17 - 06 - 2016, 05:45 PM | رقم المشاركة : ( 13081 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الرّسوليّة التراثيّة
ولا في موضع، في حياة الرّبّ يسوع، تبع أحدٌ المعلّم، في الحقّ، من ذاته!. يسوع كان، أبدًا، الدّاعي!. هلمّ ورائي!. اتبعني!. لستم أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم… هذا صحَّ في حياته على الأرض، وبالرّوح، بعد صعوده!. لذا الأصالة في اتّباع المعلّم مؤشّر لعمل النّعمة أو لا تكون!. الآتون من ذواتهم مُغرضون، لا محالة!. لذا لا يُقبَلون!. أتبعُكَ حيث تمضي، قال له أحدهم؛ فأجابه يسوع: للثّعالب أوجرة، ولطيور السّماء أوكارٌ، أمّا ابن البشر فليس له مكان يسند إليه رأسَه!. جواب السّيِّد دلّ على قصد غير محمود لدى السّائل!. واقع المعلّم واقع فقر وتشرُّد!. بشريًّا، لا امتياز لديه يقدِّمه على أحد!. فقر إراديّ، في هذا الدّهر، وتشرُّد منذ المغارة والرّحيل إلى مصر حتّى الصّليب!. لذا مَن يبحث عن كسب لنفسه، ههنا، من جرّاء اتّباعه المعلّم، يخيب ظنّه لا محالة، لو عرف حقيقة السّيّد وشاء فعلاً أن يكون خادمًا له!. أمّا إن طلب أحد مجدًا باسم المعلّم، وسعى إلى كرامة من خدمته إيّاه، فإنّه يوجد مزوِّرًا للخدمة، مستغِلاً لها! هذا خادم كذوب!. يسود باسم الخدمة، ويغتني بادّعاء الفقر، ويطلب الكرامة حيث عبد يهوه مرذول!. كلام الرّسول بولس، في شأن ما يعرض لخادم مسيح الرّبّ، امتداد لما سبق للمعلّم أن أبداه وسلك فيه. هكذا خاطب أهل كورنثوس، في رسالته الأولى: “أنتم مكرَّمون وأمّا نحن فبلا كرامة. إلى هذه السّاعة نجوع ونعطش ونعرى ونُلكَم وليس لنا إقامة. نتعب عاملين بأيدينا… صرنا كأقذار العالم ووسخ كلّ شيء إلى الآن” (4: 10 – 13)!. على هذا، ثمّة خدّام يَدْعون أنفسهم إلى الخدمة أو يدعوهم النّاس، وثمّة خدّام يدعوهم المسيح!. بكلام آخر، يكون روح الرّبّ، للأخيرين، هو الرّوح الّذي يتحرّك فيهم، ويدفعهم إلى المسيح وإلى كنيسته، وإلى اقتبال الخدمة، بوعيٍ لطبيعتها وفرح بها، ولسان حالهم، عن حقّ، قول الرّسول المصطفى: لست أشاء أن أعرف شيئًا بينكم إلاّ يسوع المسيح وإيّاه مصلوبًا!. القول السّيِّديّ: اطلبوا من ربّ الحصاد أن يُرسل فعلة إلى كرمه، تأكيد أنّ مَن يصلحون للخدمة لا يأتون إلاّ من فوق!. هذا يفترض غيرة حقيقيّة عميقة على بيت الله، وإيمانًا أنّ ما هو من روح الله لا يصلح أن يُقام عليه إلاّ مَن هو من روح الله!. دائمًا ما أَقِفُني أمام الأسلوب الّذي اتّبعه الرّسل، في اختيار الرّسول الثّاني عشر، البديل عن يهوذا الإسخريوطيّ!. باستقامة كاملة وغيرة كلِّيّة، أقاموا اثنين، خيرَ مَن يَصلح للرّسوليّة في أعينهم، وصلّوا قائلين: أيّها الرّبّ العارف قلوبَ الجميع، عيِّن أنت مِن هذين الاثنين أيًّا اخترته… مهما بلغ الإنسان من سلامة النّيّة فإنّه يعتبر نفسه قاصرًا عن القطع في الشّأن الإلهيّ!. بالعكس، سلامة النّيّة تعلِّم الاتّضاع وتزكّي الشّعور بعدم الاستحقاق!. رجل الله يقارب الإلهيّات بخوف ورعدة!. وحده علاّم القلوب يحكم!. غيّ أنا في الفكر واللّسان فأعنّي! ووحده علاّم القلوب يختار ويعيِّن!. لا فقط يُلهم!. يعيِّن!. هو الآخذ المبادرة!. الكنيسة تقتبل!. لهذا استعان الرّسل بالقرعة أسلوبًا يتلقّون به كلمة الله الفصل!. كان يمكن أن يكون الأسلوب مختلفًا! القرعة، بمعنى، كانت كلمة الله! فقط لأن ّالرّسل تصرّفوا بنقاوة القلب، اقتبل السّيّد اللّغة الّتي شاؤوه أن يكلِّمهم بها!. فألقوا القرعة فوقعت القرعة على متيّاس. وحدها نيّة القلب كانت الضّمانة أنّ حصيلة القرعة كانت التّعبير الحسّيّ الأكيد عن مشيئة الله، لا الصّدفة!. إذًا، لا القرعة، في ذاتها، ولا أيّ أسلوب آخر كان علامة الثّقة أنّ الله تكلّم، بل سلامة النّيّة! وحدها سلامة النّيّة دفعت الرّسل إلى حسبان متّياس، دون أيّ تشكيك بأنّ الأمر من الله، مع الأحد عشر رسولاً!. لقد كان بإمكان الأحد عشر أن يكتفوا باختيار مَن يرونه مناسبًا دونما قرعة، سواء بالانتخاب أم باتِّفاق الأصوات، لكنّهم لم يفعلوا!. مَن كان أهلاً لمثل هذا الخيار، بين المؤمنين، أكثر من الرّسل؟! ومع ذلك، أو، بالأحرى، لأنهم كذلك، لم يعتبروا أنّ لهم حقّ القيام بمثل هذا العمل!. قد يتصوّر المرء أنّ لهم الأحقِّيّة في الخيار والتّعيين لأنّ المعلّم دخل عليهم، بعد قيامته، في العلّية، فنفخ فيهم وقال لهم: خذوا الرّوح القدس!. القرعة، أو ما يعادلها، والحال هذه، لا تعود لها أيّة قيمة! النّعمة الإلهيّة، لو صحّ مثل هذا التّصوّر، تتبنّى وتدعم، لأنّها تكون هي الّتي فعلت في الرّسل، وهذا يكفي!. غير أنّ تصرّف الرّسل لم يأتِ متّفقًا وهذا التّصوّر!. لا أهليّة الرّسل كانت كافية ولا خيار الله كان وقْفًا على أهليّة الرّسل!. الخيار حتّم أهليّة الرّسل واستقلال الله في تعيينه لاعتبارات تتخطّى تلك الأهليّة، في آن معًا!. لذا، استنتاجنا هو أنّ ما فعله الرّسل كان تأكيدًا وإرساءً لقاعدة اختيار خلفاء الرّسل وتعيينهم، أعني الأساقفة، في كنيسة المسيح، إلى جيل بعد جيل، حتّى لا يكون استئثار بما لله باسم الله وشرود!. طبعًا، يُطرح السّؤال: ما طبيعة الرّابط الّذي يربط أهليّة الرّسل باستقلال الله، في عملية الخيار والتّعيين هذه؟. أهليّة الرّسل تؤكّد حاجتهم، ومن ثمّ حاجةَ خلفائهم، بصورة أساسيّة، إلى أمرَين: نقاوة القلب والآمين!. بتنقية القلب نمسي مهيّأين لمعاينة الله ومعرفة مقاصده!. ولكن، هذا لا يعني أنّنا، بالتّنقية، نحوز المعاينة والمعرفة بصورة آلية!. الله كائن وليس كتلة صمّاء!. الآليّة هي لما هو أصمّ! فيما الله حيّ!. لذا، ولو عرفنا أنّ في النّقاوة استدعاءً، فالله يأتينا، أبدًا، جديدًا، على غير ما يمكن أن نتوقّع، لأنّ اللهَ أكبرُ من قلوبنا!. طبعًا، لا نقاوة من غير عون الله، أما في الاستدعاء فثقة بحلول ما يفوق التّصوّر وما هو فذّ، مهما كان اطّلاعنا على أخبار المستنيرين غنيًّا! في العلاقة بالله فرادة أبدًا!. التّلقائية، كما في حادث المرأة