13 - 06 - 2016, 08:09 PM | رقم المشاركة : ( 13051 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
التحرير!
إن تتكلَّمْ على “التّحرير” يَظُنَّ مَن يسمعك أنّك تطرح موضوعًا سياسيًّا. ممَّ تتحرّر؟ في عالم السّياسة، من القمع والتّسلّط والاستبداد! كيف؟ عادة، بالثّورة، بالمقاومة، بالقوّة، بالعنف، بالقتل… غاندي، الّذي حرَّر الهند بـ”اللاّعنف” حالة قلّما نألفها في العالم، على سموِّها. القاعدة الشّائعة أن ما أُخِذ بالقوّة لا يُنتزع إلاّ بالقوّة. السّيف بالسّيف! مستحيل أن تجد نظامًا سياسيًّا لا يتعاطى، باسم “المثل العليا”، بعضًا من القهر والقمع! طبعًا، هذا يأتي تحت تسميات مشروعة: الحفاظ على دولة القانون، صون الأمن، سلامة المواطنين، حقوق الشّعب، مجتمع الحرّيّات الخ… على هذا ليس نظامٌ سياسيّ مثاليًّا. “المدينة الفاضلة” تمنّيات لا واقع معيش. هناك دائمًا الرّأي والرّأي الآخر. ثمّ بين الشّعارات والإيديولوجيّات، من ناحية، والممارسة السّياسيّة، من ناحية أخرى، هوّة مستحيلٌ ردمُها. مهما كانت الضّوابط القانونيّة مرهَفة فإنّها أعجزُ من أن تضبط نزعات التّفلّت عند الإنسان. ليس أحد صالحًا بالسّليقة. في سِفر التّكوين “أن تصوّر قلب الإنسان شرّير منذ حداثته” (8: 21). بناء عليه، في السّياسة تتعاطى التّحرير كما في حلقة مفرغة: تسعى لأن تتحرَّر بالقوّة ممّن يتسلّط عليك بالقوّة. تفعل ذلك باسم العدالة والحرّيّة والمساواة. ومتى تسنّى لك أن تطيح المستبِدَّ بك، تهتمّ بقمع مَن يخالفك الرّأي والموقف، صونًا لما تحسبه عدالة وحرّيّة ومساواة. فيأتي مَن لا يطيق الانضواء تحت لوائك ويتّهمك بالاستبداد ويسعى إلى التّخلّص منك باسم العدالة والحرّيّة والمساواة، كما يراها هو. وهكذا تجدك، من حيث لا تدري، في موقع مَن حسبْتَه قهّارًا، فأطحته؛ كما تجد سواك ينادي بما سبق أن ناديت أنت به لما كنتَ مقهورًا، ويعمل على إطاحتك كمستبدّ. ثمّ يأتي مَن يطيح مَن أطاح بك تحت جنح الشّعارات عينها، أو تكاد، وهكذا دواليك. الوجوه، فقط، تتغيَّر، والحلقة، بعامّة، تبقى إيّاها! هذا لأنّ التّحرير الحقّ ليس في تغيير الممارسات المدنيّة، بل في تغيير ما وراء هذه الممارسات، وأعني بذلك نزعات قلب الإنسان. قلب الإنسان، إذا تغيَّر، يُغيِّر الممارسة المدنيّة، فيما الممارسة المدنيّة، وما يحتفّ بها من ضوابط وقوانين، أعجز من أن تغيِّر قلب الإنسان. الممارسة المدنيّة تغيِّر السّلوك الخارجيّ للإنسان. وفي الحالات القصوى للقمع والعنف يصير الإنسان باطنيًّا. يصير ممثِّلاً بامتياز. يكرهك ويتظاهر بأنّه يحبّك. يبقى طمّاعًا جشعًا ولو أدّى ما عليه من ضريبة. الإنسان بحاجة لأن يتحرّر من نزواته، كلّ شيء، بعد ذلك، في ممارسته المدنيّة، يستقيم! تغيير النّاس، ومن ثمّ أحوال النّاس، بالأنظمة السّياسيّة وهمٌ، لا بل خدعة تتعاطاها النّفوس التّائقة إلى السّلطة والعظمة والمجد. ولو أحدث تغيير النّظام بعض التّغيير في الممارسة المدنيّة، فإنّ النّاس باقون مطيّة لنزعات الحكّام والسّلاطين، وأسرى للصَورة الّتي يريدهم الحكّام والسّلاطين أن يكونوا عليها! وحده الرّبّ يسوع جاء محرِّرًا حقّانيًّا للإنسان! مِمَّ جاء يحرِّره؟ من النّزعات الشّرّيرة في قلبه. هذه متى جسّدها الإنسان في موقف أو في سلوك أصبحت خطيئة. مثلاً في القلب هوى للطَّمَع، فإن تعاطى التّاجر التّجارة بأرباح فاحشة وقع في خطيئة الطّمع. طبعًا الخطايا كثيرة. الكذب خطيئة. الشّراهة خطيئة. إدانة النّاس خطيئة. الكره خطيئة. النّميمة خطيئة. الحقد خطيئة. تمنّي الشّرّ للنّاس خطيئة، الزّنى خطيئة… إذًا هناك خطايا كثيرة يرتكبها الإنسان. ولكن هناك خطيئة واحدة وراء كلّ الخطايا، هي بمثابة موقف يلتزمه الإنسان في داخل نفسه، أو، بالأحرى، يُولَد عليه، وفق ما ورد في المزمور الخمسين: “بالخطيئة ولدتني أمّي”، هذه الخطيئة، أمّ كلّ الخطايا، هي “محبّة الذّات”. “محبّة الذّات” هي الّتي تحرِّك النّزعات الشّرّيرة، أو الأهواء، في قلب الإنسان، وتفعِّلها وتحوِّلها إلى خطايا. و”محبّة الذّات” راسخة جدًّا في حياة الإنسان. هي أكثر من أنانيّة، وأبعد من عُجْب بالنّفس، وأعمق من موقف كبرياء. “محبّة الذّات” عشقٌ للذّات، تأليهٌ للذّات، عبادةٌ للذّات! إذًا يسوع جاء، بالذّات، ليحرِّر الإنسان من محبَّته لذاته. من هنا كلامه عن بغض الإنسان نفسَه وإهلاكِه إيّاها، كما في إنجيل يوحنّا (12: 25). والمقصود هو التّصدّي الكامل والكلّيّ لـ”محبّة الذّات”. إلى الآن، سألنا: مِمَّ جاء الرّبّ يسوع محرِّرًا الإنسان؟ السّؤال التّالي: كيف؟ بالإيمان وحفظ الوصيّة. يسوع طبيب، لا كالأطبّاء الّذين نعرف. الأطباء يعالجون أمراض النّفس والجسد، أمّا يسوع فيعالج مرض كيان الإنسان، ما هو وراء كلّ الأمراض! إذا لم يكن في وسع طبيب المعدة، مثلاً، مهما كان بارعًا، أن يعالجَك ما لم تكن لك ثقة به، أي ما لم تكن مؤمنًا به، وما لم تطعه بالتّفاصيل وتتابع العلاج الّذي يعطيك إيّاه إلى النّهاية؛ فيسوع، لكي يعالج كيانك، يستدعي منك الإيمان والطّاعة الكاملة، ومتابعة العلاج، أي حفظ الوصيّة إلى المنتهى. لماذا الإيمان بيسوع مهمّ؟ لأنّ الإيمان به يعزِّز فيك الرّغبة العميقة في الشّفاء وكذلك التّصميم. هذا، بكلام آخر، يبعث في نفسك إرادة التّغيير، إرادة الخير، إرادة الحياة. وبإرادة الخير تستطيع أن تقاوم إرادة الخطيئة الّتي هي القوّة المنفِّدة لخطيئة “حبّ الذّات” في تجسيد أهواء القلب في مواقف وسلوك، كما ينفِّذ الضّابط أمر المَلِك (حبّ الذّات) مستعمِلاً السّلاح (الأهواء) الّذي يجعله الملكُ في تصرّفه. عمليًّا، ثمّة حرب غير منظورة تجري في داخل الإنسان، هي حرب ضروس، لكنّها وحدها الحرب الّتي تستحقّ أن يخوضها الإنسان، لأنّها وحدها الحرب الّتي تحرِّر الإنسان من نزعات الشّرّ الّتي في قلبه، ومن ثمّ في العالم، وتمهِّد أمامه السّبيل نحو حياة جديدة وعالم جديد! قلتُ، الحرب بين إرادة “حبّ الذّات” وإرادة “حفظ الوصيّة” الإلهيّة ضروس. بشريًّا، قوى الأهواء أشدّ عنفًا من أيّ قوى أخرى يمكن أن تنبع من ذواتنا، كإرادة الصّلاح. لذا، بشريًّا، ليس بإمكاننا أن ننجح في مسعانا أعلاه، لأنّ قوى الأهواء تَستأسِر قوى الطّبيعة البشريّة، الّتي خَلقنا الرّبّ الإله عليها، بما فيها من صلاح، وتقمعُها وتتغلغلُ فيها، بمثابة طبيعة ثانية بديلة فينا، وتستغلّها إلى أبعد الحدود، كما يستغلّ المستعمِر خيرات البلد لنفسه. لهذا السّبب متى عُرضتْ علينا وصايا الرّبّ يسوع قلنا، للوهلة الأولى، هذه لا نستطيع أن نطبِّقها، لا يمكننا أن نسلك فيها. نحن أضعف من أن نحفظها! ماذا إذًا؟ أتظنّ أنّ الرّبّ يسوع لا يعرف ذلك؟ لا بل يعرفه جيِّدًا، وعليه لا يتوقّع منّا أن نكون قادرين، بقوانا الذّاتيّة، على حفظ وصاياه. ما يطلبه منّا هو أن نكون مؤمنين به، أن نريد الشّفاء من كلّ القلب، وهو يعطينا الغلبة. الغلبة من عنده لا مِنّا. نحن، من جهتنا، نشترك في الحرب ولو بقوى غير كافية للنّصرة، وهو يتكفّل، مباشرة، بالباقي. قوّته في ضعفنا تَكمُل. فقط علينا ألاّ نجبن وأن نلجأ إلى أمرَين: الأمر الأوّل تكتيكيّ والأمر الثّاني اتّصالي. في كِلا الأمرَين الرّبّ يعين. الأمر التّكتيكيّ هو ضرب مخازن الوقود الّتي لمعسكر أهواء القلب. مخازن الوقود هي مصادر القوى الطّبيعيّة فينا. ألم نقل إنّ الأهواء تغتذي من قوى طبيعتنا البشريّة؟ كيف نضرب مخازن الوقود هذه؟ بالنّسك، بالإمساك، بالصّوم! هذا يُضعف قوانا الجسديّة. فإن ثبتنا على النّسك بشكل مدروس، وفق إرشادات المختبَرين بيننا، الّذين هم الآباء الرّوحيّون الأحياء، والقدّيسون الّذين جاهدوا وتكمّلوا ورقدوا وتركوا لنا خارطة الطّريق لكي لا نضيع، فإنّنا لن نلبث أن نرى هجمة الأهواء فينا تتراجع وقواها تضعف. فإذا ما دعمنا ضرب مخازن وقود العدو فينا بالنّسك، إذا ما دعمنا هذه العمليّة، شبه العسكريّة، بتشغيل جهاز الاتّصال فينا بالرّبّ يسوع، أي بالصّلاة الدّائمة إليه، فإنّ قوى النّعمة الإلهيّة، إذ ذاك، تتنزَّل علينا من فوق لتبدِّد شمل أعدائنا وتنصرَنا وتحفظنا وتعزّينا! هذه صورة لمعركة مقدّسة لا بدّ أن تتكرّر مرّات. العدو فينا لا يستسلم، لذلك علينا إبادته وفق القول المزموريّ: “أفسحتَ طرقي أمامي، فلم تتخاذلْ خطواتي. سأقتفي أعدائي فأُدركهم ولا أرجعنّ حتّى أُفنيهم… لأنّك حزّمتني بالقوّة من أجل القتال” (مز 17: 36 – 37؛ 39)! كم نحتاج إلى وقت لنُشفى من عشقنا لذواتنا وعبادتنا لأنفسنا بالكامل؟ هذا يتوقّف على مدى تعاوننا مع الله من أجلنا. قد لا نحتاج لأكثر من بضعة أشهر، وقد نحتاج إلى سنوات، وقد لا ننجح إلاّ ونحن على فراش الموت، وقد لا ننجح بالمرّة! ولكن متى نجحنا بتنا أحرارًا بالفعل، أي بات بإمكاننا أن نحبّ عن حقّ، والحبّ يجعلنا من معدن الله لأنّ الله محبّة. بالحبّ، إذ ذاك، نقوى على الموت وتصير لنا الحياة الأبديّة. يقيم فينا روح الله القدّوس. نتألّه بالنّعمة، ونصير من أبناء الملكوت. فمَن كان حيًّا على الأرض وقدّس نفسه، على النّحو الّذي وصفنا، فإنّه يَفيض، في العالم، تلقاءً، محبّةً حقّانيّة لا توصف، ويُعين المستعبَدين لِما كان هو مستعبَدًا له، في التّحرّر في الرّوح والحقّ. هذا ولو مات في الجسد فلن يرى الموت إلى الأبد، لأنّ السّيّد الرّبّ الإله قال: “إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد” (يو 8: 51)، وأيضًا: “أنا هو القيامة والحياة. مَن آمن بي ولو مات فسيحيا. وكلّ مَن كان حيًّا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد” (يو 11: 25 – 26)! إمّا أن يسلك العالم في هذا الطّريق الأوحد، والمسيحيّة طريق، أو يتقلَّب في الخطيئة ويموت في الخطيئة! كلّ كلام غير هذا ليس من الحقّ! فلا تصدِّقوا “الكذّاب” وأبَ الكذّاب!!! الأرشمندريت توما (بيطار)، رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي، دوما – لبنان |
