![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 13021 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الاستحقاق في لغة الحبّ “كتاب ميلاد يسوع المسيح”
![]() الإنجيل ليس “للتلاوة” ولا “للمطالعة” بل لـ “الحياة”. ولا تقرأ الكنيسة لنا نصاً إنجيلياً إلاّ لهذه الغاية، وخاصة في الليتورجيّا. من يستمع لهذا النصّ الإنجيليّ اليوم يخرج متعثراً، على الأقلّ من ضرورة تلاوة كلّ هذه الأنساب. رتبت الكنيسة في سبيل التهيئة لعيد الميلاد الأحدين اللذين يسبقان العيد، أي هذا الأحد والأحد السابق، فنقيم تذكار الأجداد أولاً ونقرأ إنجيل المدعوّين الذين رفضوا الحضور إلى العشاء وكيف جمع السيّد الناس من كلّ مكان لأن العشاء قد أُعدَّ إشارة إلى عيد التجسد الإلهيّ القريب. من ثم هذا الأحد، أحد النسبة، حيث نقرأ نسب المسيح البشريّ. من الملحوظ أيضاً أن شهر كانون الأوّل ملآن بأعياد الأنبياء والقدّيسين من العهد القديم. عثرتنا من النصّ تعود إلى أسباب متعدّدة منها أولاً، أننا نقرأ هذا النصّ كمن يسـتمع أو يطالع تاريخاً ما قبل المسيح، ولا نستطيع أن نجد له أي معنى لحياتنا اليوم. وثانياً، وما يزيد الأمر تعقيداً، أن هذا التاريخ الذي قبل المسيح هو تاريخ مجهول لدينا وبالتالي طبيعيّ ألا يعنينا. أو في أحسن الأحوال ثالثاً، أننا نفهم هذا النصّ “كشجرة نسب” للمسيح الذي يولد بعد أيّام قليلة. مع ذلك يبقى السؤال قائماً، هل هناك حاجة فعليّة لقراءة كلّ هذه الأسماء؟ والسؤال الأعمق هو ما هي غاية هذه القراءة عندما نعرف أنّ النصّ لا يسلسل كلّ الأسماء بتاريخيتها، بل يتخطى أسماءً ويتوقف فقط عند بعض الأسماء؟ وكأن متى الإنجيليّ، من التقليد آنذاك، سجّل هنا أهم الأشخاص الذين لعبوا دوراً هاماً في مسيرة الله إلينا، والأغربّ من كلّ ذلك أنّه بين أسماء كلّ هؤلاء الأبرار تندرج أسماء حملت في حياتها شتى ألوان الضعف البشريّ وأن هذه السحابة من الناس التي جاءت بالمسيح لم تكن من البرّ البشريّ، بل من ضعفه أيضاً. هذه الأسئلة والملاحظات تجعلنا نشعر وندرك أوّلاً أنّ العزم الإلهيّ لا يقف عند الضعف البشريّ، أي بكلمة أخرى أن الحبّ الإلهيّ لا يقيس الأوهان. فالله يعرف جبلتنا وأننا تراب نحن، كما قال بولس الرسول: “ونحن بعد خطأة أحبنا”. فإذا كان الله يؤدبنا لنتطهر من خطايانا فإنه لا يرفضنا حين لا نغلبها. كلّ ما هو بشريّ يحمل خليطاً إلهيّاً إنسانيّاً، أي خليطاً بين الضعف والقوّة. لقد جاء الله إلينا ساعياً ومرّ قَدَرُ حضوره إلينا على أبرار كما على خطأة. إن الحبّ الإلهيّ لا يوقفه الوهن البشريّ. ويقيس الله ما يمكن أن يحقّقه هو وليس ما يمكن أن نخطئه نحن. والأمر الثاني الذي يتضح لنا هو أنّ خلاصنا لم يكن إنجازنا بل هبته. لم يأتِ المسيح من البرّ البشريّ بل بالأكثر من الحبّ الإلهيّ. تاريخ الشعب قديماً الذي انتظر وهيّأ لحضور المسيح لم يكن تاريخاً باراً بجملته بل تاريخ انتظار وهذا هو برّه. وفي الانتظار هنا أخطأ فلان وهناك كان الآخر باراً. فلا حقّ لنا أن نتباهى بل واجب علينا أن نشكر. والأمر الثالث هو أن نتأمّل في عظمة الحبّ الإلهيّ الذي يغلب العالم ولكن دون كسر الحريّة البشريّة. لقد صرخ يسوع، كما يروي يوحنا الإنجيليّ، ثقوا لقد غلبت العالم. ولكنّها بداية الغلبة، إنّها بذرتها التي زرعت، لكن قدر الحبّ الإلهيّ الذي لا يغصب الحريّة البشريّة هو أن ينتظر آخِر الأزمنة وليس أن يفرض في اللحظة. الربّ سيد التاريخ. ولكنّه، إن جازت العبارة، أسيرٌ من هفواتنا. لذلك، حبّاً بنا، يحمل أوهاننا التي تؤجّل وتؤخّر على الله تحقيق إرادته بيننا. نعم إن ضعفاتنا تؤخّر فيض حبّ الله وغلبته ولكنّها لا تلغي ذلك. أَلم يذكر الكتاب أن كلّ شيء (حتى الشرير منه) يؤول (بحكمة الله) إلى خير المؤمن؟ لقد اختار الله أن يرضخ لحريّتنا، وهذه عظمة حبّه واحترامه لنا. لذلك يد الله ليست ضاربة بل مصلحة لا يلغي الله مواقفنا بل يحتملها ليصلحها حين نسمح نحن له بذلك. لهذا في التاريخ المقدّس هناك لحظات غير مقدّسة وشخصيّات كذلك. الله لم يأتِ إلينا فقط من أبرارنا بل أيضاً من أشرارنا. الحبّ الإلهيّ يظلّل الشعب في أنقيائه وأرديائه. هذا الحبّ لا يبرّر الخطأ ولكنّه يحتمله. الحبّ الإلهيّ لا يشجّع الخطيئة، على العكس، وإنّما يرجو أن يصلحها. المحبّة تتأنّى وترفق والمحبّة تترجّى. لقد كان حبّ الله قويّاً لدرجة أنّ سعيه إلينا لم يتوقّف بسبب خطايانا. لقد صمّم الله أن يأتي إلينا، كما وعد حواء