النّازفة الدّم، الّتي توقّف، للتّو، نزْفُ دمها، إثر ما لمست هَدب ثوب يسوع، إنّما هي مؤشّر للحضور الكامل لله، واستجابته للّذين يحبّونه، تلك الاستجابة الّتي قد تأتي للتوّ، كما قد تأتي بعد حين، في أوانها، تمامًا، في كلّ حال، وكما يشاؤها الرّبّ الإله، للمنفعة، أن تكون!. أنّى يكن الأمر، فوراء كشف الله ذاتَه مقاصدُ أبعد من أفهامنا!. هذا من جهة نقاوة القلب وما إليها. أمّا من جهة الآمين ففيها الثّقة بالله والتّسليم الكامل له، مطعَّمَين بسرّ الشّكر والدّهَشَ لتدبير الله، في كلّ حال!. ماذا يحدث إن اكتفى الرّسل بموقعهم كرسل، وأخذوا الخيار والتّعيين بأيديهم، واعتبروا ختمَ الله على ما يرتأونه تحصيل حاصل؟. عمليًّا، يكونون قد ألغوا الإزائيّة الكيانيّة المتواترة في العلاقة بالله، وجعلوا المبادرة رهنَ أيديهم، ولمّا تَعُدْ المبادرة لله؛ واعتبروا تصوّرهم لسير الأمور كافيًا لاستيعاب روح الله، وأنّ ما يفعلونه منه حتمًا، ما يفضي إلى حالة داخليّة روحيّة إيهاميّة تكرِّس، بالأحرى، تبعيّة الله لهم، في المبدأ، وعمليًّا إلغاء الله، إلاّ اسمًا، بديلاً عن كونهم في الله وله ومنه وإليه! حتّى لو كانت سيرة الرّسل بلا شائبة، في الظّاهر، وكان إحساسهم الرّضى عن أنفسهم، فموقفهم يصير ملتويًا لأنّ فيه، في العمق، تغييبًا فعليًّا لله!. الله كائن وليس قوّة!. تجربة الإنسان الكبرى أن يشيّء الله ويحوِّله إلى فكرة!. والمحصّلة تكون، في العمق، الاكتفاء بالذّات، معيارًا مغلَّفًا بشعارات إلهيّة من دون الله!. هذا يجعل موقف المقامين على الكنيسة، بعامّة، مفعمًا بتجارب ونزعات الصّراع والتّفلّت والانحلال!. المقام الرّسوليّ يصبح هو المحور الّذي يستمدد سلطته، في الوجدان، من فوق!. ما هو بشريّ يتّشح، في التّصوّر، بطابع إلهيّ لمجرّد تبوّء الواحد السّدّة الأسقفيّة!. التّركيز لا يعود على نقاوة القلب، والعبادة بالرّوح والحقّ (الآمين)، والخدمة، بل على تصدير الكلام، والطّقوس، والسّلطة!. المناخ الأسقفيّ، والحال هذه، يَفرغ، روحيًّا، من مضمون الحضرة الإلهيّة، والممارسة تتدهرن على حلّة كنسيّة خارجيّة!. هذا يمسي الميل، وهذه تصبح الحركة الكيانيّة في البيعة! وفي ذلك ضلال مبين!. ظاهريًّا، قد تبدو الكنيسة مصادَرة من أهواء القيِّمين عليها، هذا أقلّه في الأوقات العجاف!. لكنّها، في الحقيقة، لا تبقى من دون قَدَاسات!. تدبير الله يصون الكنيسة!. والأهواء يسمح ربُّك بها للتّأديب والغربلة، ولا تكون ضدّ الله بل لأجل الله بطرق هو يعرفها!. في كلّ حال شهود الله باقون، ولكنْ، هؤلاء، بصورة متنامية، في تاريخ الكنيسة، يمسون قلّة وشهداء ويشتدّ الخناق عليهم، ما يشير، من جهة، إلى استشراء روح الانحلال والشّكليّة والارتداد، ومن جهة أخرى، إلى عمل الله الثّابت والحافظ للكنيسة عبر شهود لمسيح الرّبّ ولو قلّة رغم كلّ الضّغوط!. على هذا، تستمرّ الكنيسة بالقطيع الصّغير، في ضيقات وشدائد، إلى المنتهى، بنعمة الله، فيما رقعة زيت الارتداد تتّسع في الجمهور الكبير، اتّساعًا مأسويًّا!. أنّى يكن الأمر، فالكنيسة العروس باقية، مهما اشتدّت التّجارب عليها، والنّعمة تزيد!. لكنّ الوجع الأكبر يصير أنّ الضّلال لا يعود مردّه أفكار غريبة تغزو أبناء الإيمان، بل أنّ الكنيسة المعيشة تتجوّف!. كلّ شيء يستمرّ كما هو، ولكن، بالأكثر، في الظّاهر، فقط!. فيما تمتلئ الأرض قبورًا مجصّصة، إلى أن يجيء الرّبّ يسوع في مجده!. الأرشمندريت توما (بيطار)، رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي، دوما – لبنان |
||||
17 - 06 - 2016, 05:46 PM | رقم المشاركة : ( 13082 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أحد المخلَّع
في إنجيل اليوم ، يكلِّمُ قائدُ المئةِ يسوعَ قائلاً: “إنّ فتاي ملقًى في البيت مخلَّعًا يُعذَّب بعذاب شديد”، وكأنّه لسان حال إنسانِنا المعاصِر الَّذي يشعر بأنَّه مترامي الأطراف، مخلَّعةٌ كلٌّ منها عن وحدتها. وتتمثَّل هذه العذاباتُ بشكل تجاذبات واضطرابات داخليَّة وخارجيَّة نشعرُ معها كأنَّها انفصامٌ بالشَّخصيَّة. تـــُرى ما سببُ تلك الإرهاصاتِ* بالنفس البشرية؟ وكيف؟ ومن يداويها؟ السَّبب الرَّئيسيّ لإحساسنا بتلك الغربةِ عن ذاتـِنا هو غيابُ مفهوم الغاية من حياتِنا، وبضياعه يختفي المركز. بحسب إيماننا “المركز والغاية” هما المسيح الَّذي هو البداية والنّهاية. حضورُه في حياتِنا بشكل فعليّ هو الكفيلُ بأن يُوَحِّدَ تلك التَّشعُّباتِ ويضمَّها إليه، حيث تصبحُ الرَّغبة ُوالشَّوق متناغمان مع الإرادة والتَّصميم فيفرزان عملًا وممارسةً وحياة. لقد أجاب يسوع: “أنا آتي وأشفيه”، إذًا هو مستعد دومًا للمجيء وليضع علينا عقاقيرَ الشّفاء. في حين يتطلّبُ هذا التّعافي إيمانًا، كمثلِ إيمانِ القائدِ الَّذي لا مثيلَ له! ولعلّ أكثر ما يؤلمنا، عندما نقومُ بكامِل إدراكِنا بأمورٍ تتنافى مع قِيَمِنا، ونضعُ مبرِّراتٍ تُخْمِدُ نارًا ، ويدوي صوتـُها في فكرنا، بدلًا من أن تشدِّدَ حرارتــُها عزيمتَنا للمضيّ بثبات في طريقٍ وعرٍ مُدركين بهاءَ نهايتِها. الشَّبابُ المعاصِرُ، يا أحبّة، يستطيبُ الأمورَ السّهلةِ والانغماسَ في المتعة. فها نحن مثلاً على أبوابِ فصلِ الصّيفِ، وما يحملـُه من تنوّعٍ في أشكالِ اللِّباسِ والنّشاطاتِ عند الشّبّانِ والشّابّاتِ، ويتناهى معها إلى مسامعِنا عباراتٌ أنّ المسيحيّةَ هي حرِّيَّةٌ وانفتاحٌ وإلخ… في حين سمعنا، ما ورد في الرّسالة من تأكيد، أنّه بالإيمان بالمسيح القائم من الموت، أصبحت أعضاؤنا للبرِّ والقداسةِ، وهذا بالتّالي يعني أنّ أجسادَنا هي مسكنُ القدّوسِ وليست ملكَنا. فإلى أيِّ حدٍّ علينا الانتباهُ عليها، والاعتناءُ بها! فنكسوها حشمةً خارجيةً، وبهذا نحمي العينَ الدّاخليّةَ من خطرِ العثرةِ. فمن يعثر، يعثر ليس فقط بنا بل بالمسيح أيضاً، فمن يقبل هذا؟ إنّ ما يحمله كلّ منّا في قلبه من إيمان هو بحاجة فقط إلى تفعيل، لأنّنا بتفعيله نتغيَّر ونرتقي من اضطراب في المعايير والمقاييس إلى اتّزان ورسوخ. وبذلك نسمع ما قاله السّيّد المسيح: “ليكن لك كما آمنت”. فلكي يعطينا اللهُ شهوةَ قلوبـِنا، جُلّ ما في الأمر أن نحسمَ أمرَنا ونأخذَ القرار. لأنّه بالإتّكال على الله وبالإرادة القويّة، تهدأ عواصِفُنا الدّاخليّة وننعَم ُ بالرّبيع والصّيف الإلهي، ويفوحُ عطرَ المسيح منّا ومن بيننا. وعليه، فإنّ نسيمَ الحقيقةِ الّتي شهدناها بجهادِنا، ويشهدُها العالمُ بشهادتِنا للحقِّ، من خلال أعمالنا، يدفعُنا أن نمجِّدَ أبانا الّذي في السَّماوات. * إرهاصات: تَوَقُّعَات، مَا يَقَع لِلنَّبِيّ قَبْل الْبَعْثَة وَيَكُون مِنْ مُقَدِّمَات النُّبُوَّة (marks, signs, indications). الأسقف قسطنطين (كيّال) |