||||
13 - 06 - 2016, 08:10 PM | رقم المشاركة : ( 13052 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عرس الحَمَل
فيما كان السيّد قريبًا من آلامه، قال هذا المثَل المأساة. تحدّث عن ملك يقيم عرسًا لابنه. الملك هو الله الآب، وابنه هو يسوع المسيح، والعرس هو موت المسيح. هذا تمّ على تلّة الجلجلة واكتمل الخلاص وبدأ فرح الانسان برّبه، وفرح الانسان بإمكان تطهّره من الخطيئة وبإمكان صعوده إلى الله. هذا هو العرس، ويؤيد هذا المعنى ما ورد في سفر الرؤيا: “طوبى للمدعوّين إلى عشاء عُرس الحمَل” (١٩: ٩). الحمَل هو المسيح المذبوح، والعشاء هو العشاء السرّي، القداس الإلهي. عُرس المسيح معنا يتجدد بدمه الذي نشربه من الكأس المقدسة. لماذا قال يسوع هذا المثل؟ ليقول لنا ان أول المدعوّين الذين كان من المفروض ان يكونوا حاضرين رفضوا الدعوة، وأَعني بهم أُمّة اليهود التي لم يتحدّث الله الا اليها في القديم. وكان كلام الله دعوة لتتوب. أَرسل إليهم نبيّا وراء نبيّ، وجاء بكتاب من بعد كتاب، ولكنهم فضّلوا أنفسهم على الله. فإنهم كما قال الرسول بولس: “لم يخضعوا لبرّ الله، ولكنهم يطلبون أن يُقيموا برّ أنفسهم” (روميه 10: 3)، أي انهم ادّعوا أن رسالة الله إنما هي ملكٌ لهم يستأثرون به. الأُمّة العبرانية كانت أول أُمّة تُدعى لكونها مؤمنة بالله الواحد، ولكنها رفضت الله إذ رفضت مسيحه. عندئذ ذهبت الكلمة إلى الأمم، إلى الوثنيين، بالبشارة. لذلك قال الملك لعبيده: “اذهبوا إلى مفارق الطرق وكل من وجدتموه فادْعوه إلى العرس”. القضية ليست فقط قضية مدعوّين رفضوا وآخرين قبلوا الدعوة، ولكنها قضية كل انسان. المسيحي أيضًـا يعتذر عن الحضور لأنه يتعاطى تجارة أو اشترى أرضًـا أو لكونه قد تزوج كما جاء في الإنجيل في موضع آخر. هذا المثل موجّه إلى كل منا. كل واحد سمّى نفسه مسيحيا هو مدعوّ دائما إلى عرس المسيح، كل نفس معمَّدة هي عروس ليسوع. القضية ان نترك كل شيء وأن ندخل إلى غرفة العرس مع المسيح. “كيف دخلت إلى ههنا وليس عليك لباس العرس؟”. كل نفس عروس المسيح لأنه يدعوها. كيف تستقبله ولا تتهيأ؟ هل لها ان تنسى أنها عروس؟ |
||||
13 - 06 - 2016, 08:13 PM | رقم المشاركة : ( 13053 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الفقير بابُنا إلى الملكوت
الفقير بابُنا إلى الملكوت حديث للمطران سابا (إسبر)، مطران بُصرى حوران وجبل العرب والجولان في كنيسة النبيّ الياس-المطيلب- أبرشيّة جبل لبنان- أوّل آذار 2011 (مفرّغ عن آلة التسجيل) أشكركم بدايةً على اختياركم هذا الموضوع المهمّ جدّا في تتميم حياتنا المسيحية. لا أعلم من الذي اختار العنوان، ولكنه يُعبّر عن لاهوتنا ونظرتنا تجاه الفقير. ولذلك سوف أبدأ معكم بقراءة استشهاد بسيط من القديس اللاهوتي الكبير غريغوريوس النيصصي والذي ينطق بكلمات هذا العنوان نفسها “الفقير بابنا إلى الملكوت”. يقول: “إن هؤلاء الفقراء هم الذين يكنزون الأشياء الصالحة التي نتطلّع إليها، وهم حُرّاس أبواب المملكة، يفتحونها أمام الرحماء، ويُغلقونها في وجه القساة والذين لا ينقُلون خيرًا. إنّهم أقوى مَن يتّهمون، وأفضل مَن يدافعون. إنّهم لا يتّهمون ولا يدافعون بالكلمات، ولكنّ الربّ يرى ما يُفعل بهم. وكلّ فعل يصرُخ بصوت أعلى من صوت المنادي أمام الله فاحص القلوب”. إذ نحن مقبلون إلى الصوم، المتمم الأساسي لصيامنا هو البُعد الذي نسمّيه اليوم “البُعد الاجتماعي” الذي هو في الإنجيل “بُعد المحبّة“. ولكي ندخل الصوم المقدّس، علينا أن نكون منتبهين إلى أنّنا يجب أن نُتمّم فيه بُعد المحبّة. منذ بدء المسيحيّة، عندنا شهادات متوفّرة منذ القرن الثاني أن المسيحيّين كانوا يملكون في كلّ كنيسة “صندوق شركة”، يصومون عندما يحتاج أحد المؤمنين إلى مساعدة، فينقطعون عن الطعام، ويكتفون خلال ذلك اليوم بالماء والخبز فقط، ويأتون بثمن الطعام الذي صاموا عن تناوُله إلى الكنيسة ويضعونه في صندوق الشركة، ومن ثمّ يوزَّع على المحتاجين من المؤمنين. إذًا، بُعد المحبّة في الكنيسة هو بُعد أساسي جدًّا، وفهِمَه المسيحيّون الأوائل تجسيدًا لكلمة الانجيل التي تتكلّم كثيرًا عن المحبّة وعن الخدمة للمحتاج لكلّ أنواع الاحتياجات. لذلك سأبدأ معكم بمراجعة بسيطة لمفهوم الفقر في الكتاب المقدّس، في العهد القديم وفي العهد الجديد، ومن خلاله سأذكُر بعض الاستشهادات التي يتكلّم فيها الكتاب المقدّس عن أهمّيّة العطاء والخدمة والمساعدة. في العهد القديم، حيث كان الناس لا يعرفون بُعد كمال الإيمان في المسيح، وكانت حياتهم مُركّزة على الأرض أكثر ممّا هي على الملكوت السماوي، كانوا ينظرون إلى الثروة على أنّها بركة من اللّه، والفقر هو لعنة من اللّه. ولكن كان الكتاب المقدّس في العهد القديم يشدّد على وجوب مساعدة المحتاج والاهتمام بالغريب، وخاصّةً الأرملة واليتيم والفقير. هذا الحثّ للمؤمنين في العهد القديم طال طبعًا المؤمنين الفقراء أكثر من الفقراء غير المؤمنين أي غير اليهود. إذًا، في ذلك الإطار، كان التشديد على مساعدة الفقراء، ولو أنّ الفقر هو لعنة من اللّه ودليل على عدم رضى اللّه عن الانسان. إلى أن أتى الأنبياء في العهد القديم فبدأوا بتغيير هذه النظرة، وبدأوا بِلَوم الأغنياء الذين يستغلّون مال المساكين ويغتَنون على حسابهم، ووبّخوا بقسوةٍ الذين قلوبهم قاسية ولم يكونوا يهتمّون بمساعدة المحتاجين، حتّى وصلوا مع النبيّ إشعياء الذي يقول كلامًا جميلاً جدًّا، جيّد أن نتأمّل فيه ونحن ندخل إلى الصوم الكبير. في الإصحاح 58 يقول: “أليس هذا صومًا أَختارُه الذي هو حَلّ قيود الشرّ، وفَكّ عُقد النير، وإطلاق المسحوقين أحرارًا، وقَطع كلّ نير؟ أليس أن تَكسر للجائع خبزَك، وأن تُدخل المساكين التائهين إلى بيتكَ، وإذا رأيت عريانًا أن تَكسوه، وأن لا تتغاضى عن لحمك؟ حينئذ ينفجر مثل الصُبح نورُك، وتَنبتُ صحّتُك سريعًا، ويسيرُ برُّك أمامك، ومجدُ الربّ يَجمع خيرَك. حينئذٍ تدعو فيُجيب الربّ، تستغيث فيقول ها أنذا”. إذًا، مع الأنبياء، بدأ الربط بين مساعدة المحتاج وبين تتميم العبادة. أي صارت مساعدة المحتاج جزءًا من العبادة، والعبادة بحدّ ذاتها غير مقبولة عند الله ما لم تكن مرتبطة بخدمة المحتاجين. هذا يذكُره النبي إشعياء أيضًا في نصّ آخر، في أوّل اصحاحٍ من سفره حيث يذكر أنّه يجب أن نهتمّ بالفقراء ونُنصف اليتيم: “اقضُوا لليتيم، أَنصفوا المظلوم، حاموا عن الأرملة، هلمّوا نتحاجج يقول الربّ. إن كانت خطاياكم كالقرمز تبيضّ كالثلج، وإن كانت حمراء كالدودي تصير كالصوف”. هذا الكلام يذكره النبي إشعياء بعد أن كان وبّخ القومَ على عبادتهم الفخمة التي بدأ الله يشمئزّ منها ويُدير وجهه عنها ويقول لهم “رائحة بخورك أنا أُدير أنفي عنها حتّى لا أشمّها، وأناشيدك هي ممقوتة عندي، وأَصوامك ثقلٌ عليّ”، أي أنّ كلّ العبادة التي يقوم بها الشعب غير مقبولة عند الله لأنّه لا يهتمّ باليتيم والأرملة والفقير والمحتاج. إذًا عندنا تطوّر كبير مع أنبياء العهد القديم في أنّهم بدأوا يُظهرون للشعب المؤمن أنّ المحبّة، عيش محبّة المحتاج والفقير، هي جزء من العبادة، وأنّ العبادة بحدّ ذاتها، سواء كانت صلاة أم صومًا، غير مقبولة ما لم تكن مرتبطة بالمحبّة فعليًّا. إلى ذلك عندنا، في العهد القديم، حثّ كثير وتوصية بالاهتمام بالمحتاجين وعلى العطاء. سأقرأ قليلاً منها: سفر دانيال النبي يقول: “كفِّرْ خطاياك بالصدَقة، وآثامَك بالرحمة للبائسين، عسى أن يَطُول أَمانُك”. إذًا هذه هي الفكرة نفسها التي ما تزال حتّى اليوم موجودة عندنا أنّ عمل الخير محسوب عند الله، إذ يُلاحظه، ويعوّض على الذي يفعله بخير أكثر. هناك كثيرون يحبّون أن يُعطوا وأن يقدّموا مساعدات وتبرّعات معتقدين اعتقادًا تامًا، ودافعهم الأساسي لهذا الشيء ليس محبّة المحتاج بقدر ما هو أنّي، إذا أنا أَعطَيتُ، يُباركني الله ويُعطيني أكثر. هذه نظرة يوافق عليها الكتاب المقدّس ويؤكّدها إلى درجة أنه، في العهد الجديد، يَعتبر آباء الكنيسة أنّ الصدقات ومساعدة المحتاجين تغفر الخطايا. في سفر يشوع بن سيراخ يقول: “كما أنّ الماء تُطفئ النار، كذلك الصدَقة تُكفّر الخطايا”. في المزامير: “طوبى للذي يَنظر إلى المسكين، في يوم الشرّ يُنجّيه الربّ”. في سفر طوبيا: “الصلاة جيّدة مع الصوم والصدَقة، لأنّ الصدَقة تُنجّي من الموت وتُطهّر من الذنوب”. واضح أنّ الصدقة والعطاء أيضًا يَقيانا من الخطايا التي نحن فيها، ونُكفّر عن خطايانا بواسطتها. كلمة يشوع بن سيراخ “الصلاة مع الصوم والصدَقة تُكفّر وتُبارك” تُذكّرنا بالموعظة على الجبل التي تكلّم فيها المسيح عن أركان ثلاثة للإيمان المسيحي: الصلاة