في الفردوس، أنّه من نسلها سيأتي من يسحق رأس الأفعى، وهو إذن آتٍ لا محالة ولكنّه لا يعصف بحريّتنا لتحقيق إرادته. تاريخنا المتبدّل الصفحات بألوانها البيضاء منها والسوداء يسير إلى اللاّ منتهى في الحبّ الإلهيّ. نعم قد لا يستحقّ تاريخنا البشريّ مجيئه ولكنّه جاء لأنه أحبنا. قد لا يكون لنا الاستحقاق ولكن لنا الهبة أنّه يحبّنا. استحقاقنا لاستقباله لا يأتي من استحقاقنا بل من هبته. في لغة الحبّ الإلهيّ استحقاقنا هو هبته، وضمانة العهد من تصميم الله وليس من إخلاصنا. إنّ حبّه يؤهّلنا، وتواضعه يجرحنا، وجرح حبّه يعيدنا، وعودتنا تحرّره لخلاصنا. لغة الحبّ الإلهيّ تعرف أن قيمة الإنسان بمقدار الحبّ الإلهيّ وليس بهزالة البرّ البشريّ. لولا هذه المعادلة الإلهيّة لما استحققنا يوماً حضوره. إنّ حبّه يجعل هبته تسحقنا خشوعاً وانسحاقنا يغدو استحقاقنا. المسيح أتى من السماوات، رغم عدم استحقاقنا، فحبّه يدمينا وحضوره يرفعنا. المسيح على الأرض فارتفعوا. آميـن المطران بولس (يازجي) |
||||
|
|||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 13022 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الاستعداد لعيد الميلاد ![]() جميلة هي الزينة التي تتحلى بها شوارعنا وطرقنا. بهية هي الأضواء الملونة التي نراها في منازلنا وربما داخل بعض كنائسنا راسمة أسم المسيح القدوس. ملهمة هي مغاور موحِية بمكان ولادة السيد ولو لم تكن من تراث كنيستنا الشرقية المقدسة. خضراء هي الشجرة الآتية إلينا من شمال شرق أوروبا وبالتحديد من البلاد السكندنافية الباردة فانتصبت في منازلنا وتشبهت بها أشجار حدائقنا، كل هذا جيد ونسأل الله أن تعيّدوا بالخير أنتم وعائلاتكم. ولكنني ألتفت هنا وهناك وأحدِّق بنظري لكي أجد صاحب العيد، ويا للأسف لا أجده في كثير من الأحيان… أيها الأحباء، عظيمة هي كل هذه الأشياء، لكن الخطر كامن في اننا نحن الذين نقيمها نُفقدها، دون أن نقصد أو أن ندري، معناها الحقيقي اذ انها تلهينا هي بذاتها عَمّن يعطيها معنى وجودها وهو الطفل الإلهي، المشرق للمشارق، الذي افتقدنا من علياء سمائه لكي يجعل أرضنا الباردة سماء ملتهبة بنار المحبة الإلهية التي أتانا بها كي ينقذنا نحن البشر الذين تغربنا عن محبته بابتعادنا عنه… دونه، أي إذا لم يكن هو محور سعينا ومركز عيدنا، فالزينة تصبح بهرجة خارجية فقط والأضواء قابلة لأن تنطفئ سريعاً ويزول مع ضوئها اسم صاحب العيد من آفاق نظرنا، والمغارة تصبح من الآثار الخالية من ضيفها الإلهي اذ ان مريم أمه وخطيبها يوسف لن يجدا في قلوبنا، غير المبالية بالطفل الإلهي الذي ارتضى أن يسكنها، مكانا يأتيان اليه فيضعان فيه كنزاً للخلاص يفوق كل كنوز الأرض اذ هو فادي البشرية جمعاء. والشجرة المدعوة أن تصبح رمزاً للشباب الأبدي الذي تجدده نعمة الطفل الإلهي كالنسر، تصبح بدورها قابلة لأن تكون هَرِمَة قبل أوانها تنذر بهرم مبكِّر لنا نحن الذين نتوق إلى ديمومة الحياة. لننتبه جيداً الى من يأتي إلينا لكي يحيينا، ولنتمسك به كأساس لحياتنا، ولنضعه أساساً لكل هذه المظاهر التي تأخذ حينئذ معناها الحقيقي اذ تساعدنا أن نسجد بالروح والحق للمفتقد أرضنا برحمته العظيمة، له الكرامة والسجود إلى الأبد، آمين. المطران بولس (بندلي) |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 13023 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() رسالة الصوم
![]() يقول النبي إشعيا: “ألَيس هذا الصوم الذي آثرتُه حلَّ قيودِ النّفاق وفكَّ رُبُطِ النّير وإطلاقَ المضغوطين أحراراً؟ أليس هو أن تكسر للجائع خبزَك وأن تُدخل البائسين المطرودين بيتَك، وإذا رأيتَ العريان أن تكسوَه، وأن لا تَتغاضى عن قريبِكَ البائس؟” (أشعيا 58: 6-7). يشبّه القديس باسيليوس الصومَ بنَسرٍ لا يستطيع أن يحلّق في الفضاء إلاّ بجناحين: الصلاة وعمل الإحسان. ومن جهة أخرى الصوم الحقيقيّ الكامل لا يقتصر على الاِمتناع عن بعض الأطعمة، بل هو أن يمتنع الإنسان عن كلّ ما لا يُرضي الله، الامتناع عن كلّ شرّ. هو صورة عن الموت من أجل المسيح. الصوم يقرّب الإنسان من الله، يهيِّئُ المؤمنَ الممارِسَ ليقتبلَ العيد بفرح، لأنّ جسده ونفسه يكونان قد تطهرّا من كلّ الرذائل، فأضحَيا جاهزَين للفرحِ بِحُضورِ الربِّ يومَ العيد. يقول القديس سمعان اللاهوتيّ الحديث “كما أن الشمس تخفِّفُ وتُزيلُ الضباب شيئاً فشيئاً، هكذا الصوم يُقصي ويزيل غشاوةَ النفس”. * * * من جهة أخرى يقول