة. هنا يجب أن نشير إلى نقطتين مهمتين: أولاً: إلى أن عبارة “آباء الكنيسة” توكيداً واضحاً فيه شيء من الحصرية، لأنهم لم يتصرفوا كأفراد فقط، بل كرجال كنسيين (viri ecclesiastice على حد تعبير أوريجنس المفضّل)، بالنيابة عن الكنيسة وباسمها. فهم الناطقون باسم الكنيسة ومفسِّرو إيمانها وحافظوا تقليدها وشهود حقيقتها وإيمانها ومعلِّمون بارزون (magistri probabiles على حد تعبير القديس فكنديوس) وعلى هذا الأساس يقوم سلطانهم . وهو يرجعنا إلى مفهوم “عرض” الإيمان. أشار G.L.Prestig بحق إلى “أن دساتير الكنيسة الإيمانية انبثقت من تعليمها. وأن تأثير الهراطقة هو الذي جعل الدساتير القديمة موثوقة أكثر مما كانت سبباً في خلق دساتير جديدة. وهكذا كان الدستور النيقاوي الشهير -والذي أصبح أهم دساتير الإيمان- نسخة جديدة عن اعتراف إيمان كان يستعمل في فلسطين. وهناك حدث أكثر أهمية يجب أن نتذكره دائماً وهو أن العمل العقلي الأصيل والفكر التفسيري الحي لم تقدمه المجامع التي أصدرت دساتير الإيمان، بل المعلِّمون اللاهوتيون الذين قدَّموا وفسرَّروا الصيغ الإيمانية التي تبنتها المجامع. فتعليم نيقية، الذي صار موضوع احترام وثقة، يمثِّل أفكار المفكِّرين العمالقة الذين جاهدوا طوال مئة سنة قبل هذا المجمع وطوال خمسين سنة بعده” . كان الآباء الملهمين الحقيقين للمجامع في حضورهم وغيابهم (in absentia)، وحتى بعد انتقالهم إلى الراحة الأبدية. لذلك أكَّدت المجامع أنها “تابعة للآباء القديسين”، كما قال مجمع خلقيدونية. ثانياً: كان إجماع الآباء (consensus patrum) يعوّل عليه إذ لم يعوّل على آرائهم الخاصة التي يجب مع ذلك ألا ننبذها بسرعة وتهور-وهذا الإجماع كان أكثر من اتفاق عملي بين الأفراد. فالإجماع (consensus) الحقيقي والموثوق به عَكَسَ فكر الكنيسة الجامعة. وهذا النوع من “الإجماع” رجع إليه القديس ايريناوس عندما أكّد أن قدرة قادة الكنائس في التعبير وعجزهم عنه لا يقدران أن يؤثرا في تماثل شهادتهم، لأن “قوة التقليد” (traditionis virtus) كانت دائماً وفي كلّ مكان هي نفسها (ضد الهراطقة 1، 10، 2). فبشارة الكنيسة تبقى هي هي “مستمرة وثابتة ومتماثلة” (Constans et aepualiter perseverans) (المراجع نفسه 3، 24، 1). إن “الإجماع” الحقيقي يظهر ويعلن عن التماثل الدائم في إيمان الكنيسة (aepualiter perseverans) . تقوم السلطة التعليمية في المجامع المسكونية على عصمة الكنيسة، لأن السلطة العليا منوطة بالكنيسة التي هي عمود الحق وأساسه. وهذه السلطة ليست قانونية بالمعنى الدقيق للفظة، مع أن الأحكام القانونية والتشريعات يمكن إلحاقها بالقرارات المجمعية التي تتعلق بالإيمان. فهي سلطة مواهبية تقوم على مؤازرة الروح القدس: “فظهرت حسنة للروح القدس ولنا”. كٌتِبت هذه المقالة في عام 1967 الأب جورج فلوروفسكي من كتاب :الكتاب المقدس والكنيسة والتقليد |
||||