||||
17 - 06 - 2016, 05:55 PM | رقم المشاركة : ( 13083 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
من وحي عيد الرسل
تقيم الكنيسة اليوم ذكرى لهامتي الرسل بطرس وبولس، وغدا في الثلاثين من حزيران تقيم ذكرى للرسل الاثني عشر جميعا. ما أود ان ألفتكم اليه هو ان الرسل، فيما كان السيد معهم، كانت مهمتهم ان يشفوا المرضى ويطّهروا البرص ويقيموا الموتى. وهبهم يسوع قوته هو في إعادة العالم الى العافية، عافية الجسد وعافية النفس. اما عافية النفس فبقيت مهمتهم الأولى من بعد القيامة، وقد أُعطيت للناس بالإنجيل. الإنجيل عافية النفس. من بعد العنصرة، وقد استمدوا فيها قوة من العلاء، أخذوا يبشّرون في بلدهم أولا، ثم انطلقوا الى العالم. وقد خصص البعض لبشارة اليهود وبعض آخر لبشارة الوثنيين. سِيَر الرسل تدل على انتشارهم في الكون حاملين الإنجيل والدعوة الجديدة ان “الله هكذا أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية” (يوحنا 3: 16). نعلم ان معظمهم مات استشهادا، وكلهم ماتوا بعد ان اعترفوا بالمخلّص ربّا فاديا، مصدر حياة لهم وللمؤمنين وللكل. تذكرون ان السيد أخذهم من حول بحيرة طبريا صيادين للسمك وجعلهم صيادين للناس. علّمهم بالقدوة وقد مارسوها طاعة وحبا طوال ثلاث سنوات، وهو معهم ينقح جهدهم ويوطد إيمانهم. كان ضعيفا في أعين الناس، وبقي ضعيفا الى عشية القيامة، ولكنه أحبّهم فصبر عليهم وفتح قلوبهم ليتقبلوا الروح القدس. ولما جاء الروح وطهّرهم فهموا الكلمات التي كان ينطق بها السيد، فأحبوه وأطاعوه حتى الموت. والفهم فيهم كان من الروح وما كان من العلم، كان من روح القداسة الذي جعله الابن الحبيب في نفوسهم. غير انهم، بعد ان أحبوا المسيح حيّا قائما من بين الأموات، فعالا في قلوبهم وفي قلوب أتباعهم، بعد أن أحسّوه كذلك، ترجموه أناجيل، وترجموه عملاً، وترجموه موت استشهاد. وارتضوا، كما قال بولس، ان يكونوا أقذارا في هذا العالم يحتقرهم الناس ويقمعهم الناس لأنهم جاؤوا برسالة حب، والناس لا يريدون الحب. الناس يريدون الموت وان يقتتلوا، وان يتسلطوا، وان يقمعوا، وان يشتهوا، وان يعبّوا من الدنيا، وان يستعبدوا لها ولسلاطينها. الرسل أتوا برسالة وداعة ولطف وعطاء وأخوّة عالمية لا تعرف الحدود. ما كان المسيحيون الأولون يقولون “أنت من حي وانا من حي”، و”أنت من ضيعة وانا من ضيعة”، و”انت ابن فلان وانا ابن فلان”. الأسماء والأُسَر والنفوذ والتحزبات كلها تفرّق الناس. كانوا اذا التقوا يقولون “يا إخوة” ويحسّون كذلك. وكان الناس يقولون عنهم: “انظروا كيف يحبون بعضهم بعضا”. وما كان أحد يقول عن ماله انه له، ولكن كان كل شيء بينهم مشتركا. لذلك كانوا يبيعون كل ما يملكونه ويطرحونه عند أقدام الرسل، والرسل كانوا يوزّعونه على المحتاجين في ما بينهم. وكان المحتاج سيد القوم، وكان الضعيف سيد القوم، وكان الأُمّيّ سيد القوم. القوة التي من العالم، قوة المال وقوة السلطة وقوة الشهوة، هذه كانت مطروحة تحت أقدامهم. كانت لهم قوة المحبة، وبها غلبوا العالم. لذلك عندما نقرأ في دستور الإيمان: “أومن بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية”، عندما نقول “رسولية”، فنحن ندل على شيئين: ندل على ان لنا إيمان الرسل حسب ما نقرأ في أعمال الرسل: “وكانوا يواظبون على تعليم الرسل”. هناك إيمان إنجيليّ صادق لا تحريف فيه ولا بدعة. هذا استلمناه ونحن عليه قائمون. اما المعنى الثاني لعبارة الكنيسة الرسولية، فهو ان لنا سلوكا رسوليا، اي اننا لسنا من الأمم الوثنية. وعندما نقول اننا مسيحيون، نحن لا نعني حزب المسيحيين، نحن نعني الذين أحبوا يسوع المسيح بسلوك طاهر ومحبة للكل، لأهل هذا الحي ولأهل ذاك الحي. فيما نقيم عيد هامتي الرسل، فلنشهد على اننا جماعة رسولية ليس لها على الناس حق إلا أن تحب. حقها ان تحب وواجبها ان تحب، أأحبّها الناس أَم لم يحبّوها. على هذا الإيمان وعلى هذه الشهادة نسير. جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان) |
||||
17 - 06 - 2016, 05:58 PM | رقم المشاركة : ( 13084 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الأَلَمُ والمَرَضُ
الألمُ نوعان، جسديٌّ ونفسيٌّ. وهناك رابِطٌ قويٌّ بين الإثنين. في اللغة اليونانيَّة يُقالُ له “pathos”، ومعناه الهوى أو الوجَع. هذا ما يظهر في الترتيلة الشَّائِعَة: “منذ شبابي آلامٌ كثيرةٌ تحارِبُني، لكن أنتَ يا مُخَلِّصي أُعْضُدْنِي وخَلِّصْنِي”. على كلِّ حالٍ، يبقى الألمُ صعباً، جسديّاً كان أم نفسيّاً. لذا، السَّعي والواجِب يكونان، دائماً، في أنَّه علينا أَنْ نُخَفِّفَ من آلامِ الآخَرِين. الحقيقةُ الثانية، هي أَنَّ اللهَ لا يُريدُ الألمَ للبشَرِ، وقد سَعَى هو نفسُه ليشفِيَ مرضَى متألِّـمِينَ كثيرين. مِثالاً على ذلك، تعليمُ الرَّبِّ في مَثَلِ السَّامري الشَّفُوق الَّذي صَبَّ زيتاً وخمراً على جراحِ مَنْ وقعَ في أيدي اللصوص. * * * مِنْ فوائِدِ الألمِ والمرضِ أَنَّنَا نشعرُ بضعفِنَا ونتواضَعُ طالِبينَ معونةَ الله. طبعاً، الآلام سيفٌ ذو حدَّيْنِ، فهي إمَّا أَنْ تقودَ إلى الفائِدَة: الصَّبر، التواضع…، وإمَّا أَنْ تقودَ إلى اليَأْسِ وحتَّى الكُفْر. عَظَمَةُ الإنسانِ المسيحيِّ تقومُ، ليس في أَنَّه يفتِّشُ عن