السيّد نفسه: “هذا الجنس (الشرّير) لا يخرج إلاّ بالصلاة والصوم” (متى 17: 21). ويذكر القدّيس أثناسيوس الكبير “كلّ من يتألم من روح شرير دنس إن استخدم دواءَ الصوم في الحال يتوارى الروح الخبيث عنه مخذولاً خائفاً من الصوم”.. لأنّ الشيطان يجاهد أوّلاً في أن يبطل دوامَ اليقظة في القلب . الصوم مع الدموع والهدوء يقود إلى طهارة النفس ومنها إلى الإستنارة والقداسة. يقول القديس اسحق: “لتكن أسلحتك الدموع والصوم. عندما يكون بطنك مليئاً لا تحاول استقصاء المعاني الإلهيّة……. إنّ معرفة أسرار الله لا تُدرَكُ عندما يكون البطن مليئاً” * * * نحن اليوم في زمن صوم الميلاد الأربعينيّ. هو يهيّئنا لكي يولد يسوع فينا، لكي يولد أيضًا في هذا العالم الحاضر ويبدّد ظلمته. قلّة من المسيحيين اليوم هم الذين يستخدمون دواءَ الصوم لتحريرهم من قيود الاستهلاك الطعاميّ والماديّ. الصوم فرح وحرّية، فرحٌ بالربّ وتحرّر من شهوة الجسد. الحضارة الحالية تركّز على الجسد ونعلم أنّ الرفاهيّة الزائدة تقود إلى الفساد والخلاعة، تُظلم النفسَ وتُبعدُ الإنسانَ عن الله. غاية الصوم هي الاتّحادُ بالله. نحن نمتنع عن أشياء كثيرة من هذه الدنيا عشقاً بالله. ومحبّة الله المتجسّد فقيراً تدفعنا لكي نُصبح بدورنا قريبين من الآخرين أخوتِه الصغار. نحن في حالة انتظار دائم له: الربّ يسوع أتى وهو الآتي. في صوم الميلاد نعلن أننا قابلون ميلاده المجيد نوراً يضيء قلوبنا ويضيء قلب كلّ انسان يعيش في مغارة هذا العالم المظلمة. + أفرام مطران طرابلس والكورة وتوابعهما |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 13024 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() عظة غروب عيد رؤساء الملائكة
![]() ما علاقتنا بميخائيل وجبرائيل وروفائيل وسواهم؟ نحن علاقتنا المباشرة مع الرب. لا نعبد الا الله. لا نعبد الملائكة ولا القديسين. نكرمهم. نعززهم. نتشبه بالقديسين لمّا كانوا على الارض. لكن هؤلاء كلهم أَعوان او خُدّام لله. لكن اذا انت كرّمت الخادم، تكرم ايضا صاحبه. نحن في كنيستنا نؤمن ان كل انسان له ملاك حارس. هذا سر. لا احد يعرف من هو ملاكه الحارس. لكن عيَّنَ الله ملاكا لكل انسان يحرسه. لهذا نستعمل هذه العبارة “الملاك الحارس”. تقف القصة عند هذا. هو خادم لله، وخادمنا لله. والملاك تعتبره الكنيسة قديسا. لذلك له عيد. نعرف أسماء الملائكة من الكتاب المقدس. وهم اصدقاؤنا بمعنى انهم يُصلّون من اجلنا فيما هم قائمون في حضرة الله في السماء. الملائكة نعتبرهم قديسين. وجعلنا لهم اعيادا. ليس لهم اجساد منظورة. ميخائيل ملاك غير منظور. لكن ذكره الرب يسوع في الانجيل. هم اذًا يصلّون من اجلنا، ويسبّحون الله، وياخذوننا معهم في الصلاة. الملاك الحارس مذكور في صلاة النوم الصغرى والكبرى وفي قانون الملاك الحارس، بحيث نطلب شفاعة الملائكة. نعتبر انهم يصلّون. نعتبر ان عندهم وعيا. عندهم وعي وفهم. هم واقفون في حضرة الله. وايضا نؤمن ان هذا الملاك الحارس يدعمنا امام الله. المهم من كل هذا العيد ان نتشبّه بالملائكة. ما الغاية من ان نقيم العيد اليوم؟ هم امام الله في الصلاة. نحن اذًا نقوم امام الله في الصلاة. هم يخدمون الله بالوعي الذي يعطونه للمؤمنين. نحن مثلهم في خدمة الله. الكنيسة يهمها ان تعلّم اولادها أننا عندنا اصدقاء في السماء. لسنا متروكين. والرب يسوع أوضح في الانجيل انه هو المخلّص وانه هو الرب. ولكن اوضح ابضا ان لنا اصدقاء في السماء. بعض الفِرق المسيحية لا تهتم بالقديسين. ولا تطلب شفاعتهم. حجتهم ان عندنا المسيح، فما حاجتنا الى القديسين؟ انت عندك المسيح، وعندك ايضا اصدقاؤه. أقالَ ان تترك أُمي؟ اقال هو أن تترك اصدقائي القديسين؟ لا. انت عندك بالدرجة الاولى الرب يسوع. لا احد يضاف عليه. لكن هؤلاء اصدقاؤه. فاذا انت كلَّمتَهم فكأنك انت تكلّمه. نحن للسيد له المجد وحده. وهو وحده ربنا ومخلّصنا. فإننا اذا ذكرْنا القديسين ومنهم الملائكة، المهم ان نقترب من يسوع. هذه الغاية. فاذا وقفت عند ميخائيل شفيع هذه الكنيسة فهذا كُفر. لا تقدر ان تقف. هم على دربك. هم على طريقك الى المسيح. اذا وقفت عندهم، فانت تترك المسيح. انت تذهب معهم. تصطحبهم معك الى يسوع. وهم يأخذونك الى يسوع. أعاد الله عليكم هذا العيد وانتم في تمام العافية وفي تمام القداسة -وهذه اهم من العافية- حتى يفرح الرب بكم. عظة المطران جورج (خضر) في كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل، في أنطلياس، |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 13025 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() فلسفة الحياة والموت