والصوم والصدَقة. في العهد الجديد، بدأ مفهوم الأنبياء، الذي ابتدأ في القرن السابع قبل المسيح وظلّ يتطوّر إلى العهد الجديد، بدأ يكتمل، وصارت النظرة مختلفة عن العهد القديم. لم تعُد الثروة في العهد الجديد دليلاً على بركة الله، والفقر دليلاً على لعنة الله، بل صار الفقر مطوَّبًا لأنّه يساعد الإنسان على أن لا يتعلّق ويتقيّد بقيود هذه الدنيا الدنيويّة الكثيرة. إذًا، مع العهد الجديد، صار للفقر بُعد روحيّ: نستطيع أن نستخدم الفقر، إن كنّا فيه، لكي نسمو عن دنيويّات هذا العالم الذي نحيا فيه، ولا نتعلّق بها أكثر. ليس الفقر بحدّ ذاته هو المبارك، ولكن بحسب الإنجيل، إنْ كنّا فقراء نستطيع أن نستخدم فقرنا لكي نسمو روحيًّا، الفقر يساعدنا على أن نسمو روحيًّا. هذه النظرة وصلت مع بعض الآباء مثل القدّيس يوحنّا الذهبي الفم إلى أن يعتبر أنّ الفقر فضيلة مسيحيّة، ويقول إنها فضيلة مهمّة جدًّا ليس الكلّ يقدرون عليها ولا تُعطى للجميع. إذًا ليس الفقر بحدّ ذاته، ولكن طريقة تعاطينا معه تسمح لنا بأن نتقدّم روحيًّا. لم يعد الفقر لعنة من الله، وإن كان العهد الجديد بالمقابل شدّد بكثير من التركيز والتوجيه والوضوح على أنّ الفقر يجب أن يُحارَب، وأنّ الفقير يجب أن يُساعَد، وهذا ما فهمه المسيحيّون الأوائل وظلّوا عليه حتّى اليوم. تعلمون أنّ المسيحيّة هي الدين الذي برع في حياة المحبّة أكثر من أيّ دين آخر، وأعطت أشخاصًا عظماء جدًّا أَعطَوا حياتهم كلّها من أجل المحبّة ومن أجل الفقير. المسيحيّون هم الذين أسّسوا كلّ ما نُسمّيه اليوم مؤسّسات العمل الانساني. كلّ النظرة إلى قضيّة الإنسان، وكرامة الانسان، وواجب أن يعيش الإنسان بلياقة وكرامة، كلّ هذه المفاهيم والمؤسّسات التي تأسّست عليها أتت من الخلفيّة المسيحيّة الإنجيليّة. من هنا أن عندنا في العهد الجديد مَثَل الدينويّة الذي قرأناه الأحد الماضي في الكنيسة، والذي يصل فيه المسيح إلى أن يقول إنّي أنا الفقير وأنا الجائع وأنا العطشان وأنا المريض وأنا المسجون وأنا العريان. يُماهي نفسَه مع المحتاجين مماهاة كاملة. ولذلك اعتبَرَ أنّ كلّ عطيّة أو مساعدة تُقدَّم إلى محتاج تُقدَّم إلى شخصه هو. من هنا المفهوم المسيحيّ أنّ الإنسان، عندما يُلاقي محتاجًا، يعتبر أنّه لاقى المسيح، لأنّ “المسيح” يقول: “كلّ ما فعلتُم بأحد هؤلاء الصغار فبي فعلتموه”. وبالمقابل يجب أن ننتبه إلى موضوع مهمّ جدًّا هو: “كلّ ما لم تفعلوه بأحد هؤلاء الصغار فبي لم تفعلوه”. يعني أننا سوف نُدان، ليس فقط على عمل المحبّة الذي عملناه فنأخذ المكافأة، بل أيضًا سوف نُدان ونأخذ العقاب على المحبّة التي كنّا نستطيع أن نُقدّمها ولم نقدّمها. إذًا، مع مثل الدينويّة، وصل موضوع الفقر والفقير في المسيحيّة إلى ذروته، إلى أبعد حدّ، إلى حدّ أنّه صار خدمةً شخصيّة للمسيح. من هنا، عندنا كلمة جميلة جدًّا لأحد الآباء الكبار: الذهبي الفم، الذي تكلّم كثيرًا عن الفقر والفقراء، يقول على لسان المسيح “لقد بلغكَ عنّي أنّي مُتسربل بالنور كالرداء، لكنّك متى كسوتَ عريانًا أَشعر أنا بالدفء وأنّني تستّرتُ، وتعتقد بأنّي جالس عن يمين أبي في السماوات، ولكنّك متى ذهبت إلى السجن تفتقد المسجونين تراني جالسًا هناك”. يقول أيضًا الذهبي الفم عن العطاء ليحُثّ الناس عليه: “لأنّه فقير أَطعِمْه لتكون قد أَطعمتَ المسيح”. هناك توحيد كامل بين الفقير والمسيح. “إن رأيتَ إنسانًا بائسًا فاذكُر أنّه، وإن كان الظاهر أنّه ليس هو المسيح، إلا أنه هو الذي يسألك ويأخذ منك في زِيِّ ذاك”. وهكذا صارت للفقير مرتبة كبيرة جدًّا عند المسيحيّين لأنّه هو الواسطة التي بها نستطيع أن ندخل إلى ملكوت السماوات. وسنذكر بعض الصفات أو الألقاب التي يطلقها آباء الكنيسة على الفقراء. يقول الذهبي الفم: “يا لِعظَم مرتبة الفقراء لكونهم نظيرَ خِدْرِ الله –الخِدْر هو المخدَع، غرفة الله– والباري تعالى يختفي فيه. فالفقير يمدّ يده متسوّلاً، ولكنّ الله هو الذي يَقبل صدَقتك”. وهكذا صارت المسيحيّة تنظر إلى الفقير على أنّه صاحب كرامة ويجب أن يُحترم، مثله مثل أيّ إنسان آخر غنيّ. ولذلك يقول أيضًا الذهبيّ الفم في هذا المجال أنه إذا كان سيّدُنا أهّل الفقراء أن يشتركوا في مائدته (أي في مائدة الربّ، في الكأس المقدّسة، أي الإفخارستيّا)، فبأيّ حقّ أنت تمنع الفقير من أن يجلس إلى مائدتك إنْ كنت غنيًّا. القدّيس يوحنّا الرحيم (بطريرك الاسكندريّة في القرن السابع) عندما صار بطريركًا، أرادوا أن يقيموا له احتفالاً، فقال لهم: ادعُوا إلى الاحتفال “أسيادي“. فقالوا له: يا سيّدنا، أنت بطريرك الاسكندريّة، ليس لك أسياد، أنت السيّد على الجميع. فقال لهم: لا. عندي أسياد كُثر. ادعُوا لي أسيادي على عشاء التكريم الذي تريدون أن تقيموه لي. لم يفهموا عليه. ظنّوا أنّه يريد أن يدعو مسؤولي البلد والوجهاء وأصحاب النفوذ. أتى الشماس، وقال له أنّهم يفكّرون أن يَدْعُوا فلانًا وفلانًا… قال له: يا ابني، قلتُ لكم ادعُوا لي أسيادي. أسيادي هم الفقراء. هؤلاء مَن يُدخلونني إلى الملكوت، وهؤلاء من ساوى المسيح نفسه بهم. نحن ليس عندنا سوى سيّد واحد. فكلّ شخص يكون السيّدُ فيه، يصير سيّدًا علينا. ودائمًا كان يقول هذه الكلمة حتّى ارتبطت به. من هنا أن إكرام الغريب، إكرام المحتاج، إكرام الزائر، إكرام الفقير يُعتبر فضيلة أساسيّة عند المسيحيّين، وفي الرهبنة يُعتبَر تكريمًا مباشرًا للمسيح. من هنا أن الرهبان في الأديرة يهتمّون كثيرًا بفضيلة الضيافة. يستقبلون بوجه باشّ، ويستقبلون كل الناس. ففي الأديرة الأرثوذكسيّة خصوصًا، يزور الناسُ الديرَ، وينامون فيه، وإذا كانوا جائعين يأكلون، ويأخذون حرّيّتهم. لا يشعرون أنّهم في مؤسّسة رسميّة، لأنّ ما في الدير هو تقدمة من الله لكلّ شعب الله. وهكذا جاء هذا التقليد. فيعتنون كثيرًا بقضية الضيافة، وفي كلّ دير هناك صالون كبير مع ملحقاته اسمه “دار الضيافة” (باليونانية “أرخونداريكي”) حيث يحلّ كل نزلاء الدير وينامون فيه. كان الأنبا بيشوي (وهو القدّيس سيسويي) مرّة صاعدًا إلى الكنيسة. رأى عجوزًا محتاجا مَن يحمله، والإخوة الرهبان يمرّون ولا أحد يهتمّ له، مستعجلين للذهاب إلى الصلاة كي لا يتأخّروا. توقّف هو وحمله على كتفيه. شعر أنّه عجوز خفيف. لكنّه أثناء مشيه، صار يشعر أنّ وزنه أصبح ثقيلاً أكثر فأكثر، حتى أتى وقت لم يعد فيه قادرًا على حمله. عندها فطن وقال له: يا ربّ أنت اتّخذتَ هذا الشكل حتّى أَحملكَ أنا غير المستحقّ؟! فباركه الرب وقال له: أنت استحقّيتَ البركة لأنّك حملتَني، واختفى عنه. هناك رواية أخرى لآباء البرّيّة تُبيّن مدى أهمّية الاهتمام بالمحتاج والذي يطلب حاجة. يُروى عن قدّيس اسمه بولس كان يصلّي في غرفته. أثناء صلاته ظهر له السيّد له المجد في نوره الإلهيّ ليُعزّيه. فرح قدّيسنا جدًّا بهذه الرؤية وسُرّ جدًّا بها. وفيما هو متهلّل جدًّا، طُرِقَ باب قلاّيته. عرف أنّ محتاجًا يطرق بابه، لأنّه في البرّيّة لا يقصده إلا المحتاجون والجياع. قَطَع صلاته، وقطع رؤية الربّ، وترك الرب في قلاّيته، وقام وفتح الباب وقضى لهذا الطارق حاجته. التهى معه وقتًا لا بأس به. وعندما رجع إلى غرفته، رأى المسيح لا يزال منتظرًا، فسجد أمامه وقال له: عفوك يا ربّ، سامحني لأنّ هذا الإنسان كان في حاجة. فقال له الربّ: طوبى لك يا بولس، لأنّك لو لم تقُم وتفتح له لكنتُ قد تركتُك. المسيحيّة، إذًا، تعطي كرامةً كبيرة جدًّا للفقير. ولذلك، كلّ الفكر الدنيويّ الذي نتأثّر به، للأسف، من حين إلى آخر، يتكلّم عن العطاء من فوق، والذي يقول إنّنا أعطينا فلانًا ما نقدر عليه، الله يسمحلو، وكأنّنا مُحسِنون له. نعطيه بصدَقة. لا يوجد شيء اسمه صدَقة أو إحسان في المسيحيّة ولا في الإنجيل، لأنّ هذا يعني أنّك تعطي بدون إحساس، أي إنّك عندما تتصدّق أو تُحسن فلأنك نشعر بواجب لكن من دون محبّة مترهّفة تنبع من داخلك. العطاء في المسيحيّة هو عطاء بمحبّة، وإلاّ فليس له قيمة، لأنّك تعطي المسيح نفسه. لا يسعُك أن تُعطي المسيح وأنت جافّ. لا يعني لك شيئًا أن تعطي من دون أن تنظر إلى الشخص ومن دون أيّ اهتمام. للأسف لدينا أحيانًا في المسيحيّة خبرات ليست ناجحة مسيحيًّا. فهناك مجموعات أنشأت جمعيّة أو مؤسّسة خيريّة تعطي بكثير من الإخلاص وبكثير من الصدق، لكنّ الفقراء الذين ينتفعون من خدمتهم لا يحبّونهم بل يكرهونهم، لأنّهم يعطونهم من فوق. ولذلك ترون أحيانًا مَن يضعون هذا المثَل أو القول المأثور “اتّقِ شرّ مَن أحسنتَ إليه” على آرمات صغيرة في الدكاكين. لماذا؟ لأننا نُعطيهم مِن فوق. يعني: صحيح أنهم يأخذون العطيّة المادية التي هم في حاجة إليها ليشتروا دواءًا، أو ليأكلوا، أو ليُعلّموا أولادهم، ولكن العطيّة ليس فيها إحساس محبةٍ، وهي تُذِلُّهم، فيشعرون بالاحتقار وبأنهم مرذولون، فيحصل لديهم ردّ فعلٍ ضدّ الذي يُعطيهم، شعور بالكره. هذا ليس عطاءًا مسيحيًّا. فالمسيحي لا يقدر أن يقول “إتّقِ شرَّ مَن أَحسَنتَ إليه”، لأنّ مَن يُحسن إليه يُحبّه، وبالتالي سيُبادله ذاك الآخر المحبّة أيضًا. ما هي صور الفقير؟ دعونا نستعرضها في العهد الجديد وعند آباء الكنيسة. أوّل صورة الأولى، أعطانا إياها المسيح، هي صورة السامريّ الصالح: العدوّ الذي صار، بسبب عمل الرحمة، هو القريب. السامريّ كان عدوًّا لليهودي، ولكن، لأنّه أحبّ اليهوديّ المجروح المشرف على الموت وأنقذه، صار هو القريب إليه أكثر من الكاهن اليهوديّ وأكثر من اللاوي خادم الهيكل، أي صار هو قريبه أكثر من رجُل الدين الذي ينتمي إليه، وأكثر من بني شعبه وبني دينه. إذًا، هو العدوّ الذي يصير أقرب الأقرباء لنا. هذه أول صورة. الصورة الثانية جميلة جدًّا، يقدّمها القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفمّ الذي يقول إن الفقراء هُم العتّالون (الحمّالون) الذين يَخُصُّوننا. يقول إننا كلّنا، عندما ننتقل إلى بيتٍ آخَر، نريد أن ننقُل أثاثنا ومالنا وأغراضنا وأُمورنا الثمينة، فنحتاج إلى حمّالين ينقُلون لنا هذه الأغراض. وعندما ننتقل إلى بيتنا السماويّ، لدينا مَن ينقل لنا كل الأمور الثمينة التي تخُصُّنا، والتي تَلزَمُنا في البيت السماويّ فوق، بدون أن ندفع له أُجرة، وبدون مشقّة، وبدون أن نُوضّب، وبدون أن نتعب، وهؤلاء هُم الفقراء. يقول حرفيًّا: “كيف لا نستيقظ من نومنا وننتبه إلى أنّنا مقيمون في بلاد غريبة (أي الأرض)، وأنّنا عمّا قليل نعود إلى أوطاننا (السماء). ونحن إلى الآن غافلون عن حَمل أموالنا ونَقْل أمتعتنا إليها. فإنّ الذين يعزمون على الانتقال من بلاد الغربة إلى بلادهم يتكلّفون أُجور السفر والانتقال، ويُكابدون أتعابًا كثيرة حتّى يُرسلوا أموالهم سالمةً. فما بالُنا نُصادف هنا الذين ينقلون أموالنا بلا تعب ولا مشقّة ولا أُجرة ولا زاد ويُرسلونها إلى منازلنا سالمةً من خطر الطريق، ومع ذلك نردّهم خائبين؟ إنهم الفقراء”. صورة أُخرى أيضًا من الصور المعروفة والمنتشرة عند المسيحيين أن “الفقراء هم الشفعاء“، هم يتشفعون بالذي يُساعدهم. وبالتالي عندما نعمل عملَ رحمةٍ، فنحن نربح شفيعًا لنا. وتلاحظون كثيرًا كيف أنّ الفقراء يَدْعُون للذي يعطيهم: “الله يوفّقك”، “الله يعطيك العافية”، “الله يُنجّح أولادك”… هذه الدعوات هامّة جدًّا لأنّها صادرة من قلب مجروح ومن قلب صادق. فعندما نعطي، نكون نحن الرابحين. لذلك فالكتاب المقدّس يقول: “مغبوطٌ العطاء أكثر من الأخذ”. فالعطاء يحتوي على الفرح، ومَن يعتاد على هذا الفرح لا يعود يشبع منه، بل يستلذّ بأن يُعطي، لا بأن يأخذ، بعكس ثقافتنا الحاليّة التي تقوم على التملّك وعلى الأخذ. إذًا، “مَن يحبّ الفقراء، يقول الذهبيّ الفمّ، يكون كمَن له شفيع في بيت الحاكم. مَن يفتح بابه للمعوزين يمسك بيده مفتاح باب الله. مَن يُقرض الذين يسألونه يكافئه سيّد الكلّ”. الفقراء هم أيضًا مثال حيّ لنا، وفي هذا المجال هم وُعّاظنا. نحن نتكلّم كثيرًا عبر الوعظ عن فناء هذه الدنيا، وعن أنّها لن تدوم لأحد، وفي أيّ وقت نحن معرّضون لأن نمرض أو نتأذّى أو نقع في مشكلة أو يحصل لنا حادث. لماذا نَعظُ هكذا؟ نعظ هكذا لأنّنا نريد أن نحرّر المؤمنين من الواقع المادّيّ الذي يعيشون فيه، والذي يشدّهم إلى الأمور الدنيويّة والمعيشيّة فحسب. فالكنيسة من واجبها أن توقظ الناس وتفتح لهم عيونهم على الناحية الثانية من الحياة. الحياة ليست أمورًا دنيويّة فقط، بل لدينا ملكوت سماويّ نريد أن نَعيشه، وهو حياتنا الأبديّة. يجب أن نعي فنائيّة هذه الدنيا حتّى لا نتعلّق بها كثيرًا. بعض آباء الكنيسة أيضًا يقولون: صحيح أنّ الوعّاظ يتكلّمون هذا الكلام، لكنّ الفقير يُريك إيّاه حقيقةً، يريك إيّاه في الواقع. وبالتالي هم وُعّاظ حقيقيّون أمامكم، وأمثلة حيّة تُريكم ما يقول لكم الكتاب المقدّس ألاّ تتعلّقوا به، و”لنطرح عنّا كلّ اهتمام دنيويّ حتّى نستقبل ملِكَ الكلّ”. النظرة المسيحيّة، إذًا، تصل إلى حدّ الاعتبار أن الفقير هو المفضَّل على الغنيّ، لأنّه بفضل مساعدته يكتسب الغنيّ بركة، تُغفر له خطاياه، يصير رقيق الشعور، يخلُص، وبالتالي يدخل إلى الملكوت. فمَن الذي استفاد؟ الذي دفع قليلاً من المال، أم الذي ربح نعمة الله وبركته؟ من هنا أن العطاء في المفهوم المسيحيّ هو عطاء من تحت وليس من فوق. ليس فيه أيّ فضل. فعندما أُعطي، عليّ أن أكون مقتنعًا تمامًا أنّ الشخص الذي أُعطيه هو الذي يخدمني ولستُ أنا الذي أَخدمه. تمامًا بعكس النظرة الاجتماعيّة السائدة عندنا. ولذلك من مفاعيل العطاء وخدمة الفقير أنّه يُعتقنا من الدينونة. يقول الكتاب المقدّس: “كفِّر خطاياك بالصدَقة وأُذناك بالرحمة للبائسين عسى أن يطول أَمانُك”. ويقول أيضًا: “مَن يُعطي الفقير لا يحتاج، ولـمَن يحجب عنه عينيه لعنات كثيرة” (سفر الأمثال). الصدقة أو العطاء أيضًا يجعلاننا نتشبّه بالله، لأنّ الله أَعطى ذاته، وليس فقط خيرات خليقته للبشر. أعطى ذاته للبشر، ومات من أجلهم على الصليب. وبالتالي عندما نعطي، وبخاصّة عندما نُعطي من حاجتنا، من إعوازنا، وليس من فضلاتنا، فنحن نتشبّه بالله. ولذلك يقول الذهبيّ الفمّ: “مَن يرحم مسكينًا يُقرض الربَّ”، وهذا الدَين يوفيه لنا الرب في اليوم الأخير. إذًا، كلّ عطاء هو دين لله حتّى يُعيده لنا في اليوم الأخير. ولذلك لا يقول “مَن يرحم مسكينًا يرحمه الرب أو يباركه الرب”، بل يقول إنّه “يُقرض الربّ” لأنه سيُعيد القرض في الوقت المناسب. أوغسطين المغبوط يقول: “بأيّ وجهٍ تطلب إلى سيّدك يا مَن لا تستجيب لـمَن هو مساوٍ لك؟”. الفقير مُساوٍ لكَ. هو إنسان مثلك، يطلب منك وأنت لا تستجيب له، في حين أنك أنت تقف وتطلب إلى الله أن يباركك ويعطيك، وأنت لستَ مثل الله. أنت تطلب إلى سيّدك، تتطاول، ومَن هو مثلك لا تعطيه. من هنا، وبالروحيّة المسيحيّة، يقول لنا الإنجيل: “مَن طلب منك فلا ترُدّه”، أي لا تقُل له “لأ”. والكثيرون اليوم يرَون ذلك صعبًا، فنقول: “هذا لا يستحقّ، إنّه كذّاب، نعرفه”. سأروي لكم خبرة الأب الياس (مرقس) الذي رقد الأسبوع الماضي: مرةً كنا في الدير عنده، وحضر إلى الدير إنسان معروف عنه أنه نصّاب رسميّ يدور على الأديرة من وقت إل آخر ليأخذ مالاً. نادى أبونا الياس الراهب المسؤول عن الصندوق، وقال له: أَعطِ الرجُلَ كما هي العادة. وبعدما انصرف الرجل، سأله أحد الحاضرين: يا أبونا، هذا نصّاب، وكل شهر يصعد إليكم، وأنتم تعيشون على صدقات الناس. هذا ليس محتاجًا، فلو كان محتاجًا فأعطِه. أجابه أبونا الياس: نحن نعطيه لكي لا نَكْسر كلمة الإنجيل التي تقول: “من طَلب منك فلا ترُدّه”. ولكننا لا نعطيه كثيرًا، بل نعطيه شيئًا بسيطًا، نعطيه أُجرة الطريق، فقد زار الدير وأخذ بركةً، حتى لا “نُطمِّعهُ” لأنه لا يستأهل. إذًا هناك توازُن: “مَن طَلب منك فلا ترُدّه”، لأنه يطلب، والمسيح هو الذي يطلب. العطاء أيضًا يمنحنا بركات روحية ومادية لأن مقابل هذه البركة الصغيرة التي أَعطيناها، يعطينا الله بركات أكبر. وهنا نتذكّر مَثَل الأرملة التي وَضعت فلسين في الصندوق. قال المسيح لتلاميذه أنها وضعت “أكثر من الكل”. تفاجأ التلاميذ من كلامه طبعا لأنهم رأوا الناس كيف تعطي وتضع ليرات ذهب ومبالغ كبيرة، وقالوا له: يا معلّم كيف تقول هذا؟ هذه لم تضع سوى فلسَين. فقال لهم: هذه بحاجة للفلسَين حتى تُطعم أولادها، ومع ذلك حَرمت نفسها وأولادها، ووضعَتْهُما. فلذلك تقدِمتُها مقبولة عند الله أكثر من الذين وضعوا من فضلاتهم. هذه وَضعَت من إعوازها. موضوع العطاء مهم جدا على صعيدنا الشخصي. يجب أن ينتبه كل شخص منّا كيف عليه ان يحرم نفسه من شيء من أجل أن يعطيه للآخر، ولو كان لدينا زيادة. عندنا كثير؟ نعطي كثيرًا! ومع ذلك يجب أن ندرّب أنفسنا على أن نحرم أنفسنا من شيءٍ ما لنعطيه للآخر لأن ذلك يفيدنا نحن، يحرّرنا من الداخل، من كل الرباطات التي نحن متعلّقون بها. وهذه خبرة مهمة جدا. وفي الصوم عندنا مجال مهمّ ومساعد جدا حتى نعيشها. الصوم في مفهومنا المسيحي، الأرثوذكسي على الأقل، ليس هو استبدال نوع طعام بنوع آخر فقط –هو هكذا، ولكن ليس فقط هكذا لئلا يصبح مجرد ريجيم–. هو استبدال نوع طعام عالي السعرات الحرارية، غالٍ، مُكلف، يستغرق تحضيره وقتًا أطول… بطعام سعراته الحرارية أقل، حتى يبقى جسدنا نشيطًا ويقظًا من أجل الصلاة، رخيص حتى نقدر أن نوفّر ثمن الطعام الغالي ونضعه للفقير، وفي الوقت نفسه لايأخذ تحضيره وقتا طويلا حتى يكون عندنا وقتٌ لأعمال الخير والمحبة والصلاة التي نُكثّفها أكثر خلال الصوم. اذًا بواسطة الطعام نحن نصوم، ولكن لا نصوم فقط بالطعام. من هنا أن مناخ الصوم يفترض أن نعيش ببساطة، أن نعيش بشيء من التقشّف، كل إنسان حسب مستواه وحسب مكانته وحسب وظيفته وحسب عمله وحسب موقعه في العائلة. هناك شيء من التقشّف أرسمه أنا لِذاتي في الصوم. هذا التقشف يساعدني على أن أُعطي من راحتي ومن إعوازي للآخر حتى أَتحرر، وفي الوقت نفسه حتى آخذ بركة أكبر. ولذلك، فالذي يقود السيارة كثيرًا ويذهب “مشاوير” كثيرة، يخفّف “مشاويره”. السيدة التي تضع “ماكياج” كثيرًا، تُخفّف من “ماكياجها”. مَن يقصد السينما كثيرًا، يخفّف من السينما. هناك مناخ صياميّ هو رياضة روحيّة لمدّة 40 / 50 يومًا. وهذه الرياضة الروحيّة يجب أن أَعيشها في جوّها الكامل. لا أعيشها كما أَعيش باقي الأيام، وإلاّ أَخسر الصوم كليًّا، وأَخسر مفعوله، ولا أتمتّع بمناخه أو أستفيد منه، بل يقتصر على مجرّد استبدال طعام بطعام. ولكي نتندّر قليلاً، أروي لكم هذا: تعلمون أن ثمار البحر مسموح تناوُلُها في الصوم لأن ليس فيها دم على ما يقولون في قانون الكنيسة. يقول البعض: طالما أننا لا نقدر أن نأكل لحمًا، فلسوف تأكل قريدسًا. هؤلاء يضربون الصوم في قلبه! تراث الكنيسة في العطاء، وخصوصًا في فترة الصوم، تراث قديم جدا من القرن الأول. هناك بعض الشهادات التي كانت المسيحية من القرن الثاني تعيشها وتُحقّقها في مجال العطاء: يذكر القدّيس يوستينوس (القرن الثاني) في دفاعه عن المسيحيّين: “نحن -المسيحيّين- الذين أَحببنا طُرُق اكتساب الأموال والحصول على الممتلكات فوق أيّ شيء آخر كبشر، نقدّم الآن لصندوق الشركة (الذي للكنيسة) ما نملك، ونُشارك به مع كلّ شخص محتاج”. إذًا كان هناك صندوق رسميّ منذ القرن الثاني في الكنيسة، وهو ما نسمّيه اليوم في بعض الرعايا “صندوق محبّة”، “صندوق الفقير”. وفي دفاع آخَر يقول: “لقد توجّهَ اهتمامُنا للمنبوذ والمهمَل. وأصبحت محبّتُنا العمليّة هي العلاقة المميّزة لنا أمام العدوّ (أي الوثنيّ)… انظرْ ما يقول الوثنيّون عنّا. يقولون: كيف يحبّون بعضُهم بعضًا، وكيف هم على استعداد للتضحية بحياتهم بعضهم من أجل بعض”. لذلك يُعتبر المال والغنى لدى المسيحيّين، وبخاصّة عند آباء الكنيسة الكبار، نعمةً من حيث إنّه يسمح لمالكه بأن يعطي ويعمل أعمال رحمة ويساعد كثيرًا. وتغيّر مفهوم المال والغنى، من أن يكون بركةً من الله نستحقّها، إلى أن يصير نعمةً يعطيني إيّاها الله لكي بواسطتها أنال بركات كثيرة. كيف أنال البركات؟ عندما أُعطيها، وليس عندما أخزّنها. لذلك فالتقليد (التراث) المسيحيّ ينظر إلى الغنى على أنه وكالة وليس مُلكًا شخصيًّا. المسيح قال: “إنّه أسهلُ على الجمَل الدخول من خرم الإبرة من أن يدخُل الغنيّ إلى ملكوت السموات”، فيسأله تلاميذه: “مَن يستطيع أن يخلُص إذًا؟”. فيجيبهم بالقول: “عند الناس ليس مستطاعًا، وأما عند الله فكلّ شيء مستطاعٌ”. آباء الكنيسة يشرحون هذا القول بأن الغنى هو سبيل، واسطة، أسلوب، طريقة، إمكانيّة لكي ننال الرحمة الإلهية عندما نوزّعه ونعطيه للمحتاجين، لأنّي بقدر ما أُعطي آخذ بركة. فإذا كنتُ غنيًّا، وإذا كان عندي إمكانيّة كبيرة، فأنا آخذ بركات أكثر بقدر ما أعطي من هذا الغنى. ولذلك يُعتبر الغنى أو المال وكالةً وكّلني الله بها لكي أُوَزّعها لأبنائه المناسبين والمحتاجين، وهي ليست شيئًا لي. وهذه هي النظرة اللاهوتيّة العميقة. يقول القدّيس كبريانوس: “المُلكيّة وكالة، والأغنياء وكلاء لها، وعليهم أن يُسايروا (أي يشابهوا) إحسان الله وكرَمه في مشاركة الأشياء المادّيّة مع جيرانهم حتّى يكون طعامٌ للجميع، وحتّى تكون الأرض مُلكًا مشتركًا للجميع”. يقول الذهبيّ الفمّ: “أولئك الذين أُهاجمهم ليسوا الأغنياء إنّما أولئك الذين يُسيئون استخدام ثروتهم، فالثروة شيء واشتهاء مال الغير شيء آخر”. يمكن أن تكون لديك ثروة تستخدمها في أعمال المحبّة، ويمكن أن تكون لديك ثروة وتُخزّنها. يقول القدّيس أمبروسيوس: “الصدقة من جانب البخيل ليست إلا مجرّد استعادة لأشياء مسروقة”. يعني ذلك أنّني عندما أعطي شخصًا محتاجًا رغيفًا إنّما أكون أُعيدُ إليه الرغيف الذي سرقتُه منه. الأسبوع الماضي، حصلتْ خبرة صغيرة أُخبركم إياها: كنا في رحلة في الإمارات العربية في دبي مع الرعية. هناك سيدة أعرفها من زمان، منذ أن كنتُ كاهنًا، زوجُها أحواله جيّدة جدًّا، كريم كثيرًا عليها، ولكنه ظالمها وهاملها كليًّا، وعنده صاحبات عليها. طبيعيّ أن امرأةً بهذا الوضع ليست سهلة. هذه تشارك في كل رحلة تُقيمها أية كنيسة لأنها بحاجة إلى أن تخرج. زوجها يعطيها أموالاً، وهي تصرف. تعوّض عن فقدان زوجها بالشراء. ففي علم النفس، التسوُّق (الشوبينغ) هو تعويض. كانت في “مول” مع رفيقتها التي تتألم لوضعها وتسألني كيف نساعدها. رأت “جزدانًا”، فقالت لرفيقتَها: أليس جميلاً؟ هل أشتريه؟ أجابتها رفيقتها: من حيث الجمال، هو جميل، فإن أَردتِهِ فاشتريه. قالت السيدة: “والله لا أعرف، لأن عندي 4 خزائن مليانة “جزادين”، فماذا أفعل به؟”. وفي النهاية، عادت واشترته. واضحٌ أن هذه لا تشتري لكونها في حاجةٍ، بل لكي تشعر بأنها موجودة. هذا مَثَل صارخ! ولكن هناك الكثير منه اليوم! فلماذا يكون لديّ أغراض بهذا المقدار؟ ماذا أفعل بها؟ سُئلتْ إحدى المذيعات المشهورات، في مقابلةٍ تلفزيونية أُجريت معها، عن بيتها الذي في الجبل والذي أُصيب بالقصف خلال الحرب واحترق. سُئلتْ: ما هو الشيء الذي لم تستطيعي أن تُنقذيه من البيت وحزنْتِ عليه؟ أجابت: “كان عندي 300 “سكربينة”، وقد حزنتُ عليها لأني أَجمعها منذ سنين، ولكنها احترقت في لحظة”. هذا أيضًا مَثَلٌ صارخٌ! ولكن، على مستوانا الشخصي، على كل واحد منا أن يُفكّر: كم عندي من أشياء لستُ بحاجةٍ إليها؟ ومرّات كثيرة، أعود وأُكدّس! وهكذا أقدر أن أرى أشياء كثيرة سرقتُها من الذين ليس عندهم إياها! قد يكون قول القديس أمبروسيوس قاسيًا جدًّا. لكن في الواقع جيّد أن يعيش الإنسان كما يصلّي: خبزنا الجوهريّ أَعطنا اليوم. هذه نصلّيها كل يوم، غير أنّنا للأسف لا نعمل بموجب هذه الصلاة على مستوانا، في حياتنا، ولا نطبقها عمليًّا. هناك أشياء كثيرة لا تَلزَمنا ونقدر أن نعيش بدونها، ومع الوقت تَبلى في خزائننا من “الضَبّ” ولا نستفيد منها. أُنهي ببعض الخبرات التي تساعدنا في تنمية حب الفقير في داخلنا، وفي نفس الوقت تُساعدنا على أن نُعطي كمّيّة أكثر للفقير، دون أن نتعب أو نشعر بأننا مُجهَدون بهذا العطاء. الصوم قادِم. ومفيدٌ كثيرًا هذا الأحد لكل سيدةٍ منكم -وهذا أفعله أنا أيضًا، وأتكلّم به مع رعيتي- أن تضع “قجّة” إسمها “قجّة الصوم“، تضعها في غرفتها في مكان بارز وليس مخفيًّا حتى تبقى أمامها، وتضع فيها ثمن ما تقدر أن توفّره من أشياء تريد أن تعفّ عنها في الصوم، وفي آخر الصوم تعطيها إلى فقير. لقد حصلت معنا خبرة جميلة جدًا سنة 1992: قلتُ لأهل الرعية إن الصوم آتٍ، والصوم عطاء، وأتمنى أن تعملوا “قجّة الصوم”، وعندما يَحِلُّ يوم الجمعة العظيم، في صلاة إنزال المصلوب (صباحًا)، تضعون كل هذه “القجج”، وستجمعها لجنة من الكنيسة وتُخبركم بما ستفعله بها حصرًا من أجل مساعدة الفقراء. وإذا كان عندكم أحد تريدون مساعدته، فلستُم مجبَرين أن تأتوا بها إلى الكنيسة. دخل ولد عمره 9 سنين إلى الهيكل يوم سبت النور، وهو حامل علبة قميص كرتونيّة ثقيلة جدًّا بالنسبة إلى ولدٍ بعمره، وقال لي: يا أبونا، أنا جمعتٌ “قجة الصوم” ولم أَقدر أن أُحضرها البارحة. قلتُ له: سلّمها إلى السيدة التي على الوكالة. بعد الصلاة، أتت السيدة وقالت لي: هل تعلم ما كان في قجّة فادي؟ قلتُ: لا. قالت: فيها 550 ليرة سورية، أي ما مقداره 30% من معاش مهندس في تلك السنة، وكلّها ليرات معدنيّة، وهذا يعني أنه وفّرها من مصروفه اليوميّ. واليوم صار فادي مهندسًا، وحتى اليوم يقول لي: أنا لا أقدر أن أصوم إذا لم تكُن القجّة معي. إذًا، نحن نربّي أنفسنا بأشياء عمليّة وبسيطة جدًّا. فلا يقعَنَّ أحد في هذا الفخّ الشيطانيّ، ولا يقولَنّ: أنا محدود الإمكانيّة ولا أقدر أن أعمل شيئًا. كلّنا نقدر أن نُقدّم شيئًا مهما كان قليلاً، فعندما يُجمَع مع بعضه يُصبح كثيرًا، والله يُبارك كثيرًا. يجب فقط أن يكون عندنا اتّكالٌ حقيقيّ بأن الله هو الذي يباركنا، والله هو الذي يُعطينا الخير الذي نحتاجه. فلا نخافَنَّ من شيء. سأختُم بهاتين القصّتين من التراث الروسيّ: البارحة كان عيد القديس كاسيانوس الروميّ (عيده في 29 شباط، ولكننا نعيّد له 3 سنوات مع القديس الذي في 28 شباط، وفي السنة الرابعة، أي السنة الكبيس، نعيّد له وحده يوم 29 شباط). هناك قصّة روسيّة شعبيّة معبّرة وتحمل تعليمًا. في أحد أيام الشتاء المثلجة القاسية في روسيا، طلب مار نقولا ومار كاسيان إذنًا من الرب لكي ينزلوا من السماء ويرَوا كيف يعيش الناس. أعطاهما الله الإذن بشرط أن يعودا قبل الغروب. ترك القديسان السماء. وإذ هما في الجوّ، صارا ينظران الناس تحتهما. كانت هناك قرية موحلة فقيرة يسقط عليها مطر كثير والثلج يذوب. رأَيا رجلاً غرقتْ عرَبته في الوحل، وأَعمًى أضاع الطريق وليس مَن يرشده، وأرملةً تأخذ طفلها المريض إلى الطبيب، وأولادًا تعثّروا ووسّخوا ثيابهم ولا من يساعدهم على تنظيفها. لم يتحمّل مار نقولا المنظر، فشمّر ثوبه الأبيض، ونزل يساعد الرجل الذي غرقت عربته، وقاد الأعمى إلى منزله، وشفى ابن الأرملة المريض… وقضى كل النهار وهو يخدم كل هؤلاء المساكين. في هذا الوقت، كان مار كاسيان لا يزال في الجو يناديه قائلاً: يا نيقولاوس، تأخّرنا؛ يا نيقولاوس، سوف يُعاقبنا الله؛ يا نيقولاوس، أَسرِع لننطلق. ونيقولاوس يجيب: لم أنتهِ بعد؛ لم أنتهِ بعد. ولم يترُك الأرض حتى كان قد أنهى كل خدمته ولم يعُد هناك أي شخص بحاجة إلى مساعدة. وصل القديسان من جديد إلى السماء، وكان في انظارهما ملاكٌ أَبلَغَهما أن يدخُلا بسرعة لأن الله يسأل عنهما. ركضا إلى الداخل دون أن يستطيع مار نقولا أن يُنظّف ثوبه الذي اتّسخ. سألهما الله: لماذا تأخّرتما على الرغم من أننا اتفقنا أن تعودا قبل الغروب؟ وتطلّع الله إلى ثوب مار نقولا، وسأله: لماذا ثوبك الأبيض صار كلّه موحلاً متّسخًا؟ أجاب مار نقولا: عُذرًا يا الله، فهذا هو سبب تأخّري… وهكذا حصل معي. إبتسم الرب، ثم نظر إلى مار كاسيان، وسأله: وأنت ماذا كنت تعمل؟ أجاب: كنتُ واقفًا في الجوّ لئلاّ أوسّخ ثوبي، وأُذَكّرُ مار نقولا بألاّ يتأخر. فقال الله لمار نقولا: لأنكَ مُحبّ، سيكون لك عيدان في السنة (6 كانون الأول، و9 أيار). ثم قال لمار كاسيان: لأنك تصرّفتَ هكذا، ولم يكن عندك محبّة، فسيكون عيدُك كل 4 سنين مرّة! هناك قصّة شعبية روسيّة أُخرى تتكلّم عن امرأة عجوز بخيلة جدًّا، لم تعمل في حياتها عمل خيرٍ إلا مرّة واحدة حين قصدَتْها شحّادةٌ فقيرة وجائعة استمرّت في طرق بابها تُلحّ في طلب المساعدة. وقتَها، لكي تتخلّص منها، أَعطتها العجوزُ بصلةً، مدّعيةً أنه ليس لديها سواها، وصرفَتْها. وحين توفّيت العجوز البخيلة، انتقلت إلى السماء. فلمّا رآها ملاكُها الحارس ورجلاها غارقتان في النار، قال لها: ماذا أقول لكِ؟ ليس لديكِ أيّ عمل صالح لأُصعِدكِ به من النار إلى الجنّة، ولذلك لا أَقدر أن أُساعدكِ وأُصعِدَكِ. فذكّره الملاك الواقف إلى جانبه، والحامل ميزان المحاسبة، بقوله: تذكّر! لا يُعقَل أنها لم تصنع خيرًا في حياتها! ثم سألها: ألا تذكُرين عملَ خيرٍ واحدًا عمِلتِهِ؟ أجابته: بلى، مرّةً أَعطيتُ بصلةً إلى شحّادة. قال الملاك: حسنًا. خُذ، هذه بصلة، ودَعْها تتمسّك بها، ثم أصعِدْها. دلّى ملاكُها الحارس البصلة، فتمسّكت بها جيّدًا، وراح يرفعها ببطءٍ شديد. ثم إن رجُلاً كان مغمورًا كله بالنار تحت المرأة، هذا، لمّا رآها تَصعَد من النار، قفز بدوره وتمسّكَ برجليها علّهُ يَصعد معها. خافت المرأة ألاّ تحتمل البصلة كل هذا الوزن، فبدأت “تُلبّط” وتقول له: اترُكني أَصعد وحدي، فهذه البصلة بصلتي. وعندما راحت “تُلبّط” غير راغبةٍ في أن ترفعه معها، تمزّقت البصلة فسقطت المرأة من جديد في النار. هذه أيضًا قصّة تُعبّر عن أهمية المحبة في خلاصنا! إذًا، خلاصُنا مرتبط بعيش المحبّة. ولذلك يقول لنا يوحنا الإنجيليّ، ويعقوب الرسول: “لا تكن محبّتكم بالكلام بل بالعمل وحده”. صومًا مباركًا! |
||||
13 - 06 - 2016, 08:14 PM | رقم المشاركة : ( 13054 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سرّ الكهنوت
الكنيسة منظّمة إلهيّة إنسانيّة Théandrique، إلهيّةٌ لأنّها جسد المسيح الحيّ، وإنسانيّةٌ لأنّها مجتمعٌ بشريٌّ محدَّد. كمنظَّمةٍ بشريّة هيرركيّة، ترتبط بسرّ الكهنوت وبمجمع الأساقفة. رأس الكنيسة يسوع المسيح الإله الإنسان، ورأسها المنظور في الكنيسة المحلّيّة هو الأسقف، صورة المسيح مكانيًّا. الأسقف هو أبٌ روحيٌّ وراعٍ، على مثال يسوع المسيح “الراعي الصالح”، يرعى شعبَهُ قاطعاً باستقامةٍ كلمةَ الحقّ”. إلى جانب الأسقف، هناك الكاهن والشمّاس. الكاهن يُقيم الأسرار (كالقدّاسِ الإلهيّ وسرّ المعموديّة..) ما عدا سرّ الشرطونيّة (رسامة إكليريكيّ). الكاهن أبٌ روحيٌّ وَراعٍ لِرعيّتِه. كأبٍ روحيٍّ يُمارسُ سرّ التوبة والاعتراف. الشمّاسُ يُساعدُ الأسقفَ أو الكاهن في إقامة الأسرار، وكذلك في الأعمال الاجتماعيّة. الكاهن، حسب القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم، يتمتّع بخدمةٍ تفوق خدمة الملائكة القدّيسين. هذا يعود ليس إلى استحقاق الكاهن الشخصيّ بل إلى النعمة الإلهيّة “التي في كلّ حين للمرضىَ تَشفي وللناقصين تُكمّل”. الكنيسة بذلك تصبح مستشفى فيها يُبَشَّرُ بإنجيل الملكوت، ويرعى فيها الأسقف (أو الكاهن) شعبَ الله كمرشدٍ روحيّ وكطبيب للنفوس، عن طريق سرّ التوبة والاِعترافِ والإرشادِ النفسيّ والرّوحيّ. الجدير بالذكر أنّ الكنيسةَ، بشريّاً، لا تتألّفُ من الإكليريكيّين (الأساقفة والكهنة والشمامسة) فقط، بل وأيضًا من المؤمنين العلمانيّين. كلّهم يؤلِّفُ شعبَ الله، شركةَ يسوع المسيح الإله الإنسان. حسب القدّيس ديونيسيوس الأريوباجيّ، يُفترض أن يكون الشمّاسُ مجرّداً من الأهواء، والكاهنُ مستنيراً، والأسقفُ متَّحداً بالله “قديساً”. هذا صحيح، لكن عملّيًّا نحن كلُّنا خطأةٌ نُجاهدُ عن طريق التوبةِ في سبيلِ خلاصِ نفوسِنا. مِن هُنا نَستَوحي الملاحظات التالية: أنّ الإكليريكيّين بلا استثناء لا يزالون بَشَراً ضعفاء وخطأة، يُجاهدون هم أيضًا من أجل خلاص نفوسهم. مع ذلك ينبغي لهم بقدر إمكاناتهم أن يكونوا قدوةً لبقيّةِ الناس، بل وبعيدين أيضًا عن المعاصي الكبيرة والمُعثرة. لذلك قال عنهم القديس غريغوريوس اللاهوتيّ إنّ عملَهم عملٌ تربويّ pédagogique في إرشاد النفوس إلى الخلاص”. نفهم من كلّ هذا أنّ عمل الكاهن لا يقتصر على إقامة الأسرار (القدّاس، المعموديّة، الإكليل، الجنازة…) روتينيّاً، بل يشمل أيضًا كما ذُكر التعليم والإرشاد ورعاية النفوس. ليس موظّفاً، بل راعٍ وأب. هذا يعود، كما قلنا آنِفًا، إلى النعمة الإلهيّة التي يأخذونها في أوان الشرطونيّة. أخيراً وليس آخراً تعلّم الكنيسة بكلّ حكمة أنّ الأسرار المقدّسة (كالأفخارستية) تفعل في المؤمنين استناداً إلى نعمة الخادم الكهنوتيّة، وليس وَفقاً لطهارة نفسه وسلوكه العامّ. + أفرام مطران طرابلس والكورة وتوابعهما |
||||
13 - 06 - 2016, 08:15 PM | رقم المشاركة : ( 13055 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الشكر
حديث المسيح لنا اليوم في الإنجيل المبارك حديث عن الشكر: بُرصٌ مصابون بمرض كان فتّاكًا آنذاك، برص عشرة لا يعود منهم إلا واحد، وكان غريبًا عن دين اليهود، ليشكر الرب لهذا الشفاء الذي نال. بهذا يعلّمنا الإنجيل أن المؤمن يعلم ان الله أعطاه كل شيء وأن كل ما يصنعه من خير إنما يأتي من الرب، من نعمة منه ومن فضل كبير. ولهذا اذا عرفنا أن الله يلتفت الينا بالكرم، نحن بدورنا نتوجه الى الله بما يقابل الكرم اي الشكر. ان أهم صلاة عندنا، اي القداس الإلهي، تُدعى سرّ الشكر. المناولة او القرابين هي سرّ الشكر. نجتمع لنقول للآب: بحق واجب نشكرك ونحمدك لأنك أنت أبرزتنا من العدم الى الوجود، لأنك انت خلقتنا. جئتَ بنا الى النور، وهذا فضل منك. إنك أظهرتنا في هذه الدنيا وجعلتنا خلفاء لك فيها مسؤولين عن رعايتها. جعلتنا أشداء لنحكم الأرض ونردّها إليك. من أجل هذا نحن شاكرون. لا نشكر لأن الله أعطانا المال. هذا كلام غير وارد في الكتاب الإلهي. فالمال قد يأتي من الله وقد لا يأتي من الله بل من الكيد والسرقات ومن إرث، وليس لنا فضل في الإرث. لم يقل آباء الكنيسة “هذا أنعم عليه الله بالمال”، بل قالوا عن انسان ان الله أنعم عليه بالفقر، بفقر يقرّبه من الله. في كل حال لا نشكر في الكنيسة من أجل المال. نشكر من أجل الطبيعة هذه التي خرجت من يد الله. ولا نشكر من اجل الصحة. الصحة ليست دائمًا مفيدة، وتكون أحيانًا طريقنا الى الخطيئة. لذلك نشكر ايضًا من أجل المرض لأنه في كثير من الأحيان يكون عند المؤمن سبيلا الى التوبة. ما يقرّبنا من الله، هذا من أجله نشكر. في القداس الإلهي نشكر من أجل أهم شيء حدث عبر التاريخ اي الفداء، فنقول: نشكرك من أجل هذه الذبيحة الإلهية التي أعطيتنا… وفي الليلة التي فيها أُسلم المسيح والأولى انه أَسلمَ ذاته من أجل حياة العالم، إذ أخذ خبزًا بيديه المقدستين الطاهرتين البريئتين من العيب وشكر وبارك وقدّس… شكر المسيح من أجل الخلاص ، ولكونه شكر، اي لكونه عاد بالروح الى أبيه، استطاع ان يعطينا. الله بعطائه يربّينا، يربّينا بما يعطي ويربّينا بما يحرُم. المحب يؤدب ابنه، والوالد يؤدب ابنه بوسائل شتّى: يُفهّمه ويدلّله ويعاقبه. المهم أن يتهذب ابنه. ما عدا ذلك كله وسيلة. اذا ما ضرب الله فهو يضرب لأنه يحب. ولهذا نحن نشكر الله عندما نمرض وعندما نموت. نشكر في كل حال. نشكره ونصبر. وهكذا ننسجم مع قوّة الله. الكون كله مشروع الله، ونحن كلما أطعنا وصبرنا واحتملنا يُنفّذ مشروع الله للكون من خلالنا نحن. ولهذا نصلّي حتى نعتاد إرادة الله فينا، نعتاد ما يريده الله ليربّينا على أفكاره. نصلّي لنأخذ فكر الله، ونشكر لأننا نشعر أننا فقراء الى الله. أهم نعمة يهبنا إيّاها الله أن نشعر أننا فقراء، محتاجون اليه في كل لحظة، في كل وقت، في الصحة وفي المرض، في الجمال، في البشاعة، في كل وقت نحن فقراء اليه ولهذا نشكره. “نشكر الله الآب الذي أَهّلَنا لشركة ميراث القديسين في النور، الذي أَنقذَنا من سلطان الظلمة الى ملكوت ابن محبته” (كولوسي ١: ١٢-١٣). جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان) |
||||
14 - 06 - 2016, 05:22 PM | رقم المشاركة : ( 13056 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القديس فاوستو الذى كان عندما يمنعه الملك من الصلاه تذبل الزهور والنباتات وُلد في بلدة الغواريا بأسبانيا وقد كرس حياته منذ صباه من أجل خدمة الفقراء والمحتاجين وفي إحدى رحلاته الخدمية بالبحر المتوسط وقع أسيراً في أيدي القوات التركية التي احتلت المنطقة وعمل كعبد لدى واحد من كبارهم فجعله واحد من مزارعي حقوله وكلما رأى القديس يصلي أخذ في اضطهاده ومضايقته وكلما منعه من الصلاة تتوقف نباتات الحقل عن النمو ويذبل الكثير منها وكأن يد خفية تضرب النباتات بالذبول كلما اضطهد القديس فاوستو .... فرأى ذلك الشخص رؤيا أنه كلما إزداد القديس في صلواته إذدهرت أيضاً مزارعه فترك القديس يصلي كما يشاء بل طلب منه أيضاً أن يصلي لأجله ... وبعد فترة عاد إلى موطنه بالغواريا حيث ظل بها إلى أن تنيح في عام 604م .بركة صلواته وشفاعته فلتكون معنا ومعكم يا آبائي وإخوتي . آمين . |
||||