بَلْسَمٍ فائِقِ الطَّبيعَة للتَّخَلُّصِ من المرضِ، إنَّمَا تَكْمُنُ عظمتُهُ في أَنَّهُ يعيشُ الألمَ بطريقةٍ فائِقَةِ الطَّبيعة. يقول الفيلسوف المسيحي Nicolas Berdiaev: “الألمُ خبرةٌ روحيَّةٌ يُنْظَرُ إليهِ تحت قانونِ النِّعمة لا تحت ما هو مسموحٌ وما هو ممنوع”. ربّما عن هذه الطريق نتذكَّرُ خطايانا، نعترفُ بها، نتوبُ عنها ونتذكَّرُ الموت. الإنسانُ أثناءَ ضعفهِ يختبِرُ قوَّةَ الله: “حينما أكونُ ضعيفًا فحينئذٍ أكونُ قويًّا” (2 كور 12: 10). يقول القدّيس اسحق السرياني: “الرَّبُّ قريبٌ من القلبِ المتالِّمِ الَّذي يطلبُهُ في المُصيبَة”. * * * فيما يختصُّ بمرافَقَةِ المريضِ المتألِّمِ، لا تُفيدُهُ كثرةُ الكلامِ الوَعْظِيّ. يُفيدُهُ الحضورُ والسَّماعُ أَوَّلاً، ترافقُهُما كلمات بسيطة معزِّيَة مع صلاة. الأَلَمُ يمكنُ أَنْ يصبحَ لقاءً مع المسيح. لا ننسى الآلامَ الطوعيَّةَ الَّتي كانت للمسيح وكيف علينا أن نتشبَّه بها. يذكرُ النَّبيُّ أشعيا في معرِضِ حديثِه عن العبدِ المتأَلِّـم: “بجراحِهِ شُفِينَا” (أشعيا 53: 5). كما يذكرُ في مكان آخَر الجملةَ المعروفَة: “مثلَ خروفٍ سيقَ إلى الذَّبْحِ، وكَحَمَلٍ بريءٍ من العَيْبِ أمامَ الَّذي يجُزُّهُ هكذا لا يفتَحُ فاه. بتواضُعِه ارتفَعَت حكومتُهُ، أمَّا جيلُه فمَنْ يصفُهُ. لأَنَّ حكومَتَهُ قد ارتفَعَتْ عن الأرض” (أشعيا 53: 7-8) الدَّواءُ النَّاجِعُ للأَلَـمِ هو أَنْ نَقْرَعَ على الصَّدرِ ونصرخَ: “يا يسوع!، يا ابنَ اللهِ ارحمني”. + أفرام مطران طرابلس والكورة وتوابعهما |
||||
17 - 06 - 2016, 05:59 PM | رقم المشاركة : ( 13085 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الشَّيْخُوخَةُ
“نعلمُ أنَّهُ إِنْ نُقِضَ بيتُ خيمتِنا الأرضيِّ فَلَنَا في السَّموات بناءٌ من الله بيتٌ غير مصنوع بيدٍ أبديّ” (2 كورنثوس 5: 1) هنا، تَراجُع قِوانا الجسديَّة يدعوهُ الرَّسولُ “بيت خيمتنا الأرضيّ” . الصَّبرُ بإيمانٍ على الشَّيخوخة، على الأوجاع الحاليَّة، يُنْشِئُ رجاءَ مجدٍ أبديٍّ لا يُقارَنُ مع الأَتعابِ الآنيَّة. (2كو 4: 17). علينا أن ننظرَ إلى الشَّيخوخة إيجابيًّا لا سلبيًّا: إِنَّها عمليَّةُ تَجَدُّدٍ داخِلِيٍّ لا تَأَخُّر. هذه مشيئةُ الله. يُرَتِّبُها اللهُ لكي تُساهِمَ في خلاصِ الإنسان. الإيمانُ يقلبُ مفهومَ الشَّيخوخة البشريِّ كما يقلبُ مفهومَ كلِّ جانِبٍ من حياتِنا الأرضيَّة هذه. علينا أَلاَّ نخافَ من الموتِ الجسدِيِّ بل من الخطيئة. لذا، نُداوِمُ في صلاتِنا على القول: “أَنْ نُتَمِّمَ بقيَّةَ زمانِ حياتِنا بسلامٍ وتوبة”. الشَّيخوخةُ مرحلةٌ للنُّمُوِّ، للتَّقَدُّمِ: “إنْ كانَ إنسانَنا الخارجيّ يفنَى فالداخِلُ يتجدَّدَ يومًا فيومًا” (4: 16). “تدهنني في شيخوختي بالدَّهْنِ الشَّهِيِّ… الصِّدِّيقُون في بيت الرَّبِّ وفي ساحات إِلهِنَا يُزْهِرُونَ وفي شيخوختِهِم يُشْرِقُون” (مزمور 91: 12-14). يقول القدّيس يوحنَّا الذَّهبيِّ الفم: إِبْتَهِجْ واقْفِزْ من الفرح إِنْ ظَهَرَتْ لكَ شعرةٌ رماديَّة جديدة، شعرةُ الـمَشِيب. ويقول القدّيس كوزما الإيتولي: “مِنَ الطَّبيعِيِّ للشَّيخ أَنْ يَقْتَنِي لِحْيَةً بيضاء. عندما تنمو السَّنابِلُ وتصبحُ بيضاءَ ماذا يعني ذلك سوى الحصاد”. * * * أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، مُرافَقَةُ الـمُسِنِّينَ لها أَجْرٌ كبيرٌ عند الرَّبَّ. لِيَكُنْ عندكم مثل هذه النَّظرة الإيمانيَّة الإيجابيَّة. إِجتهِدُوا أَنْ تَبُثُّوها في فكر الشُّيوخ لدى عِنَايَتِكُم بهم بالصَّبر والمحبَّة، لأنَّ “المحبَّة أقوى من الموت”. آخِرَةُ الإنسانِ على هذه الأرض هي أيضًا، وخصوصًا، وقتٌ للإعتراف والتَّوبة حتَّى يُفارِقَ هذه الحياةَ بنقاوةِ القلبِ مُعَايِنًا نورَ ملكوتِ الله. إِنَّها الجِهَادُ الأَخيرُ الَّذي يواجِهُهُ الإنسانُ، كما يقول لنا بعض الآباء. إِجتهِدُوا في صلاتِكُم أَنْ تربَحُوا المعركةَ راجينَ أَنْ تَنْقُلَكُمُ الملائكةُ الأوفياءُ إلى راحةِ ربِّكُم الأبديَّة. + أفرام مطران طرابلس والكورة وتوابعهما |
||||
17 - 06 - 2016, 06:00 PM | رقم المشاركة : ( 13086 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
العطاء الإلهي
ماذا أراد داود النبي بقوله: “كل إنسان كاذبٌ، بماذا أكافئ الرب عن كل ما أعطاني”؟ هل أراد ان الإنسان لا يستطيع ان يعطي الإنسان اذ ليس عنده شيء ومع ذلك يعطي إذا اخذ من الله ووزع فيكون الله هو المعطي وحده؟ هل يجب ان تلغي من ذهنك او من قلبك من أعطاك لتعترف ان الرب معطيك وحده، أَم لك أن ترى أن الإنسان فقير وأنه معطيك مما أَخذ من فوق. في احتسابي أن قمّة غناك أن ترى نفسك فقيرا الى كل إنسان حتى ترى نفسك فقيرا الى الله. الله جعلَنا موزّعيه اي موزّعي نعمته لأننا جميعا فقراء، وإن لم نتملكه لا نستطيع عطاء. لقد أراد الله نفسه مترجما بالحب. جعل ذاته وسط التعاطي البشري لنعرفه. “الله لم يره أحدٌ قط. الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبّر”. هذا في مطلق التاريخ، ولكن هذا في حقيقة كل زمن نحن فيه. في عطاء نفسك تعطي الله، فما هي نفسك سوى فتات يُترجمه؟ إن أدركت أنت أنك لست بشيء يكون الله فيك فتعطيه. الفقير وحده يأخذ. “بماذا أُكافئُ الرب عن كل ما أَعطاني”؟ صعوبـة السـؤال في هذا أنك لا تستطيـع أن تكافـئ الرب الا بما أعطاك، اي أن تردّ له نفسَهُ. عندما يقول اللاهوتيون عندنا ان الخلاص مشاركة الله وإرادتنا، طبعا لا يريدون أن الله وإرادتنا على مستوى واحد من الوجود او من الفعالية. هناك بينهما التقاء لا نعرف كيف يحصل لأنك إن أَحببتَ الله فهذا منه. انا لست أُنكر الإرادة البشرية اي لا أُلغي الإنسان بمعنى أني أُثبت وجهه امام وجه الله لأعترف له بذات، ولكني أؤكد بالقوّة نفسها انه آخذ هذه الذات بالنعمة. في الشدة لا تستطيع أن تقول إلا هذا: كل شيء نعمة. ربما لا يحس كل إنسان أنه في الجُبّ وأن يدًا يجب أن تنزل لانتشاله. ربما الخاطئون وحدهم يفهمون ما يقولون إذا قالوا ان كل شيء نعمة. لا يستطيع الخاطئ أن يقول انه قام لأنه قرر القيامة. يجب ان يقيمك آخر، وعندنا انه هو الله. في البكاء تقول هذا، وبلا بكاء لا تستطيع ان تكتب لاهوتًا. العقل، معزولا عن الألم او التوبة، لا يأتي بما هو عميق. عندما يقول اللاهوت التراثيّ ان الخلاص مشاركة بين الله والانسان، لا يجعل الانسان وربّه على مستوى واحد اذ الإنسان لا يُخلّص الإنسان، هو يقبل الخلاص. وسرّ القبول من سرّ النعمة. القبول عطاء إلهيّ، وإذا قلنا ان الخلاص إلهيّ وإنسانيّ معا لا نعني هنا مناصفة تكون فيها المشاركة الانسانية بشرية فقط لا نعمة فيها. المشاركة بين الله والانسان ليست مُحاصصة. ما من عمل انسانيّ خلاصيّ المضمون بلا انعطاف إلهي. فإذا كافأت الله عن كل ما أعطاك، فهذا عمل منه ايضا. أنت لا تعطي إلا ما أَخذته من الله. انا لا أُحب كثيرًا التأكيد التقليديّ أن الله والانسان مشتركان أوّلهما بالنعمة وثانيهما بالجهد لأن الجهد نفسه ثمرة النعمة. لا خطر على الانسان إذا حجب نفسه قليلا فانكشفت له النعمة. اللاهوت الشرقيّ ليس عنده مشكلة في هذا لأنه يجمع دائما بين عطاء الرب ومجاهدة الانسان. اللاهوت الشرقيّ لم يجابه قط مشكلة المشاركة بين الله والانسان. هذا هو سر الله الذي نعيشه بالطاعة وهو مؤكّد بالوحي. “بماذا أُكافئُ الرب عن كل ما أَعطاني” لا تعني أن عندي شيئا ليس من الرب أُكافئه به. كل ما عندي هو منه. ولكنه هو ردّ الحب لي. إنك لا تعطي الله الا ما وهبـك. “التي لك مما لك نُقـدّمهـا لك”. هل جئـت من عندياتك بما رددت لله؟ ليس عندك الا ما وهبك ربك. وسرّ طاعتك داخل في سرّ حبّه. في الحقيقة إنك لا تكافئ الرب. هو يستردّ لنفسه ما أعطاك فإنه “الألف والياء، البداية والنهاية”. انت إذا أَعطيت تبقى عطية الله ولا تنفد ولكنك تُرجع الى الله ما حصلته انت بنعمته. جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان) |
||||
17 - 06 - 2016, 06:02 PM | رقم المشاركة : ( 13087 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أنت والله حكاية صراع!.
عندك تاريخ يحكي عمل الإنسان في أزمنة النّاس يؤول إلى تباب، وعندك تاريخ يحكي عمل الله في البشريّة يؤول إلى الأبديّة. طبعًا، هذان يتداخلان ولا ينفصلان، أحدهما عن الآخر، فقط يتمايزان. الأوّل تاريخ أحداث وتيّارات، والثّاني تاريخ خلاص. ذاك يتشكّل من نفوس تتفاعل وتتصارع ويطيح بعضها بعضًا، وهذا يتأتّى من روح الله يخمِّر وجدان الإنسان عبر تلك الأحداث والتّيّارات ليقيمه، منذ الآن، في اليوم الأخير!. ما يأتيه الإنسان، مهما كان، يصدر من قلبه، نورًا أو عتمة، حقًّا أو ظلمًا، ودادًا أو عشق ذات، أفعالاً أو ردود أفعال؛ وما يأتيه الضّابطُ الكلّ، أنّى كان واقع الإنسان، تحويليّ الطّابع؛ ما تلطّخ ينقّيه، وما خبث يجعله للمنفعة، كما تُحوَّل النّجاسات أسمدة. لا فضل للنّجاسات بل لِمُسْمِدِها!. ربّك يؤدِّب النّاس بالنّاس، ويهذِّب النّفوس بالألم والمعاناة. إذا كنت من العارفين قلت مع الرّسول بولس إنّه جهَّل حكمة هذا العالم وجعل ما للعثرة والجهالة، في حسبان العالم، حكمة وحمّالة لحكمة الله!. لو حاولتَ، بشريًّا، أن تجد معنى لما يجري، أو أن تستخلص منه قيمة، لعجزتَ. ما يطالعك عبثيّ!. ثمّة ميل عند العديد من الدّارسين إلى الظّنّ أنّ الأجناس الذّكيّة من الخليقة مهدَّدة، لذكائها، بأن تصل إلى حدّ تدمِّر فيه ذاتها بذاتها!. فلا غرو إن هتف كاتب سِفر الجامعة في شأن الأرض، والإنسانُ في وسطها: باطل الأباطيل، كلّ ما تحت الشّمس باطل!. المعنى، في الحقيقة، كامن في تدبير مَن هو ضابطٌ، بيده، كلَّ شيء: ربّك!. طبعًا، كما لا يمكنك أن تفهم كيف أنّ الخليقة خرجت من العدم، لا يمكنك أن تفهم كيف يُخرج ربُّك روائع ممّا يطالعك، في عالمك، كأنّه سِقْط!. عمل ربّك الخلاّق، أبدًا، ليس لك برسم الفَهْم بل برسم الاقتبال!. أنت لم تولد من فهم!. ولادتُك كانت من دونك!. قدرتك على الفهم حُبِيتَ بها ليكون لك أن تستمرّ في الحياة على الأرض، بمعالجة ما هو قابل للمعالجة ليصير لك خبزًا لنفسك وجسدك، ولكن ليس من دون نعمة ربّك؛ ونعمتُه محبّتُه، ومحبّته إيّاك، لأنّك قلب!. لذا المعرفة الحقّ لا تأتيك فهمًا بل ودادٌ وخبرةُ وداد!. الحكاية أنّ حياتك ليست منك، تعطاها عن محبّة!. ليست غاشمة!. تردّك دائمًا إلى معطيها، ومعطيها ليس بشرًا!. البشر يمرِّرونها!. معطيها ربُّك، من وعي لأنّه كائن، ومن محبّة لأنّه محبّة!. من هنا كون الإنسان قلبًا من قلب، على الصّورة والمثال!. أمّا أنت في ذاتك فحياتك من عدم!. هي لك ما دام ربّك إليك وأنت إليه!. هكذا كان آدم وحوّاء في الفردوس!. في ذاتهما عدميّان، لكن وهج وجه ربّهما انبثّ فيهما دفءَ حياة، طالما أطاعا!. الطّاعة من المحبّة!. تبدأ خوفًا وتكمل بديهةً!. ومتى صارت بديهةً زال الخوف!. المحبّة تطّرح الخوف إلى خارج!. من ذا تأتي المعرفة الحقّ!. ومن ذا يأتي المعنى، وكلّ ما عداه عبث!. بعدما خطئ الإنسان، أي بعدما انفكّ رباط علاقته بالله، ارتدّ إلى شبه العدم!. ما عَدِم الوجود!. استمرّ موجودًا، ولكنْ، صار وجودُه عدميًّا!. الوجود العدميّ مستجِدّ في تاريخ البشريّة!. لا هو وجودٌ في الملء، ولا هو عدمٌ بالكلّيّة؛ أي لا وجود!. هذا كان من تدبير ربّك، لا من حتميّة طبيعة الإنسان كمخلوق!. لو كان من الحتميّة لزال!. وهذه حكمة العليّ!. قصْد ربّك الإتيان بالإنسان إلى ما هو أفضل!. والتّدبير هو إلقاء الإنسان في وجود يذوق فيه، بمعنًى، طعم العدم حتّى لا ينسى أصله وأنّه كائن في إلهه وحده!. إلى هذا النّوع من الوجود التّناقضيّ الانتفائيّ – الوجود واللاّوجود معًا – ينتمي الألم والموت المتأتّيان من خطيئة الإنسان!. وطالما في الأمر تدبير إلهيّ؛ فنعمة الله تعمل على نحو ما!. وحيث تعمل نعمة ربّك تتحقّق مقاصده، لا محالة، لأنّ كلمته لا تعود إليه فارغة!. لذا، الألم والموت كانا أجرة الخطيئة، ولكن، من اختراع النّعمة، في آن معًا!. من محبّة