![]() لا بدّ من مفكّرين، من طامحين، ليكتشفوا دائماً آفاقاً جديدة. هل الحاجة إلى مفكِّر هي أمسُّ منها إلى فيلسوف؟ ليست الحاجة الى نظرية فلسفية جديدة ولا الى نظام أو مؤسسة عالميَّة بل الى إشراقٍ جديداً للإنسان يتجدّد يوماً بعد يوم. كان Pascal، المفكّر الفرنسي الكبير، يكتب “تفكّرت بلقاء كتاب فوجدتُ امامي إنساناً”. هل تستطيع جملةٌ، أو حديث ما أن يغيّر حياةً برّمتها؟! الإنسان مأخوذ بسرّين في حياته: الأول هو الجمال والثاني هو الموت. جمال الخليقة من جهة، خليقة فيها روح وليست جدباء لا نَفَسَ فيها. هناك طاقة في الإنسان تجعله يتخطّى ذاته، يتخطَّى أنانيَّته. لذلك، هو يحبّ الجمال. ما سوف يخلّص العالم، يقول الكاتب الشهير Dostoievski وكأن شيئاً في ذاته يهمس فينا “أنت لن تموت”،هو لقاؤنا مع المسيح. عندما يكون الإنسان في أفضل حالة صحيّة عندها يخشى الموت، وإن تعطّلت لديه الأمور كلّها في حياته يفتكر بالانتحار. هل يخاف الموت أم هو يشتهيه؟ * * * هذا هو صراعه بين الموت والحياة. الحبّ هو المفتاح، مفتاح الحياة والموت. الإنسان الذي يجاهد ليتخلّص من الموت عن طريق الملذّات يرتمي في أحضانه فيأسره الموت. هذه هي مأساة الإنسانية. هل نستطيع مواجهة الموت بدل الهرب منه. لا نستطيع إنقاذ الإنسانيَّة عن طريق الجريمة، القتل أو الانتحار. المسيح فضَّل أن يموت هو بدل أن يُمِيتَ الآخَرين، هذا لكي يمنحَ الآخَرين الحياة. بمحبَّته للحياة غلب الموت بموته. من هنا فكرة القيامة. يقول الرسول بولس “إن كان المسيح لم يقم فتبشيرنا باطلٌ وإيمانكم أيضًا باطلٌ” (1 كو 15: 14) لا شيء أسوأ من أن ينغلق الإنسان على نفسه ويعتقد أنّه كلّ شيء. كلّما تنطَّحَ الإنسان ليكتسِب صورة الله ومثاله اكتملَ هو أيضًا كإنسان. التألُّه حَلٌّ وسط بين الكبرياء واليأس، هذا على مثال المسيح ابن الإنسان. آباؤنا ذهبوا إلى الصحراء وعاشوا بالروح فازدادت حياتهم بهاءً وهكذا انتقلوا من الموت إلى الحياة. * * * النور الإلهي أشرق من وجوههم هذه خبرة أولى للقيامة. القديس مكسيموس المعترف يقول إن العالم والتاريخ مليئتان ببذور إلهية على رجاء تجلّيها. اليوم الشعوب تتوق إلى الحرية، ويمرّ ذلك بالتنمية، بالديموقراطية وبالثقافة، ولكن هناك، أيضًا، تسلّط وطغيان للحرِّيّة. الشباب اليوم يتوق إلى الحرية ولكنَّه بدأ يشكُّ بفعاليَّة الاستهلاك. الحرِّيَّة الحقيقيَّة التي لا يشوبها انحلال (aliénation) هي التي تتخطّى المادة إلى الروح. يبحث الإنسان المعاصر عن المسيح دون أن يعلم. المخدِّرات والجنس لن تقوداه إلاّ إلى مأزق. لا بدّ من العودة إلى الوداعة، إلى اللطف، إلى القداسة. الكنيسة، كنيسة المسيح، رجاء كبير لعالم اليوم. طوبى للذين يعتنقونها، شرط أن تظلَّ حيّة مع الإله الحيّ إلى الأبد. أفرام مطران طرابلس والكورة وتوابعهما |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 13026 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() لَوْمُ النَّفْسِ
![]() سُئِلَ شيخٌ: “ما الأعظمُ في طريقِ الفضيلة؟” أجاب: “أَنْ نعودَ باللَّوْمِ على أنفسِنا في كلِّ شيء”. رُبَّ واحِدٍ يضطرِبُ لكلمةٍ مزعجة يوجِّهُهَا إليه أحدُ الإخوةِ، ورُبَّ آخَرَ يسمعُ كلمةً جارِحَةً ويَعْبُرُ عنها دون اضطرابٍ. تُرَى ما هو سببُ هذا الفارِق؟ إنَّ سببَ كلِّ اضطرابٍ، إِنْ بَحَثْنَا بدقَّةٍ، هو، دائِمًا، أنَّنَا لا نلومُ أنفُسَنَا. واحِدٌ يقول: “لقد أغاظني أخٌ، ففحصتُ نفسي، ولم أَجِدْ ما الَّذي فعلتُه له حتَّى يقوم بإزعاجي، فكيف يمكنني إذ ذاك أَنْ ألومَ نفسي؟”. في الواقِع، إِنْ فَحَصَ كُلُّ واحِدٍ منَّا نفسَه بدقَّةٍ سوف يجِدُ حَتْمًا أَنَّه قد أعطى مبرِّرًا، إِنْ بِعَمَلٍ أو بكلمةٍ، لإزعاجِ أخيه. هكذا، إِنْ فَحَصْنَا ضميرَنا بمخافةِ اللهِ فسوف نجِدُ أنفسَنا مسؤولين في كلِّ الأحوال. * * * أيضًا، هناك من يعتقِدُ أَنَّه في سلامٍ. مع ذلك، يضطربُ لكلمةٍ مزعِجَةٍ سَمِعَهَا من آخَر، فيقول في نفسِه لو لم يأتِ هذا الإنسانُ ويزعجْني لما كنتُ اضطرَبْتُ بهذا الشَّكل!. إنَّ هذا التَّفكيرَ خاطِئٌ، لأنَّه هل يمكن للآخَرِ أن يُدْخِلَ، هكذا، هذا الهوى في قلبِكَ بكلمةٍ واحِدَة؟ إنَّ هذا الإنسانَ كان يَظُنُّ أَنَّه في سلامٍ بينما كان فيه هوًى (passion) دفينٌ يجهلُه. كلمةُ واحِدَةٌ كانت تكفي لينكَشِفُ هذا الضُّعفُ الكامِنُ في القلب. إنْ أرادَ المغفِرَة فَلْيَتُبْ وينتَفِعْ. عندئذ، يجِدُ أنَّ عليه أنْ يشكُرَ من أغاظَهُ بكلمةٍ لأنَّه كان سبَبًا لشفائِه من مرضِه. لنفترِضْ أنَّ أحدًا مِنَّا احتاجَ إلى شيءٍ ولم يحصَلْ عليه. عندها لنَقُلْ لأنفسِنا: “أللهُ يعرِفُ أكثر منِّي ما أنا بحاجة إليه، وهو سوف يوفِّرُ لي ذلك في الوقت المناسِب”.لو كان ذلك الغرضُ مناسِبًا لي، في هذه اللحظة، لَتوفَّرَ لَدَيَّ على كلِّ حال. لِنَقُلْ في أنفسِنَا: “إنْ حصلَ لنا خيرٌ فهذا من رحمةِ الله، وإنْ حصلَ لنا شَرٌّ فهذا يعود لخطايانا. فلا نَتَّهِمَنَّ القريبَ بل لنُرْجِعْ كثيراً من آلامِنا إلى خطايانا. * * * أيُّها الأحِبَّاء! إنَّنا، في أكثر الأحيان، نحاوِلُ أَنْ نُبَرِّرَ أنفُسَنا وأن نُلقي الذَّنبَ على الآخَر. لِنَسْعَ، بمعونة الله، إلى أَنْ نتطلَّعَ إلى ضعفاتِنا ونلوم ذواتنا أوَّلاً، هكذا نجدُ راحةً لأنفُسِنَا ونريحُ الآخَرين تِبْعًا للوصيَّةِ القائِلَة: “لماذا تَنْظُرُ القَذَى الَّذي في عينِ أخيك وأمَّا الخشبَةَ الَّتي في عينِك فلا تَفْطَنُ لها. يا مُرائِي أَخْرِجْ، أَوَّلاً، الخشبةَ من عينِك وحينئذٍ تبصِرُ جيِّدًا أن تُخرِجَ القَذَى من عينِ أخيك” (متى 7: 3-5). __________________________________________________ (1) أُخِذَ هذا الموضوع من كتاب “التَّعاليم الرُّوحيَّة” للقدِّيس دوروثاوس غزَّة. ندعو كلَّ واحِدٍ أن يطالِعَ هذا الكتاب لفائدته الرُّوحيَّة الكبرى. الكتاب متوفّر في المطرانية وفي مكتبة السائح. أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 13027 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ما بين الجنونِ والشّهادةِ!…
![]() الإلهُ تجسّدَ ليُطابقَ حياتَهُ على الأرضِ مع الإنسانِ مخلوقِهِ، بالصّليبِ!!… مَن يقبلُ الكلمةَ بالسّماعِ، يُدخلُها الرّوحُ القدسُ في كيانِ وضميرِ سامعِها ليفهمَ الكتبَ والوصايا الإنجيليّةَ فيحياها خبزَ حياتِهِ اليوميّةِ. أمّا الّذين لا يقبلون الكلمةَ، فيستلمُهم شيطانُ العالمِ ليجرَّهم إلى العيشِ في مراقي كبريائِهم، وعبادتِهم لأنفسِهم، ليجعلَ منهم آلهةً تعبدُ الرّبَّ صوريًّا، إن نشأوا في عائلةٍ مسيحيّةٍ، فتصيرَ حياتُهم كذبةَ إيمانٍ وعيشٍ وصراعٍ إذا ارتضى الرّبُّ امتحانَهم مرّةً ومثنّى وثلاثَ ليُعيدَهم إليه… يسوعُ ماهى نفسَهُ مع كلِّ مخلوقٍ، عابرًا حياةَ كلِّ إنسانٍ ليأتيَهُ ببركةِ الآبِ فيعرفَهُ من خلالِهِ مقدِّمًا الشّكرَ للآبِ بالرّوحِ القدسِ. هكذا ارتضى الإلهُ الآبُ أن يسحقَ الإلهَ الابنَ وحيدَهُ بالآلامِ ليخلِّصَ الإنسانَ مخلوقَهُ من ربقةِ الشّيطانِ عليه… اليومَ نسيرُ صحبةَ الرّبِّ إلى كورةِ الجرجسيّين… اليومَ نلتقي “لجيونَ” (أي جمهرةَ شياطينَ كثيرةٍ) الّتي دخلتْ في رجلٍ عاديٍّ مسكينٍ، فعرَّتْهُ من أثوابِهِ وأخرجَتْهُ من بيتِهِ، من عائلتِهِ، من حضرةِ الرّبِّ والصّلاةِ وفرحِ لقيا زوجِهِ وأولادِهِ أو والدِهِ ووالدتِهِ وأقربائِهِ… انتزعَتْهُ من الحياةِ لتُلقي به إلى جحيمِ الموتِ، إلى مكانِ جهنّم الفناءِ، لتأكلَهُ الحيّاتُ والعقاربُ النّفسيّةُ والحسيّةُ والجسديّةُ، إذ أسكنتْهُ الشّياطين القبورَ… اليومَ صارَ اللّقاءُ، بين الرّبِّ يسوعَ وخليقتِهِ “المريضةِ”!!… ويبقى التّسآلُ: كيف بإمكانِ الشّرّيرِ أن يخطفَ مخلوقَ الله من بين يدَي الإلهِ كيدًا وحسدًا وكُرْهًا للإلهِ ليحطِّمَهُ بذريّتِهِ؟!. كيف يُقْتَلُ ويُفَتَّتُ أيُّ إنسانٍ بتصدُّعِ كيانِهِ وطعنِ قلبِهِ إلاّ بموتِ فلذةِ كبدِهِ؟!.. فإن ماتَ أيُّ إنسانٍ بسلامٍ يُيَتَّمُ الإبنُ، لكنْ إن ماتَ الابنُ بعذابٍ ومرضٍ شديدَين، تتقطّعْ أوصالُ روحِ الأبِ والأمِّ، لتستحيلَ حياةُ كلِّ مخلوقٍ في ذاكَ البيتِ إلى جحيمٍ كيانيٍّ، يَصِلُ فيه أحيانًا قنوطُ وحزنُ الإنسانِ حدَّ اليأسِ من حياتِهِ فيموتَ وراءَ ميتِهِ أو ييأسُ من مشاهدتِهِ الآلامَ السّاحقةَ لذريّتِهِ فيكفرَ بالإلهِ ويسخطَ، بل ربّما يلعنُهُ متخلّيًا عنه!!… هكذا يبدأُ الكفرُ في العالمِ، وفي البشريّةِ!!