14 - 06 - 2016, 05:52 PM | رقم المشاركة : ( 13057 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الإنجيلين المعمدانيون (نشأتهم والعقائد الأساسية)
نشأتهم: هم واحدة من آلاف الشيع البروتستانتية التي تسمي نفسها كنائس. تعود بدايتهم لعام ١٦٠٩ حين أختلف شخصان إنكليزيان، هما جون سميث وتوماس هلويز، مع ما يسمى كنيسة إنكلترا، التي بدورها كانت انشقت عن الكاثوليكية قبل ذلك الوقت بنحو٧٠ عام. كان خلافهما حول بعض العقائد الرئيسية كمعمودية الأطفال، السلطة الكنسية وعلاقتها بالدولة. فانفصلا عنها وأسسا ماعرف في ما بعد بالكنيسة المعمدانية. كان سميث غير مقتنع بمعمودية طفولته. فرش نفسه بالماء مع آخرين عام ١٦٠٩معيدا تعميد نفسه. فكانت بدايتهم، رغم تشكيك سميث في صلاحية تعميد نفسه وفي إنشاء معمودية جديدة. اضطهدت الكنيسة الإنكليزية هؤلاء المعارضين، فلجأ سميث إلى هولندا وأسس كنيسة معمدانية. بينما بقي توماس هلويز في إنكلترا واستطاع أن يؤسس أول كنيسة معمدانية هناك بعد سميث بنحو سنتين. بعد فترة عاد سميث إلى إنكلترا حيث بدأ الإثنان نشاطا كبيرا في نشر دعوتهما الجديدة التي وصلت أمريكا عام ١٦٣٩. رغم تبنيهم اللاهوت الكالفاني، أصدروا في لندن أول اعتراف إيمان خاص بهم عام ١٦٤٤. ومنذ بدايتها انقسمت هذه الشيعة الى قسمين، قسم بقيادة جون سميث آمن بحرية الاختياروقسم آخر آمن بالجبرية.وكانت هناك حركة أخرى، سُمّيت مجددي المعمودية، يرفضون معمودية الأطفال ويعمدون الداخلين إليهم. قامت مبادئهم على تفسير الكتاب المقدس تفسيراَ حرفياَ. وبسبب مناداتهم بحرية الضمير تعددت عقائدهم، فمزج بعضهم الروحانيات بالماورائيات واعتقدوا بمذهب وحدة الوجود. بعضهم الآخر انحرف إلى حد إنكار عقيدة الثالوث ولاهوت المسيح في حين أنكر آخرون حقيقة جسده البشري. كما وقامت مبادئهم التنظيمية على فصل الكنيسة عن الدولة وعلى استقلال الكنائس المحلية. حجج الإنجيلين المعمدانيين هناك مقولة شائعة لدى كل شيع البروتستانت تقول: أن الشيطان بدأ بإدخال تغيرات على عقيدة الإيمان بالمسيح منذ القرن الرابع، وتحديدا مع الإمبراطور قسطنطين الكبير، الذي كان له فضل كبير في وقف اضطهاد الكنيسة والذي أدخل -حسب زعمهم- تعاليم جديدة على حقيقة الإنجيل. فابتعدت الكنيسة عن الروحانية والبساطة الإنجيلية. وبعضهم يقول ان الانحراف بدأ بعد موت الرسل مباشرة مستشهدين بتنبؤ بولس الرسول: “ولكن الروح يقول صريحا إنه في الأزمنة الأخيرة يرتد قوم عن الإيمان تابعين أرواحا مضلة وتعاليم شياطين في رياء أقوال كاذبة موسومة ضمائرهم” (١ثيموثاوس ٤: ١). متجاهلين أن هذا القول ينطبق على الإنجيلين المعمدانيين وغيرهم من الذين نشأوا في “الأزمنة الأخيرة”. أماإيمان الكنيسة الأرثوذكسية فهو ذاته كما كانت تعيشه في زمن الرسل، وكل الكتابات التي تركها آباؤها وقديسوها من القرن الأول الى القرن الرابع تشهد لذلك. سنثبت هذا الأمر في كل عقائد الإيمان التي سنطرحها بالتفصيل في المقال لاحقا. السؤال الذي يطرح نفسه هل يمكن لكنيسة المسيح أن تنحرف عن الحق الرسولي؟ و هل الروح يقسم أم يجمع؟؟طبعا من المعروف أن شيعهم تتكاثر بشكل يتجاوز المعقول. فكل بروتستانتي لا يوافق على تعليم قسيسه يفتح كنيسة مستقله على حسابه. نعلم من الكتاب المقدس بأن الروح القدس هو الذي يجمع تلاميذ المسيح ويوحدهم بفكره الواحد. فكيف يفسرون انقسامات شيعهم التي أصبحت بالآلاف. أليست ضد تعليم السيد المسيح وإرادة الله؟ “ولكنني أطلب إليكم أيها الإخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تقولوا جميعكم قولا واحدا ولايكون بينكم انشقاقات بل كونوا كاملين في فكر واحد ورأي واحد” (١كورنثوس ١: ١٠). العقائد المعمدانية الرئيسة ليس للإنجيلين المعمدانيين هيئة كنسية عليا أو أسقف، بل استقلالية لكل كنيسة محلية؛ لا بالإدارة فقط، إنما في مواضيع الإيمان والعقيدة، التي يصوت عليها ضمن حدود كلمة الله حسب زعمهم.ويمكن لكل معمداني بأن يفسرها فرديا، كما يراه هو صحيحا. لهذا نجد اختلافات عديدة بين كل كنيسة وأخرى. فالعقيدة بالنسبة إليهم ليس لها أي أهمية في عملية الخلاص، فتحولت المسيحية عند بعض شيعهم إلى بعض المبادئ الأخلاقية والسلوك الحسن. أما عقيدة معرفة المسيح الحية، التي كشف لنا بها نفسه، وعملية جهاد الإنسان الروحي وانتزاع الخطيئة من النفس؛ ماعاد لها مكان في ناموسهم. ففقدوا كل علاقة مع التقليد الرسولي الواحد، الذي بنيت عليه الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية. وجود أكثر من ٦٥ فئة معمدانية في العالم يجعل من الصعب تحديد عقائدهم بدقة، فاخترنا النقاط المشتركة بين فئاتهم.
يتبع… |
||||
14 - 06 - 2016, 06:57 PM | رقم المشاركة : ( 13058 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الــــرِّعَــــايَة
بعد قيامته من بين الأموات ظهر الرَّبُّ يسوع للتَّلاميذ في الجليل، كما سبق وأمرهم، فأعطاهم الوصيَّة التَّالِيَة: “اِذْهَبُوا وتَلْمِذُوا كلَّ الأُمَمِ وعَمِّدُوهُم باسمِ الآبِ والابنِ والرُّوحِ القُدُسِ، وعَلِّمُوهُم أَنْ يَحْفَظُوا كلَّ ما أَوْصَيْتُكُم به، وها أنا مَعَكُم كلَّ الأيَّامِ إلى انْقَضَاءِ الدَّهْرِ” (متَّى 28: 19-20). تذكَّرُوا، أيضًا، ما يَذْكُرُ الإنجيل أكثر من مرّة: “كان يسوع يطوف المدن كلّها والقرى يعلِّم في مجامعها ويكرِزُ ببشارة الملكوت ويشفي كلّ مرض وكلّ ضَعْفٍ في الشَّعب” (متى 9: 35). أخيرًا وليس آخِرًا، ظهر للتّلاميذ في عشيَّة أحد الفصح و”نفخ فيهم وقال لهم خذوا الرُّوح القُدُس من غَفَرْتُم خطاياه تُغفر له ومن أَمْسَكْتُم خطاياه أُمْسِكَت” (يوحنَّا 20: 22-23). في هذه المقاطع الإنجيليَّة وغيرها، يَحُثُّ تلاميذه (ومنهم طبعًا الكهنة الرُّعاة) من خلال الاِقْتِدَاءِ به ومن خلال وصاياه على واجب التَّعليم والبِشَارة وممارسة سرّ الاِعتراف وغفران الخطايا وشفاء النَّفْسِ والجسد. كذلك، نرى الرّسول بولس يتوجَّه إلى تلميذه تيموثاوس بقوله: “كُنْ قُدْوَةً للمؤمنين”، وأيضًا “اعْكُفْ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالْوَعْظِ وَالتَّعْلِيمِ… لاَحِظْ نَفْسَكَ وَالتَّعْلِيمَ”(1 تيموثاوس 4: 11 و12 و13 و16)، ممّا ينتج على أنَّ الكاهن عليه أن يتعب على نفسه من أجل الوعظ والتَّعليم، وأيضًا من أجل شفاء نفسه ونفوس الآخَرِين. طبعًا، كلّ واحد مِنَّا له مواهبه وضَعَفَاتِه. علينا، نحن الرُّعاة، أن نعرف ونعترف بضَعَفَاتِنَا حتَّى، على الأقلّ، نضبط الضَّعْفَ حتَّى لا يكون عَثَرَة. في الوقت نفسه، علينا أن نُنَمِّي مواهبنا في سبيل بنيان الكنيسة جسد المسيح. بهذه الطَّريقة تُسَاهِم الكنيسة، بواسطتنا، نحن الأطبَّاء الرُّوحيِّين، في رعاية النُّفوس وشفائها. * * * هنا، وأتوجَّه بخاصَّة إلى الرَّعاة الكهنة الأحبّاء، الكاهن الرَّاعي لا يُطَالِبُ بحقوقٍ، له فقط واجِبَات. يقول النَّبيّ حزقيال: “ويلٌ لرعاةٍ يَرْعُونَ أنفسهم… إنَّكُم تأكلون الألبان وتلبسون الصُّوف… لكنكم لا تَرْعون الخراف… الضِّعاف لم تُقَوُّوها، والمريضة لم تُدَاوُوها، والمكسورة لم تُجَبِّرُوهَا، والشَّارِدَة لم تَرُدُّوها، والضَّالَة لم تَبْحَثُوا عنها” (حزقيال 34). في العهد الجديد، وبدقَّة، نلمس عمل الرَّاعي العميق، الأساسيّ، في اتِّباع مِثَال الرَّبّ يسوع الرَّاعي الصَّالِح وحده. يقول: “أنا هو الرَّاعي الصَّالِح، الرَّاعي الصَّالِح يَبْذُلُ نفسه عن الخراف”. لقد مارس الرَّبُّ يسوع هذه الرِّعاية بموته على الصَّليب. يقول في سفر الرُّؤيا: “الحَمَلُ الَّذي في وسط العرش سَيَرْعَاهُم” (رؤيا 7: 17). “هوذا في وسط العرش حَمَلٌ قائم كأنَّه مذبوح… معروف سابقًا قبل تأسيس العالم” (رؤيا 5: 6 و1 بطرس 1: 20). لقد مارس الرَّبُّ هذه الرِّعاية طيلة حياته على هذه الأرض بتضحيته، وهو يتألمَّ سرِّيًّا من أجل محبّة الإنسان وخلاصه منذ إِنْشَاء العالم وحتَّى إلى آخِر الدُّهور. هذا هو المَثَلُ الأَعْلَى للاِقْتِدَاءِ به. أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما |
||||
15 - 06 - 2016, 06:38 PM | رقم المشاركة : ( 13059 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