الله بمعنى!. فلأنّ الإنسان لم يشأ أن يبقى عشير الله، بالطّاعة، استحسن الله أن يأتي بالإنسان إلى الطّاعة، ومن ثمّ إلى المحبّة، بالإيمان، أي بالثّقة والتّسليم، المتأتِّيَين، من شعوره العميق بالحاجة إلى سند لأنّه مسمَّر على الألم والموت، ومن رحمة الله، في آن معًا!. شعور الإنسان بالضّعف والعجز، في الحال الّتي آلَ إليها، بعد السّقوط، بات ضرورة، لا بل حاجة روحيّة أحشائيّة، وإلاّ لا يرجع ولا يخلص!. ليس في الأمر اقتصاص بل علاج!. ضعف الإنسان بالألم والموت، وعجزُه بإزائهما، خبرهما الرّبّ يسوع، في هذا السّياق، دون الخطيئة، وكرّسهما للبَرَكة والتّنقية والتّقديس بجسده!. لذا مَن تألّم للبرّ أو مَن اتّخذ الألم مجالاً للبرّ، أي، عمليًّا، مَن ارتضى الموت، طوعًا من أجل الملكوت، قَبْل موت الجسد، فإنّه في الغبطة يقيم!. بكلام سِفر الرّؤيا: طوبى للأموات الّذين يموتون في الرّبّ منذ الآن… لكي يستريحوا من أتعابهم!. كلّ الحكاية تحكيها صليبًا وقيامة!. لا عقل يدرك ما بينهما!. كيف تجمع الضّدّ إلى ضدِّه؟ أنّى لك أن تموت لتُحيا؟!. إفراغ الذّات كيف يصير شرطًا لامتلائها؟!. أن تفتقر لتصير غنيًّا، أن تتخلّى عن “أناك” لتقتنيها، أن تضع ذاتك لترتفع!. ليست هذه لغة المنطق، ولا هذا نسق التّحليل والتّركيب، ولا هكذا يتكلّم مَن يحصرون أنفسهم في هذا الدّهر!. الذّئب هنا يفترس الخروف، فكيف للخروف أن تكون له الغلبة؟!. ولكن الجالس على العرش حَمَلٌ ذبيح!. “الشّداي”، أي القويّ، ارتضى أن يتجلّى لا صورة له ولا جمال!. لا بدّ، والحال هذه، من أن تجدك على صعيدين في آن معًا، متى نقصتَ في الواحد منظورًا زدتَ في الآخر غير منظور؛ تهان في الأوّل وتُكرم في الثّاني؛ تنشدّ، هنا، إلى تحت فتأتيك المحصَّلةُ انشدادًا إلى فوق!. ما تلتقيه العين جرحًا يلقاه القلب برءًا!. ما يقع عليك ظلمًا يبرِّرك، وما يلقيك في الشّقاء تلقاه سؤددًا!. أنت، يا صاح، في غمرة العشق!. هذه لغة المحبوبيّة!. صليب المحبّة هنا بديهة وإلاّ لا تُحِب!. فإن اقتبلتَ الصّليب، تعبًا وبذلاً وتضحية ودمًا من أجل الحبيب، لم تمت، محبّتك إيّاه تقيمك إليه، تتحدك به، تجعلك منه، تُدخلك أبديّته، تشركك في حياته!. أما علمت أنّ المسيح قام في اللّحم والدّم ليكون لك، إذا ما اغترفتَه عشقًا، قيامةً في لحمك ودمك؟!. منذ أن سقط آدم وحوّاء، قال ربّك لحوّاء: بالوجع تلدين أولادًا؛ ولآدم: بالتّعب تأكل من الأرض كلّ أيّام حياتك!. لا باليسر ولا بالرّاحة!. أتظنّ قولة ربّك لعنة؟ بلى ولكن، لأجل المفارقة، للبَرَكة!. ما لُعنت الأرض إلاّ لتكون لك فرصةٌ أن تحيا!. اللّعنة، أنت أدخلتَها إلى حياتك بالخطيئة، فحتّى لا تفنى، لعن العليّ الأرض، أي جعلها على شاكلتك، تعاني وتنحلّ نظيرك ليكون لك مكان تقيم فيه!. بسببك ملعونة الأرض، حتّى كلّما خلدت إليها، كعشيرة ومشيرة، وطالعتَ أوجاعها، فطنتَ، كما في مرآة، إلى ما اقترفته يداك، فنهدتَ إلى توبة نصوح، تستعيدك والأرضَ إلى حضن ربّك!. فإن مججت التّعب وطلبت الرّاحة في الأرض رسختِ اللّعنةُ، بالأكثر، في روحك، وألقتك في أتعاب لا قرار لها!. لا تطلب اليسر لأنّ الحياة على الأرض، انتظمت، عند ربّك، عُسرًا!. اليُسرُ، هنا، إن سعيت في إثره، حتّم عليك مسير النّفاق!. كلّ سعي إلى الغنى والامتلاء والرّاحة والرّغد، ملطّخ بالمآثم؛ لا يعطيك سلامًا بل قلق، ولا يشبعك بل يجيعك، ولا يخفّف عنك بل يضنيك؛ يزيدك همًّا، يفرغك، يُشْقيك!. لذا تاريخ البشريّة، في تدبير ربّك، محكوم، بالأكثر، بالإحباط والفشل والشّقاء ولكنْ لخير الإنسان(!.) ولو لم يدرِ، مهما سعى القوم إلى إيهام أنفسهم بأنّه تاريخ بطولات وإنجازات وجمالات!. هذا إنْ هو سوى غرور الخطيئة!. تاريخ شعب الله أكثرُه شقاء وقهر وظلم!. تعزياته قلّة!. وكذا تاريخ كلّ نفس!. لا يناسبه غير التّعب!. ما يُتعب الجسد يريح النّفس، وما يريح الجسد يُتعب النّفس!. القصد، أوّلاً وأخيرًا، أن يكون القلب إلى القلب، أنا إليك وأنت إليّ وكِلانا، في ربّك، إليه!. هذا معيار النّجاح ولو افتقرتَ واحتُقرت وشُرِّدت في الأرض وظُلمت وعُرِّيت وأُلقيتَ في جبّ النّسيان، في ذاكرة العالمين!. ربّك يُحدِّث عنك في أوان موافق!. وإذ تكون العينُ على تاريخ الخلاص، نجدنا في الرّضاء، ونَقبل كلّ ما يأتي علينا!. ضَعفنا في قوّة الله يُكمل، وفقرنا في غناه!. المهمّ أن ينجح هو فينا من أجلنا!. إذ ذاك نلقانا، إذ ذاك يكون لنا خلاص، إذ ذاك نحكي الأبديّة!. الأرشمندريت توما (بيطار)، رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسيّ، دوما – لبنان |
||||
17 - 06 - 2016, 06:09 PM | رقم المشاركة : ( 13088 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مِن العظة على الجبل
هذه العظة (متى 5 و6 و7) هي الشرعة الأخلاقية في الإنجيل. في هذا المقطع يقول “سراجُ الجسد العين”. ويريد أنك إن كنت شفّافًا ونظرتك الى الناس مُحبة (يسمّيها بسيطة) اي نظرة بلا تعقيد ولا بُغض ولا استعلاء، فكيانك كله طيّب. وينتقل بعد هذا الى الى عبادة المال إذ يقول “لا تقدرون أن تعبدوا الله والمال”. المال عبدُك باستعمال للخير. لا تجعل نفسك عبدًا له. لا تسعَ فقط الى المال. طوّعه بعطائه للفقراء. اجعله مُلكًا لهم. شاركهم فيه. أنتَ لستَ صاحبه. أنتَ مؤتَمن عليه. أَعطه لمن احتاج اليه. ثم يفسّر او يفصّل ويقول: “لا تهتمّوا لأنفسكم بما تأكلون وبما تشربون، ولا تهتموا بما تلبسون”. الكلمة الأساسية هي الهمّ. هو ما قال: لا تأكلوا ولا تلبسوا. هو أراد أنكم لا يجوز لكم أن تعملوا هذا شغلكم الشاغل. لا يمكن أن تصير المادّة مركز قلوبكم ومضمون حياتكم. أوضح هذا هكذا إذ قال بعد بضعة أسطر: “لمـاذا تهتمّـون باللبـاس؟”