… وبهذا يفرحُ الشّيطانُ، أنّه نجحَ في دحضِ اقتدارِ فعلِ الإلهِ، ليُؤلِّهَ هو نفسَهُ مكانَ الإلهِ ويجعلَ الإنسانَ بآلامِهِ تابعًا له، فينقلَهُ من ألمٍ إلى ألمٍ ومن ضياعٍ إلى ضياعٍ ومن موتٍ إلى موتٍ، ومن تفكّكٍ إلى تفكّكٍ… وقفتُنا اليومَ في مواجهةِ الشّيطانِ ليسوعَ… فهو إذ رآهُ، خافَ!!. بل ارتعدَ ظانًّا أنّ يسوعَ سيجازيه عن فعلتِهِ وشناعتِها بقتلِ روحِ الإنسانِ الّذي سكنَهُ، لكنّه “لمّا رأى يسوعَ صاحَ وخرَّ له وقالَ بصوتٍ عظيمٍ: ما لي ولكَ يا يسوعُ ابنَ الله العليِّ، أطلبُ إليكَ أن لا تعذِّبَني… طَلَبَتْ إليه أن لا يأمرها بالذّهابِ إلى الهاويةِ… الهاويةُ مسكنُ الشّياطينِ، خافَتْ منها الشّياطين!!… … “فطلبوا إليه أن يأذنَ لهم بالدّخولِ في قطيع الخنازير فأذنَ لهم… فخرجتِ الشّياطين من الإنسانِ ودخلت في الخنازيرِ فوثبَ القطيعُ عن الجرفِ إلى البحيرةِ فاختنقَ”… جنونُ الإنسانِ في طلبِ العُرْيِ وعدمِ اللّجوءِ إلى الحياةِ الإلهيّةِ العائليّةِ، إلى البيتِ، لعيشِ الغضبيّةِ والعنفِ والتّدميرِ، واللّجوءِ إلى مقابرِ العربدةِ والسّكرِ والسّهرِ هي من سماتِ الشّيطانِ… الّذي يُحيي الإنسانَ في الخوفِ ليجعلَهُ ذاكَ الخوفُ جبانًا يتستّرُ بكلِّ طريقةٍ ليفتِّتَ روحَ الرّبِّ السّاكنَ والقائمَ في الإنسانِ الحاملِ الإلهَ على صورتِهِ ومثالِهِ لجعلِهِ قدّيسًا من قداستِهِ هو الإلهُ القدّوسُ وحدَهُ… * * * * * * * من جحيمِ سقوطِ الإنسانِ إلى هاويةِ الشّرّيرِ والسُكنى فيها، نرفعُ اللّحاظَ لاستقبالِ جسدِ قدّيسٍ شابٍ شهيدٍ يتخطّرُ في تراثِ كنيستِنا حاملاً لنا طيبَ عطرِ المسيحِ، القدّيسِ الشّهيدِ ديمتريوس المُفيضِ الطّيبِ… ففي قراءةِ إنجيلِ سحرِ العيدِ غدًا وتاليًا إنجيلِ القدّاسِ الإلهيِّ يُجيبُنا الرّبُّ على تسآلِنا اليوميِّ… لماذا الموتُ يا الله؟!… لماذا عنفُ القتلِ؟!… لماذا الحبُّ المودي بالبشريّةِ إلى الشّهادةِ إلى الحقِّ؟!… الشّابُ ابنُ “امرأةِ ناين”، أرقدوه النّعشَ وحملوه إلى مثواهُ الأخيرِ، وإذ التقاهُ المسيحُ وأمُّه تبكي فَقْدَهُ، أوقفَ يسوعُ مسيرةَ الموتِ وقالَ في سرِّهِ لامسًا النّعشَ: قُمْ إلى قيامةِ الأحياءِ يا بنيَّ، فأنا إلهُكَ ربُّكَ، قمتُ بعد صلبي وموتي إلى حياةٍ أبديّة، الّتي فيَّ من الآبِ بالحبِّ!!. هكذا أودعَ الرّبُّ يسوعُ جسدَ الشهيدِ المفيضِ طيبَ الحبِّ الإلهيِّ ديمتريوس، قلبَهُ قبرًا له بعد طعنِهِ في جنبِهِ الأيمنِ كما طعنَ الجندُ جنبَ السّيّدِ بعد رفعِهِ إلى صليبِ مجدِهِ، إلى صليبِ حبِّهِ للآبِ بدءًا للبشريّةِ ثانيًا وللكونِ الّذي أبدعَهُ تاليًا… الموتُ موتان… موتُ الشّيطانِ للإفناءِ في العذابِ، وموتُ الإلهِ على صليبِ مجدِ الحبِّ ليقومَ الإلهُ بالحبِّ من لعنةِ النّاسِ الّذين يلقون الأيدي والأفكارَ والاتّهاماتِ عليه وعلى أحبّةِ الرّبِّ، علّهم بإماتتِهم لحبيبِ المسيحِ، يمحونَ وجهَ الحبِّ عن وجهِ الأرضِ، يقتلون المسيحَ وذريّتَهُ ليُسيِّدوا وجهَ الشّيطانِ… لكن تبقى شهادةُ حبِّ الإنسانِ المخلوقِ لخالقِهِ، الرّبِّ يسوعَ، عنوانَ الحياةِ الجديدةِ في المسيحِ… “أوصيكم بأن يُحبَّ بعضُكم بعضًا، إن كان العالمُ يُبغضُكم، فاعلموا أنّه أبغضَني قبلَكم… لو كنتم من العالمِ لكان العالمُ يحبُّ خاصّتَهُ، لكن لأنّكم لستم من العالم، بل أنا اخترتُكم من العالمِ، لأجلِ هذا يبغضُكم العالمُ”… اليومَ في تذكارِ استشهادِ فتى الحبِّ الإلهيِّ ديمتريوس، نقفُ مسائلين أنفسَنا… أين نحن من الحبِّ ذاكَ المبذولِ لخلاصِنا من خطايانا؟!… الحقيقةُ الحقيقةُ أنّ كلَّ مخلوقٍ مولودٍ من حشا امرأةٍ في هذا الكونِ يحملُ سمةَ السّقوطِ ختمًا على جبهتِهِ… لذلك يسعى الّذين يُحبّون بلا حدودٍ الرّبَّ الّذي اختارَهم ليكونوا أصفياءَهُ، ليقفوا أمامَ عروشِ السّلاطينِ والرّئاساتِ معترفين علانيةً بحبِّهم، بل بعشقِهم لربّهم، علَّ الّذي يَفْنَى في حبِّ الإلهِ يُفيضُ عليه الرّبُّ حبَّهُ بقيامةِ حياةٍ أبديّةٍ، أي بلقيا صنوِ روحِهِ في هذا العمرِ المائتِ، في الطّفلِ والشّابِ والعجوزِ والعارفِ أنّه وُلدَ بالحقيقةِ لا من بطنِ السّقوطِ، بل بحبِّ الرّبِّ له وباختيارِهِ له تاليًا، ليصيرَ هو وجهَ المسيحِ الممتدَّ بالنّعمةِ إلى حياةٍ لا موتَ فيها، بل يتدرّجُ بحبٍّ يبدأُ حين يعي المخلوقُ ذاتَهُ أنّه هو حكايةُ حبِّ وجهِ السّيّدِ المحمولِ من حشا أمِّهِ العذراءِ إليه، ليحيا منها وفيها فيصلَ بواسطتِها إلى ابنِها… إلى الخلاصِ. الولادةُ ولادتان!!… ولادةٌ للموتِ وولادةٌ للحياةِ!!. ولادةُ جنونِ الشّبقِ والطّمعِ وعشقِ المالِ وسيادةِ الأنا وحبِّ الرّئاسةِ أو الولادةُ في المذودِ للإنسانِ المختارِ من حشا الآبِ والابنِ والرّوحِ القدسِ لحكايةِ حبٍّ لا بدايةَ لها في الزّمانِ والمكانِ، بل هي استمراريّةُ الكونِ المبروءِ بحبِّ خالقِهِ، ليميتَ موتَ السّقوطِ ويعلو بحبِّ موتِ الشّهادةِ كما تجسّدَ إلهُه ليحملَهُ ويرفعَهُ، إن أحبَّهُ، إلى حياةٍ الملكوتِ السّريّةِ بشهادةِ الحبِّ الإلهيِّ على الصّليبِ. الأمّ مريم (زكّا)، رئيسة دير القدّيس يوحنّا المعمدان، دوما – لبنان |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 13028 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() فاعلية الايمان