رحله العائله المقدسه إلى مصر عندما سمعت العذراء مريم ما قاله الملاك ليوسف ، أسرعت وأخذت الطفل الإلهى على ذراعيها فى مخبأ قريب وطلبت من ( يوسف النجار وسالومى ) أن يجمعوا بعض الملابس وكذلك هدايا المجوس وبعض الخبز الجاف ووضعوهم فى كيس على أحد جانبى الركوبة ، وعلى الجانب الأخر من الركوبة وضعا وعاء مملوء ماء للشرب ، ثم وضعا على ظهــر الحمار بعض الأقمشه القديمة ، وبعدها ارتحلوا ليأخذوا العذراء والطفل يسوع مــــن مكـــــان اختباءهم مشيراً إلى أن المكان حاليا يقع فى الجانب الجنوبى الشرقى من كنيــــسة الميـــلاد ( المهد ) ، وقامت السيدة العذراء بإرضاع الطفل يسوع ، ونظرا للخوف والاضطراب الذى كان يلحق بهما ، سقطت بعض نقط اللبن على أرضيه المخبأ الصخرية وفى الحال تحول مكانهــــأ إلى اللون الأبيض . بدأت العائلة المقدسة فى التحرك فى الاتجاه الغربى نحــــو مصر متحاشين الطريق المعروف للقوافل التجارية ، وبعد مسافة 19 كم وفى فجر اليوم التالى وصلوا إلى قرية تسمى ( فاراس ) وكانت العائلة المقدسة تشعر بخوف من تتبع جنود هيرودس لهم ، فأختبأوا فـــى حانه ( دكان ) ليتحركوا مرة أخرى تحت ظلال الليل ، فقضوا النهار فى رعـــب شـــديد ، وأن طول الوقت والقديسة مريم محتضنة الطفل يسوع فى حضنها . وعند الغروب ، كان يوسف وسالومى ، نائمين بينما كانت العذراء يقظة فى حراسة الطفل الرضيع ، وقد سمعت من النازحين بالحانه أنهم يتكلمون عن مذبحة الأطفال فى بيت لحـــم ، وأن جنود هيرودس قتلوا أعداداً كبيرة من الأطفال من عمر سنتين فما أقل !! بسرعة شديدة أيقظت العذراء يوسف وسالومى وأخبرتهم بما سمعته وما يحـــدث الان من جنود هيرودس الملك ، فبسرعة جمعوا حاجاتهم وتركوا الحانه ســــائرين فى طــــريقهم باتجاه مصر كقول الملاك . ولكن ما حدث وللأسف أنه عندما وصلوا لسور القرية ، حيث وجوا أن البوابـــات قــد أغلقت ، وكان من المستحيل فتح الأبواب إلا فى الصباح الباكر ، واقترحت سالومـــى أن تــــضع يد الطفل يسوع على الأقفال ، وقد تم بالفعل أنه بمجرد أن لمس الطفل يسوع الأقفال حتـــى فتحت كل البوابات المقفلة ، وبعد خروج العائلة المقدسة قد أغلقت الأبواب مرة أخرى ، وبعد مسافة قدرها 17 كم كانت العائلة المقدسة قد وصلت إلى قرية الخليل حيث توقفـــوا لمــــلء وعاء الشرب ، وبعدها اتجهوا شرقا ، ثم بعد ذلك وبعد سفر 48 كم وصلوا إلى ساحة كبيــرة تسمى بئر سبع ، ونظراً للمطر الشديد ، بحثوا عن أى مظله تحميهم من الأمطار حتى وجدوا كهفاً ، ولما اقتربوا من الكهف ، أرتعبوا جميعاً نظراً لوجود أسدين متوحشين يزمجـــران … ، ونظر الطفل يسوع إلى الأسدين وأمرهما أن لا يقتربا من أى إنسان أو حيـــوان … ، وفـــى الحال تغيرت طبيعتهما وأصبحا مثل الحملان ، وسجدوا أمامه ، وبعدها دخلت العائلة المقدسة إلى الكهف !!! بعد ما استقرت العائلة المقدسة إلى الكهف ، احتاج الطفل يسوع أن يشرب ، ولم يوجـــد وقتها أى ماء !! فخرج يوسف لكى يبحث عن ماء لكنه رجع بدون أى نقطة ماء … فأبتسم يسوع وأشار ليوسف أن يأخذ قطعة حديد كانت موجودة بالصدفة فى الكهف ويضرب بهــا الأرض فحدث أن اندفع ماء نقى ، فشربوا وملئوا أوعيتهم ، وعند الغروب بدئوا مـــسيرتهم فودعهم الأسدان . ثم اتجهت العائلة المقدسة شمالا بعد مساحة 43 كم إلى غزة حيـــث اســـتراحوا واشتروا بعض احتياجاتهم من الطعام وملئوا أوعية المياه ، واستأنفت العائلة المقدسة الرحلة إلى مصر ، فساروا فى الطريق المعتاد للقوافل ، وهو الطريق الموازى للبحر الأبيض المتوسط وبعد مسيره 41 كم وصلوا إلى رفح حيث قضوا الليله فى حانه المدينة . على الحدود المصرية استقبلت بكل ترحاب وكرم ، وقد بارك الطفل الإلهى المكان ، لذلك فى العصر الرومانى بنيت كنيسة فى نفس المكان وأصبحت مقراً لأسقفية المنطقة ، ثــم تحركت العائلة المقدسة حتى وصلت إلى العريش ( حاليا ) . كانت العريش وقتها منطقة موبوءه بالمجرمين ، وكـــذلك مكــــان يعاقــــب فيــــه جميـــع المجرمين ، وقد قضت العائلة المقدسة ليلتها خارج بوابات المدينة ، ثم أستأنفت السير حتــــى وصلت إلى الفرما ، وقضت العائلة ليلتها وبقيت بعدها عدة أيام حيث احتفالات ميناء المقاطعة ، وتعامل أعل القرية ( الفرما ) مع العائلة المقدسة بكل ترحـــاب ، وقبيل مغـــادرة العائلة منطقة ( الفرما ) بارك الطفل يسوع المدينة ، وقال للعذراء أن كنائس كثيرة ســـتبنى فى هذه المنطقة ، وسيكون أناس كثيرين مؤمنه يذكرون اسمك فى هذه المقاطعة ، وبالفعـــل فى غضون القرن الرابع والخامس بنيت كنائس كثيرة وأديرة ، ولكن فـــى عــــصور لاحقـــة هدًّمت جميعها بواسطة مهاجمة الغزاة لمصر . بعد ذلك اتجهت العائلة المقدسة تجاه دلتا نهر النيل ، وواضح أن العائلة المقدســـة قـــد دخلت إلى مصر أثناء الحكم الرومانى ، وبالتحديد كان الحاكم الرومـــانى يـــسمى ” جانيس كورانيوس ” . |
||||
15 - 06 - 2016, 06:39 PM | رقم المشاركة : ( 13060 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تعرف على الشهور القبطية.. معانيها وأمثالها 13 شهرًا مرتبطين بـ"الآلهة الفرعونية".. ويساعدون الفلاح في الزراعة والتأقلم مع الجو كتب - نعيم يوسف على الرغم من تراجع استخدامه في مصر، وتصميمه في الأساس ليتناسب مع الحياة المصرية، والفيضان والزراعة، إلا أن التقويم القبطي -الذي لم يأخذ حقه- شمل أيضًا كل وادي النيل، ومازالت بعض الدول الإفريقية مثل "إثيوبيا وجزء من إريتريا وجيبوتي"، تستخدمه حتى الآن، وإن لم يكن بصورة رسمية، كما أنه مازال يُستخدم في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حتى الآن، في تحديد كل أعيادها وطقوسها. 13 شهرًا منذ آلاف السنين السنة القبطية تتكون من 13 شهرًا، يتألف 12 منها من 30 يومًا، والشهر الأخير يتكون من خمسة إلى ستة أيام، وهو شهر "النسء"، وتعود أسماء تلك الشهور في الأغلب العم إلى أسماء آلهة وأعياد دينية فرعونية منذ آلاف السنين، وتم تحويرها على مدار قرون حتى استقرت على هذه الأسماء القبطية. رغم تواري التقويم القبطي إلا أن الفلاح المصرى الذى احتضن هذا التقويم، وظل يتوارث العمل به في زراعته منذ عرف هذا التقويم في عام 4241 قبل الميلاد، ويصفه الموقع الرسمي لدير السريان، بأنه "دائرة معارف شعبية زراعية فلكية متميزة انطبعت في تراثنا المصري الأصيل"، حيث أنه مرتبط بشدة بتراث الأمثال الشعبية فى مصر ولا يخلو شهر من شهورها من مثل أو أكثر . أول الشهور الشهر الأول، هو شهر "توت"، واسمه مشتق من "الإله تحوت إله العلم والمعرفة"، وويبدأ في 11 سبتمبر من التقويم الميلادي، ومن أشهر أمثاله: "في توت أروى ولا تفوت"، أي الفلاح الذي لا يستطيع أن يروي أرضه في هذا الشهر لا يستفيد من زراعتها، و"توت يقول للحر موت" نسبة إلى انكسار نسبة الحرارة في هذا الشهر، و"توت حاوي توت" أي أن الحاوي يتكلم بالعلم والمعرفة بلسان الإله توت. الشهر الـ2 الشهر الثاني هو "بابه"، ومشتق من "هابى أو حابي" إله النيل، ومن أشهر أمثاله: "بابة خش واقفل الدرابة" أي الطاقة النافذة الضيقة في البيوت الريفية اتقاء للبرد في هذا الشهر، و"إن صح زرع بابة يغلب النهابة، وإن خاب زرع بابة ما يجيبش ولا لبابة" أي أن كثرة المحصول في بابة مربحة مهما انتهب منها. الشهر الـ3 الشهر الثالث هو "هاتور"، واسمه مشتق من "أثور"، إله الحب والجمال، ومن أشهر أمثاله: "هاتور أبو الدهب منثور"، ويقصد بالدهب القمح، و"إن فاتك زرع هاتور اصبر لما السنة تدور"، بمعنى إنه إذا مر عليك هذا المحصول دون نتجية، فيجب عليك الانتظار للعام المقبل. الشهر الـ4 الشهر الرابع، هو شهر "كيهك"، وهو مشتق من اسم "كاهاكا"، إله الخير والمرموز له بـ"عجل أبيس المقدس"، ومن أشهر أمثاله: "كياك صباحك مساك، تقوم من فطورك تحضر عشاك"، في إشارة إلى قصر النهار في هذا الشهر وطول الليل، و"البهايم اللي متشبعش في كياك ادعي عليها بالهلاك". الشهر الـ5 الشهر الخامس، هو شهر "طوبة"، وهو مخصص للإله "أمو"، إله الطبيعة، ومن أشهر أمثاله: "طوبة تخلى العجوزة كركوبة، من كثرة البرد والرطوبة"، في إشارة إلى البرد الشديد الذي يجعل من الفتاة الصغيرة، عجوز "كركوبة"، وأيضًا: "طوبه تزيد الشمس طوبة"، في إشارة إلى أن النهار يبدأ في الزيادة بدءَا من هذا الشهر. الشهر الـ6 الشهر السادس، هو شهر أمشير، ومشتق من اسم إله الزوابع والعواصف، ومن أشهر أمثاله: "أمشير أبو الزعابير الكتير أبو الطبل الكبير"، و"أمشير أبو الزعابير الكتير ياخد العجوزة ويطير"، و"أمشير يقول لبرمهات عشرة منى خد وعشرة منك هات نطير العجوز بين السفكات". الشهر الـ7 الشهر السابع هو شهر برمهات، ومأخوذ من "مونت"، إله الحرب والنيران، ومن أشهر أمثاله: "برمهات روح الغيط وهات قمحات وعدسات وبصلات"، إشارة إلى الخير القادم من الحقل والزراعة. الشهر الـ8 ثامن الشهور القبطية هو "برمودة"، وهو مشتق من اسم الإله "رنو"، إله الرياح والموت، ومن أشهر أمثاله: "برمودة دق العامودة"، أي دق سنابل القمح بعد نضجها، و"برمودة وردة برمودة بالعودة"، وذلك لأنه شهر الحصاد. الشهر الـ9 أما شهر "بشنس" -الشهر التاسع- فهو مخصص للإله "خنوسو"، إله القمر، ومن أشهر أمثاله: "بشنس يكنس الغيط كنس"، لأنه لم يبقى في الغيط شيء، و"فى بشنس خلى بالك من الشمس"، وذلك في إشارة للحر الشديد في هذا الشهر. الشهر الـ10 عاشر الشهور القبطية هو "بؤونة"، وهو مشتق من اسم "باذني" إله المعادن، ومن أشهر أمثاله: "بؤونه نقل وتخزين المونة"، أي المؤنة للاحتفاظ بها بقية العام، خشية الفيضان الجارف أو انقطاع الفيض، و"بؤونة تكتر فيه الحرارة الملعونة"، في إشارة للحر الشديد، و"شهر بؤونة يفلق الحجر". الشهر الـ11 الشهر الحادي عشر هو شهر "أبيب" وهو مشتق من اسم "أبيب" إله الفرح، ومن أشهر أمثاله المرتبطة بالزراعة: "أبيب فيه العنب يطيب"، و"أبيب طباخ العنب والزبيب"، و"إن كلت ملوخية في أبيب هات لبطنك طبيب"، و"أبيب مية النيل فيه تريب" نسبة إلى الفيضان. الشهر الـ12 الشهر الثاني عشر، هو شهر "مسرى"، ومشتق من "مس رع"، إله الشمس، ومن أشهر أمثاله: "عنب مسرى إن فاتك متلقاش ولا كسرة"، أي الحث على الإسراع في زراعة الذرة، و"مسرة تجرى فيه كل ترعة عسرة" حيث تزداد مياه الفيضان فتغمر كل مصر. الشهر الـ13 الشهر الثالث عشر والأخير هو شهر "نسيء"، ويعني "التأخير"، ويتراوح ما بين خمسة أو ستة أيام. |
||||