. ثـم يردف الى هذا قولـه: “فلا تهتمّوا قائلين ماذا نأكل او ماذا نشرب او ماذا نلبس”. ويوضح ان “هذا كله تطلبه الأُمم” اي الذين هم خارج شعب الله. عندما يقول بولس “حُبّ المال أصل كل الشرور” يريد أيضًا أن عشق الطعام والشراب والملبس والبيوت والسيارات وكل ما يملكه الانسان أصل كل الشرور. ليس من عشق لكل ما هو مادّي لأن هذا يكبّلك ويستعبدك. خلقك الله حُرّا، وبتحرّرك من كل ما هو محسوس تستطيع أن تحبه. على هذه الصورة أمكن القول إن كنتَ ملتصقًا بـزوجتـك وأولادك وأنسبـائـك وأصدقـائـك حتى الاستعـباد لهم لا تستـطـيـع أن تكـون عـابدا لله. لك حـريـة لـتعـبـد الله وحده بها، تـأتمر بأوامره، فتحبّ ما يحبّ وتكره الأعمال والأفكـار التي هو يكـرهها. هـو ما أعطـاك الحرية لتقوم بما تشاء. إنه أعطاك فـقـط حـريـة عـبـادتـه والالتصاق بها وكأنك هنا على الأرض في السماء منذ الآن. أنتَ إنسان سماويّ او صرتَ سماويا بيسوع المسيح. تأكل ما يقيتك لا أكثر. الطعام ليس للّذة ولكنه لغـذائك ونمـوّك. كذلك الشـراب. تلـبس ما هو مألوف لتدفع عنك البرد والحرارة بلا إفـراط في التجميل. ليس جمال اللباس والمسكن محرّمًا عليك، ولكنـك في كل هذا اعتَدل حتى لا تسكر بالجمال فتحيد عن جمال الله. لا تفتخـر بأي شيء. فقط افـتخـر بالمواهب التي وضعها الله في عقلك وفي قلبك، ولا تنسب الى فضلك أنت أيّة موهبة. سلّمك اللهُ مواهبك لتستثمرها لمجده. تعـرف كلمـة الملائكة في ميلاد السيد: “المجد لله في العُلى”. فإذا نَسبتَ شيئًا لحسناتـك فهذا كبـرياء. ليس عنـدك شيء صالح إلا لكونك ورثته من ربك بعطـف المسيح عليك وبقوة الروح القدس. وإذا أفـاد النـاس مـن مواهبـك فلا تقبل منهم مديحًا، ولكن وجّههم الى أن هذا عطيّة الله. كل شيء من الله وإليه. وكلنا، مجتمعين بالمحبة، له. اشكر الرب دائمًا على عطاياه، واجعـل النـاس شـاكـريـن لله اذا ورثوا منه شيئًا. نحن جماعة واحدة في الكنيسة ثروتنا الله. الذي يلبس شيئـا جميلا كالذي يلـبس ثيـابـًا رثّة. من أكل قليلا وصام أفضل من الانسان الشره. مَن فرح عندما يقبض مالاً فلكونه واسطة ليوزّعه. أنتَ إنسان المحبة كما أن الله محبة. انظر دائمًا الى الأخيار والأشرار بعين المحبة والغفران والحنان، وهكذا تصبح إنسان العهد الجديد. جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان) |
||||
17 - 06 - 2016, 06:10 PM | رقم المشاركة : ( 13089 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الصَّلاة
الصَّلاة عِشْرَةُ الإنسان مع الله. حسب القول الشائع: “قُلْ لي من تُعاشِر أَقُلْ لكَ من أنت”. بناء عليه، الصَّلاة تُتْحِدُ الإنسانَ مع الله ومع الآخَرين. هي مرآةٌ للإنسان، إيضاح ٌ لحالِه. الإنسانُ الَّذي يصلّي حقيقةً يقفُ أمام الله كما في يوم الدينونة، يستَبِقُ يومَ الحساب. الصَّلاةُ إلى يسوع تصرخُ إلينا قائلة: “تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم. احملوا نيري عليكم (…) فتجدوا راحة لنفوسكم، لأن نيري هيّن وحملي خفيف”. (مت 11: 28 – 30) نعم!، نيرُ الصَّلاةِ صعبٌ في البداية. لذلك، عندما يقتربُ الإنسانُ من الله، عليه أن يَغْصِبَ نفسَه للصَّلاة، حتَّى ولو كان قلبه لا يريد ذلك. عندما يرى اللهُ اجتهادَه وغصبَ ارادتِه، عندها سوف يعطيه الصَّلاة النَّقيَّة. هذا ما يقوله القدّيس مكاريوس المصريّ في مواعظه الشَّهيرة، ويضيف: “عليه (أي على الإنسان) أن يغصِبَ نفسَه لكي يحبَّ دون أن يكون له رغبةٌ في ذلك، عليه أن يغصبَ نفسَه لعملِ الخير… عندما يرى اللهُ جهدَه سوف يعطيه المحبّة الحقيقيَّة، اللطف، الوداعة، كلّ خير. بكلمة واحدة سوف يمنحه عطايا الرُّوح القدس كلّها”. * * * الصَّلاة الحارَّة تدفعُ الإنسان المُصَلِّي إلى خدمةِ الآخَرِين. أُنظُرُوا إلى الملائكة الَّذين يُصَلُّون بلا فتور، كيف أنَّهم، كما يقول الكتاب، مُرْسَلُونَ لخدمة الَّذين يَرِثُونَ الخلاص (عبرانيين 1: 14). بالصَّلاة يُصبِحُ الفردُ (individu) شريكًا مع الله، شريكًا مع الآخَرين(*). يَخرجُ من ذاته، من وحدته، من ضجره، من عدميَّته. يكتسب هدوءًا وسلامًا في نفسه، في أفكاره، يكتسبُ تمييزًا (discernement) ويَقَظَةً (vigilance). الصَّلاة تدفعنا إلى مشاركة آلامِ الآخَرين، وكذلك أفراحهم. هذا ما نسمّيه جامعيَّة الصَّلاة. الحديثُ طويلٌ عنها وعن فاعليَّتِها. كلُّ ذلك في مرحلةِ الحياة العمليَّة. أمّا الصَّلاةُ الحقيقيَّة، أي النَّقيَّة، فهي تقودُنا إلى الرؤيا ، وهي كمالُ نعمةِ الله، هذا مع استِنَارَةِ العقل. يصبح فكرُنا فكرَ المسيح (1 كو 2: 15، (théoria)فيلبي 2: 5). كلُّ ذلك ليس نتاجًا فكريًّا فحسب، ولا أسلوبًا تَقَوِيًّا فقط، بل نتيجةُ خبرة معيوشة في قلوبٍ مُطَهَّرَةٍ من الأهواء، حقيقةٌ تُدرَكُ من خلال قوى الله غير المخلوقة (énergies non créées) * * * إِنْ توقَّفَتِ الصَّلاةُ عن الشِّفاهِ البشريَّة، تأتي نهايةُ الحياة الأرضيّة باستفحال الشرّ. لأنَّه، عندئذ، “لا يكون زمانٌ بعد” (رؤيا 10: 6). الصَّلاةُ، في النِّهاية، تعبيرٌ عن شوقِنا إلى الله وإلى القريب، محبّةِ الله ومحبّةِ الآخَرين. هي صعبةٌ لأنَّها مجَّانيَّةٌ لا تبغي كَسْبًا مادِّيًّا.هي طريقةُ تواصُلٍ (moyen de communication)، إتِّصالٍ سريع أكثر من سرعة الضوء، أفضل من كلّ وسائل الإتِّصالات الحديثة: Facebook،Skipe ،.Satellite فيها سماعٌ وفيها رؤيا. كلّ ذلك لإعادة السَّلام إلى عالم يتجاذَب ويتخاصَم. لذا، يطلبُ الكثيرون من الآباء أن يصلّوا من أجلهم. بمقدور الصَّلاة أن تجمَعَ المُتَفَرِّقين إلى واحد. أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما |
||||
17 - 06 - 2016, 06:12 PM | رقم المشاركة : ( 13090 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سرّ الحرب الروحيّة