![]() “إن استطعتَ أن تؤمن فكل شيء مستطاع للمؤمن”. هذا كلام الرب، والسؤال هو لماذا كل شيء مستطاع للمؤمن. المؤمن، في اللغة، من جعل كل ثقته بالله وتاليا من قبل أن فاعليّة أعماله لا تأتي منه بل من الله، وكأنّ الآية تقول ان ما تفعله بالايمان فأنت فاعله بقوة الله. العلّة التي كان إنسان هذه الأعجوبة واقعا فيها هي أنه كان فيه روح شرير يسمّى هنا أَبكم اي يسبّب له عدم النطق. ويصوّره الانجيل على انه “يُزبد ويصرف بأسنانه وييبس”. هذه ظاهرة مرض عقليّ يقول الإنجيل انه تأتّى عنده من روح شرير. أمام عجز التلاميذ عن شفاء هذا الشخص، يوبّخ يسوع تلاميذه ويتّهمهم بعدم الايمان. الظاهرة النفسية او العقليّة معروفة. يصفها الإنجيلي بعدم الايمان. لا تشفي الآخر الا اذا آمنت. من هنا قوله: “إن استطعت أن تؤمن فكل شيء مستطاع للمؤمن”، اي إن استطعت أن تقبل الايمان فيك فهو قوة الله. انه يأتي منه اليك. انت تؤمن اذا جعلت الله سببا لأعمالك. تكون، اذ ذاك، متلقّيا إياه فيك. عندما يقول طالب الأعجوبة: أؤمن يا سيّد فأَغث عدم ايماني”، اي نجّني من ضعف الايمان اذا اعتراني، يكون عارفًا بأن الشيطان يريد أن يُبعدنا عن الإيمان حتى لا ننال ما نطلبه من الله. الشيطان عارف بأن خلاصنا من الايمان. لذلك يريدنا أن نشكّك، والايمان يتطلّب إخراج كل شك. لذلك قال السيّد للروح الأبكم الأصمّ: “انا آمُرُك أنِ اخرُجْ منه ولا تعُدْ تدخُل فيه”. عندما أَمرَ يسوعُ الروح الشرير أن يخرج من المريض، انتفض انتفاضا كبيرا وخرج، فصار الرجل كالميت. وعلّق الربّ على هذه الحادثة بقوله: “ان هذا الجنس (ايّ جنس؟) لا يخرج الا بالصلاة والصوم”، وفي المخطوطات الأصلية كلمة صوم ليست واردة. يبقى، اذ ذاك، أن نفهم أن الشر لا يخرج من انسان الا بالصلاة. هو متحكّم ويحتاج خروجه الى أقوى منه. فقط إذا اكتسبنا حريتنا في المسيح نتوقع الغلبة على الشرير. لماذا كل هذا الإصرار على الصلاة من قبل السيّد؟ هنا يجب أن تأخذها بمعناها العميق. اذا كانت الصلاة تعني باللغة العربيّة الوصل، يكون الرب نازلا علينا بكلماته وخارجا منا الى الناس والعالم بكلماته. الصلاة قوة الله اذ “الروح القدس هو الذي يشفع فينا بأنّات لا توصف” ( رومية٨: ٢٦). الإله المسكوب فينا هو الذي يدعو ذاته اذا نحن صلّينا. الصلاة حركة منه فينا الى ذاتنا. نحن لا نعطيه شيئا في ذاته. كل شيء فيه. نحن نعترف به فنُوجد. الصلاة التماسُ وجوده وقراره فينا. الصلاة تُحيي الايمان، تأخذه الى أعماقه كما تتجدد فيه. الايمان فيه تحرّكٌ عقليّ ولكنه فوق ذلك. انه خطفُ العقل الى الله الذي كيانه حُب. اجل، الايمان فاعل بذاته، غير أن محبتنا لله تجعله عميقا. الايمان والصلاة مترادفان، يغذّي أحدهما الآخر الى أن يجتمعا في رؤيتنا لله. واذاوصلنا الى الرؤية في اليوم الأخير لا يبقى سواهما. فاذا كانت الرؤية، تـبطل الصلاة ويبطل الايمان. بعد وصولك الى حبك لله، لا يبقى شيء تقوله. الرؤية هي القول الأخير. هي اللصوق بالرب ذاته. وعند اللصوق، يبطل القول. جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان) |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 13029 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() قصة قصيرة
![]() يشرح الكاتب الروسي فلاديمير سولوفييف (١٨٥٣-١٩٠٠) سر الكنيسة في قصة له عن صياد ضلّ الطريق في غابة كثيفة. وبينما هو جالس إلى جذع شجرة يفكر في أمره، اذا بعجوز تمرّ به وقد أَنهكها الإعياء والجوع، وتُحدّثه عن مأوى أمين في قلب الغابة يمكنه أن يقضي الليل فيه ثم يتبيّن طريقه متى طلع الفجر. نظر الشاب إلى العجوز فرآها ترتدي ثوبًا منسوجا من مادة نفيسة تُزركشه خيوط الفضة والذهب ولكنه بالٍ وممزق وملطّخ. عرضت العجوز على الصياد أن تقوده إلى المأوى الأمين شرط ان يحملها عبر نهر قريب من هناك. لم يصدّق صاحبنا ما قالته العجوز، لكنه كان طيب القلب، وإذ رآها تقع من شدة الضعف، حملها على كتفيه فبدت له ثقيلة كأنها كيس ملح، وكاد