“يا بَني البشر حتّى متى أنتم ثقيلو القلوب؟ لماذا تحبّون الباطل وتبتغون الكذب؟” بهذه الكلمات الحارّة يستنهض داؤود النبيّ نفوسنا! إنّها كلماتٌ تتعرّض تماماً إلى حقيقة الإنسان، الذي يرى نفسه يوماً يحبّ الباطل فيسقط ويوماً يحبّ الحقّ فينهض. ما هذا السرّ الإنسانيّ، هناك مَيلان، الأوّل نحو الباطل والثاني نحو الحقّ؟ مرّات يثقل قلب الإنسان فيبتغي الكذب، ومرّات تُنهض قلبه قوّة غريبة “فيذبح ذبيحة الصّدق”! هناك عوالم ثلاثة: الله، الإنسان، والعالم الماديّ. الله روح مجرّد عن المادّة، والعالم الماديّ مجرّد عمّا هو روحيّ، والإنسان كائن حدوديّ يشترك في العالمَين. يستطيع الإنسان وهو مادّة –خليقة أن يناجي الخالق وأن يتّصل بالله، وهذه فرادته الحقيقيّة عن عناصر الكون والعالم الماديّ الأخرى كلّها. وحقيقةً، إنّ الإنسان في حوار دائم مع هاتَين الجهتَين: الله والعالم الماديّ؛ وكلُّ طرف يشدّه إليه. الإنسان كائن تشدّه الرغبات، فتارّةً تشدّه رغباته إلى الله وتارّةً إلى الدنيا. لا يمكن للإنسان أن يبقى على الحدود. إنّ حياته تتميّز بالديناميكيّة. الإنسان كائن الرغبات. والرغبة دائماً عكس الستاتيكيّة. الرغبة تسحب إلى خارج الواقع الحاليّ، إنّها جاذبيّة. لذلك الإنسان متبدّل وليس جامداً، وليست مواقفه ثابتةً دوماً. يحمل الإنسان إذن في طبيعته قدرة الاتّصال بالله وكذلك بعناصر الدنيا الماديّة. فحين يميل إلى الطرف الأول يتطاير في العشق الإلهيّ، فيصير مثل الله بالنعمة وليس بالطبيعة؛ وعندما يميل إلى الطرف الثاني يفقد روحانيّته ويصير أقرب إلى المادّة لا حياة فيه، كذلك بالحالة وليس بالطبيعة. يمكن للإنسان أن يصير روحانيّاً أو ماديّاً بقدر ما يميل إلى الله أو المادّة، يمكنه بطبيعته أن يسلك في أحد الاتجاهَين. هذا التحوّل نحو الروح أو نحو المادّة ليس طبيعيّاً ولا عفويّاً ولا أوتوماتيكيّاً ولا بالصدفة! يقدر الإنسان على ما هو روحيّ كما يقدر على ما هو ماديّ، هذا في طبيعة الإنسان نعم، لكن أن يلتفت إلى ما هو روحيّ ويطلبه أو إلى ما هو ماديّ ويشتهيه ويجذبه، هذا في إرادته. إذ تلعب حريّة الإنسان الدورَ الأساسيّ في اختيار أحد الاتجاهَين وتقبّل جاذبيّة أحد الطرفَين، الروحيّ أو الماديّ. نعم للعالم جاذبيّة متأصّلة في حاجات الحياة وطبيعة الإنسان، وهذه حقيقة أوجدها الله فيه كيما يميل إلى استخدام العالم والعناية به؛ وهذا هو دافع كلّ تطوّر وتحسين ومسؤوليّة ورغبة في احترام الماديّات وتأهيلها لاستخدامات أمثل وبمردود أفضل. لكن المسألة تصبح مشكلةً حين يميل الإنسان بأشواقه إلى الدنيويّات لدرجة يستسلم إليها وتصبح موضع عبادة ورجاء وعشق، وليس مجرّد أداة ثمينة للحياة. عندئذ تتدنّى الأبعاد الإنسانيّة إلى حدود قيمة الأمور الدنيويّة، وذلك على حساب سموّ الدعوة الروحيّة المنتظَر من الإنسان التزامها. كلّ استخدام للدنيا “خدَمِيّ” هو حقّ، ويرفع من قيمة الإنسان الروحيّة. لكن أيّ استخدام “عباديّ- عشقيّ” يهبط بالإنسان، ويقتل فيه رِفعتَه الروحيّة فيتدنّى. والله جذّاب جدّاً للإنسان. فبلُغَةِ النسّاك يتطاير الأبرار بالعشق الإلهيّ. وسها داؤود عن أكل خبزه حين تأمّل بالله. والحالات عديدة، التي عند الضرورة ضحّى فيها بشرٌ بكلّ ما هو ماديّ من أجل ما هو روحيّ. يشكّل الشهيد الصورة المطلقة لغلبة خيار الروح على خيار المادّة عند الإنسان، ولهذا للشهيد كرامة خاصّة. لا ننسى أنّ حالات الشهادة هذه تتلوّن وتتعدّد، وكما قال بولس الرسول “من أجلك نُماتُ النّهار كلّه”، إنّه موت شهادة الحياة. الموت الذي يطلبه الكتاب منّا ثمناً لكي نحيا: “مَن أمات نفسه من أجلي يجدها”. هذه الحركة مِن تعشُّق الماديّات إلى عشق الإلهيّات هي ما يسمّيه بولس خَلْعُ الإنسان القديم (موته) ولِبْسُ الإنسان الجديد (قيامته). هناك عشقٌ بشريّ داخليّ يلفت نظرَ الإنسان إلى كلّ ما هو صالح وإلهيّ وسامٍ، وهذه هي ساحة اللّقاء وحيز التواصل بين الله والإنسان؛ وهذه اللقاءات تسحب الإنسان من وضعيّته الراهنة إلى “ما هو أكثر” في العلاقة مع الله. هذه الجاذبيّة الروحيّة تجعل حياة الإنسان في حركة دائمة روحيّاً أيضاً. لذلك يظهر الإنسان دائماً مندفعاً بسبب هذه الدوافع إلى الله. جاذبيّة الله بالنسبة للإنسان هي جماله وصلاحه. تجيب الصورةُ الإلهيّة على عشق الإنسان الداخليّ الحقيقيّ. وجاذبيّة العالم بالنسبة للإنسان هي الحاجة إليه. ويحقّق العالم للإنسان وسيلة الحياة. إنّ استمراريّة الحياة تضطرّ الإنسان حكماً أن يلتفت إلى العالم، لكن أحياناً بعد أن يستخدمه يشتهيه. كما أنّ اللهَ يتحرّك بصلاحه نحو الإنسان بالكشف الإلهيّ والعناية الدائمة، على الأبرار والأشرار؛ وهذا ما يولّد عند الإنسان، عندما يعي ذلك، الشعورَ بالانكسار والامتنان لله الذي يتذكّره حتّى عندما ينساه هو. يستنهض الروحُ القدس الرغبةَ فينا إلى الإلهيّات ويحرّك الصورةَ الراقدة فينا والرغبة المؤجّلة أو المجمّدة نحو طلب السماويّات. يثير الروحُ ما يلفت نظرنا إلى ذلك العالم الذي ننساه أو نتناساه؛ لعلّنا نعود “نتوب” إلى الله. وإذا ما حصل هذا وتحرّكت الرغبةُ فينا نحو الله يحرّكها الروح ويقودها بالنعمة. لكن كلّ ذلك دون أن يغصب حريّة الإنسان. الروح يستدعي، وإذا ما استجبنا يساعد. لكن الروح لا يغصب. لأنّ شرط الحبّ هو أوّلاً الحريّة! والحبّ بالغصب هو خنوع. لا حبّ إلاّ بحريّة الاختيار. العطش الإنسانيّ، إلى الله أو إلى المادّة، هو في طبيعة الإنسان، لكن الالتفات إلى هذا الطرف أو ذاك هو خيار بشريّ. هكذا يأتي التزامنا بالصوم وممارستِه رياضةً تنمّي فينا الالتفاتَ إلى الله والتجرّد عن شهوة العالم؛ الصوم يجعلنا نختار لأشواقنا المحبّة الإلهيّة. يقبل الصومُ أن نستخدم العالمَ، لكنّه يحفظ القلب لله. العالم غير شهوته. ونحن صائمون نبقى في العالم، لكن شهوتنا تكون مشدودة نحو الله. بالصوم، نحاول – ونحن نحيا في العالم – أن نتّحد بالله. يروّض الصومُ ما فينا وما لنا من العالم. يشعل الصومُ فينا العشقَ الإلهيّ، الذي كتب عنه القدّيس اغناطيوس المتوشّح بالله قائلاً: “أكتبُ لكم وأنا بعد حيّ، أنّني أشتهي الموت، إنّ هيامي قد صُلب وليس فيَّ بعدُ عشقُ الماديّات، إنّما ماء حيّ رقراق يتدفّق فيَّ ويقول هلمَّ إلى الآب”. هذا الماء الروحيّ الدفّاق الذي يُحييه الروح يشدّنا إلى الآب وإلى القريب أيضاً، ويخلق فينا ديناميكيّة الحياة الصالحة، آمين. المطران بولس )يازجي(، متروبوليت حلب |
||||