يرزح تحت العبء. لكنه واصل السير في الماء حتى بدأ حمله يخفّ خطوة خطوة. ووصل بالعجوز إلى الضفة المقابلة. ولم يكد يلقيها على اليابسة حتى تحولت إلى صبية حسناء متلألئة بالحجارة الكريمة والحُليّ. ثم قادت الصبية الشاب إلى قصر يفيض بكنوز لم ترَ عيناه مثلها من قبل، ولم يكن قد خطر على باله مقدار بهائها. فنسي الغاب ومشقاته وبيته وأهله ولبث في القصر لا يغادره. ثم قال سولوفييف لسامعيه: الكنيسة تبدو لنا كالعجوز في قصتنا ونحن تائهون في غابة أعمالنا، في سراديب نفوسنا. ما من شيء في مظهرها الخارجي يُغرينا. انها مثقلة بما نحسبه لأول وهلة تقاليد جوفاء لا معنى لها ولا علاقة لها بحياتنا اليومية. ولكننا إنْ تركْنا قلوبنا تتكلم، وقبلنا عبء الالتصاق بها عبر نهر الحياة الجارف، يتحوّل قُبحها بهاءً وفقرها غنى وإعياؤها بلسمًا شافيا. المهم أن نحمل نيرها علينا ونُقبل لنتعلم منها لأن نيرها هيّن وحملها خفيف. انها تتحول إلى ملكة مزيّنة ببهاء السيد الذي لا يوصف، تُعلمنا كيف نرفعها في قلوبنا إلى فوق فنحملها عبر كثافة التاريخ لتتقدس وتُشفى عند عرش سيد التاريخ ويزول غبار حمأة أعمالنا عن ثيابها. إذ ذاك نُحمل في شركتها إلى ما لم تره عين ولم تسمع به اذن (١كورنثوس ٢: ٩) ونمكث في بيت الآب نمسح ماء الذهب عن محياها. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 13030 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() المسيح سلامنا
![]() قال الرسول بولس لأهل أفسس في رسالة اليوم: «المسيح هو سلامُنا». هذا يعنى ان الذين ينتسبون إلى المسيح يُجابهون كل قوة بهذا القول: «المسيح هو سلامنا»، ويعني أيضًـا أن الذي يستعمل وسائل غير وسيلة المسيح لا يساهم في بناء السلام الذي جاء الناصري ليؤكده. قيل عن يسوع في الكتاب المقدّس انه هو السلام لأن السلام من أسماء الله، وبالتالي لا يستطيع أن يأتي بسلام الا ذاك الذي يُقرّ العدل، وبعد أن يُقرّ العدل يُقرّ المحبة. فلا محبة بلا عدل، ولا عدل إذا تعمّدنا قتل الأبرياء، ولا عدل إذا قصدنا الحرب ونحن نتكلم بالسلام. فقد قال نبيّ لليهود في ما مضى: «سلام، سلام، وليس سلام» (إرميا ٦: ١٤) اي انهم يقولون «سلام» وهم يُضمرون الحرب. من أراد إحلال السلام يُقرّ أولا ان العدل هو السلام. يبدأ من العدل لا من الخوف. يُقرّ العدل لكل الناس، لمن نتخوّف منهم ولمن لا نتخوّف منهم. الإنسان العادل يطرح الخوف خارجا حسب قول يوحنا الرسول في رسالته الأولى: «لا خوف في المحبة، بل المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى الخارج» (٤: ١٨). «المسيح هو سلامُنا»، والمسيح لا يعني ان الناس يجب ان يتوسّطوا أو ان يتصدّوا للناس حتى يكونوا أبناء العدل. كل الذين يعدُلون، مهما كان معتقدهم، تنطبق عليهم هده الكلمة «المسيح هو سلامُنا». كم من دولة لا تقوم على العدل وتفرّق بين الكبير والصغير وبين القوي والضعيف هي ساحقة ليسوع الناصريّ وترفعه اليوم على خشبة. «المسيح سلامُنا». العدل سلامُنا. هذه هي اللغة التي نتخاطب بها بين الشعوب. اللغة المسيحية الواحدة هي لغة العدل، وبعد ذلك نتكلم عن معمودية منسوبة بالمعمودية وبالتسميات وبالتاريخ. وهو «الذي يجعل الإثنين في نفسه إنسانا واحدا». إذا تخاصم اثنان، يأتيان اليه، وما عدا ذلك فتسوية. يأتي الاثنان اليه أي إلى البر وإلى الحق. فالمسيح وحده محا «حائط السياج الحاجز أي العداوة». العداوة لا تبطُل على موائد السلام، ولا تبطُل في قوى حفظ السلام، العداوة تبطُل في القلب. وإذا كانت القلوب مشحونة بالبغضاء وبالاحتقار لمن أذلّوا مئات السنين، فلا خلاص الا بالمسيح هو الذي مع المسحوقين ومع المظلومين كائنا من كانوا. المسيح هو الذي يجعل ابن البشر إنسانا واحدا جديدا بإجرائه السلام. هو يُصالح كليهما في جسد واحد مع الله بقتله العداوة. جاء وبشّرهم بالسلام البعيدين منهم والقريبين. ولهذا نحن مدعوّون لتحقيق السلام في بلادنا وفي جوارنا، هذا ما معناه أننا أبناء السلام. المسيحي هو الذي يعطي الثقة لأن الثقة لا تقتل الشعوب ولأن الثقة تُطْلق الصَدِيق والعدو. فإن كنا أبناء القيامة، فهذا يعني أن لنا ثقة بأن الحياة تأتي من الموت. وإن كنا أبناء القيامة، فهذا يعني أننا بثقتنا نشجّع الخائفين. وإن كنا من ابناء القيامة، فهذا يعني إقرارا أكيدا وصريحا وعميقا ومُخلصا أن العدل والسلام يسودان الأرض وأن المسيح سيد الكل. جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان) |
||||